قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الأول

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الأول

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الأول

الهدوء يغطي المكان بأكمله، صوت أنفاسها المتقطعة المصاحب بنظراتٍ متوترة يخفق من عينيها، الحيرة تسيطر عليها وكأنها وحشٍ مفترس ينهش أخر ما تبقى بقلبها الهزيل، صفعات تجلد روحها ما بين التباعد عن قتله وما بين الإضرام للقصاص من قاتل أخيها، خطواتٍ خافتة تقترب منها بحذر، ليقدم لها يديه قائلاً بلهجة سعى لجعلها أكثر حذراً بإنتقاء الكلمات المناسبة لتخضع له:
سارة نزلي السلاح دا عشان خاطري...

لم تنصاع لكلمات ريان المتوسلة، فاستطرد كلامه بعصبية شديدة:
بلاش تضيعي نفسك عشان شخص ميستأهلش...

الخوف من الموت هو أمراً محتوم، ورغم ذلك لم يشعر به من يقف أمام فوه السلاح بنظراتٍ غير عابئة بترحاب الموت، سئم من الحياة المرهقة بذكريات رفيق دربه الذي خسره نتيجة غروره الزائد وعناده المتسلط، ترقب تحرر أصابعها على زناد السلاح ليتخلص من حياته الذي أصابها اليأس وتأنيب الضمير المهلك، وكأنه كان يعبر طريق طويل بنفسٍ راضية، فتوقف بمنتصفه ليفق على أكبر عقبة بحياته، لم تكن بالحسبان، تسلل صوت بكائها لمسماعه وكأنها تطالبه بوعوده بالبقاء لجوارها، تطالبه بتنفيذ كل وعد قطعه لها بعد رحلة معاناتها هي الأخرى، استدار جان تجاه الصوت المرهف الذي إتلتقطه آذنيها، ليجدها تكبت شهقاتها بيدها، باكية بدمعات إستحوذت على تفكيره، وكأنه وجد سبب لتمسكه بالحياة!، وكأنه وجد ما يطالبه بالبقاء...

سلمى محبوبة القلب وسُكنان الروح، أكسير حياته التي إختبرها الصبر مراراً وتكراراً، لوهلة إرتجف قلبه خشية من الموت بعدما كان يرحب به بصدراً رحب، فطلت من أمامه لتدفعه بعيداً عن طريقه المختار، تركزت نظرات جان عليها غير عابئ بمن تقف أمامه بسلاحٍ يكاد يخترق قلبه النابض بعشق من تقف على بعد خطوات منه، تتراقب ما يحدث بصراخ عصف ببكائها وتواسلاتها لها بالا تفعل ذلك، دموعها الصادقة إخترقت قلوب الفتيات جميعاً، حتى سليم حاول بقدر المستطاع أن يبعد جان عن الدرج حتى يتفادى الطلق الناري؛ ولكنها لم تسمح له بذلك، فكانت تصوب تجاهه بتصميم من قتله، نهض مراد عن طاولة الطعام بعد أن دفع مقعده بعصبية شديدة ليقترب من الدرج في محاولات مستميتة للسيطرة على حركات جسده التي تحكمه على التعامل مع هذا الوضع حينما يكون عرضة لصوب السلاح، أحكم على تفكيره بأنها إمرأة وأخلاقه تضع النساء والأطفال بخطوط لا يتعدها أبداً فلا يرفع يديه عليهن، وقف على مسافة معقولة منها قائلاً بثبات يخترق صوته الرجولي:.

اللي بتعمليه دا غلط، ياريت تنزلي السلاح ونتكلم بالعقل...
نقلت نظراتها العدوانية بالكد لتنقلها إليه، فأبتسمت بسخرية رغم تلألأ الدمعات بعينيها:
الغلط دا هو اللي إرتكبه لما حرمني من أخويا الوحيد، أنا لو مقتلتوش الوقتي هعيش عمري كله في تأنيب ضمير...
ومستانية أيه؟، إضغطي على الزناد وإقتليه...

كلماتٍ تحررت لتخترق القاعة، فتعلقت العيون بالدرج ليطل صاحبها من خلفها، هبط رحيم للأسفل بخطواتٍ راسخة، تعج بالثقة عن كلماته التي تفوه بها متجاهلاً صدمات الجميع بما قاله، هبط ليقف على مقربة منها ليسترسل حديثه الغير مكتمل بلهجة حادة بعض الشيء:
إضغطي...
صرخ به ريان بصدمة:
رحيم!..

أشار له بيديه ليصمت فتراجع للخلف قليلاً بعد أن أبعده مراد بنفسه بعد أن فهم ما يود أخيه فعله ليحسم الأمر، تركزت نظرات الجميع عليه بخوفٍ، وبالأخص شجن التي بدت تزيل الأقفال العالقة بينهما، إرتجفت اصابعها بأرتباكٍ ملحوظ ودموعها تكاد تخترق وجهها من شدة بكائها، ربع رحيم يديه أمام صدره العريض ليشرع بقول:
مش قادرة صح؟.

نقلت نظراتها إليه بأهتمامٍ، فأبتسم ساخراً، ليهبط أخر الدرج الفاصل بينها وبينه، ليبدو قريباً فقال بأتزانٍ يصاحبه أينما كان:
بصي وراكِ يا سارة...

ضيقت عينيها بذهولٍ مما يحاول فعله، فظنت بأنه يحاول سحب السلاح من يدها، تباعدت عنه قليلاً ثم تطلعت خلفها مثلما أخبرها، فوجدت ريان يقف خلف الدرج ذو الطلاء الذهبي ومن جواره كانت تقف سلمى الفتاة الهادئة التي تشاركها غرفتها وزوجة اللعين الذي تحاول قتله، رأتها تبكي بقهر، إنكسار، خوف، ترقب، قرأت كل ذلك بنظراتها المسلطة عليهما
هتقدري تتحملي تأنيب ضميرك من نحيتهم؟..

جائها صوته القريب، فأنتفضت محلها بفزع، إستكمل رحيم كلماته بغموض يسكن بحدقتيه:
مفيش حد بيختار حياته ولا موته، القدر هو اللي بيتحكم فينا هو اللي يحدد الطريق ونهايته، خاليكي على ثقة إن بموته مش هيكون رجوع لأخوكِ ولا راحة لعذابك بالعكس النظرة السريعة اللي أخدتيها دي هتلاحقك العمر كله ما بين تجربة شبيهه ليكِ وما بين ندم على أكتر شخص كنتِ تتمنى تقضي حياتك معاه...

وتطلع للفراغ بنظراتٍ تحمل نوابع الألم بين طياتها ليستكمل ما قيل:
أحياناً بنضطر ننسى جزء من ماضينا عشان نقدر نكمل مع الأشخاص اللي بنحبهم حتى لو هتكون تجربة مش منصفة للبعض لكن في النهاية بنحاول!.

إخترقت كلماتها حواجز قلبها لتزيح عنها الغيمة السوداء، وكأنها القى عليها تعويذة بالأنتقام غير عابئة بمن حولها، تحررت أصابعها من حول السلاح، فسقط أرضاً من يدها، فأسرع ريان بأحتضانها ليبعدها بجسده عن الدرج، بل بعيداً عن أنظار الجميع، أما جان فلم يشعر بمن حوله، وكأنه كان يعد للرحيل الذي بخسه عنه القدر، شعر برائحتها تخترق أنفه فعانته لملامسة أرض الواقع، فأفاق على وجودها بين ذراعيه، شدد جان من إحتضانها بقوة كبيرة بعدما شعر بأنه من المحتمل أن ينفصل عنها بسببٍ خارج عن إرداته؛ ولكن كالعادة يترك رحيم أسبابٍ غامضة حول مساعدته الغريبة الذي يقدمها إليهم رغم تمرده الشديد تجاههم!.

صدمة عصفت بكيانها وهي تحاول إستيعاب ما تستمع إليه، وخاصة حينما إنتهى طلعت من قص الجزء المتعلق بنجلاء، بداخلها صراع بين تقبل ما تستمع إليه، نعم لم تحبذ فكرة تواجدها بنفس ذات المكان؛ ولكنها كانت تعلل بأنها ستحتمل وخاصة بوفاة والدها الذي أصبح الآن مجرد سراب!.
ترقبها بأهتمام لسماع ما ستقوله ولكنها إلتزمت بالصمت لفترة طويلة زرعت القلق بداخله، فسألها بشكلٍ مباشر:.

مالك يا نغم، مش فرحانه إني عايش!..
تعمقت نظراتها بعينيه، وكأنها تحسم إجابتها على سؤاله، ذاك الصمت بدى بحد ذاته غير محمس لسماع ما ستقول، إلتقطت أنفاسها بصعوبة بالغة وكأنها تهيئ لذاتها القادم فقالت:
وأيه اللي هيفرحني وأنا هشوفك معاها بعيوني!..
ونهضت عن الأريكة لترمقه بنظرة ساخرة:
حقيقة إنك لسه عايش هتفرق مع اللي انت كنت خارج من أوضتها ومخبي علينا عشان تسبها هي وإبنها يتحكموا فينا كلنا...

وتركته وكادت بالرحيل ولكنها توقفت حينما نهض عن مقعده ليشير لها بغضب:
أيه الهبل اللي بتقوليه دا؟..
قالت دون النظر إليه ومازالت تحجر دمعاتها عن الهبوط:
الحقيقة يا طلعت بيه وأهي فرصة تحقق اللي كان نفسك فيه من زمان مهو خلاص اللي كانت عائق بينكم ماتت...

وتركته وتخفت من أمام عينيه والأخر بصدمة من الجريمة البشعة التي ألقتها بحقه وبحق المرأة الوحيدة التي عشقها من صمام قلبه، نعم يعلم بأن نغم مختلفة كلياً عن ريم البريئة، يعلم بأنها شرسة وعنيدة مثل أخيها تماماً ولكنه لم يتوقع منها تلك الردود القاتلة بالنسبة إليه...

أسندها حتى ولج لغرفتها، فاغلق بابها ليعاونها على الجلوس على المقعد المقابل للسراحة، جسدها بأكمله يرتجف وكانها كانت تقف أسفل المياه لمدة طويلة للغاية، جذب ريان احد المقاعد ليجلس مقابلها بصمتٍ طال لدقائق معدودة درس فيهما تعبيرات وجهها، مررت يدها على ذراعيها الباردة بحركاتٍ دائرية لعلها تمنح جسدها الحرارة اللازمة لتدفئته، توترها الزائد من مواجهته وخاصة بعد ما إرتكبته منذ قليل جعلها شاردة، مغيبة عن الواقع، متناسية تماماً وجوده أمامها!.

إنتظرها لترفع وجهها فيرى عينيها؛ ولكنها لم تفعل، فقرب أصابعه من وجهها ليرفعه أمامه فرفعت عينيها تلقائياً تجاهه، إنسابت الدموع دون توقف وهي تقرأ ما دون بعينيه من عتاب طويل، أجبرت لسانها على قول:
أنا معرفش عملت كدا إزاي، بس صدقني حاولت وف...
ضم يديه لتحاوط وجهها، مقاطعاً إياها بهمسه الخافت المقابل لها:
مش عايز أسمع حاجة...

ورفع طرف حجابها الغير مهندم ليضعه على كتفيها ببسمة هادئة جعلتها بحيرة من أمره، تركزت نظراته بعينيها التي تخضع لسيطرته المفروضة، فتصبح كالأسيرة التي تتبع هوسه، ود لو إقترب منها مسافة تمكنه من تعبيره عما ينبض بداخل هذا الصدر؛ ولكنه يخشى على ذاته من فتنتها، تنهد بصوتٍ مسموع ليخبرها:
اللي حصل من شوية دا رد فعل طبيعي بس أنا مش عايز أخسرك يا سارة...
وردد بصعوبة وكأنه يحمل بصدره ما يؤلمه لذكر رفيقه:.

خالد لما إتخذ قرار الإنتحار اعتقد إنه مكنش بسبب البنت دي ولا بسبب اللي عمله جان، لأنه مقدرش يتحمل إن صاحب عمره يفكر مجرد تفكير أنه يخونه بأي شكل من الأشكال...
وإختنق الدمع بعينيه التي ترفض البوح به، من فرط غيرته عليهما:
يمكن لو الزمن رجع تاني مكنش هيأخد القرار دا ويمكن مكنش عرف البنت دي لو عرف إنها هتكون نهاية للي بينه وبين جان..

انتفضت من شدة البكاء بين أحضانه وهو يشدد بيديه ليقربها منه وكأنه يحاول إحتوائها بداخل روحه، وخز قلبه فتماسك بقوة إعتاد عليها لكونه رجلاً لم يعهد الضعف من قبل فقال وهو يمرر يديه على خصرها بحركاتٍ جعلتها تختبر شعوراً جديد يخترق عالمها الصغير:
مش عايزك تفكري في فكرة الإنتقام من جان تاني أبداً وخاصة لأننا هنكون بمكان واحد..
خرجت من أحضانه لتتطلع لعينيه بدهشة، فسألته بسخط:
أنت خايف عليه؟.

رسم بسمة ساخرة على طرفي شفتيه ليجيبها:
تفتكري لو أنا خايف عليه أيه اللي يخليني على عداء معاه كل السنين دي؟!.
أخفضت نظراتها أرضاً لتستكمل بكائها بقهر، مرر يديه على خصلات شعره بتماسك وكأنه يحاول الإحتفاظ بهذا الجزء المحظور لذاته أكبر فترة ممكنة؛ ولكنه الآن مجبر على البوح به ليمنعها من إرتكاب اي شيء أحمق قد يعرض حياتها للخطر فقال:
تعرفي أن خالد قبل ما يموت طلب مني طلب...

تطلعت له بأهتمامٍ، فأزاحت دمعاتها بيدها لتسأله بفصولٍ:
طلب أيه؟.
إزدرد حلقه المرير ليبلل شفتيه الجافة:
طلب مني معقبش جان ولا أحمله ذنب إنتحاره وقالي ببساطة إنه مسامحه..
وإبتسم بسخرية وهو يستكمل كلماته:
تخيلي بعد كل دا ومش محمله ذنب موته!..
منحته نظرة متعجبة لما قاله، فمرر يديه على مقدمة أنفه ليحاول جاهداً التحكم بأعصابه:.

حاولت أعمل بكلامه بس مقدرتش أحقق غير نصه أني إتغاضيت عن عقابه بالموت بس إختارت العذاب المناسب ليه، لحد دلوقتي ميعرفش بالكلام دا وأكيد بيتعذب...
أغلقت عينيها بدموعٍ حارقة لروحها قبل أن تطول وجهها، فهمست بصوتٍ يكاد يكون مسموع:
كان نفسي يفضل جانبي، أنا ماليش حد غيره...

شدد من إحتضان يدها بين لائحة يديه القوية ليصحح لها ما قالته، ليعلمها بأنه لجوارها ليست بمفردها مثلما تزعم، مالت برأسها على كتفيه فضم رأسه فوق رأسها لتسترخي تماماً بين أحضانه...

أبت سلمى أن تتركه ولو لدقائق ينفرد بها بذاته، كان قريب من الموت ويفصلهما خطوتان، باتت بتلك الدقائق تخطط لطريقة تتخلص بها من ذاتها لتلحق به بعدما تأكدت بأنها ستفعلها وستضغط على زناد السلاح ليخترق رصاصه صدر محبوبها، حرر جان يدها التي تحاوطه برفق قائلاً بهدوء:
أنا كويس يا سلمى، سيبني ..
عادت لتتمسك به مجدداً، قائلة بنفي:
لا مش هسيبك، أنا مقدرش أعيش لحظة من غيرك مش قادرة أتخيل أني كنت هخسرك...

وقالت كلماتها الأخيرة ببكاءٍ حارق، خرج صوته المستسلم فقال بيأس:
وهتفرق أيه مأنا كدا كدا ميت..
إبتعدت عنه لتحدجه بنظرة غاضبة:
أيه اللي بتقوله دا!.
أجابها ببسمة حزينة ترسم على ثغره بالكاد:.

الحقيقة يا سلمى أنا ميت من جوايا، كل اللي بيحصل حواليا خالاني فقدت شغفي في الحياة مبقاش في اللي يحببني فيها، فقدان أقرب صديق بسبب عنادي وكبرياء أعمى إني أكدب وأوافق على الأتهام البشع دا ببسمة غرور وكان نتيجته موت خالد وخسارة ريان، والوقتي تكملة للعذاب عايش معاه تحت سقف أوضة واحدة ومش قادر أقوله مالك ولا احكيله عن الحقيقة..
ثم تنهد بتثاقل ليخرج ما يؤخز قلبه بعدما تعمق بعينيها:.

حتى أمي بتحاول تبعدني بكل الطرق عن البني أدمة الوحيدة اللي حبتها، الحاجة الوحيدة النضيفة في حياتي...
ونهض من جوارها ليقف مقابل شرفة القصر، يتطلع للحدائق من أمامه بنظرة يكسوها الحزن، إتبعته لتقف خلفه قائلة بصوتٍ منكسر:
تعرف أيه اللي فكرت فيه وأنا شايفاك على بعد خطوة من الموت؟.

استدار ليكون مقابلها، يرمقها بنظراتٍ مهتمة لمعرفة الأجابة على سؤالها الفضولي، اتكأت بيدها على حافة المزهرية التي يصل طولها لمنتصف كتفيها، ووضعت اليد الأخرى على موضع قلبها الذي يئن:
كنت بفكر بالطريقة اللي هتخليني أحصلك بيها لو جرالك حاجة، أنت بتقول إن مفيش حاجة تعيش عشانها وأنا بقولك أنا فرصتك أن يكون ليك حياة...

بسمة صغيرة رسمت على شفتي جان زادت من جمال وجهه الحزين، إقترب لتتقلص المسافة بينهما ليخبرها بصوته الهامس:
أنتِ أكتر من فرصة يا سلمى، أنتِ الأمل الوحيد اللي بيأكدلي إني بني آدم وجوايا قلب، بينبض عشانك...

تراقصت دقات قلبها المضطربة على ما إستمعت إليه من كلمات لملمت جرحها، اقترب منها كالمغيب، عينيه لا تغادر عنها، الشفتان ترتجف أمام الأخرى برجفة مثيرة تسرى بجسده، ترك لذاته دقائق ليروي حنين الشوق إليها ليتباعد سريعاً قبل أن يقذفه الطوفان لطريقٍ لم يختبره بعد..

يشعر بأن هناك أمراً يخفيه عنه مراد ويحاول بقدر الإمكان إكتشاف هذا الأمر، جذب الحارس المقعد الخارجي ل رحيم زيدان ليجلس بالحديقة واضعاً قدماً فوق الأخرى ليشرد بفكره المخيف عن الأمر الغير مفهوم بسفر والدته وعودتها مع مراد بل وبموافقتها السريعة بالبقاء بالقصر وخاصة بالفترة المضطربة التي تمر بها العائلة!، هناك حلقة مفقودة لا يعلمها، نظاراته السوداء القاتمة كانت تخفي زيتونية عينيه من أشعة الشمس الحارقة، فمنحته طالة مرتبة لتكمل وسامته بصورة خاطفة للقلوب، إستند برأسه على ذراعيه ليميل قليلاً تجاه هذا الصوت الذي أصبح إدمان بالنسبة له، صوت خطواتها المتهدجة، رقيقة هي حتى بخطاها التي تلامس الأرض وكأنها تخشى عليها!.

وجد شجن خاصته تقترب منه على إستحياء وأصابعها تعبث بفستانها الوردي لتخفف من حدة توترها الملحوظ، نهض عن مقعده ليستدير تجاهها بعدم تصديق، مهلاً هل تقترب منه بملأ إرادتها؟!..
رفعت رأسها للأعلى قليلاً لتبدو أكثر ثباتاً، زفرت الهواء على مهلاً لتباغته بقول:
الغدا جاهز...

قالت كلماتها الخاطفة وأسرعت بالدخول من الباب الجانبي لمطبخ القصر، أما هو فبقى محله لثواني، يحاول ترتيب كلماتها بدهشة كبيرة تحتمه على عدم تصديق آذنيه، إتباعها رحيم ومازال يطرح الأفكار من أمامه بأحتمالية ما سيحدث، ولج للداخل ليجدها تحمل (صينية) مستديرة لتضعها على الطاولة المقابلة للمطبخ، فأقترب من المقعد ليجدها أعدت من الطعام ما أطيب وألذ، كان يظن بأنها ستعد الرقاق بقطع اللحم مثلما أخبرته بالأمس، جلس بهدوءٍ وعينيه تتنقل على الأطباق من أمامه ببسمة تشكلت على وجهه، جذبت أشجان أحد الأطباق لتضع له قطعة من المعكرونة الشهية وبعضٍ من قطع الدجاج المتبل بحرافية لطالما إمتلكتها من الصغر، قربت الطبق منه ولكنها لم تضعه أمامه فمازالت تخشاه، تحاول شكره بأبسط الطرق الممكنة بعد ما قدمه لها، جذب الطبق الموضوع على مسافة منه ليشرع بتناول طعامه بتلذذ عجيب، خالف نظامه اليومي من تناول واجبات صحية غنية بالخضروات للحفاظ على بنية جسده القوي، ولأجلها قد يخالف مئات القوانين والعقبات، شعر بأنه ليس يتناول مجرد طعام، بل تعويض عما صبره من أعوام فاقت التوقعات بتحليه بالصبر للقاء بها، إنتهى من تناول ما أمامه، فجذبت شجن قطع الرقاق الذي صنعته خصيصاً إليه لتضعه أمامه ببسمة تخشى أن تبديها...

خطف نظرة إليها ليشرد بأيامٍ ماضت حينما كانت تحمل الطبق المفضل إليه لتحرص بأن يتناوله، قطع شروده صوت مراد الذي أتى من خلفه حينما هبط الدرج بعدما أبدل ثيابه ليتوجه للخروج فأقترب منه ليتفحص ما وضع أمامه بذهول:
مش كنت إمبارح بتقول إن مالكش غير فى الأكل الصحي ولا أنا مش بقيت بركز!.
وضع الملعقة من يديه ليجيبه بثبات ونظراته تحيط بها:
أنا ليا في أي حاجة تعملها شجن...

تسللت حمرة الخجل لوجهها، الآن تختبر شعوراً غريب بعيداً عن الخوف، شعوراً إختبرته من قبل ويعود الآن ليستحوذ عليها، إبتسم مراد على كلماته فغمز له بعيناه قائلاً بمكر:
حقك...
وأغلق جاكيته جيداً ليشير له بأصابعه:
أشوفك بعدين...
وتركه وتوجه للمغادرة والأخر يتابعه بنظراتٍ شك، فرفع هاتفه سريعاً ليقول دون السماع للطرف الأخر:
وراه يا حازم..

وأغلق الهاتف سريعاً، ليعود لتناول طعامه ولكن تلك المرة قرر الحديث:
الأكل جميل تسلم أيدك...

إكتفت بأشارة بسيطة إليه ثم بدأت بحمل الأطباق، فنهض رحيم ليحاول مساعدتها بحملهما، تلامست يديه معها حينما جذب نفس الطبق، فتراجعت للخلف بفزعٍ وكأن عقربة لدغتها، حتى أن الطبق الذي كانت تحمله سقط أرضاً لينكسر مصدراً صوتٍ مزعج، إبتلعت ريقها بأرتباكٍ وكادت بأن تنحني لتلملم المتحطم منه، أشار رحيم للخادم الذي أتى مسرعاً ثم قال:
هو هينضفه..

وبالفعل إنحنى الخادم ليلملم ما بقايا الزجاج المتناثر أما هي فأسرعت للمطبخ لتهرب من أمامه حتى تسنح لها الفرصة بألتقاط أنفاسها بعيداً عن قربه المقلق لها، إنسحب رحيم لمكتبه ببسمة صغيرة ترسم على جانبي شفتيه فمازال يؤمن بأن عليه الصعود للدرج على مهلاً ليفوز بها، إستند على مقعده بأسترخاء ليهمس بصوته المقبض:
لسه الطريق طويل يا شجن..

بغرفة يوسف...
إبتسم آدم بسعادة وهو يستمع لحديثه عن رحلة كفاحه منذ أن بدى بالعمل وهو طفلاً صغير يا يتعدى السادسة عشر من عمره، شعر بسرعته بالحكم عليه بل إنه كسب صداقاته سريعاً بعد قضاء ليلة واحدة فقط!.
قطع حديثهم المرح طرقات على باب الغرفة ففتح آدم الباب ليجد نغم في حالة لا ترثى لها، فولجت لتقف أمام زوجها لتهمس بصوتها الباكي:
يوسف!.

إنخلع قلبه حينما رأى عينيها المتورمة من أثر البكاء، إنسحب آدم للخارج قائلاً بلطف:
أنا بره خدوا راحتكم..
وتوجه للخارج ليترك لهما مساحة خاصة للحديث، ولكنه توقف محله بملامح واجمة حينما رأى سما من أمامه وعلى ما يبدو بأنها كانت متوجهة لغرفته هي الأخرى!..

ولج مروان من الخارج يخفي ملامحه خلف نظارته السوداء الكبيرة وما أن تأكد بخلو الغرقة من عدوه الشريك حتى خلع نظارته ليلامس جروح عينيه بألم، وحقد ينبع بداخله لتحركه غريزته للإنتقام من هؤلاء اللعناء، خرج فارس من حمام الغرفة يرتدي منشفة حول خصره ليكمل إرتداء ملابسه بالخارج، فتفاجئ به يجلس على الفراش ويحاول تضميد جروح عينيه، إقترب ليقف أمامه فتفحص ما به بنظراتٍ ساخره ليسأله بجراءة:.

مين اللي علم عليك؟.
إنتبه مروان لوجوده فأرتدى نظاراته سريعاً ليجيبه بغضب وبصوتٍ متحشرج:
هو مين دا اللي يقدر يعلم عليا ما تنقي كلامك!.
وضع يديه خول خصره ليرمقه بأستهزاء:
لا علم وعلم أوي كمان وأنت الرجولة مش أخدك غير علينا وبس..
إحترقت عينيه بلهيب الغضب، فقال بعصبية:
قولتلك محدش يقدر يعلم عليا، بس الحيوان دا أخدني على خوانا هو واللي معاه..
إعتدل فارس بوقفته ليشير له بشراسة:.

حلو نأخده أحنا على الهادي عشان يتربى صح..
وتوجه للخزانة ليجذب قميصه وبنطاله بضيقٍ ملحوظ، ضيق مروان عينيه بذهولٍ، فباغته بسؤالٍ ساخر:
هو مين اللي هنأخده!، متقولش إنك هتساعدني!.
إرتدى بنطاله ليستدير إليه وهو يكمل إرتداء قميصه الأسود ليجيبه بخبث:
أكيد هساعدك أنا محدش يعلم على عدوي غيري...
إبتسم مروان بسخرية:.

وجهة نظر برضو بس أنا أيه اللي يضمنلي إنك متغدورش بيا أنا مستحيل أثق بحيوان زيك، أنت نسيت اللي بينا ولا أيه؟
حدجه بنظرة غاضبة:
إحترم لسانك بدل ما وربي أدفنك هنا وأنت ما شاء الله مش محتاج لكمة وشك متشوه جاهز..
لامس بيديه ما بوجهه بغضب، فغمز له فارس بخبث:
كدا تعجبني..
وتوجه للباب ليشير له بيديه ليتبعه:
إستعنا على الشقا بالله...

هبط من سيارته ليتوجه للقصر بعدما عاد من الشركة، كاد بصعود الدرج ولكنه توقف حينما إستمع لأخر صوت يمقته، فعلى بندائه:
سليم..
تمسك بصعوبة واستدار ليجدها أمام عينيه مداعية البراءة على وجهها الشيطاني، أتت لحدود مملكة زيدان رغم التحذيرات المشددة عليها بالا تفعلها، هبط ليقف مقابلها فجذبها بقوة من معصمها صارخاً بها بغضب:
أنتِ أيه اللي جابك هنا..

لاحت على وجه هنا بسمة خبث حينما تحقق مرادها لترى من تراقبهما بالأعلى يديه القابضة على رسغها فتبدأ بأيقاظ شكوكها تجاه ما يحدث!.

بغرفة مراد...
تناولت حنين المشروب الذي صنعه خصيصاً إليها فأصبحت كالأدمان بالنسبة إليها أو ربما لإنه من صنع يديه، لا تعلم ما الذي يحدث لها بوحوده أو حينما تتلامس أصابعها مع شيئاً لمسه هو من قبلها لا تعلم ما الذي يحدث لها!
إنتهت من تناول المشروب ثم توجهت للأسفل، باحثة عن أشجان حتى وجدتها بالمطبخ...
تسللت بخفة لتخيفها كالمعتاد، ولكن تلك المرة استدارت لتوقفها بوجومٍ شديد:.

مش هتعرفي تخضيني تاني إهدي بقى...
تعالت ضحكات حنين المشاكسة لتطوفها بذراعيها طابعة قبلة خاطفة على وجنتها:
والله وإتنصحتي يا شوشو وبقيتي تعرفي تقفشيني..
رمقتها بنظرة منزعجة، لتدفعها برفق للخلف:
نفسي تعقلي لإنك تقريباً فاضلك تكة واحدة وتسكني العباسية..
عبست بحجابها بهيامٍ جعلته مضحك عن قصد:
وماله لو مراد هيكون معايا نروح ونسكن مع بعض إنشالله حتى نروح أبو زعبل..

تعالت ضحكات شجن حتى إحمر وجهها، فتلك الفتاة ستقودها للجنون حتماً، شاركتها حنين الإبتسامة ولكن سرعان ما تلاشت حينما حاوطها ألمٍ رهيب بحلقها، وكأنها تناولت مياه نارية ألهبت حلقها، إنتقل الألم لبطنها لتتمزق بقوة جعلتها تنساب أرضاً لتحتضنها بصراخٍ إنتهى بفقدانها للوعي بعدما تسلل من فمها فقعات كثيفة وكأنها تناولت جرعة مكثفة من السم، ظنت ببدأ الأمر بأنها تمازحها كالمعتاد ولكن وجهها الأزرق جعلها تهرول إليها لتحركها بصدمة من جسدها المتصلب كالفاقدة للحياة فصرخت صرخة مداوية رجت أرجاء قصر رحيم زيدان ليتخشب على عتبة بابه من عاد من الخارج لتو حينما تحرر صوت شجن بصراخها المرتفع بأسمها:.

حنيـــــــــــــــــــــــــــــــن!..

ربما هناك أمراً مدبر داخل قصر رحيم زيدان للفتك بين أعمدة قصره لينهار رأساً على عقب ولكن ربما جهل بحقيقة واحدة إتحاد #الجوكر والأسطورة ليس بالامر الهين لتنفيذ مخطط هكذا ولكن ترى ما المخبئ داخل أعمدة قصر رحيم زيدان؟!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة