قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الخامس عشر

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الخامس عشر

إتسعت مقلتاها ذُعرًا، وتعالت صرختها، لتدوي طلقة الغدر تلك وتستقر بذلك الحائط، بعدما إنبطح بها أرضًا حينما إستشعر رجفتها القوية بين ذراعيه.
ليبتعد عنها مسرعًا، ويستدير نحو ذلك السائق، كي يلقنه درسًا لن ينساه يومًا.

وجه هذا السائق سلاحه في وجه مُنقذها بوحشية، ليعاود إطلاق الرصاص مرة أخرى، فيميل بجذعه يمينًا ومن ثم يندفع بكامل جسده نحوه و نيران الغضب تتطاير من حدقتيه، فيطرحه أرضًا ويكيل له العديد من اللكمات القوية حتى سقط ذلك السلاح من يده.

بينما صرخت "هيا" وقد أهلك الرعب روحها المرتجفة، لتردد بتوسل:
- "حمزة"... كفاية أرجوك... هيموت في إيدك.
تأججت نيران غضبه أضعافًا، لتزداد لكماته شراسة، وتلاطمت دقات ذلك المطعون، ليصرخ:
-إخرسي... مش عايز أسمع صوتك.

ليجذب ذلك السائق من ثيابه بقوة، رافعًا إياه لأعلى حتى ثبته بالحائط، واضعًا ساعده أعلى عنقه بقوة، ليضغط على كل حرفٍ غادر شفتاه بغضب:
-تحكيلي كل الحكاية، أصل وديني وما أعبد أدفنك مكانك ومحدش يعرف يوصلك.
أردف السائق بحشرجة، متلاقطًا أنفاسه بصعوبة:
-هـ... هقول... هقول كل حاجة... إبوس إيدك سيبني... هموت.

ليرخي "حمزة" عضلات ساعده قليلًا، سامحًا لببعض الهواء بالتسلل إلى رئتي هذا السائق. لكنه سرعان ماوجد صفعة قوية تهوى على وجهه، مع صرخة أقوى بمرات عديدة:
-إنطق يا حيوان.
تلعثم السائق في حديثه مردفًا:
- الـ... الحكاية... كلها... بدأت لما البنت دي جابت تليفونها يتصلح في محل" كمال" ...

ليجد صفعة أخرى تتهاوى على وجهه، ونيران الجحيم الذي أوشك على تدمير الأخضر واليابس قد إندلعت بلا توقف، ليكمل مهرولًا:
- التليفون كان فيه حاجة بسيطة من هتاخد عشر دقايق وتتصلح، بس لما "كمال" لمح الصور الخاصة بتاعتها وشاف إنها قد إيه غنية، طلب منها تسيب الموبايل وتعدي تاخده تاني يوم... بس هي رفضت... فقرر ينقل كل الصور اللي عندها على هارد الكمبيوتر عنده من غير ما تاخد بالها، ورن على تليفونه من التليفون بتاعها، وبعدين ظبطه وسلمهولها ومشيت على طول...
كان موجود صور ليها بالمايوه على البحر وصور تانية مع شباب، بس دول شك إنهم ممكن يكونوا إخواتها أو قرايبها، فبدأ يهددها بصور المايوه دي.

توالت اللكمات والركلات الغاضبة نحو ذلك السائق حتى إفترش الأرض إلى جوار صديقه وقد تهشمت جميع أضلعه وعظامه.
ليدنو "حمزة" منهما باحثًا عن تلك الهواتف اللعينة، ويلتقطها بغضب مستديرًا نحو تلك الحمقاء فيجذبها من يدها بقوة خلفه مغادرًا إلى سيارته.
فتح بابها بغضب، ليدفعها داخلها بقوة، صافعًا الباب بغيظ من تصرفات تلك البلهاء. وإستدار حول السيارة، ليحتل مقعد القيادة وينطلق تاركًا خلفه عاصفة كبيرة من الغبار.

بينما إنهمرت دمعاتها الحارقة وأنفاسها التي رفضت الإنتظام وأقسمت ألا تطاوعها، لتهتف بتلعثم:
-كـ... كنت خايفة... خايفة تعرفوا وتزعلوا مني، خايفة الصور تتنشر في الجرايد وده يأثر عليكوا وعلى شغلكوا .
جذب يدها نحوه بعنف، ليصرخ بغضب:
-خايفة إننا نعرف، وخايفة على شغلنا ومش خايفة تقابلي الكلاب دول لوحدك... إنتي غبية... وأنا كنت متأكد إنك مخبية حاجة، وعشان كده راقبتك... كان زمان الحيوانات دي...
ليلكم عجلة القيادة بغضب كلما تخيل ما أوشك هذا الوغد على فعله لولا تدخله السريع.

بنما صرخت "هيا" بقوة وسط دموعها الحارقة:
- أيوه خبيت... كان بيهددني إنه هينزل الصور على النت بعد مايركبها على مشاهد قذرة زيه... شوف منظري هيبقى إزاي وسط الجامعة، وإنتوا مش هتقدروا تكذبوا حاجة... الناس ما بتصدق تلاقي موضوع يخصنا.

ليعتصر "حمزة" معصمها بقوة، صاكًا أسنانه بغضبٍ جامحٍ:
-إفتكري إن يومها قولتلك بلاش أم المايوه ده، قولتي إننا في جزيرة "السيوفي" ومحدش يتجرأ يقرب منها... وبعدين
إتصورتي الزفت دي ليه؟!، وإمتي؟!...

هتفت صارخة:
-أنا أسفة... والله أسفة... أنا فعلا غبية... أسفة.
ليدفع يدها عنه بقوة فترتطم بالمقعد متأوهةً بأنينٍ مكتوم.
ويضغط "حمزة" على البنزين بجم غضبه، لتصل سرعة السيارة إلى أقصاها.

مر أسبوع على أبطالنا بما كان يحمله من أسى وألم للجميع، فكل يعان على طريقته.
"ضحي" لازالت دمعاتها لم تجف بعد، فذكري والدها تملأ أركان قلبها فتزيده إشتياق ولوعة.
أما "همس" فحزنها يتضاعف لحال صديقتها، فرغم محاولاتها المتواصلة للتخفيف عنها، إلا أن ذلك الحزن يجذبها نحوه بقوة غاشمة.
كما أن "عمر" و "عبد العزيز " و "حنان" كل منهم يحمل بين ثناياه ألم وحزن دفين، مهما إختلفت أسبابه ودوافعه، فذلك الذي فقد جاره وصديقه الصدوق.

وتلك التي يزداد ألمها لحال "ضحي" التي فقدت سندها بالحياة بين ليلة وضحاها، رغم جهودها المضنية ببث بعض الإطمئنان لقلبها ومساندتها لها بكامل عطفها وحنانها.
أما ذلك المشاكس الذي لم تغب تلك الإبتسامة المشرقة عن ثغره يومًا، فقد غادرت وطال غيابها حزنا لحال "ضحي" وإشتياقًا لذلك الصالح.

لم يختلف الحال كثيرًا بقصر "السيوفي".
لازال غضب "حمزة" يزداد ويتأجج بقوة، فرغم إنتقامه من هؤلاء الأوغاد بحبسهما داخل تلك الجبيرة التي تقيد كامل جسدهما، وتلك الأصفاد الحديدية التي تزين معصميهما وتعلقه بذلك التخت الحديدي، إلا أن غضبه وثورته تتضاعف

أما" هيا" فلم تدخر وسيلة ولا طريقة لفض حالة الصمت والتجاهل التي سادت علاقتها "بحمزة"، توددت وإعتذرت كثيرًا، توسلت للصفح والمغفرة، لكن عندما تنقطع شعرة الثقة هذه لن تعود يومًا، وإن عادت سيظل هناك شرخًا كبيرًا يؤرق تلك العلاقة.

وذلك الذي لم تخمد ثورته حتى الآن بل تتضاعف كلما أرسل ذلك الوغد تهديدًا مباشرًا له بتفاصيل حياة من إمتلكت الفؤاد وتربعت على عرشه.
رغم تسببه في خسارته للعديد من صفقاته المشبوهة، وتوقيفه من قبل الحكومة الألمانية، إلا أن تلك الثورة إشتعلت أضعافًا، فحتى وإن كان "آرثر" يختنق بين جنبات السجون إلا أن رجاله الأوغاد ينعمون بتلك الحرية التي يؤذون بها العديد من الأبرياء.
فهناك قرار وحيد للإطمئنان على معشوقته.

أما "خالد" فحالته تزداد سوءًا فكامل مشاعره تشتعل نحو ذلك الفارس المُنقذ، ليزداد توترًا وغضبًا.
ويصب كامل غضبه وطاقته بعمله بالمجموعة، فينهك قواه المتوسلة لبعض الراحة، ويستنزف طاقته كاملة؛ ليعود ليلًا إلى فراشه وذلك النوم الذي تمرد عليه وجافاه رغم توسل خلايا جسده، وثنايا روحه.

كذلك "حاتم" ورفضه العودة لـ"السيوفي جروب" وإصراره الشديد على إستكمال طريقه الذي بدأ يشقه بذكاء وإحترافية.
أغلب ساعات اليوم يقضيها بين أوراقه وملفاته وتلك المواقع التي يشرف عليها، ليعود خائر القوي فيسكن بين أحضان معشوقته لينتهي به الحال إلى ثباتٍ عميق مما زاد من حنقها وشعورها بالكثير من الإهمال والبعد.

حالة من القلق والترقب تنهش قلب "نجلاء" لما يخيم على ذلك القصر من حزن وجفاء، فلطالما كان تدوي ضحكات "خالد" المشاكسة و"هيا" المدللة بأرجاء ذلك القصر.
غموض "ثائر" وكبريائه، ثباته وصرامته، رغم كل هذا فنظراته الحنونة لوالدته التي إفتقدتها رغم حرصه على الإطمئنان عليها وعلى كامل أسرته، إلا أن هناك ما يعكر صفوها.
"حمزة" و"حاتم" و "منة" حتى "فريدة" التي إنعزلت بغرفتها وأصابها بعض الآلام النفسية قبل العضوية.

بعد مرور أسبوع - غرفة "حاتم"
ألقي النظرة الأخيرة على مظهره بتلك المرآة الطولية، ليجد من تجذبه من ذراعه بقوة وتُديره نحوها بغضب قد تملك منها، وتهتف صارخة:
-أنا زهقت... أنا لوحدي هنا... كل يوم بتسيبني وترجع وش الفجر وتدخل تنام، أنا معتش لقياك، معتش بشوفك.

ليدنو بنظراته الحادة نحو يدها المعتصرة لذراعه فينفضها بغضب جامح:
-إنتي إتجننتي، الحركة دي ما تتعملش تاني... فاهمة.
وبعدين لوحدك فين ده؟! القصر مليان بالناس، إنزلي إقعدي معاهم مش هتفضلي حابسة نفسك في الأوضة ليل نهار.

إحتبست "منة" أنفاسها للحظات لتزفرها بقوة هاتفةً:
-أنا عايزة أرجع شقتنا القديمة، هناك كنت بحريتي، وكنت معايا طول الوقت.
ليرمقها "حاتم" بصرامة، مردفًا بحزم:
-مش هسيب القصر تاني، ولا هسيب أهلي.

لكنها جاوبته بهتاف:
-خلاص إشتغل معاهم في المجموعة على الأقل هترجع بدري ومش هترجع هلكان كل يوم.
فإعتصر ذراعها بقبضته القوية، ليقترب منها هامسًا:
-مش هتقوليلي أعمل إيه وما عملش إيه... وشغلي هكبره بمجهودي ولوحدي...
ويدفعها بقوة نحو الفراش رامقًا إياها بنظراته النارية، ويغادر صافعًا باب الغرفة خلفه بقوة.

غرفة "ثائر"
إلتقط هاتفه ووضعه بجيب سترته الداخلي، لتتعالي دقات رزينة بباب غرفته، فيهتف بصرامة:
-أدخل.
دلف "حاتم" بطالته المشتعلة، ليردف بحنق:
-كنت عايزني يا "ثائر" فيه حاجة؟!
ضيق "ثائر " عيناه بإستنكار، عاقدًا جبينه بتهكم، وهو يردد:
-مالك؟!
متخانق مع "منة" ولا إيه؟!

زفر "حاتم" زفرة قوية، ليقترب من طرف الفراش ويجلس بضيق:
-قال حاسة بوحده وعايزاني أشتغل في المجموعة أو نرجع شقتنا القديمة... المهم خلينا في موضوعك.
ليتنهد "ثائر" بهدوء واضعًا كلتا يداه بجيبي بنطاله، وأردف بغضب:
-الحيوان "أرثر" بيهددني بحياة "همس" .

هب "حاتم" من مجلسه بصدمة، صائحًا:
-نعم؟! إزاي يعني؟!
وعرف إزاي حكاية "همس"؟!
ليستدير "ثائر" موليًا إياه ظهره، ويردف بثبات:
-الموضوع ده محدش غيري أنا وإنت اللي نعرفه، أكيد في حاجة غلط في الموضوع.

ليزفر بقوة، مكملًا:
-عمومًا خلينا في المهم... أنا مش هبقي مطمن عليها غير هنا، عشان كده قررت أسرع بموضوع الإرتباط بيها.
بينما دار "حاتم" حوله ليصبح بمواجهته، عاقدًا جبينه بتفكير عميق، وهو يردد:
-بس الوقت مش مناسب، والد "ضحي" لسه متوفي من أسبوع، والناس دي بتفهم في الأصول، وهترفض مجرد التفكير في الموضوع ده.

ربت "ثائر" على كتفه بقوة قائلًا:
-ودي مهمتك بقا... تروح لباباها وتقوله إني هروح النهاردة عشان أطلب إيدها، وفي خلال أسبوع يكون الفرح تم.
لتتسع مقلتي "حاتم"، ويفتح فاهه بصدمة، مرددًا:
-هاااا... النهارده... وفرح... أسبوع... إزاي.

حينها تلمس "ثائر" لحيته بلا مبالاة، مردفًا:
-ده شغلك بقا، مش إنت رايح الحي النهارده عشان تسلمهم البيت اللي شركتك تولت بناه.

ليزداد "حاتم" ذهولًا، ويردف بسخرية:
-كمان عارف خط سير الشغل بتاعي، إن بتراقبني ياد؟!

رمقه بنظرات أكثر غموضًا، قائلا:
-مفيش حد بيدخل الحي ولا يخرج منه غير بعلمي، ولا أي حاجة تتم فيه غير وأكون عارفها.
لتنفرج إبتسامة خفيفة تزين ثغر "حاتم" لسعادته بحالة العشق التي تُنير حياة رفيق دربه و صديقه، ويردف:
-للدرجة دي بتحبها؟!

تنهد "ثائر" براحة، ليردف بحزم:
-الموضوع عندك... الساعة ٨ بليل كلنا هنكون عندهم.
وغادر الغرفة تاركًا "حاتم" يعتصر عقله لإيجاد حل مناسب لتلك المسألة الصعبة.

غادر "حمزة" غرفته بملامح متجهمة ونيران الغضب لم تنطفئ أو تهدأ بعد.
ليجد "هيا" بإنتظاره وقد ذبلت ملامحها وإزداد شحوبها، لتردف بتوسل:
-أنا أسفة... كفاية بقا أسبوع بتحايل عليك عشان تسامحني.

لكنه خطى بخطوات سريعة غير عابئ بحديثها من الأساس.
لتتعالي صيحاتها المستنكرة:
-خليك كده، وكل واحد حر في حياته، وأنا غلطانة إني بفكر أصالحك أصلًا... وأنا حرة.

حينها توقف فجأة عن خطواته، ليستدير كليًا نحوها بجمرات نارية تتطاير من عيناه، فتصيب قلبها بكثيرٍ من الذعر وتسري تلك الرجفة القوية بجسدها، لتتضاعف حينما إقترب منها وأحكم قبضته القوية حول معصمها، ويقترب منها هامسًا بفحيح:
-الكلمة دي ما سمعهاش تاني، محدش فينا حر في حياته... فاهمة... والموضوع لسه ماإنتهاش.
وينفض يدها بقوة، ليستدير مُكملًا خطواته.

على صدرها وهبط بسعادة غامرة، فقد أكد على توحد مصيرهما. لتنفرج إبتسامتها تدريجيًا حتى أشتعلت وجنتاها إحمرارًا.
لترفع عيناها نحوه فتجده يهبط الدرج بثباته المُهلك لها. ركضت خلفه مهرولةً وتعالت صيحاتها المرحة:
-"حمزة"... "حمزة"... إستني بس.
لكنه إستمر بهبوطه، ولا يُعير صيحاتها تلك أي إهتمام، فيجد صرخة قوية تدوي خلفه.

حينها إستدار بكامل جسده ليجد من تتمسك بذلك الحاجز وتتهاوي من أعلى الدرج، لتتسع حدقتاه رعبًا، فيصعد مهرولًا نحوها، لتستقر بين أحضانه.
ذابت النظرات وإنصهرت، لتسود لغة العيون الأقوى والأسمي. نظرات عاتبة، لائمة... يقابلها نظرات آسفة، نادمة...، نظرات مطمئنة واعدة بالأمان والحماية... تقابلها نظراتها الواثقة، الخاضعة لذلك الوعد...،

طوف حدقتاها بنظراته العاشقة، الوالهة... لتغمض عيناها فتحتبس كل ذلك الحنين والعشق المتيم، وتخالطه بعشقها الأبدي لتسري إرتجافة دافئة بأوردتها، وتتسارع دقات ذلك الفؤاد المدموغ بعشق الروح.

أما الآخر... صرخات قلبه المتلاحقة كإعلان عن إستسلامه بسعادة، وإنهيار جميع حصونه بلا إستثناء.
لتتعالي هتافات "نجلاء" بفزع:
-"هيا"... مالك يا بنتي؟!
هنا حمحم "حمزة" بخجل ليستقيم بوقفته، مردفًا:
-إنتي كويسة يا "هيا "
ليهرع "خالد" هابطًا نحو شقيقته وعلامات القلق تنهش ملامح وجهه، فيُديرها نحوه بتساؤل:
-إنتي كويسة يا حبيبتي؟

حمحمت "هيا" بخجل، لترمق "نجلاء" بنظراتها الممتنة، ومن ثم ترفع عيناها نحو "خالد" بإبتسامة خفيفة، مرددة:
-الحمد لله يا حبيبي... كويسة والله... لولا "حمزة" كان...
لتستدير نحو مُنقذها فتجد مكانه خاويًا إلا من رائحته التي لطالمًا نجحت في أسر فؤادها...

فتتنهد بحزن لتلتفت نحو شقيقها مردفةً:
-كويسة يا "خالد"... كويسة... بعد إذنكوا.
وتغادر متوجهةً نحو غرفتها بضيق من إستمرار هروب ذلك العاشق الغامض.

السيوفي جروب.
إجتماع ثلاثي الأبعاد بمكتب "ثائر" الذي ترأس الإجتماع وإلى يمينه "حمزة" وعلامات الصمت قد تفننت في رسم الجمود بمعالم وجهه، ويساره يقطن ذلك المذبب بمشاعر دائما ما يرفضها، وعقل يعمل بلا هوادة ليهتف بجدية:
-ساعتين بالظبط والشحنة توصل المينا، يدوب ألحق أسافر عشان أقدر أستلمها وأتمم عليها.

رمقه "ثائر" بصرامة، مردفًا:
-أنا إتصلت بالمندوب بتاعنا هناك وهو هيقوم بكل حاجة.
إنت سافرت ٣ مرات خلال أسبوع يا "خالد"... وعمومًا النهارده رايح أخطب ولازم تكونوا جانبي.

لتتسع حدقاتهما ذهولًا، ويتبادلا النظرات فيما بينهما، لتستقر أخيرًا نحو ذلك الغامض، فيهتفا سويًا:
-تخطب... النهارده!... إزاي؟!
نهض "ثائر" من مقعده بكبريائه الشامخ، ليتنهد بهدوء:
-هنكون هناك الساعة ٨ مساءًا... مش عايز تأخير.
ويستدير مغادرًا مكتبه بهدوء تاركًا خلفه عشرات التساؤلات تُحاك بأذهان من تملكت الدهشة من جميع حواسهم.
دقات هادئة تجذب إنتباههما نحوها، ليردف "حمزة" بهدوء:
-أدخل.

دلفت "هند" السكرتيرة الخاصة بـ"ثائر" بإبتسامتها العملية، مردفةً بجدية:
-أستاذ "خالد" حضرتك عندك meeting والعميلة وصلت لمكتب حضرتك.
نهض "خالد" هو الآخر من مقعده ليخطو بثبات مغادرًا، قاصدًا مكتبه.

لحظات وكان "خالد" دالفًا إلى مكتبه بإبتسامته المشرقة، ليجد أمامه أنثى غاية في الجمال، والأنوثة بثوبها الأحمر الناري الذي يحتضن جسدها البض بإغراء صارخ، وحُمرتها النارية، وخصلاتها المتمردة، ليردف بترحيب مادًا يده ليصافحها بحفاوة:
-أهلا بحضرتك أستاذة "نهلة"... بعتذر لحضرتك عن التأخير.

ليجد من تقترب منه بوقاحة وتدمغ قبلة طويلة بوجنته اليسرى، ليدفعها عنه بهدوء وإبتسامته الساخرة طمست معالمه بإحترافية.
إبتعد عنها متوجهه نحو مقعده ليحتله بإستقامه ملتقطًا قلمه الحبر ليلهو به وقد إستوطن الغضب ذرات روحه، وأردف:
-إتفضلي حضرتك... ممكن ندخل في الشغل على طول.

بينما نهضت من مقعدها بدلال، لتدور حول مكتبه؛ حتى إستقرت إلى جواره وجلست أعلى سطح المكتب، واضعةً ساق فوق الأخرى بإغراء.
لتميل بجذعها نحوه وتحاوط عنقه بذراعيها مثبتةً أنظارها نحو شفتاه، وهامسةً بنعومة:
-كنت عايزة أخد توكيل السيارات اللي "السيوفي جروب " هتنتجها في ألمانيا.

رفع يده نحو ذراعها ليتلمسه برقة، ممررًا أنامله أعلى شفتاها التي ترسل له دعوة صريحة بطمس معالمها، ونظراته الوقحة التي تطوف كامل جسدها حتى إستقرت نحو تلك المرحبة به بكل حفاوة.
إقترب برأسه نحوها لتذوب تلك المسافات الفاصلة، وتلفح أنفاسه الحارقة وجنتاها بإحترافية، فتغمض هي عيناها بإستسلام.

لتتحول نظراته الولهة إلى نظرات ممتعضة، كارهة، فينهض من مقعده بغضب جامح، جاذبًا يدها بقوة، ليُلقيها خارج مكتبه بغضبٍ، صارخًا بسخرية:
-قولتي "خالد السيوفي" تاريخه سابقه... صح؟
بس الأشكال الزبالة اللي زيك دي عمرها ما لفتت نظري مع إنها كانت بتترمي تحت رجلي.
ويلتفت نحو سكرتيرته الخاصة، هاتفًا بصرامة:
-إرموا الزبالة دي بره.

ليصفع باب المكتب بقوة،ويستند بجذعه عليه، ليشدد على خصلات شعره مردفًا بصرامة:
-الزبالة فاكرة إنها هتقدر عليّا بحركاتها القذرة دي... ما تعرفش مين "خالد السيوفي" اللي حرق قلوب بنات كتير، واللي كتير كانوا يتمنوا نظرة منه، لكن عمره ما عمل حاجة واحدة حرام تغضب ربنا.

شقة "عبد العزيز"
دلف إلى شقته وعلامات التردد والحيرة قد إستوطنت تعابير وجهه ببذخ.
لتقابله "حنان" بترحيب يشوبه الكثير من الإستنكار لتلك الحالة العجيبة:
-حمدالله على سلامتك يا "أبو همس"... مالك؟!

لكنه إتجه نحو أحد الأرائك بشرود؛ حتى جلس أعلاها مردفًا بصوت يكاد يكون مسموع:
-"همس" جالها عريس، هو وأهله جايين النهاردة الساعة ٨ بليل.
حينها هوت" حنان" إلى طرف المقعد المقابل له، لتردف بدهشة:
-عريس من ده؟!
ويعني إيه النهارده بليل؟!

ليزفر زفرة قوية، مردفًا بجدية:
-عارفة "حاتم" اللي كان ساكن قصادنا.
أومأت برأسها مؤكدة:
- أه... ماله؟!
"عبد العزيز" مرددًا:
-"ثائر" إبن عمه عايز يتجوز "همس".
أجابته "حنان" بسعادة:
-"حاتم" شاب محترم ومهذب، طول ما كان معانا في الحي ما سمعناش عنه حاجة وحشة، وأكيد إبن عمه زيه... ولا إيه؟

"عبد العزيز " بتأكيد:
-الصراحة هو شاب كويس وشكله يُعتمد عليه، يعني أديله بنتي وأنا مطمن.
ضيقت " حنان" عيناها بإستنكار، مرددة:
-إنت شوفته قبل كده يا "عبد العزيز"؟!
أومأ "عبد العزيز "برأسه قبل أن يردف مؤكدًا:
-أه... يوم الدفنة بتاع "صالح" الله يرحمه، كان معانا طول اليوم وأخوه كمان، وهو اللي دفع فلوس السرادق يومها، وحاسب الشيخ، كتر خيره شال الليلة كلها.

لتتسع إبتسامتها وتصل إلى أذنيها، وتردف بسعادة:
-طيب شكله راجل كريم وبتاع خير أهو، على بركة الله، والساعة واحدة لسه.. يعني إن شاء الله نلحق نظبط الدنيا علي وصولهم.
هنا هب "عبد العزيز" بغضبٍ جامح:
-إهدي يا "حنان" الموضوع مش سلق بيض، لازم أسأل بنتك الأول... وبعدين ده عايز يتجوز بعد أسبوع... أنا مش مرتاح للتسرع ده، إحنا لسه مانعرفوش، ولا سألت صاحبة الشأن.

ويتجه نحو غرفة إبنته التي تسمعت على الحديث صدفة أثناء ذهابها إلى المطبخ، فتغلق باب غرفتها بهدوء مستندة عليه، ودقات قلبها كادت أن تصم أذنيها، ورعشة سعادة تملكت أوصالها بقوة، أما ذلك التوهج الناري الذي أشعل فتيل العشق بعيناها لتتلألأ ببريق متيم لمن إستحوذ على ثنايا قلبها وأستوطن طيات الروح الولهة.

فتجذبها دقات والدها الهادئة إلى أرض الواقع، لتبدأ بتنظيم تنفسها متنهدةً بهدوء، وتستدير فاتحةً الباب لوالديها.
دلف "عبد العزيز " بجمود، تعقبه "حنان" بإبتسامة سعادة تشعل وجنتاها، ليلتفت نحوها "عبد العزيز" مردفًا:
-ممكن تسيبينا شوية لو سمحتي يا "أم همس".
مطت "حنان" شفتاها بتذمر طفولي، وهي تردد:
-يعني هي مش بنتي زي ماهي بنتك يا "زيزو"؟

زفر "عبد العزيز " بيأس، ليستدير نحو تلك التي أوشكت على فقدان وعيها من الخجل المزين لتلك السعادة الجامحة، فيجذب يد إبنته ويُجلسها أمامه أعلى تلك الأريكة، ويجلس مواجهًا لها محمحمًا:
-بصي... بصي يابنتي... فيه شاب كويس طلب إيدك... وهو هيجي النهارده عشان يتقدم، ولو مش موافقة أنا مش هغصبك على حاجة، شوفيه الأول وبعدين هستني رأيك.

أطرقت رأسها بخجل أشعل وجنتاها إحمرارًا، ودقات قلب تسللت إلى مسامع والدها، ليبتسم إبتسامة جانبية، وينهض واقفًا، وهو يردد:
-تمام... إجهزوا عشان هيكونوا هنا الساعة ٨ بليل... روحي لـ"ضحي" عشان تكون معانا طول اليوم، وكمان تخرج من الحالة بتاعتها دي .

وإلتفت مغادرًا الغرفة، لتستقر "همس" بين أحضان والدتها بسعادة، فتشدد "حنان" من إحتضانها مربتةً على ظهرها بحنان، قائلة:
-مبروك يا قلب ماما، ربنا يتمملك على خير يارب.
تتعالي ضحكات "همس" الخجلة لتطرب آذان ذلك الأب الذي إستشعر موافقة إبنته مسبقًا.

حينها دفعتها "حنان" بقوة لتُبعدها عنها صائحةً:
-يلا مفيش وقت يا دوب نروق الشقة، وتجهزي إنتي وضحى، وأنا هخلي "عمر" ينزل يشتري جاتوهات وحلويات وحاجة ساقعة.

مضت التجهيزات على قدم وساق وقد إنضمت "ضحي" إليهم بسعادة ورضا وإرتسمت إبتسامة خفيفة لتزين ثغرها بعدما هجرتها لأيامٍ وليالٍ.
الجميع إنتهى من تحضيرات المنزل وتجهيزات الحلويات والمشروبات، لتزفر "حنان" بتعبٍ:
- الحمد لله... أخيرًا خلصنا، يلا يا بنات روحوا خدوا شاور وإجهزوا، وأنا كمان هروح أخد شاور وأجهز على ما "عمر" وبابا يجيوا من القهوة.

لتتعالي ضحكات الفتيات المرحة، مرددين:
-صح... عندك حق... بعد ما طردناهم شر طردة.
تعالت دقات هادئة على باب الشقة، لتهتف حنان بإستنكار:
-نسيوا المفاتيح ولا إيه؟!
وتتوجه نحو الباب، لتفتحه بتذمر، فتتفاجئ بذلك الرجل الذي تختبئ أغلب ملامحه خلف تلك العلب الورقية المتراصة بإنتظام، ليردف بإحترام:
-دي شقة "عبد العزيز " بيه؟

أجابته "حنان" بتساؤل:
-مين حضرتك؟!
السائق بذات النبرة:
-أنا سواق "ثائر" بيه وطلب مني أوصل الحاجات دي للعنوان ده.
تناولت منه "حنان" ما يحمله بمساعدة الفتيات، لتشكره وتوصد الباب خلفه بهدوء.

لتتفحص هي والفتيات العلب بسعادة، وتهتف "ضحي" بمكر:
-كريم قوي "ثائر" بيه ده، جايب أغلى أنواع الشيكولا والجاتو...
لكمتها "همس" بخفة، لتردف بمشاكسة:
-ماشي يا سكر، يلا بسرعة نجهز مفيش وقت، الساعة ٧
ويتجها سويًا إلى غرفة "همس"، بينما حملت "حنان" تلك الأشياء بسعادة، لتتركها أعلى طاولة المطبخ، وتتجه نحو غرفتها لتستعد هي الأخرى.

قصر السيوفي
توسط الجميع بهو القصر بكامل أناقتهم وزينتهم بإنتظار أمير تلك الليلة، لتردف "فريدة" بسعادة:
-أنا فرحانة إن "ثائر" أخيرًا هيتجوز، لأ وكمان هيتجوز البنت اللي دعيت ربنا إنها تكون من نصيبه.
لتجاوبها "نجلاء" بتمنى:
-عارفة يا ماما... كان نفسي يتجوز "ضحي"، البنت دخلت قلبي من أول ما شفتها.

هنا هتفت "هيا" بمكر:
-المهم مين اللي دخلت قلب أبيه "ثائر" وقفلت الباب.
لتراقب "منة" ذلك المشهد بغضب، فلما لم يتقبلوها يومًا؟! ولما كل تلك السعادة لأجل ذلك الثائر؟!
فترفع عيناها نحو الدرج بنظراتها المشدوهة التي سرعان ما إنقلبت إلى نظرات غيرة.
طل عليهم بطالته الخاطفة للأنفاس، وتلك الحلة السوداء التي يُزيدها أناقة وروعة، وعبق عطره الذي أذاب نسيم القصر خجلًا.

ليُطلق "خالد" صافرات الإعجاب، مما أرغم الجميع إلى الإلتفات نحو ذلك الأمير الوسيم، الذي أصبح للوسامة دليلًا.
فهتفت "هيا" بتذمر:
-لا... أنا كده هبدأ أحقد علي "همس" يا أبيه... ما هو مفيش حد كده في الدنيا.
وخطى "حمزة" نحو شقيقه، ليركل قدم "هيا" بقوة، فتتأوه من شدة ألمها.

ليلتفت نحوها بإبتسامته العذبة، مردفًا:
-سوري "يوكا" ما أخدتش باللي... أصل "ثائر" الصراحة مفيش حد زيه في الدنيا.
رمقته "هيا " بنظراتها الغاضبة ظاهريًا، لكن تلك الفراشات تتطاير داخلها بسعادة، لتردف بإبتسامة مصطنعة:
-مفيش حاجة يا "حمزة" عادي، فعلا أبيه" ثائر" مفيش زيه في الدنيا.

ليهتف "حاتم" بتهليل:
-يلا يا عريس... الناس منتظرة، عيب نتأخر عليهم، وبعدين أنا و" منة" النهارده من أهل "همس".
وتردف "فريدة" هي الأخرى بسعادة:
-وأنا كمان جدة العروسة.

لتهتف "هيا" بسعادة غامرة:
-أشوفها الأول وبعدين أقرر أنا مع مين!
تنهد "ثائر" براحة مردفًا بحزم:
-يلا... مش صح نتأخر على الناس.

شقة "عبد العزيز" - غرفة "همس"
تأنقت بفستانها الكحلي الهادئ وحجابها الأبيض الناصع الذي زادها جمالا ورقة، وحمرة شفاه وردية، كما إزداد جمال عيونها بتلك الخطوط السوداء التي زينت أهدابها الكثيفة.
أما ضحي فلم تتنازل عن فستانها الأسود، وشعرها الذي أجمعته بعشوائية، وكذلك أصرت "همس" على ذلك الفستان الكحلي، رغم إعتراض والدتها.

"حنان " تضع اللمسات الأخيرة لتحضير الحلويات بالمطبخ، فيدلف إليه "عمر" مستنكرًا:
- مش كفاية العريس المفاجئ ده، إيه كل الحلويات دي والتجهيزات دي؟!
يعني أنا لما أروح أتقدم لـ"بسنت" هتعمل كل ده.؟

هنا لكلمه والدته بقوة، وهي تهتف بحنق:
-خلص الثانوية العامة بتاعتك الأول يا فالح، وبعدين نشوف موضوع "بسنت" بتاعتك دي.
دقات رزينة بباب الشقة، ليتجه "عبد العزيز" نحوه ويفتحه مستقبلًا "ثائر" وأسرته بحفاوة وترحاب، ليصطحبهم جميعًا إلى الصالون.

جلست "فريدة" وإلى جوارها "نجلاء" و "هيا"، أما "حمزة" و"ثائر" و "خالد" إحتلوا أحد الأرائك، و "حاتم" فتجاوره "منة" بإبتسامتها المتصنعة.
ليردف "عبد العزيز " بترحاب:
-أهلا بيكم يا جماعة ... البيت نور والله.

ودلف "عمر" إلى الغرفة بإبتسامته المرحبة بالجميع، مردفًا:
-السلام عليكم.
بادله الجميع نفس الإبتسامة المرحة، مردفين:
-وعليكم السلام.
لينضم" عمر" إلى جوار والده بسعادة.

لحظات ودلفت "همس" بصينية المشروبات،و تتبعها "ضحي" بصينية أخرى محملة بالجاتو.
لتضع "همس" ما بيدها أعلي الطاولة الصغيرة، فيتسلل إلى مسامعها، صوت "خالد":
-أنا طالب إيد بنتك يا عمي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة