قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثالث

اندفعت سهام لداخل السراىّ تلقى بناظريها ذات اليمين و ذات اليسار لعلها تجد زهرة جالسة بأحد القاعات
و بالفعل و جدتها في تلك القاعة التي تعتبر القاعة المفضلة لأمها الحاجة فضيلة و التي تعلم انها لا تغادر حجرتها مطلقا فقررت المرور عليها قبل رحيلها ..
توجهت سهام هاتفة بالسلام في إتجاه جلوس زهرة التي انتقضت مرحبة بها في حبور هاتفة :- اهلًا يا سهام .. وحشتينى .. بقالك قد ايه معدتيش علينا .. !؟..

هتفت سهام :- معلش .. حجك علىّ أنى عارفة انى مجصرة ف حجك و حج امى .. بس اعمل ايه .. تسنيم و تسبيح كانوا ف امتحانات و رايحين جايين على كلياتهم و انى اللى شايلة الدار كلها لحالى .. اهاا هانت ..
ابتسمت زهرة مؤكدة :- ياللاه خليهم يخلصوا على خير عشان نفسنا نفرح بتسنيم و مهران بقى .. دراسة الطب طويلة و هي أصرت انها تخلص الأول عشان دراستها صعبة .. و ادينا مستنيين .. مستعجلين الفرح بقى ..

اكدت سهام :- و مين سمعك ..بجالنا كَتير مفرحناش ..
دخلت سندس في تلك اللحظة قادمة من الخارج و توجهت حيث سمعت أصوات حديث عمتها و أمها ..
ألقت السلام في مودة و جلست لتستطرد سهام حديثها :- و على سيرة الفرح .. انى مجلتلكيش صح  عن باسل .. !؟
هتفت زهرة :- قلتى ايه ..!؟..انت مقلتيش حاجة عن باسل .. خير !؟..

تنبهت سندس عند ذكر اسم باسل و اشرأبت كل حواسها على الرغم من محاولتها المستميتة إخفاء ذلك بكل براعة بينما تنبهت أمها لأنتقاضة ابنتها الغير ملحوظة عندما تناهى اسم بن عمتها الى مسامعها ..
أخرجت سهام كل منهما من خواطرها هاتفة في سعادة :- مش احنا بنفكر نخطب له .. كفياه كِده .. دِه اللى اصغر منيه عِنديهم دلوجت عيل و اتنين ..
ابتسمت زهرة في فرحة :- ألف مبروك .. و مين سعيدة الحظ ..!؟..

كانت سندس تجلس كتمثال شمعى لا حراك و لا روح فيه .. تستمع لحديث عمتها و أمها بقلب تعدت ضرباته الحد الطبيعى و عيونها شاخصة لشئ ما هناك في الأفق البعيد مجهول الهوية ..
أجابت سهام مفتخرة :- العروسة اللى عليها العين و النية تبجى نوال بت سعد التهامى ..ناس محترمين و بتهم ادب و چمال .. هنعوز ايه اكتر من كِده ..!؟..
ابتسمت زهرة بدبلوماسية :- ربنا يتمم له على خير .. باسل يستاهل كل خير..

رفعت سهام كفيها في تضرع هاتفة بقلب ام :- يااارب ..
و ألتفتت أخيرا لسندس اللاهية في شرودها هاتفة :- و عجبال الجمر بتاعنا عن جريب باذن الله و يبجى الفرح فرحين ..
هتفت زهرة مازحة :- و نسيتى تسنيم و مهران ..!؟
قهقهت سهام :- يبجوا تلاتة .. ربنا يكتر أفراحنا يا رب ..

هتفت سندس خارجة أخيرا عن صمتها مؤكدة :- هايحصل يا عمتى ..انا فعلا جالى عريس النهاردة .. وكيل نيابة و من عيلة كويسة ..
هتفت سهام في سعادة :- الله اكبر .. امال ايه لازما ياجيكى جاضى .. انت اجل منيها يا بت اخوى ..ربنا يتمم لك على خير يا عيون عمتك ..
ابتسمت سندس بألية بينما نهضت سهام تستأذن هاتفة :- اجوم انى بجى اطلع أطل على امى لحسن اتوحشتها .. و ابجى انزل نجعد مع بعض شوية لحد ما ياجى عاصم و اسلم عليه .. بجالى بدرى ما شفتوش..

صعدت سهام الدرج في تؤدة و ما ان غابت في طريقها لحجرة أمها حتى نهضت زهرة لتجلس بجوار ابنتها وتوجهت أنظارها لملامح وجهها الشاحب و همست و هي تربت على كتفها في حنو :- اللى قلتيه لعمتك ده صح و لا ..!؟
اكدت سندس بإيماءة من رأسها :- ايوه يا ماما صح .. هي الحاجات دى فيها كدب برضة ..!!..
همست زهرة :- انا افتكرت انك ..

و قطعت استرسال حديثها و لم تكمله خوفا من غضب ابنتها لكرامتها كالعادة فهى تدرك تماما مدى اعتزاز ابنتها بكبريائها كما تعلم كأم مدى عشق ابنتها لباسل بن عمتها ذاك العشق المدفون بين طيات روحها لا يدركه الا ام تعلم تماما ما يجول بسريرة فلذة كبدها ..
همست زهرة متسائلة :- انتِ تعرفيه يا سندس .!؟.

اكدت سندس في هدوء :- شفته مرتين و انا ف المحكمة ..يعرف الأستاذ موافى المحامى اللى بدرب عنده .. و النهاردة لقيت الأستاذ موافى بيستأذنى يديله نمرة تليفون بابا عشان عايز يجى يطلب ايدى ..
ابتسمت زهرة في محبة و هي تعيد الربت على كتف ابنتها :- ألف مبروك يا سندس .. بس هو شاب كويس يعنى..!؟..

اومأت سندس بإبتسامة ألية :- اه يا ماما .. الأستاذ موافى بيشكر فيه و في عيلته جداا .. شوفى بابا هيقول لك ايه.. اديله التليفون و لا لأ .. !؟..
اكدت زهرة :- اكيد يا حبيبتى .. هقول لبابا و ربنا يقدم اللى فيه الخير..

رسمت سندس تلك الابتسامة المصطنعة على شفتيها من جديد و استأذنت في هدوء و صعدت الدرج لحجرتها و ما ان دلفت للداخل ووقفت امام مرآتها حتى أجهشت فى البكاء و هي تضم جسدها بذراعيها تشعر بخواء رهيب يكتنف روحها و يسرى داخل صدرها حيث ذاك القلب الذى ينبض في انتظام معلنا انها لاتزل على قيد الحياة رغم عدم شعورها بذلك ..
تستشعر الأن أنين ذاك الفؤاد العصى الدمع و الذى أضناه عشقا ما عاد في متناول يده .. عشقا بعيد المنال ..

صدح صوت اذان الفجر عاليا بذاك الصوت الرخيم العذب و الذى ملأ جنبات المعسكر و تسلل الى اذان النيام في سلاسة و رقة جعلت البعض منهم ينتفض مجيبا ندائه .. الصلاة خير من النوم ..
هتف منير في ماجد صارخا و هو يضع الوسادة على رأسه في غيظ محاولا النوم :- يا بنى روح قول لقريبك ده عايزين ننام حرام عليه احنا بنشقى طول النهار ..

انفجر ماجد ضاحكا :- ماله مؤمن !؟. عشان بيأذن الفجر كل يوم هتحطه ف دماغك ..
نهض ماجد في تكاسل يلتقط المنشفة الخاصة به من على طرف فراشه هاتفا في منير زميل الغرفة :- قوم يا حضرة الظابط بلاش كسل .. وحد ربك و صلى الفجر هي أصلا كلها نص ساعة و هننزل للفطار و طابور اللياقة ..
انتفض منير في غيظ :- طب ما تسبونى انام النص ساعة دى يا أوغاد.. منكم لله ..

قال كلمته الأخيرة و هو يرفع كفيه داعيا علي ماجد و مؤمن ..
جذب ماجد وسادته و ألقى بها في اتجاه منير الذى ألتقطها محتضنا إياها في سعادة هاتفا :- تعالى يا غالية عايزين يفرقونا عن بعض ..
و عاد للنوم من جديد مصحوبا بقهقهات ماجد الذى توجه ليتوضأ ليلحق بصلاة الفجر خلف  مؤمن بن عمته سمية  و الذى تفاجئ انه يخدم في نفس وحدته التي تم تعيينه بها ..

تعالت الزغاريد في بيت التهامية معلنة عن فرحة صادحة داخل جدرانه
كانت القاعة الكبيرة تضم الجميع من العائلتين ..عاصم و زهرة و سهام و حسام و أبنائهما و العروسان مهران و تسنيم و هما يتوسطان القاعة متجاوران و امامها علبة مخملية بها خاتمين زواج ..

تناول مهران خاتمه الفضى في سعادة و ارتداه في بنصره الأيمن و كذلك فعلت تسنيم التي كانت تذوب خجلا و حياءً و قد رفضت بشكل قاطع ان يقوم هو بمساعدتها على ارتدائه و احترم هو رغبتها بل أسعده ذلك و هو يمنى نفسه انه يوم ما سيكون الرجل الأول الذى يلمس تلك الكف البضة و يحتويها بين كفيه في سعادة لأنها أصبحت حلاله هو..

تعالت الزغاريد مرة أخرى و هتف عاصم موجها حديثه لحسام :- الف مبروك يابو باسل .. عجبال تسبيح ..
هتف حسام في سعادة :- في حياتك يا عاصم .. و نشوف ولاد ولادهم يا رب ..
ابتسم عاصم هاتفا :- بجولك ايه .. احنا مش عايزين نطولوا ع العيال دى.. كفاياهم كِده ..
استفسر حسام :- جصدك ايه يابو مهران ..!؟..

هتف عاصم و تنبه له الجميع :- انى كان نفسى ابنى لهم دور تانى ف السرايا يبجى ليهم لحالهم بس اساسات السرايا متستحملش دور چديد .. فجلت نفتح أوضة الحاچ مهران الله يرحمه ع الأوضة اللى جارها و يبجى چناح كبير للعرسان جلتوا ايه ..!؟..
اطرقت تسنيم رأسها في حياء بينما تهللت أسارير مهران و هتف في تهور غير معتاد منه :- مفيش احسن من كِده .. لسه هنستنوا دور كامل يتبنى و يخلص..

انفجر الجميع ضاحكين و هتف عاصم مشاكسا ولده :- مستعچل جووى يا شيخ مهران .. و ماله حجك .. ما انت صبرت كَتير على بال ما العروسة خلصت كليتها .. ربنا يجمعكم على خير ..
أمن الجميع خلفه و قد قرروا العمل في تجهيز جناح العروسين فورا و تحديد ميعاد عقد القران و الزفاف ما ان يتم الإنتهاء من اعداده ..

هتفت نعمة و هى تضع الاطباق على المائدة منادية :- ياللاه يا ناصر الاكل انحط ع السفرة و ابوك قعد كمان اهو.
خرج ناصر من حجرته بإتجاه الطاولة ليجلس فى تؤدة و ما ان رأى أطباق القلقاس موضوعة عليها حتى هتف فى سعادة كانت نادرا ما تظهر على ذاك المحيا العابس :- ايه ده !!.. قلقاس .. و الله و فاتتك الأكلة الجامدة دى يا نادر ..
هتفت نعمة متحسرة :- اه و الله .. ربنا يردك يابنى بالسلامة ..

هتفت شيماء و هى تضع الأرغفة الطازجة على المائدة بدورها :- بإذن الله يا خالتى و نعمل له كل اللى يحبه مش القلقاس بس ..
بدأ ناصر يتناول طبق القلقاس أمامه فى شراهة و استمتاع ليهتف جزلا :- تسلم ايدك يا ست الكل ..
لتهتف نعمة بدورها مبتسمة :- دى عمايل شيماء .. لقتنى تعبانة قالت لى ارتاحى و انا هعمله بدالك ..
تغيرت نبرة ناصر للنقيض هاتفا :- ما انا بقول برضة انه صايص شوية و ناقصه ملح و السلق بتاعه باهت كِده و ملوش لون ..

جلست كل من نعمة و شيماء للمائدة وقد انتهين من وضع كل الاطباق على الطاولة اخيرا لتهتف نعمة مؤنبة :- لا ملكش حق يا ناصر .. ده احلى من اللى بعمله .. طبيخ البنات سكر نبات .. هتفت بجملتها الاخيرة و هى تربت على كتف شيماء مشجعة بينما هتف خالها خميس مؤيدا :- و الله زى السكر بجد .. تسلم ايدك يا شوشو ..

هتف ناصر حانقا و هو ينهض مغادرا الطاولة :- خليكم كده دلعوا فيها لحد ما تأكلنا البرسيم على انه ملوخية و احنا نقولها ايه الجمال ده تسلم ايدك .
هتفت نعمة متعجبة :- طب انت رايح فين !؟.. ده انت مكلتش ..
هتف نزقا و هو يتوجه لغرفته :-هاكل ايه !؟.. مش لما يبقى فى حاجة عدلة تتاكل ..
أغلق باب غرفته لتهتف نعمة بدورها و هى تتذوق القلقاس مؤكدة :- و النبى زى العسل اهو ..

و ربتت على كتف شيماء التى ظلت صامتة رغم ما بدى على ملامحها من كدر مستطردة :- ده بيغيظك يا بت .. كلى كلى .. و لا يهمك ..
ادعت شيماء الأكل و لكنها بدورها لم تمسه و نهضت لغرفتها تحاول الحصول على قدر من النوم لكن رأسها ضج بالكثير من الافكار و اصابها الصداع لتنهض فى هدوء متوجهة للمطبخ لتصنع لها كوبا من الشاى لعله يساعد على تهدئه ذاك الالم الذى يضرب رأسها ..ما ان همت بدخول المطبخ حتى رأته يسبقها اليه و قد وقف فى منتصفه تماما يرفع أغطية الحلل و القدور باحثا عن شئ ما..

فتح المبرد و اخذ يعبث بداخله حتى اخرج احدى الحلل و رفع غطائها و تناول احدى الملاعق و بدأ فى إلتهام محتواها و الذى لم يكن الا القلقاس الذى كان قد كرهه منذ ساعات و نَفَر من تناوله .. ابتسمت رغما عنها و هى تراه يلتهمه بذاك الاستمتاع متلذذا بكل ملعقة ..

همت بالعودة حيث أتت لحجرتها و تركه لوليمته لكنها أطاعت ذاك الصوت الداخلى الذى ارتفع دافعا إياها لدخول المطبخ و رؤيته متلبسا بتذوق قلقاسها الذى لم يلق اعجابه .. لابد و ان تستعيد بعض من كبريائها المهدر و بالفعل اندفعت داخل المطبخ متصنعة الدهشة لرؤيته ..

توقف عن تناول احدى الملاعق التى كانت فى سبيلها لفمه و هى تنظر اليه فى تشفى ليهتف هو محاولا اختلاق الاعذار :- ايه ..!؟..جعان ..
هتفت هى لتغيظه :- طب ما اعمل لك اكل تانى غير القلقاس اللى معجبكش.
هتف بدوره :- لا خلاص .. انا شبعت اصلا ..

نظرت الى داخل القدر هاتفة
بسخرية :- لازم طبعا تشبع .. الحلة خلصت .
هتف بدوره مبررا  :- الجوع كافر .. و انا مبعرفش اعمل اكل لنفسى .. و مش هصحى امى دلوقتى !!
اكدت متفهمة بإيماءة من رأسها و على شفتيها ابتسامة تحاول وأدها :- اه .. مفهوم طبعا.. تحب اعمل لك شاى!؟.. انا اصلا مصدعة و كنت جاية اعمل لى كباية شاى ..

اكد بإيماءة من رأسه :- اه يا ريت ..
اخذت جانبا من امام باب المطبخ ليغادره هو متوجها للردهة ينتظر منها كوب الشاى ..
خرجت بعد لحظات و بيدها الصينية عليها الكوبين لتجده أَت من اتجاه حجرته يحمل بيده شئ ما لم تتبينه وضعت الصينية على الطاولة ليهتف بها قبل ان ترحل بكوبها :- هاتيلى كباية مية قبل ما تروحى ..

دخلت المطبخ من جديد و عادت حاملة كوب الماء .. شرب و عادت به للمطبخ لتجده قد تناول كوبه و غادر لحجرته مدت كفها تتناول كوبها لتجد حبة من مسكّن ما للصداع موضوعة على الصينية بجوار كوبها .. امسكت بالحبة فى تعجب و تساءلت :- هل هو من وضعها بجوار كوبها لأجلها!؟..

كانت بادرة تشبه الحنان .. او ربما احساس بالذنب  قد اعتراه نتيجة سخريته من طبيخها .. ربما .. همست متشككة .. تناولت الحبة فى هدوء و اخذت كوب الشاى و دخلت حجرتها ليخرج هو بعدها بلحظات ناظرا على الصينية الفارغة .. ليتنهد فى راحة و قد تأكد انها تناولت حبة الدواء و عاد ادراجه الى حجرته من جديد ..

دخلت سهام الى غرفتها بعد استدعاء حسام لها لتنفض يدها مما كانت تقوم به لتهرع اليه متسائلة فى لهفة ما ان دخلت الغرفة :- خير يابو باسل .. ايه فى!؟..

همس حسام امرا إياها :- اجفلى الباب و تعالى عايزك ضرورى ف موضوع مهم ..
اندفعت سهام تغلق الباب و تعود لتجلس جواره فى لهفة و فضول لسماع ما عنده من اخبار ..
تنبه فجأة ليسألها :- هو باسل رچع من الارض الچبلية و لا لساته هناك ..!؟
اكدت بإيماءة من رأسها :- لساته هناك يا حسام ما انت عارف دِه ميعاد الرية ف ارض اخوك الله يرحمه و باسل هو اللى متوليها ..

تنهد حسام عندما تذكر نبيل رحمه الله و تلك الحادثة التى اودت بحياته منذ ما يقارب الثلاث سنوات فى الخارج .. كانت صدمة العمر بالنسبة له اولا ابيه الحاج قدرى ثم بعدها نبيل فى ذلك الحادث المشؤوم .. ان ارضه هى كل ما تبقى من رائحته .. فلم ينجب من ندى اخت زهرة لا ولدا و لا بنتا يرث تلك الارض التى عاد جزء منها طبقا للشرع لندى و التى ما عادت لمصر منذ غادرتها مع أخيه بعد زواجهما مباشرة ..

هتفت سهام تخرجه من شروده :- هى ندى مرت اخوك مش ناوية ترچع مصر تانى ..!؟..
تنهد بشجن :- و الله ما عارف .. بس مرة سمعت عاصم بيچول انها ناوية ترچع لانها زهجت من الغربة لحالها بعد نبيل الله يرحمه .. و كمان هنا ما بيچلهاش الا اختها .. أمها و ابوها الله يرحمهم..اهى تاچى تشوف مصالحها وورثها من نبيل اهو جاعد لها بحج ربنا ..

ثم استطرد متنهداً بضيق :- هو ايه اللى چاب السيرة دى دلوجت .. !؟.. لا حول و لا قوة الا بالله.. نسيت انى كنت عايزك ف ايه .. لا اله الا الله..
هتفت سهام تذكره :- جلت ان فى موضوع مهم عايز تجولى عليه ..
هتف متذكرًا فى لهفة :- إيوه صح .. بصى يا ستى.. بتك جالها عريس ..
هتفت سهام فى بلاهة :- بتى مين !؟.. تسنيم ..!؟

هتف حسام بدوره مستنكرا :- تسنيم ايه !؟.. ما مهران واد خالها خطبها و هى السنة دى تخلص كليتها و نكتبوا الكتاب .. و النچع كله عارف كِده ..
بكلمك على تسبيح ..
انتفضت سهام فى فرحة :- و النبى صحيح .. تسبيح چالها عريس ..!

هتف حسام فى ضيق :- اه چالها .. و ميجلهاش ليه !؟.. مش بت .. و ست البنات كمان ..
هتفت سهام مستفسرة و كأنها لم تسمع حديثه السابق :- مين العريس يا حسام!؟.. نعرفه ..!؟
اكد حسام :- إيوه تعرفيه .. حمزة ..
هتفت سهام مستفسرة :- حمزة واد سليم.. !؟..

هز حسام رأسه بالإيجاب :- ايوه هو .. هو انت تعرفى كام واحد اسميه حمزة .. هو بعينه .. چانى هو و ابوه و طلب يدها من ساعة و انى جلت له هرد عليه ف اجرب وجت ..
هتفت سهام فى سعادة :- حمزة ما يتعيبش .. راچل چدع و اخلاجه يشهد لها الكل و باشمهندس كد الدنيا ..
هتف حسام :- انى ميهمنيش كل دِه ..انى اللى يهمنى ان بتى تبجى ريداه .. و هترتاح معاه ..

هتفت سهام فى ضيق :- و هى ترفضه ليه ..!؟ دِه يعتبر واد عمها و تربية يدنا هنعوزوا ايه تانى .. دِه يبجى بطر عاد.. و خصوصى للى ف ظروفها ..
انتفض حسام هاتفا فى غضب هادر :- بتى مهياش معيوبة عشان نجول اهو عريس و ما صدجنا چالها.. بتى تجعد هانم و تختار سيد الرچالة ..
طأطأت سهام رأسها و بدأت فى البكاء فى صمت .. انتبه لبكائها عندما طال الصمت بينهما دون ان تقطعه هى بحديثها ليهتف فى ضيق :- بتبكى ليه دلوجت ..!؟..

هتفت بصوت متحشرج :- انت فاكر انه هين علىّ انى اجول اللى جلته .. بس دى الحجيجة يابوباسل
بتك فرصتها ف چوازة زينة هتجل بسبب رچلها و انت عارف كِده وواعى له كيف ما انى وعياله..
و تنهدت فى حزن مستطردة :- انى كل اللى طلباه من ربنا انه يبعت لها بن الحلال اللى يصونها و يراعيها .. و حمزة بن حلال و على كد يدنا ..
هتف حسام منهيا الحوار :- ربنا يجدم اللى فيه الخير .. انتِ بس فتحيها ف الموضوع .. و اللى يريحها هنعمله اى كان هو ايه ..

اومأت سهام برأسها توافقه الرأى .. و لم يكن يدرى كلاهما انه ليس هناك من داعٍ  لمفاتحة صاحبة الشأن فى الموضوع لأنها سمعته و هى تهم بالطرق على باب حجرة أبويها منذ دقائق .. و...

الأدهى انها لم تسمع الا ذاك الجزء الاخير من الحوار الذى يصف عجزها و دوره فى تقليص فرص زواجها .. صرفت النظر عن تلك الطرقات التى كانت تهم بها على باب الحجرة  و اندفعت للأعلى حيث حجرتها المشتركة مع تسنيم و التى كانت لحسن الحظ ليست فيها لتجلس على طرف فراشها تفكر فيما سمعت..

ان حمزة شاب طيب و على خلق .. جدى بعض الشئ و لا يتميز بالحلم فى بعض الأمور لكنه مهندس ناجح و اخلاقه لا غبار عليها .. انها لا تحبه .. هى تعلم ذلك جيدا .. لكن منذ متى الحب لأمثالها .. انها تلك الناقصة المعيوبة .. لن يكون الحب ابدا لها .. اذن فهو زواج العقل لا محالة .. و ان كان لابد منه .. فحمزة هو الاصلح بكل تأكيد .. فأمها تعامله كمن جاء بعد كل تلك السنين ليصلح غلطته .. حسنا .. لابأس فليصلحها .. و انا لن اعترض .. فرفاهية الرفض ليست متاحة على اى حال ..

أنهت حوارها الداخلى مع نفسها و على الرغم من اقتناعها بكل حرف فيه الا ان هناك جزء ما داخل روحها الجريحة التى كانت و لازالت تدارى جراحها بالإبتسامة و الضحكات الرنانة يئن موجوعا فى صمت و يأبى الإزعان لذاك المنطق العقلى البحت و يحاول ان يطفو فوق امواج التعقل و المنطق لكن لا فائدة فقد غمرته تلك الأمواج تماما لتخرس صوته و تنهض هى لتجفف دمعها و قد قررت ان توافق على تلك الخطبة لعل و عسى تجد فى حمزة ضالة قلبها المنشودة ..

اندفع حامد لداخل غرفته المشتركة مع أخيه مما جعل حمزة يجفل فى غيظ و يكاد يسكب كوب الشاى الذى كان يرتشف منه فى لحظتها و نظر بغيظ لحامد الذى هتف فى غيظ بدوره :- انت برضك رحت طلبت يد تسبيح بت عمتك ..!؟..
هتف حمزة بهدوء :- ايوه .. ايه فيها!؟.. يعنى ما انت عارف انى هطلب يدها من زمن .. ايه الچديد !؟.
هتف حامد معاتبا :- متعرفش برضك!؟.. ما احنا اتكلمنا فيه كَتير الموال دِه..

رد حمزة فى نفس الهدوء :- طب لما اتكلمنا فيه يبجى عارف رأيي .. ليه متفاچئ كِده ..!؟..
هتف حامد :- لانى كنت فاكرك هتفكر تانى و تتأكد انك بتظلم نفسك و بتظلمها معاك يا حمزة..
هتف حمزة محتدا للمرة الاولى منذ بدء الحوار :- بظلم نفسى و بظلمها!!..ليه بتجول كِده يا حامد ..!؟.
هتف حامد :- عشان عارف ان مش تسبيح هى اللى ترضى جلبك و عجلك يا حمزة ..

هتف حمزة معترضا الا ان حامد قاطعه هاتفا :- تسبيح عروسة زينة يا حمزة لكن مش ليك .. و كفاية تحمل نفسك ذنب مش بتاعك ..
هتف حمزة صارخا و كأن أخيه بدأ فى الضغط على موضع ضعفه دون ان يدرى و يكشف عن سره الدفين دون ان يدرك انه يعبث بجرح مفتوح منذ زمن طويل و لم يندمل بعد :- انت جصدك ايه !؟. ذنب ايه اللى بتتكلم عنِه دِه ..!؟..

هتف حامد صارخا :- انت عارف و انى عارف بنتكلم عن ايه !؟.. موضوع حادثة رچلها .. انت مليكش ذنب فيه ليه عايز تشيل ذنبها لحد دلوجت ..!؟..
صرخ حمزة بثورة و كأن احدهم قد نزع عنه ما كان يستتر به طوال سنوات عمره الماضية من قناع ثبات و جمود :- حاااامد .. انت بتجول ايه!؟.دى حاچة عدى عليها زمن و ملهاش ..

قاطعه حامد هاتفا بإصرار :- لاااه ليها .. و هى السبب انك تطلب يدها .. انت بتظلمها يا حمزة .. بتظلمها و بتظلم نفسك ..
ثار حمزة هاتفا :- انى مبظلمش حد .. و هى لو مش عوزانى مش ها تجبل بيا .. انى مغصبتش على حد اى حاچة ..
تنهد حامد فى قلة حيلة و تمتم :- بشوجك ياخوى.. انت حر .. انى خلصت زمتى من ربنا و ربنا يصلح لك حالك ..
ألقى حامد كلماته تلك و خرج من الغرفة بهدوء تاركا حمزة رأسه يغلى من شدة ارتباك الافكار و الخواطر بعقله ..

خرج عاصم من الحمام يكمل ارتدائه جلبابه و هو يتوجه للفراش و ما ان وضع جسده عليه حتى فتحت زهرة الغرفة في هدوء معتقدة انه ذهب في النوم لكنها تنهدت براحة عندما وجدته لايزل مستيقظا فهتفت :- الحمد لله انى لقيتك لسه صاحى ..
اعتدل في قلق هاتفا :- ايه في ..!؟.. حصل حاچة ..

اكدت زهرة تطمئنه :- لا مفيش حاجة متقلقش كده .. بس سندس جالها عريس ..
تنهد في راحة و هو يتمدد على الفراش هاتفا :- يا شيخة وجعتى جلبى.. طب و ماله ..ياجى و نشوفوه.. بس المهم هي اللى  مترفضوش و تطرجه جبل مايجى زى كل مرة ..

جلست زهرة على الناحية المعاكسة على الجانب الاخر من الفراش متطلعة اليه في ضيق :- ما انت عارف يا عاصم هي بترفض ليه ..
انتفض عاصم جالسا و هي يهتف في ضيق مماثل :- طب و هنعمل لها ايه بس ..!؟.. نچوزها بالعافية .. و لا نجيب واد عمتها يتجدم لها بالعافية .. ما هو لو كان عايزها .. ليه مچاش !؟

هتفت زهرة :- ما يمكن عشان فارق التعليم بينهم يا عاصم مخليه خايف يتقدم لها و ترفضه ..
هتف عاصم بغيظ :- لو بيفكر كِده يبجى يستاهل الضرب بالنار .. انى اهم حاچة عندى انها تكون عيزاه و هترتاح معاه .. و باسل راچل بچد و هبجى مرتاح و هي معاه ..

ساد الصمت بينهما لحظات و أخيرا هتف عاصم متسائلا :- و هو مين العريس الچديد دِه !؟..
هتفت زهرة :- وكيل نيابة شافها مع الأستاذ موافى ف المحكمة و طالب تليفونك منه .. و هي بتسأل تديهوله و لا لأ ..
اكد عاصم :- تديله تليفونى طبعا ..
هتفت زهرة متعجبة :- تديهوله ..!؟..

اكد عاصم :- ايوه تديهوله ..ايه اللى فيها ..!؟.
و استدار جاذبا الغطاء عليه هامسا :- ياجى و يشرفنا .. و هاتاجى يا واد حسام على ملا وشك تطلبها .. و انى اللى هجول لاااه ..
هتفت زهرة :- بتقول حاجة يا عاصم!؟..
اكد عاصم مغمضا عينيه :- بجول تصبحى على خير ..
هتفت بدورها :- و انت من أهله ..
و تمددت بدورها لتنام و هي تشعر ان زوجها القابع بجوارها يدبر لشئ ما لكنها لم تدرك كنهه ..

اندفعت تسنيم لداخل حجرتها عائدة من اخر امتحاناتها بكليتها البعيدة  باحثة عن اختها تسبيح في لهفة و ما ان طالعها محياها بجوار النافذة حتى أغلقت الباب و توجهت اليها هاتفة في حنق :- الخبر اللى سمعته من امك ف التليفون ده صح ..!؟ ..
هتفت تسبيح في لامبالاة على الرغم من ادراكها لمقصد اختها :- حمد الله ع السلامة الأول .. و بعدين خبر ايه اللى امك قالت هولك ف التليفون !؟..

هتفت تسنيم بغيظ :- خبر موافجتك على حمزة ..الكلام ده صح ..!؟ ..
اكدت تسبيح بإيماءة من رأسها :- ايوه صح .. ايه اللى فيها يعنى .. !؟..
هتفت تسنيم :- حمزة يا تسبيح .. حمزة ..!؟.. ده انتِ اكتر واحدة كنتِ بتجولى عليه شَديد و چامد و چد .. يبجى انت اللى تتچوزيه !؟
هتفت تسبيح بهدوء مقيت :- و ايه فيها يا تسنيم ..!؟.. حمزة ميتعيبش ..
اكدت تسنيم :- اه ميتعيبش .. لكن مش ليكِ ..

هتفت تسبيح :- بالعكس .. حمزة اصلح واحد ليا .. انا هستحمل شدته و هو هايستحمل عچزى اللى هو شايف انه كان سبب فيه ..
صرخت تسنيم :- يعنى انت عارفة انه چاى يتجدم لك عشان عجدة الذنب الجديمة و راضية ..!؟..
اكدت تسبيح :- ومرضاش ليه !؟.. حمزة هو فرصتى الوحيدة لچوازة كويسة مفيش واحدة ف ظروفى تطولها ..
هتفت تسنيم متعجبة :- ظروفك ..!؟.. انت جصدك ايه ..!؟.. جصدك موضوع رجليكى .. انت اكيد بتهزرى ..

ابتسمت تسبيح بألية :- لا مبهزرش يا تسنيم .. ايوه موضوع رچلى .. و عچزى اللى الناس كلها واعياله حتى انتم .. بس بتحاولوا تضحكوا على نفسكم و تجولوا مش فارج .. بس هو فارج جووى .. و لما ألاجى العريس اللى يرضى بيا على عيبى أجول لاااه .. ده حتى يبجى اسمه بطر ..
هتفت تسنيم و هي تحتضنها هامسة :- انت مجنونة على فكرة .. انت تستاهلى اللى يحبك و تحبيه .. متستاهليش الحياة بالشكل ده لمچرد حاچة ملكيش يد فيها .. اتسرعتى يا تسبيح .. اتسرعتى جووى ..

دفنت تسبيح رأسها بين ذراعى اختها هاتفة :- خلاص يا تسنيم معدش ليه عازة الكلام ده .. بابا بلغ حمزة موافجتى .. يعنى انا دلوجتى خطيبته رسمي .. و انا موافقة بچد و راضية .. حمزة كويس و راجل محترم و هيصونى و ده كفاية عليا ..
ربتت تسنيم على ظهر اختها في محبة مواسية و لم تستطع ان تتفوه بكلمة أخرى حتى لا تضغط عليها اكثر فيكفيها ما تعانى و تمنت على الله ان تعود لرشدها و تفكر من جديد في امر تلك الزيجة التي لا يحكمها الا الشعور بالذنب ...

نهضت  تتلمس طرف فراشها و قد استيقظت كعادتها مع سماعها لنداءات صلاة الفجر .. ابتسمت في إشراق و قد تذكرت تلك الرؤيا التي لازالت عالقة بأجفانها كأنها تراها رؤى العين .. هتفت في سعادة :- اللهم اچعله خير يا رب..
هتفت سكينة الممددة على الفراش المجاور مستفسرة :- ايه في ..!؟..
هتفت بخيتة بفرحة :- مش بعادة صاحية الساعة دى .. !؟..احسن برضك ..وفرتى عليّ المهاتية معاكِ .

لم تعقب سكينة على سخرية بخيتة و إنما عاودت استفسارها هاتفة :- شكلك شفتى منام زين و صاحية وشك منور...صح و لا لاااه ..!؟..
ابتسمت بخيتة مؤكدة :- صح يا حزينة.. بتلجطيها و هي طايرة ..زكريا راچع يا سكينة ..
هتفت سكينة متزمرة :- يوووه .. ما بجالك زمن من ساعة ما چيتكم و عشت وسطيكم و انتِ بتجولى نفس الموال .. و هو كل عيد يجول چاى و ميچيش.. حتى العيد اللى هيهل دِه هو مجالش انه هياجى فيه .. يبجى عرفتى منين ..!؟..

هتفت بخيتة بنبرة لم تفقد حماسها او فرحتها :- هاياجى .. و ابجى جولى بخيتة جالت ..!؟.. انى ف كل مرة كان بيجول چاى كنت عارفة و حاسة انه مش هيعملها لكن المرة دى لاااه ..
جلبى بيجولى انه هاياجى و يطل علىّ لانه اتوحشنى زي ما اتوحشته و اكتر .. وجلبى بيجولى كمان ان غيبته دى مش بخطره .. ربنا يچيبك بالسلامة يا جلب امك .. اتعطر بريحته مرة و بعدها يعمل ما بداله .. اتوحشتك يا زكريا .. ارچع بجى يا جلب امك..

دمعت عينا سكينة على حال بخيتة على الرغم من ندرة حدوث ذلك الا انها ام أيضا و عانت مثل ما عانته بخيتة عندما سُجن يونس لسبع سنوات كانت الأصعب على قلبها و من بعدها فارقت بينهما الدروب هي عند اختها لا تستطيع فراقها لمرضها و هو هنا حيث عمل و تزوج  و استقرت احواله.. و تمنت من قلبها ان تصدق رؤيا بخيتة و ان يرسل الله زكريا لرؤية امه المسكينة التي ينفطر قلبها شوقا له ..

تنبهت سكينة من شرودها على صوت الإقامة لصلاة الفجر يصدح عاليا فنهضت متوجهة لبخيتة التي ما برحت مكانها على غير عادتها لتساعدها على النهوض هاتفة في مشاكسة :- ياللاه خلونا نكسبوا ثواب فيكِ النهاردة و هسندك للحمام تتوضى.. بس ع الله يتمر و تدعيلى ..

نهضت بخيتة متأبطة ذراع سكينة هاتفة في مرح تجاريها :- هدعيلك طبعا معلوم .. و اول حاچة هدعيلك بيها ان ربنا يجصر من طول لسانك دِه شوية ..
قهقهت سكينة هاتفة :- برضك يا بخيتة .. دِه انى احلى حاچة فيا لسانى.
هتفت بخيتة مازحة :- اعوذ بالله .. ربنا يچرنا منيه ..
لتقهقه سكينة من جديد و كلتاهما تغيب ف الردهة الطويلة المفضية للحمام ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة