قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثالث

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثالث

نهار يوم جديد محمل بالسعادة والراحة لبعض، وربما يكون محمل بالشقاء والصدمات للبعض الآخر، فالحياة لا تُرضي جميع الأطراف.

قصر السيوفي
أنا حرة... اللي عايزة أعمله هعمله...
مش فارق معايا.
أنا حرة... اللي عايزة أعمله هعمله...
مش فارق معايا.
أنا حرة... اللي عايزة أعمله هعمله...
مش فارق معايا.

ترددت تلك الكلمات بذهنه لمراتٍ ومرات عديدة، ليضغط زر السرعة أكثر وأكثر، فيزداد لُهاثه أكثر، وتنفر عروقه بغضبٍ حانق. زينت حبيبات العرق كامل جسده بجاذبية وقوة، إشتعلت تلك الحمم البركانية بمقلتاه، لتتلاطم دقاته بإستجداء، فمجهوده الزائد تجاوز أقصى طاقتها.
مجهود إن إستمر به، فإنفجارها مؤكد لا محالة.

دقات خجولة داعبت باب الغرفة، لتخرجه من ثورته المُهلكة، فيقلل السرعة تدريجيًا، ليهتف بلهاث:
أدخل.

دلفت بإبتسامتها العذبة التي دائمًا ما تزين ثغرها الصغير، وفستانها الوردي القصير حتى أسفل ركبتيها بقليل، مطلقة العنان لشعرها البني المموج، فيفوح شذاها بالأنحاء، لتردف بعذوبة:
صباح الخير يا أبيه.

أوقف الجهاز الرياضي تمامًا، مُلتقطًا منشفته الصغيرة ليجفف جبينه بإرهاق جامح، محاولاً ضبط تنفسه بهدوء، ويترجل عن الجهاز، ملتقطًا زجاجة مياه صغيرة، ليرتشف بعضها على مهلٍ، مبتسمًا بحنان، وأردف:
صباح الفل يا قلب أبيه، أخبارك إيه النهارده؟! نمتي كويس؟!

إتسعت إبتسامتها العذبة، وتراقصت السعادة بمقلتاها، فهي إسشعرت وجوده قربها طيلة الليل، حتى إطمئن عليها، وإنتظمت أنفاسها مُعلنةً إستسلامها للنوم بعد مقاومة مُميتة منها، كي تستشعر قربه، وأمانه الذي دائما مايدفعها لمحاربة الحياة والإنتصار عليها، فأردفت برضا:
الحمد لله... من زمان مانمتش بإسترخاء كده... شكرًا يا أبيه.

إقترب منها بخطى هادئة، ورفع يده نحو رأسها، ليجذبها نحوه بمحبة، مقبلًا إياها بحنان أخوى، وأردف بود:
إنتي أختي الصغيرة يا "يوكا"، يوم ما تحتاجيني مجرد ما تفكري بس ... تلاقيني في ضهرك... بس عايزك قوية، صلبة، ماتخفيش من أى حاجة، لأن إخواتك كلهم في ضهرك.

:أكيد طبعا كلنا في ضهرها.
إلتفتا سويا ليجدا "حمزة" بطالته الخاطفة للأنفاس، بكامل وسامته، ورجولته، بتلك الحِلة السوداء، وشعره المنمق بجاذبية، وعبير عطره الآخاذ، فيقترب منها واضعًا يده حول ذراعيها، مكملًا بإبتسامته المهلكة لها:
دي أميرتنا الجميلة.

تعالت صيحات الإستغاثة من ذلك القلب الملهوف، طالبًا الرحمة من قُربه المهلك _ إن لم يبتعد قليلًا سأقفز من موضعي لأحتضنه بعشق، ليخمد ثورتي العارمة_.
رفعت عيناها صوبه بوله، لتتلاقي مع عيناه الآسرة لها، فتذوب كقطعة جليد إقتربت بتهور من بركان ثائر، فإنصهرت، بل كادت أن تتبخر.
أما هو فنظراته غامضة، لم تستطع فك طلاسمها، أو الغوص في أعماقها، دائما ما كانت نظراته لها حادة، ثابتة، جدية، ليردف بثبات:
ولا إيه يا "يوكا".؟

أجمعت قواها الخائرة بثبات، لتتنهد بهدوء، مردفةً:
أكيد يا "حمزة"،إنتوا دايما السند ليّا، ودايما في ضهري تقوني، وتساندوني .
لتهرب بنظراتها نحو "ثائر" بإبتسامتها المتوترة:
بعد إذنك يا أبيه، أنا هروح أشوف طنط "نجلا".
أومأ "ثائر" برأسه مرة واحدة قبل أن يردف:
إتفضلي "يوكا"، وزي ما إتفقنا.

لتركض هاربة من قربه القاتل، قبل أن تفضحها نظراتها الممزوجة بدمعاتها المتمردة.
تابعها "ثائر" بنظراته حتى إختفت عن الأنظار، ليلتفت بأنظاره نحو "حمزة"، ويردف مستنكرًا:
رايح فين بدري كده؟!، الساعة لسه سبعة.
زفر "حمزة" زفرة نارية، ليرمقه بنظرات غامضة، مردفًا بثبات:
رايح الشركة.

إلتهمت علامات الدهشة، الإستنكار ملامح "ثائر"، ليعقد جبينه مردفًا:
الشركة؟!
حمحم "حمزة" ليحول مجري الحديث، مردفًا:
خالد لسه ماوصلش؟!
فيُجاريه "ثائر" في الحديث، لتيقنه من رغبة شقيقه في التهرب بحديثه في الوقت الحالي، وتأكده أن هناك سبب قوي وراء ذلك الذهاب المبكر للشركة:
جاي في الطريق، حضر حفلة "جي لو" واستجم يومين العيد، وأخيرا أفتكر إن له أهل يسأل عليهم.

أردف "حمزة" بضيق:
حياة "خالد " مش عجباني، سفر، وسهرات، حياة مش طبيعية، ولا عمره فكر ينزل معانا المجموعة ويساندنا في الشغل، مع إنه ذكي ومجتهد.
شرد "ثائر" بالفراغ أمامه بغموض، هامسًا بخفوت:
هيتظبط إن شاء الله.

غرفة "نجلاء"
إرتدت إسدالها، لتتوجه نحو سجادة صلاتها، و تقف بين يدي ربها بخشوع، مؤدية فرضها بتضرعٍ.
وما إن إنتهت من صلاتها حتى بدأت بالدعاء لأبنائها "ثائر" و "حمزة" بالهداية والتوفيق والسداد في الرأي، وأن يرزقهما الله بالزوجات الصالحات.

كما دعت الله لـ "خالد"و "هيا" كذلك بالهداية، والصلاح، وأن ينير الله لـ "خالد" له طريقه، و يفرق بينه وبين أصدقاء السوء، وأن يثبته الله في طريق الحق، وأن يرزق "هيا" الزوج الصالح الذي يسعدها، ويكون لها خير السند.
وتشدد في دعائها ورجائها من الله أن يرد إليهم الغائب...

قاطعتها دقاتها الخجولة، فتأذن "نجلاء" لها بالدخول، مردفةً:
أدخلي يا "يوكا ".
فتحت "هيا" الباب ودلفت إلى الغرفة بسعادة غامرة، لتدنو منها وتجلس جوارها، فتفتح "نجلاء " ذراعيها بحنان، وتحتضنها، مربتةً على ظهرها، هامسةً:
أميرة عيلة "السيوفي" أخبارها إيه النهاردة؟

شددت "هيا " من إحتضانها، مردفةً بسعادة:
الحمد لله.. كويسة يا "نوجا" .
لتبتعد عنها قليلًا، وتدنو بجذعها واضعةً رأسها أعلى فخذها، فتسري تلك الطمأنينة بأوردتها، فرفعت عيناها نحو عينا "نجلاء" مردفةً:
عارفة يا "نوجا"... أبيه "ثائر" ماسبنيش لحد ما روحت في النوم.

داعبت "نجلاء" خصلات شعر "هيا" بحنان أم محبة، هامسةً بصوت مسموع:
ما إنتي أختهم الصغيرة يا "يوكا"...
لتهب "هيا" من موضعها، و تجلس في مواجهة "نجلاء"، وعلامات الغضب تأكل ملامحها، فتهتف بحنق مقاطعةً كلمات" نجلاء":
إيه حكاية إخواتي اللي كلكوا بتقولوها دي؟!
مش إخواتي يا "نوجا" !.. أخويا "خالد"، والتاني اللي مشي وسابني ومسألش فيا، ولا فكر في بعده هكون عاملة إية؟!

ضيقت "نجلاء" عيناها بمكر، فهي تستشعر مدى عشقها لولدها، دائما ما ترى نظراتها الولهة له، وإشتعال وجنتاها قربه، لتردف بخبث:
ليه يا "هيا"؟! "ثائر" مش أخوكي؟!
حركت رأسها كثيرًا رافضةً سؤالها، قبل أن تهتف:
لأ طبعًا... أبيه "ثائر" أخويا، وإنتي عارفة أنا بحبه إزاي، دا أنا مابحسش بالآمان غير بوجوده، وأي حاجة في حياتي برجع له فيها الأول، عشان متأكدة من حبه وخوفه عليا...
لتقاطعها "نجلاء" بذلك السؤال الماكر: و"حمزة"؟

راقبت تحول ملامحها إلى عاشقة، متيمة، ولهة، ببريق حدقتاها الصارخة بعشقه، وحمرة وجنتاها الخجولة، تسارع دقاتها التي تصم أذانها.
لتهمس بتنهيدة حارقة:
"حمزة".
لتقترب منها "نجلاء" بهدوء، هامسةً جوار أذنها بمكر مبطن:
أيوه "حمزة"! .

همست "هيا" بهيام:
ده اللي كبرت معاه، وكبر عشقه جوايا كل يوم أكتر من اللي قبله، ده اللي شايفة أيامي الجاية معاه وبيه وفـ حضنه، ده النفس اللي داخل جوايا ونفسي أحبسه في صدري لآخر العمر .
"حمزة" عمري ماشوفته أخ ليا، بالعكس دايما شايفاه حبيبي...

تنهدت "نجلاء" بسعادة لإعتراف تلك العاشقة، فلطالما تمنتها زوجة لإبنها، فأردف بخفوت:
هاااا... وإيه كمان؟!
إنتفضت "هيا" من عالمها الحالم، لتهبط إلى أرض الواقع، مردفةً بفزع:
"نوجا"... إنتي هنا؟!
لتجذبها نحوها و تحتضنها بحنان الأم، مربتةً على ظهرها، وأردفت:
للدرجة دي بتحبيه؟!

إنهمرت شلالاتها، وتعالت شهقاتها، مردفةً:
بحبه!.. دي كلمة ماتوصفش إحساسي بيه،
بس للأسف هو مش حاسس بيا، ولا عمره هيحس، ولا هيشوف حبي وعشقي ليه، لأنه شايفني أخته وبس.

ربتت "نجلاء" على كتفها بحنو، لكن تلك القبضة القوية إعتصرت قلبها بقسوة، لتفر دمعة هاربة من مقلتاها، و تنهدت بقلة حيلة، فهي تعلم أنه لا سلطان على القلوب.

"السيوفي جروب"
صفّ "حمزة" سيارته بهدوء، ليترجل عنها بثباته المعهود، ويخطو بخطواته الرزينة، مبتسمًا إبتسامته الخلابة مُلقي التحية إلى أفراد الأمن الذين باتوا لا يتعجبون من زياراته الغريبة، فالشركة خاوية، لم يحضر إليها أحد بعد، والوقت مازال مبكرًا على حضور أحد للعمل.

توجه نحو مكتبه بنظراته الغامضة، ودلف إليه غالقًا بابه بهدوء، ليستند بجذعه على الباب زافرًا زفرة قوية.
خطي بضع خطوات واثقة حتى وصل إلى مقعدة، فإحتله بإسترخاء، محركًا إياه يمينًا ويسارًا بتنهيدات هادئة، وأغلق عيناه بهدوء وثبات.
إنفتحت تلك النافذة بقوة لتصطدم بالحائط بضجيج صاخب، فيسري تيار هوائي شديد، مبعثرًا أوراقه بالأنحاء.

فتح "حمزة"عيناه بثبات، لم يتحرك إنشًا واحدًا، حتى لمح طيف فتاة تخطو نحوه ببطئ شديد، مرتدية فستانها الأبيض، تتطاير خصلات شعرها الأسود حولها بمشهد مفزع، ترمقه بنظرات غامضة، غاضبة، لائمة، غير مفهومة، وترفع يدها نحوه بهدوء محاولةً جذبه نحوها بسعادة.

زفر زفرة هادئة واضعًا كفاه أعلى سطح المكتب، ليهب واقفًا بغموض، خاطيًا نحوها بخطوات ثقيلة، فيقترب منها تدريجياً، حتى أصبحت بمواجهته. رمقها بنظراته الثاقبة واضعًا يداه بجيبي بنطاله، لحظات وتدق الباب تلك الدقات العالية، لكن تلك المرة لم يلتفت نحوها قيد أُنملة، ليشاهد إنصراف تلك الروح المُعلقة.

شقة "عبد العزيز".
إجتمعت الأسرة حول طاولة الطعام ليتناولوا طعامهم بسعادة ودفء، فتتناول "همس" فطورها مسرعةً، ليردف والدها مستنكرًا:
إيه يابنتي؟! حد بيجري وراكي... براحة الأكل مش هيطير، خدي نفسك.
إبتلعت طعامها بصعوبة، لتلتقط كأس مياه وتتجرعه دفعة واحدة، وتبتلع كل ما بحلقها من طعام، مردفةً:
يدوب يابا ألحق عم "إبراهيم" موصياه على نوع زهور جديد، وميعاد إستلامي ليه النهارده، يعني لازم أروح بدري قبل ما حد يسبقني وياخدهم.

أردف "عبد العزيز" بإصرار:
خدي "عمر" معاكي، ماتروحيش لوحدك.
ليقاطعه "عمر" بأسف:
ياريت ياوالدي... بس عندي درس وأتأخرت عليه والله... يادوب ألحق.
ويلتفت نحو شقيقتها، مكملًا:
معلش يا "همس"... ممكن تأجلي الميعاد.
أردفت "همس " بإبتسامتها الباشة:
ولا يهمك ياحبيبي.. روح درسك، أنا هروح عشان الميعاد مش هينفع يتأجل، وبعدين ده المشتل قريب مننا... ساعة بالكتير أكون روحت وجيت بالسلامة.

نهض "عبد العزيز" من مقعده، ليرفع ساعته مقابلة لعيناه، ويردف:
تعالي أوصلك ياحبيبتي قبل ماأروح الشغل، لسه نص ساعة على ميعاده.
نهضت "همس" مردفة بسعادة:
ثواني يا "زيزو" هجيب شنطتي وآجي .

ليعلو رنين هاتفه، لإبلاغه عن مشكله بالعمل، ووجوب إسراعه للتدخل بحلها، فيعتذر منها لعدم تمكنه من الذهاب معها أو توصيلها.:
معلش يابنتي لازم أروح الشغل حالًا.
إقتربت "همس" من والدها بإبتسامة رقيقة، لتطبع قبلتها على وجنته، مردفةً بمشاكسة:
ولا يهمك يا "زيزو"، هروح لوحدي، وبعدين إنت مخلف رجالة، وكمان ما أنا بروح الجامعة لوحدي كل يوم

لتبتعد عنه قليلًا، وترفع رأسها بتباهي، جاذبةً طرفي ياقتها بكلتا يداها، هاتفةً:
وبعدين بنتك بكرة تبقى مذيعة مشهورة، ويبقى عندي معجبين، ويشاوروا عليا ويقولوا المذيعة الشهيرة أهي، ويجيوا يتصورا معايا كمان.

قبّل "عبد العزيز " جبين إبنته برضا، وفخر، داعيا المولى عزوجل أن يحفظها ويحقق أحلامها وأمنياتها هي وشقيقها "عمر"، ويغادر متوجهها نحو عمله.
لتلملم "حنان" بقايا الطعام، مردفةً بنصح:
ماتتأخريش يا "همس "، وتليفونك على طول مفتوح، ويكون متاح، وأول ماتوصلي عند عم "إبراهيم " تتصلي بيا،
ولما تخلصي تتصلي بيا... فاهمة.

إقتربت "همس" منها لتداعب وجنتاها بمشاكسة، مردفةً:
حاضر يا "نونا"... أي تعليمات تانية يا باشا .
أردفت "حنان" بتفكير:
لو إفتكرت هتصل بيكي،
لتلتفت نحو "عمر" مرددةً:
وإنت برضه... تليفونك مفتوح... أكلمك ترد عليا، حتى لو في الدرس... تخلص تكلمني.. فاهم.

"عمر" بتأفف:
ياماما أنا بقيت راجل... يعني مش صغير عشان المحاضرة دي كلها.
لتلكمه بخفه في صدره، مردفةً بضيق:
بقيت راجل على أمك يا واد.
إحتضنها "عمر" بحنان، مقبلًا رأسها، وأردف:
لو بقيت راجل على الدنيا كلها، عمري ما أبقى راجل عليكي يا ست الكل...
لتحتضن "حنان" أبنائها بسعادة ممزوجة بالخوف والترقب للقادم.

"السيوفي جروب"
دلف "ثائر" إلى الشركة بخطي ثابتة، واثقة، بطالتة المُهلكة، وشذاه العابق، ليتوقف العالم به للحظات، فترمقه هذه بنظرة إعجاب شديد، لوسامته وجاذبته وغموضه، وترمقه الأخرى بنظرات عشق ملتاع، وأخرى بنظرات حقدٍ دفين.

رمقه هذا بنظرات إعجاب لذلك العقل المدير لهذا الكيان، وآخر بنظرات غيرة وحسد لما وصل له بهذا السن الصغير،
وآخر بنظرات كارهه لإنجذاب الفتيات نحوه.
لتخرجهم دقات خطواته من خيالاتهم إلى واقعهم.

توجه نحو مصعده الخاص الذي يُقله إلى قمة الهرم، فمن غيره يستحق أن يعتلي تلك القمة؟!
ليتوقف المصعد به، ويغادر قاصدًا مكتبه، فيجد سكرتيرته الحسناء بإنتظاره، فاتحةً له باب المكتب حتى دلف وتبعته إلى الداخل، لتملي عليه التقارير الخاصة بالعمل.

وضع نظارته الشمسية، ومفاتيح سيارته أعلى سطح المكتب، ليجذب المقعد الجلدي قليلًا فاتحًا أزرار حلته، ويعتليه بكبرياء، لتبدأ "هند" ( فتاة جميلة ببداية العقد الثاني من عمرها، مخلصة في عملها، لكنها تعشق ذلك "الثائر".)
بسرد تفاصيل التقارير ومواعيد العمل والمقابلات العملية، ولا مانع من إختلاس نظراتها العاشقة له بين الحين والآخر، إلى أن إنتهت من جميع تقاريرها.

إزدادت معالم الجدية على وجهه، فأردف بصرامة:
الإجتماع كمان ساعة، أكدي على كل المديرين، وإتصلي بأستاذ "حمزة" بلغيه إنه فيه إجتماع في مكتبي بعد عشر دقايق.

دونت "هند" تلك الملحوظات بدفترها بعملية وجدية، لتردد:
أي أوامر تانية يافندم؟
أشار لها برأسه قبل أن يردف بنفس الصرامة:
لا... إتفضلي على مكتبك... قهوتي وقهوة أستاذ "حمزة" توصل لنا قبل الإجتماع.

أردفت" هند" بعملية:
تحت أمرك يا فندم... بعد إذنك،
لتغادر المكتب بهدوء، غالقةً الباب بنفس الهدوء، وتستند على بابه مطلقةً تنهيدة حارة، وتهمس بعشق:
إيه ده!
بحب قمر... بس لو يحس بيا... لكن بقالي ٣ سنين مرمية قدامه ولا عمره فكر يبصلي بصه واحدة... مش عارفة إيه ده؟!... قلبه حجر، مابيحسش.

فتح "ثائر " حاسوبه ليبدأ العمل بجدية وإحترافية لا مثيل لهما.
فسنوات جهده في تأسيس ذلك الكيان لم تضع هباءًا، بل أتت ثمارها الطيبة.

رفع عيناه متأملًا ذلك المكتب، وتلك الأريكة التي لطالما جلسا عليها سويا، ليلتفت نحو تلك الطاولة التي دائما ما إحتلا طرفاها ليكملا بعضهما البعض حتى وإن كان "ثائر " هو الأقوى والأكفأ والأحق بالإدارة، ولكن هو أيضا له قوته وذكائه الخاص، لكنه تخل عن كل هذا تخل عن رفيق دربه، وشريك رحلته، وصديق عمره.

لتخرجه دقات رزينة، يليها إقتحام "حمزة" للمكتب، تتبعه "هند" بفنجاني قهوة، لتضعهما أعلى طاولة الإجتماعات بناءا على إشارة "ثائر"، وتغادر بعدها المكتب بهدوء .
توجه "حمزة" نحو مقعده على الطاولة، ليتبعه "ثائر" محتلاً مقعده هو الأخر، مردفًا بثبات:
عملت إيه؟!

إبتسم "حمزة" إبتسامة جانبية ساخرة، مردفًا بتأكيد:
زي ما توقعت بالظبط.
إلتقط "ثائر" قهوته ليرتشفها بإستمتاع، مكملًا حديثه:
وعملت إيه في أرض العلمين الجديدة ؟
أجابه "حمزة" بجدية:
كله تمام، والإجراءات كلها خلصت، بس لازم تسافر عشان المعاينة وتوقيع العقود، وبكده نبدأ في العمل بالمشروع بمجرد توقيع العقود وإستخراح التصاريح.

طالع "ثائر" الحاسوب أمامه، ليستخرج بعض البيانات الخاصة، ويردف:
مشروع أسوان إنتهى، والإفتتاح آخر الأسبوع، جهز نفسك عشان تسافر وتحضر الإفتتاح مع المحافظ.
هتف "حمزة" بجدية:
أوك تمام... بس عندنا مشكلة؛ الشحنة اللي مستوردنها موقفنها في الجمارك وبيماطلوا في تصاريح خروجها.

لتشتعل نيران الغضب بمقلتاه، و يضرب سطح الطاولة بقوة يداه، صائحًا:
يعني إيه بيماطلوا؟!
أومال ساعة القبض مابيماطلوش ليه؟!، ده أنا بدفع فلوس عشان آخد حقي، وأنجز مصالحي... عمومًا إتصل برجالتنا في الجمارك خليها تخلص الموضوع ده.
ليضيق عيناه بغموض، هامسًا بخفوت: وبعدين نبقى نشوف حل... أكيد فيه حد بيلعب من ورانا، وقاصد يعطلنا!

غادرت "همس" منزلها لتستوقف سيارة أجرة تقلها إلى مشتل الزهور (هو مكان متخصص لإنتاج وإكثار نباتات الزينة والزهور المختلفة)، لتحضر الزهور التي إتفقت عليها مع "إبراهيم "، بعد قرابة الربع ساعة، تتوقف السيارة، لتترجل عنها بعدما أعطت السائق أجره الذي طلبه.

خطت بضع خطوات، وهبطت عدة درجات إلى أن وصلت إلى جنة من الزهور، فأخذت تستنشق عبيرها بسعادة، وتقترب منها بحرص محدثةً إياها بإسترسال:
الله... معقول الجمال ده!
كل ما آجي هنا إنبهاري يزيد بالجمال والألوان والعطور الروعة دي.
إنتوا عالم، عشق، إدمان، إنتوا جنة.

لترتسم إبتسامة صادقة على وجه ذلك الرجل الذي تفنن الزمن في نحت ملامحه، ليقترب منها، مردفًا:
جاية بدري، قبل ميعادك بنص ساعة، كنت متأكد أنك مش هتستني لما أتصل بيكي.

إستدارت كليًّا نحوه، وفراشات السعادة تحوم حولها لتزينها بهالة من الضوء، فتردف:
صباح الفل ياعم "إبراهيم"، بعدين إستني إزاي يعني؟!
مجرد ما كلمتني إمبارح وأنا بتخيل جمال الزهور دي، بتخيل مكانها فين بالظبط في "عالم همس" والتناغم بينها وبين أصحابها هناك.

أردف عم "إبراهيم" بإبتسامته الحنونة:
وأنا طول عمري بقول مستحيل حد يعشق الزهور أكتر مني، طلعتي أنتي سابقاني بكتير يا بنتي.
ليتنهد براحة: تعالي يابنتي شوفي وأختاري اللي يعجبك.

إتجها سويا نحو ركن خاص بالمشتل يحتوي على مجموعة نادرة من الزهور الرائعة.
لتختار "همس" ما ينتقصها، وتغادر حاملة إياها بحرص أم حنونة، خائفةعلى صغيرها .

إنتظرت "همس" لإستوقاف أي وسيلة نقل للعودة إلى مسكنها، لكن لا فائدة من ذلك، بدأ الحنق يتسلل إلى أوردتها، أخذت تلتفت يمينًا ويسارًا بتذمر، ليستوقفها ذلك المشهد المستفز، شاب يضرب فتاة صغيرة لم تتجاوز السادسة بعد، ينهال عليها بوحشية بتلك العصا الخشبية الغليظة، تبكي الفتاة بكاءًا أدمي قلب "همس "، تتوسل له البنت أن يعفو عنها ويسامحها، أن يتركها لأجل الله، تقسم ألا تعيد ذلك الخطأ مرة أخرى، إلى أن خارت قواها وكادت أن تفقد وعيها.

ركضت "همس " نحوهما بألم إعتصر قلبها، وغضب نهش أوصالها. تحاول أن تخلض الفتاة من بين براثنه، لكنه لا يستجيب لكلامها، فتنحي أزهارها جانبًا، وتلتفت له بغضب ثائر، صارخةً:
حرااام عليك اللي بتعمله في البنت ده، إيه ماعندكش شوية رحمة، سيبها.

صرخ في وجهها بوحشية:
إنتي مالك! بنتي وبربيها، ماتدخليش إنتي، وإمشي من وشي.
لكن الفتاة ترمقها بنظرات توسل إن تنفذها من بين يدي والدها، لتتمرد دمعة دامية من مقلتاها، فترمق ذلك الوحش بتحدٍ سافر، جاذبة الفتاة خلف ظهرها، وتحميها بذراعيها الرقيقة، صارخةً بغضب:
يعني إيه بنتك؟!،... ده يعني يديك الحق إن تضربها بالوحشية والقسوة دي.

ضرخ الأب بغضب:
إنتي ماتعرفيش هي عملت إيه.
لتصرخ "همس ":
مهما كان اللي عملته، لازم يبقى في قلبك رحمة لبنتك، دي بنتك حتة منك، بكرة هي اللي تسندك وتقف جانبك.

رفع الرجل عصاه بقوة قاصدًا ضرب إبنته، لتهوي العصا على رأس "همس " وتبدأ الأرض بالدوران حولها، كادت أن تسقط أرضًا لتتلقاها تلك الذراع القوية، راكلًا ذلك الأب بركلة قوية في معدته، فينحني على إثرها متألمًا.
ساعدها على الوقوف بصلابة وثبات، ليدنو من الفتاة مبتسمًا يتلمس وجنتها بأنامله ليزيل دموعها الغزيرة. وزفر زفرة قوية، ليستقيم بوقفته ملتفتًا نحو ذلك الشاب فيلقنه درسًا لن ينساه يومًا.

جذب تلك العصا من يده بغضبٍ، وإنهال عليه بها بقوة، صارخًا بغضب وإستنكار:
إيه إتوجعت؟!
ليزداد في ضربه، مردفًا بتهكم وسخرية: ياراجل ماتبقاش طري كده، دا أنت بتضرب بيها البنت من الصبح، ومش راحمها، وحتى ماتوجعتش عشانها.

صرخ الشاب بتوسل:
أبوس إيدك كفاية، وبعدين دي بنتي وكنت بربيها.
ليزداد المنقذ في ضربه أكثر، هاتفًا:
وإنت أب مفتري وظالم، وأنا بربيك... ده لو التربية بالضرب!، فإسمح لي بالمهمة دي.

وإنهال عليه ضربًا حتى تفتت العصا بيده صارخًا:
إعتذر من البنت، وإعتذر من الأستاذة.
يومأ برأسه متألمًا، ليتجه نحو "همس " مطأطأً رأسه، فيردف:
أنا أسف يا أستاذة، ماكنتش أقصدك إنتي.

رمقه "همس" بجمرات قاتلة، مردفةً:
فعلا... كنت تقصد الطفلة اللي يدوب ست سنين.
لتلتفت نحوها وتدنو لمستوى طولها وتحتضنها بحنان، هامسةً:
حبيبتي.. فين بيتك؟

رفعت الفتاة ذراعها مشيرةً نحو مشتل مجاور لمشتل عم "إبراهيم"، وأردفت:
ساكنين في المشتل ده، أنا وبابا
لتتعالي شهقاتها: والله كسرت الزهرية غضب عني، كانت تقيلة عليّا ووقعت مني.

رفع ذلك المنقذ سبابته في وجهه محذرًا:
كل يوم هعدي عليك في المشتل، لو بس إشتكت منك في أي حاجة، مش هرحمك... فااااااهم.
تلبش جسده بخوف، ليهمس بتلعثم:
حاضر... والله ما هلمسها بعد كده.

إلتفت نحو الفتاة، ليمسد خصلات شعرها المبعثرة بإهمال، و تراب الأرض يلوثها ببذخ، كما لوث ثيابها البالية، فيردف بحنو:
إسمك إيه يا حبيبتي؟
فركت عيناها بأناملها الملوثة، قبل أن تردف:
"ياسمينا".
جذب يدها برفق، ليجفف دمعاتها بسبابته، مردفًا:
أنا هعدي عليكي كل يوم لو إحتاجتي أي حاجة تشاوري بس... هجيلك بكرة ومعايا حاجات حلوة كتير... ماشي.

أومأت "ياسمينا" برأسها عدة مرات، قبل أن تردف:
ماشي... هستناك يا عمو.
لتلتفت نحو "همس ":
وإنتي كمان يا أبلة هتيجي معاه.
إبتسمت "همس" بحنان، مردفةً:
أكيد يا حبيبتي... هجيلك على طول.

غادرت "ياسمينا" والإبتسامة تعلو وجهها الباكي، متجه نحو مسكنها البسيط، ليتبعها والدها مطأطأ الرأس.
إستقامت "همس " في وقفتها، لتبتسم بعرفان، مردفةً:
بشكر حضرتك جدًا يا أستاذ "حاتم" مش عارفة من غير وجودك كنت عملت إية؟
بادلها "حاتم " الإبتسامة، وأردف:
أنا اللي بشكرك على شجاعتك، ووقوفك في وش الظلم.

لتضيق عيناها بإستغراب: بس إيه اللي جابك هنا؟!
أشار بسبابته نحو بناية مقابلة لهما، وأردف بإبتسامة:
أبدًا يا ستي.. أنا فتحت مكتب هندسي في العمارة دي، ولمحتك من الشباك، فطبعًا ما ينفعش أقف أتفرج، فجيت أساعدك.
ليتسائل بتعجب:
بس إيه جابك هنا، وبدري كده؟!
لتقص له "همس" كل الحكاية، متبادلين الضحكات المرحة.

قصر السيوفي
إعتلت "فريدة " مقعدها بغرور، رامقةً "هيا" بنظرات غاضبة، هاتفةً بغضب:
وأنا قولت مفيش خروووووج، وأصحابك اللي دون المستوى دول... اللي مستغلينك وبتصرفي عليهم، تقطعي علاقتك بيهم، وإختاري أصحاب أرقى من كده شوية.

تلعثمت "هيا" في حديثها:
ب... بس يا "فريدة" هانم أنا ماليش غير صاحبة واحدة، وعمرها ما إستغلتني في حاجة، ولا عمري صرفت عليها جنيه، وبعدين دي بنت دكتور مشهور، ومعاهم فلوس، ومرتاحين ماديًا.

لترفع "فريدة" رأسها بتعالي، هاتفةً:
بس معندهاش أصل... مش بنت بشوات... بنت ناس عادية من عامة الشعب حتى لو معاهم فلوس الدنيا.

لتتدخل "نجلاء" بالحديث، محاولة التخفيف عن "هيا":
خلاص يا "يوكا" ممكن تعزميها هنا ياحبيبتي، وأنا هحضرلك الأكل اللي تطلبيه،
وقضوا اليوم سوا في الجنينة أو في أوضتك.

قاطعتها "فريدة" بصرامة، مردفةً:
البنت دي مش هتدخل القصر، معاتش غير الأشكال دي كمان.

لتقترب "نجلاء " من أذن" فريدة" بحرص، فتهمس ببعض الكلمات، لتهب "فريدة" من جلستها بغضب، تاركةً إياهما، وتبتسم "نجلاء" بإنتصار، لتستدير نحو "هيا" بإبتسامتها الحنية، مردفةً:
يلا يا حبيبتي... روحي أخرجي وإتبسطي مع صاحبتك، ولو عايزة تعزميها هنا، إعزميها في الوقت اللي يريحك.

إعتلت علامات الدهشة ملامح "هيا"، لتفتح ثغرها إلى آخره، وتتسع مقلتاها بذهول، هاتفةً:
إنتي قولتلها إيه يا "نوجا" خلاها تتحول كده؟!
ربتت "نجلاء" على كتفها بحنو، هامسةً:
المهم إنتي يا حبيبتي، شوفي صاحبتك وأخرجوا وإتبسطوا.
قبلتها "هيا" بسعادة، لتغادر بقفزاتها الفرحة، وضحكاتها المدوية بأرجاء القصر.

سيارة "خالد"
قاد سيارته بأقصى سرعة متاحة، ليتعالي رنين هاتفه، فيلتقطه بغضب، لإستكشاف هوية المتصل،و يلقيه جانبه بعصبية، لكن لم يتوان المتصل عن الإتصال، حتى أجاب "خالد" صارخًا:
عايز إيه ياسي زفت؟
قولتلك ميت مرة ماليش في العك ده، أنا عارف إني بسهر وبرقص و بسافر، لكن لحد الزنا، مستحيل أغضب ربنا للدرجة دي، وإنتوا شلة زبالة، وأنا بكره نفسي إني عرفتكم في يوم من الأيام.
ليلقي هاتفه على المقعد المجاور له مرة أخرى، وينطلق بسيارته.

لتخرج سيارة كبيرة من العدم تطارده بإصرار، في محاولة من السائق بالفتك بحياته وإنهائها، يراوغها "خالد" بإحتراف ومهارة.
لكن هذا ما يزيد السائق إصرار وعزيمة، ليتبعه بقوة، يرتطم به مرة، وينجو "خالد" مرة أخرى.

"السيوفي جروب"
ما زال الإجتماع قائم بين "ثائر" و"حمزة"، ومازالت الجدية والإحترافية مسيطرة على الأجواء، لتتعالي رنات هاتف "ثائر" الخاص بأفراد أسرته، يلتقطه بلهفة:
ده "خالد"!
ليفتح الخط، ضاغطًا أعلى مكبر الصوت: إنت فين ياااد؟!

فيستمعا إلى صرخات شقيقهما، وأصوات عالية حوله،
بعدها صوت إصطدام قوي مصحوب بصرخة قوية من أخيه، ينقطع بعدها الإتصال...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة