قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل السادس والعشرون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل السادس والعشرون

يوم عصيب بكل ماتحمله الكلمة من معانٍ أهلكت أرواحهم وأحرقتها.
دلف الجميع إلى ذلك القصر الذي دائما ماشهد على تقلبات عديدة مابين سعادة وحزن، ألم وراحة، لقاء وفراق.
اليوم يدلفون دونه، دون أنفاسه المطمئنة بتلك الدنيا القاسية، فهو الحفيد والإبن، الأخ والصديق، هو الضهر والسند لجميعهم حتى القوي منهم.
(العائلة هي حمايتك من مخاطر الحياة وذلاتها، هي درع الدفاع وسيف الهجوم، هي حصنك الأمين وقلعتك الحصينة. تشبث بها دائمًا؛ حتى وإن أخطأ البعض فالصفح والغفران دستور العائلة.)..

أقدامهم تقودهم بلاوعي، عقولهم ترفض الواقع، إيمانهم قوي بقضاء الله وقدره.
تهاوت "هيا" على أقرب أريكة قادتها إليها قدماها، حالتها يرثى لها، عيونها المشتعلة إحمرار من أثر بكائها الذي لاينضب. فلم يكن لها مجرد شقيق، بل كان أب وأخ وصديق، ناصح ومُعين، لتردف بهذيان :
- كده نسيبه لوحده في يوم زي ده؟
كان لازم أروح معاه عشان مايخافش من الضلمة.

لتجد من جلس إلى جوارها وجذبها نحو أحضانه، ليشدد من إحتضانها مردفًا برفض :
- بعيد الشر عنك يا حبيبتي.... ده قضاء ربنا وقدره، ماينفعش نعترض عليه.
تشبثت بأحضانه لتتعالي شهقاتها التي مزقت قلبه وأدمته، لتردف بصوت متحشرج :
-هيوحشي يا أبيه "ثائر".... هيوحشي.... مش قادرة أتخيل حياتي من غيره، ماكانش أخويا الكبير وبس، ده كان بابا.... أنا معشتش مع بابا زي ماعشت معاكم، إنتوا اللي ربتوني، إنتوا أبويا...

شدد من إحتضانها أكثر، وأغمض عيناه بأسي حتى تمردت تلك الدمعة الحارقة التي لطالما منعها بكبرياء فالآن إنتصرت وهوت وهوي معها ذلك الصمود الذي إرتدي ثوبه لفترات طويلة، ليتنهد بأسي مردفًا :
- إحنا جنبك يا حبيبتي..... إحنا جنبك.
بينما خطت "فريدة" بخطوات مترنحة، فالرؤية أمامها ضبابية، أنفاسها الملتهبة تتباطئ بإستسلام، دمعاتها الحارقة ترثي حفيدها، لسانها دائمًا ما يتفوه:
- إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها.

كررت دعائها إلى أن دلفت إلى غرفتها وأوصدت بابها جيدًا، لتهوي إلى فراشها محتضنةً وسادتها، لتكتم صرخاتها وشهقاتها التي لطالما ردعتهم لتظهر صلابتها أمام الجميع.
حينما إلتفت "نجلاء" للجميع بثبات ظاهري مردفةً بصرامة :
- "منة" وصية أخوكم.... لازم تكونوا جنبها وماتسبوهاش لحظة، مجرد ماتفوق وحالتها تستقر تيجي تعيش وسطنا.... دي حبيبة الغالي.

و تقدمت نحو "هيا" وجذبها من ذراعها برفق مردفةً بحنان :
- تعالي معايا ياحبيبتي، هتنامي في أوضتي النهارده.
قبل "ثائر" جبينها بحنو مردفًا بأسي :
- قومي روحي مع ماما يا حبيبتي، ولو إحتاجتي أي حاجة وفي أي وقت كلميني علي الموبايل هتلاقيني عندك.

نهضت "هيا" من مقعدها بإستسلام دون أن تنبس ببنت شفة، لتتبع خطي "نجلاء" إلى غرفتها لتبدأ صراعًا جديدًا مع النوم.
بينما ربتت "ضحي" على كتف "خالد" بحنان وأسي مردفةً بترجي :
- عشان خاطر "هيا" يا حبيبي لازم تجمد، دي أمانة وإتسلمت لصاحبها، لازم ندعيله ونكمل طريقه، لازم تكون قدها عشان خاطر إخواتك.

حرك "خالد" رأسه مرات عديدة بشرود ليخطو خطواته نحو ذلك الدرج الرخامي ويصعده بصمت كلماته التي عجزت عن البوح بما يصرخ به قلبه ويئن.
بينما خطى " حمزة" إلى حديقة القصر بخطى ثقيلة كثقل تلك الهموم التي أثقلت كاهله وأحنته، وجلس إلى تلك الأرجوحة التي شهدت آخر حديث بينهما. ليميل بجذعه للخلف ويفترشها مغمضًا عيناه بإشتياق لهذا الأخ والسند، لتتمردد دمعات جاهد كثيرًا لأسرها.

و إقتربت "همس" من ذلك المستوطن تلك الأريكة بحزن دفين، لتجلس إلى جواره مربتةً على يده المستندة أعلى ظهر الأريكة، ومتنهدةً بأسي أشعله ألم الفراق، لتردف بمواساة :
- لله ما أخذ وله ما أعطى.... وده قدر ربنا، ربنا يعلم أنا كنت بعتبره أخويا الكبير ، وفراقه يعز عليّا، بس كله بقدر..... "ثائر السيوفي" لازم يكون جبل شامخ عشان خاطر اللي في رقبته، إنت اللي لازم تاخد بإيدهم يا حبيبي عشان يقدروا يعدوا الأزمة دي.

طرح رأسه للخلف مغمضًا عيناه بأسي، ليزفر نيران حزنه علّها تخمد ثورته قليلًا، مردفًا بثبات ظاهري يعاكس إنهياره الداخلي :
- أتمنى نعدي المرحلة دي على خير..... إنتي شايفة الكل بيكابر عشان بس يقدر يقف على رجليه.... ولسه كمان اللي في الرعاية المركزة دي.... الحقيقة هتكون قاسية قوي.... قوي يا "همس".

إلتقطت يده المتيبسة لتحتضنها بيديها المرتجفة، متنهدة بهدوء، قائلة :
- إنت قدها يا "ثائر"، وهتعدي على خير... أكيد عمرنا ما هنقدر ننساه.... بس لازم نجمد عشان خاطر "هيا" و "خالد" حتى "حمزة" إنت شايف حالته إزاي، وماما "نجلاء" اللي بتحاول تقوى عشان الكل، وتيتة "فريدة " اللي تحسها في دوامة ومش موجودة معانا أصلًا..... عشان كل دول لازم تقف على رجلك وتوصل بالمركب لبر الأمان.

رفع يده الأخرى وإلتقط يدها، وقربها من شفتاه المشتعلة، ليدمغ قبلته العاشقة مردفًا بلوعة :
- شكرًا إنك في حياتي يا "همس"... شكرًا إنك رجعتي.
ليلُ طويل مضي ببطئ همساته على تلك العائلة، فكلٍ مُلقي بفراشه، يولي ظهره إلى شريكه ويشرد بتلك اللحظات التي جمعتهما سويًا، وتلك الذكرى التي لم ولن تُمح يومًا.

طلت شمس نهار جديد لتشاكس أعين جافاها النوم وأحرقتها دمعات الفراق، علّه يكون نهارًا جديدًا مُحمل ببعض الراحة، أو ربما لم يحن وقتها بعد.
غرفة "فريدة".
رفعت جذعها، وإعتدلت بجلستها مستندة على تلك الوسادة التي كانت تحتضنها طوال الليل، لتتنهد بألم كاد أن يشق صدرها وترفع عيناها المشتعلة إحمرارًا نحو السماء داعيةً بتوسل :
- يارب... يارب إرحمه وإغفرله وسامحه يارب.... يارب ألهمنا الصبر والسلوان يارب.... يارب قويني عشان أقدر أقف في وسط أحفادي يارب، وآخد بإيدهم ونعدي الفترة دي على خير ياااارب.

ودنت بعيناها قليلًا، لتردف بحزم وإصرار :
- أيوة لازم أصلب طولي عشان أساعدهم و نعدي الفترة دي على خير.
ونهضت من فراشها بإصرار وعزيمة لتخطي تلك المرحلة القاسية، لتتجه نحو حمامها الخاص، لتستعد لمواجهة يوم جديد وتحديات جديدة.

غرفة "نجلاء"
إعتدلت بنومتها لتتكأ على يدها موليةً وجهها نحو "هيا" التي لازالت شهقاتها المتقطعة تدوي بأرجاء الغرفة، فتمزق قلب "نجلاء" وتدميه. جذبتها نحو أحضانها برفق، وأمسدت على خصلاتها بحنان مردفةً بثبات :
- "يوكا" حبيبتي... إحنا ناس مؤمنة بالله وبقضائه وقدره.... يعني لازم نرضى بالمقسوم..... وأكيد حبيبنا في مكان أحسن من هنا مليون مرة.... وأكيد شايفنا دلوقتي وزعلان عشانا.... ينفع نفضل نعذبه بعياطنا ده ونشيله همنا.

تشبثت "هيا" بأحضانها مردفة ببكاء :
- مش هشوف أبيه "حاتم" تاني يا ماما..... والله واحشني قوي قوي.
تمردت دمعات "نجلاء" الملتاعة لتُزيلها بقوة، مردفةً بثبات :
- بس هو شايفنا يا حبيبتي... لازم نطمنه علينا، ماينفعش يكون قلقان علينا بالشكل ده... يلا ياحبيبتي قومي خودي شاور وغيري هدومك دي لابساها من إمبارح ونطلع نفطر مع إخواتك.... لازم تكوني قوية لأنهم لو شافوكي ضعيفة هتضعفيهم كلهم وهتزعليهم عليكي.... يلا يا حبيبتي.

حديقة القصر.
غادرت "ملك" غرفتها بثيابها المتشحة بالسواد وخصلاتها المعقوصة للخلف، متنهدة بأسي ، وأنين، وهي توصد بابها بهدوء متجهةً نحو حديقة القصر علّها تملأ صدرها ببعض النسيم العليل.
جلست على أحد المقاعد بإسترخاء عاقدةً ساعديها أعلى صدرها، ورفعت عيناها نحو السماء متنهدة بهدوء عدة مرات حتى إنتظمت أنفاسها فأغمضت عيناها بإستسلام.

لحظات وتسلل إلى مسامعها ذلك الصرير المزعج الذي إقشعر له بدنها. ففتحت عيناها بإستياء لتوجه أنظارها نحو تلك الأرجوحة التي حركتها هبات النسيم ببطئ، لتجده بملامحه الغاضبة وأنفاسه المتقطعة يحرك رأسه يمينًا ويسارًا برفض، و قد تعالي لهاثه الصاخب، وحركته المُفرطة.
رمقته "ملك" بدهشة، ورددت مستنكرة :
- "حمزة"!!!..... ماله كده؟!!

شكله شايف كابوس ده ولا إيه؟!!.
ونهضت من مقعدها، لتقترب منه بحرص وهي تجثو على ركبتيها قربه. رفعت يدها تدفع كتفه برفق هامسةً:
- "حمزة"... "حمزة".
هب من نومته فزعًا، وقبض قبضبته القويةعلى عنقها، بينما إتسعت عيناها ذعرًا، وأنفاسها تقطعًا لتحاوط ساعده بكلتا يديها المرتجفة، نظراتها المتوسلة، أحرفها المتحشرجة تهمس بتقطع :
- حـ.... مـ.... ز... ة..... هـ.... مـ....وووو...ت.
لكنه بعالم آخر، لايري هذا، ولا يسمع ذاك.

قلّ الهواء بصدرها تدريجيًا، وقلت معه حركتها وتباطئت.... لتلكم صدره بقواها الخائرة، إلا أن لكمات قبضتها المتراخية لاتؤثر بذلك الجبل القاسي.....
بدأت حركتها بالسكون، وتهاوي ذراعيها بإستسلام، فأرخي "حمزة" قبضته قليلًا لتهوي "ملك" أرضًا بقوة، ليجذبه صوت إرتطام جسدها بالأرض إلى أرض الواقع.

إتسعت حدقتاه ذُعرًا، ودنى منها صافعًا وجنتها بخفة، وهو يردد بترجي :
- "ملك"... فوقي يا "ملك"... فوقي.
تعالت سعلاتها القوية، لتحاول النهوض مستندة على كفيها، لكنها خائرة القوي فتعاود السقوط مجددًا. بينما ساعدها "حمزة" على النهوض بذراعيه الثابتة، ليُجلسها إلى تلك الأرجوحة، وركض نحو المطبخ ليجلب لها بعض من المياه الباردة.

سعلت بقوة واضعةً يدها نحو عنقها بتوسل لذرات الهواء أن تدلف إلى رئتيها وتثلجها من نار الإختناق، لتجد من يركض نحوها، ويقترب منها مردفًا بإرتباك :
- إشربي الماية دي يا "ملك"... أنا أسف والله حقك عليّا.
إلتقطت منه كأس المياه، وتجرعته دفعة واحدة ليساعدها على تلاقط أنفاسها اللاهثة.
لحظات طويلة وقد بدأت تهدأ تدريجيًا حتى هدأت تمامًا وإنتظمت أنفاسها، ليجلس "حمزة" إلى جوارها مغمضًا عيناه بأسي، مردفًا :
- أسف... أسف يا "ملك".

تنهدت "ملك" ببعض الراحة، وهي تردد بنبرة إلتمست بها له الأعذار :
- مفيش حاجة يا "حمزة"... شكله كان كابوس، بس سخيف شوية.
زفر "حمزة" زفرة قوية، ونهض من جلسته، مردفًا بثبات :
- بعد إذنك...
أومأت "ملك" له برأسها مردفةً بتأكيد :
- إتفضل.
صعد "حمزة" إلى غرفته ليغتسل بالمياه الباردة علّها تساعده على إخماد نار حزنه.

غرفة "خالد".
جلس إلي مقعده رافعًا ساقاه أعلى الطاولة الصغيرة المقابلة له،يتصفح صورهما سويًا بهاتفه الجوال. تمردت دمعاته وإشتعل إشتياقه لسند أخيه ونصحه، أنفاسه المطمئنة، طلته المبهجة ليزداد أنينه المكتوم فيضم الهاتف إلى صدره مردفًا بأسي مزق قلبها :
- آآآه يا خويا.... واحشتني قوي يا "حاتم".

نهضت من نومها على ذلك الأنين، لتغمض عيناها بأسي متنهدةً بإشتياق، وتتجه نحوه لتجلس إلى جواره مربتةً على كتفه بحنان، مردفة :
- أنا أكتر واحدة في الدنيا هتحس بيك يا "خالد"، لأني جربت نار الفراق دي قبل كده لما بابا سابني لوحدي في الدنيا، بس الحمد لله ربنا عوضني بيك وبعيلتك اللي والله بقت عيلتي وأكتر... عشان كده مش هقولك إنسى لأن حبايبنا مايتنسوش أبدًا، ومش هقولك وقف دموع لأن لو بكينا عمرنا كله عشانهم مش هيطفي إشتياقنا ليهم...

لكن هقولك إنهم في مكان أحسن من هنا مليون مرة... والحمد لله سيرتهم طيبة بينا... عشان كده لازم نقوي ونكمل عشان...
وإلتقطت هاتفه من يده، لتقلب به حتى إستقرت على صورة "هيا" التي تشدد من إحتضانها لـ "خالد"، وأردفت بثبات :
- عشان "هيا" لازم تقوى وتستقوي بإخواتك وتقويهم... يلا يا حبيبي عشان تنزل تقعد في وسط إخواتك وتنزلوا تشوفوا شغلكم.

جذبها "خالد" إلى صدره العريض، وشدد من إحتضانها مربتًا على كتفها بحنان، ومردفًا :
- ولازم أقوى وأجمد عشانك يا "ضحي"... أنا عارف إنك بتستمدي قوتك مني بعد باباكي الله يرحمه، إن شاء الله عمري ما هخذلك أبدًا.
شددت هي الأخرى من إحتضانه، مردفة ببكاء :
- حاسة إني ضهري للحيط وإنت منهار كده يا "خالد".... حاسة إني ضعيفة وشوية هوا يوقعوني.... حاسة إن بابا لسه ميت إمبارح.... إجمد عشان خاطري ماليش غيرك... وعشان خاطر كل اللي بيحبوك.... لازم تقوى وتشد حيلك.

غرفة "ثائر".
تسلل عبق عطره إلى أنفاسها المنتظمة لتحرك أهدابها الغافية بهدوء، لكن سرعان ما أيقظ عطره هذا جميع حواسها لتهب معتدلة في فراشها، وهي تلتفت نحوه بدهشة، لتجده تأنق بحلته السوداء ورابطة عنق الرمادية،ونثر ذرات عطره المهلك بعد أن صفف خصلات شعره بمهارة، لتكتمل أناقة من تفنن في إهلاكها للأبد. فركت عيناها بأناملها الرقيقة مرددة بعتاب :
- ليه سايبني نايمة للوقت ده يا حبيبي.

إلتفتت نحوها بثبات، وأردف بنبرته الحانية التي شابها بعض الألم :
- إنتي مانمتيش طول الليل يا "همس" يادوب عينك لسه رايحة في النوم من نص ساعة، كملي نوم إنتي.
هبت من فراشها وخطت إليه بهدوء وإقتربت منه، لترفع جسدها على أطراف أنامل قدمها وإقتربت من وجنته لتدمغ عليها قبلتها الصباحية مردفةً بتأكيد :
- أكيد مش هكمل نوم والكل صاحي، لازم نكون جنب بعض في وقت زي ده.

إبتسامة خفيفة زينت ثغره، لتزيد وسامته وتعلنه قائد ودليل للجاذبية المهلكة، لتغمض عيناها بإرتباك مردفةً بهمس:
- على فكرة... صباح الخير... خمس دقائق وأجهز وأحصلك.
ليومأ "ثائر" برأسه مردفًا بهدوء :
- صباح النور.... تمام، ماتتأخريش.

طاولة الطعام.
لحظات وإلتف الجميع حولها كلًا بمكانه المعهود، ليبقى مكان "حاتم" شاغرًا. رمقه الجميع بأسي مزق ماتبقى من شرايين القلب الملتاع، ليتنهد "ثائر" بهدوء عاقدًا أصابعه ببعضهما البعض أمام وجهه، وأردف بثبات :
- لازم نعدي الفترة دي بقوة.... حق" حاتم" مش هنسيبه.... بس لازم حياتنا تستمر وتكمل، يعني "خالد" و "حمزة" هينزلوا الشغل من النهارده... بالنسبة للبنات معلش هنفضل الفترة دي في القصر شوية لحد ما أظبط الدنيا، هبعت حد للكليات بتاعتكم عشان يجيب المحاضرات اللي فاتتكم... إن شاء الله فترة بسيطة وهتعدي.

وأنا هعدي على "منة" عشان أطمن عليها.
قاطعته "فريدة" مردفةً :
- أنا هاجي معاك عشان أطمن عليها.
إلتفت "ثائر" نحوها بنظراته الحانية مردفًا بنفي :
- معلش يا تيتة مش هينفع، خليكي مع ماما والبنات في القصر، وأنا هزود الحراسة عليكم وأكيد مش هنتأخر بره، هنخلص شوية حاجات ونرجع على طول بإذن الله.

ونهض من مقعده واضعًا تلك النظارات السوداء ليخفي بها نظراته المشتعلة بنيران الإنتقام، وهو يردد بكبريائه المعهود :
- يلا عشان تطلعوا علي المجموعة، وأنا هروح المستشفى وأحصلكم.
بينما نهض كل منهما من مقعده، ووضع نظارته الشمسية أعلى عيناه ليصطفوا إلى جانب ثائرهم ويغادروا القصر بأكتاف بعضهم البعض ونظراتهم تقدح شرارات الإنتقام.

المشفى.
دلف الطبيب المتابع إلى غرفة الرعاية المركزة، ليتابع تلك الراقدة بين الكثير من الأسلاك والأنابيب الطبية التي لازالت تبث إشارات إستقرار الحالة وتخطيها مرحلة الخطر. إلتقط ذلك الملف الورقي المعلق بطرف الفراش، وبدأ بتدوين معدلاتها الحيوية وبعض الملاحظات الطبية الهامة، لينهي ما بيده ويُعيده إلى محله رافعًا أنظاره نحو ذلك الذي يراقبها عبر تلك النافذة الزجاجية.

غادر الغرفة منضمًا إليه بإبتسامة ترحيب، وصافحه مردفًا :
- صباح الخير "ثائر" باشا.
صافحه "ثائر" بشموخ، وإلتفت نحو "منة" بنظراته الثاقبة مردفًا بصرامة :
- إيه الأخبار يا دكتور؟...
تنهد الطبيب براحة مردفًا بتأكيد :
- الحمد لله الحالة إستقرت، كنا بنقول ٤٨ ساعة بس الحمد لله فيه إستقرار في الحالة خلال ٢٤ ساعة اللي فاتت، بس طبعًا لسه مدام "منة" تحت تأثير المخدر.

بينما تنهد "ثائر" ببعض الحنق، وإلتفت نحو الطبيب مردفًا بصرامة أكثر :
- طبعًا مش هأكد عليك تاني، لو الخبر ده إتسرب للإعلام المستشفى دي هتتقفل للأبد.
بلع الطبيب ريقه بتلعثم مردفًا بتأكيد :
- حـ... حضـ... حضرتك رجالتك محاوطة المستشفى من إمبارح، مفيش حد بيدخل ولا بيخرج غير تحت إشراف الحرس، الموبايلات مسحوبة من الجميع مرضى وأطباء وتمريض وعمال حتى الحالات اللي كانت موجودة حضرتك نقلتها لمستشفى تانية.

لكن تركيز ذلك الثائر بمكان آخر، نعم فجميع حواسه متأهبةً مع ذلك الطيف المتواري خلف ذلك الحائط. فهناك من يتلصص عليهم. لتزداد ملامحه قسوة وعيناه غضبًا ودقاته ثورة، ويشير إلى الطبيب بعيناه أن يستمر بحديثه.
بينما خطى هو بخطي خفيفة إلي أن إقترب من ذلك الطيف ليتعالي خلفه صوت وكيل النائب العام مردفًا بجدية :
- صباح الخير يا "ثائر" بيه.

حينها إختفي هذا الظل سريعًا ليزفر "ثائر" بحنق ملتفتًا نحو مصدر الصوت، مردفًا بنبرة رخيمة :
- صباح الخير... مين حضرتك؟
إبتسم بجدية مُعرفًا عن نفسه وعن مهنته، ليردف مُكملًا :
- وجاي عشان إستجواب مدام "منة" عشان الحادث اللي تعرض له المرحوم "حاتم السيوفي ".
زفر "ثائر" زفرة قوية واضعًا كلتا يداه بجيبي بنطاله مردفًا بحدة :
بس مدام "منة" لسه في العناية المركزة وكمان لسه ما فاقتش..... يعني إزاي هتقدر تستجوبها؟!!

إلتفتت وكيل النائب العام بنظراته الجادية نحو الطبيب، وأردف متسائلًا :
- أخبار مدام "منة" إيه؟
أجابه الطبيب بعملية مؤكدًا :
- مدام "منة" فعلًا لسه ما فاقتش، ولسه تحت الأجهزة.... يعني زي ماحضرتك شايف ماينفعش إستجواب في الوقت الحالي.
إلتفتت نحو تلك النافذة الزجاجية، ورمقها بتفكير عميق مردفًا بتساؤل :
- وحالتها هتفضل كده لإمتي؟

أجابه الطبيب بجدية :
- متوقع إنها تستعيد وعيها في أي وقت، عمومًا بمجرد ما المريضة تفوق هتصل بحضرتك.
زفر الوكيل زفرة قوية ضاغطًا شفتاه بقوة، ليردف بحزم :
- تمام.... وأكيد هنكون على إتصال... بعد إذنكم.
وغادرهم، ليتبع "ثائر" أثره بنظراته الغاضبة، فقسمه بالثأر لأخيه قبل تدخل الشرطة هو يقينه الثابت.، ليزفر بقوة مردفًا بصرامة :
- مجرد مدام "منة" ما تفوق تتصل بيّا مباشرة...
أومأ الطبيب برأسه قبل أن يردف بتأكيد :
- أكيد يا فندم.

السيوفي جروب
حالة من الفوضى عمت مكتب "حمزة" بعدما تلقى إيميلات من أصحاب الشركات التي تعاقدت معهم "السيوفي جروب" تؤكد بها إلغاء الإتفاقات بشكل نهائي. حاول "حمزة" و "خالد" الوصول إلى الدافع الرئيسي لمخالفة بنود تلك العقود، دائما ما كان الجواب صدمة للجميع بكل المقاييس فالجواب واحد من الجميع... "المالك الجديد لمجموعة السيوفي هو من ألغى جميع الإتفاقيات".

صرخات "حمزة" المدوية بأرجاء المبنى، ونيران غضبه التي لم تُخمد بعد، ليصيح بالطرف الآخر على الهاتف :
- إيه الجنان اللي بتقوله ده؟!! ، السيوفي جروب إحنا أصحابها، وأكيد محدش فينا لغى أي إتفاقية بينا.
حال" خالد" لم يختلف كثيرًا، فغضبه متأجج بالفعل ويرغب في أن يجد من ينفسه به، فصرخ بصوت جهوري :
- إيه الكلام اللي بتقوله ده يا حيوان، إزاي تتجرأ وتلغي الإتفاقيات، روح شوف الشرط الجزائي وغرامة التأخير.
الطرف الآخر :....
أجابه "خالد" بغضب أقوى :
- إنت متخلف يا إبني.. بقولك محدش مننا لغى أي إتفاقية، يبقى إزاي إتلغت؟!!.

بينما دلف إلى غرفة المكتب بغضب وحش ثائر ليتجه نحو "حمزة"، هاتفًا بإستنكار :
- إيه الجنان اللي سمعته ده؟!!
يعني إيه كل الإتفاقيات إتلغت!!!
شدد "حمزة" على شعره بغضب مردفًا بصدمة :
- من الصبح الناس مابطلتش إتصال عشان تأكد إلغاء كل الإتفاقيات اللي بينا.
لوح "ثائر" بيده صائحًا :
- إتصل بالمحامي عشان يقوم بالإجراءات القانونية، ويشوف الشرط الجزائي وغرامة التأخير.

حرك "خالد" رأسه نافيًا :
- لا... فيه حاجة غريبة يا "ثائر".
عقد "ثائر" جبينه مردفًا بإستنكار :
- حاجة غريبة؟!!!... يعني إيه؟
أجابه "خالد" بجدية :
- كل اللي كلمناهم بيأكدوا إن أصحاب "السيوفي جروب" هما اللي إتصلوا بيهم ولغوا كل الإتفاقيات، وكمان متكفلين بالشرط الجزائي.
تحولت ثورته إلى غضب جحيمي، ليصيح مستنكرًا :
- أصحاب مين؟!

كلنا موجودين قدامك أهو ومحدش يعرف حاجة عن الموضوع ده، و "حاتم" الله يرحمه مُنفصل عن المجموعة من فترة.
دقات متوترة بباب المكتب ليهتف "حمزة" بحدة :
- ادخل.
دلفت إليهم "أسما" بملامح متجهمة، فاركة كلتا يداها بتوتر مردفةً:
- فـ... فيه... محامي بره طالب يقابل حضراتكم.

نهشت علامات الدهشة والإستنكار ملامح الجميع ليهتف "ثائر" بحنق :
- إعتذري منه، أكيد ده مش وقت مناسب إننا نقابل حد.
إلا أنها تسمرت مكانها، وإزداد توترها أضعافًا، ليهتف "ثائر" بصوته الجهوري :
- قولنا إعتذري منه، إتفضلي على مكتبك.
إبتلعت ريقها بإرتباك، مردفة بتلعثم :
- حـ.... حـ... حضرتك بيقول إنه هنا بسبب الوضع الحالي للمجموعة.

هتف "خالد" مستنكرًا :
-يعني إيه بسبب الوضع الحالي للمجموعة؟!!!
أحابته "أسما" بتأكيد :
- بيقول هو المسئول عن إلغاء كل الإتفاقيات.
غضب جحيمي تأجج بأوردة ثلاثتهم، ليركض "خالد" مغادرًا المكتب وهو يتشدق بألذع السُباب، وإنقض عليه كأسد جائع، ليكيل له اللكمات، لولا تدخل "حمزة" و "ثائر" لمحاولة الفض بينهما.

بينما تعالت صيحات المحامي وهتافاته، بل وتهديداته الصريحة بالإتصال بالشرطة، ليبدأ "ثائر" بتهدئة الأوضاع ومحاولة إستعاب ذلك الأمر برمته، وإصطحاب المحامي إلى مكتب "حمزة".

طاولة الإجتماعات.
إلتف الجميع حولها ليترأسها "ثائر" كعادته بحكم توليه منصب رئيس مجلس الإدارة، وإلى يمينه "حمزة" و "خالد" ونيران غضبهم المشتعل تعصف بذلك المحامي المقابل لهما إلى يسار ذلك الوحش الخامد.
بينما عقد "ثائر" أصابعه أعلى الطاولة، مرددًا بثبات :
- حضرتك بقا المسئول عن إلغاء الإتفاقيات دي ؟!

رفع المحامي حقيبة أوراقه أعلى سطح الطاولة ليفتحها بهدوء ملتقطًا بعض الأوراق الرسمية ، مرددًا بثبات :
- والله ده بحكم التوكيل اللي معايا من المالك القانوني للمجموعة.
هب "حمزة" من مقعده، ومال نحوه بجذعه ليصبح مقابلًا له، ولوح بيده في الهواء هاتفًا بإستنكار وتهكم :
- مالك مين حضرتك؟!
وإحنا أول مرة نشوفك أصلًا... يعني هنعملك توكيل إزاي؟!

إسترخي المحامي بمقعده ويبدأ يحركه بطريقة إستفزازية، ليردف بسخرية :
- لأ ماهو المالك القانوني لمجموعة "السيوفي" مش حد فيكم.
هب "خالد" هو الآخر، وصرخ بقوة غاشمة :
- إنت متخلف يا إبني إنت؟!..
"حاتم السيوفي" الله يرحمه كان مالك في المجموعة، بس بقولك الله يرحمه، يعني إحنا عيلة "السيوفي".

إعتدل المحامي بجلسته، وأردف بنبرة شابها بعض السخرية :
- "حاتم السيوفي" الله يرحمه.... هنا بقا مربط الفرس.
ضيق "حمزة" عيناه بدهشة ، وأردف مستنكرًا :
- يعني إيه مربط الفرس؟!
فتح المحامي حقيبة أوراقه مرة أخرى وإلتقط بعض الأوراق، مردفًا بإسترسال :
- "حاتم السيوفي" قام ببيع حصته في المجموعة وجميع ممتلكات السيوفي وحصة شريكه أستاذ "ثائر السيوفي" إلى موكلي بموجب التوكيل الرسمي العام من حضرته (مشيرًا نحو بيده نحو ثائر) إلى الطرف البائع، وتم تحصيل مبلغ البيع كاملًا ونقدًا، وتم تسجيل عقود البيع بالشهر العقاري.

أغمض "ثائر" عيناه برفض لكل ذلك الهراء، وتنهد بقوة، ليهب مستقيمًا من جلسته مرددًا بثبات متهكمًا :
- حلو المسلسل ده!!!
والمفروض إننا نصدق بقا.
نهض المحامي هو الآخر من مقعده، ودفع أمامهم بعض الأوراق مردفًا بجدية :
- دي صور عقود بيع المجموعة هنا وجميع أفرعها وعدد من الشقق السكنية، وقصر السيوفي، وعدد ٨ سيارات بأنواع مختلفة، وجزيرة السيوفي بالمالديف، وجميع ممتلكات السيوفي بكل مكان.

هوي "خالد" إلى مقعده بصدمة محركًا رأسه برفض كل ما يتسلل إلى مسامعه، ليردف بهذيان :
- مستحيل...... كدب.... كدب.... "حاتم" عمره ما يعمل كده.
بينما هتف "حمزة" مستنكرًا :
- توكيل إيه اللي بتقول عليه ده؟!!
التوكيل الوحيد اللي "ثائر" كان عمله لـ "حاتم " هو توكيل بالإدارة، لكن عمره ما عمل توكيل عام.
وإستقرت أنظار المحامي نحو "ثائر" ليمط فمه بلامبالاة مردفًا بتهكم :
- ممكن نسأله وحضرته يجاوب.

إلتفتت أنظارهم جميعًا نحو "ثائر" ليردف "حمزة" بإستنكار:
- توكيل إيه يا "ثائر"؟!!
إنت فعلًا عملت توكيل رسمي عام لـ" حاتم"؟
أردف "ثائر" مؤكدًا بثبات :
- ده حقيقي... أنا فعلًا عملت توكيل رسمي عام لـ" حاتم".
لكم "حمزة" الطاولة بقبضته الغاضبة، وأردف ضاغطًا على كل حرف تفوه به :
- من إمتى وإحنا بنعمل توكيل عام ؟

أخرنا توكيل إدارة وبس.... إزاي تعمل كده يا "ثائر"؟!!... ليه؟!
إقترب "ثائر" منه، وجذبه من ياقة حلته ونيران الغضب تتطاير من عيناه، ليهمس بفحيح بالقرب منه :
- معنى كلامك إنك مصدق إن أخوك يعمل كده ويضيع سنين عمرنا.
رمقه "حمزة" بتحدٍ سافر، ليردف بأسي :
- للأسف الورق ده قانوني يا أخويا، يعني فعلًا سنين عمرنا ضاعت، وإخواتك وكل اللي في رقبتك ضاعوا.
إلتفت "ثائر" نحو المحامي، هاتفًا بصرامة :
- مين اللي إشتري؟... عايز أقابله.

هنا أغلق المحامي حقيبته، وأردف بجدية أكبر :
- قدامك عشر أيام وتلم كل متعلقاتك الشخصية إنت وكل عيلتك، والمالك هيجي يستلم منك القصر يومها بنفسه، لكن قبل كده مستحيل تقابله.... بعد إذنك.
وغادر المحامي المكتب بعد أن ألقى بقنبلة موقوتة إنفجرت بالجميع وألقت شظايا قلوبهم بالأنحاء.

ليهوي "ثائر" إلى مقعده بثبات ظاهري ناقض تلك الحرب الضارية بداخله، ليلتقط تلك الوريقات التي تسببت بهدم أحلامهم ومستقبلهم، وفض سطورها بحدقتيه المشتعلة غضبًا، فتأكد من صحة توقيع أخيه، وصحة التوكيل، وقانونية الأوراق.
وألقاها إلى الطاولة متنهدًا بأسي، وطارقًا رأسه بين كفيه، ليبدأ بالبحث عن حلول لتلك الأزمة القاسية.

بينما لازال "خالد" يحرك رأسه بنفي لكل هذا، ليردف "حمزة " بإستنكار :
- هنعمل إيه؟!!
إيه الحل؟.... طب اللي في القصر دول مصيرهم إيه؟... هنلف بيهم في الشوارع.
زفر "ثائر" بغضب، وجذب هاتفه بتذكر ليبدأ بإجراء بعض الإتصالات بالبنوك للإستعلام عن رصيده الحالي، لكن جوابهم أيضًا واحد "رصيدك الحالي صفر".
ألقى "ثائر" هاتفه بقوة غضبه، وصرخ مستنكرًا :
- صفر!!!!!... رصيدك الحالي صفر!

وشعر بأن الأرض ضاقت به وطبقت على صدره، ليلهث بإستجداء لهوائها، لكن لاسبيل أمامه فقد ضاقت وإستحكمت، لينهض من مقعده، صارخًا بكبرياء :
- لموا أي حاجة تخصكوا هنا، أي ورقة عليها توقيعكم، الموظفين أجازة مفتوحة، تطلعوا من هنا على القصر وأنا هحصلكم.
كاد "حمزة" أن يتفوه ويقاطعه، لكن إشارة واحدة من سبابة "ثائر" كانت كفيله بإسكاته، ليتنهد بقوة محركًا رأسه بتأييد، وهو يلتفت نحو ذلك المغيب فيحركه بيده مردفًا :
- أوم يا "خالد " ، وجودنا هنا حاليًا مالوش معنى، لازم نروح ونفكر كويس هنعمل إيه؟

مضت عشرة أيام دون جدوى سوي تحسن حالة "منة" ومغادرتها للمشفى ومعرفتها بحقيقة وفاة "حاتم " وإنهيارها، فتلك الفترة تحياها بالمهدئات والأقراص المنومة، وجميع من بالقصر يحاوطها برعايته.
"همس" تمكنت من التخلص من جبيرة يدها وتوطدت علاقتها بالجميع وحاولت جهد إستطاعتها التخفيف عنهم جميعًا، وذلك لطلب "ثائر"المباشر منها بأن تمكث إلى جوارهم وتحاوطهم بحنانها ورعايتها.

"ضحي" دائما ماتستشعر وجود سر دفين يُخفيه عنها "خالد " فقد تبدلت طباعه إلى العصبية والغضب، الصمت القاتل والإنعزال، فحالته متناقضة دائمًا، دائم المشاجرة معها وإختلاق الأعذار لذلك، وهي دائمة الصبر وإلتماس الأعذار.
بينما "هيا" حالتها زادت هدوءًا، دائمًا ما ترغب في العزلة والوحدة إلا أن "همس" و "ضحي" لا تفسحا لها المجال لذلك، فأصبحت علاقتهن أقوى وأصدق.
أما "فريدة" و "نجلاء" تصنعتان القوة والثبات ليستقوي بهن جميع من بالقصر.

و"ملك" التي تتصنع النوم أغلب الأوقات للهروب من نظرات "حمزة " التي دائمًا ما تمقطها.
"حمزة" و "ثائر" يبحثا عن حل لتلك الأزمة بعيدًا عن مواجهة العائلة، لكن جميع محاولتهما باءت بالفشل، فأصبحت المواجهة حتمية.

يوم تسليم القصر.
باقي من الزمن سبع ساعات.
إجتمع "ثائر" بالجميع ليطلعهم على حقيقة الأمر وتباعيات تلك الأزمة.
فجلس الجميع حوله فإلى يمينه والدته وجدته وزوجته وأخته، وإلى يساره "خالد"
و "حمزة" و "منة" و "ملك".
زفر " ثائر "زفرة قوية، وحمحم بثبات مردفًا :
- لازم نلم متعلقاتنا الشخصية عشان هنسيب القصر.

كلمات هوت كالصاعقة على رؤوس الجميع، حتى من يعلم بالأمر، فالكلام أمر والفعل أمر آخر يختلف ويقسي، بل يحرق أرواحًا وقلوبَا.
ضيقت "فريدة" عيناها مردفةً بإستنكار :
- نسيب القصر؟!!... يعني إيه؟... مش فاهمة.
فرك عيناه بأطراف أنامله متنهدًا بتثاقل :
- يعني يا تيته مطلوب مننا نسيب القصر ونسلمه للمالك الجديد.

هبت "نجلاء" من مقعدها، عاقدةً حاجباها بإستنكار جليّ:
- مالك جديد؟!!...
يعني إيه يا" ثائر"؟!!.... القصر ده طول عمره ملك عيلة السيوفي.
ليزفر بقوة، متفوهًا بأسي :
- للأسف يا أمي القصر مابقاش ملك عيلة السيوفي.
نهضت "فريدة" من مقعدها، وهي تردد بإستنكار أقوى :
- يعني إيه مابقاش ملك عيلة السيوفي؟!
يعني إيه يا "ثائر"؟!

إستجمع كل مالديه من قوة، ليردف بصرامة :
- يعني "حاتم" الله يرحمه باع كل ممتلكات العيلة بموجب توكيل مني له، والقصر ده للأسف كان بإسمه بعد ماإشترناه بالمزاد العلني، فاكرة يا تيته... فاكرة.
أغمضت عيناها بتذكر، لتتنهد بأسي وتنهمر دمعاتها بلا توقف، وهي تردد ببكاء أدمي قلوبهم :
- فاكرة يا إبني.... فاكرة...
فاكرة أول مرة دخلت القصر ده وأنا عروسة... فاكرة.

فاكرة فرحة جدك أول مرة عرف إني حامل في أبوك... فاكرة.
فاكرة عمك وهو بيجري ورا أبوك ع السلم هنا.... فاكرة
فاكرة أول كلمة ماما إتقالت لي..... فاكرة.
فاكرة أول مرة كلمة بابا إتقالت لجدك.... فاكرة.
فاكرة أول مرة أبوك وعمك نجحوا وجريوا عليّا بشهاداتهم.... فاكرة.
فاكرة جدك لما أبوك قاله إن بيحب "نجلاء"
.... فاكرة.

فاكرة فرحة عمك بجوازه.... فاكرة.
فاكرة.أول صرخة ليك في القصر ده.... فاكرة.
فاكرة جدك وهو قاعد في الجنينة وكلنا حواليه.... فاكرة.
فاكرة صوته وهو بيرن في كل مكان... فاكرة.
فاكرة لما كان شايلك على ضهره وبيجري بيك هنا... فاكرة.
فاكرة ولادي يوم ما سابوني ومشيوا من غير مايخدوني معاهم... فاكرة.
وتعالت شهقاتها لتتوسل برجاء :
- إدعي ربنا يا إبني إني أكون مش فاكرة.... إني أكون مش فاكرة.

دمعاتهم ذُرفت بلا توقف، كلماتهم جفت بحلقهم ، أنفاسهم تقطعت، ليخطو نحوها ويجذبها إلى أحضانه، مردفًا بقسم :
- والله يا حبيبتي غيبتك عن مكانك مش هطول، وده وعد مني.
لتشدد من إحتضانه، وتتعالي شهقاتها مردفةً ببكاء :
- لو خرجت منه هموت يا "ثائر"... هموت يا إبني.
كلماتها كانت سياط جلدت قلبه ومزقته بلا رحمة، شعور بالهزيمة والإنكسار، لأول مرة يستشعر ذلك الضعف والخذلان، لتشتعل عيناه نيرانًا وأقسم ببداية الحرب والمعركة، فلم يبقي ما يُبكي عليه وتنهد بقوة، مرددًا بصرامة :
- ٢٤ ساعة وكل حاجة هترجع لأصلها، وده وعد مني وأتحاسب عليه.

بس ممكن تساعدوني وتقفوا جانبي، هنلم كل حاجتنا وهنروح نقعد في شقة "ضحي"
أنا قدرت أجمع مبلغ هنبدأ بيه.
ليلمح تلك التي قررت الإنسحاب من بينهم بهدوء، ليردف بثبات :
- إستني.... رايحة فين.
تنهدت "ملك" بأسي، وإستدارت بكامل جسدها نحوهم، مردفةً بتلعثم :
- مـ... مـ.. ماعتش ليا مكان بينكم، لازم أروح لحالي.
إبتعد عن جدته برفق، ليخطو نحوها مردفًا بصرامة:
- وأنا قولتلك إني مش هتمشي من هنا غير وإنتي فاكرة كل حاجة... يلا لمى حاجتك عشان هتيجي معانا.

وإلتفتت نحو "منة" التي لازالت غير قادرة على فك طلاسم ما تفوه به "ثائر"، وأردف بحزم :
- الشقة بتاعكوا يا "منة" إيجار ولا تمليك؟!!
حركت رأسها نافيةً وهي تردف :
- إيجار مفتوح.
تنهد "ثائر" مردفًا بجدية :
- تمام.. لأن كده كده هي موجودة تحت الحراسة لحد ما يوصلوا للقاتل، يعني عندنا شقة "ضحي" و "عالم همس"، دول الأماكن اللي هنقدر نعيش فيها الفترة الجاية.

ووجه كلماته للجميع :
- ممكن الكل يروح يلم حاجته، وأنا عند وعدي... يلا.
وإنتي يا "منة" هخلي حد من الشغالين يساعدك في توضيب شنط.
إنصرف كل منهم إلى غرفته، ليجمع أغراضه بأنين أحرق القلوب، فكل ركن به ذكرى، وكل نسمة هواء لها حكايتها.

مضت الساعات مهرولةً كأنها تستكثر عليهم لحظاتهم الأخيرة التي يمضونها بين جنبات بيتهم ووطنهم.
الجميع ببهو القصر وإلى جوارهم حقائبهم بإنتظار الكشف عن هوية ذلك المالك الجديد.
دقات خطواته الثقيلة إقتربت بثبات من هدفها، إلى أن دلف من أوسع أبوابه وإبتسامة التشفي تعتلي ملامح وجهه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة