قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والثلاثون والأخير

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والثلاثون والأخير

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والثلاثون والأخير

ادعت أنها بخير وتجيد التعامل مع الجواد رغم كون العكس جليًا على تعبيراتها المشدودة، ف فرح سئمت من إظهار تذمرها كل دقيقة - بالطبع لن يغير اعتراضها أو شكواها من الوضع بأي حال – لذلك اكتفت بمتابعة تلك الجولة المرهقة وهي تزفر بضيق، لم يقلل يزيد من مجهودها الملحوظ، بل مدحها قائلاً بابتسامة صغيرة تلوح على ثغره:
-مبسوط منك يا فرووح، مرتين كمان وهتنافسي!
نظرت له من طرف عينها محذرة بتجهم:.

-بلاش تريقة
رد عليها مبتسمًا:
-يا حبيبتي أنا بأديكي دفعة للأمام
التفتت برأسها ناحيته لتقول:
-مش عاوزاها
لكزت جوادها في جانبه مثلما تعلمت من يزيد فأسرع في خطاه قليلاً، ثم عادت تجذب اللجام للخلف حينما شعرت بدوار طفيف يصيب رأسها، أرخت قبضتها عن طرفيه لتمسح حبات العرق المتصببة من جبينها، تنهدت قائلة بإرهاق:
-ياه على الحر، مش معقول الجو هنا
رد عليها يزيد وهو يزفر بصوت مسموع:.

-ده احنا لسه مقربناش على الضهر، بنسخن بس
شعرت أن قواها تتضاعف بدرجة ما، أحست بعدم قدرتها على المواصلة مع ارتفاع درجة الحرارة بالأجواء، سألته وهي تبذل ما في وسعها لإكمال تلك الجولة بأقل الخسائر:
-هي الحرارة هتزيد أكتر من كده؟
أجابها يزيد ساخرًا ملوحًا بيده بغرورٍ مصطنع:
-احنا بلا فخر بنعدي ال 40 وإنت طالع
أصيبت بإحباط جلي عقب جملته تلك، نظرت له باستياء، كذلك تهدل كتفاها المرهقين مرددة بتذمرٍ:.

-ياني، ده أنا مش مستحملة خالص
أراد تحفيزها كي لا تستسلم لإحساس الوهن الذي بدأ يسيطر عليها، فصاح بخشونة طفيفة:
-ماتبقيش فستك يا فرووح!
ردت عليه بإنهاك:
-لفة كمان وهاتكوم أنا والحصان بتاعك
زوى ما بين حاجبيه مرددًا باستنكار:
-ده أنا مديكي الأبجر
لم تكن في حالة مزاجية جيدة لتتمكن من فهم مزحته الأخيرة، لوت ثغرها متسائلة بحيرة:
-أبجر مين؟
نظر لها بتعالٍ قليل وهو يرد مستنكرًا جهلها بتلك المعلومة الشائعة:.

-بتاع عنترة بن شداد، شكلك مكونتش بتذاكري كويس في ثانوي
اغتاظت من طريقته التهكمية في السخرية منه، عبست بوجهها قائلة:
-والله إنت فايق ورايق
غمز لها بعينه مغازلاً إياه:
-ومابقاش فايق ليه وأنا معايا القمر ده؟

ابتسمت برقة وهي تعاود التحديق أمامها في ذلك الطريق الترابي والذيمن وجهة نظرها لا ينتهي أبدًا، لاحت في الأفق سيارة ما تسير بتباطئ حذر حتى اقتربت منهما، أطل الجالس في المقعد المجاور لقائد السيارة من النافذة مهللاً بترحيب كبير:
-ابن الحاج سليمان، يا مرحب بالغالي ولد الغالي!
التفت يزيد برأسه نحو صاحب الصوت المألوف، عرفه على الفور فأوقف جواده قائلاً:
-ثواني يا فرح، هاسلم على الحاج.

اكتفت بالإيماء برأسها وهي تتابع ترجله من على ظهره متجهًا نحوه، بدت الرؤية بالنسبة لها مشوشة نسبيًا، لم تعرف ما الذي أصابها لتشعر بكل ذلك الخمول والتعب، ففي العادي كانت تؤدي العديد من المهام الشاقة المتلاحقة، لكن تلك المرة هي تجد صعوبة في تحريك جسدها، في البقاء واعية وحتى في التواصل الذهني والعصبي، لوهلة اعتقدت أن السبب في تلك الحالة الغريبة هو عدم تناولها لطعام الإفطار، فربما انخفضت مستويات السكر لديها في الدم فأحدثت كل تلك الأثار الجانبية، بدا صوت يزيد بالنسبة لها ثقيلاً وخشنًا وهو يقول:.

-حاج بدري
رفعت رأسها لتحدق في وجه ذلك الرجل المسن الذي رحب بحرارة بزوجها، اهتزت صورته بطريقة مريبة وهو يسأله:
-كيفك يا ولدي؟
أجابه يزيد بحماسٍ:
-الحمدلله في نعمة
-جاي أكيد علشان فرح بت عمك
-طبعًا، دي أختي الصغيرة.

رفعت فرح يدها على وجهها لتفرك عينيها المتعبتين، تابعت التحديق في زوجها الذي أولاها ظهره محاولة التركيز في حوارهما رغم تداخل أغلب حديثهما معًا، التفت يزيد نحوها أمعن بدري النظر نحوها متسائلاً بفضول:
-إنت إمعاك ضيوف؟
أجابه بابتسامة صغيرة وهو يجيبه:
-لأ دي مراتي فرح، هي أول مرة تيجي هنا
رد عليه بدري بترحيب شديد:
-يا مرحب بيها، نورت البلد بيها، إن شاء الله تتبسط حدانا
-أكيد.

-الحريمات هايجيوا عندكم عشان الحنة
-ينوروا ويأنسوا، ده بيتهم، والحاجة مفيدة هاتقوم معاهم بالواجب
-ماتتفضلوا عندنا شوية يا ولدي؟
اعتذر منه متحرجًا من كرمه الزائد:
-معلش وقت تاني يا حاج بدري
لم تستطع فرح الصمود أكثر من ذلك، فرغت مقاومتها، واستنزفت أخر ما تبقى من قواها لتفقد التحكم في نفسها، مالت بشدة نحو الأمام وقد تراخت قبضتيها عن اللجام، لاحظ بدري ترنح جسد الضيفة فتساءل متعجبًا:
-الله، مال مرتك؟

استدار يزيد كليًا نحوها ليجدها على تلك الحالة المقلقة، هتف بهلعٍ وهو يركض نحوها:
- فرح
مد ذراعيه محاولاً الإمساك بها وإنزالها من على ظهر الجواد متسائلاً بخوفٍ:
-حصلك إيه؟
أجابت بصوتٍ خفيض يكاد يكون مسموعًا:
-دايخة خالص، مش قادرة من دماغي
أضاف بدري الذي وقف خلفه:
-شكلها ماستحملتش الشمش
سحبها يزيد بحذر إليه لتقف على قدميها دون أن يفلت ذراعه المطوق لخصرها، خمن تهاوي قواها قائلاً:
-اوعي تكوني خدتي ضربة شمس؟

استندت برأسها على كتفه وهي ترد:
-جايز
تابع مضيفًا وهو يرفع وجهها إليه:
-بصي إنتي، فرح!
أغمضت جفنيها غير مدركة لما قيل بعد ذلك، تحول كل شيء حولها لضباب مظلم فزاد تثاقل جسدها وفقدت التحكم فيه، أسرع يزيد بحملها وهو يعتصر عقله مفكرًا في طريقة سريعة تمكنه من إيصالها للمنزل في أقل وقت ليتمكن من مداواتها، صاح بدري بنبرة عالية مخرجًا إياه من حيرته الحرجة:
-في وحدة صحية إجريبة (قريبة) من إهنه.

التفت ناحيته متسائلاً بتلهف:
-فينها؟
لوح له بيده قائلاً وهو يتجه نحو سيارته:
-تعالى معايا، هوديك عندها يا ولدي
تبعه يزيد وهو يوزع أنظاره بين الطريق وبين فرح الغائبة عن الوعي، أشار بدري بيده مكملاً بصيغة آمرة لأحد الصبية ممن كانوا معه:
-وإنت يا واد ودي الخيل عند دوار الحاج جودة
أومأ الفتى برأسه قائلاً:
-حاضر يا حاج.

أفسح المجال ل يزيد ليتمكن من تمديد فرح على المقعد الخلفي، ثم جلس إلى جوارها محتضنًا إياها من كتفيها، وظل بيده الأخرى يمسح على وجهها برفق موبخًا نفسه على إصراره على تلك الجولة المرهقة.

بعد برهة، وبداخل تلك الوحدة الصحية التابعة للقرية، أوشك الطبيب على الانتهاء من فحصه على فرح التي عادت إلى وعيها بعد تركيب أحد المحاليل الطبية لها، أعطى تعليماته للممرضة التي كانت تعاونه، اطمئن على أحوالها ثم ولج إلى الخارج حيث ينتظر زوجها، وما إن رأه الأخير حتى أسرع نحوه متسائلاً بتلهف وقد زائغت عيناه:
-مالها مراتي؟ خدت ضربت شمس ولا...؟
رد بابتسامة روتينية:
-اطمن هي تمام.

مدح بدري في عمل الطبيب الذي تفانى في أداء مهامه:
-الدكتور حدانا الله أكبر عليه، عارف كل حاجة
رد عليه الطبيب بامتنان:
-الله يكرمك يا حاج، الموضوع مش خطير، بس محتاجة راحة وخصوصًا في أول الحمل، المجهود الكتير مش مستحب الفترة دي!

عند تلك الكلمة تحديدًا تجمدت حواس يزيد، تصلبت أطرافه وشعر أن دقات قلبه توقفت عن النبض للحظة ليتأكد مما التقطته أذنيه، لم يكن بالوهم، ولا بأحد أحلام اليقظة، ولا بذلك الحلم الذي تمناه قبل سنوات، فقد تركيزه، بل وحتى استيعابه، تساءل ببلاهة وهو ينظر له غير مصدقٍ:
-حمل مين؟
قطب الطبيب جبينه متسائلاً باستغراب:
-إنت مش عارف إن المدام حامل؟
انفرجت شفتاه وهو يوزع نظراته بين وجهه ووجه الحاج بدري:.

-يعني إنت قصدك إن فرح مراتي، اللي جوا عندك حامل؟
هز الطبيب كتفيه مرددًا متعجبًا من ردة فعله الغريبة:
-ايوه يا أستاذ
تهللت أسارير يزيد على الأخير، اتسعت ابتسامته حتى ظهرت نواجذه، أمسك فجأة بوجه الطبيب براحتيه يقبله من جبينه بودٍ مضاعف وهو يشكره بحماس زائد:
-الله يبشرك يا دكتور، أنا مش عارف أقولك إيه، إنت، أنا، ده أسعد يوم في حياتي كلها
تحرج الأخير من تصرفه وهو يبعده عنه قائلاً:
-على إيه بس.

سأله بتلهفٍ وهو يشير بيده:
-ينفع أخش أشوف مراتي؟
-أكيد طبعًا
احتضنه يزيد مجددًا هاتفًا بنفس الحماس الزائد:
-ربنا يكرمك يا أجدع دكتور
وضع بدري يده على ظهر يزيد مباركًا:
-البشارة جت يا ولد الغالي، الله يعطيك من خيره
التفت يزيد نحوه يحتضنه هو الأخر وهو يقول بسعادة غامرة وقلبه يرقص طربًا بين ضلوعه:
-الله يخليك يا حاج بدري يا وش السعد، الخير على قدومك يا بركة
-تسلم يا ولدي
ربت على ظهره مكملاً بنفس الهدوء:.

-خش اطمن على مرتك
-حاضر
قالها يزيد وهو يسرع في خطاه ليلج إلى داخل غرفة الفحص حيث تتمدد فرح على الفراش، تحركت رأسها في اتجاهه حينما هتف باسمها بنبرة رومانسية مليئة بالكثير من المشاعر المختلطة:
-حبيبتي، فراشتي، أغلى حاجة في حياتي
نظرت له باستغراب وقد انعقد ما بين حاجبيها باندهاش مريب، سألته بخفوت وهي ترفع جسدها قليلاً للأعلى:
-هو في إيه؟

ابتسمت له الممرضة بخجل من غزله المفرط لزوجته أمامها، أخفضت عينيها وهي تتجه نحو الباب لتترك لهما مساحة من الخصوصية، دنا يزيد من الفراش ثم مد يده ليمسك بكف فرح، رفعه إلى فمه طابعًا قبلة طويلة عليه، ظلت نظراتها إليه مليئة بالغموض والحيرة، تأملت تعبيرات وجهه التي تعكس حالة سعادة غريبة محاولة تفسير ذلك، تابع مضيفًا بتنهيدة مليئة بالأشواق:
-أنا بأحبك، بأعشقك يا أحلى فراشة.

بدا وجهها خاليًا من التعبيرات وهي تسأله مدهوشة:
-هو إنت كويس؟
أجابها بحماسٍ مبررٍ:
-أنا مش مصدق، ربنا هيكرمني أخيرًا بعيل
ارتفع حاجبها للأعلى متسائلة باندهاش غير مريح:
-عيل مين؟
وضع يزيد إصبعيه على طرف ذقنها يداعبه برفق وهو يجيبها:
-إنتي حامل يا حبيبتي
اعتلت الصدمة تعابيرها وتجمدت أنظارها المصدومة على وجهه الذي كان مرآة واضحة للحالة الشعورية التي تعتريه، تمتمت مع نفسها بذهولٍ:
-أنا حامل؟!

استغرقها الأمر بعض الوقت لتستوعب بالفعل أنها تحمل في أحشائها جنينًا ينمو بداخلها، الآن استطاعت أن تفسر تلك التغييرات المريبة التي أصابتها مؤخرًا، وبالطبع لم يأتِ ببال فرح أن تأخير موعد ضيفتها الشهرية – والتي غفلت عنها كليًا – يعد من أهم علامات حدوث الحمل، هي التهت بما وضعت فيه من ضغوطات كثيرة وتناست احتمالية حدوث الأمر، انتابتها حالة من الخوف والقلق، بدت حائرة للغاية، مترددة مما ستفعله لاحقًا، تفهم يزيد ما تمر به من تخبط، بادر بطمأنتها قائلاً:.

-أنا معاكي يا فروووح، مش هاسيبك، إنتي مش عارفة أنا نفسي أكون أب ازاي
ردت عليه بارتباك وهي تفرك أصابع كفيها معًا:
-إنت مش فاهم يا يزيد، أنا أغلب الوقت هاكون لوحدي، إنت في شغلك وأنا...
قاطعها بجدية وهو ينظر لها بحنو:
-الوضع من اللحظة دي اتغير، احنا كلنا هانكون معاكي، وبعدين مش إنتي نفسك تبقى أم؟ ويبقى حواليكي عيال يتنططوا جمبك
رمشت بعينيها مبررة خوفها:.

-ايوه، بس مكونتش عاملة حسابي إنه يكون دلوقتي، يعني كنا نستنى لحد ما وضعنا يستقر
رد عليها بهدوءٍ ضابطًا انفعالاته كي لا تتأثر إن بدا قاسيًا أو صلبًا معها:
-ربنا أراد، دي مشيئته يا حبيبتي
ضغطت على شفتيها متابعة بنفس النبرة المترددة:
-بس ده...
قاطعها يزيد قائلاً بنبرة جادة لكنها خافتة:
- فرح اسمعيني
نظرت له بانتباه تام فتابع تلك المرة بنبرة هادئة ليستميلها:
-فراشتي الحلوة.

احتضن كفي يدها براحتيه متعمدًا فركهما برفق بأصابعه وهو يكمل بابتسامة صافية تحمل الطمأنينة:
-أنا عارف إنك قلقانة من اللي جاي، الحكاية مش بسيطة زي ما أي حد فاكر، ايوه دي مسئولية كبيرة جدًا، بس طول ما احنا مع بعض كل حاجة هنعملها سوا، فمش عاوزك تشيلي هم أي حاجة.

رمقته بنظراتٍ أكثر حيرة دون أن تعقب عليه، سحب يزيد نفسًا عميقًا حبسه للحظة بداخل صدره المشحون بالكثير من المشاعر المتحمسة، لفظه دفعة واحدة قبل أن يستأنف حديثه متعمدًا استرقاق قلبها واللعب على عواطفها الأمومية:
-عارفة لو مامتك الله يرحمها كانت معانا، كانت هتفرح أوي بالخبر ده، أي أم في الدنيا بيبقى نفسها تشوف عيال بنتها حواليها يملوا عليها حياتها.

بدأت حدقتاها في اللمعان تأثرًا بما قاله، هي كانت بحاجة إلى تعزيز نفسي يبث لها إحساس الثقة ويغرزه أكثر فيها، يطمئنها بوجوده إلى جواره إن كانت يومًا بحاجة إلى الدعم خاصة حينما تمر بلحظات التغييرات الهرمونية، تابع قائلاً ومتعمدًا استخدام تلك النبرة المؤثرة للعب أكثر على مشاعرها:
-فما بالك بحتة مننا تكبر قصادنا وتقولك يا ماما، عيال كده مقطقطين شبهك يحبوكي وتحبيهم ويضحكوا من أقل حاجة بتعمليها علشانهم.

اغرورقت أعينها بالعبرات وهي تطالعه بنظراتها، رفع يزيد يده إلى وجهها ليمسح على وجنتها بنعومة فانسابت دمعاتها الدافئة مع لمساته الحنون، اقترب من وجهها لتشعر بأنفاسه القريبة تضرب بشرتها وهو يكمل بهمسه الهادئ وبنبرة ذات مغزى:
-بلاش نضيع الفرحة دي مننا، ربنا أكرمنا بحاجة ناس غيرنا محرومين منها، أنا وإنتي محتاجين عيال يكونوا حوالينا، وهانعرف نحبهم ونحميهم ونتعب علشانهم، فمتخافيش يا حبيبتي.

ابتسمت رغم بكائها الصامت فضمها إليه مكملاً بتأكيد:
-أنا معاكي ومش هاتكوني لوحدك!

انطلقت الزغاريد في كل أرجاء المنزل الكبير بعد معرفة القاطنين به بخبر حملها، ففرحة كتلك لم تكن لتمر هكذا دون احتفال حقيقي، فالخطب يخص أحد رؤوس عائلة جودة، لم تصدق فرح تلك الليلة التي أقيمت للاحتفاء بها وتهنئتها بجوار حفل الحناء الخاص ب سوسن، جلست وسط النساء اللاتي أتين من كافة الأعمار لتقديم التهنئات والتبريكات للاثنتين، وبالطبع تلقت العديد من المجاملات المادية التي لم تتوقعها أبدًا، انتظرت مفيدة انصراف أغلب ضيفاتها لتقدم بنفسها هديتها الثمينة لها قائلة:.

-احنا النهاردة فرحتنا فرحتين، ده نقوطك يا أم الواد
تناولت فرح المبلغ النقدي الكبير منها وهي تنظر لها باندهاش مضاعف، اعترضت هاتفة بحرجٍ كبير:
-بس ده كتير
ردت عليها مفيدة بجدية وهي تشير لها بنظراتها الصارمة:
-ماتجوليش الكلام ده يا بتي، دي عوايدنا إهنه، وبعدين احنا معملناش معاكي الواجب من الأول، سامحينا إن كنا اتأخرنا عليكي!
ابتسمت لها فرح مرددة بامتنان:
-ميرسي يا طنط
عبست مفيدة بوجهها قليلاً لتحذرها:.

-بردك بتجولي الكلمة الماسخة دي، أني زي أمك، جوليلي حتى يا حاجة
توردت بشرتها خجلاً منها، أومأت برأسها قائلة:
-حاضر
ربتت على كتفها برفق لعدة مرات وهي تتابع بسعادة أظهرتها لها:
-يحضرلك الخير يا بتي.

لاحقًا، صعدت فرح إلى غرفتها لتجد زوجها بانتظارها على أحر من الجمر، ولجت إلى الغرفة نازعة تلك العباءة المزركشة التي كانت ترتديها خلال الاحتفال لتضع على جسدها ثيابًا مريحة، راقبها يزيد بنظرات حالمة طامعة في تمضية ليلة لا تنسى، لكن قبل أن يعبر لها عن أفكاره الجامحة، أراد أن يتسلى معها قليلاً، شبك كفيه خلف رأسه وهو يعيد ظهره للخلف ليلتصق بالفراش متسائلاً بعبثٍ:
-قوليلي طلعتي بمصلحة أد إيه؟

استدارت نحوه مرددة باستغراب:
-مصلحة؟!
أرخى ساعديه المعقودين ليشير بهما موضحًا:
-ايوه فلوس النقوط وكده، أنا متودك في الحكايات دي، والناس عندنا هنا ماشاء الله إيدهم فرطة
وضعت فرح يدها على منتصف خصرها ترمقه بنظرات متحدية وهي ترد بدلالٍ:
-ملكش فيه
نظر لها معاتبًا ثم اعتدل في جلسته مضيفًا:
-ده أنا اللي هاسد ده كله
هزت كتفيها متابعة بعدم اكتراث:
-وأنا مالي.

نهض من على الفراش يرمقها بنظراته التي لا تقبل بالخسارة حينما يزج به في تحدٍ ما، استطرد قائلاً بغموض عابث:
-بقى كده، طب احنا عندنا مهمة بحرية سرية دلوقتي
تراجعت للخلف بخطوات متمهلة وهي تحرك سبابتها بالنفي لتضاعف من أشواقه:
-عيب، الناس تقول عنا إيه هنا، مافيش مهمات ولا غيره!
اقترب منها بتأنٍ ممررًا أنظاره على تفاصيلها المغرية، تابع قائلاً بتسلية شديدة وقد اتسعت ابتسامته اللاهية:
-احنا هنعلق رايات النصر.

حذرته مشيرة بإصبعها:
-إياك!
انقض فجأة على رسغها يجذبها منه برفق وهو يأمرها:
-يالا يا أم عتريس
قاومته قائلة بعبوسٍ:
-مين؟!
تابع مازحًا وهو يطوق خصرها بذراعه الأخر ليقضي على محاولاتها للإفلات منه:
-تخيلي أصحابه لما ينادوه عتريس يزيد جودة
تلوت في أحضانه مبدية استنكارها، نظر في عينيها قائلاً بثقةٍ:
-ده حتى فخامة الاسم تكفي!
لكزته بقبضتها المتكورة في كتفه قائلة:
-بطل بواخة
شدد من إحاطته لها هامسًا بكلمات موحية:.

-طب تعالي بس، احنا متأخرين 10 دقايق على الاجتماع ودي فيها حبس انفرادي
كركرت ضاحكة وهي تتدلل عليه، ثم تعلقت بعنقه مرددة بنعومة تلهب الحواس وتشعل المشاعر
-ماشي يا، أبو عتريس!

خلال الأشهر التالية، لم يتوقف يزيد عن دعم حبيبته طوال فترة الحمل التي بدت كالدهر بالنسبة له، فيومًا بعد يوم كانت رغبته وأشواقه تتضاعف في رؤية وليديه واحتضانهما، لم يصدق بأنه سيرزق بتوأم حينما أخبره الطبيب النسائي بذلك، أدرك أن المولى أنعم عليه وعوضه عن فترة صبره، بالطبع كانت اهتماماته منصبة على زوجته ورعايتها في المقام الأول، بذل ما في وسعه لإسعادها وإرضائها، شاطرها كل تفصيلة تخصهما، بل كان في بعض الأحيان يقترح عليها ما يتوجب فعله للتأكد من وجود ما يلزمهما، شعرت فرح بكل ما يمنحه لها من حب ورعاية واهتمام، واستمتعت بلحظاته معها، وجداله حول أمور الأطفال، تيقنت كليًا من حنانه الأبوي، بأنه نعم الزوج وسيكون حتمًا نعم الأب، وباتت هي الأخرى تترقب لحظة إنجابها لهما، هدأت حياتها وامتلأت بحب الكثيرين، ظلت الأوضاع مستقرة إلى حد ما، ولكن لم يدم ذلك الصفاء كثيرًا، فقد عكره ما نما إلى مسامع يزيد من محاميه، والذي أبلغه بتنازل فرح عن القضية، اعتبر الأمر تجاوزًا لما اتفقا عليه، خاصة أنها فعلت ذلك دون عمله، جن جنونه واستشاط غضبًا على الأخير، لم يستطع أن يمرره هكذا، لذا عنفها قائلاً بحدة:.

-ازاي تتنازلي عن القضية من غير ما تاخدي رأيي؟!
نظرت له بضيق جلي، فالمسأله لم تعد متعلقة به، انزعجت من كونه يتعمد فرض سطوته التحكمية عليها، ردت بانفعال وقد احتقن وجهها بحمرة منفعلة:
-لأن ده موضوع يخصني
صاح بها مغتاظًا من تجاهلها لتلك المسألة طوال الفترة المنصرمة:
- فرح، احنا الاتنين عايشين مع بعض، كل حاجة بنعملها سوا، وخصوصًا الحكاية دي، إنتي نسيتي عملوا فيكي إيه
ردت مبررة موقفها وقد زادت حدة عصبيتها:.

-أنا نهيت علاقتي بالعيلة دي، مش عاوزة حاجة تربطني بيهم، ليه لازم نحكي في حاجة خلصت
هتف بها بتشنج مستخدمًا يده في التلويح:
-تقومي تسيبك حقك بالبساطة دي؟ ومن غير ما ترجعيلي؟ ده أنا كنت مستعد أحارب الدنيا عشان أجيبهولك!
شعرت بآلام حادة تضرب أسفل ظهرها من الانفعال الزائد، بدت تعبيراتها مشدودة وأعينها محتقنة وهي تصيح بصعوبة:
-كفاية يا يزيد!
لم يشعر بما تمر به من أعراض، واصل صراخه المحتد بها قائلاً:.

-يا فرح إنتي مش عايشة لوحدك عشان تعملي حاجة زي كده من غير ما ترجعيلي
دافعت عن موقفها بنبرة ثقيلة وقد بدت حركتها غير طبيعية:
-موضوع وراح لحاله، انساهم زي ما أنا عملت
تضاعف الألم بقوة، وزاد عليه تلك النغصة العنيفة التي أصابت معدتها فأجبرتها على إخراج صرخة موجوعة وهي تنحني للأمام:
-آآآآه
توقف يزيد عن شجاره معها لينظر إلى تلك الحالة المريبة التي اعترتها فجأة، ردد بقلقٍ:
- فرح، مالك؟ حصلك إيه؟ إنتي كويسة؟!

قبضت على ذراعه الممدودة نحوها لتقول بصوت متشنج وهي تكز على أسنانها:
-مش قادرة، بطني، آآآه
تراجع يزيد خطوة للخلف مفزوعًا وهو يرى المياه تنساب من بين ساقيها، هتف متسائلاً بهلعٍ:
-إيه ده؟
وضعت يدها على أسفل بطنها وهي تجيبه بصوت متألم ولاهث:
-شكلي بأولد!
اتسعت حدقتاه رعبًا من تلك الصدمة المباغتة، شعر أنه انفصل لثانية عن العالم ليعود من جديد إليه صائحًا بلا تفكير وكأنه قد فقد ذاكرته:
-بتولدي، طب أعمل إيه؟

ضغطت على شفتيها صارخة:
-إنت بتسألني؟ اتصرف
هز رأسه بهسترية وهو يرد بارتباك مفهومٍ:
-حاضر..!

لاحقًا، أودعت بالمشفى ليجري الطبيب النسائي عملية الولادة لها بعد أن تأكد من علاماتها، مر الوقت بطيئًا للغاية و يزيد يحترق على أعصاب مشدودة في الممر الؤدي لغرفة العمليات، ذرعه جيئة وذهابًا لعشرات المرات كوسيلة لإفراغ شحنته داعيًا الله في نفسه أن يطمئنه عليها وعلى وليديه، دق قلبه بقوة وتأهبت حواسه مع أول صرخة صغيرة مكتومة سمعها تأتي من الداخل، خطفت أنفاسه وسلبت عقله، أدرك أنه لم يتوهم ذلك حينما تكررت الصرخة، تضاعفت حماسته وهلل بسعادة حامدًا المولى على عطيته اللا محدودة، كانت لحظة فارقة في حياته حينما خرجت إليه الممرضة تحمل الرضيعين بين ذراعيها، أدمعت عيناه تأثرًا برؤيتهما، تناول أحدهما منها بذراع مرتجفة وهو يخشى أن يصيبه بأذى، أخرج الرضيع الأول تأويهة متثائبة فارتعدت أطرافه، طمأنته الممرضة قائلة بابتسامة سعيدة:.

-متقلقش يا فندم، هو كويس
نظر لها بأعينه الدامعة قائلاً:
-ده ابني؟
ردت عليه مبتسمة وهي تقرب الأخر منه:
-أيوه، وده كمان ابنك
انتبه له مرددًا بحرجٍ:
-صح
سلط أنظاره على توأمه وهو يبتسم بسعادة مضاعفة، تابعت الممرضة مضيفة:
-اتفضل.

ورغم سهولة الأمر للأمهات للتعامل مع الأطفال الرضع، إلا أن المسألة كانت محيرة للغاية مع يزيد الذي كان مرتبكًا بدرجة ملحوظة، اعتقد أن الأمر بحاجة لتكتيك عسكري ليتعامل مع الاثنين في نفس الوقت بنفس الكفاءة، نظرت إليه الممرضة متعجبة منه، لكنها تركته معهما، تأمل يزيد قطعتي فؤاده بتوترٍ، حافظ على ثبات ذراعيه وهو ممسك بهما يضمهما إلى صدره، أخذ يهدهدهما برفقٍ وهو مستمتع بأول لحظات له معهما، عادت إليه الممرضة لتساعده ريثما تخرج فرح من العمليات، ورغم سعادته التي لا توصف إلا أن عقله لم ينشغل عن زوجته الراقدة بالداخل، انتظر وضعها بغرفة الإفاقة ليلج إليها حاملاً الرضيعين، أسندهما على الفراش الخاص بهما ثم اقترب من فراش فرح ليطمئن عليها، أحنى رأسه على جبينها يقبله هامسًا لها:.

- فرح
تأوهت بأنين خفيض وهي تحرك رأسها للجانبين، تابع مسحه الرقيق على بشرتها بأصابعه حتى أصبحت واعية بدرجة معقولة، سألته بإرهاق وهي تفتح عينيها بصعوبة:
-هو حصل إيه؟
أجابها بابتسامة عفوية:
-إنتي ولدتي يا حبيبتي، نسيتي ده؟
استوعبت أنها بالمشفى، فابتسمت ساخرة من سذاجتها، تابعت متسائلة بجدية رغم الوهن البادي في نبرتها:
-وولادي فين؟
أجابها بهدوء وهو يشير بعينيه نحو فراش الرضيعين:
-هنا يا حبيبتي.

ابتعدت عنها ليحضرهما إليها، وضع كلاهما على جانبيها لتشم رائحتهما، حاولت تحريك رأسها لتقبيلهما، ثم تساءلت بضعفٍ:
-هاتسميهم إيه؟
جمدت أعينها المتعبة على وجهه تحذره:
-بلاش عتريس وعويس والأسامي العجيبة دي!
هتف ضاحكًا:
-أكيد مش هاعمل كده، ايه رأيك في فارس و فواز؟
نظرت له مليًا فتابع موضحًا بمكرٍ:
-واخدة بالك من الحروف، فارس، و فواز!
ردت بابتسامة صغيرة:
-دول بيبدأوا بحرف ال ف
أومأ يزيد برأسه مكملاً بتنهيدة:.

-ايوه، زيك يا حبيبتي، عشان تعرفي غلاوتك عندي
اتسعت ابتسامتها مع جملته الأخيرة رغم الألم الذي يعتري جسدها، حركت ذراعيها لتضم رضيعيها إليها أكثر مستشعرة ملمس وجهيهما عليها، أغمضت عينيها مستسلمة لذلك الخدر الجميل الذي امتزج مع سعادتها بوجودهما ملاصقين لقلبها.

امتلأت الغرفة بالبالونات الزرقاء والورود السماوية والتي أحضرتها شيماء خصيصًا لصديقتها المقربة، لم تتوقف عن حمل الرضيعين وهدهدتهما بسعادةٍ، التفتت إلى فرح تهنئها:
-مبروك يا فروح، يتربوا في عزكم إن شاء الله
ردت عليها ببسمة رقيقة وهي تتأمل رضيعيها:
-الله يبارك فيكي
بالطبع أحضرت معها صغيرتها سلمى لترى الرضيعين، تساءلت الصغيرة ببراءة:
-ده النونو يا فلح؟
أجابتها بحنو وهي تشير إليهما:.

-دول اتنين يا لومة، مش واحد
تابعت الصغيرة صائحة بإلحاح طفولي:
-أنا عاوزة زيها يا مامي
التفتت شيماء نحو زوجها الذي كان واقفًا إلى جوار رفيقه قائلة بجدية ملحوظة:
-قولي لبابي يا لومة
ركضت سلمى نحو أبيها، جذبته من بنطاله بكفها الصغير وهي تقول:
-بابي هات نونو
هز رأسه بالإيجاب قائلاً بثقة رغم مزاحه:
-حاضر، هانزل أجيب 1 في كيس وطالع
مصمصت شيماء شفتيها متمتمة بغيظ منه:
-يا سم
رد عليها محذرًا:.

-سامعك يا شيموو، الرادار لقط الكلمة!
أولته ظهرها مكملة حديثها مع فرح قاصدة تجاهله، لم يكترث لها والتفت برأسه نحو يزيد يسأله مبتسمًا:
-البشوات أساميهم ايه؟
أجابه الأخير بفخرٍ:
- فارس و فواز
قطب آدم جبينه متسائلاً بمزاحٍ:
-فوار، طب ليه كده؟ هو التاني عنده حموضة ومزنوق في باكو؟
رفع يزيد حاجبه للأعلى محذرًا:
-بأقولك اسمه فواز فبلاش استظراف!
وضع آدم قبضته المتكورة أمام فمه ليتنحنح بخشونة وهو يرد:.

-احم، معلش يا باشا كان عندي مشكلة في السمع، ودني الشمال مسدودة و..
ثم مد يده لمصافحته متابعًا بنفس المرح اللطيف:
-مبروك وعقبال ما تجيب فرقة بحالها وتشوف واحد فيهم مشير، والتاني على المعاش
لكزه يزيد في كتفه بقوة وهو يرد بضيق:
-امشي يا آدم بدل ما أدورك مكتب إن مكونتش أحبسك، وأهوو أريح مراتك منك
فرك رفيقه كتفه قائلاً:
-طب يرضيك البت سلمى ما أجيبلهاش نونو؟ ده كده يحصل أزمة دبلوماسية!

ضحك يزيد من طريقته الساخرة من الأمور وهو يهز رأسه بتعجبٍ، فاستمر الأخير في دعاباته الملطفة للأجواء.

بعد مرور عدة أيام، اهتمت فرح بإقامة التقليد المتبع عند ميلاد أي طفل أو ما يعرف مجازًا ب سبوع المولود، تحول المنزل إلى ما يشبه مقلة اللب من كثرة ما به من أجولة مليئة بالفول السوداني والملبس والحلوى من كافة الأشكال والأحجام، وقطع الشيكولاته، والهدايا الصغيرة التي يتم إرفاقها مع أكياس الفول وغيرها من تلك الأمور، بدت شيماء متحمسة هي الأخرى لمساعدة رفيقتها في إعداد كل ما تحتاجه ليخرج السبوع بما يليق، انتهت فرح من تعبئة بعض العلب وتأكدت من إحكام ربط أنشوطتها، صاحت بنبرة عالية لكنها آمرة وهي تدير رأسها في اتجاه زوجها:.

- يزيد حط العلب دول على تربيذة السفرة!
حضر إليها ثم انحنى قليلاً ليجمع ما أعدته بذراعيه وهو يرد متسائلاً:
-حاجة تانية؟
ابتسمت له قائلة بامتنان:
-تسلم يا حبيبي!
غمز لها قائلاً بسعادة وهو يعتدل في وقفته:
-أحلى سبوع لأحلى توأم
ردت عليه برومانسية ناعمة:
-ربنا يباركلنا فيك
-ويخليكي ليا يا أم العيال
هرولت الصغيرة سلمى نحوه تقطع طريق سيره وهي تهتف ببراءة:
-عمو يزيد.

وضع ما بيده بحذر على الطاولة الواسعة، أخفض رأسه نحوها قائلاً:
-ايوه يا لومة
وضعت يدها التي كورتها على فمها متابعة:
-عاوزة اشرب
أومأ يزيد برأسه قائلاً بحنو كبير:
-حاضر، تعالي معايا المطبخ يا لومة هاجيبلك مياه
وثبت في مكانها بمرحٍ وهي تصفق بكلتا يديها ثم تسابقت معه لتصل أولاً إلى المطبخ، في حين اقترب آدم من زوجته مُلقيًا عليها طلباته بجدية:.

-أنا عاوز شوية فول من أبو قشره، وماتنسونيش في البتاع الأبيض اللي بيلزق بين السنان ده، أه وزودوا الملبس اللي في الكيس، أنا بلاقي واحدة بس!
نظرت له شيماء شزرًا، فقد كان الوحيد الذي لا يشارك في شيء، ويمضي وقته في مشاهدة مباريات كرة القدم أو المصارعة الحرة، احتدت نظراتها نحوه وهي ترد بتحذير غامض:
-امشي يا آدم أحسنلك.

كتمت فرح بصعوبة ضحكتها من وجه صديقتها المحتقن غيظًا من تكاسل زوجها الملحوظ، أضافت بجدية وهي تغمز لها:
-أقولك أنا على حاجة تعملها
سألها باهتمام:
-إيه هي؟
أجابته بابتسامة متسلية:
-روح غير للعيال البامبرز بتاعهم
تجهمت تعابير وجهه وهو يرمقها بنظراته مرددًا بعتابٍ:
-ودي تيجي يا مدام جودة، ترضيهالي؟!
ثم صمت للحظات ليقول بعدها بدهاءٍ:
-ماينفعش حد يطلع على الأسرار العسكرية دي غير قادة الجيوش.

تبادلت فرح نظرات حائرة مع شيماء التي لم تفهم هي الأخرى مقصده الغامض، أوضح لهما آدم نواياه هامسًا بعبثٍ وقد اتسعت ابتسامته الماكرة على الأخير:
-احنا نكلف سيادة المقدم يزيد بالمهمة الحرجة دي، وربنا يقدرني على فعل الخير!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة