قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الرابع بقلم رضوى جاويش الاقتباس الثاني

رواية ميراث العشق والدموع الجزء 4 بقلم رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الرابع (زاد العمر وزواده) بقلم رضوى جاويش

الاقتباس الثاني

خرج من داخل ورشته مطلا على مقهى ابيه طالبا كوبا من الشاي الا انه توقف عندما وقع ناظره على خيالا يطل من نافذة شقته يتناول احدى قطع الملابس من على الأحبال الممتدة بعرض النافذة و تلك الضفيرة الذهبية تتدلى من صاحبتها مما أورثه حنقا جعله يندفع باتجاه شقته ليدخلها فى ثورة متجها نحو المطبخ ليجدها تقف تترنم مولية له ظهرها غير مدركة بعد لوجوده .. اقترب فى ضيق و امسك بجديلتها العسلية جاذبا إياها ليصدم ظهرها بصدره هامسا بالقرب من اذنيها :- احنا مش قلنا دى متظهرش بره الشقة !؟..

هتفت شيماء فى دلال بعد انتفاضتها لظهوره المفاجئ محاولة الاستدارة لمواجهته :- و الله ما حصل .. دى لسه بحطه ايدك م الصبح  يابو النصر ..
ترك جديلتها و همس و هى تستدير على مقربة منه :- امال مين اللى كان بيجيب الغسيل من ع الحبل من شوية !؟.. مش انتِ !؟..
اكدت شوشو و هى تقترب منه :- لا .. تلاقيها البت نعمة و استطردت فى غنج :-ايه !!.. مش عايز تفك الضفيرة ..

كانت تهم بالاستناد على صدره الا انه باغتها مندفعا خارج المطبخ حتى كادت ان تسقط لولا ان تمالكت نفسها هامسة فى تحسر :- طيب .. بلاش .. انا غلطانة .. و النعمة ما هى مفكوكة تانى ..
هتف ناصر فى ثورة :- بت يا نعمة ..
اندفعت نعمة ذات الأربعة عشر ربيعا ملبية نداء ابيها لتظهر بالردهة هاتفة :- نعم يا بابا ..

هتف ناصر فى ضيق يحاول التحكم به فقد كان ضعيفا أمامها و كانت المفضلة لديه دوما :- إيّاك ألمحك تانى بتجيبى حاجة من ع الحبل الا و على راسك ترحة فهمانى !؟..
اكدت نعمة فى سرعة :- حاضر يا بابا .. معلش اصل كنت متسربعة ..
هتف ناصر :- مفيش الكلام ده .. انت معدتيش صغيرة..
متخرجيش البلكونة او تطلى من شباك الا و انت ساترة شعرك ..

اكدت الفتاة فى طاعة بهزة من رأسها .. بينما اندفع نادر من الداخل على صوت ابيه هاتفا :- مين اللى مضايق الأسطى الكبير و احنا نكسر راْسه !؟..
هتف ناصر محتجا :- هو انت محلتكش الا تكسير الدماغ !؟.. متقلقش ياخويا محدش يقدر يضايقنى ..
ابتسم نادر و هو يقبل رأس ابيه مازحا :- اهدى بس يابو النصر صحتك مش كده ..
حاول ناصر مدارة ابتسامة طلت على شفتيه و هتف مؤكدا :- انا هادى اهو ياخويا .. متخدنيش ف دوكة و قولى .. اخبار المذاكرة ايه .. نضمن الهندسة بعون الله..

تنهد نادر فى إرهاق مؤكدا :- و الله بحاول اعمل اللى عليا يا بابا و ربنا ييسر من عنده ..
اكد ناصر :- كله على الله .. شد حيلك و عمر ربنا ما هيضيع تعبك .. الورشة مستنياك يا باشمهندس ..
هتفت نعمة لأمها التى طلت من المطبخ لتوها فى نبرة مازحة  :- اااااه .. عليه العوض ف أيدينا يا شوشو .. هندعك شحم و زيت للركب ..
هتفت شوشو وهى تتطلع لناصر فى عشق :- و ماله الشحم و الزيت ياختى .. مفيش احسن من كده .. و بعدين هو انا اطول  .. يشحم و زيت زى ما يحب و ابقى ام الباشمهندس ..

هتفت نعمة مازحة :- يعنى اطلع انا منها ..
اكد نادر مازحا :- اااه ..
نهضت نعمة هاتفة :- طيب يبقى انزل عند ستى نعمة هى اللى عارفة قيمتى ف البيت ده ..
هتف نادر :- هحصلك بس اخلص اللى ف ايدى و انزل لها ..
دخل نادر لحجرته يكمل مذاكرته بينما اندفع ناصر خلف شوشو داخل المطبخ مقتربا منها هامسا فى لهجة مشاكسة  :- ايه .. كان فى حد هنا عايز يحل الضفيرة !؟

همست فى دلال مدعية الحنق :- لا ده كان عرض كده و خلص .. شطبنا ..
قهقه لتستطرد :- روح ياللاه شوف لك خناقة اتخانقها و سبنى اخلص الغدا ..
جذبها فى مشاكسة من ضفيرتها مقربا إياها اليه لتهمس فى غنخ :- ابو النصر .. الواد جوه ..
لينتفضا لهتاف نادر من خارج المطبخ و هو على اعتاب باب الشقة يكمل ارتداء قميصه مما دفع ناصر للابتعاد عنها و الخروج من المطبخ لملاقاة ولده :- انا خارج يا ماما مش عايزة حاجة !؟..

هتفت شوشو مودعة و هى تطل برأسها خارج المطبخ مؤكدة:- عايزة سلامتك يا حبيبى .. و قول لستك نعمة متشربش الشاي الا لما انزل لها ..
اكد نادر بايماءة من رأسه  و هتف بأبيه :- وانت مش نازل الورشة يا اسطى و لا ايه !؟..
اكد ناصر و هو ينظر الى شوشو متحسرا :- نازل ياخويا نازل ..

قهقهت و هو يتبع ولده و عادت لتكمل إعداد طعام الغذاء .. بينما ألقى ناصر التحية على امه نعمة و عاد لورشته و ظل نادر بالأسفل فى صحبة اخته الصغرى و جدته نعمة التى تبعها نحو غرفتها ..

تمددت على فراشها و جلس قبالتها يمازحها كعادته .. تطلعت نعمة الى نادر حفيدها و ابتسمت فى حنو كان صورة مصغرة من عمه الشهيد رحمه الله و على الرغم من انه يحمل بعض من ملامح ناصر الخشنة المتجهمة الا انه يحمل بين طيات روحه نفس روح عمه المرحة الباشة .. سبحان من جعله يحمل النقيضين فى آن واحد
صلابة والده و عنفوانه و رقة روح عمه و سماحتها ..

دق جرس الباب فنهض نادر ليفتح لتطالعه بوجهها الصبوح رغم محاولة رسم ذاك المظهر الجدى على قسماته زادت ضربات قلبها أضعافا و هى تراه ماثلا امامها بطوله الفارع و قسمات وجهه الجادة .. شعرت بالتيه الا انها تيقظت عندما سمح لها بالدخول هاتفا مستدعيا اخته :- يا نعمة .. حُسن هنا..
دخل نادر يجالس جدته من جديد بينما اخذت الفتاتان فى تبادل الحوار لتهمس نعمة فى نبرة مرتعبة :- انا كنت هموت م الخوف و الواد اللى كان بيعاكسنا انا و هاجر مش راضى يحل عنا و احنا راجعين من الدرس امبارح ..

هتفت حُسن فى ضيق :- اصلكم بنات اى كلام .. لو كنت معاكم كنت عرفته مقامه ..
ظهر نادر على اعتاب الردهة هاتفا فى سخرية :- كسرتى أيد و لا رجل مين المرة دى !؟..
هتفت حُسن :- ده واد قليل الادب و كان ..
قاطعها فى سخرية لاذعة :- مفهوم طبعا كان بيعاكس ست الحسن و الجمال .. اقصد الاستاذ حسن .. و كان لازم طبعا تعرفيه مقامه بعلقة من بتوعك ..
اضطربت و شعرت بوخز فى كرامتها و هتفت مدافعة عن مبدأها :- يعنى اسيبه !؟.


هتف نادر فى حنق ساخرا :- لااا ازاااى !؟.. و دى تيجى برضو !؟.. لازم نلم عليه أمة لا اله الا الله .. و نعمل له عاهة مستديمة ..
هتفت بغيظ :- عشان يحرم هو و امثاله ..
هتف فى ضيق :- و الله ما حد هيحرم الا انتِ لما حد م الأشكال دى يأذيكى بجد ..

شعرت برغبة قوية فى البكاء لكنها ابدا لم تفعلها و لن تفعلها امام احدهم و خاصة هو رغم اثر كلماته الحادة عليها الا انها فضلت المغادرة بدلا من جدل عقيم لن يورثهما سوى المزيد من المشاحنة فاندفعت خارجة من الشقة غير عابئة بنداء نعمة عليها لتستوقفها فى محاولة لتطييب خاطرها بعد كلام نادر الجاف معها..

نظرت نعمة الى نادر معاتبة فزفر فى ضيق و اندفع بدوره خارجا فى طريقه لمقهى جده خميس ..
ما ان وضع قدميه على اعتاب الحارة سائرا فى اتجاه المقهى حتى سمع جلبة قادمة من الاتجاه الاخر .. عاد القهقرى ليجد حُسن تمسك بأحدهم تضربه فى غل ليندفع بدوره منحيا إياها جانبا ليتولى هو الأخذ بثأرها..

تجمهر اهل الحارة حول المعركة الدائرة بين ذاك الشاب الذى كان يغازل حُسن و بين نادر .. تبادلا فيها اللكمات و الركلات حتى طرحه نادر ارضا ليظهر ناصر ابيه فى الصورة اخيرا هاتفا به :- خلاص سيبه يا نادر ..
هتف نادر فى غيظ :- و الله ما انا سايبه الا لما احلق له راسه عشان يكون عبرة لأى حد يعتب الحارة دى .. يا اما يدخلها بأدبه يا اما ميعتبهاش برجليه ..
هتف ناصر من جديد :- خلاص قلنا يا نادر .. سيبه و انا عارف ابوه .. هبلغه بعمايل ابنه ..

نهض نادر مبتعدا عن ذاك الشاب الذى ما ان شعر بانه حر اخيرا حتى اطلق ساقيه للريح هاربا كأرنب مذعور ليهتف ناصر فى الجمع المتجمهر :- ياللاه ياخونا ..فضيناها .. كل واحد يروح يشوف مصالحه ..
انفض الجمع و عاد ناصر لورشته بينما اندفع نادر فى اتجاه ذاك الركن القصى الذى كانت تقف فيه منزوية تختفى عن الأعين همس ما ان وصل اليها :- عجبك اللى حصل !؟.. هو كل يوم هنخلص واحد من ايديكى !؟.

همست فى اضطراب :- ما هو اللى ..
هتف فى غضب :- ما هو ايه !؟..
هتفت مدافعة :- باخد حقى بأيدى ..
هتف فى حنق :- ليه ملكيش رجالة يخدوه !؟..
اكدت فى شجن :- لا مليش ..
كانت وحيدة ابيها سالم الاستورجى و الذى رُزق بها على كبر .. و أقعده المرض معظم الوقت بالمنزل فما عاد ينزل لورشته الا لماما ..
هتف فى غيظ :- ليه و انا روحت فين !؟..

همست فى دهشة :- انت ..
همس جازا على اسنانه :- ايه مش مالى عينك !؟..
همست فى اضطراب :- لااا .. اصل ..
قاطعها فى غضب :- ياللاه عشان أوصلك لحد باب بيتك..

سارت خلفه دون ان تنطق بحرف واحد فقد كانت مأخوذة تماما بذاك الذى يسير امامها كحائط من امان يستر عنها ما قد يؤذيها و بظله الذى يغمرها الان تشعر انها ما عادت تحتاج من هذا العالم الا تلك اللحظة الآنية التى يكسوها ذاك الشعور و يأسرها تماما ..
وصلت على اعتاب منزلها ليهم بالرحيل لتهمس فى نبرة يغلفها حياء غير معتاد على مسامعه :- شكرًا ..
هتف فى نفاذ صبر :- العفو يا ستى ..

اندفعت تعتلى الدرج فى سرعة و ما ان دلفت لشقتها حتى هرولت لأقرب نافذة تتطلع الى محياه الماضى فى طريقه لمقهى جده و كلماته التى ألقاها على مسامعها منذ دقائق تتردد بين جنبات روحها ..
وصل نادر للمقهى ليبادره جده المعلم خميس ما ان وقعت عليه عيناه :- اهلًا بالباشمهندس مقدما .. تعالى..
هتف نادر مازحا :- انت اللى تيجى يا معلم .. عندك استدعاء من ستى ..
هتف خميس ملهوفا :- خير يا واد .. ستك بخير !؟..

اكد نادر فى مرح :- بخير متقلقش .. يا سيدى ع الحنين يا سيدى .. الحب بهدلة يا بو خميس ..
هتف خميس مدعيا الحنق :- تصدق بأيه .. انا  ناصر ابنى معرفش يربى ..
انفجر نادر مقهقها و هتف من بين قهقهاته :- كِده برضو يا جدى .. الله يسامحك ..
هتف خميس مؤكدا :- هيسامحنى ياخويا .. قولى بقى ستك عيزانى ف ايه  !؟..

هتف نادر مشاكسا :- قلبها عليك يا سيدى .. قال ايه مفطرتش كويس النهاردة و بتقولك الغدا خلص لو عايز ترجع تتغدى و انا هاخد مكانك ورا البنك ..
هتف خميس متحسسا بطنه المنتفخ قليلا :- الغدا وجب .. هى طابخة ايه !؟..
هتف نادر مازحا:- مسقعة ريحتها جايبة اخر الحارة يا معلم ..بس ايه .. طبق منها يخدر ل تلت ايّام وحياتك .. بنج اصلى ..
قهقه خميس هاتفا :- طب انا رايح اتبنج ..

و ما ان هم بالخروج من خلف البنك تاركا موضعه لحفيده حتى هتف متسائلا :- ألا بالحق يا نادر كنت بتضرب مين من شوية !؟.. شايف ابوك بيفض العركة ..
هتف نادر :- ده واد كده ملوش لازمة كان بيعاكس حُسن بنت سالم الاستورجى ..
هتف خميس يشاكسه :- لا راجل يا واد .. طالع لجدك حبيب ..
هتف نادر مندهشا :- حبيب مين يا معلم حرام عليك!؟.. احب ف مين بس .. حُسن !؟..

هتف خميس متسائلا :- و مالها حُسن ياخويا .. بت زى القمر و جدعة و بميت راجل ..
هتف نادر مازحا :- اديك قولتها بميت راجل .. يعنى مش راجل واحد بس كمان .. قال احبها قال .. احب واحد صاحبى ..
قهقه خميس :- و الله انت لسه عودك أخضر و متفهمش ف النسوان .. بكرة تندم يا جميل ..
هتف نادر مؤكدا :- ابداااا ..

تعالت ضحكات خميس من جديد و اندفع مغادرا المقهى تاركا حفيده ترتسم على شفتيه ابتسامة واثقة ان كل ما قيل مجرد دعابات متبادلة بينه و بين جده و ان قلبه لن يميل لتلك المسترجلة مهما حدث .. و اشفق فى سره على ذاك المتعوس الذى ستكون حُسن يوما من نصيبه  وكاد يقهقه كأبله عندما تخيل ما قد يحدث لزوجها اذا ما عارضها يوما .. و قرأ الفاتحة على روح ذاك المتعوس مقدما ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة