قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الخامس والأربعون والأخير

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الخامس والأربعون والأخير

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الخامس والأربعون والأخير

بعد مرور يومان.

تجمع الوافدون داخل غرفة الصالون بالقصر، صدح الشيخ يتلو بعض من آيات القرآن الكريم وسط الحشد الكبير من الجموع، ليجلس فؤاد إلى المقعد القابع في أول الحجره يستقبل التعازي من الناس، نكس ذقنه أرضًا يبكي بحُرقه وقد إئتكل داخله من شدة الوجع، أنهي الشيخ قراءته لتوه، ليتأهب الجميع إستعدادًا للرحيل فقد بدأوا في مصافحته بإشفاق بينما يرمقهم هو بنظرات خاليه من معالم الحياه، أحد المعزين: البقاء لله يا فؤاد!

أومأ فؤاد برأسهِ في ثباتِ، يحس بحُزنِ وآسي موجع ل رحيل ابنه الوحيد، لا يستطع التصديق حتى الآن فقد رحل عاصم عنه دون أن يودعه حتي. رحل بعد أن فهم كيف يتغلب علي قسوة الماضي عليه ليُصبح بفضلها عاشق أهلًا بحُبه، وضع رسغيه علي قدميه ليميل قليلًا للأمام ومن ثم وضع رأسه بين كفيهِ في تألم وراح يتذكر حديث عاصم له قبل وفاتهِ مُباشرة، فلاش باك، إنت بتبرأ أمك من أفعالها يا عاصم!

أردف فؤاد بتلك الكلمات في ثبات، يجلس أمام مكتبه ويرمقهُ بنظرة إستنكار في حين تقدم عاصم إليه بعد أن أغلق الباب خلفه في ثبات وما أن جلس امامه حتى تابع بنبرة هادئه، انا مش ببرأها. بس ماينفعش أتهمها بحاجه هي ما عملتهاش وبعدين دي أمي، يعني لو فكرت أخد حقي منها، أبقي خسران، علشان ربنا وصي بيها مهما كان عيوبها.

عبرت قسمات وجه فؤاد عن الإمتعاض، وما كان منه إلا أن يحترم وجهه نظر ابنه، ولكنه فجأه هتف بعصبيه خفيفه، وأزاي هي تكوّن صداقة مع راجل!، لأ وبدون علمي كمان. وعلشان تثبت له ولائها لصداقتهم، جابت واحد من رجالته وشغلته عندي في الشركة وبردو بدون علمي، وفي الأخر استغلها لأعمال غير مشروعة، علشان يهربوا ب قذاراتهم برا البلد.

ومن ثم إستئنف حديثهُ بنبرة جامده، لازم تفهم كويس، إن أمك لسه علي زمتي بسببك إنت وبس، وإلا كان زماني راميها في الشارع.

Back، إنتصب واقفًا في مكانهِ، تطاير الشرر من عينيه وقد طار عقلهُ في تلك اللحظه، ذأب في سيره خارج حجرة الصالون ومن ثم إتجه ناحية الدرج ومضي صُعُودًا وقد هاجت فرائصه إينذاك وهنا وقف أمام غرفتها، كور فؤاد قبضة يده، ورفعها للأعلي قليلًا حتى هوي بها علي الباب يطرقه في إنعدام صبرٍ، ولكنه لم يجد إجابة منها علي أية حال، ليبدأ في الهتاف بنبرة هادره، أفتحي يا هانم، أفتحي الباب دا حالًا.

إرتعشت فرائصه في تلك اللحظه وأخذ يصرخ أمام الباب في عُنف وثورة ليجدها تفتح الباب بهدوء دون أن تنبس ببنت شفةٍ، جدحها فؤاد بحدة، يمقتها بإزدراء فقد كره رؤيتها أمامه، تُذكره بوفاة فلذة كبدة، بينما تابعت تابعت إلهام بهدوء...

انا عاوزة ابني يا فؤاد، رجع لي عاصم. والله مش هزعله ولا هقسي عليه تاني، انا حقيقي ما كُنتش أعرف انهم عصابة، والله ما كُنت أعرف!

صر فؤاد بأسنانه لم يعُد يصدق ما تتلفظ به أبدًا، باتت شيء يتقزز من وجودهِ وسرعان ما نبج صوته بثورانِ، ابني مات بسبب أفعالك، مات وهو مش مسامحك، حتى يوم ما أتغير وأتمني ربنا يجمعه ب البنت اللي حبها، كُنتِ بتجاهدي تفرقيهم، حسبي الله، ما فرحش يوم في حياته بسببك.

أنهي جملته الأخيرة هذه بوجهٍ قاتمٍ، جال الدمع في عينيه، مد ذراعه إليها حتى قبض علي لحم ذراعها بشراسه ومن ثم حملق بها بوعيد، أطلعي برا، ماعادش ليكي مكان في القصر دا، إنتِ طالق يا إلهام، طالق بالتلاتة.

ظل يسحبها خلفه، اتجه بها هابطًا الدرج، ظلت تصرخ به أن يُسامحها عما بدر منها ولكن دون جدوي لتسقُط أرضًا بينما إستئنف هو سحبها لخارج القصر ومن ثم تابع بنبرة حانقه، خربتي حياتي، إنتِ أحقر شخصية عرفتها.
بثق في وجهها قبل أن يُغلق الباب، خارت قواهُ في تلك اللحظه ليجثي علي رُكبيتيه أرضًا ومن ثم يصرخ بألم جارف، عاصم!

استلقي علي سريره داخل أحد المشافي، فتح عينيه بتثاقلِ وقد تحرك كفه بوهن شديد، بينما شهقت السيده خديجه بإندهاش فقد أخبرهم الطبيب بأن المرضي سيأخذون عدة أيام حتى يستفيقون من تأثير الحادث، ذأبت خديجه بخُطواتها إليه، ومن ثم إلتقطت كفه وراحت تُقبله بحنو قائلة، ابني حبيبي، حمدلله علي سلامتك يابني!، ألف حمد وشكر ليك يارب.

نحا سليم ببصرهُ ناحيتها، ثبتت مُقلتي عينيه فيها ومن ثم إبتلع ريقه بصعوبة وهو يردف بخفوت يُخالطه القلق، نوراي يا أمي، فين نوراي!
ربتت خديجه علي كفهِ بحنو، تُحاول بث الطمأنينة داخل قلبهِ، حيث رددت بعد تنهيدة ضعيفة، مراتك بخير يا ابني الحمدلله، وفاقت قبلك كمان بس الدكتور مانعها تتحرك علشان حملها، وروفيدا وآلاء جنبها.

لانت ملامحه قليلًا وقد زفر زفرة خفيفة، بينما تابعت السيده خديجه بتوترِ، ب ب بس عاصم مات يا سليم.
حدق بها في صدمة وقد أسبلت جفونه بعدم استيعاب وأخذ يُتأتيء ب نبره مخنوقة، عاصم مات!، إنا لله وإنا إليه راجعون، يارب.
أنهي سليم حديثه ليتحامل علي ساعده وهو يصدر تأوهًا خفيفًا بينما تابعت خديجة بقلقِ:
علي فين يابني!
سليم بنبرة ثابتة: عاوز أشوف مراتي.

تحامل علي نفسه في تلك اللحظه، أمسك بالعكازين الموضوعين جانبًا ومن ثم مشي بخُطوات وئيدة صوب الباب، وهنا أستوقفه الطبيب هاتفًا بثبات، ما ينفعش با سليم باشا تتحرك من مكانك وإنت في الوضع دا.
تشنجت فرائصه بشدة، ضغط علي عينيه بنفاذ صبر ودون وعي منه صرخ هادرًا به ليُفرغ الطاقة السلبية داخله، أبعد من وشي إنت كمان، انا مكاني في أوضة مراتي. إنتوا هتمنعوني أتطمن عليها.

إبتلعت خديجه ريقها بصعوبه، هرولت ناحيتة ومن ثم تابعت متوجهه بحديثها ناحيه الطبيب، معلش يا دكتور، هو قلقان علي مراته!
أومأ الطبيب برأسه في تفهم، ليستئنف سليم سيره لخارج الغرفه، إنحرف يمينًا يمشي في الممر وقد تبعه الطبيب حتى قام بفتح غرفة زوجته دالفًا داخلها، لاحت الأنظار إليه في إندهاش، أقبلت روفيدا إليه تعاونه علي السير بينما تابعت آلاء بقلقِ:
إنت قومت من سريرك ليه يا سليم!، دا جرحك لسه بينزف!

رمقها سليم بهدوء ومن ثم تحول ببصره إلى زوجته، أغرورقت عيناها بالدموع في تلك اللحظه، مضي يقترب من فراشها بملامح نادمة وما أن جلس إلى طرف الفراش حتى ردد بتساؤل، نوراي، إنتِ كويسه!

أجهشت نوراي بالبُكاء في تلك اللحظه، أخذت تصدر شهقات تعلو رويدًا رويدًا، قام سليم بضمها إلى أحضانهِ لتهتف هي بتوجع، عاصم مات يا سليم!، ما لحقش يفرح ويثبت حُبه ل نسمه، كُنت عاوزة أقوله إني مسامحاه علي كُل حاجه عملها فيا، علشان هو طلع فعلًا نضيف من جواه.

سليم وقد أغمض عينيه بألم جارف، أدعي له كتير يا نوراي، ربنا يرحمهُ ويكرمه بالجنة.

جثت علي رُكبتيها داخل هذه الحديقه المتواجدة بالنادي الرياضي، المكان نفسه الذي طلب منها أن يلتقيا فيه، إرتدت جلبابًا أسود اللون وكذلك وشاح بنفس اللون، دبلت جفونها ومالت ملامحها للكآبة الشديدة، إِفتر ثغرها عن إبتسامة باردة وظلت تمرر أصابعها علي العُشب وفجأه تسقط دمعة منها علي الأرض كانت بدايه الإنفجار، حيث رددت هي بحُرقة، روحت فين يا عاصم!، قولت لي عاملك مفاجأه وما شوفتكش بعدها، ياريتك ما عملت لي مفاجأه. أنا مش عاوزه أي حاجة والله، أرجع ليّ بس وقولي إن دا كابوس يا نسمه. انت واحشني أوي، ليه عملت فيا كدا، دا أنت قولت ليّ وحيات اللي علمتني يعني أيه حُب، مش هسيبك ، ليه يا عاصم، ليه!

ظلت تضرب الأرض بقبضة يدها، تصرُخ بهستيرية، حتى أصابتها نوبة عصبيه ولكن هذا لم يمنعها عن الصريخ مجددًا قائلة، أخرج بقي يا عاصم كفاية هزار، انا عارفه إنك كُنت هتعرض عليا الجواز. انا هوافق طبعًا علشان انا ما بحلمش غير ب بيت يجمعنا وطفل شبهك. أخرج بقي أبوس إيدك، انا بموت!

هرول أحد المسؤلين عن النادي إليها، بينما إستئنفت هي بصراخ وكانت كلمتها الأخيرة قبل أن تقفد الوعي كُليًا، عاصم!
إرتعشت أوصال الرجل في قلقِ، مال بجذعه للأمام ومن ثم إلتقط رأسها علي ذراعه وراح يهدر بالعاملين في حدة، أطلبوا عربية الإسعاف بسرعة.

بعد مرور ثلاثة سنوات، ذاع صيتهُ داخل مِصر وخارجها، نال العديد من الجوائز والمنح وقد دُرست شخصيته داخل أروقه كُليات الحقوق بالوطن العربي، استطاع الحصول علي منح مكنته من تطوير قدراته، وقد رُشح ل إنتخابات الوزراء للعام الماضي وبفضل شهرته وحُب الناس لهُ، تمكن من الفوز بها وأصبح وزيرًا للثقافة بعد أن أدي اليمين الدستورية ليشغل حقيبة الثقافه...

وقفت فتاة في مُنتصف غرفتها، إرتسمت علي مُحياها إبتسامة صافية ذات بشرة بيضاء ناعمة، شعر أصفر حريري وعينان خضراوتان تمتازان بالضيق وميلهما نحو الأعلي قليلًا وكذلك شفتان باللون الوردي مفتوحتان نوعًا ما، تمتاز بقصر قامتها، أمسكت بصندوق مصنوع من القش بين كفيها الصغيرين ومن ثم نحت ببصرها ناحية والدتها ترمقها بترقُب، ضيقت نوراي عينيها قليلًا، ثم تابعت بنبرة حانية وهي تمسك بالكُره بين يديها قائلة، نيرو!، حبيبة مامي. انا هرمي الكوره وهدخلها في البوكس اللي في إيدك دا، ماشي!

هزّت نيروز رأسها عدة إيماءات، بينما رفعت نوراي ذراعيها للأعلي قليلًا بحركة بطيئه تنظُر لإبنتها بترقُب لتري هل تتابع الصغيره حركات ذراعيها أم لا!، بينما ألقت الكُره حتى ولجت داخل الصندوق بالفعل، صفقت نوراي بكفيها في مرح، باغتتها نيروز بإبتسامة سعيدة تنم عن مدي سعادتها لإصابة والدتها للهدف، في تلك اللحظه تقدمت نوراي إليها ومن ثم مالت لمستوي قامتها حتى طبعت قُبله حارة علي جبينها قائلة، مامي بتحب نيرو أوي.

قالتها نوراي وهي تُحرك كفيها بشكل دائري، بينما قلدتها نيروز بنفس الفعل وقد إنفرجت أسارير وجهها قائلة بطفوله بعد أن تجاوز نظرها نوراي ليمتد حيث باب الغرفه، نيروز وهي تُشير بأصابعها الصغيرة: سيم!، مامي سيم.
إلتفتت نوراي ببصرها للخلف لترمقهُ بنظره عاشقه، بينما إقترب هو منهما ليحمل نيروز إليه ومن ثم يحاوط كتف نوراي بالذراع الأخر، حته من روح قلب سيم!، وحشتيني الساعتين دول.

نوراي تنظُر له بجانب عينيها: ما تحاولش تهرب مننا، بردو هروح معاك اللقاء التلفزيوني، وما تنساش أبدًا، إن وراء كُل رجل عظيم آآآ، سليم مُقاطعًا بنبرة ذات مغزي: ست كُل ما تبقي حامل، تتحول لمصاص دماء.
نوراي وهي تبتعد عنه قليلًا ثم تضع ذراعيها حول خصرها: مش عاجبك!
سليم بعشق مُقبلًا جبينها: عاجبني ونص. بس انا خايف عليكِ، علشان إنتِ المفروض هتولدي الأيام دي يا قلبي.

نوراي بنفي: الدكتوره قالت لي، لسه باقي لي أسبوع، يعني ما تقلقش وبردو انا ونيروز هنروح معاك.

سليم بحنو: ماشي يا ست الكُل.
نوراي بتذكر ل شيء ما: شوفت اللعبة، اللي اتعلمتها انا ونيرو!
سليم وهو ينظُر لإبنته: اووووه، يالا العبوا ووروني.

في تلك اللحظه أنزل سليم ابنته من علي ذراعه، لتهرول ناحية الكُره دون إرشاد من أحد بينما أمسكت نوراي الصندوق لتقف مبتعدة عن ابنتها بمسافة قليلة، رفعت نيروز يدها قليلًا كما فعلت والدتها بالضبط، ومن ثم أطاحت الكُره من يدها لتدخل في باطن الصندوق وذلك لقرب المسافة بينها وبين والدتها، فقد أرادت نوراي أن تعلم ما إذا كانت ابنتها استطاعت أن تُدرك اللعبة أم لا وكذلك أرادت ان تجعل ابنتها تشعر بلذة الفوز وأنها قادرة علي فعل كُل شيء إذا أرادت ذلك، في تلك اللحظه طرق الطبيب المتخصص بمتابعة حالة نيروز علي الباب، سمح له سليم بالدلوف وهنا تابع الطبيب بإبتسامة هادئه...

حبيت أقول لحضرتك، إن حالة نيروز في تقدم مُستمر، البنت ذكية جدًا، بغير عادة أطفال الداون وبتقدر بسهولة تلقط وتقلد أي حركة من شخص بتحبه.

أومأ سليم برأسه في تفهم، بينما همّ الطبيب أن يتفوه بكلمات أخري ولكن الصغيره أوقفته حينما رددت بنبرة خافته وهي تُشير بأصابعها ناحية باب الغرفة، فوفا، فوفا.
نوراي وهي تمسك كفها بحنو: حاضر شوية وهنروح ل فوفا.
أخذت نيروز توميء برأسها سلبًا مرددة، تؤ، فوفا.
ظلت مسلطة أنظارها ناحية باب الغرفة وفجأه سمعوا طرقات تصدُر من الخارج، ومن ثم فُتح الباب بهدوء لتطُل روفيدا مردفة بمرح...

صباح الخير يا سيادة الوزير!
نظر الثلاثة لبعضهم نظرات التعجُب والدهشة في حين ضيقت روفيدا عينيها بإستغراب وهنا تابع سليم بحنو، صباح الورد يا روفا.
في تلك اللحظه تابع الطبيب بنبرة هادئه: أستأذن حضرتك يا فندم.
سليم بثبات: أتفضل.
روفيدا رافعة أحد حاجبيه: مستعد يا معالي الوزير ل اللقاء التليفزيوني!
سليم بضحكة خفيفة: بإذن الله، أمال فين رامي حبيب خالو!

علي الجانب الاخر، وقف ماجد أمام المرآه، يتأكد من أناقته إستعدادًا للذهاب إلى العمل، مشط شعره بإهتمام ومن ثم بدأ يعدل من رابطة عُنقه وفجأه أتاهُ صوت ابنه رامي مردفًا بنبرة طفوليه مشاكسه، هات دي!
رفع ماجد أحد حاجبيه، ومن ثم نزل لمستوي ابنه قائلًا بتساول، طيب انا رايح الشُغل، إنت بقي رايح الشغل.

إمتعض وجه رامي وقد مط شفتيه بوجهٍ عبوس ليفاجيء ماجد بصفعة خفيفة علي خده، صر ماجد بأسنانه ومن ثم حمله بين ذراعيه حتى وضعه إلى الفراش وأخذ يُداعبه بمرح، كُنت عارف إنك هتعمل كدا علي فكرة، هذا الشبل من ذاك الأسد يا صايع.
علت قهقهات الصغير نتيجة مداعبة ماجد له بينما تمدد هو بجانبه وراح يحتضنه بحنو طابعًا قُبلة علي جبينه وهو يقول...

بعشق أمك.

هرولت ناحية باب القصرِ، أخذ صدرها يعلو ويهبط في سرعة جامحة فقد أرهقها الجري ولكنها إعتادت علي ذلك، فهي تلك الفتاه الرشيقه صاحبة القوام الممشوق، ترتدي بنطالًا من القماش باللون الكُحلي وستره تعلوه من اللون الوردي وكذلك حجاب بلون الستره، وقفت أمام باب القصر لتسترح قليلًا، مسحت علي غُره رأسها بإرهاق تبعد العرق المُتصبب علي جبينها وكذلك تنهدت بإرتياح ومن ثم تابعت سيرها داخل القصر ليقطعه صوت هذا الشاب قائلًا بهدوء.

صباح الخيي يا نسمه؟!
نحت نسمه ببصرها إليه وقد إفتر ثغرها عن إبتسامة هادئه وهي تقول: صباح النوم يا رمضان، لو سمحت خرج عربيتي من الجراچ علشان ألحق الشركه.
أومأ رمضان برأسه في تفهم وقد تأهب للذهاب لتوقفه هي بنبرة متسائلة: ماما إلهام صحيت!
رمضان بتأكيد: من بدري.

عضت نسمه علي شفتها السُفلي، ومن ثم هرولت ناحية باب القصر تدلف داخله، إتجهت علي الفور صوب الدرج وقبل أن تصعد للأعلي سمعت صوت السيدة خديجه تردف بحُب، صباح الخير يا نوسه!
إلتفتت إليها نسمه ومن ثم أرسلت لها قُبله في الهواء: صباح الورد علي ست الكُل، يادوب أفطر ماما إلهام، وأروح الشغل.

تفهمت خديجة لأمرها وأخذت تدعو لها بحُب جارف، فقد تبنت إلهام مُنذ ثلاثة سنوات عندما علمت بطرد فؤاد لها ورفضت تمامًا التفريط بها، فهي أحق بها إحترامًا وحُبًا ل مالك قلبها الذي تركها في أول طريق حُبهما، تبكي علي فراقه كُل ليلة وتنتظر الذهاب حيث يتواجد هناك لتشملهما رحمة الله...

وضعت يدها علي مقبض الباب وبحركة دائرية قامت بفتحهِ، لتجد إلهام كعادتها في كُل يوم تجلس بمقعدها الخشبي أمام النافذة تُتابع الطيور المُلحقة في السماء بعينين دامعتين فقد حُرمت من حاسه النُطق عقب وفاة عاصم، تقدمت نسمه بخطواتها إليها ومن ثم قبلت جبينها بثبات، بينما رمقتها الأخري بهدوء شديد دون أن تبس ببنت شفةٍ، نسمه بهدوء: انا أسفه، إتأخرت شوية عليكِ.

إستدارت نسمه علي الأثر حيث الطاولة التي تتوسط الغرفة ومن ثم قامت بإطعامها في هدوء وما أن إنتهت حتى أعطتها العقاقير الخاصة بها...

تنهدت نسمه بعمقِ، وراح تتجه صوب باب الغرفه لتترجل منه بهدوء شديد، لتستعد لذهابها للشركة، فقد أصبحت رئيسة شركة الدالي لصناعة وتصدير السيارات، فقد كتب فؤاد نصف ممتلكات الشركة لها، فهي أحق بمال عاصم من غيره وقد توطدت علاقتهما وأصبح لا يستطع الإستغناء عنها داخل الشركة...

فتحت الغرفه الخاصة بها بهدوء شديد، فهي تحذر الخدم من الإقتراب منها، وتتولي نظافتها بنفسها، دلفت للداخل بخُطي وئيدة، جابت ببصرها الغرفة تنظُر إلى صورهُ المُعلقه في كُل ركنٍ بها وكذلك الكُتب والهدايا التي أعطاها لها، فقد إحتفظت بأبسط الأشياء منه، راح تقف أمام صورته التي تتوسط حائط الغُرفه، تجد العبوس باديًا علي قسمات وجههه ومن ثم تنقلت إلى الصورة التي تجاورها لتُفاجأ بتغير واضح به، يضحك ملء شدقيه وهي تُجاوره في الصورة، في تلك اللحظه تابعت نسمه تخاطب الصورة...

انا أسفه يا عاصم، إتأخرت علي ميعاد فطار ماما، بس غصب عني. كُنت بجدد دي!

قبضت كفها بثبات وراحت ترفعه أمام الصوره، ومن ثم تابعت وهي تنظُر للوشم عليها، خوفت ل يروح من إيدي وانا وعدتك إني مش هخليه يختفي أبدًا علشان دي الذكري الجميله اللي بينا، انا عُمري ما هخلف أي وعد بيننا وزيّ ما قولتلك إني مش هكون لحظة لغيرك ونفذت وعدي، بردو مستحيل أفرط في حاجه منك، علشان كدا روحت حددت الوشم تاني، ياااااه أد أيه واحشني!، انا خسيت وبقيت شبه عارضات الأزياء كمان، مش إنت دايمًا كُنت بتقولي خسي يا نسمه علشان صحتك!، إنت أكيد حاسس بحُرقة قلبي طول السنين دي، أبقي أفتكرني عند ربنا وقول له إنك عاوزني معاك في الجنة، ما تحرمنيش من الحلم دا.

نكست ذقنها أرضًا، ومن ثم جلست علي الفور إلى طرف الفراش لتسقط عبره حاره علي خدها...

صباح الحُب والورود، علي أحلي بنوتين في الدُنيا كلها!
أردف زياد بتلك الكلمات في حُب وهو يطبع قُبلة حانية علي جبين زوجته، بينما تابعت آلاء بإبتسامة حانيه، صباح النور يا حبيبي.
زياد وهو يلتفت ناحية الفتاة: ورود حبيبه بابي، فطرتي!
أومأت ورود برأسها إيجابًا، فهي طفلة الخامسة، تبنتها آلاء من والديها حيث كانت تجوب الشوارع لبيع المناديل دون مأوي سوي أسفل الكباري وغيرها من الأماكن المقفره...

ورود وهي توميء برأسها إيجابًا: فطرت انا ومامي، وصحيتك كتير وإنت مش رضيت.
زياد وهو يطبع قُبلة حانية علي خدها: إحنا أسفين يا باشا، المهم تحبوا تخرجوا فين بعد ما أرجع من الشغل.
آلاء وهي تلتفت ناحية ورود: ها يا روحي، تحبي نروح فين!
ورود بسعادة: دريم بارك.

دلفت نسمه داخل الشركة، بخُطوات واثقة فقد كونتها الظروف علي شاكلتها حتى أصبحت صاحبة ملامح جدية، تسعي لإثبات نفسها داخل عملها بالتفاني ف تود دائمًا أن تبقي كنية عاصم تتردد في الأسواق ويُذاع صيت نجاحها، دلفت داخل مكتبها وراحت تجلس إلى المقعد علي الفور، بينما تابعت السكرتيرة بإحتشام، حالًا هبلغ فؤاد بيه بوصولك، يا نسمه هانم.

بادرتها نسمه بإبتسامة هادئه تصحبها إيماءة خفيفة من رأسها وبالفعل بعد مرور لحظات دلف فؤاد داخل حجرة المكتب ثم تابع بحنو...

أخبارك أيه يا بنتي!
نسمه بثبات: الحمدلله علي كل حال يا بابا فؤاد.
جلس فؤاد إلى المقعد المقابل لها، وضع أحد الملفات أمامها، رمقتهُ هي بإستغراب وراحت تردد متسائلة، أيه دا يا عمي!
فؤاد بثبات: ورقة تنازل عن باقي ملكيتي ليكِ، انا مش ضامن عُمري ومافيش أمن علي فلوسي منك.

إمتعض وجهها من شدة الضيق، ترقرقت الدموع بعينيها ثم تابعت بنبرة متحشرجة، بلاش سيرة الموت يا عمي، مش قادرة غير إني أنهار كُل ما أسمع كلمة موت، ربنا يطول لي في عُمرك، انا بشوف عاصم في كُل حاجه فيك. بلاش كلكم تسيبوني!

ها جاهز يا سيادة الوزير!
أردفت نوراي بتلك الكلمات في حُب وهي تعدل من رابطة عُنقه بإهتمام شديد ومن ثم إستئنفت بنبرة هادئه، لازم طبعًا كُل حاجه في لبسك تكون مظبوطه، أمال يقولوا مدامته مش مهتمة بيه.

إفتر ثغر سليم عن إبتسامة تنم عن مدي عشقه لها وفي تلك اللحظه جثي علي رُكبتيه، وضع كفيه علي بطنها المتكور ومن ثم قبله بسعادة جارفة...

لأ هيقوله إن مدامته مصدر سعادته، ربنا يخليكي ليا، وتفضلي إنتِ ونيروز و...

ومن ثم إستئنف حديثه وهو يضع أذنه علي بطنها قائلًا بعشق، وعاصم، منورين حياتي.
قامت نوراي بالمسح علي خُصلاته، وقف هو مُجددًا في مكانه بينما تابعت نوراي بدلع:
لأ عاصم ابنك مجنني يا سليم، دا حمل نيروز كان أرحم.
سليم غامزًا لها: شقي زيّ أبوه.

تخضبت وجنتيها في تلك اللحظه وقد أخفضت بصرها قليلًا، بينما وضع هو أصابعه أسفل ذقنها ثم رفع وجهها إليه وقبل أن تتفوه بكلمه أحاط خصرها بذراعيه ثم قبلها بلهفة عاشق مات بها دون رجعة...

إنهي سليم قبلته الطويلة لها، ومن ثم إبتعد قليلًا وهو ينظُر إلى ساعة يده قائلًا بهدوء...

يادوب نلحق الهوا.
إتجهت معه خارج القصر بصحبتهما نيروز، وجد الموكب الخاص به في إنتظاره، أشار لمساعدة في بثبات وما أن جاء إليه ممتثلًا لدعوته حتى ردد سليم بثبات، مش عاوزه كُل الموكب دا، النهاردا اليوم خاص بعيلتي. ف انا اللي هسوق عربيتي.

المساعد بتفهم: اللي تشوفه يا باشا.

في تلك اللحظه قاد سليم سيارته مُتجهًا بها حتى مبني التصوير، وبعد مرور ما يقرب من الساعه، إصطف سليم سيارته أسفل البناية، تجمعت الصحافة حوله ما أن عرفوا بزيارته لمبني الإذاعة والتليفزيون، استطاع الإفلات منهم بصعوبة، استقبله طاقم التصوير بحفاوة شديدة، جلس سليم بصحبة زوجتة وابنته علي الأريكة الجلديه التي تتوسط الأستوديو وهنا بدأ تصوير البرنامج علي الهواء أمام الجموع من الناس، حين بدأت المذيعة حديثها بنبرة ترحيبية وهي تقول، النهاردا معانا شخصية هامة جدًا، فرقت في البلد وأثرت في شبابها بشكل واضح، معانا وزير الثقافة السيد سليم النجدي وحرمه، أهلًا بحضرتك معانا يا فندم!، لينا الشرف إن حضرتك تنور البرنامج.

سليم بإبتسامة ثابتة: الشرف ليا طبعًا.
المذيعة بإبتسامة هادئه: سيادة الوزير، طبعًا هنوجه لحضرتك كام سؤال بيدور في عقول كتير من الناس، وأولهم، فكرة تأسيسك لمنظمة بتعالج أطفال الداون علي نفقة حضرتك الخاصة، دا راجع لإصابة بنت حضرتك ب المرض دا؟!

تنحنح سليم قليلًا في ثبات، عقد ذراعيه أمام صدره ومن ثم ردد مردفًا، طبيعي لأني كُنت في جوف المعاناة نفسها وعيشتها، والأهم إن المؤسسات اللي بتعالج المرض دا برا مصر أو داخلها، بتكون بمبالغ أكبر من قدرة أي أسرة بتأمل بتحسُن مستوي ابنها الفكري والحركي.

المذيعه بإبتسامة ذات مغزي: كُنت عاوزه اسأل سيادة الوزير ك شخص، مش وزير. إنت بطل في حياه مراتك؟!

إِفتر ثغر سليم عن إبتسامة عريضة، نحا بصره إلى زوجته القابعة بجانبه، ومن ثم نظر أمامه مُجددًا قائلًا، لازم أكون بطل في حياتها، أمال هي إختارني شريك لحياتها علي أي أساس، علشان كُل بنت في الدُنيا حلمها بطل، وكُل بطل ربنا بيرزقه ب اللي هتصونوا، مراتي ملكة في حياتي وهي السبب الأول بعد ربنا في كُل حاجة وصلت لها، ربنا يبارك لي فيها، وأفضل بطلها وهي سيدة نجاحي.

رمقته نوراي بعشقِ، فقد أسبلت عيناها بتأثر من حديثه، عشقها له لم يكُن بغير سبب، تعشقه لأنه أكثر الأشخاص حنانًا عليها، لم يكُن سوي رجلًا لها، وعليها لن يكون سوي حامي لقصور عشقهما، همّت المذيعة بسؤالها الجديد، لتبدأ نيروز في صريخها المعتاد وهي تشاور بأصابعها ناحية بطن والدتها قائلة، نونو، مامي نونو.

إلتفت إليها سليم ومن ثم مد ذراعيه كي يحملها إليه ليجد وفجأه صرخات نوراي تدوي في أرجاء المكان، رمقها سليم بعينين جاحظتين بينهما تابعت هي بصراخ متوجع...

هولد يا سليم، إلحقني.
قام سليم بحملها علي الفور وأخذ يُهرول بها للخارج، ومازال اللقاء مستمرًا أمام أعين الجمهور وهنا تابعت المذيعة بإبتسامة عريضة...

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة