قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني

استطاع أن يبرح الغرفة ويرد على الهاتف بعيدًا عنها، كان يتلفت حوله كي يتأكد أنه بعيد تمامًا عن أنظارها، قال بعصبية عنيفة:
عاوزة إيه؟
ردت عليه بعنف مماثل:
عاوزة تعلن جوازنا وتعترف لمراتك وللناس إننا متجوزين وإني حامل يا مازن أنت فاهم ولا لأ؟
مازن وقد مسح على شعر رأسه محاولا تمالك نفسه:.

اللي في بطنك دا هينزل والورقة اللي بينا هتقطع وأنتِ لو عاوزة قرشين أرمهملك لكن اللي في بالك دا يبقى في أحلامك فاهمة أنتِ ولا اقول تاني؟
لا مش فاهمة يا مازن بيه، أنت كدا بتعلن الحرب بيني وبينك وعمرك ما هتنتصر أبدا خلي الكلام دا حلقة في ودانك، سلام!
أغلقت فورًا بعدما ألقت له الكلمات هذه التي تركت قلقًا كبيرًا في نفسه، ستفعلها دينا ولن تبال وستضيع نورهان حتما هذه المرة من بين يديه..

ارتفع انينها عاليًا وهي تضع وجهها بين كفي يديها تبكي دموعًا حارقة منذ أن برح الغرفة وتركها، تُرى ماذا يراها بعينيه الآن؟
تُعذبها فكرة أنها قد سقطت في نظره وبات حجمها صغيرًا..
ماذا تفعل؟ ولما تبكِ من الأصل؟
لقد جُبرت عليه ولم تكن تريد الارتباط به والآن تبكي لغضبه منها، ما الذي حصل في أيام معدودة؟

مع صوت بكائها ارتفعت دقات الباب فتوقفت عن البكاء فورا واسرعت بمسح دموعها الغزيرة عن خديها وحاولت هندمة نفسها قدر المستطاع قبيل أن تفتح الباب..
لقد كانت زهراء التي ولجت الآن بابتسامتها الرقيقة المعهودة، تتساءل برفق:
مالك حبيبتي؟, أنا سمعت صوت عياطك من برة قلقت عليكي..
وما كان من رنا إلا أن ألقت بنفسها داخل حضنها وكأنها كانت تنتظرها لتلقي الحمل الذي بداخلها،.

تبكي بلا توقف وكانت زهراء تمسح على رأسها برفق شديد وكلماتها هدئها قليلا، لتجلسا معًا على الأريكة وتقول زهراء بحنو:
قوليلي بقى يا ستي إيه اللي حصل؟

يتجول بسيارته في الشوارع، ف تصادفه بعض الفتيات ممن يبعن أنفسهن، إحداهن تغمز له فيتجاوزها مارًا بسرعة شديدة غاضبة، هل كلهن ضعيفات النفس هكذا؟ يعرضن أنفسهن بلا ذرة خجل؟
أم أن هناك أخريات يتجملن بالحياء؟!
وإن كان فأين هن؟ لقد ظن أن (رنا)..
رنا؟ وما علاقتها رنا بهؤلاء؟ هل فقد عقله ليقارنها بهن؟!
توقف بالسيارة وترجل منها وهو يتذكرها كلا هي لم تغب عن باله من الأساس..

كيف زعزعت هذا الثبات بداخله لتُحدث فوضى عارمة داخل قلبه، ثم تبعثر مشاعره هكذا بلا رحمة، ولمَ الغضب ألم تكن هذه الزيجة تجربة إما أن تنجح أو تفشل؟
لم الغضب؟
يسأل نفسه وهو يضغط على ذاك الهاتف بين يده ذاك الهاتف الذي يضم صورها ومحادثتها الغرامية مع حبيبها السابق!
عقله يحسه على فتحه ورؤية كل شيء به وقلبه لا يؤيده في ذلك..
هذه الفتاة التي اقتحمت حياته دون سابق إنذار ماذا فعلت به..

لا يريد أن يبغضها كما يبغض بقية النساء إن عينيها تختلف فهما تلمعان دائما بطيبةٍ لم ير مثلها في حياته، ثم يعود ليسأل نفسه مجددًا، كيف لفتاة بهذه البراءة أن تكون قد وقعت في الغرام من قبل؟
ها قد تدخل القلب مقنعًا إياه أنها ضحية لشاب مستهتر ليس أكثر من ذلك ليقوم بدفع الهاتف فورًا في مياه النيل متراجعا للخلف متنهدًا بغيظ شديد..
يعود ليركب سيارته مرة أخرى وينطلق بها..
متخافيش.

قالتها زهراء وهي تربت على يدها متابعة ببساطة:
على فكرة يزيد مش هو خالص الشخص القاسي اللي أنتِ شيفاه ولا اللي الناس شيفاه اطمني هو مش هيعملك حاجة.
ردت رنا بحزن شديد:
أنا مش خايفة يعملي حاجة، أنا زعلانة إني شكلي بقى مش كويس في نظره، وبصراحة كمان خايفة يسيبني ويطلقني.
انسابت دموعها بكثرة بعد كلمتها الأخيرة، احتضنتها زهراء وهي تبتسم بودٍ قائلة:.

مش مصدقة إنك بتقولي كدا، لسة كنتي بتبكي عشان متتجوزهوش دلوقتي بتعيطي عشان ميسبكيش!، سبحان مغير الاحوال، متخافيش هو مش هيسيبك لأن لو كان ناوي يعمل كدا كان عمل في ساعتها المهم بقى إنك أنتِ اللي متسيبهوش، هتتعبي معاه شوية بس صدقيني هترتاحي بعدين متبعديش عنه.
ثم تابعت ضاحكة:
عارفة اللزقة؟, أنا عاوزاكي تلزقي فيه..
ابتسمت رنا وهي تمسح دموعها برفق، فنهضت زهراء متابعة:
تصبحي على خير.

تنفس الصبح في يوم جديد وشعشع ضوء الشمس منتشرًا في كل مكان.
لم تنم طوال الليل وباتت ليلتها وحيدة بفؤادٍ قلق للغاية، حيث أنها ترقبت مجيئه للحظاتٍ ثم لساعات طويلة إلى أن انتظرته الليل بطوله وهو لم يأت!
الآن قد عفت وهي جالسة امام الشرفة ولم تشعر بنسمات الهواء التي داعبت شعرها وبشرتها ولا بضوء الشمس الذي عاكس ملامح وجهها، ولا حتى بدخوله هو الآن إلى الغرفة ووقوفه أمامها...

لقد كان عابس الوجه يتأملها بغيظ، يضع يده في جيب بنطاله والأخرى يحاول بها أن يلمس وجهها، وشعرها..
لكنه تراجع وابتعد وهو يخلع سترته ويلقيها على السرير فاستيقظت حينها وقد شهقت بخفوت، ثم نظرت له وهي تقف على قدميها بصمت، ماذا عليها أن تفعل الآن؟
إنه يتجاهلها وهي قد تحجرت الكلمات على شفتيها وتسارعت أنفاسها بتوتر، هل تطلع إلى محادثتها وصورها؟ بالطبع نعم..

أكدت هذا في خاطرها وباتت في حالة يُرثى لها لم تستطع حتى التحرك من مكانها، وهو يباشر عمله في أخذ ملابسه من الخزانة والتوجه إلى الحمام وكأنها لم تقف أمامه اطلاقا...
أغمضت عينيها وارتعد جسدها مع صفقه العنيف لباب الحمام فتنهدت بضيق وهي تمسك سترته التي وضعها على السرير وتعلقها وتجلس ثانية لتنتظر خروجه من الحمام فإن لديها من القول الكثير معه..

تجهزت سُفرة الفطار وحضر البعض كالسيدة ابتهال وزهراء ونورهان أيضًا، بينما تنظر لها ابتهال بنظرات مستهزئة وكأن بها عيوب الدنيا كلها!
وبالمقابل تتلقى نورهان النظرات بأعصاب قاربت على الاحتراق التام، لم تبغضها كل هذا البغض وترفض وجودها كونها زوجة لإبنها؟
زفرت نورهان بضيق وهي تنظر إلى أطباق الطعام التي رُصت الآن على الطاولة لتقول بهدوء:
من فضلك يا دادة أنا زهقت من الاكل دا عاوزة أكل جبنة قديمة وفطير.

أومأت السيدة بطاعة وهي تقول:
حاضر يا ست نورهان، حالا.
تضايقت ابتهال فقالت:
جبنة قديمة؟ الحاجات دي مش بتتحط على سفرتنا يا مدام، احنا بنخاف على صحتنا والحاجات دي ممنوع.
ردت نورهان بعصبية:
والله ماحدش قال لحضرتك تاكلي من الحاجات الممنوع دي، أنا أكل اللي أنا عاوزاه وحضرتك أكيد يعني مش هتأكليني على مزاجك تمام!
توسعت عيني ابتهال بصدمة، حيث أن هذه المرة الأولى التي ترد نورهان هذا الرد الذي لم يرُق لها!

لتنهض صائحة بحدة:
لاااا دا أنتِ قليلة الادب وملقتيش اللي يربيكي.
اسرعت زهراء تهدئ والدتها حين قالت:
اهدي يا ماما هي متقصدش حاجة.
دفعتها ابتهال بعيدًا عنها، مع قولها:
اخرسي أنتِ..
لا يا ابتهال هانم أنا متربية أحسن تربية، ثم أنا مسمحش إنك تقوليلي الكلام دا، أنا صحيح سكت كتير بس مافيش حد يستاهل إني اسكت له أو عشانه، لحد هنا وكفاية كفاية اوي!

وانصرف كالعاصفة إلى غرفتها كمن فقد عقله وتركت ابتهال تصيح وتكاد تجن مما فعلت، بينما تدفع نورهان باب الغرفة وتتجه إلى مازن النائم في ملكوت أخر، تحاول إفاقته وهي تهتف:
مازن، مازن اصحى بقى كفاية قوووم!
فتح عينيه بكسل، وراح يهتف بانزعاج:
في ايه يا نورهان حد يصحي حد كدا!
أنا خلاص مبقتش طايقة أعيش في البيت دا، أنا ماشية اروح عند اهلي لحد ما تشوف حل تمام؟
نهض بعنف عن الفراش ووقف قبالتها قائلا:.

نعم؟ ايه الجنان دا في ايه؟
في إنها مش متربية يا أستاذ!
كانت الجملة ل ابتهال التي لحقت بها وهي في كامل غضبها، ليقول مازن بدهشة:
في ايه يا ماما في إيه!
اسأل الهانم مراتك اللي عيارها فلت وبترد عليا بكل وقاحة بقولك إيه يا مازن يا انا يا البنت دي في البيت يا تطلقها يا تبقى لا انت إبني ولا أعرفك فاهم؟
مازن وقد أظلمت عيناه:.

فاهم؟ فاهم إيه بالظبط؟ هو أنا لعبة في إيدك ولا عجينة تشكليها زي ما أنتِ عايزه؟, أنا بني ادم يا ماما بني ادم مش من حقك تقولي كدا!
قد صُدمت ابتهال من هذا الحديث، لتقول بغضب:
يعني إيه هتعصى كلامي؟
لو كلامك ظلم هعصاه وبدون تردد..
توسعت عينيها بشرر غاضب حين قالت:
تمام، تمام يا مازن.
برحت غرفتهما بشراسة، والتفت مازن إلى نورهان قائلا بجدية:
إيه اللي حصل بينكم.

فجلست نورهان بانهاك وهي تدفن وجهها بين كفيها تبكي بهدوء، فما كان منه إلا أن جلس جوارها واحتواها بين ذراعيه بحنان...
خرج من الحمام وهو يقوم بتجفيف شعره بالمنشفة، يتجه إلى المرآة ليبدأ في تمشيط شعره بهدوء، راحت تقف خلفه بخجل واخيرا خرج صوتها خافتا وهي تقول:
ممكن أتكلم معاك شوية؟

لم يرد عليها وترك فرشاة الشعر وذهب إلى الفراش ليستلقى عليه مغلقا عيناه، تضايقت من تصرفه معها إنه يتصرف وكأنها كالهواء بالضبط، هدئت نفسها والتفتت له واقترب قائلة:
لو سمحت إسمعني ومتعاملنيش بالطريقة دي أنا حابة أتكلم معاك.

فتح عينيه ونظر لها طويلا وبادلته بنظرة متوسلة، فتح فمه فظنت أنه سيتكلم لكنه تثائب وانقلب على جنبه واضعا الوسادة على وجهه متجاهلا إياها مرة أخرى، كادت تجن فزفرت ودبت الأرض بقدمها قبيل أن تتركه وتخرج من الغرفة بغضب شديد، اصطدمت وهي تمر بالسيدة ابتهال الغاضبة لكن ابتهال تجاوزتها بلا اهتمام وكأنها تتجاهلها كإبنها تماما..
زفرت وهي تحدث نفسها بغيظ:
هو أنا هوا ولا إيه حكايتهم دول ياربي!

نزلت على الدرج تبحث عن زهراء فهي الإنسانة الطبيعية الوحيدة في هذا البيت، خرجت إلى الحديقة فوجدتها تجلس بصحبة جنات وإياد، ذهبت إليهم وهي تبتسم فتقول زهراء بمرح:
أهلا عروستنا، تعالي تعالي.
بينما تقلصت ملامح جنات التي نهضت قائلة بنبرة هازئة:
أنا طالعة يا عمتو عشان في ناس تخنق هنا!
لكن زهراء قالت بجدية وعتاب:
جنات عيب كدا اتكلمي بأدب!
جنات بضيق:
أنا حرة ودا إسلوبي واللي مش عاجبه يشرب من البحر.

ثم ذهبت بعنف شديد واتبعها أخيها بصمت، فتنهدت زهراء بهدوء وربتت على كتف رنا قائلة:
متزعليش منها البنت مشتتة بين باباها ومامتها، امسحيها فيا يارنا
أما رنا فانصرفت دون التحدث بكلمة واحدة وفقط تركت العنان لدموعها الحارقة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة