قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الخمسون

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الخمسون

رواية نعيمي وجحيمها للكاتبة أمل نصر الفصل الخمسون

في انتظار خروج رئيسه من الشركة، كان واقفًا بعملية لتأدية مهامه في حمايته بحكم وظيفته في العمل، وقعت عينيه عليها، وهي تخرج من الباب الرئيسي ثم تقطع المسافة الفاصلة، حتى وصلت للذرج الرخامي؛ والذي هبطته بعد ذلك، يتابعها بدقة وتفحص، يبدوا أن بها شئ ما تغير ام أنه يتوهم ذلك براسه، بحماقة جديدة يقنع بها نفسه، بعد أن تعلق قلبه بها رغم كل ما علمه من عيوبها، مع نفورها الدائم منه وهذه النظرة المتعالية التي تحدجه بها دائمًا، ولكن يظل صوت برأسه دائمًا ما يهمس له، بأن هناك نقطة بيضاء تستحق التفتيش والبحث عنها، لربما وجدها وربما غلب الطبع السئ ليطمس بسواده ويمحو حتى هذه النقطة الخفية للخير، ارتفعت عينيها لتلتقي بخاصتيه بنظرة خاوية لا تحمل أي شئ من التعالي والعنجهية الكاذبة وهذا التمرد الذي يجذبه بها، مما جعله يتمنى لو استطاع ترك عمله واللحاق بها، حتى لو اضطر لمشاكستها كالعادة.

ولينال سخطها بعد ذلك كما تريد، ومنذ متى هو اهتم لغضبها أو صياحها بوجهه وصراخها.
اعتدل بوقفته على وضع الاستعداد كعادته فور أن رأى جاسر الريان من مسافة ليست بقريبة يعدو بخطواته السريعة للمغادرة.
أما هي وبعد أن تخطته لتقطع المسافة المؤدية إلى الرصيف الاَخر، حتى تلحق بوسيلة للموصلات العامة،.

بأقدام ثقيلة وشعور الإحباط أهبط كل عزيمة لها في القتال والمعافرة بشراسة لتنال حقها من الدنيا كما وعدت نفسها كثيرًا وفشلت، لقد صدقت والدتها حينما قالت، أن الجميع تقدموا للأمام ونالوا حظهم الجيد، وظلت هي وحدها في الخلف في بيتها مع والدتها وأبيها، تستقل الأتوبيس الحكومي او الميكروباص الشعبي، وغيرها يسكن القصور ويتحلى بالألماظ ويستقل السيارات ذوات الماركات الحديثة، رفاهية لطالما داعبت خيالها حتى شعرت انها تقترب منها وصعدت محلقة حتى كادت ان تصل إليها، قبل أن تُضرب على رأسها بقوة لتهبط إلى قاع الارض،.

مع وجع الكرامة وهي تشعر بالدونية الآن، وقد ظنت نفسها أكبر من التفكير فيها بهذه الصورة.
انتفضت فجأة تقطع شرودها على الصوت المستفز لمكابح السيارة التي توقف عنوة بالقرب منها توقفها.

قطبت بغضب وتحفز لسانها أن يمطر صاحب السيارة السباب بوصلة من السباب تخرج بها شحنة غضبها من الداخل، ولكن مع الرؤية الجيدة لمن يقود السيارة توقفت كلماتها على طرف لسانها، لتزم فمها بتنهيدة عالية أخرجتها وهي تُشيح بوجهها للناحيه الأخرى: - بتبعدي وشك عني ليه؟ هو انا اللي زعلتك؟

هتفت بها ميرفت من داخل السيارة لتلف إليها غادة وترد بشراسة: - مش انتي اللي عرفتيني بيه يا ست، الحلو المسبسب وفهمتيني انه عايزني في الحلال، اهو ظهر على أصله وعرفت غرضه كويس أوي دلوقت.
مالت برأسها إليها من أمام المقود لترد بصوت هادئ: - طب اركبي الأول، واحنا نشوف بعدها سبب الإشكال دا إيه؟

غلبها طبعًها غادة وردت بصوت أعلى من المعقول: - إشكال وزفت إيه إللي هنتكلم فيه، الباشا اخوكي كان عايز يتجوزني بورقة يا ست الهوانم، ولا اكني واحدة من إياهم حتى، او بت هبلة هيضحك عليها بقرشين.

كظمت غيظها مرفت وتفادت الرد عن حماقة هذه المعتوهة التي تنتوي فضحها وأهلها بصوتها العالي في منتصف الشارع العمومي، وردت كازة على أسنانها بحزم: - طب اتدخلي اركبي معايا يا غادة، مينفعش الكلام في الشارع كدة، انا بقولك نتفاهم، هو انت شايفاني هكلك يعني؟
زفرت الأخرى قليلًا بتفكير قبل أن تحسم أمرها وتنضم إليها داخل السيارة.

منكفئة على الأوراق التي أمامها تدعي التركيز وهي لاتفقه مما تقرأه شيئًا على الإطلاق، لقد حاولت مرارًا وتكرارًا بالعودة عليهم ومراجعتهم ولكن لا فائدة، فمنذ رؤيتها له صباحًا وعقلها تشتت بصورة غريبة وغير معتادة، ولا تعلم، إن كان بسبب هذا الإشتياق الكبير الذي شعرت به وقت رؤيته المفاجأة، أم هي الحيرة التي انتابتها مع معاملته الباردة لها وكأنها امرأة عادية بالنسبة إليه، ولم يجمعهم هذا النزال الطويل قبل سفره مع إصرارها على تكملة الارتباط بكارم.

نفضت رأسها لتستجمع نفسها مع تذكرها لهذا الرجل الذي ارتبطت به وتم عقد قرانه عليه، فلا يصح التفكير في غيره، عادت بهز رأسها عدة مرات لتفرك بكفيها على شعرها في محاولة بائسة لتستفيق، دنت برأسها تقرأ البنود التي أمامها في المستند، فأتت على الفور صورة هذه الفتاة الجديدة، وهذه الهيئة المبالغ وكأنها إحدى عارضات الأزياء، ثم هذه الصفة التي أطلقها عليها: - لهلوبة!

غمغمت بالأسم ثم انتبهت على صوت طرق على باب غرفتها، لتفاجأ بهذه الملعونة أمامها وكأنها أتت على النداء، مع ابتسامة ساحرة بثغرها الذي لونته باللون الوردي ليتناسب بشدة على بشرتها البيضاء وهي تخاطبها: - هاي يا فندم ممكن أدخل.
كظمت غيظها الغير مبرر لترحب بها على مضض: - اتفضلي يا...
- لينا يا فندم.

قالتها على الفور لتكمل بتهذيب لا يناسب ما ترتديه من ملابس محكمة بشدة على قدها الممشوق، وهذه الجيبة التي لا تصل حتى لركبتيها لتُظهر عن ساقيها الرائعتين.
- استاذة كاميليا.
اردفت بالأسم الفتاة لتلفت انتبهاهها، وقد بدا انها شردت في النظر إليها، استدركت كاميليا متحمحمة تظهر الجدية بقولها: - نعم يا. لينا، كنتِ عايزة إيه بقى؟

ردت وهي تتقدم إليها تتهادى بخطواتها وبطرف كفها ازاحت شعرها الذهبي للخلف، وابتسامتها الرائعة لم تغادر ثغرها: - كنت عايزة منك باقي المستندات والعقود يا فندم.
سألتها بجمود وهي تشير لها على الساعة الملتفة على رسخها: - عايزهم ليه دلوقتي وميعاد الإنصراف من الشغل خلاص على وشك؟ ثم انت لحقتي تخلصي اللي فاتوا أصلًا؟

ردت لينا بابتسامة ازداد اتساعها: - أنا فعلًا خلصتهم يا فندم ودلوقتي كنت عايزة الباقين عشان اخدهم معايا البيت واشتغل عليهم براحتي.
صمتت كاميليا يكتنفها الذهول، بفعل هذه الفتاة وسرعتها في إنجاز عملها مع هذا الجمال المبهر الذي تتميز به، فقالت تشير لها بذقنها دون أن تكلف نفسها عناء رفعهم بيدها: - اهم دول اللي قدامك، خديهم.

دنت الفتاة تتناولهم فتساقط معها الشعر الحريري قبل أن ترفعم على الفور وتستقيم بظهرها مستئذنة لتخرج، وقد تركت خلفها رائحة عطرها القوية التي غمرت الغرفة، لتغمغم كاميليا بصدمة: - يانهار اسود، ودي بيتعامل معاها طارق ازاي؟
فركت على رأسها بيأس مقررة المغادرة وترك ما بيدها من عمل وقد ضاق بها وارهقها التفكير، لتفاجأ بدفع الباب فجأة قبل أن يلج منه خطيبها المزعوم، كارم.

تطلعت إليه قليلًا بدهشة لتسأله: - إنت مخبطتش ليه يا كارم ع الباب قبل ما تدخل؟
أكمل بخطواته نحوها حتى أقترب يقبلها على وجنتها: - وهاخبط ليه وانا داخل عند مراتي؟
قالها والتف بوجهه ينتوي تقيبلها في الأمام، فارتدت سريعًا للخلف مبتعدة قائلة باعتراض: - خلي بالك يا كارم احنا في المكتب.
تقدم ليكرر المحاولة بجذبها من ذراعها يرد بثقة: - وإيه يعني ما هو مكتبك يعني مش مكتب حد غريب؟

نزعت يده عنها بعنف قائلة بحدة: - بلاش الأسلوب دا يا كارم معايا احسنلك.
توقف يضع كفيه في جيبي بنطاله، يتطلع إليها بغموض صامتًا، مما جعلها تتراجع عن حدتها: - اَسفة لو اتعصبت عليك، بس معلش يعني ياريت متكررهاش تاني
رد بوجه جامد لا يظهر تقبله للإعتذار: - ومكررش ليه هو انت مش مراتي برضوا؟
- مراتك ع الورق يا كارم، لسة مبقتش في بيتك.

هتفت بها بوجهه، ليقابل ردها بصمت مرة أخرى قبل أن يخاطبها بنبرة هادئة مريبة: - أجهزي يا كاميليا عشان اروحك.
ابتعلت ريقها فهذا التحول الغريب بشخصيته دائمًا ما يثير بداخلها القلق، بالإضافة لإصراره في توصيلها في الذهاب والعودة ومحاصرته الدائمة لها باتصالته العديدة طوال الوقت.
أنهت سريعًا وخرجت خلفه من غرفتها لتصطدم عينيها على الفور، بهذه الفتاة وهي تخرج من الغرفة المقابلة ومعها طارق.
- ودا امتى رجع ده؟

غمغم بالسؤال كارم ليفاجأ بالمذكور يبعت إليه التحية بابتسامة عريضة وهو يقطع الرواق مع هذه الفتاة التي تسير بجواره كطفلة فرحة مع والدها، ليسبقا باللحاق بالمصعد.
تبسم كارم بجانبية ساخرة يقول لها عن قصد: - مابيضعيش وقت.

انت جيباني هنا ليه؟
هتفت بها غادة غاضبة نحو ميرفت التي ردت بهدوء تمتص غضبها: - انا جيباكي هنا في بيتنا عشان نتفاهم يا غادة، ولا هي دي اول مرة تدخلي بيتنا.
حدجتها بنظرة ساخطة قبل أم تجيبها بنزق: - لأ يا ستي دي مش أول ادخله، بس انا حكيالك اللي فيها وعن اللي اخوكي عمله معايا، يعني مينفعش أدخل لا يفتكرني وافقت ع اللي قالوا ولا بتمحك على جنابه وعايزه يصالحني.

أطفئت محرك السيارة ميرفت لترد بنبرتها الناعمة والتي دائمًا ما تنجح في إقناع الاَخرين
- اسمعي مني يا غادة زي ما سمعت انا منك كل كلامك اللي فات، انا عارفة ليكِ حق، وانا بقى جيباك هنا بعيد عن عيون الناس عشان نتفاهم ونتكلم براحتنا.
صمتت غادة ترمقها بأعين متشككة فتابعت الأخرى: - أوعدك يا قلبي إن مش هعمل إلا إللي يرضيكِ، انتِ صاحبتي ياغادة ولا لسة معرفتش الكلام ده.

رغم عدم شعورها بالأرتياح لمغزى هذه الزيارة معها لداخل بيت هذا الرجل الذي تركها في نصف الليل تعود وحدها لمنزلها بعد عرضه الدنئ لها، ولكن النفس الضعيفة بداخلها أبت ان تفوت ما تظنه فرصة للعودة وهذه الميرفت، تطمئنها بنظراتها التي ترسل لها مئات من الوعودًا والاَمال التي تود تحقيقها، حتى رضخت لتترجل وتدلف معها لداخل المنزل.

- انا جيتلك اهو بسرعة ومتأخرتش عليكِ
هتفت بها ميرفت وهي تتقدم إليها تحمل صنية من المشروب، لتضيفها بها، رد غادة وهي تهز بقدميها بالأسفل بعصبية مع جلوسها متكتفة الذراعين بتشنج، يكتنفها التوتر مع هذه الشعور المتزايد بالقلق بدون سبب: - لو كنت اتأخرتي دقيقة تاني كنت هاسحب شنطتي وامشي على طول.
- ليه بقى وراكِ مشوار مهم؟

تفوه بها المدعو ماهر وهو يهبط الدرج بالقرب منها، انتبهت عليه غادة لتنهض على الفور ترد بعنف: - لأ طبعًا، دا عشان مشوفش وشك.
اوقفتها سريعًا ميرفت تجذبها من قماش سترتها، تخاطبها بمحايلة: - اهدي عشان تتفاهموا يا غادة وبلاش شغل العيال الصغيرين ده.
هدرت بها بعنف: - انا بعمل شغل عيال صغيرين؟
رد ماهر من الناحية الأخرى ببرود وهو يجلس مسترخيًا على اَريكته: - طبعًا أكيد مدام بتشوفيني وتجري ولا اكني هكلك حتى.

غلت الدماء بعروقها لتنفض ذراع ميرفت عنها وتتجه إليه قائلة بعنف: - وعايز رد فعلي يبقى إيه ان شاء الله معاك لما تعرض عليها اتجوزك بورقة وبعدها تسيبني ارجع في نص الليل من غير ما تفكر حتى في اللي ممكن يحصلي وانا راجعة لوحدي.
تدخلت ميرفت تدعي قول الحكمة في مخاطبة اخيها: - لأ في دي عندها حق يا ماهر، إنت ازاي تعمل كدة بجد؟

رد الاَخير يجاري شقيفته في التمثيل: - ما هي السبب يا ميرفت، زعقتلي وفضحتني قدام كل اصحابي اللي عرفوني، على الطلب اللي طلبته منها في لحظة سكر، مكنتش فيها بوعيي.
صاحت عليه غادة بعدم تصديق: - نعم مكنتش في وعيك ازاي بقى يا حبيبي، دا انت تبلع المحيط ولا يأثر فيك، إنت هتعملهم عليا؟

صك على فكه ماهر يكتم غضبه بمواجهة هذه المعتوهة ولسانها الذي يردف بالخطأ، وتمالك يشاهد شقيقته وهي تُهادنها بالكلمات الناعمة حتى أقنعتها بالجلوس: - انا جيبتكم ياغادة عشان تتفاهموا، خدي اشربي العصير يا قلبي يهديك ويروق مزاجك شوية.
تناولت منها تجترع الكوب سريعًا لتهدئ قليلًا من ثورة غضبها، ولم تدري بهذه الابتسامات والنظرات التي يتبادلها الشقيقان.

علي اَريكته الاَثيرة بوسط الصالة الكبيرة التي توسطت المنزل، كان مستلقيًا عليها بنصف نومة ونصف جلسة واضعا حاسوبه على أقدامه، يتابع اعماله واخبار البورصة من محله هنا بالمنزل بعدة أن حرم بأمر مباشر من الأطباء من الإجهاد في الذهاب إلى مقر اعماله وقد تولى ابنه المسؤلية عنه بالإضافة إلى شركائه الجدد من الشباب كمصطفى عزام، حتى رفع عن كاهله حملًا ثقيلًا، ولكنه عقله لا يهدأ عن المتابعة بنفسه، لقد تعود على ذلك، يعشق عمله ولا يستطيع التوقف عنه أبدًا.

- يا عامر يا عامر.
التف برأسه للخلف نحو الدرج الذي كانت تهبط منه زوجته والتي واصلت بهتافها بعد أن استرعت انتابهه: - إيه رأيك يا عامر؟ ده ولا ده؟
أسقط نظارته على اعينه لينظر جيدًا لما تشير إليه، ليرى فستانين بعلقاتهم ممسكة بهم ترفعم امامه بمستوى نظره، حرك رأسه يخاطبها بعدم فهم: - قصدك إيه مش فاهم؟

زمت فمها بعدم رضا، لتهبط الدرجات المتبقية وهي ترد مع اقترابها منه: - بسألك يا عامر عن رأيك، تفتكر اي واحد فيهم هايلقلي أكتر من دول، دا اللي لونه ازرق؟
قالتها وهي تشير بأحدهم قبل أن تبدل لتُشير بالاخر: - ولا دا اللي لونه تركواز؟
تمعن النظر في الفستانين جيدًا قبل أن يجيبها: - هما الاتنين حلوين يا لميا وانتِ أي حاجة بتليق عليكِ أصلًا، المهم بقى انتِ عايزة تلبسيهم في أيه؟

قضمت شفتيها السفلى لتقول بحرج قد كسا وجهها قبل ان تجيبه بتردد: - ما هو دا اللي كنت جاية أكلمك فيه، بصراحة كدة بقى، النهاردة كتب ميري وهي اتصلت بيا عشان اروحلها واحضر معاها.
عقد حاجبيه وتجعد جبينه بشدة ليسألها بصدمة تعلو ملامحه: بعد كل اللي حصل منها يا لميا في حقنا وحق ابنك، مع اللي اسمها ميرفت دي، وانت لسة برضوا على تواصل معاها؟ لأ وبيتعزمك كمان على فرحها؟

أخذت شهيقًا طويلًا تجسر نفسها قبل أن تجلس بجواره على ذراع الاَريكة لترد على قوله بالقرب منه: - على فكرة يا عامر انا عارفة كل اللي بتقوله ده، واوعى تفتكر إني ناسية ولا سهيت عن اللي حصل، انا بقالي فترة طويلة لا بكلمها ولا برضى ارد عليها، بس بقى لما قابلتني من كام يوم في النادي، وكلمتني عن كتب كتابها وإن مالهاش حد تقريبًا يقف معاها في المناسبة دي، بصراحة صعبت عليا أوي، انا عارفة انها مجنونة ومافيهاش عقل يميز الصح من الغلط.

هتفت بالاخيرة توقفه قبل أن يقاطعها، لتتابع بلهجة لينة: - هي فعلا ملهاش حد غيري يا عامر، دا غير ان والدتها وصتني عليها قبل ما تموت.
صمت يتطلع إليها بوجه متجهم ثم ارتخي تشنجه قليلًا قبل أن يردف إليها عن اقتناع بضرورة فعل كل إنسان بأصله، حتى لو كان هذا المعروف لا يقدره الاَخرون: - ماشي يا لميا روحي واعملي اللي عليك، مش همنعك.

سمعت منه لتهلل بمرح وهي تقبله على وجنته قائلة: - ربنا يخليك ليا ولا يحرمني منك أبدًا يا احلى عامر انت.
استجاب لها بابتسامة صفراء حتى انتهت ونهضت من جواره ليغمغم من خلفها بصوت خفيض مستغلًا أنها ولت عنه بظهرها: - على الله بس تعمر في الجوزاة دي، بعد ما لافت ع الواد الأجنبي الغلبان ده.

انتبه فجأة على أصوات الجلبة التي أصدرها جاسر بدلوفه للمنزل بصحبة زهرة بعد عودتهما من الطبيبة النسائية التي تتابع معها الحمل، تهلل وجه عامر وارتسم عليه السرور، فهتف بلهفة بعد أن ضاق من انتظاره لهما: - اَخيرًا وصلتوا، هو انتوا اتأخرتوا كدة ليه؟

توففت لمياء عن الذهاب هي الأخرى لتتابع رد جاسر وهو يقترب بزوجته من أبيه: - ما تأخرناش ولا حاجة يا عم، دا بالعكس بقى، احنا دخلنا على طول، انت بس اللي معندكش صبر يا عامر باشا.
- ايوة يا اخويا معنديش ولو كان عاجبك.
تفوه بها عامر نحو ابنه بامتعاض قبل أن يلتف لزهرة التي جلست بالقرب منه يخاطبها: - وانتِ بقى يا قمر، قوليلي إيه الأخبار؟

تبسمت له زهرة بصمت لتخرج له من حقيبتها صور للجنين وقد اتم الاَن شهره الرابع، تناول منها عامر ليسأل بعدم تصديق: - يا ولاد الأيه، دي صورة النونو صح؟
أومأ له الاثنان برؤسهم مع تبادلهم الابتسامات المرحة، فهتف عامر بفرحة تصدرت بقوة في نبرة صوته: - يا حبيب قلب جدك انت، دا حلو أوي يا جاسر.

جلس جاسر بجوار زوجته يضمها من كتفها بذراعه، وهو يتابع الفرحة على وجه أبيه، غافلين عن لمياء التي اقتربت تشب بأقدمها من محلها، لترى الصورة التي يُقبلها زوجها، تدفعها الحاجة الشديدة لمشاركتهم اللهفة والفرح، ولكن يوقفها هذا الشئ بداخلها، فهي لا تريد اظهار ضعفًا ولا تنازل عن موقفها أمامهم، تحركت قدميها فوجدت نفسها تبادر بحديث مختلف عما يدور بداخلها: - على فكرة يا جاسر، انا شوفت صاحبك النهاردة، هو رجع امتى من سفره؟

التف إليها جاسر يجاريها في الحديث رغم تركيزه لاتجاه ابصارها: - قصدك طارق، ما هو فعلا رجع امبارح.
هتف عامر من بينهم: - بس الواد صغير اوي، هو انتِ ما بتتغذيش كويس يا بنت انتِ ولا إيه؟
قالها لزهرة التي ضحكت تجيبه: - لا والله يا عمي بتغذى كويس واسأل ابنك كمان، بس هو دا حجمه الطبيعي على فكرة، دا عمره اربع شهور.
- برضوا لازم تهتمي أكتر من كدة، انا عايزه ينزل للدنيا، حلو ومقلوظ كدة فاهمة ولا لأ؟

شدد على قوله بإصرار اثار مرحها لتومئ له برأسها تنفيذًا لمطلبه، وتابعت لمياء بالحديث المختلف، ويدها تتحرق لتتناول الصورة من عامر: - دا حتى كان معاه لينا يا جاسر سكرتيرتك القديمة فاكرها؟
أجابها جاسر بتذكر: - اه طبعًا فاكرها، دا انا حتى كنت ناوي ارجعها تاني تمسك بدال زهرة في شهور حملها، لكن عم طارق بقى سبق.

تدخل عامر وقد تذكر هو أيضًا: - أوبا، انتو تقصدوا لينا أم عيون فيروزي؟ يا نهار أبيض دي ص اروخ أرض جو يا جاسر.
التفت إلى زوجها زهرة بحدة، وملامح وجهها تحولت كطقة متوحشة تنتظر الهجوم لتنبش مخالبها به لتسأل بخطورة: - هي مين دي اللي ص اروخ أرض جو وكنت هاتجيبها مكاني يا جاسر؟

تحمحم الاَخير يحرك مقلتيه حولها بقلق حتى تنتبه لأبويه، ورد بلهجة جعلها رزينة حفاظًا على هيبته: - انا كنت هجيبها عشان شطارتها مش لأنها ص اروخ أرض جو زي ما بيقول والدي.
رد عامر بنبرة خبيثة يدعي التغافل عن شرود لمياء بتركيز في صورة الجنين التي بيده: - صدقيه يا زهرة، هي فعلآ بنت شاطرة وممتازة، دي لهلوبة.

تنظر للأعلى نحو السقف بإعجاب وانبهار يكاد يخرج بعينيها التي توسعت بشدة: - يا لهوي، دي النجفة بتاعتكوا كبيرة قوي قد الحيطة، واللمض اللي فيها كتيييير، مين اللي عملها؟
وجهت السؤال لهذا الذي يتطلع إليها بابتسامة تعلو فمه، قبل أن تصدمة بالسؤال التالي: - لكن انتو عندكوا برص بيقف ع الحيطة زي اللي في بيتنا برضوا؟

توقف قليلًا مضيقًا حاجبيه يستوعب السؤال قبل أن ينفي برأسه ضاحكًا: - لأ معندناش، ابقى تجيبلنا من عندكم هههه
أومات تحرك رأسها بعدم فهم لتكمل في التجول على كل ركن بالمنزل بخطوات غير متزنة كانت تضطره في بعض الأوقات لمساندتها، كي يستمع لما تلقيه إليه من ملاحظات تزيد من مرحه، ليواصل بضحكاته حتى هتفت عليه شقيقته بعد أن ارتدت ملابسها سريعًا: - طب انا همشي بقى يا ماهر.

ترك غادة ليقترب من الأخرى يسألها: - انتِ هتمشي وتسبيني لوحدي معاها يا فيفي؟
القت عليها نظرة ساخرة قبل أن تعود إليه قائلة: - وماتقعد معاها لوحدك يا سيدي هو انت هتخاف، دي حتى عاملة دماغ زي الفل وهتسليك.
رد بابتسامة مضطربة رغم مرحه: - تمام يا ستي انا موافقك والله، بس بصراحة بقى خايف لا يجي من وراها قلق.

ضحكت بقوة حتى مالت رأسها للخلف قبل أن تجيبه: - يجي القلق ازاي بس ياقلبي؟ وهي داخلة برجليها بيتنا، يعني محدش ضربها على إيدها، وحتى لو حاولت زي انت ما بتقول، مش هتضر غير نفسها برضوا.
أومأ لها ماهر بابتسامة مقتنعة لتكمل هي: - عيش انت بس اللحظة، وسجل عشان هو دا المهم ليا أنا.

اشار لها بسبابته على عينيه بمعنى الموافقة فتحركت للذهاب مردفة: - تمام اوي، اروح انا اللحق كتب كتاب ميري، دي إكيد هتقتلني لو اتأخرت اكتر من كدة.
أنهت بقبلة تبادلتها معه في الهواء، قبل أن تغادر بخطواتها السريعة، لتتركها فريسة سهلة المنال مع شقيقها حتى تحقق بعد ذلك الهدف من وراء كل ذلك.
وصلت لتعتلي سيارتها وقادتها بسرعة تختفي بها نحو وجهتها.

لتثير الشك بقلب هذا الحارس الخاص لشقيقها المدعو رعد، والذي تسمر محله ينتقل بعينيه كل ثانية نحو مدخل المنزل ينتظر خروج هذه الفتاة التي دلفت معها، منذ قليل، وقد بدأ يساوره القلق.

أنهى مكالمة خاصة بعمله قبل أن يعود إليها يشاركها هذا الوقت القليل في مشاهدة التلفاز، قبل خروجه لحضور لقاء مهم مع أحد العملاء.
-خلصتي المسلسل بتاعك؟
اردف بها وهو يتكئ بجوارها على اَريكتها، لتتوقف الكلمات بحلقه، مع انتباهه لهذه النظرة الغريبة التي ترمقه بها: - زهرة هو انتِ تعبانة ولا في حاجة مدايقاكي؟
ظلت على صمتها وهذه السكون يثير قلقه، فتابع بقوله: - يا بنتي ما تردي عليا وانا بكلمك، ساكتة ليه؟

تكتفت فجأة تأخذ وقتًا في التفكير بعمق قبل أن تسأله بصوتها الخفيض على تردد: - هي اللي اسمها إيه دي، ام عيون فيروزي، حلوة قوي كدة زي ما بي بيوصفها عمي.
ارتفع حاجبيه وانخفضا سريعًا باستدراك، فتحمحم يحاول انتقاء الكلمات حتى لا يسهو بكلمة ويقع في الخطأ: - حلوة ولا وحشة يا زهرة، دي في الأول والآخر كانت موظفة عندي، زيها زي أي واحدة بتشغل في المجموعة انا مليش دعوة بشكلها.

كانت تستمع إليه فاغرة فاهاها بتحفز، حتى إذا انتهى سألته على الفور: - طب بصراحة كدة ومن غير زعل، هي البنت دي كانت من ضمن البنات اللي. مشيت معاهم.
اعتدل بجلسته على الفور ينفي لها برأسه: - لا يا زهرة لينا مش كدة خالص، دي بنت أصول أساسًا وهمها غير في شغلها وبس، دا غير انها في وقت ما كانت بتشتغل عندي، كانت لسة بتكمل تعليمها الجامعي، لينا محترمة وممتازة و...
- ولهلوبة.

اردفت بها تضيف على قوله قبل أن تتغير ملامح وجهها لتكمل هاتفه بغضب: - دا انت ناقص تقول فيها شعر يا جاسر!
تلجم ينظر لها بازبهلال، يراجع بذاكرته إن كان أخطأ في قوله لها وتابعت هي بلوم: - ما ترد يا جاسر على كلامي سكت ليه؟

تردد يبحث عن إجابة جيدة، وقد انتابته حيرة الاختيار لا هو بقادر على ذم الفتاة ولا المدح فيها، وطبع زوجته المتغير هذه الأيام لا يسهو عن كلمة واحدة حتى، ارتفعت عينيه إليها فجأة ليجد هذا الترقب في خاصتيها لي نفجر ضاحكًا، مما زاد باشتعال غضبها وهي تهتف بالكلمات الحانقة عليه وعلى بروده، قبل أن يحاوطها بذراعيه مرددًا بين ضحكاته: - يخرب بيت الهرمونات يا شيخة.

بفستان أبيض طويل انساب على جس دها الرشيق بنعومة، مفتوح من الأمام اعلى الركبة ويغطي هذا الجزء المكشوف طبقة كبيرة من الشيفون المطرز بالورود، ومثله كان في أعلى الظهر من الخلف مع فتحة كبيرة في الأمام، بذراعين مكشوفين، التفت حول المراَة شاعرة بالزهو، فبرغم كل حذرها مع رائد ولكن غلبها طبعها لتختار هذا الفستان ضمن مجموعة راقية لأشهر المصممين في أروربا، لترى هيئتها الاَن وهي تشبه النجمات مع قصة شعرها الجديدة ومكياج كلفها الاف الجنيهات، شعور بالفرح يغمرها ليس له مثيل.

- ها إيه رأيك بقى يا خالتو؟
هتفت بها نحو لمياء التي تسمرت عينيها فوقها بإعجاب، وقد داعبت ميري بهيئتها هذه الجزء المتحكم بها دائمًا وهي المظاهر المبالغ فيها، تداركت الوضع الجديد معها فردت ببعض التكلف: - جميل يا ميري ربنا يتمم بخير.

لم تعجبها المذكورة هذه الإجابة المقتضبة فهتف مرة أخرى تلتف إليها تتابع بقولها: - جميل وبس يا خالتو، طب مقولتش يعني رأيك في التسريحة ولا المكياج simple مثلا، طب خدتي بالك من العقد دا من الطقم الجديد اللي جبهولي رائد هدية.
أومأت لها لمياء تردد على مضض، وهي ترى فعل ميري للفت نظرها لهذه الأشياء غير مستحب: - ما انا قولتلك يا ميري ربنا يوفقك يا حبيبتي.

تدخلت ميرفت متحدية لمياء التي تتعمد تجاهلها منذ أن أتت: - إنتِ مش محتاجة شهادة يا ميري، انت كل حاجة فيكي روعة النهاردة.
التفت إليها ميري تقول بدلال مع هز أكتافها: - مرسي يا قلبي، عقبالك يا ميرفت، ما هو زي ما انا ربنا عوض عليا بالجوازة اللي تجنن دي، أكيد انتِ كمان هتلاقي اللي يقدرك ويبوس التراب اللي بتمشي عليه.

سمعت منها الأخرى لتقترب وتبادلها قبلة لم تتطال وجنتها جيدًا من خفتها، لتردف لها: - يا حبيبة قلبي انتِ، ما يحرمنيش منك يارب.
أشاحت لمياء بوجهها عن ميوعة الاثنتان بالتمثيل الذي يصيبها بالتقزز، بعد أن شاركتهن غرفة واحدة مع تجهيز ميري، فقالت تقطع وصلة العواطف لهن: - طب ممكن توقفوا شوية عشان نشوف العريس وأهله وصلوا ولا لسة ولا نعرف حتى ميعاد كتب الكتاب مع المأذون.

همت ميري لتهتف على الخادمة ولكن ميرفت أوقفتها: - انا هروح اشوف واطمن بنفسي، خليكي مكانك يا ميري.
- تمام ياقلبي.

قالتها ميري تبادلها ابتسامة فرحة، قبل أن تخرج الأخرى لتتابع من أعلى الدرج في الطابق الثاني، وصول الضيوف الذين أتو مع العريس وأبيه السفير، وبعض الرجال والنساء من أسرتهم، وأبيها الذي اتخذ مكانه بجوار المأذون، وبجواره بعض الرجال الذين تبقوا لمصلحتهم معه، وقد ذهبت عنه الوزارة وذهب الصخب وصيت اسمه الذي كان يملأ العالم.

ثم توقفت عينيها فجأة على أحد الاشخاص والذي جلس بزاوية وحده بعيدًا عن الجميع. لتكتم شهقة مفاجأة تحولت بعد ذلك لضحكات خبيثة بعد أن تبينت بهوية الشاب رغم ارتدائه لحلة بعيدة عن مظهره في العادة، لتردد مندهشة بابتسامة متسلية: - مارو! ودا عرف يدخل هنا ازاي؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة