قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش الفصل السابع عشر

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل السابع عشر

دخل عاصم متنحنا لبيت زكريا: - يا رب يا ساتر..
ظهرت كسبانة مندفعة تفتح الباب الداخلى للدار وهى تعدل من شالها فوق رأسها هاتفة في ترحيب:- اتفضل.. اتفضل يا عاصم بيه.. ده بيتك..
وقف عاصم على اعتاب الباب هاتفا: - كيفك يا أم حمزة.. معلش ندخل الصالون بس عشان معاى ضيوف..
أفسحت الطريق في عجالة و هي تهتف متعجبة: - اتفضل يا عاصم بيه.. و اهلًا بضيوفك..

دخلت تستتر بالداخل ليهتف عاصم لحمزة الذى ظهر مسرعا ملبيا نداء عمه..
و الذى أمره بمناداة يونس من الأرض فورا اندفع حمزة مسرعا ينادى عمه يونس الذى ما ان سمع بوجود عاصم بالدار حتى ارتدى جلبابه على عجالة و أسرع لداخل الدار متنحنحا كعادته.. على الرغم من شوق عينيه لمرأها و لو للحظة الا انه غض الطرف حتى وصل الصالون مرحبا بعاصم و ضيفه الذى لا يعرفه..
هتف عاصم ما ان جلس يونس: - بص بجى دِه.. و أشار للرجل الذى كان بصحبته مستطردا.. عم الشيخ مصباح.. مأذونا الخصوصي..

هتف يونس بتعجب: - مأذون.. !!..
و انتفضت كسبانة بدورها في الخارج و هي تسترق السمع في فضول دفعها اليه رغبتها في معرفة كنه الضيف المصاحب لعاصم.
عاد عاصم مؤكدا: - اه.. مأذون.. لجل ما يكتب كتابك انت و أم حمزة..
هتف يونس متعجبا: - بس يا عاصم بيه.. حالة الوفاة.. و يا دوب الأربعين معدى و..

هتف عاصم مقاطعا: - هو اللى مات دِه الله يرحمه مش واد عمى.. و المفروض انى انا اللى احزن عليه.. طب انى اللى جايب لكم المأذون لحد عنديكم.. عايز ايه تانى..!؟..
موضوع چوازكم مينفعش يتأچل اكتر من كِده.. و انا هبجى مطمن اكتر على أم حمزة وولدها و هم في حمايتك.. و بيت زكريا يبجى فيه راچل صاينه.. جلت ايه..!؟..

هتف يونس غير مصدق: - هجول ايه بعد جولك يا عاصم بيه..!؟.. اللى تجوله يمشى على رجبتى..
هتف عاصم في فرحة موجها حديثه للمأذون:- افتح دفترك يا عم الشيخ مصباح..و اتكل على الله..
ابتسم يونس في سعادة غير مصدق انه بعد دقائق معدودة سيكون من حقه التطلع اليها و البقاء بقربها للأبد..
حصل عاصم على موافقتها و أتم المأذون عقد قرانهما ليستأذن عاصم مصطحبه معه مهنئا العروسين..

أغلق يونس الباب ووقف لا يعلم ما عليه فعله..حتى ظهرت اخيراً على اعتاب باب حجرتها..
و ظهر على اعتاب الغرفة الأخرى الحاجة بخيتة التي جلست على اقرب أريكة بمساعدة حمزة هاتفة في سعادة: - الف مبروك يا يونس يابنى.. الف مبروك يا كسبانة.. ربنا يسعدكم دايما.. و يجمعكم في الخير..
لاحظت الصمت المخيم على المكان فهتفت و هي لا ترى بسبب نظرها العليل: - إنتوا رحتوا فين..!؟..

كان كل منهما هائم في عالم اخر لا يستطيع رفع ناظريه عن صاحبه..
ليهتف حمزة مجيبا بخيتة: - اهم واجفين يا ستى.. بس مش عارف مبيتكلموش ليه.!؟
ابتسمت بخيتة في خبث هاتفة: - تعال يا واد يا حمزة.. سندنى عشان عايزة ادخل اوضتى انام.. و اعمل حسابك.. هتنام چارى..
اسند حمزة كفها هاتفا معلقا على قرارها: - ماشى.. موافج هنام چارك.. بس تحكيلى مش تضحكى علىّ يا زى كل ليلة..

انفجرت ضاحكة و هي تأمره بغلق باب حجرتها حتى تترك كسبانة و يونس لشأنهما تحرك يونس في اتجاهها.. منجذبا بقوة لاأرادية تجاه مكان وقوفها وهى متسمرة منكسة الرأس خجلا.. وجيب قلبها يكاد يُسمع لذاك القادم اليها في ثبات..
وقف أمامها مباشرة لا يفصله عنها الا سنتيمترات قليلة..همس بصوت متحشرج:-اول مرة ابجى جريب منيكِ كِده..

مد كفه ليرفع رأسها ليطالع عينيها التي ترقص فرحا و سعادة لقربه.. وفى ذات الوقت تضطرب خجلا وهى تنظر لعمق عينيه بهذا الشكل الصريح..
همس لها في عشق: - زى ما أكون دعيت في ليلة جدر.. و الدعوة اتحججت.. و اكتر همست بخجل و نبرات مضطربة: - دعيت بأيه..!؟..

همس وهو يقترب اكثر يمد كفيه ليحتض كفيها التي ارتجفت للمساته: - دعيت أطول نچمة في السما بعيدة.. و طولتها..
همست مخدرة بسحر كلماته: - و النچمة دى تبجى انى..!؟..
اومأ برأسه موافقا و اخيراً طوقها بذراعيه لتسكن صدره حيث غمرها فيض من الأمان الذى ظلت عمرها كله باحثة عنه و لم تجده الا الان و في تلك اللحظة..

قرر الحاج مندور و اصدر بالفعل فرمانا بوجوب ذهاب زكريا و زينة لقضاء شهر العسل في قرية سياحية و قد تم الحجر باسمهما بالفعل و لا سبيل للتراجع..
حاول زكريا اثناء الحاج مندور عن فكرته و الانتباه للعمل و إعادة إصلاح ما لحقه من أضرار بسبب ما حدث من شعلان و جماعته الفاسدة..

الا ان الحاج مندور اصر على موقفه هاتفاً: - خد يا زكريا.. أدى مفتاح العربية.. و الشنطة البت رزقة وضبتها و حطناها في العربية و معاكم كل اللى يلزمكم هناك.. ياللاه انت و مراتك من غير مطرود و مش عايز اشوف وشكم هنا قبل ٣ أيام.. اهو مدة مش كبيرة عشان الشغل اللى خارب الدنيا عليه..

تنهد زكريا مستسلما و هو ينظر لزينة كانما يقول لها ليس باليد حيلة.. و كانت هي على استعداد للذهاب لاخر الدنيا تلبية لرغبة ابيها مهما كانت.. و خاصة لو هي معه..
ألقت التحية على الجميع و بالمثل فعل زكريا الذى اخذ يوصى حازم بالهدوء و عدم ازعاج الجد مندور كما كان يحب ان يسميه و كم اطرب الحاج بسماعها منه و تمنى في قرارة نفسه لو يُكتب له العمر ليسمعها من احفاده.. أبناء زينة و زكريا..

انطلق كلاهما بالسيارة يتبع زكريا إرشادات الحاج مندور للوصول لتلك القرية السياحية.
نظرت زينة بشكل جانبي لزكريا و هو يرتدى قميصا ابيض و بنطال من اللون الكحلى.. و يغطى عينيه بنظارة شمسية أهداه له ابيها لا تظهر الا ملامحه الرجولية و خاصة شاربه المهذب ذاك.. كان وسيما بشكل لا يصدق.. مما دفعها لتصرف نظراتها عنه..

كانت دوما تراه وسيما بشكل خاص.. حتى عندما قابلته للمرة الأولى على الشاطئ وهو يرتدى جلبابه و عمامته.. أسرها بخليط خاص لا تعرف له كنه او تفسير..
طال صمتهما ليقر انه غبى بما فيه الكفاية فعليه هو البدء في الحديث و محاورتها فهى لا تتكلم رغما عنها.. لو بيدها لكان الامر مختلف..
ابتسم و هو يحيد نظراته عن الطريق لثوان موجها نظراته اليها.. شعرت بحمرة خجل تغزو وجنتيها الصافيتين ليهتف: - تحبى اشغل لك الراديو.. او اى اغانى يعنى.!؟..

اومأت موافقة.. بدأ في وضع احد الأشرطة في مشغل الاغانى الخاص بالسيارة ليصدح في عذوبة صوت سيدة الغناء العربى: - اد إيه من عمري قبلك راح وعدّى يا حبيبي ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة ولا داق في الدنيا غير طعم الجراح إبتديت دلوقتي بس أحب عمري.

إبتديت دلوقتي أخاف أخاف لا العمر يجرى اخذ كلامهما يستمع لكلمات الاغنية التي لمست شيء ما بداخلهما..
قطعت الصمت الذى طال بالاستماع للأغنية بان أخرجت احدى الشطائر من حقيبة كانت قد سلمتها لها رزقة عند خرجهما للسيارة لتعينهما على الطريق..

هتف زكريا عندما وجد الشطيرة في يدها تقدمها له مع ابتسامة: - الله.. هو دِه الكلام.. چه في وجته.. اتستعت ابتسامتها و للعجب مد كفه و بدل من التقاط الشطيرة ليلتهمها بنفسه.. ضم كفه حول كفها الحامل للشطيرة و رفعه لفمه ليقتطم منه قضمة جبارة تدل على مبلغ جوعه..

توقع ان ترتجف او تتوتر او حتى تسحب كفها بعيدا لكن لدهشته و جدها تبتسم لفعلته في سعادة..
جذب باقى الشطيرة من كفها هاتفاً بمزاح: - حوشى يدك بجى لأكلها من الچوع..
قهقهت و هي تخرج له شطيرة أخرى.. ليتناولها هذه المرة في سعادة هاتفاً: - ان مكنتيش تحلفى..!؟..
علت قهقهاتها من جديد.. على أنغام ام كلثوم التي تشدو في هذه اللحظة: -

بعيد بعيد أنا وانت
بعيد بعيد وحدينا
ع الحب تصحى أيامنا
ع الشوق تنام ليالينا
صالحت بيك ايامي
سامحت بيك الزمن
نستني بيك آلامي
ونسيت معاك الشجن
رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا
علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه
عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّ

وصلا مساءً لذا قررا تناول طعام العشاء و بعدها الصعود لغرفتهما للنوم بسبب تعب الطريق..
تناولا طعامهما بالفعل و نهضا لغرفتهما المطلة على جزء من القرية و البحر الحالك الظلمة من بعيد لا تُرى حدوده..الا بعض انوار لسفن بعيدة و كأنها نجوم في سماء حالكة السواد..

تنهد في هدوء و هو ينتظرها لتخرج من الحمام.. لكن طال بقائها ليهتف باسمها في قلق: - زينة.. انتِ كويسة..!!؟..
طرقت على الباب كى يسمعها فظن انها حبيسة بالداخل ليفتح الباب بهدوء هاتفاً باسمها من جديد.. ليجدها تجلس على حافة المغطس تمسك ملابس نومها تقلبها بين كفيها في ذهول.. تعجب و لم يفهم شيء..

حاولت ان تفهمه لكنه لم يدرك ماذا تعنى..
تنهدت في نفاذ صبر و تركت الحمام و خرجت.. سحب ملابسه من الحقيبة و دخل ليرتديها ليصرخ هاتفاً بغضب: - ايه دِه.!؟..
خرج من الحمام و لازالت نوبة الغضب تجتاحه حتى انه لم يلحظ انه لا يرتدى الا بنطال قطنيا بلا سترة..و.. صدر عار..
هتف بغيظ: - طيب يا رزجة.. اما اشوفها هخنجها..!؟..

انفجرت زينة مقهقهة عندما تيقنت انه ادرك الان ماذا تعنى.. فرزقة عندما حضرت حقيبتهما وضعت فيها أجزاء مستقطعة من كل منامة او قميص نوم.. الان كل ما يملكه زكريا هو ثلاث سراويل لمنامات من دون سترات.. و هي كل ما تملكه سترة من هنا و بنطال قصير من منامة أخرى.. ولا مِئْزَر على الإطلاق تدارى خلفه تلك الفضيحة غضت بصرها عندما شاهدت زكريا بهذا الوضع و الذى جذب احد الشراشف ملتحفا به.. مشجعا أياها لارتداء ما تملك على اى حال.. و الا كيف النوم..!؟..

تشجعت و دخلت الحمام تبدل ملابسها بما تملكه.. لتخرج و يشهق زكريا بصوت مكتوم متمنيا انها لم تكن لترتدى تلك المنامة الحريرية ذات السترة الرقيقة الوردية بلا أكمام و ذاك البنطال القصير الحريرى الأخضر اللون..
دخلت للحجرة تقف كالمتخشبة لا تستطيع الحراك.. و هو لا يستطيع ان يحيد بناظريه عنها..

سحبت شرشيف اخر تتدثر به.. ليتنحنح زكريا محاولا ترطيب الجو الحار:- شكلنا الصراحة كِده مش ولابد.. كل واحد متلحف بغطا و لا اللى اتسرجت هدومه ف حمام التلات..
انفجرت مقهقهة غير قادرة على كبح جماح ضحكاتها حتى دمعت عيناها.. ليهتف و هو يشاركها قهقهاتها: - منكِ لله يا رزجة.. اشوف فيكِ يوم يا بَعِيدة..
لتشير اليه ان يصمت فقد ألمتها بطنها من كثرة الضحك على حالهما و تعليقاته..

نهضت تجلب لنفسها كوب من الماء ترطب به حلقها فتعثرت رغما عنها في طرف دثارها المحيط بها لتندفع للأرض.. ليشهق هو مندفع لانقاذها..
ليتعثر بدوره ساقطا معها.. سقطة كبيرة و ارتطام ثم صمت مطبق..
لحظات قبل ان يرفع كل منهما رأسه يتطلع حوله في تشوش كانت هي بالأسفل و هو يشرف عليها بهامته و جزعه المرتفع قليلا عن الأرض و ذراعاه تحيطان بها و قد تلقت اثر الارتطام عن جسدها..

تلاقت نظراتهما.. و بدأ جسدها يرتجف تحت وطأة لمساته على ظهرها.. و نظراته التي تربكها.. همس رغما عنه: - متخافيش.. طول ما انتِ معايا أوعاكِ تخافى..
سحب كفه اليمنى رويدا من تحت ظهرها لتمتد بلا إرادة منه يبعد عن وجهها خصلات شعرها الكستنائى التي تناثرت على ملامحها المصدومة قليلا..
لما فعل ذلك لا يعرف.. لكنه انحنى و لثم جبينها في رقة و رفع رأسه ناظراً اليها من جديد يدعو الله ان يصبره على تلك النظرات التي تدعوه اليها و في نفس اللحظة تقصيه عنها..

نهض و رفعها ليحملها بين ذراعيه بدثارها الذى حمد الله انه لازال يلتف حولها بإحكام ووضعها على الفراش متمنيا لها مساء طيبا و اندفع الى الحمام.. لعله يبيت ليلته فيه بعيدا عن تأثيرها الدامى على أعصابه..

نزلا لتناول الإفطار و شراء بعض الملابس عوضا عن تلك القطع الغير متناسقة التي اتحفتهم بها رزقة الخادمة..
جالا قليلا خارج القرية السياحية.. أراد شراء بعض المشروبات لها فتركها للحظات ليعود ليجد شابين يحاولان التحرش بها في صفاقة..
ألقى بما كان في يده.. و بدأ في الشجار معهما و لم يتركهما الا بعد ان أتى امن المكان ليلقوا بهما خارجا..

كانت هي ترتجف في خوف ليندفع اليها هامساً بقلق: - زينة.. فيكِ حاچة..!؟..
طمنينى.. حد فيهم مسك..حد جل أدبه..
هزت رأسها حتى تطمئنه.. تؤكد له انه جاء في الوقت المناسب.. جذب كفها ضامه اليه في تملك ليدفع جسدها ليحتضن كتفيها بطول ذراعه لسحبها بعيدا عن الزحام حيث يصف عربته..

جلس معها في مكان هادئ يحضر لها بديل عن المشروبات التى ألقاها جانبا حتى تستعيد بعض من هدوئها.. ربت على ظاهر كفها الممدودة على الطاولة قبالته وهو يهمس مازحاً محاولا إخراجها من حالة السكون التي اعترتها منذ ما حدث: - ايه اللى حصل يعنى.. ملحجناش نشترى اللى عاوزينه.!؟..آخرتها ايه...ها نلبسوا لبس رزجة المخربط تانى ..!؟..

ابتسمت على مزاحه.. فانشرح صدره لما رأي ابتسامتها تكلل محياها من جديد..
هتف ليغير الموضوع: - مچعتيش..!؟..
هزت رأسها إيجابا.. ليطلب الطعام و يشرعا في تناوله.. لكنه تعجب منها عندما وجدها انتظرت و لم تمد كفها على اى من الأصناف قبالتها قرأها و فسر رغبتها بشكل أثار دهشته ليمد كفه و يقدمه لها بلقيمة..

ألتمعت عيناها بفرحة و مدت فمها المفتوح لتتناول الطعام الذى بات أشهى من يده..
عادا للفندق في سعادة و دخلا غرفتهما و جاءت لحظة الكرنفال اليومى لعرض الأزياء الاغرب على الإطلاق.. هو ارتدى احد السراويل بلا سترات و هي ارتدت منامة غير متناسقة الألوان و لا الخامة..
و بدأت وصلة الضحك على مظهرهما العجيب..

و أخيرا.. بدأ التوتر يسدل استاره على الغرفة..قطعه هو مؤكدا أين موضعه بالضبط حينما جلس على احد المقاعد مادا قدمه على الاخر وهو يتدثر بغطاءه المعتاد و يضع احدى الوسائد التي جذبها في طريقه من على الفراش أسفل رأسه داعيا الله ان تمر الليلة على خير..
تمددت هي على طرف الفراش.. محاولة تقليده و التدثر بغطائها و الغطيط في النوم و لكن ذاك الألم الذى داهمها منذ قليل يصرف عنها النوم بالفعل..

لا تعرف ماذا حدث ليصبح ألم معدتها لا يحتمل بهذا الشكل..!؟.. ربما هو طعام الغذاء..!!..
فطعام العشاء لم تتناوله حتى لشعورها بالامتلاء بالفعل فشربت بعض المهضمات.. لكن يبدو انها لم تفلح..
ارتفعت وتيرة هنات ألمها لتسترعى انتباهه فينهض في ذعر باتجاهها ينحنى هاتفاً في قلق: - زينة.. ايه اللى حُصل..!!.. ماالك..!؟..

اشارت لألم معدتها.. فهتف يهدأها وارتدى ملابسه على عجل يشترى دواء ويعود سريعا ليعد لها مشروبا ساخنا من الأعشاب.. مر بعض من الوقت حتى هدأت تماما و هو بجوارها..
لا يعرف كلاهما متى غفلا.. لكن همهماتها قد علت لتبدو و كأنها تصارع شيء ما في أحلامها.. شيء بغيض يحبس أنفاسها و لا يدعها تطلق الصرخات استنجادا.. شيء يكمم فاها و لا يتركها تنادى باسمه لعله يأتي ليخلصها من عذابها و ألامها و يكفيها معاناة ستعيشها لسنوات و عار سيلحق بها للأبد..

لكن لا فائدة من المقاومة لتشهق منتفضة في ذعر لينتفض بدوره جوارها يتيه لثوان غير مدرك ما يحدث.. ثم يستفيق دفعة واحدة و قد أيقن انه كابوس من كوابيسها و التي اخبره عنها طبيبها و التي يبدو انها عاودتها بعد ان ظن انها ذهبت بغير رجعة فهو لم يصادف اى من تلك الكوابيس منذ اصبح يبيت ليلته في غرفتها..

ما الذى دفعها للظهور من جديد يا ترى.!؟. و طلت الأجابة في سرعة.. ما حدث معها اليوم فى المركز التجارى من الشابين الفاسدين لابد و انه أعاد على ذهنها تلك الحادثة المقيتة..
نظر اليها في إشفاق و هي تلتقط أنفاسها في تلاحق مما دفعه ليستدير متناولا كوب الماء ليقدمه لها.. نظرت اليه نظرات تائهة و أخيرا انخرطت في بكاء مرير و هي تندفع لاحضانه بقوة تنكمش داخلها في ذعر دفع القليل من الماء لينسكب على كفه الحاملة للكوب..

ظل للحظات مبهوتا مما يحدث تشل الصدمة رد فعله المفترض..
آفاق تدريجيا ليضع الكوب موضعه الأول و يعود الى تلك المنتحبة في احضانه.. و بلا إرادة منه وجد ذراعيه تحكمان أسرها و تقربها الى أضلاعه يخبئها من كل ألامها و أحزانها و هواجسها التي تطاردها بلا رحمة..

لثم هامتها في محبة حقيقية هامساً بالقرب من اذنها: - متخافيش.. مش انا جلت لك طول ما انى چنبك متخافيش..!!؟..
رفعت رأسها عن احضانه قليلا و تلاقت نظراتهما لتدفع بحروف اسمه في بطء على شفتيها ليستطيع قراءتها.. فكان دوره هو ليرتجف.. لتسحب هي نفسها من بين ذراعيه ليحمد الله ان رحمته به جاءت في وقتها قبل ان يفقد عقله من جراء تلك الرقيقة المهلكة.. التي اتخذت من طرف الفراش البعيد ملجأ لها تتدثر بغطائها و تتركه يعانى الامرين من ذاك المد و الجزر..

عادا للفيلا و اصبح من المعتاد ان ينام في حجرتها بعد ان تم تخصيص غرفة في نفس الرواق لحازم..
كان يتمدد على الأريكة في مقابلة فراشها الذى كانت تتمدد على أحد اطرافه و لا تغفو في اطمئنان الا اذا كان وجهها في مقابلة وجهه الذى كان يديره اليها دون ان يدرك انها تتفرسه دوما حتى تغيب في نوم مريح هادئ بلا كوابيس تزعجها كالسابق..

دفع حازم باب غرفتهما باكيا شاكيا في احدى الليالى هاتفاً في ذعر: - انا خايف يا زكريا..
انتفض زكريا مع هجوم حازم المباغت داخل الغرفة و ذلك لعدم رغبته في رؤيته ممددا على الأريكة لا على السرير بجوار زينة كما هو مفترض..
هتف به زكريا: - تعال يا حازم نروح اوضتك ننام فيها.. متخافش هنام معاك..

سمعتهما زينة و زكريا يحاول جذب حازم خارج الغرفة الا انها استدارت مهمهمة ليتنبه حازم و هي تشير اليه ليندفع راكضا لاحضانها فتدفعه ليتمدد جوارها..
وقف زكريا متعجباً من افعالها و طبعا لم يكن من المنطقى ان ينام بعيدا عن الفراش الذى يجمعهما حتى لا يخرج حازم يخبر الجميع..

تمدد في هدوء و جسده متشنج لكن رويدا رويدا.. بدأ يسترخى و يثقل جفنه ليروح في نوم عميق لأول مرة منذ وقت طويل ربما لانه لأول مرة منذ فترة يتمدد جسده على فراش وثير لا على أريكة متعرجة تصيب عضلاته بالتيبس..

همهم حازم فضمه زكريا هامساً فيه من أعماق غطيطه: - نام.. نام..
اخذ يربت عليه و تمسد كفه رأسه مهدهدا و هو اقرب للنوم منه لليقظة..
همهم حازم من جديد ليهمس زكريا مجددا و هو يجذبه اكثر لاحضانه: - هششش.. نااام..
و اعتصره بين ذراعيه أخيرا.. لكن تلك الهمهمة الأخيرة جعلت زكريا يفتح جفونه في تثاقل هامساً: - يا واد ما تنام...نااا..

قطع أمره لحازم الذى بين ذراعيه و الذى لم يكن سوى زينة و قد نهض حازم هاربا خارج الغرفة منذ زمن و تركه يعتقدها ولده الذى يهدهده و يضمه لصدره..ابعد كفيه عن الضغط عليها قليلا لكنه لم يجذبهما بعيدا..
ازدرد ريقه في صعوبة و هو يرى تلك النظرات الشقية التي تتطلع اليه في بريق عجيب كانت المرة الأولى الذى يراه يتراقص بهما.. همس يحاول ان يفسر ما يحدث الا انها رفعت رأسها اكثر تنظر لأعماق عينيه..

لم يكن يصدق انها هنا بجواره على مثل ذاك القرب الحميمى دون خوف دون ارتعاش او ارتجاف.. غابت تلك النظرة التي تقصيه عنها لتحل محلها نظرة مشتاقة و مرحبة بقربه..
رفع ذراعه لا أراديا ليحيط خصرها هامساً بالقرب من اذنيها باسمها: - زينة.. !!؟..

رفعت فمها مقابلا لنظراته تنطق كل حرف من حروف اسمه مفردا متفردا.. كل حرف كان مسمارا في نعش ثباته الوهمي الذى يدعيه أمامها..و الان أعلن استسلامه لها دون قيد او شرط وهو يقربها اليه اكثر هامساً في اذنها بصوت متحشرج بعد ان أنهت نطق اسمه بهذا الشكل الخطر:- عيون زكريا..

غابت بين احضانه و هي لا تصدق انها أخيرا صالحت الدنيا.. او ربما صالحتها الدنيا ان أهدتها ذاك الرجل الذى عشقته من الوهلة الأولى..لتجد نفسها أخيرا...و تشعر أخيرا..انها امرأة طبيعية يمكن ان تهب الحب و تناله بكل روعة و في منتهى الرقى مع ذاك الحنون الذى تنعم الان بدفء الأمان بين ذراعيه..

جاء من الخارج بعد ان استدعاه الحاج مندور لقضاء بعض الاعمال فاندفع ملبيا مبتعدا عنها بعد ان وجدت اخيرا طريقها لاحضانه.. صعد الدرج متوجها لحجرة حازم يطمئن انه خلد لنوم هانئ.. أغلق باب حجرته و توجه بقلب خافق باتجاه غرفتهما..

فتح باب الغرفة في وجل و دخل في تؤدة و أغلق الباب خلفه متطلعا حوله باحثا عنها ماسحا الغرفة بنظراته المتلهفة لمحياها و ما ان هم بالتحرك لداخل الغرفة حتى ظهرت هي من داخل الحمام في ثوب حريرى رقيق ظهرت و كأنها شذى عطر فاح في الأنحاء ليغمر روحه.. تسمر موضعه.. و كذا هي لم تتحرك قيد انملة و هي تنكس رأسها في خجل.. دفع نفسه دفعا للتوجه اليها في خطوات متمهلة لا تشى إطلاقا بما يعتمل بصدره من شوق اليها.. وقف أمامها مباشرة لا يفصلهما الا بضع سنتيمترات..

شعر بارتجافاتها المعتادة و تسلل القلق لروحه.. هل عادت سيرتها الأولى..!؟.. سأل نفسه في توجس.. الا ان شيء ما في أعماق نفسه اجابه بالنفى و دفعه ببطئ ليمد كفيه ليضعهما على اعلى ذراعيها و في بطء و تؤدة يدنيها الى احضانه و يطبق في حنو عليها بذراعين من حنان يدثراها.. و ابتسم في سعادة عندما اختفت الارتجافات المعهودة و سكنت هي في احضانه بوداعة..

اخفض رأسه ليهمس بإذنها في حنو: - انا مش جلت لك طول ما انت جنبى متخافيش.. أوعى تخافى..
رفعت رأسها في تردد باتجاه وجهه لتلتقى نظراتهما و أخيرا اماءت برأسها في إيجاب
و هي تحرك شفتيها بكلمة غالية تمنت ان تبوح بها منذ سنوات: - بحبك..

لمعت عينا زكريا لكلمتها الثمينة التي تعنى انه اصبح مالكا لقلبها و ان أمانها بالفعل بين ذراعيه و هو لا يدرك انه كذلك منذ ان وعته يتطلع اليها على شاطئ البحر في تلك الليلة التي تعدها هي ليلة القدر بالنسبة لها..
همس و هو يقربها لصدره من جديد بشوق و لهفة بعد ان باحت بمكنون صدرها
أخيرا: - و انت يا زينة.. جلب زكريا..
رفعت نظرات دامعة لوجهه ليحنى هامته مقبلا جبينها الوضاء و يضمها الى أضلعه في شوق...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة