قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

أصعب شعور يمكن أن يشعر به المرء هو كسرة بعد فرحة كبيرة، خيبة بعد أمل..
لقد هجرها في ليلة عُمرها وتركها تذرف دموع الحزن الأليم، ها هي تعود لنقطة الصفر من جديد..

نزلت القرفصاء تلملم شظايا البلور المتناثر ثم تضعه في سلة المهملات، تستقيم واقفة بعد ذلك وقد مشت إلى الشرفة لتأخذ اكبر قدر من الهواء وتزفره دفعة واحدة، وقعت عيناها عليه حيث يجلس على الأريكة الرخامية في حديقة القصر ويحاول ضماد جُرح يده بوجهٍ صلب..
هل حقًا جرحته واوصلته إلى تلك الحالة الجنونية؟
يتمرد قلبها فيُخبرها ب لا..
لم تجرحه قط، لقد أخفت فقط ولها كامل الحُرية في ذلك..
ولكن..

يتدخل عقلها بتلك ال لكن هذه، فيخبرها بأنها لم تكن صادقة منذ البداية..
وتظلُ في صراع بين الندم والتمرد وهي تتابعه بعينيها، وفي لحظة شجاعةٍ منها قررت أن تذهب إليه، وبخطوات واثقة نزلت الدرج وهي ترفع فُستانها بكلتا يديها، مشت باتجاهه بثباتٍ تام، راحت تقف أمامه وتقول بجدية شديدة:
أنا جيت أتأسف رغم إني مغلطتش في حقك.

تبخر ثباتها ما إن رفع وجهه يُطالعها بنظراتٍ حادة، ارتجف قلبها حين وقف بعنف ينوي الانصراف من أمامها، لكنه ذُهل حقًا عندما أمسكت كلتا يديه بيديها في قوةٍ فاقتربت منه تلقائيًا وهتفت:
إسمع أسبابي الأول وبعدين إعمل اللي أنت عاوزه مش يمكن أسبابي تقنعك؟
نظر لها بدهشة جراء فعلتها الجريئة، تاهت عيناه بعينيها رغمًا عنه، ابتلع ريقه وسيطر على نفسه المنصاعة لها في لمح البصر حيث أبعدها عنه وقال حازمًا:.

ميهمنيش أعرف أسباب، أنا سألتك سؤال في أول مقابلة لينا وكذبتي يبقى كل اللي أنتِ هتقوليه دلوقتي مالوش أي لازمة!
هزت رأسها مؤكدة على كلامه:
أيوة كذبت، بس دا كان له سبب.
مافيش مبرر للكذب!
فيه، ماما، وبابا، بابا كان حالف لو عرفتك حاجة عن الموضوع دا هيموتني من الضرب، عشان كان عارف إنك هترفض لو عرفت إني أعرف حد قبلك، صدقني كنت هقولك بس خُفت.
سألها بجمود:
وليه جاية تقوليلي دلوقتي؟ ليه اللحظة دي بالذات؟

عشان مش عاوزة أبدأ حياتي معاك وأنا مخبية عليك حاجة.
حرك رأسه نافيًا، وبعصبية رد:
مش مصدقك اطلاقًا، لو كلامك صح كنتِ قولتي في اليوم اللي سألتك فيه مرتاحة معايا ولا لأ ولما قولتلك اكتر حاجة بكرهها في حياتي هي الكذب، اللي خلاكي تقولي دلوقتي شيء تاني، شيء أنا مش عارفه وبرضوه أنتِ هتخبيه.
بارتباكٍ شديد وملحوظ قالت:.

لأ مش هخبيه، اللي خلاني أقولك إني شوفت الشخص دا من ورا سور الجنينة عشان كدا ارتبكت لما سألتني مالك ساعتها، والله العظيم أنا خرجته من حياتي تمامًا.
قبض على ذراعها بقبضة من حديد، ثم هدر بها:
بس الظاهر إنه مخرجكيش من حياته زي ما خرجتيه وشغل العيال دا بقى أنا مبحبوش، أعمل معاكي إيه دلوقتي؟
نزعت ذراعها من قبضته، راحت تهتف بتمرد:.

بلاش تبيع وتشتري فيا أنا معملتش اللي يمس شرفك وإسمك، حياتي قبل جوازي منك متخصكش، حاسبني على حياتي معاك وأنا هبقى راضية.
نظرتي إنك مش ذكية كانت هي اللي صح، لأن أنا فعلا مبحاسبكيش على حياتك قبل الجواز لأن دا ميخصنيش اللي يخصني إنك كذابة!
واقترب منها واضعًا سبابته على رأسها قائلاً بصرامة:
فهمتي؟

ضغطت على أسنانها وهي تحملق به بغضب، بينما يسمع صرير الباب الحديدي للقصر وتمرُ سيارة يعرفها جيدًا، إنها سيرين...
تترجل من السيارة وتتجه نحوه بخطوات رنانة إثر ارتداء حذاؤها ذا الكعب العالي، لم يستغرب يزيد كثيرًا من وجودها الآن فهو يتوقع منها جميع التصرُفات!
قلت لازم أباركلك بنفسي يا عريس.
هكذا نطقت ببسمة مستهزءة وهي تُطالع زوجته بازدراء، يضع يديه في جيبي بنطاله وهو يرد عليها هادئًا:.

الله يبارك فيكي يا مدام سيرين.
هي مُكملة:
طب كنت اعزمني يا يزيد، دا أنا حتى أم أولادك ولا أنت مكسوف؟
يزيد وقد رفع حاجبه مع قوله:
مكسوف؟
أهاا، من دي!
وأشارت بسبابتها إلى رنا في استهزاء سافر، تُكمل قاصدة إفساد كل شيء:
عشان البنت دي، رغم كل عيوبك يا يزيد بس متوقعتش إن ذوقك يكون بشع أوي كدا، دي بلدي جدًا.
اتسعت عيني رنا غضبًا وارتعش جسمها بانفعال، ولم يكد يتكلم يزيد لتُبادر رنا بنبرة شرسة:.

طيب يا حبيبتي ربنا يكفيكِ شر البنت البلدي لما حد بيضايقها، ربنا ما يوريكي غضبها واللي ممكن تعمله في واحدة زيك يا بتاعة أنتِ!
فتحت فمها بصدمة، لم تتوقع ردة الفعل هذه، ظنت أنها ستخشاها كونها مسكينة كما خُيل لها! غلت الدموع في أوردتها خاصة وهي ترى يزيد ينظر لزوجته بصمت هادئ وكأنه معجب برد الفعل هذا.
ثم استدار لها متسائلاً بحدة:
خلصتي؟ خلصتي يا سيرين الكلمتين اللي جاية المسافة دي كلها عشان تقوليهم؟!

حاولت ضبط أعصابها وهي ترد عليه؛
لسة مخلصتش، أنا عاوزة ولادي يا يزيد ولآخر مرة بقولك سيب ولادي على راحتهم مش من حقك تمنع جنات إنها تجيلي النهاردة! عشان خاطر تحضر فرحك الجميل!
ببرود شديد استفزها قال:
من حق مين؟
كلمني زي ما بكلمك وبلاش اسلوبك المستفز دا، أنا عاوزة جنات خليها تنزل دلوقتي حالاً يا إما مش هيحصل كويس.
ضحك متهكمًا وقد قال:.

أنتِ مدركة بتقولي إيه وبتقولي لمين؟ شكلك نسيتي إني آخر واحد ممكن يخضع للتهديد، أعلى ما في خيلك اركبيه يا سيرين، جنات مش هتبات برا البيت النهاردة ولو زودتي معايا هيبقى ولا أي يوم تاني، وكفاية لحد كدا.
يعني أنت مصمم تعمل اللي أنت عاوزه برضوه، مصمم تمشي رأيك وكلامك وتحرمني من ولادي.
سيرين هانم بلاش نفتح في كلام عشان لو اتكلمت ههينك وأنا مش عاوز عشان خاطر ولادي وبس، بلاش!

نظرت مرة أخرى إلى رنا، من أسفلها إلى أعلاها بتأفف وهي تردد:
تمام، أنا ماشية بس قبل ما أمشي يا شاطرة أحب أقولك إن يزيد أتجوزك بس عشان خاطر يغيظني ميعرفش إنه مبقاش فارق معايا، أتجوزك كدا وكام يوم وهيرميكي لصندوق الزبالة اللي جابك منه!
واستدارت بعنف شديد لتنصرف، لكنها ما لبثت أن وجدت كتلة من شعرها بين مخالب الأخيرة، وراحت رنا تهزها بعنف وهي تصيح بوجهها:.

مش قولتلك ربنا يكفيكِ شر البنت البلدي، بس أنتِ مصرة تشوفي شري، أنا جاية من صندوق الزبالة؟ أنا هوريكي..
لم تصمت الأخيرة ودافعت عن نفسها، فتدخل يزيد فورًا وجذب رنا بقبضته فخلص سيرين من مخالبها وأمرها بعصبية:
من فضلك اطلعي برا كفاية فضايح بقااا..
انصرفت وهي تصرخ بهستيرية حسرة على كبريائها الذي تبعثر، استدار إلى رنا التي صرخت في وجهه بشراسة:.

آدي اللي نابني من جوازتي منك جايبني هنا تهزقني؟ أنا مش قعدالك فيها!
ركضت إلى الأعلى حيث غرفتها، فما كان منه إلا أن ذهب خلفها بخُطى سريعة فدخل الغرفة ورائها واغلق الباب قائلاً بتعنيف:
إيه اللي بتعمليه؟
أنا؟ أنت مش سامع قالت إيه؟ بتقول عليا زبالة، وأظهر كدا بقى وبان على حقيقتك قال وواقف تحاسبني وناصبلي محكمة وأنت متجوز بس بالعند فيها يعني أنا وسيلة في لعبتك القذرة دي صح!
كور قبضة يده في غضب وصاح بها:.

اخرسي بقى، إيه اللي بتقوليه دا...
قاطعته مختنقة:
مش أنا اللي بقول طليقتك اللي قالت يا يزيد بيه.
دي واحدة بتهلفط في الكلام، بتقول دا من حرقتها مش أكتر، بطلي سذاجة وغباء!
حذرته باصبعها قائلة:
بطل غلط لأني مش هسكت تمام، أنا مش غبية انت اللي مفكرني غبية وهصدق اللي بتقوله، أقولك حاجة؟
صمتت تلهث بشدة وهي تترقب رده عليها، فاقترب منها وقال بحزم:
قولي.

طلقني! احنا مننفعش لبعض من الأساس، جوازنا غلط من الأول، ولا تحاسبني ولا أحاسبك.
اقترب منها أكثر مال عليها قليلا مع قوله:
أنا لسة هحاسبك مافيش حاجة عندي بتعدي من غير حساب، أما بقى كلمة أحاسبك دي فدي في أحلامك يا رنا إصحي لكلامك واكتمي خالص لأننا نص الليل و حوالينا ناس نايمين وأنا كمان عاوز أنام دي كانت ليلة مهببة!

يستند إلى ظهر الفراش وتستند هي إلى صدره هادئة كقطة وديعة، يمسح على شعرها تارة وعلى وجنتها تارة أخرى، كان حنونًا معها لدرجة الغرابة!
رفعت وجهها إلى وجهه تطالعه بوهجٍ عاشق، نظراتٍ كانت قادرة على تحطيم قلبه تحطيمًا.
نفسك تبقى أب؟
تسأله برقة وحزن العالمُ في عينيها، فيرد عليها بلطف:
أكيد، بس أنتِ تكوني أمهم.
عادت تنظر أمامها مبتسمة وهي تسأله مرة أخرى:
ممكن يجي يوم وتتجوز عليا؟

تجمدت ملامحه آنذاك وابتلع غصة مررت حلقه، فرد بثبات وكأنه بالفعل صادق:
لأ يا حبيبتي.
تواصل أسئلتها:
طب ممكن يجي يوم وتبطل تخوني؟
وبادرت قبل أن يرد عليها:
عارفة إنك هتقولي دا مجرد كلام وإنك مش بتخوني بطريقة تانية، بس الخيانة خيانة حتى بالنظر، حتى لو بصيت لواحدة غيري تبقى بتخوني، مازن أنا قصرّت في إيه؟ ليه بتبص برا؟
ابتسم بتوتر:
مقصرتيش في حاجة، مش ببص برا هما اللي بيجولي لحد عندي وأنا بني آدم يعني..

لازم تكون بني آدم ضعيف؟
حدق بها في صمت، فمطت شفتيها قائلة بحيرة:
احتارت فيك وفي نفسي، زعلانة منك ومني، إزاي قادر تخليني أحبك بالطريقة دي رغم كل اللي بتعمله فيا؟
طبع قبلة رقيقة على جبينها وقد أخبرها هامسًا:
عشان بحبك اكتر بطريقة لا تتخيليها.
بس اللي بيحب مش بيعمل اللي أنت بتعمله ودي الحاجة اللي هتجنني.
غيّر مجرى الحديث حيث قال:
خلينا نغير الموضوع يا نورهان..
ومازحها قائلاً:
قصدي يا نكدية هانم!
اسبوع قد مر.

في صباحٍ يوم مُشرق قد شعشع فيه ضوء الشمس وراحت زهراء تتجول في مقر عملها يمنة ويسرة بتفاؤل كعادتها، تتابع الورود بحماس كبير..
من الخلف يأتي صوتا لم يكن غريبا عنها، تلتفت فإذا بشابٍ أسمر..
رجعت بذاكرتها للخلف وتذكرت، هذا باسم الذي اشترى منها الزهور لحبيبته..
رحبّت بيه بابتسامة مفعمة بالبراءة، فرد عليها مبتسماً:
إزيك يا آنسة زهراء؟
الحمدلله، اتفضل؟

قالت جملتها بمهنية شديدة، ليرُد وقد أخرج من جيبه منديلا ورقيًا مُقربًا إياه من أنفها:
ألاقي عندك ورد بالريحة دي؟!
ويا لحظها السيء لقد اشتمت المنديل بعمقٍ شديد فتقعُ الفريسة على الفور ويبتسم الوحش بانتصار...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة