قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هدوء بعد العاصفة بقلم فاطمة حمدي و شيماء علي الفصل الرابع (حديث)

رواية هدوء بعد العاصفة بقلم فاطمة حمدي و شيماء علي

رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي

الفصل الرابع بعنوان: حديث

انقلب المشهد فجأة رأسا على عقب بعدما القى "فارس" ذاك الوغد أسفل قدميه وأخذ يسدده له الركلات المتتالية بكل مايمتلكه من قوة بينما وضعت "ليلى" كفها على فمها بذهول مما يحدث امامها فقد تلقي الشاب العديد من الركلات مما جعل الدماء تنفجر وبكثرة من أنفه فتدخل سريعا احد المارة ليفصل بينهما وبالفعل نجح في تخليص الشاب من اسفل قدميه ليهرب بعيدا وينجو بنفسه !.
بينما اخذ "فارس" يلهث بقوة من فرط المجهود الذي بذله معه فقد برزت عضلاته بقوة أثر إنفعاله الحاد ثم التفت لتلك الواقفة خلفه بخصلاتها المتناثرة بعشوائية علي وجهها وتطالعه برهبة !...

اخذت "علا " تتفحصها وهي تردد:-
-ليلى أنتي كويسه ؟!.
هزت رأسها بصمت دون ان تتفوه بكلمة فأقترب منهما لتهتف "علا " بإمتنان وهي تحيط كتف رفيقتها:-
-احنا مش عارفين نقول لحضرتك ايه ! احنا متشكرين بجد وووو
قاطعها بصرامه:-
-بدل ماتشكروني ياريت تبقوا تحترموا المكان اللي خارجين من بيوت أهاليكم عشانه !
هتف بذلك وهو ينقل بصره بيننهما مشيرا للزي المدرسي خاصتهما !..
ثم تابع بإحتقار:-
-وهما بعتنكم هنا عشان تتعلموا ملهمش ذنب في اللي بتعملوه ده ...

رفعت عيناها بصدمة لتقابله وقد لمعت بهما الدموع أثر حديثه الأذع وأخذت تهز رأسها بنفي قاطع دون أن تتفوه بحرف !
تحدثت "علا" بتوضيح:-
-انت فاهم غلط ااااده هو اللي ااااااا...
قاطعها مرة أخري بجمود:-
-عالعموم احمدوا ربنا انها عدت علي خير المرادي محدش عارف المره الجايه هيحصل ايه !..
ثم نظر "لليلى " الصامته ورمقها بنظرة طويلة ذات مغزي قبل أن يتجه لسيارته ويستقلها ليذهب بها بعيدا عنهما !..
شعرت بالبرودة تسري في جسدها وهي تري الجميع يشاهدها وهي تتلقي الحديث المهين لها ولعائلتها والأخص تربيتها ! فأخذت الدموع تتدفق من عينيها بغزارة ولم تتحرك من موضعها ...

 

-في أحدي الحارات الشعبية ...

أمطرت سيدة عجوز بقبلاتها الدافئة وأحضانها علي حفيدها الغالي الغائب منذ زمن ثم أبتعدت عنه قائلة بإشتياق:-
-ياااااه يافارس كل دي غيبه ياحبيبي !..
أبتسم وهو يلتقط كفيها ليقبلهما:-
-واديني رجعتلك ياست الكل، بس علي الله ماتزهقيش مني !.
رمقته مطولا بعتاب:-
-ازهق منك ! جالك قلب تقول كده ياحبيبي ده أنت الغالي أبن الغاليه طب هو انا عندي اعز ولا اغلي منك !...
ابتسم لها مجددا وانحني يقبل كفها المجعد بحب ومالبثت أن قالت بعدما نهضت من مكانها وامسكت عكازها:-
-تلاقيك علي لحم من بطنك من الصبح،انا هقوم اجهزلك الأكل اللي بتحبه !

نهض ليمسك بها قائلا:-
-انا واكل وزي الفل انتي بس أرتاحي !..
ثم نظر حوله بتفحص:-
-وبعدين هو أنا مش جبتلك بنت تساعدك في شغل البيت اومال هي فين مش شايفها ! ..
تحركت بعكازها وهي تهتف بسخط:-
-قطعت !هي دي بنات لا بتشتغل ولا بتنيل دي جايه تتمايص !..
ثم أردفت وهي تتجه للمطبخ:-
-وبعدين انا متعودة طول عمري اعمل شغل بيتي لوحدي مليش تقل علي دلع الخدامين ده وم !..

تنهد بصوت مسموع بعدما ولج خلفها ليخبرها:-
-انا مش عاوز غير راحتك، ومش عاوزك تتعبي في شغل البيت،مش كفاية انك مش راضية تيجي تعيشي معايا وتسيبك بقا من الحارة دي ..
أبتسمت بنقااء بعدما فتحت البراد:-
-انا زي الفل اهو، والحارة دي لو طلعت منها اموت يابني ده انا قضيت حياتي كلها فيها بحلوها ومرها ...
ثم أخرجت صحن الأرز باللبن الملئ بالمكسرات قائلة بود:-
-كأن قلبي حاسس أنك جاي قومت من الفجر وجهزتهولك ...

دنا منها ليلتقطه:-
-ده انا اللي محظوظ بقااا،أنتي ماتعرفيش وحشني الرز باللبن بتاعك قد ايه ؟!.
ثم جلس علي الطاولة القديمة المتواجدة في المطبخ وبدأ في إلتهامه فتمتمت بخفوت:-
-بالهنا والشفا ياضنايا..
ثم جلست امامه علي الطاولة تطالعه بحب لم تصدق أن حفيدها ذو ال 10 أعوام صار رجلا راشدا ناضجااا ! تفرست في ملامحه لتجده اخذ الكثير من اباه ولم يرث من والدته شئ مطلقااا فكيف له أن يأخذ منها شئ وهي تركته في كنف جدته لتنعم هي بكنف رجل أخر غير أباااه !..

عند هذه النقطة أبتلعت ريقها بتوتر واخذت تفرك يديها ثم هتفت بحذر:-
-فارس هو انت رحت زورت أمك !...
توقف عن الطعام فجاءة وابعد الصحن من امامه وقد تبدلت ملامحه تماما لتحتل القسوة ملامحه !..
فقالت "العجوز " بإستعطاف:-
-دي مهما كان أمك يابني ماتبقاش قاسي عليها كده !
هدر بها بعنف:-
-انا اللي قاسي ولا هما كل واحد شاف طريقه ومحدش فكر فيا حتي هي رمتني ليكي وراحت اتجوزت ونسيت ان عندها أبن !..

العجوز:-
-يعني كنت عاوزها تعمل ايه ؟ هي مأجرمتش دي اتجوزت علي سنة الله ورسوله ولا كنت عاوزها تفضل من غير راجل !...
تهكمت ملامحه وبشدة:-
-لا ونعم الراجل اللي اتجوزته،بلطجي ورد سجون قد الدنيا !...
ثم تابع بثبات:-
-اوعي تفتكري اني زعلان منها لااا انا زعلان عليها انها رمت نفسها لواحد زي ده !...

نهي حديثه ونهض من الطاولة بضيق دون ان يتفوه بكلمة أخري فتمتمت الجدة بينها وبين نفسها:-
-ربنا يهديك ويحنن قلبك يافارس !

جالسه علي الرصيف تبكي وتشهق بقوة فالأول مرة تشعر بالخزي من حالها هكذا جلست بجوارها رفيقتها تحاول تهديئتها:-
-خلاص بقاا ياليلى اهدي مش كده !...
تحدثت من بين شهقاتها:-
-اول مرة حد يمد أيده عليا ياعلا،ده بابا الله يرحمه عمره ماعملها !
علا بشفقة:-
-الله يرحمه ياحبيبتي !..
ثم تابعت سريعا:-
-بعدين هو خد جزاته اهو،وخد علقة محترمة عشان يحرم يتعرضلك بعد كده ! ..

ليلى ببكاء:-
-بعد ايه ماخلاص اتفضحت والكل هيفتكر ان كنت علي علاقه بيه ولا انتي ماسمعتيش كلام الشاب اللي دافع عني !..
ثم تابعت حديثها الباكي:-
-انا اتفضحت ياعلا،ومن بكرا سيرتي هتبقي علي لسان كل اللي في المدرسة !
علا:-
-ماتقوليش كده وبعدين انتي ماعملتيش حاجه تخافي ولا تتكسفي منها وفي ناس كانت واقفه وشايفاااه وهو بيتعدي عليكي ..بس اهدي انتي وكل حاجه هتتحل ! ..
بكت أكثر وأكثر قبل أن تلقي نفسها في احضان رفيقتها !...

وقف في شرفة المنزل يدخن بشراهه وقد شمر عن ساعديه وفك ازرار قميصه العلوية ليظهر بجسد رياضي متناسق وبينما هو علي حالته هكذا ولجت إليه جدته العجوز وقد أعدت له فنجان القهوة تركته علي السور أمامه ووقفت قبالته قائلة:-
-ماتاخدش علي خاطرك مني يافارس،انت عارف معزتك عندي !..
القي سيجارته بإهمال وتناول قهوته بصمت لتتاابع بعدها:-
-وصدقني انا مش بدافع عنها عشان هي بنتي ولا اااااا..

قاطعها هذه المرة وقد ترك الفنجان جانبااا وحاوط كتفيها بحنو:-
-اولا أنتي مش محتاجه تدافعي ولاتبرري حاجه ومش مستني منك كده ثانيا هي برضه أمي زي ماقولتي وليها حق علياا،والحق ده هعمله عشانك أنتي ..أنتي وبس.. تمام
انفرجت أساريرها بقوة قائلة:-
-ربنا يجبر بخاطرك يابني زي ما أنت جابرني ..
أبتسم لها قبل أن يطبع قبلة علي رأسها ليقول بعدها بتنهيدة:-
-انا لازم أمشي دلوقتي وهبقا أجيلك في وقت تاني !..

ثم تناول سترته السوداء وأخرج منها مظروف أبيض ووضعه في يدها:-
-خلي دوول معاكي عشان لو احتاجتي حاجه !..
وزعت نظرها بين الظرف وبينه قائلة بحزن:-
-هو انت جاي تسبلي فلوس وتمشي تاني ؟! انا مش محتاجه حاجه يابني .انا محتاجه وجودك معايا زي زمان ونفسي ترجع تعيش معايا تاني بدل ما انا لوحدي بين أربع حيطان !

ثم أبتسمت بحرج وتمتمت:-
-ولا خلاص بيت الست العجوزه دي مبقاش قد المقام ولايليق بفارس بيه !..
تحدث سريعا بجمود وهو يشير بعينيه لأركان المنزل وقد أنكمشت ملامحه:-
ايه اللي أنتي بتقوليه ده ؟! البيت ده من غيره محدش كان عارف مصيري هيبقي ايه ولافين ! ..
أنهي حديثه لتمسك بكفه برجاء:-
-خلاص خليك معايا النهاردة،النهاردة وبس يافارس واوضتك زي ماهي مانقصتش حاجه كل يوم برتبها وبنضفها علي امل انك هتيجي،خليك ...
تنهد بصوت مسموع قبل أن يجذب تلك العجوز لأحضانه فتلك الوحيدة التي لايدير لها ظهره أبدا ...

عادت "علا" أخيرا إلي منزلها بعدما أوصلت رفيقتها وبعدما نجحت في تهديئتها فتحسنت حالتها كثيرا وقبل ان تلج للداخل لاحظت وجود سيارة فارهة تصطف أمام منزلهم عقدت مابين حاجبيها بتعجب ! فمنطقتهم لاتليق ابدا بنوعية هذه السيارات الفاخرة ولم تعتاد عليها ! وقفت لبضع ثوان بذهول وأعجاب ثم رفعت كتفيها بدون اكتراث وولجت لمنزلها !...

خرجت من المرحاض متجهه إلي غرفتها سريعا حتي لايلاحظها أحد ثم أغلقت الباب خلفها وازاحت تلك المنشفة من رأسها لتنسدل خصلاتها المبتلة ءقفت أمام المرأة تراقب أنعكاس صورتها وهي تضع يدها علي وجنتيها بقهر،فالأول مرة في حياتها تصفع من أحد بل وامام الجميع ترقرقت الدموع في مقلتيها قبل أن تبدأ في السقوط واحدة تلو الأخري !

وبينما هي علي حالتها هكذا دلفت إليها ووالدته لتزف إليها نبأ:-
-ليلى! تيته تحية جات ومستنياكي بره !..
مسحت دموعها سريعا وامسكت بالفرشاة لتنشغل في تمشيط خصلاتها وهي تردد:-
-حاضر،هلبس وهطلع اهو !.
دنت منها والدتها تسألها بقلق وهي تتفحصها:-
-مالك ياليلى ! هو انتي كنتي بتعيطي ياحبيبتي !..

تركت الفرشاة واتجهت لخزانتها لتخرج ثياب بديلة عن تلك المنامة القطنية التي ترتديها وقالت:-
-مابعيطش ولاحاجه ! أنا كويسه !..
نادية بضيق وعدم تصديق:-
-ازاي ده أنتي شكلك معيط و ااااااااا ...
هدرت بها بعنف:-
-قولتلك مفيش حاجه !..

ثم القت ثيابها علي الفرأش وعقدت ساعديها امام صدرها بتبرم:-
-وممكن تتفضلي تطلعي عشان اعرف أغير هدومي !..
نظرت لها والدتها بإنكسار وخزي قبل ان تجرجر قدميها وتغادر غرفتها بصمت !..
زفرت الأخري بقوة وشرعت في تبديل ثيابها !..

بعد برهه خرجت وهي ترتدي بنطال جينز تعلوه ستره رمادية وخصلاتها السوداء تنسدل علي ظهرها بإنسيابية، حينما رأتها الجدة فتحت ذراعيها بقوة تستقبلها:-
-اهلا اهلا بالغالية،تعالي في حضني ياحبيبتي !.
أبتسمت ليلى علي مضض قبل أن تحتضنها،فملست الجدة علي ظهرها وهي تردد بفخر بعدما نظرت لنادية الواقفة جوارهم:-
-بسم الله ماشاء الله بقا عندك عروسة يانادية !..
نادية بإيجاب:-
-ياارب اشوفها عروسة يااارب !

خرجت "ليلي" من أحضان جدتها لتتحدث "تحية" بعتاب:-
-كده برضه ياليلى مأتساليش عن تيته المده دي كلها !
أزاحت "ليلى" خصلاتها خلف أذنها قائلة:-
-معلش ياتيته،ما أنتي عارفه أني ثانوية عامه والدروس والمذاكرة واخدين كل وقتي !...
ربتت الجدة علي كتفيها:-
-ربنا معاكي ويقويكي ياحبيبتي!...

وبعد بضع ثوان نظرت الجدة لنادية نظرة ذات مغزي فهمتها علي الفور لتنسحب:-
-طب أنا هاروح اعملكم حاجه تشربوها بقااا !
الجدة بمرح:-
-يااريت خلينا ندرددش انا وليلى سوا في موضوع !..
أبتسمت "نادية " وأنسحبت علي الفور لتبقي الجدة بمفردها معها ..
ليلى بتسأل:-
-خير ياتيته ؟..

تحية بتنهيدة:-
-بصي ياليلي أنتي ماشاء الله كبرتي اهو وبقيتي عروسة ! يعني هتفهمي كلامي اللي عاوزة أقولهولك !
هزت رأسها بإستفسار لتجيبها بجدية:-
-حسين وأمك معملوش حاجه غلط ولاحرام ده شرع ربنا ياحبيبتي يعني هما مأجرموش ولا حاجه عشان تعمليهم المعاملة دي !..

انكمشت ملامح "ليلى " بقوة وحدة فتابعت الجدة:-
-وماتزعليش مني امك كان مسيرها تتجوز يعني بحسين او من غيره كانت هتتجوز كنتي هتبقي مبسوطه لو راجل غريب هو اللي عاش وسطيكم ! لكن ده عمك انتي لحمه وعرضه يعني هيخاف عليكي احسن من الغريب وربنا العالم حسين بيحبك ازاي ده انتي بنته اللي مخلفهاش ! ووووز
نهضت "ليلى" بحده من مكانها لتقاطعها:-
-بس اسكتي هي وصلت انهم يبعتوكي ليا عشان توصليلي الكلام اللي حفظهولك !...
انهت جملتها بصراخ لتتفأجي بصوت من خلفها يصيح بها بقوة:-
-ليلى !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة