قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثامن والعشرون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثامن والعشرون

نهار يوم جديد يطل على عائلة السيوفي بشمسه التي أرسلت خيوط الأمل والسعادة لتراقص أوردتهم طربًا على دقات تلك القلوب العاشقة التي أقسمت أن تحيا ما تبقى لها من أنفاس بسعادة طاوية صفحة الماضي القريب بمخططاته وإنتقامه، لتبدأ عصرًا يُسطر بأحرف من نور بأساطير العاشقين، ليخلد إسم عائلة السيوفي بين طيات تلك الأوراق المشتعلة عشقًا وغرامًا.

نهار مختلف ومميز للجميع حتى وإن كانت أحداثه هادئة لتلك العائلة التي تفننت في صُنع مصيرها بعقول أبنائها. تلك المشاعر الهادئة تطفو بأرجاء القصر لتمتزج بهبات النسيم العليل المحمل بشذا تلك الزهور النادرة، أما ما تغلب عليه وإنتصر هو عبق عطر رجال السيوفي وأميراتهم المدللة.

هرولت "فريدة" بسعادة أحاكت لها جناحين من سرور لتحملها وترتفع بها لأعلى درجات الرضا. تدلف إلى المطبخ للمرة الأولى بتاريخها الملكي، لتردف بأحرف هللت مرحًا :
عايزة الفطار النهاردة يكون خاص ومميز جدًا، عندك ليستة بكل الأنواع اللي تحضروها النهاردة، وبعد الفطار على طول تجهزي بنتين يجوا معانا المزرعة.
أومأت مديرة المنزل برأسها قبل أن تردف بنبرة يكسوها الكثير من السعادة وبعض الدهشة من الدلوف الأول لتلك الفريدة :
أوامر حضرتك "فريدة" هانم... بالفعل جهزنا كل الأصناف اللي البهوات والهوانم بيفضلوها.... والبنات هتجهز وتستعد لمرافقة حضراتكم بالمزرعة.... أي أوامر تانية.

حركت "فريدة" حدقتاها لتبدأ بتفكير عميق، فتردف بتذكر :
العصاير الفريش إوعوا تنسوها... بالأخص عصير الرمان عشان "حاتم" بيه.
أردفت العاملة بتأكيد :
أوامر حضرتك يا فندم... العصاير كلها جاهزة، وهدى أوردر للبنات يحضروا عصير الرمان.

أومأت "فريدة" برأسها، وتستدير مغادرة المطبخ لتصطدم بـ"نجلاء" التي دلفت إلى المطبخ كعادتها في الإشراف على الفطور، لتتأوه قليلًا مردفةً ببعض الصدمة :
ماما!!!!
فيه حاجة ياحبيبتي؟!!
جذبتها "فريدة" من يدها برفق، لتردف بنفي :
مفيش حاجة، تعالي معايا بس، أنا إديتهم كل التعليمات اللازمة بتحضير الفطار، عشر دقايق وهيكون جاهز على السفرة.

لتتبعها "نجلاء" وعلامات الدهشة كست ملامح وجهها بسخاء لتمتم بسعادة :
الله... "فريدة" هانم السيوفي دخلت المطبخ لأول مرة في حياتها حلو التقدم ده.
إتجتها نحو بهو القصر لتجدا ذلك القادم نحوهم محتضنًا يدها وعلامات السعادة والعشق تلتهم ملامحهما، ليردف بمشاكسة :
صباح عظيم حظرتكم.

إتسعت إبتسامة "نجلاء" لتردف بمحبة :
صباح الفل على عيونك "لودي".... صباح الجمال يا "ضحي".
ليعلو صوته بنبرة متهكمة بعض الشئ :
صباح الخير يا عصافير الكناري .... طب إعمل حساب إني الوحيد السنجل في البيت ده.
فيتعالي صوت "حاتم" الذي تصنع الحنق :
ياساتر يارب على أرك يا "حمزة" قعدت تؤر عليا لحد مابقيت سنجل زيك أهو، إبعد بقا عن العيال الغلابة دي خليهم يتهنوا شوية.

تعالي صوت "خالد" الحانق ليردف بمزح :
قوله والنبي يا "حاتم" أصل الواد ده طول عمره سره باتع، وأنا لسه عريس جديد ماتهنش بعروستي والله.
لو حابب تطلع هاني مون إحجزلك في المكان اللي تحبه :
هذا ما تشدق به "ثائر" بثبات وصرامة،

ليلتفت الجميع نحو ذلك الأمير الوسيم الذي يطل عليهم بطالته الخاطفة للأنفاس ببنطاله الجينز الأزرق وتيشيرت أسود يبرز عضلات صدره وذراعيه القوية ونظارته الشمسية التي تخفي جوهرتيه فتزيد وسامته أضعافًا، ليردف "خالد" بشرود :
"ثائر" السيوفي كاجوال.... النهارده العيد ولا إيه؟

وجد تلك المشدوهة بوسامته تهبط الدرج خلفه بهيام إلى أن تعثرت قدمها بطرف فستانها الأبيض الطويل. كادت أن تسقط لأسفل الدرج لتجد نفسها تتوسط ذلك الصدر العريض وذراعيه القوية تحتضن خصرها النحيف بإمتلاك، لترفع عيناها نحو حدقتاه الساحرة فتذوب بهما عشقًا وهيامًا وتلك الإبتسامة البلهاء تزين ثغرها الكرزي، إلى أن رمقت إنعكاس صورتها بزجاج نظارته فحمحت خجلة :
أسفة... رجلي إتكعبلت بطرف الفستان.

إقترب إلى جوارها هامسًا بعشق :
فيه واحدة تعتذر عشان في حضن جوزها.
إشتعلت وجنتاها خجلًا ودقاتها تسارعًا، صدرها يعلو ويهبط بإضطراب، لتستقيم بوقفتها وتبتلع ريقها بإرتباك هامسةً ببلاهة :
ها...
إستدار "ثائر" بكامل جسده بعدما أهلك ما تبقى منها بغمزة عينه الساحرة، ليُكمل هبوطه لذلك الدرج إلى أن إنضم إلى أسرته وإبتسامة ماكرة تزين ثغره فتزيده حسنًا وجاذبية.

دقات خطواتها الرزينة تتسلل إلى مسامع الجميع لتنتبه حواسهم وتعلو أنظارهم نحوها. تقترب منهم بثبات ظاهري ينافي تلك المشاعر المتناقضة داخلها فرغم كونها بمهمة رسمية إلا أنها شعرت كثيرًا أنها تتوسط عائلتها، لتردف بجدية جاهدت كثيرًا للإلتزام بها :
صباح الخير... أنا لازم أمشي دلوقتي، لأني مطلوبة في الإدارة.

أردفت "نجلاء" بود:
خليكي معانا يا "ملك"
لتحرك رأسها نافية مردفةً :
قصدي يا "نور".
حمحمت "نور" مردفةً بإبتسامة خفيفة :
مهمتي إنتهت هنا، وكان المفروض أمشي من إمبارح بس إصرار حضرتك خلاني أقعد معاكم للنهاردة، وكمان ماما وأخويا وحشوني قوي لازم أروح عشان أطمن عليهم.

تنهد "ثائر" بهدوء ليردف بثباته المعهود :
أنا بشكرك جدًا يا "نور" على كل اللي عملتيه عشان العيلة دي، وأكيد إحنا موجودين في أي وقت تحتاجينا فيه هتلاقينا جنبك.
رجفة خفيفة بنبرة صوتها، دمعات متمردة تلمع بمقلتاها، لتردف بثلعثم خفيف :
ماـ... مالوش لزوم تشكرني ده شغلي وكنت بعمله.

حمحم "حمزة" ببعض الإرتباك، ليردف بأسف:
أنا أسف يا "نور" لو كنت ضايقتك يوم بشكي فيكي.
حركت رأسها بنفي، لتردف بكلمات تختنقها دمعاتها المتمردة :
أنا اللي أسفة.... إني شوفت حزنكوا وإنهياركوا ومقدرتش أساعدكوا..... بس والله كان غصب عني..... كان لازم أكمل قوية للآخر عشان المهمة تتم بنجاح.

أردف "حاتم" بإبتسامته الممتنة :
إنتي أديتي شغلك على أكمل وجه يا حضرة النقيب، وأكيد إنتي بقيتي واحدة من العيلة دي لأننا ببساطة مابننساش اللي وقف جانبنا، والأكيد إنك وقت ماتفكري فينا هتلاقينا جانبك فعلًا .... وماتنسيش تشكري والدتك.
ضيقت "نور" عيناها بإستغراب، مردفةً :
ماما!!!!... ليه؟!!
إتسعت إبتسامة "حاتم" ليردف بود :
عشان قدرت تربى بنت بميت راجل زيك... بنت مايتخافش عليها أبدًا.

تنهدت "نور" براحة لتنفرج إبتسامتها قليلًا مردفةً بإمتنان :
ميرسي لحضرتك أستاذ "حاتم"... عمومًا أنا لازم أمشي حالًا،
لتلتفت بأنظارها نحو "حمزة" فتردف بإبتسامة:
الحاجات اللي إتضطريت تشتريها يا"حمزة" موجودة في الأوضة ، خلاص ما بقتش حاجتي... المهمة إنتهت.
يعني علاقتك بينا يا "لوكا" كانت المهمة وبس :
هذا ما تفوهت به "هيا" بإستنكار.

تكاتفت دمعاتها وتمردت لتنهمر فيضانًا منجرف في أعتي مواسمه، لتردف بحشرجة من إختناق الدمعات لكلماتها :
ربنا يعلم يا "هيا" أنا حبتكوا قد إيه، إنتوا كنتوا بتعوضوني عن غياب أمي وأخويا.... بس لازم أرجع حياتي القديمة تاني وأكمل شغلي.... بس الأكيد إني مش هعمل كده تاني عشان ما أتعلقش بحد وأرجع أسيبه وأنا موجوعة زي دلوقتي.

لتركض مهرولة خارج القصر دون إتمام وداعها لتلك العائلة التي أشعرتها أنها فردًا من أفرداها، لتردف "فريدة" ببكاء :
هتوحشني قوي، ياريت تقدر تعيش معانا حتى لو هتجيب مامتها وأخوها.
إقتربت "هيا" من "فريدة" لتحاوط كتفيها بذراعها مقتربةً من وجنتها لتدمغ أعلاه قبلتها الحانية مردفةً بمشاكسة :
سيبي شوية دموع من دول ياتيتة عشان لما آجي أسافر، لأن خلاص ميعاد السفر إتحدد بعد بكرة.... أنا أجلته عشان أبيه "حاتم" بس دلوقتي خلاص مالوش لزوم التأجيل.

لتجد من يجذبها نحوه من ياقة كنزتها وعلامات الغضب تنهش ملامح وجهه، ليرفع أحد حاجبيه مردفًا بإستنكار :
نعم ياروح خالتك... سفر إيه ده اللي هتسفريه، إبقى خطي باب القصر وشوفي هعمل فيكي إيه.
رفعت عيناها نحوه لتواجه نظراته بتحدٍ سافر، مردفةً بصرامة :
هسافر يا "حمزة"... هسافر.

يجذبها نحوه أكثر، ليصك على أسنانه مردفًا بحنق :
مش هتسافري يا "هيا".... أولًا جواز سفرك معايا من يوم مافكرتي في موضوع السفر ده.
ثانيًا وده الأهم؛ جوزك مش موافقك.
إتسعت مقلتاها من الصدمة، لتهتف بإستنكار :
جوزي!!!.... أنا مش متجوزة حد.

أفلت قبضته عنها، ليستقيم بوقفته معدلًا من هندامه، ليحمحم بكبرياء مردفًا بتأكيد :
أنا جوزك... بإعتبار ماسيكون يعني، لأني طلبت إيدك من أخوكي قبل مايموت وهو وافق حتى إسأليه.
نظرات الجميع تطوف وجوههما، لتتسع إبتسامة البعض سعادةً لأجلهما، ويستنكر البعض الموضوع برمته، ويكسو الغضب ملامح البعض، ليردف "حاتم " بنفي :
محصلش.... إنت طلبت، وأنا رفضت... يعني ماعندناش بنات للجواز.

خطى نحوه "حمزة" ليُصبح مقابلًا له وعلامات الغضب قد تمكنت من ملامح وجهه، ليردف بحدة :
وأنا هتجوزها يا "حاتم يا سيوفي" حتى لو غصب عنك.... حتى لو إضطريت إني أخطفها... فاهم.
هنا تدخل" خالد" ليقف فاصلًا بينهما وعلامات الغضب قد فاضت بملامحه، ليردف بحدة أكثر :
تخطف مين يا إبني إنت مجنون ولا إيه؟!

قولنالك معندناش بنات للجواز.... يعني معندناش بنات للجواز.... روح شوف حالك بعيد يا إبني.
دفعه "حمزة" بقوة للخلف مردفًا بتحدٍ :
لأ مش مجنون ياد إنت ... وهتجوزها يعني هتجوزها غصبن عنكوا كلكوا... فاهمين.
مطّ "ثائر" فمه بلا مبالاة، ليبتسم تلك
الإبتسامة الجانبية المتهكمة، مردفًا بإستنكار :
تمام.... ورينا تقدر تعمل إيه؟!

لو هتتكلم بالذوق وتقعد قدامنا بأدب زي الشاطر كده وتجيب أهلك وتطلبها مننا... وإحنا ساعتها يا نوافق يا نرفض....
ياتنسي الليلة دي كلها، لأن مفيش حاجة هنا غصب عننا يا شاطر.
ضيق "حمزة" عيناه بصدمة، ليردف بإستنكار :
أهلي!!! شاطر!!!! أقعد قدامكم!

أومأ "ثائر" برأسه مؤكدًا قبل أن يردف بثبات :
أيوه أهلك.... ومش هنا كمان... إحنا طالعين دلوقتي على المزرعة، يعني ممكن تقابلنا على الساعة خمسة المغرب كده.... يلا يا جماعة مش هنلحق نفطر هنا، نفطر في المزرعة بقا.
إصطحب كل منهم زوجته إلى سيارته، لتكون "هيا" بسيارة" حاتم " بالإضافة إلى الفتاتين العاملات بالمطبخ، و"فريدة" و "نجلاء" بسيارة "حمزة"... وتنطلق السيارات جميعهن إلى مزرعة "السيوفي ".

منزل "عبد العزيز"
صدح جرس الباب برنينه المنتظم، ليهرع "عمر" إلى الباب، مردفًا بسعادة :
أيوه... لحظة واحدة.
فتح" عمر" الباب ليجد أمامه السائق الخاص بعائلة "السيوفي" بزيه الرسمي، ليردف ببشاشة :
العربية في إنتظار حضراتكوا تحت "عمر" بيه عشان نطلع على المزرعة زي ما أمرني" ثائر" بيه.... ممكن أخد الشنط عشان أنزلها؟ .

إتسعت إبتسامة "عمر" المرحة ليردف بسعادة :
تمام... عشر دقايق وهنحصلك تحت... بالنسبة للشنط فأنا هنزلها معايا.
طرق السائق رأسه قليلًا ليردف بود :
تحت أمر حضرتك يا فندم... بعد إذنك.
يستدير متجههًا نحو المصعد ليستلقه ويبدأ رحلة الهبوط لأسفل.

أوصد "عمر" باب الشقة جيدًا. ليستدير نحو والدته مُهللًا بحماس:
يلا يا قوم... أخيرًا هنروح مزرعة "السيوفي" ونركب خيل.
ملامح الإستنكار تعلو وجه "حنان" لتردف :
يعني إزاي نكون بنعزيهم إمبارح، والنهارده نروح نتفسح.... إيه طالعين الفسحة على روح المرحوم.
إنضم إليهما" عبد العزيز " ليردف بهدوء :
دع الخلق للخالق يا "نونا"، أكيد هما في دماغهم حاجة الله أعلم بيها.

دنى "عمر" نحو تلك الحقائب ليحملها بسعادة، مردفةً بهمة :
يلا بينا دلوقتي وفي العربية نكمل مناقشة الموضوع المهم ده... زمان البت "ديدا" مستنيانا تحت.
غادر ثلاثتهم الشقة، ليوصدها "عبد العزيز " جيدًا بالمفتاح، ليستقلوا المصعد وينضموا إلى السائق و "هايدي" التي تنتظرهم أمام بنايتها، ليستقلوا جميعًا السيارة وتنطلق هي الأخرى نحو مزرعة "السيوفي".

مزرعة "السيوفي".
دلفت سيارات العائلة من الباب الرئيسي للمزرعة ليهرع إليهم راكضًا ذلك الحارس الريفي الذي يبلغ من العمر الستين عامًا بجلبابه البني اللون وعمامته البيضاء، وملامحه البشوشة، ليهتف بتهليل وحفاوة :
حمدالله على السلامة يا بهوات... عاش من شافكم.

إصطفت السيارات الأربع تباعًا ليترجل عنهم الجميع، بإبتسامة ترحيب ومحبة فأردف "ثائر" :
الله يسلمك يا عم "ذكريا"... إزيك ياراجل يا طيب، أخبارك إيه؟
ربت "ذكريا" على صدره عدة مرات، ليردف بقناعة ورضا :
الحمد لله على نعمه يا "ثائر" بيه... فضل ونعمة من ربنا، وربنا يديمها علينا يارب.
وألف مبروك على الجواز يا بيه وربنا يرزقكم الذرية الصالحة عاجلا غير آجل يارب.

ليهتف "خالد" بمشاكسة :
وإحنا ياعم "ذكريا" إيه الدنيا؟... مالناش دعوة حلوة زي دي ولا إيه؟
إتسعت إبتسامة "ذكريا" ببشاشة أكثر ليردف بمحبة :
إزاي يا "خالد" بيه!!..
ربنا يرزقكم من واسع فضله، ويرضيك ويرضى عنك، ويهنيك بعروستك يارب... وعقبال "حمزة" بيه، وست "هيا" هانم.

إتسعت إبتسامة "حمزة"، ليردف بسعادة :
أه والنبي يا عم "ذكريا" كتّر من الدعوة دي قوي النهاردة.. عقبال "حمزة" بيه وست "هيا"... محتاجها النهاردة قوي.
أردف "ذكريا" ببشاشته التي لم تفارق تعابير وجهه قط :
ربنا يسعدكوا يارب، وينولك كل اللي تتمناه وأكتر.

قطع حديثهم دلوف سيارة" عبد العزيز " وأسرته، لتصطف السيارة إلى جوار الأخريات ويترجل عنها الجميع بإببتسامة السعادة التي إستوطنت تعابير وجوههم فالهواء النقي الذي يملئ الصدور كفيل بإزاحة هموم العالم أجمع، وتلك المساحة الشاسعة من الأراضي الخضراء تغسل العيون مما يؤذيها وتُزيدها بريقًا ولمعانًا.

سرعان ما تحولت تلك الإبتسامة إلى نظرات صدمة وهلع من "عمر"، وصراخ ورجفة قوية من "حنان" وإستسلام لفقدان الوعي من "هايدي" لرؤية "حاتم" أمامهم بإبتسامته الجذابة.
ركض الجميع نحو تلك التي هوت أرضًا فاقدةً لوعيها، لتصرخ "همس" و "ضحي" سويًا بفزع :
"ديدا"!.

حاول الجميع إفاقتها لكن لاسبيل لذلك، ليصرخ "خالد" بلهفة :
إبعدوا كده هشيلها وأدخلها جوه، ونطلب لها دكتور.
ليجد من سبقه بحملها وعلامات الغضب تفترس ملامحه بإحتراف، مردفًا بحدة :
إبعد من قدامي، حد يجيب برفيوم الموضوع بسيط مش مستاهل دكتور يعني.
إتسعت إبتسامة "خالد" قليلًا، ليردف بنبرة متهكمة مرحة:
إستني بس يا "حاتم" هساعدك، وهات إنت البرفيوم.

لكن لا حياة لمن تنادي، فقد كان دلف "حاتم" إلى ذلك القصر الريفي العتيق، حاملًا "هايدي" بين ذراعيه القوية، لتميل برأسها نحو مضخته الهوجاء، ليتسلل شعور غامض إلى أوتار قلبه، وتصدح نغمة مجهولة بدقاته المتسارعة.
صعد ذلك الدرج الرخامي الذي يتوسط بهو ذلك القصر، ليقوده نحو تلك الغرف العشر، فدلف إلى أقرب غرفة قابلته بطريقه، ليضعها بحرص إلى ذلك الفراش الوثير، ويجذب ذلك الغطاء ليدثرها جيدًا.

جذب ذراعه برفق من أسفل عنقها، ليلتفت بأنظاره نحو طاولة الزينة، فيخطو نحوها ملتقطًا أحد زجاجات العطور، ليعود إليها ثانيةً، ويبدأ بنثر ذرات ذلك العطر بالقرب من أنفها.
ما إن تسلل ذلك الشذا إلى أنفاسها الهادئة، فأخذت تتململ في نومها بهدوء، وتفتح عيناها تدريجيًا، لتجده أمامها بطالته الخاطفة لأنفاسها، فتتسع حدقتاها ذُعرًا، وينتفض جسدها بقوة، لتهب جالسة بفراشها، صارخةً برعب جليّ :
عااااا... عفرييييت. عفرييييت.

تتعالي ضحكات الجميع خلفه، ليلتفت نحوهم بحنق، وترفع هي الأخرى أنظارها نحوهم، لتردف بتلعثم :
عـ... عفـ... عفريت "حاتم" يا "همس".... عفريت "حاتم" يا "ضحى".... عشان مات مقتول... عفرييييت.
تبادلت الفتاتان النظرات الغامضة فيما بينهما، لتخطو نحوها وتجلس إحداهما إلى يمينها، والأخرى إلى يسارها، فتردف "ضحي" بحزن مصطنع :
حرام عليكي يا "ديدا" ليه تقلبي علينا المواجع، "حاتم" الله يرحمه بين إيدين ربنا دلوقتي.

حركت "هايدي" رأسها نافية، وعلامات الذعر تتراقص بحدقتاها، لتشير بسبابتها نحو "حاتم" المستنكر بعض الشئ، مردفة بإرتباك :
بس... عفريته قدامك أهو يا "ضحي" شايفاه؟
حركت "همس" رأسها نافية، لتردف بجدية مصطنعة :
سلامة عقلك يا "ديدا" مفيش حد قدامك يا بنتي غيرنا إحنا بس، أنا مش شايفة "حاتم" ولا عفريته حتى.
قفز "خالد" إلى جوار زوجته مردفًا بأسي مصطنع :
ليه كده يا "ديدا"؟! ... ليه توجعي قلبي على أخويا اللي واحشني ونفسي أشوفه؟

لوّح "حاتم" بيده في الهواء، ليهتف غاضبًا :
ممكن نبطل الخفة دي منك ليها شوية.... وأنا حي أُرزق يا أستاذة، ودي كانت مسرحية مننا... وخلصنا.
ليدفع "حمزة" بعيدًا عن باب الغرفة، ويغادرها ونيران الغضب الغامض تتأجج في صدره وتستعر، ليتابعه "ثائر" بنظراته الماكرة، ليتجه نحو "هايدي" ويردف بثبات :
حمد الله علي سلامتك يا "هايدي"... فعلًا "حاتم" كويس وزي الفل.... يلا يا جماعة عشان نفطر.

هب "خالد" واقفًا ليجذب يد "ضحي" هاتفًا بإستنكار :
يلا يا بنتي خلينا نفطر الفطار العجيب ده، لا عرفنا نفطره في القاهرة، وشكلنا مش هنتهني عليه هنا كمان.
إنفض الجميع من حولها ما عدا "همس"، لتجلس "حنان" إلى طرف الفراش مردفةً بتأييد :
الصراحة عندك حقك يا "ديدا"، أنا قلبي كان هيقف لما شوفته.... قال مسرحية قال!
إنفرجت إبتسامة "همس" العذبة، لتردف بمشاكسة :
إنتي قومتي بالواجب يا "نونا"... صوتي صوت خرم وداني الصراحة.

مطت "حنان" عنقها لتقترب من "همس" فتهمس إلى جوارها :
ماهو مفيش كده في الدنيا، عيلة إبنها يموت وتطلع رحلة على روحه، وبعدين يطلع حي يُرزق.... عيلة غامضة يا بنتي... ربنا يلطف بينا.
همست "همس" بصوت يكاد مسموع مازحةً :
أيوة يا ماما وبياكلوا عيال صغيرة كمان.... أنا خايفة أعيش في وسطهم... خوديني معاكي وإنتي مروحة عشان خاطر ربنا.
إنتفض جسد "حنان" بفزع لما تسلل إلى مسامعها لتردف بتأهب :
يلا يا بنتـ....

لتقطع جملتها حينما رمقت تلك الإبتسامة الساخرة تزين جانب ثغرها، لتردف بعتاب :
ماشي يا بنت "عبد العزيز " بتستخفي بعقل أمك وتضحكي عليها.
إنقضت "همس" إلى أحضان والدتها، لتشدد من إحتضانها مردفةً بمرح :
يقطعني يا "نونا" لو كنت أقصد كده.... أنا كنت بهزر معاكي والله.
لكمتها "حنان" بقبضتها، لتردف بلهفة :
بعيد الشر عنك يا حبيبتي..

ربنا يسعد أيامك ويفرحك إنتي و"ثائر" يارب.
تسارعت دقات قلبها لمجرد ذكر إسمه، لتشدد من إحتضانها أكثر مردفةً بسعادة تغلف أحرفها :
يارب يا ماما.... يارب.
لتبتعد عنها قليلًا، مردفةً بحماس :
يلا عشان نفطر... أصل ريحة الفطير المشلتت داخلة قلبي من ساعة ما دخلنا المزرعة.... يلا بقا.

إلتف الجميع حول طاولة الطعام الضخمة التي تحمل أعلاها كل مالذ وطاب من فطور ريفي أصيل، كهذا الفطير، والجبن القريش، والقديم، والقشدة، والزبدة، والعسل أبيض وأسود..، لينقض الجميع على الأكل ويلتهمه بإستمتاع دون التفوة بحرف واحد سوي :
إممممممم.... تحفة.

دقائق طويلة، ليتسلل الشبع إلى أمعاء الجميع، فينهض "عمر" واقفًا، ليردف بسعادة :
الحمد لله... الفطير تحفة، يلا يا "خالد " عشان نركب خيل، ونهضم الفطار على مايحضروا البط والحمام للغدا.
تعالت ضحكات الجميع على عفوية ذلك المشاكس، ليردف "عبد العزيز " ببعض الخجل :
إقعد يا "عمر"، مايصحش كده.

نهض جميع الشباب سويًا، ليردف "حاتم" بنفي :
ماتقولش كده يا عمي، ده بيتكوا و"عمر" ليه حق في الكلام ده فعلًا، عايزين نهضم الفطار عشان نفضى مكان للغدا..... يلا يا شباب نلبس لبس الفروسية، عشان هنتسابق.
لتهب" ضحي" من مقعدها، فتتقافز بسعادة، مردفةً بتأييد :
أيوة بقا.... هو ده الكلام، ثواني ونجهز عشان السباق.
ضيق "ثائر" حدقتاه بدهشة، ليردف مستنكرًا :
تجهزوا؟!!!... قصدك إيه؟

لتتعالي ضحكاتها المرحة، مردفة بسعادة :
يعني يا أخو زوجي العزيز... إننا البنات كمان هنجهز... إنت ما تعرفش إننا التلاتة فارسات وبنركب خيل، بس أنا الوحيدة اللي إشتركت في بطولة الرجال وأخدت اللقب من الأستاذ الفارس أخوك، لكن "همس"، و "ديدا"، رفضوا يدخلوا حتى بطولة السيدات.
نظرات إعجاب يحاوطها بها "ثائر" فلا زال يستكشف حياتها السابقة، ليردف بهيام :
بتركبي خيل؟

لتشتعل وجنتاها خجلًا، فنظراته تلك دائمة إهلاكها، لتحمحم هامسةً :
إحممم... بركب خيل.
غادر "ثائر" إلى غرفته لتبديل ثيابه إلى ثياب الفروسية، وتتبعه "همس" لتبدل ثيابها هي الأخرى.

دقائق وكان الشباب والفتيات بإسطبل الخيل، ليتجه كل من عائلة "السيوفي" إلى جواده الخاص، ويبدأ بالتربيت على رأسه ومداعبة خصلات شعر تلك الأحصنة العريقة، ليتبادلوا مع خيولهم نظرات الإشتياق والترحيب، وسط نظرات إعجاب ودهشة من الفتيات، فذلك المشهد يقسم بأن عصر الفرسان لازال قائم بل أنهم أعظم فرسان الحكايات.

ركض "عمر" نحو أحد الخيول، ليبدأ هو الآخر بالتعرف إليه وسط صهيل الترحيب من الحصان، لتلتقط "همس" هاتفها من جيب بنطالها، وتبدأ بإلتقاط صور مجمعة لأربعتهم سويًا وسط نظراتها العاشقة لفارسها المتيم، ونظراتها الحانية لفارسها الصغير.

إلتفت نحوها "ثائر" ليُشير بيده نحوها وإبتسامته العاشقة تكسو ملامح وجهه، لتضع هاتفها أعلى تلك الشرفة الصغيرة التي تتوسط حائط الإسطبل، وتخطو نحوه بخجل جليّ، لتقدم يدها نحوه فيلتقطها بحنو، ويقترب بها من رأس الحصان لتتلمسه بحنان وثقة، فيردف "ثائر" بعشق :
دي "همسي" يا "مارنجو" .

ضيقت عيناها مندهشة من هذا الإسم، لتردف بإستغراب :
"مارنجو"!!!
أومأ لها برأسه، ليردف مؤكدًا :
دي حكاية كبيرة قوي، تقدري تقولي كان عشقي الوحيد لحد فترة قريبة، بقا شريك "همسي" في قلبي.
إبتلعت ريقها بتوتر، لتحمحم متلعثمة:
وعيناها ذائبة بسحره الخاص :
فرصة سعيدة يا "مارنجو".... على فكرة أنا عارفة إن ده إسم حصان" نابليون بونابرت".

إتسعت إبتسامته العاشقة لكل ذراتها، ليردف بهمس :
تؤ... ونفس السلالة كمان، يعني ورينا فروسيتك.
لتجد يداه القوية تحاصر خصرها النحيف وتحملها إلى أعلى بخفة حتى إستقرت أعلى ظهر "مارنجو" وسط دهشتها التي لم تعد تستنكرها قط، فطالما أصبحت همس الثائر فأصبحت كل دهشة بالنسبة لها حياة.
ربت "ثائر" بيده الحانية على ظهر "مارنجو" ليردف بجدية :
"همس" أغلى عشق في حياتي، يعني تاخد بالك منها وتكون هادي... وبلاش تهورك ده .

أومأ الحصان برأسه صاهلًا بتأكيد، ليمطتي "ثائر" حصانًا آخر، ويبدأ كلاهما بالركض التدريجي خارج الإسطبل.
إلتفت "خالد" بأنظاره نحو "ضحي" ليرمقها بتحدٍ سافر رافعًا أحد حاجبيه بتحفز، ليردف متهكمًا :
أعتقد فيه بينا سباق ماكملش!
خطتت نحو الحصان بكبرياء فارسة متوجة، لتلتقط لجام الحصان وتقفز أعلاه بإحترافية ومهارة، لتضرب باطن الحصان بساقيها بخفة لينطلق مهرولًا خارج الإسطبل، هاتفةً بتحدٍ:
ورينا شطارتك يا فارس الفرسان.

ضرب "خالد" كفيه ببعضها البعض، مردفًا بإستنكار :
بنت المجانين أخدت حصاني وجريت، بس والله ما هسيبك يا "ضحي".
إمتطي "خالد" جواد آخر صارخًا بحماس :
إركب الحصان وتعالي ورايا يا "عمر"، هلحق أنا بنت المجانين دي، وإنت حصلني.
وإمتطي "عمر" هو الآخر جواده بمساعدة "حاتم" و "هايدي" التي إمتطت هي الأخرى جواد وصاحبت "عمر" بالخروج من الإسطبل، ولحق بهما "حاتم".

ربتت "هيا" على رأس جوادها بشرود لتجد من يقترب نحوها، بنظرات محملة بعشق دُوّنَ بين ثنايا القلب والروح، ليهمس بوله :
بحبك.... عايز أكمل حياتي معاكي لآخر نفس فيّا، وعمري ما تخيلت حياتي من غيرك، والفترة اللي فاتت من حياتي كانت صعبة عليا، عشان كده مقدرتش أشيلك همومي.

لمعت تلك الدمعات المتمردة بحدقتاها، لتستدير بكامل جسدها فتصبح مقابلة له. تعقد ساعديها أعلى صدرها، لتردف بكبريائها الشامخ :
والله.... وإنت مين إداك الحق أنك تقتحم حياتي وقت ما تحب وتسبها وقت ماتحب؟!
أنا رافضاك يا "حمزة"... يعني مش شايفة حياتي معاك ولا حاجة، يعني مش هكمل حياتي معاك.
إعتصر ذراعيها بقبضتاه القوية، ليردف بغضب جامح :
إيه الهبل اللي بتقوليه ده؟!

يعني إيه رفضاني؟!... يعني إيه مش هتكملي معايا؟
دفعته بعيدًا عنها بغضب، لتصرخ بعصبية جامحة :
أيوه رفضاك يا" حاتم".... ما أنا مش لعبة بين إيديك تقربها وقت ماتحب وتبعدها وقت ماتحب..... مش عشان شوية هلاوس متخلفة في دماغك تعاملني المعاملة دي.
دفعها بقوة غضبه للخلف حتى إلتصقت بذلك الحائط البارد، ليردف بنبرته المشتعلة :
لعبة في إيدي؟!!! لعبة في إيدي!

إنتي عارفة أنا كنت بموت إزاي وإنتي بعيد عني؟!!
عارفة كنت بموت إزاي وإنتي زعلانة بسببي؟!!
عارفة كنت بموت إزاي وإنتي مفكرة إن فيه حاجة بيني وبين "ملك"؟
بس كان لازم أجيب أخرها وأكشفها، بس طلعت في الآخر أهبل ومش عارف حاجة، كنا كلنا لعبة في إيد إخواتك.
عارفة يوم ما قولتي إنك هتسافري وتبعدي روحي كانت بتروح مني لمجرد التفكير في البعد ده...!

عارفة إني كتير كنت عايز أجرى عليكي وأرمي همومي في حضنك، بس كنت بخاف إنك تتوجعي عشاني.
سيل من الإعترافات الغاضبة وسط صدمة وذهول إمتزجت به بعض السعادة، ليزيد بريق دمعاتها فرحًا، لتهتف بعشق :
بحبببك... بحبك يا "حمزة".

ركضت مهرولة لتغادر الإسطبل تحت نظرات معشوقها المتيم، تتسع إبتسامته العاشقة ليفرد ذراعيه جانبًا طارحًا رأسه للخلف، ليترك العنان لجسده بالتهاوي أعلى تلك الأعشاب الجافة التي تتغذي عليها الدواب، ليرفع أنظاره نحو سقف الإسطبل صارخًا بعشق :
بحبببك يا "يوكا "... بحبك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة