قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السادس والعشرون

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السادس والعشرون

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل السادس والعشرون

طالت جلستها بالساعات مع جدتها وأخواتها بالمنزل وظل هو على وضعه جالسًا على طاولة قهوته يدخن تارة او يتحدث تارة أخرى مع صبيانه او يفعل أي شئ، دون ملل ف انتظار رؤيتها، وقد غلبه الفضول والرغبة الشديدة لرؤيتها وماوصلت إليه من تغيرات شكلية على وصف صبيه في هذه المدة القصيرة بعد. زواجها، حينما لمح طرف ثوبها من مدخل البناية وهي تهبط الدرج المتهالك انتصب في جلسته وتحفزت حواسه، حتى اصبحت الرؤية كاملة فتوسعت عيناه بشدة منبهرًا بجمالها الذي لطالما ارق مضجعه وأذهب عنه النوم ليالي كاملة، ازداد الاَن بشدة حتى كاد ان يقترب من الكمال، غمغم داخله متحسرًا بعد ان طارت من يده على اَخر لحظة لتكون ملك غيره: - يعني انتِ كنتِ ناقصة حلاوة على حلاوتك؟ ولا انا كنت ناقص عذاب على عذابي؟

انتبهت هي أليه وتلاقت انظارها به فعبس وجهها لتُشيحه بوجهها عنه وتتجاهله قبل ان تعتلي سيارتها التي تحركت على الفور مغادرة الحارة بأكملها امام عيناه التي لم تتزحزح عن السيارة حتى اختفت، وحينما عاد بأنظاره وجد محروس أمامه يتطلع إليه بابتسامة مستخفة وبشماتة تقز قغزًا من عينيه، صك على فكه غيظًا قبل أن يبصق على الأرض وكأنه يوجهها له، ثم ارتفعت رأسه إليه مغمعمًا بتوعد.

- طب وحياة الغالين لكون مربياك عليها دي يامحروس، مابقاش انا فهمي لو ماقرصتك.

عادت إحسان لمنزلها بعد خروجها وقت ان وصلها الخبر من سيدات الحارة بقدوم ابنة شقيقها بسيارة وهيئة راقية تناسب زوجة الرجل الغني العربي، ورأت بنفسها التغير الذي طرأ على زهرة، فتمنت وتحسرت بشدة أن لو كانت غادة هي مكانها فهي من تستحق بنظرها، وجدتها جالسة بوسط الصالة تشاهد التلفاز وطبق المسليات بحجرها، القت عليها التحية قبل أن تجلس بجوارها وتضع كيس الهدايا الذي اتت به خلفها: - مساء الخير.

ردت غادة تحيتها قبل أن تسألها: - رجعت وملقتكيش يعني، كنتِ فين ياما؟
اجابتها وهي تتناول من طبقها: - كنت في مشوار مهم ياغالية لا انتِ مسمعتيش من أهل الحارة.
سألتها بعدم فهم: - سمعت إيه؟ انا اساسًا جيت متأخر النهاردة من الشغل وملحقتش اقف ولا اتكلم مع حد.
- امممم.

غمغمت بها إحسان وهي تعتدل بجسدها البدين امام رؤية التلفاز ثم قالت: - على كدة معرفتيش ان المحروسة مرات الباشا جات النهاردة والحارة كلها اتقلبت على العربية اللي جات بيها ولا شكلها اللي بقى ولا الهاوانم وبقى ليها سواق مخصوص كمان؟
صمتت غادة واشتعلت عيناها قبل أن تتأكد مما سمعته: - انتِ بتتكلمي جد يامّا؟
- وانا هاهزر يعني في الحاجات دي؟ خدي وشوفي بنفسك.

قالت الاَخيرة وهي تلقي بالكيس البلاستيكي امامها، مكملة: - بصي ياختي على الهدايا اللي جايبهالنا
تناولت الكيس تخرج مابداخله بلهفة، فهتفت بفرحة وهي تتأمل الحقيبة الغالية والحجاب الطويل: - الله يامّا، أكيد الشنطة الحلوة دي ليا انا والحجاب الطويل دا ليكِ انتِ.
تأملتها آحسان قليلًا ثم ردت بابتسامة ساخرة: - ايوة يااختي افرحي بالشنطة وانا افرح بالحجاب، وهي جايبة دهب لمرات محروس وجدتها.

سألتها مذهولة: - بتقولي دهب؟!
ردت إحسان من تحت اسنانها: - وهاكدب ليه ياحبيبتي وانا شوفت بنفسي؟ دا ابوها اللي كان بيجي يترجاني على 20 جنية يجيب بيهم علبة سجاير، تعالي شوفيه دلوقتِ وهو بيتمحتر في الحارة ويقول ياارض اتهدي ما عليكي قدي.
لم ترد غادة وتصلبت يديها عن الإمساك بالحقيبة التي سقطت أرضًا، فسألتها والدتها: - انتٍ ماتعرفيش هي هاتكمل شغل ولا تقعد في البيت؟

التفت لوالدتها تجيبها بحنق: - هاترجع يامّا، دي ما صدقت ولاقيتها فرصة، حظوووووظ.
يوم السبت.
استقيظ من نومه في نفس ميعاده كالعادة، فتفاجأ بخلاء مكانها بجواره، قطب مستغربًا وهو ينهض عن التخت ويهتف باسمها: - زهرة، يازهرة.
حينما لم يجدها بالحمام او يسمع ردًا منها، خرج من غرفته بجذعه العاري وبنطاله الرياضي المريح ليبحث عنها مرددًا: - يااازهرة انتِ فين؟

أتت على صوته سريعًا تصعد إليه الدرج وهي تجيبه: - انا هنا ياجاسر، ثواني جاية.
تفحصها بنظرة تقيمية حتى وصلت إليه ليسألها: - مش بعادتك يعني تصحي بدري وتسبيني؟ هو انتِ كنتِ خارجة.
اقتربت لتسحبه من ذراعه مردفة بحرج: - مش تلبس حاجة قبل ماتخرج كدة وتحرج البنت.

تمتم يتطلع نحو الجهة التي تشير إليها فرأى البنت العاملة بتنظيف المنزل تبتسم وهي تختلس النظرات نحوه، فرد بابتسامة متوسعة لزهرة وهو مستسلم لسحبها نحو غرفته: - بس البنت مش مكسوفة على فكرة.
تغضنت ملامحها بعتب وهي تلج لداخل الغرفة وتدخله معها فقالت وهي تصفق باب الغرفة وتستند بظهرها عليه: - طب ياريت بقى ماتكررهاش مرة تانية.

ارتفع حاجبه باستدراك ثم اقترب ليستند بمرقفه على باب الغرفة خلفها قائلًا بمرح: - الله، دا الحلوة بتغير بقى.
لانت ملامحها وهي تدفع بكفها اصابع يده التي امتدت تداعب أنفها بمشاكسة.
- بس بقى بطل غلاسة.
قالتها وابتعدت لتلقي نظرة اَخيرة على نفسها بالمراَة، فلحقها سائلًا: - طب انتِ مجاوبتش سؤالي برضوا، لابسة لبس الخروج ليه؟

التفت اليه متكتفة الذراعين تجيبه: - النهاردة اول الأسبوع، يعني رايحة الشغل ياحبيبي، ولا انت نسيت؟
اقترب متمخترًا بخطواته نحوها واضعًا يديه في جيبي بنطاله يردف: - طب تصدقي بقى انا فعلاً نسيت.
ردت وهي تتصنع الهلع: - انت نسيت بس انا منستش، حكم المدير بتاعي دا صعب اوي ويخوف.
ردد ضاحكًا: - ياشيخة، وايه كمان؟

أكملت تعبر بيداها وملامح وجهها: - اه والنعمة زي مابقولك كدة، دا غير انه كشري وحواجبه معقودة، ولما يتكلم عيونه بتطلع نار، ااه.
صرخت الاَخيرة وهو يرفعها من خصرها بمرح مرددًا: - ماتقولي انه عفريت احسن، ولا اقولك خليها التنين المجنح عشان عيونه بتطلع نار.
قهقهت بين يديه ضاحكة وهي تخاطبه: - خلاص ياجاسر، انا مش عيلة صغيرة.
- انتِ مش عيلة وبس، دا انتِ هاتجنيني معاكٍ؟

قالها قبل أن يقبلها على وجنتها بقوة ثم تفلتها يديه، فقالت هي: - طب انا كدة هامشي واسبقك مع عم رزق عشان دا ميعادي وانت حصلني.
اوقفها يعترض طريقها: - استني افطري معايا حتى الأول.
رفعت يدها تنظر في الساعة التي زينت رسغها ثم شهقت امام وجهه بهلع: - عايزني افطر وانا متأخرة، اشحال ان ماكنت حكيالك عن مديري اللي بيخوف؟ سلام بقى عشان ماخدتش جزا.

اردفت الاَخيرة وهي تتناول حقيبتها هاربة منه، نظر في أثرها بابتسامة اعتلت شفتيه يتمتم بداخله: - حلوة لعبة المدير والسكرتيرة دي!

بوجه متجهم وذقنٍ غير مهذبة على غير عادته وقف امام المصعد ينتظر هبوطه كي يصعد الى غرفة مكتبه بالمصنع، مطبقًا شفتيه وهو ينظر للوحة الاليكترونية بتركيز، تحركت رأسه فجأة نحو مدخل مبنى المصنع فتسمر محله وتخشبت قدماه وهو يراها تقبل عليه غير منتبهة، منشغلة بالتحدث في الهاتف وشعر رأسها المصفصف بعناية يتراقص بتناغم مع خطواتها الرشيقة، ترتدي بدلة نسائية للعمل، بنطال أسود وقميص أبيض فوقها وسترة بنفس لون البنطال مفتوحة بشكل عصري على قدها الممشوق؛ تنافس بأناقتها عارضات الأزياء.

- رااائعة.
اردف بها بداخله قبل أن يعود لغضبه ويتذكر عهده الذي قطعه على نفسه، استقام يفرد ظهره جيدًا ليعود لوضعه أمام المصعد والذي كاد أن ينساه حينما انفتح بابه الإليكتروني فجأة فدلف بداخله وقبل أن يصعد وجدها فجأة لحقت لتشاركه الصعود، قائلة بلهاث: - صباح الخير.
- صباح النور.

رددها إليها بروتينة قبل أن يعود لوضعه بالتجهم، يتصنع التجاهل ورائحة عطرها تأسر حواسه وهذا الخائن بصدره يضرب بقوة فرحًا ببلاهة لمجرد شعوره بقربها في مكانٍ وحده معها، تكلمت هي تقطع الصمت: - قومت متأخرة عن ميعادي النهاردة، وكنت خايفة أوي لتأخر.

التفت رأسه إليها بصمت فتفاجأ بلون القهوة صافيًا أمامه دون النظارة الغبية التي ترتديها دائمًا أثناء العمل، كاد أن يستسلم ويسقط حصونه كي يغرق بهم ويُشبع أنظاره منهم، ولكنه استفاق ينهر نفسه ويحثها لعدم الاستسلام فرد موجهًا كلماته بمغزى وهو يشيح بوجهه عنها: - مش بعادة يعني ولا هي السهرة طولت؟
عقدت حاجبيها مردفة بتساؤل: - نعم؟!
استدرك نفسه فقال موضحًا: - قصدي يعني انك عمرك ما اتأخرتي.

أجابته تفاجئه بردها: - في الحقيقة انا فعلًا سهرت امبارح ولقرب الفجر كمان
وقبل أن يزلف لسانه بغباء أكملت هي: - ميدو اخد دور سخونية وبرد امبارح، ونشف دمي من الخوف، ماعرفتش انام غير لما اطمنت ع الحرارة بعد ما نزلت.
سألها مستغلًا سهوها بالحديث العفوي: - مين ميدو ده؟
- ميدو دا يبقى اخويا.
تابع بسؤال اَخر: - طب وانتِ تسهري جمبه لوحدك ليه؟ مش الست الوالدة عايشة برضوا؟

هل شعر بارتباكها أو رأى شحوبًا بلون وجهها فجأة لا يعلم؟ ولكن الذي بدا واضحًا أمامه هو اطباق شفتيها وانظارها التي زاغت بينه وبين لوحة الأرقام بصمت دون إجابة عن سؤاله، حتى انفتح الباب فتمتمت تجيبه بصوتِ كالهمس بالكاد يخرج: - مش موجودة.
قالتها وخرجت على الفور، خرج خلفها وتركزت عيناه عليها، يتابع خطواتها السريعة وهي تغادر الرواق نحو غرفتها، وبداخله شعور غريب لا يعلمه مع عدم فهمه للجملة.

تعدو سريعًا بخطواتها لتصل إلى مقر الشركة بعد أن ترجلت من سيارة النقل العام بمسافة ليست بالقريبة، وصلت إلى سلم الباب الرئيسي الرخامي وماهي الا عدة درجات صعدتهم حتى وصل إلى مسامعها همهات خلفها عن زهرة والسيارة التي تخرج منها، التفت بجسدها فوجدتها هي بالفعل تجمعت حولها عدة فتيات من الموظفين، يتحادثن معها بترحيب لعودتها وعيونهن تتطلع مثلها نحو السيارة التي تغادر من خلفهم، وهي تبتسم كعادتها وتبادلهم الترحيب بمجاملة، تسمرت غادة محلها قليلًا تتطلع ألى هيئتها الجديدة وماترتديه من ملابس فاخرة بالأضافة إلى إشراق وجهها بالسعادة و الذي بدا واضحًا للأعمى حتى، فوصل إلى سمعها بعض التعلقيات الأخرى من خلفها، والتي تتحدث عن زواج زهرة برجل عربي لا تريد الأفصاح عن هويته، ليرد صوت امرأة أخرى، بتخمين أن يكون أمير او شيخ خليجي.

كالسياط كانت تلسعها الكلمات بالإضافة لرؤيتها كالنجمة وسط زميلاتها من الموظفات، كل هذا كان أكبر من طاقة تحملها، ودون أن تدري استغلت انشغال زهرة مغ الفتيات وعدم انتباهاها إليها، فانسحبت تكمل صعود الدرج حتى تستكين وتسعيد توزانها، وقد اشتعلت النيران بصدرها، وشيطان رأسها يحثها على الصراخ وافتعال أي شئ يطفئ الحريق بداخلها.
بعد قليل.

وبعد أن اخدت وقتها في السيطرة ولو قليلًا في انفعالاتها، ووحوش رأسها التي تدفعها دفعًا للتمرد وقلب الطاولة فوق رؤس الجميع، ولكن ما الفائدة فالخاسر الوحيد سيكون هي.
تلونت بابتسامة رسمتها على وجهها بعد أن اعادت النظر على زينتها وماترتديه جيدًا قبل أن تذهب إليها لترحب بعودتها.
- زهرة حبيبتي؟
تفوهت بها قبل ان تندفع لتحتضنها بأشواااق من ذاخل أعماقها! وزهرة تبادلها العناق بمحبة وصفاء نية كعادتها.

- وحشتيني، وحشتيني أوي يابنت الإيه.
قالتها وهي تشدد عليها بذراعيها بقوة انتبهت لها زهرة، ولكن فسرتها بدافع اشتياقها، وردت: - وانتِ كمان اكتر والله، ربنا يديم المحبة.
فكت ذراعيها عنها قائلة بعتب: - بس انا زعلانة منك عشان جيتي امبارح الحارة من غير ماتقولي.
عادت زهرة لمقعدها وهي ترد عليها: - يابنتِ ما انا عارفة ان دا ميعاد شغلك، هاتصل واخليكِ تغيبي عن شغلك يعني؟

- وماله يازهرة مااغيب عن شغلي، هايحصل إيه يعني؟ دا انا كان نفسي اشوفك يابت انتِ.
تبسمت لها زهرة بمودة حتى ظهرت أسنانها البيضاء وردت بامتنان: - ياحبيبتي ربنا يخليكِ، ماتحرمش منك.
تطلعت لها بتقيم عن قرب فقالت لها: - عيني باردة، ماشاء الله التغير ظهر اوي عليكِ في المدة البسيطة دي، وشكلك اخدتِ عليه وانبسطتي، اصل اللي يشوفك قبل الجواز ما يتوقعش النتيجة اللي انا شايفاها دي.

ابتسمت تهز رأسها بخجل تقول لها: - يعني الحمد لله، اصله بصراحة طلع حاجة تانية عكس ما انا كنت شايفاه خالص.
سألتها بفضول حارق: - طلع إيه يعني؟
زاد خجلها وهي تهز برأسها بابتسامة رائعة بصمت غير قادرة على التعبير بما يجيش بصدرها والأخرى على حافة الإنهيار تريد المعرفة بأقصى سرعة، لتخيب أمالها وتُجيبها اَخيرًا: - طلع كويس وخلاص ياغادة، عايزاني اقول إيه يعني؟

قالتها ببرائة غافلة عن النيران التي عادت لتشتعل بقلب الأخرى وهي تجاهد للسيطرة على نفسها وأقدامها تهتز بعصبية في الأسفل.
قطع شرودها اتصاله من الهاتف الداخلي للمكتب واستدعائه للزهرة مع بعض الملفات المطلوبة، أجابته زهرة بعملية قبل ان تغلق معه وتهم بتجهزيهم، فاجاتها تقول: - يرضى ادخل معاكِ اسلم عليه بس واطلع على طول؟

سهمت زهرة تنظر إليها مجفلة قبل أن تتدارك لترد بحرج: - ما انتِ عارفة ياغادة انه ماينفعش، جاسر معندوش هزار ولا أي شئ شخصي في الشغل.
- اااه.
تفوهت بها وهي تشيح بوجهها عنها بقصد، عرضت زهرة لإرضائها: - لو عايزة تسلمي عليه تعالي معايا البيت وكلميه براحتك كمان.
التفت تسألها بلهفة: - والنبي بجد؟ يعني ممكن تاخديني معاكِ؟
- طبعًا ياحبيبتي والبيت بيتك كمان.

قالتها زهرة مرحبة فردت الأخرى تسألها بمكر: - على كدة بقى هاتاخديني في عربيتك، اللي كل الموظفات في الشركة بيتكلموا عنها؟
ردت بعفويتها: - هي مش بإسمي يعني، بس هو خصصهالي مع سواق، وطبعًا هاخدك معايا فيها.
- وكمان بتركبي عربية بسواق مخصوص يابت محروس.
غمغمت بها ساخطة بداخلها قبل أن ترد عليها بابتسامة مصطنعة: - خلاص يبقى هاجي معاكِ النهاردة.

توسعت ابتسامة زهرة وهي تردف لها بتذكر: - كويس اوي عشان تسلمي على خالي كمان، اصله هايوصل النهاردة من السفر وقالي انه هاينزل معايا على طول.
- اسلم على خالك؟
سألتها غادة قبل أن تُكمل وهي تخفي امتعاضها: - لا ياختي خليها وقت تاني، نكون انا وانتِ لوحدنا، ومايكونش معانا خالك دا اللي بياكل الجو وياخدك مني.

ضحكت زهرة وهي تنهض بالملفات بعد أن جهزتهم ترد عليها: - زي ما تحبي ياقمر، عن إذنك بقى عشان مايستعجلنيش ويغضب مني، ما انتِ عارفاه
نهضت غادة مرددة لها بحنق مستتر: - إذنك معاكِ ياحبيبتي، انا اصلًا كنت ماشية عشان شغلي.
فتحت باب الغرفة لتلج بداخله وتتقدم وملفات العمل بيدها نحو برسمية قائلة: - الملفات اللي طلبتها يافندم.
- حطيهم قدامك على المكتب.

قالها برسمية هو الاَخر وهو يراجع على بعض الاوراق ألموضوعة أمامه على سطح المكتب دون أن يرفع عيناه نحوها.
رفعت حاجبًا مستغربة هيئته الجدية في المكتب عكس المنزل تمامًا وعلى الإطلاق أيضًا، ثم وضعتهم مذكرة نفسها بصورته الأولى أمامها،
تطلب حاجة تانية يافندم؟
سألته بعملية وقد عادت للأجواء الأعتيادية في هذه الغرفة، أجابها باقتضاب: - لا.
ارتدت بأقدامها لتخرج ولكنه أوقفها هاتفًا: - دقيقة لو سمحتِ.

استدرات إليه عائدة لتسأله: - نعم يافندم في حاجة؟
رفع رأسه إليه قائلًا: - عايزك تطلعيلي ملف مناقصة الأسمنت
اقتربت تشير إليه بيدها: - ماهو قاعد هنا في وسط الملفات اللي جيبتهم قدامك دول.
اومأ برأسه بوجه حازم: - تعالي طلعيه بنفسك.
قطبت مندهشة قبل أن تتحرك ملتفة خلف المكتب لتخرجه أمامه: - - اهو يافند...

شهقت مجفلة ليسقط الملف من يدها وقد فاجئها بمعانقتها وتقبيلها على وجنتيها قبل أن يجلسها على سطح المكتب أمامه قائلًا بعشق: - وحشتيني.
صمتت هي قليلًا تهدئ ضربات قبلها قبل ترد على فعلته: - هاتوقف قلبي ياجاسر، والنعمة هاتوقف قلبي في مرة بعمايلك دي.
تسائل ببرائة: - ليه يابنتِ هو انا عملت حاجة، واحد بيقول لمراته وحشتيني، فيه إيه دي؟

هتفت بذهول: - والنبي إيه؟ بقى تنشف دمي وانتِ راسم الدور القديم وجد بقى ومش عارف إيه؟ وبعدها يطلع مقلب!
ازدادت ضحكاته وهو يقرب وجهه منها واضع كفيه على جانبي وجهها يردف بهمس: - طب اعملك إيه طيب؟ ما انتِ وحشتيني بجد فعلًا، حاولت ارجع لاتزاني بس بصراحة معرفتش، شوقي ليك ِ كان هايجنني.

اردف الاَخيرة وهو يمرر شفتاه على وجنتيها فانتفضت هي تدفعه عنها وتنزل قدميها على الأرض: - ياجاسر احنا في الشغل ماينفعش كدة
قربها من خصرها يردف بشقاوة: - ماينفعش ليه انا صاحب الشغل وانتِ مراتي اساسًا.
ضحكت وهي تحاول دفعه عنها قائلة بابتسامة مستترة: - وافرض يعني، معندناش بيت يلمنا بقى؟ ولا هي حبكت في الشغل؟
ازداد اتساع ابتسامته قائلًا بمشاكسة: - لا دي ولا دي، بس انتِ وحشتيتي اعمل ايه بقى؟

- اعمل نفسك مش واخد بالك.
قالت بمرح قبل أن ينقلب وجهها للجدية حينما اقترب ليقبلها فقالت وهي تضع سبابتها على شفتيه وتبعده عنها: - بلاش بجد، مش هزار على فكرة، عشان انا مبحبش الطريقة دي.
توقف يسألها مندهشًا: - طريقة أيه؟ هو انتِ ناسية انك مراتي؟
- لأ مش ناسية، بس انا كدة مقفلة ياسيدي ومعترفش غير بالبيت للراجل ومراته، فيها حاجة دي؟

صمت قليلًا قبل يفك ذراعيه عنها قائلًا بابتسامة: - لا مافيهاش حاجة يازهرة وانا قابل بيكِ كدة وانت مقفلة.
ابتسمت بارتياح قبل أن يباغتها بقلبة على وجنتها مردفًا: - بس دي بريئة مافيهاش حاجة، يعني ملكيش حجة.
لوحت بقبضتها قائلة بغيظ مع ابتسامة لم تغادر وجهها: - مافيش فايدة فيك، برضوا بتعرف تلاقي طريقة
قالتها وتحركت لتغادر مستئذنة: - طب انا ماشية بقى خلينا اروح اشوف شغلي.

اوقغها قائلًا: - على فكرة احتمال اتأخر النهاردة في الرجوع عشان هاديها جولة سريعة كدة على المجموعة.
أمسكت بمقبض الباب قبل أن ترد بنعومة اكتشفتها حديثًا بنفسها وهي على وضع الأستعداد: -تيجي بالسلامة انا مستنياك.
وقبل أن ينهض مستجيبُا لمشاكستها خرجت تغادر على الفور، ليتمتم هو بعد خروجها.
- جبانة.
في وقتِ لاحق.

دلفت غادة لداخل الغرفة الكبيرة الخاصة بحمام السيدات لتراجع على هيئتها كالعادة وتضيف على زينة وجهها قبل خروجها من العمل أمام المراَة الكبيرة والتي تُظهر الصورة جيدًا، شعرت بمرور إحداهن بجوارها ولكنها لم تلتفت لتركيزها الشديد في تمرير قلم الحمرة على شفتيها، حتى انتبهت لمن تخاطبها باسمها: - انت بقى غادة؟

تركت ما بيدها والتفت نحو مصدر الصوت فتفاجأت ترد بلجلجة على هذا المرأء الشقراء والتي رأتها قبل ذلك عدة مرات في الشركة وتظن أنها مسؤل مهم بها: - اييوة اناا غادة حضرتك؟ هو انتِ تعرفيني؟
صمتت قليلًا تصفف بيدها على أطراف شعرها الكيرلي (المجعد عن قصد بصالونات التجميل ) ثم التفت إليها تجيبها: - بصراحة معرفكيش انت شخصيًا، بس عندي فضول اتعرف عليكِ، اصل من طريقة لبسك كدة واهتمامك بنفسك لفتي نظري.

اطربها ماسمعته فقالت بتفاخر وهي تشير على نفسها: - بجد! يعني انا فعلًا عجبتك؟ اصل انا بصراحة متابعة كل خطوط الموضة، والنت عندي كله عن البس ومتابعة الفاشينستات واللي بيلبسوه.
- الفاشينستات!
اردفتها بامتعاض قبل ان تكمل: - بس غريبة يعني ياغادة، واحدة في جمالك وشياكتك دي كلها ولسة سينجل، مش سينجل برضوا ولا انا غلطانة؟
ردت بلهفة وهي ترفع كفيها للأعلى امامها: - لا والله سينجل حتى شوفي.

ابتسمت الأخرى ترد بخبث: - مش محتاجة اشوف ياغادة انا عرفت لوحدي ماهو باين، انتِ بنت مكافحة وبتيجي الشركة في اتوبيس عام، عكس بنت خالك اللي اتجوزت الراجل الغني وجاية النهاردة في غربية اَخر موديل.
تغير وجه غادة وخبئت ابتسامتها لترد من تحت أسنانها: - نصيب بقى، كل واحد بياخد بياخد نصيبه في الدنيا دي نعمل إيه؟

قالت لتزيد الحريق بقلبها: - نصيب! لا ياحبيبتي دي حظوظ، وصاحبتك باينها محظوظة أوي، لكن هي فعلًا متجوزة الراجل الغني ده من دولة عربية؟
ازدردت ريقها غادة تجيبها وهي تهز برائسها بتوتر: - ايوة ففعلا هي متجوزاه عربي.
ابتسمت لها المرأة بحنكة ثم مدت يدها لتصافحها قائلة: - انا انبسطت جدًا بمعرفتك ياغادة عشان انتِ انسانة صادقة وباين عليكِ طيبة.

- ايوة صح انا صادقة وطيبة، لكن الدنيا بقى الدنيا ماشية بالحظوظ زي ماقولتي؟ بس هو انتِ تبقي مين ياهانم؟
ازداد اتساع ابتسامة المرأة لتجيبها وهي تتحرك من جوارها وتغادر: - مرفت ياغادة، عضو مجلس ادارة هنا في الشركة.
اتسعت عيناها تبرق بالانبهار وقبل أن تستوعب جيدًا وجدتها تلتف إليها سائلة: - على فكرة ياغادة انا كل يوم بروح لوحدي في عربيتي، ايه رأيك اروحك معايا اهو نسلي بعض في السكة؟

عاد مساءًا بعد جولته على شركات المجموعة وحضوره لعدة لقاءات شخصية مع أشخاص مهمين لعمله، كل خلية من جسده تصرخ اشتياقًا لها، لدفئها وابتسامتها التي تنسيه كل ما مر به بيومه، رائحتها التي تبعث في روحه الحياة، وكأنها كانت مفارقة العالم منذ سنوات، لقد اشتاقها واشتاق وصلها بجنون، حبيبته التي أتت إليه بعد أن تمكن منه اليأس لتذكره ان الحياة مازالت تحمل في جعبتها السعادة له.
- زهرة يازهرة.

كان يهتف باسمها وهو يقطع الردهة الفسيحة لمنزله، وصله صوتها من قريب، فخطى حتى وصل إليها، فتغضنت ملامح وجهه وانعقد حاجباه المقلوبان، وهو يكمل ملقيًا التحية عليها وعلى من يضمها بذراعه على الاَريكة وحدهم: - مساء الخير، حمد عالسلامة ياخالد.
اجابه الاَخير بابتسامة متوسعة: - مساء الفل ياجاسر باشا، عامل ايه انت بقى؟
- كويس ياسيدي والحمد لله، زهرة حبيبتي انتِ قاعدة كدة ليه؟

قال الاخيرة مخاطبًا زوجته وهو يقترب للجلوس على المقعد المجاور، باستغراب من جلستها تحت ذراع خالها وأقدامها مثتية تحتها، كتفها الايمن مستريح على صدره وكأنها طفلة صغيرة في حضن اباها، اجابته بعفوية وهو تشاهد في الهاتف الذي بيدها: - بتفرج على لقطات من فرحنا ياجاسر، نوال صورت كل حاجة ونقلتهم هنا على تليفون خالي.

بشبه ابتسامة اومأ لها قائلًا وهو يمسك بكفها يحاول أبعادها: - تمام ياحبيبتي اتفرجي عليهم، بس ادي لخالك نفسه دا جاي تعبان من السفر.
اعادها خالد بذراعه قائلًا بحزم: - لا ياعم انا مش تعبان، خليها قاعدة عشان نتفرج انا وهي مع بعض.
سأله جاسر من تحت درسه: - ليه هو انت مشفتش الفيديو قبل كدة؟
اجابه خالد ببرود متعمد: - لا شوفته طبعًا، بس الفرجة بقى مع حبيبة خاله حاجة تانية خالص.

صك على فكه يكبت غيظه من هذا الخالد، الذي يقصد متعمدًا اثارة غيرته المجنونة بتحدي مستغلًا مكانته بقلب زهرة، ومنها أيضًا وهي تشاهد غير مبالية بنيران صدره المشتعلة لكل من يقترب منها حتى لو كان أباها نفسه، تمتم بداخله يناجي الحكمة: - اللهم ماطولك ياروح.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة