رواية نصال الهوى الجزء الرابع للكاتبة إسراء علي الفصل السابع والعشرون
إربطوا الأحزمة. الأحداث هتبدأ من الفصل الجاي
الوقت قد تخطى مُنتصف الليل حينما صدح صوت هاتفه ليتململ جاسر ب ضيق و كتم صوته وعاد ينام قرير العين يضم جسد روجيدا النائم ب عُمق بعد ليلة أنهكتهما معًا ثم إبتسم وهو يشعر بها تضم جسدها إليه
عاد صوت الهاتف المُزعج ليُتمتم ب سبة بذيئة لو كانت روجيدا سمعتها لطردته خارج الغُرفة بل القصر ب أكمله.
إبتعد عنها ب حرص وهو يسحب ذراعه من أسفل رأسها و أبعد يده عن خصرها ثم سحب الهاتف الذي إنقطع رنينه لينظر إلى الوقت الذ يقترب من الثانية صباحًا بعد مُنتصف الليل
قطب جاسر حاجبيه ب قلق لتلك المُكالمة. لا أحد يتصل به بعد الساعة العاشرة مساءًا والآن لا يُبشر ب الخير أبدًا. عاود رنين الهاتف يصدح لتتأفف روجيدا قائلة ب إنزعاج
-إقفل تليفونك يا جاسر مش عارفة أنام.
وضع الهاتف على أُذنهِ ونهض بعيدًا عن روجيدا وقبل أن يتحدث سبقه من ب الناحية الأُخرى ب صوتٍ هَلِع
-إلحقنا يا جاسر باشا. البية الصُغير جواد وحمزة بيه نازلين ضرب ف الزفت اللي ف المخزن
أظلمت عينا جاسر ب حدة ثم هدر دون أن يأبه لزوجته التي إنتفضت فزعة تُحدق به ب خوف
-وجواد بيعمل إيه هناك يا بقر! إزاي تسمحوله يُدخل أصلًا يا بهايم؟!..
نظر الحارس إلى الشاب الآخر المسجي دون حراك ب عبوس و وجل ثم عاود الرد على جاسر ب صوتٍ مُتحشرج
-الموضوع كبير يا باشا ومحتاجك فورًا
-جأر جاسر ب صوتٍ جهوري مُفزع: إقفل أنا جاي. جتكم الأرف
أغلق الهاتف وهو يُتمتم ب غضبٍ أسود لتنهض روجيدا جزعة ثم تساءلت وهي ترى جاسر يتجه إلى الخزانة ليُخرج ملابسهِ عشوائيًا
-في إيه يا جاسر؟
-أتاها صوته المكتوم: مفيش يا روجيدا خُشي نامي؟
لكنها لم ترضخ له لتتجه إليه وتضع يدها على كتفهِ تُديره إليها ثم هدرت ب قوة
-مش هنام يا جاسر غير لما تقولي جواد فين وإيه اللي بيحصل!..
زفر جاسر ب نفاذ صبر حاد ثم أمسك يديها وقَبّلها ب التناوب هاتفًا ب أقصى ما يمتلكه من ضبط النفس
-جواد شكله عرف اللي حصل لُجلنار وهو في المخزن دلوقتي وعامل مشاكل
شدت يدها على يديه و تمتمت ب صدمة عيناها تتسعان ب التدريج
-وجواد عرف منين؟ إحنا حاولنا نخبي عليه قدر الإمكان.
إبتعد عنها بعدما لثم جبينها وإلتقط مُتعلقاته الشخصية ثم أجابها ب سُخرية
-جواد مش غبي يا روجيدا. جواد ورث مني كُل حاجة كاره إنه يورثها مني. ولو معرفش النهاردة هيعرف بكرة
لم يناظر المزيد بل إبتعد عنها وهي تحاول اللحاق به إلا أنه هدر ب صرامة لا تقبل الجدال
-روجيدا! مكانك مش هناك. مش وسط القذارة اللي بحاول أبعدكوا عنها. خليكِ وأنا هجيبلك إبنك لحد عندك.
حاوطت نفسها ب خوفٍ لا تعلم مصدره. كُل ما حدث ب الماضي ما هو إلا السكون قبل العاصفة. تلك العاصفة المُؤلمة التي لن تترك شيئًا من آل الصياد إلا وإقتلعته. روجيدا تشعر دائمًا ب السوء ويتحقق ولكنها تتدعوا الله أن يُخيب ظنها.
ترجل جاسر من السيارة ب هيبة طاغية تُرعب من ينظر إليها رغم سنه المُتقدم ولكنه لا يزال يمتلك نفس التأثير. نفس القوة. الهيمنة على من حوله ف يخنعون له إجبارًا
إنحنى رأس الحارس الذي يحرس البوابة الصدئة لينظر إليه جاسر نظرة قاتلة إخترقت الأخير ف شَعَرَ أن روحه تُنتذَع منه عنوة ثم هدر ب فحيح مُفزع
-محدش يدخل أبدًا. وعالله كلامي ميتنفذش
أومأ الحارس ب إضطراب ليدفع جاسر البوابة ودلف ثم أغلقها خلفه.
علي الرغم من الخراب الذي كان يعُم المكان إلا أنه أصبح أكثر خرابًا ب عنفوان شابين كاناه هو وصابر يومًا. لم يحتج أن يبحث عن جواد كثيرًا ف صوت زئيره كان عاليًا، مُخيفًا و صرخات عبد الرحمن الوهنة تخترق أُذنهِ المُهرفة.
حقًا لم يشفق على ذلك الحقير بل يستحق أن يُسحق كما الحشرة تمامًا ولكن رغم ذلك لم يُرد أن يتطبع جواد ب عنفوان وقسوة جاسر. يحتاجه رحوليًا، قويًا نعم ولكنه لا يُريد أن يُصبح نُسخه مُصغرة عنه لا تجذب سوى الخراب والدمار
تحرك إلى جواد والذي رغم إنهاكه وإعياءه الواضح لم يستكن بل ألفاظ الجارحة، البذيئة تنطلق ب حُرية ف تُصيب جاسر ب النفور.
كادت لكمة أخيرة أن تودي ب حياة البائس إلا أن جاسر أمسك قبضته ب قوة مانعًا إياه من المزيد. شراسة جواد لم تُصدق و غضبه الأسود الذي لم يعتقد أنه يمتلكه يومًا تملك منه فجعل منه لوحة أكثر بشاعة في إنتقامها
كات جواد تحت تأثير الغضب وحينما مُنعت قبضته أن تُنهي حياة الآخر كانت مُعلقة ب قوة جبارة ف إستدار إلى الظل الجاثم فوقه ب ملامح شُوهت وسامتها المُفرطة ب الغضب الأسود ذا اللهيب المُظلم.
للحظة إترسمت الصدمة ب أسمى معانيها على وجه جاسر وهو يرى ولده ب تلك الحالة التي جعلته أسوء منه ب آلآف المرات
كاد جواد المعمي عن رؤية من يُمسك قبضته أن يلكمه ولكن يد جاسر الأُخرى منعته وهو يصرخ ب قساوة مُفرطة، ساخر ب حدة
-غضبك هيخليك تضرب أبوك ولا إيه!..
للحظة لم يستعب جواد الحديث نظرًا لصوت لُهاثه العالي ثم بعد ذلك شيئًا ف شيئٍ تجلت صورة جاسر أمامه ب نظراتهِ الصلبة وعيناه التي تنضح ب قساوة مُرعبة. ليصمت مُرخيًا يداه دون حديث
أما جاسر لم يترك له المزيد من الوقت ليستكين بل جذبه من تلابيبهِ مُراعيًا كسر ساقه ثن هدر ب حدة تردد صداها بين جُدرانه المعدنية ف إنكمش الجميع رهبةً منه
-كمل ضرب سكت ليه؟ إضربني يمكن دا يخف غضبك يا باشا!..
غمغم جواد دون أن ينظر إلى جاسر ب نبرةٍ قاسية، أجشة
-مُكنتش شايف إنه أنت
-سأله جاسر ب جفاء: بتعمل إيه! وإيه اللي جابك هنا؟
حادت نظرات جواد إلى ذلك الشاب الذي يكاد يتبول ب بنطاله لكثرة الرُعب الذي عاشه في تلك الليلة المشؤومة لينظر إليه جاسر نظرة مُظلمة لينتفض مُرتعبًا خلف حمزة والذي مُنذ قليل كان يُعذبه ب قسوة لكي يستخلص منه المعلومات.
العائلة موبوءة ب عرق القساوة و الغضب. تورثت الجينات حتى لمن لا يحمل اسم الصياد ولكن يكفي أن حمزة ينتمي إلى العائلة ب شكلٍ أو ب آخر
عاود النظر إلى جواد وهدر ب صوتٍ جهوري، قاتل
-ودا بيعمل إيه هنا!
-هتف جواد ب جمود: لازم تسمع اللي هيقوله
تشنجت عضلات فكه ولكنه تساءل ب غلظة وهو ينظر إلى جواد دون أن يأبه لما قاله
-عاملي أنت وهو شُغل عصابات وجايين تخلصوا على الناس مش كدا!
-هدر جواد: حقي. جاي آخد حقي وحق جُلنار اللي زيه مدّ إيده النجسة عليها
-تمتم جاسر ب سُخرية: وهتاخده إزاي يا وحش!
-ب نبرةٍ مُظلمة هدر: هقتله
لم يجفل جاسر بل دفعه ب خفة ثم وضع ب يدهِ مُسدسه الثقيل وهدر ب صوتٍ قاسي جاف
-إقتله. أهو قُدامك وف إيدك السلاح. إقتله
إقترب جاسر منه خطوة ثم هسهس ب فحيح أفعى مُرعب ولكنه يحمل مرارة لم يُخطئها جواد.
-بس قبل أما تفكر تقتل وتلوث إيدك ب الدم. إعرف إن الدم مبيتغسلش. وكُل يوم هتطاردك روح من الأرواح اللي قتلتها. هتفقد إنسانيتك لحد أما تبقى مُجرد وحش هوايته القتل
لكزه جاسر ب قوة في صدره تراجع على إثرها جواد ثم هدر ب صوتٍ مُخيف
-أنا ملقتش اللي ينصحني بس أنا مش هسيبك تمشي ف نفس الطريق. خُد حقك بس متخليش أول طريق تسترد بيها حقك القتل.
تنفس جواد ب حدة و صوت تنفسه العال يصدح ف يجعل أنفاسه ك الريح العاتية ليُتمتم ب صوتٍ خفيض، أسود
-مدّ إيده على جُلنار
-حينها همس ب صوتٍ مُجرد من المشاعر الإنسانية: وهعرف آخد حقها لحد أما يشفى غليلي.
ترجل جاسر من السيارة دون أن يولي جواد إهتمام. كان الوقت قد قارب الشروق ف قرر عدم الذهاب إلى الشركة ف لتذهب إلى الجحيم. ما رآه اليوم من ولده كان كفيل ب أن يجعله في حالة من الصمت المُريبة بل والغضب الغير مفهوم لذلك آثر الإبتعاد والهرب إلى أحضانها
بينما جواد ترجل ب مُساعدة السائق الذي قال ب إحترام
-تحب أساعدك لحد البيت!
-نفى جواد وقال: لأ هروح لبيت عمي.
تناول جواد العصا الحديدية التي يتكؤ عليها حتى وصل ألى بيتِ عمه. ليُخرج هاتفه ثم أجرى إتصالًا هاتفيًا ليأتيه صوتها الناعس
-جواد! خير في حاجة ولا إيه؟
-تمتم ب صوتٍ غريب: تعالي ف الجنينة اللي كُنا بنقعد فيها وإحنا صُغيرين. محتاجلك
ثم أغلق الهاتف وإتجه إلى الباب الخلفي حيث الحديقة المُهملة و جلس فوق العُشب الأخضر أسفل شجرة عتيقة.
تبسم ضاحكًا وهو يعود ب ذاكرته إلى يومٍ يبدو الآن بعيدًا رغم أنه لم يفت عليه سوى سنتين. حينما هربت محبوبته من المدرسة بعد أن أثارت شجارًا حاد مع إحدى زميلاتها والتي كانت صدمة إليه خاصةً ف طبيعتها الهادئة تختلف عن تلك الثائرة التي نتفت خُصلات قرينتها وسببت لها جرح طولي ب عُنقها ب أظافرها الطويلة.
وجدها تختبئ خلف تلك الشجرة ترتجف ب خوفٍ ليبتسم وجلس جوارها. وأبعد يديها عن وجهها و دون أن يسألها عن السبب أردف ب إبتسامة تهيم بها عشقًا
-حتى لو كُنتِ غلطانة. أنا جنبك هدافع عنك حتى لو هتعاقب مكانك
لن ينسى إبتسامتها ولمعة عيناها أو حتى إنبهارها لذلك الحارس الذي يحميها دون أن تطلب. كانت ولا تزال مُدللته.
يعشقها نعم وإلى حد الجنون. ورث التملك في العشق من والدهِ. لطالما قصت عليهم جدته فاطمة قصة العشق الملحمية التي خاضاها بكل قوة مواجهين كُل الصعوبات دون تهن عزيمتهما
الآن عَلِمَ لماذا يتمسك بها وزاد تمسكه قوة حينما إعترفت تلك الفاتنة ب مشاعرها حتى وإن لم تكن واضحة ف يكفي كيف إلتقطها قلبه ونبض بها صدره.
رفع أنظاره حينما داهمه عطرها الفتّاك والذي لا يقل عن خصرها المُتمايل ب إمتلاء طفيف يغويه. ترتدي ثياب مُريحة لها ومُعذبة ب النسبةِ له
سروال أبيض قصير يصل ب الكاد إلى رُكبتيها. و كنزة وردية هفهافة حول جزعها العلوي. ولكنها شفافة تحد ثيابها الداخلية السوداء ك نظراته التي إلتقطت مفاتنها اللاهبة لمشاعره الذكورية الفائرة.
كنزة إنسدل حاملتها اليُسرى لتُظهر كتفها الأحمر ب خجل لا يعلم أهي بسبب نظراته الفاضحة أم بسبب خجلها لإعترافها أمس؟ ولكنه لم يُفكر كثيرًا ف قد جلست القُرفصاء أمامه وسألته ب توجس تخفي خجلها الذي أكل وجهها كُله ف جعل نبرتها تخرج مُرتعشة
-شكلك مش كويس يا جواد! حصلت حاجة؟
لم يرد عليها طويلًا بل ظل يُحدق بها وهي كذلك ب عينيه ذات اللون الغريب المتماوج بين العسلي والأخضر المُمتزج ب العسلي وقد أحاطهما إحمرار يشي ب عدم حصوله على النوم خصوصًا وثيابه رثة. رثة ب درجة مُخيفة
لتتساءل ب هلع وهي تضع يدها على وجنتهِ ب حركة زادت من ظُلمة عيناه
-جواد رُد عليا!..
أمسك يدها ثم لثم باطنها مُطولًا ليرتفع وجيب قلبها ويرتعش بدنها تأثرًا به إلا أنها لم تُظهر لا هذا ولا ذاك. بل إبتسمت ب توتر رغبةً منها في مؤازرته. وهو لا يزال زارعًا شفتيه ب طريقة حميمية ب باطن كفها ليهمس بعدها ب صوتٍ أبح
-عاوزة أنام ف حُضنك. تعبان يا إيلاف. تعبان
إتسعت عيني إيلاف ولكنه لم يدعها تستوعب ما يفعل خاصةً وهو يقول ب تعب مُمددًا رأسه على ساقيها
-خُديني ف حُضنك يمكن تسحبي تعبي.
إبتسمت إيلاف أشفاقًا لحالتهِ التي تراها عليه لأول مرة. لتثني ساقيها أسفلها وهو وضع رأسها عليهما ليلف ذراعيه حول خصرها دافنًا رأسه ب بطنها ونام بعد ثوان. وهي تغرس أصايعها ب خُصلاتهِ الغزيرة تتلاعب بها ب حنو ليثير الخدر ب جسدهِ وغط في سُباتٍ عميق.
عند الظهيرة
ترجل يزن من السيارة الأُجرة ليدس بعض النقود ب يد السائق ثم توجه إلى المبنى القديم ب الحي الذي ترعرع به
كان قد تلقى مُكالمة هاتفيه نت خالتهِ بعدما ترك رقم هاتفه في حين إحتاجته ب آخر أوراق الدفتر ليعلم أنها أنهت قراءتها ب الكامل. إرتجافة قوية هزت بدنه تنتابه كُلما عبر أروقة ذلك الحي.
ينتفض فؤاده من بين أضلعه كُلما صعد درجة وهو يتذكر أسوء الذكريات. مرت ذكرى حينما حاوطه أهالي الحي و عربة الشُرطة تنتظره ب الأسفل وهو مُكبل ب الأصفاد وجواره أمين شُرطة ينظر إليه ب إشمئزاز
حرك رأسه ينفض تلك الذكريات عن رأسهِ وصعد حتى وصل إلى طابقها. دق الباب ب نغمةٍ لم يستطع تغييرها لتفتح له خالته بعد ثوان وهي تقول ب إقتضاب
-إتفضل.
دلف يزن دون أن يتكلم ثم توجه إلى الصالة وجلس فوق الأريكة لتأتيه خالته ثم جلست جواره وهي تضع بين يديه دفتر إبنتها المتوفاه لتقول ب حشرجة
-خبطتك لسه متغيرتش
-إبتسم ب شجن وقال: بعض الحاجات من الصعب نغيرها. ودي كانت عادتي كُل أما أرجع البيت بعد الدروس.
إبتسمت هي الأُخرى لتلك الأيام الرائعة التي عاشتها مع مُراهق صغير تُرك في رعايتها دون سابق إنذار ولكنه كان من أجمل ما حظيت به. تنهدت وهي تُرثي حالها وحال ذلك الشاب الذي يبدو تائهًا ثم قالت ب تلعثم
-بس. بس شكلك إتغير. زادتك الأيام وسامة
أمسك يدها ف إضطربت ولكنها لم تُبعدها ليقول ب إبتسامة مُتألمة
-كُنتِ ديمًا بتقوليلي هتجنن بنات الحي لما تكبر...
ضحكت باكية وهي تتشبث ب يدهِ ليقول بعدها ب شرود حزين. حزن ينحر قلبه ب سكين
-و ياريتني ما كبرت
-سألته وهي تتمسك ب رباطة جأشها: ليه حملت نفسك ذنب عظيم زي دا؟ ليه مقولتش مظلوم وأثبت التُهمة عليك
رغم شحوب وجهه الذي يعتريه ورغم إرتعاش جسده الذي شعرت به من إرتعاش يده فوقها ف شدت عليها إلا أنه قال ب إبتسامة لخصت مُعاناه مُراهق أُلقى في غياهب الظُلم
-حبيتها. حبيتها لدرجة إني حبيت حُبها ل الواطي اللي أذاها.
-شهقت ب إحتراق: آآآآآآه يا بنتي. ليه عملتي ف نفسك كدا!، ليه عملتي فينا كدا؟
-سارع يزن ب القول: مبجوزش عليها غير الرحمة. أنا سامحتها مت زمان. سامحتها حتى لما أذتني عشان تحميه. لأني عارف معنى إنك تحب لحد الجنون
أغمضت عيناها لتنساب عبرتين أخيرتين قبل أن تقول وهي تنظر إليه ب ألم و أمل في مُسامحتها
-سامحني يا بني. سامحني على سنينك اللي ضاعت ف السجن
لثم كفها المُغضن ثم نظر إلى عينيها وقال ب إبتسامة عذبة.
-عُمري ما زعلت منك عشان أسامحك
ربتت على وجنتهِ لتجذب رأسه إلى أحضانها ف إبتسم أكثر وهو يشعر ب دفء لم يشعر به مُنذ زمن. زمن طويل جدًا
كان قد دلف إلى المرحاض ليستحم بعد جلسة طويلة من الأحاديث معها حتى طلبت منه تصليح شيئًا ما وقد تلطخت ثيابه ف عرضت عليه تنظيفها وهو يستحم.
بحثت في جيب بنطاله تُخرج حافظة النقود. هاتفه ومُتعلقاته الشخصية. حتى سقطت ورقة مُهترئة ف إنحنت تلتقطتها دون النظر إلى محتواها أو تتطفل على شؤونه الخاصة ولكن ذلك الاسم الملعون، البشع الذي أحال حياتهم قبل سنين إلى بؤس وشقاء جعل بؤبؤي عيناها يتسعان ب هلع أقرب للجنون.
تركت ما ب يدها وفضت الورقة كما يجب وبدأت ب قراءتها ومع كُل سطر تفقد خفقة من قلبها حتى شعرت أنه توقف تمامًا. ترنحت وجلست فوق المقعد وهي تُحدق ب الورقة ب جمود خطير و رُعب
-في حاجة يا خالتو!..
إلتفتت إليه ب بُطء تُحدق به. كان يرتدي منشفة فقد تستر جزعه السُفلي و ب يده منشفةٍ أُخرى يضعها فوق صدرهِ. قطب يزن جبينه وهو يقترب منها لحالة الجمود التي عليها وحينما وقعت عيناه على تلك الورقة تسمر مكانه.
كانت أول من تقطع الصمت وهي تسأله ب صوتٍ خاوي، خفيض
-جبت الورقة دي منين؟
إزدادت تقطيبة جبينه ولم يرد على سؤالها بل سألها سؤالًا آخر يحوي شكوكًا غريبة
-تعرفي حاجة عن اللي ف الورقة دي؟ تعرفي مين دول؟!
-إهتاجت خالته وهي تهدر: رُد عليا الأول. جبت الورقة دي منين؟
وإضطر أن يُجيبها ب صبر حتى يعرف ما يحدث معها. أجاب كُل أسئلتها حتى عن شهاب وهو لا يُخفي تعجبه الواضح من معرفتها به قبل أن تسأله وقبل أن يحين دوره و يسأل هبت هي واقفة ثم هدرت ب شراسة مُرعبة
-إبعد عن شهاب فورًا. أنت سامعني؟ طُرقكم متتقابلش نهائي
-و ب هدوء تساءل: ليه؟
-هدرت هي ب صوتٍ عال: إسمع اللي بقولك عليه يا يزن أنا ما صدقت ترجع تاني. وترجع وأن برئ.
أخرج يزن نفسًا عميق ثم توجه إليها وحاوط ذراعيها ثم أردف ب رزانة
-زي ما جاوبتك على كُل أسئلتك. جاوبني
-ردت عليه ب عناد: لأ إسمع اللي بقوله
-و ب أردف: متعودش أنفذ كلام من غير أما أفهم
نظرت إليه ب خوفٍ أثار دهشته ولكنه أخفى إنفعالاته ب براعة و نظراته تُشجعها على الحديث لتزفر هي ب ضيق و قلبها يصرخ من بين أضلعها.
العقل يُخبرها ألا تقول ستُلقي ب يزن إلى التهلكة. الرسالة التي قرأتها وحفظت سطورها و أحرفها علمت جيدًا أنه تم التلاعب بها ليتم التحكم ب المبعوث له الرسالة بل لا تعتقد أنها لم تصل إليه على الإطلاق وتم تزييف كُل حرفًا بها. ولكن نظرات يزن التي تخترقها و إصراره الذي رأته جليًا في عيناه المُحيطية عَلِمت أنه لن يتراجع.
إبتلعت ريقها ب صعوبة بالغة ثم هتفت وهي تنظر بعيدًا عن عيناه المُحدقة بها ب قوة تسبر الأغوار
-شهاب أخوك التوأم.