قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع والعشرون

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع والعشرون

دخل ماهر المسجد كعادته بعد عودته من الحج اثر استشهاد اخيه مؤمن.. و ما ان هم بالمسير لداخله متوجها لذاك الركن الذى بات مفضلا لديه لانه بعيد عن الاعين حتى اصطدم ناظراه بمهران جالس قبالته.. حاول تفاديه و كأنه لم يره و اندفع مبتعدا الا ان مهران كان الأسبق ليستوقفه فى لهفة متعجبا:- على فين يا ماهر يا واد عمى..!؟ الضهر وچب.. تعال صليه معاي..

اسقط فى يد ماهر و ما عاد قادر على المراوغة او الابتعاد.. يشعر بذنب رهيب لأقترابه من مهران خاصة و اى فرد من بيت الهوارية بوجه عام..
انقضت صلاة الظهر و جلس كلاهما ينهيا صلاتهما بالتسبيح و الاستغفار..

لم يعد ماهر يطيق ذاك الذنب الجاسم على صدره كحجر.. فقرر الاعتراف بكل ما فى جعبته لابن خاله لعل ذلك يخفف من وطأة الإحساس القاتل الذى يعانيه و يضج مضجعه.. فهتف فى صوت مهزوز بنبرات مترددة:- مهران.. عايز اجولك حاچة بس تسامحيني يا واد خالى.. بس مش هنا.. مش ف بيت ربنا تعال بره..
انتبه مهران و توقفت أصابعه عن تحريك حبات مسبحته متطلعا لماهر فى تعجب:- أسامحك..!؟ على ايه يا ماهر!؟.. دِه انت ما شاء الله عليك من ساعة ما رچعت م الحچ و انت الله اكبر عليك.. ربنا يديم عليك هدايته و ع العموم تعال بره..

خرجا سويا و انتبذا مكانا قصيا عن اعين الخلق و هنا هتف ماهر بصوت متحشرج و بنفاذ صبر :- انى چبان و نچس.. انى مش عارف كنت بعمل اللى كنت بعمله دِه كيف..
انتبه مهران لماهر فى انتفاضة رابتا على كتفه فى إشفاق ظنا منه انه يعنى ماضيه المشين قبل استشهاد اخيه:- اهدى يا ماهر.. كلنا خطائين.. المهم انك توبت و..

هتف ماهر فى ضيق:- اسمعنى يا مهران الله يخليك.. اسمعنى انى هموت لو مجلتش اللى چوايا و خلصت زمتى من ربنا..
ربت مهران على فخذه مشجعا:- جول يا واد عمتى.. جول انى سامعك
تنهد ماهر و اخيرا هتف:- انى السبب ف كل المصايب اللى كانت بتحصل لكم الفترة اللى فاتت دى..

صمت مهران متطلعا اليه فى صدمة و لم يعقب ليستطرد ماهر و هو منكس الرأس حياءً لا يستطع التطلع لابن خاله و هو يستطرد فى ندم:- ايوه يا مهران.. حادثة باسل كنت انى السبب فيها و كمان..
صمت و لم يستطع الاستطراد الا انه اكمل و هو يشيح بوجهه هاتفا:- موضوعك مع الراچل اللى ضربت عليه نار دِه انى كان ليا يد فيه..

انتفض لحظتها مهران ممسكا بتلابيه هاتفا فى ثورة:- انت بتجول ايه..!؟.
لم يقاومه ماهر بل على العكس ظل متسمرا فى مكانه ليدفعه مهران فى غضب ليهتف ماهر مدافعا عن نفسه:- مكنش انت المجصود يا واد خالى.. بس چات فيك..
تطلع اليه مهران مستفسرًا:- جصدك ايه مكنتش انى المجصود.. امال مين!؟..

هتف ماهر منكسا هامته:- كانت تسبيح بت عمتك سهام..
صرخ مهران غير مصدق:- بتجول تسبيح!.. ليه !؟.. ايه عملته عشان تستجصدوها..
هتف ماهر مؤكدا:- انى معرفش.. انى كنت عبد المأمور.. مكنش ينفع اظهر انى ف الصورة لانى جريبها فجبت الراچل اللى ضربته انت بالنار دِه عشان يحل مكانى.. كان الجصد الفضيحة.. مكنش الجصد اننا نورطك..

هب مهران فى غضب:- حتى الحريم يا نچس.. من ميتا الحريم ليها ف الليالى دى.. و مين اللى امرك اصلا تعمل كِده!؟.. و فضيحة ايه اللى تعملوها لتسبيح طول عمرها متربية و ملهاش ف اى حاچة مش مظبوطة !؟

كان مهران يلقى هذه الأسئلة و عقله يغلى فى اضطراب و كأنه جمع قطع الاحجية و بدأ فى استنتاج الآتى و الذى تأكد انه صحيح عندما هتف ماهر:- الراچل دِه كان بيهدد تسبيح لانه خد صور ليها و حطهم ف مواقع استغفر الله العظيم.. كان بيبتزها عشان ياخد منها فلوس على كد ما يجدر بتهديداته.. و كله بسببى و الراچل اللى كان بيكلمنى و بيجولى اعمل ايه بالظبط.. مكنتش تسبيح بعينها المجصودة المجصود كان فضيحة التهامية بأى طريجة و تسبيح لما كانت هتروح للراچل بالفلوس كان هيفضحها..

تسمر مهران بموضعه و قد اتضحت الصورة كاملة امام ناظريه و اصبح على يقين فى تلك اللحظة انه ظلم تسنيم ظلم بين و صدق ادعاء الرجل الحقير و لم يعطى لها حق الدفاع عن نفسها حتى و ان تسنيم هى من ذهبت للقاء الرجل بدلا من اختها الصغرى و كانت الصدفة العجيبة و التى يعتبرها سترا و كرما من الله فى هذه اللحظة عكس ما كان يعتقد فى وقتها انها الصدفة الاسوء على الإطلاق و التى قادته ليرى تسنيم فى هذا الوضع.. فلولا وجوده ساعتها الله يعلم ما كان من الممكن ان يحدث لتسنيم من هذا الحقير..

أيقن الان ان احيانا كثيرة يكمن الضر ف الخير او ما كنّا نظنه خيرا و يكمن الخير فيما كانت تظنه أنفسنا شرا..
نفض مهران عنه أفكاره و هتف فى ماهر:- مين الراچل دِه اللى كان بيديك الأوامر تعمل كِده !؟..
اكد ماهر:- معرفهوش.. و لا عمرى شوفته.. اللى بينا تليفونات و بس.. و لا حتى اعرف له اسم.. انى لجيته بيكلمنى مخصوص و بيجول لى ان ليه تار جديم مع الهوارية و التهامية و انه عايزنى أساعده اخد التار دِه.. و بجى يجول لى اعمل ايه و انى أنفذ جصاد الفلوس اللى كان بيبتعهالى..

بس انى معايا نمرته.. ممكن تعرف هو مين..
هتف مهران فى لهفة:- طب هات النمرة جوام..
فتح ماهر جواله و اعطى الرقم لمهران الذى هم بالاندفاع من المسجد خارجا الا ان ماهر استوقفه فى لهفة هاتفا:- مهران.. سامحنى الله يخليك.. انى كنت معمى و الدنيا وخدانى..

صمت مهران فى محاولة للسيطرة على غضبه المكبوت تجاه ماهر وكظم غيظه اكراما لماهر الجديد و لأخيه الشهيد:- خلاص يا ماهر مسامحك.. و ربنا يسامحنا كلنا..
تنهد مهران فى ألم و هو يلقى كلماته الاخيرة متذكرًا حبيبته و ما فعل بها فأندفع خارج المسجد و قد قرر ان يفضح ذاك الذى يحاول النيل من عائلته و عائلة زوجته بحجة ثأر قديم لا علم لأحد به...

دفع باب شقته دون ان يفكر فى الطرق عليه منتظرا فتحها اياه فما كان له قبل على مواجهة محياها فقرر الاندفاع من باب الشقة لباب الغرفة دفعة واحدة و ان يلوز خلف باب حجرته دون ان يتعامل معها بأى طريقة كانت..

دفع باب الشقة بالفعل و نفذ ما عزم عليه و فى لحظة كان داخل الغرفة يغلق بابه دونها.. كانت هى تنتظره و تعد ما لذ و طاب على المائدة كعادة كل مساء منذ زواجهما و تنبهت لدخوله و هى تخرج بالفعل من المطبخ محملة بالأطباق.. تنهدت فى تفهم و وضعت الاطباق من يدها على المائدة و جلست أمامها فى قلة حيلة تشتاق ايّام زواجهما الاولى حيث كان يأتيها كل مساء لتجمعهما تلك المائدة ليؤنسها و تؤنسه.. هى لا تريد الا العودة لتلك الأيام التى يبدو انها بعد قراءته لخطاب اخيه الراحل ولت بلا رجعة..

لكنها قررت انها لن تترك له الامر وحده عليها التدخل و ليكن ما يكون.
كان يقف بجوار خزانة الملابس و قد استكان بعد ان اعتقد انها لن تأتى تسأل كعادتها لما لم يخرج للعشاء.. بدأ فى فك أزرار قميصه الملطخ قليلا ببعض بقع الشحم كعادته و الذى حاول المحافظة عليه قدر استطاعته نظيفا حتى لا يرهقها فى غسيله.. و انتفض عندما فُتح باب الغرفة ووجدها امامه فى لحظة..
هتف فى غيظ:- حد يدخل الأوضة كده !؟..

اقتربت منه و قد سقطت كفه عن صدر قميصه الذى كان يفك أزراره لتبدأ هى فى استكمال المهمة و تفكها واحدا تلو الاخر هامسة:- هو انا هستأذن و انا داخلة على جوزى !؟..

كان يقف الان فى خضم أتون من مشاعر لا قبل له لتحملها يصارع رغبتين كلتاهما قاتلة احداهما تحييه من جديد و الاخرى تقتله متعمدة مع سبق الإصرار و الترصد.. تتعارك داخله رغبة فى ادنائها منه حد تغييبها بين أضلعه شوقا و ما بين دفعها عنه حتى يخرج سالما من بين نيران ذاك الجحيم الذى يحياه اللحظة و هى قريبة منه بهذا الشكل الخطر متطلعا الى شعرها المعطر الذى يسكره عبيره و جبينها الوضاء و انفها الشامخ و شفتيها الشهيتين...

و ما ان وصل لتلك المرحلة حتى قرر اتخاذ قراره و الذى ما ان هم بتنفيذه حتى كانت هى الأسبق و قد ابتعدت ليسقط هو على اقرب مقعد منه فتعتقد هى انه يشرع فى تبديل حذائه فتندفع تحضر له خفه المنزلى من اسفل الفراش و تنحنى قبالة مجلسه تخلعه عنه و تضع الخف بدلا منه و تنهض فى تنهيدة حارة و قد أتمت مهمتها بنجاح و التى لم تكن على حد علمه الا الإتيان على كل ما بقى من دفاعات له امام سحرها و عفويتها و تحطيم كل ذرة مقاومة يحاول التمسك بها قبل فرارها امام جحافل نظراتها التى تحمل قدر لا يستهان به من خليط عجيب مزيج من براءة صافية و شقاوة محببة تورثه الرغبة فيها حد التهلكة..

ابتسمت اخيرا و هى تهتف:- اى خدمة تانية يا باشا!؟.. لم تنتظر جوابه و إنما استطردت هاتفة و هى تخرج من الغرفة.. انا مستنياكِ ع العشا بره متتأخرش..
تنفس الصعداء ما ان رحلت و زفر بقوة و هو يلقى برأسه المكدود للخلف يستند به على احد جدران الغرفة و هو يلعن نفسه و قراراته المهترئة.. فكم من مرة اقسم ان يبيت فى الورشة مع صبيه شكمان حتى يبتعد عن لقياها لكنه فى اللحظة الاخيرة يعدل عن قراره و يندفع الى هنا و كأنه يهوى تلك الوصلة من تعذيب الذات و التى يبدو انه استطابها بحق و ما عاد قادرًا على العيش دونها على الرغم انها تزداد ضراوة كل يوم عن سابقه و كأنما قد أوصاها احدهم عليه لتفعل به ما بدا لها و تخلص منه ثأرا وهميا من عدو مجهول لا يعلمه.. زفر من جديد و قد أيقن انه خاسر امامها لا محالة.. لكنها مسألة وقت لا اكثر حتى يرفع راياته البيضاء...

دخل السراىّ لا يعلم ما عليه فعله.. صعد الدرج فى تثاقل اشبه بالعجزة.. تمنى من صميم قلبه ان لا يقابلها.. ان لا يراها قابعة امامه ما ان يفتح باب حجرتهما و يتذكر كيف حرمها على نفسه ظالما إياها قبل ظلم حاله.. يتذكر بكائها و نظرات عينيها اللائمة..و كيف كان يندفع مبتعدا عنها مستغفرا ما ان يهزه شوقه اليها.. و الأدهى من ذلك كله يتذكر تلك الكلمات المسمومة التى اطلقها لسانه واصفا إياها ليلة زواجهما التى كان يحلم بها عمره كله..
توقفت كفه على مقبض الباب بإرتعاشة و ما عاد قادرًا على الرحيل مبتعدا.. و الى اين يمكنه الابتعاد.. و اين سيهرب من ذاته التى تجلد ذاته بسوط من ذنب يدميه..

كيف أنساه شيطانه انها تسنيم!؟.. انها تلك الطاهرة البتول التى ما مس كفها رجل.. انها تلك الصوامة القوامة التى كسر قلبها و اهدر كرامتها و كان مصدر لأكبر أوجاعها بدلا من ان يكون هو ذاك السند و الأمان الذى تنتظره كل امرأة من شريك عمرها..
فتح الباب فى هوادة منكس الرأس يحاول تأجيل ملاقاة عينيها.. يشعر بخزى لا يمكن احتماله و ندم لا يمكن مداراته..
تطلع باتجاه الفراش ليجدها نائمة تنهد فى راحة و لكن رغم ذلك وجد قدميه بلا إرادة منه تتجهان الى موضع رقادها.

انحنى متكئا على ركبتيه جوار الفراش متطلعا الى محياها الذى يعشق و الذى تمنى لو كان قادرًا على الاقتراب منه فى حرية ليشهدها انه ذاك العاشق الذى لا قبل له على الابتعاد عنها لكن ما بيده حيلة.. كفارته على وشك الانتهاء و ساعتها فقط سيتمكن من البوح.. و لكن هل يومها هى من ستغفر !؟.. انتفض للخاطر الموجع و تنبه لمدى الوجع الذى عاشته هى لأشهر طوال فى سبيل غفرانه..

تنهد من جديد و لكن هذه المرة فى شوق و هو يكاد يموت فى سبيل إلقاء رأسه بين ذراعيها و الاحتماء بإحضانها و الاعتراف بانه يفنى بكل ما تحمله الكلمة من معنى و هو بعيد عن وطن جبينه بين هاتين الذراعين.
دمعت عيناه و همس فى وجع عاشق:- بحبك يا تسنيم.. بحبك جووى.. و يا رب تسامحيني يوم ما ياجى وجت السماح..
نهض فى خفة حتى لا يوقظها و توجه لمرتبته و التى وجدها قد جهزتها لإجله.. تمدد عليها و عيناه شاخصة لسقف الغرفة التى شعر من ضيقه انه يكاد يطبق على صدره..

اما هى فقد سالت دموعها فرحا و قهرا على ما سمعته منذ لحظات و هو يبثها عشقه و لا يدرك انها ليست غافية.. و كيف تعفو قبل ان تستشعر انفاسه تحت سقف حجرتها و تطمئن انه هاهنا حتى و لو متباعدا عنها.. !؟
و همست لنفسها:- و انا كمان بحبك يا مهران.. بحبك جووى.. بس امتى ياجى وجت السماح و انا أسامح يا غالى !؟..

كانت سعادتها لا توصف عندما ظهر امام باب دارها و هو يقف على قدميه من جديد.. صرخت بفرحة و ما استطاعت مداراة ذاك السرور الذى طل من ناظريها مشعا كقناديل من بهجة و هو يقول لها بابتسامة خلبت لبها:- الانسة ايمان جاهزة عشان اول يوم ليها ف الجامعة..!؟.
هتفت بابتسامة:- اكيد چاهزة.. و نظرت خلفه لتجد سيارتهم قابعة بالخلف عند مدخل الدار فهتفت بشك:-هو انت اللى هتوصلنى !؟..
اكد بإيماءة من رأسه و لازالت تلك الابتسامة التى تربك معدتها مرسومة على شفتيه:- ايوون.. هوصلك.. عند حضرتك مانع !؟..

هتفت فى نبرة مترددة:- ايوه.. بس.. يعنى..
قهقه هاتفا:- على فكرة انا خدت اذن ماهر.. ما هو مش معقول أكون رايح معاكِ نفس الكلية و اسيبك تروحى بمواصلات و عربية خالك و بن خالك موجودة.. ده ينفع !؟..
هتفت كالبلهاء:- رايح نفس الكلية !؟. كيف يعنى !؟..

قهقه من جديد:- و انا اللى بقول عليكى ذكية و جايبة مجموع طول النخلة.. ايوه يا ستى.. قدمت لنفس كليتك و هانبقى زمايل.. ارتاحتى بقى!؟..
رددت ببلاهة من جديد غير قادرة على استيعاب المفاجأة:- زمايل !؟.. انت بتتكلم چد !؟..

اتسعت ابتسامته لتخبطها الذى يظهر جليا على ملامحها الرائعة.. تطلع اليها و كأنه يراها للمرة الاولى و تاه للحظات.. و تنبه عندما استوعبت اخيرا المفاجأة هاتفة بابتسامة أربكته و هى تتطلع خلفه مازحة:- طب فى مفاچأت تانية و لا خلاص كِده !؟.. لحسن تكون هتودينى الچامعة بطيارة و لا دبابة !؟..
قهقه هاتفا:- لا.. دى بقى خاب ظنك العربية مستنيانا اهى.. انجزى ياللاه عشان منتأخرش..

هتفت مؤكدة:- انا چاهزة اهو يا چنرال.. ياللاه بينا..
سارت ببطء لتجارى خطواته المتهادية و هى لا تصدق انه اخيرا يسير على قدميه من جديد كما ان منظاره الطبى الذى يرتديه بعد إصابة عينه اليمنى زاده وسامة محببة..

ركب بجوار السائق و ركبت فى الأريكة الخلفية و هى تستشعر سعادة لا يمكن وصفها فالأمور تسير بشكل يجعل منهما اقرب فأقرب.. فهل سيكون لها نصيبا فيما تتمنى و تطمح!؟...و هل ستنال ما يشتهيه قلبها منذ زمن بعيد.. هل.. و هل.. ظلت تتساءل وعينيها تتطلع اليه خفية من موضعها و خيالات وردية تداعب مخيلتها المنتشية بمرأه و صحبته التى اشتاقتها كثيرا.. و لا زالت هل.. بطلة المشهد حتى وصولهما للجامعة اخيرااا..

طرقات على باب مكتبه و بعدها دخل مهران هاتفا بالتحية لينهض حازم فى سعادة هاتفا فى ترحاب:- اهلًا..اهلًا.. ازيك يا مهران و ازى عمى عاصم.. كله تمام..!؟
هتفت مهران معاتبا:- ما انت لو بتاجى كنت هاتعرف بنفسك.. لكن انت تجلان علينا يا باشا..
هتفت حازم مؤكدا:- ابدا و الله.. الشغل بس مبيخلصش و اديك جيت و شوفت بنفسك..

هتف مهران:- الله يكون ف العون.. ربنا يحفظك يا واد عمى..
ابتسم حازم مؤمنا:- اللهم امين..
هتف مهران متنحنا:- بجولك ايه يا حازم.. انا جايلك ف خدمة كِده..
اعتدل حازم فى اهتمام هاتفا:- يا سلام.. انت تأمر يا مهران.. خير ان شاء الله..

هتف مهران و هو يخرج جواله بغية الوصول لرقم هاتف محدد:- بص يا حازم.. انا عايز اعرف مين صاحب النمرة دى ضرورى..
هتف حازم و هو يتناول احد الاقلام و ورقة من على مكتبه:- يا سلام.. بس كده !.. اديهالى و هعمل اتصالاتى و بإذن الله هيكون عندك اسم صاحب النمرة..
أملاه مهران الرقم ليؤكد حازم و هو يضع الورقة التى كتبه بها فى احد جيبوبه:- متقلقش خلال يومين هيكون الاسم عندك.. معلش هتأخر شوية لأننا مشغولين جدا فى موضوع مهم شوية.. أفضى و لو نزلت اجازة هجيب لك كل المعلومات عنه كمان..

هتف مهران بلهفة:- يا ريت..
تنحنح حازم هاتفا:- طب معلش لو فيها تدخل يعنى.. هو صاحب النمرة دى عمل ايه عشان أكون معاك ف الصورة بس !؟..
هتف مهران بضيق:- الصراحة عمل مصايب.. مسبش واحد م الهوارية او التهامية الا لما أذاه.. كن فى تار جديم بينا و بينه..
زم حازم ما بين حاجبيه فى تعجب و ساد صمت للحظات و اخيرا هتف فى استفسار:- طب و انت عرفت المعلومات دى منين يا مهران !؟.. ما يمكن اللى قالها لك بيحاول انه يوقع بينكم و بين شخص ما!؟..

هتف مهران مؤكدا:- مش ممكن.. اللى ادانى النمرة حد منينا.. كان راچله هنا ف النچع و بينفذ كل اوامره بس ربنا هداه..
ابتسم حازم ساخرا:- ربنا هداه !؟.. انت بتصدق يا مهران!؟.. شكلها حركة زى ما بقولك كده..
اكد مهران هاتفا:- لاااه يا حازم.. مش حركة و لا لعبة.. اللى بجولك عليه دِه يبجى ماهر الهوارى..
هتف حازم فى عدم تصديق:- ماهر بن عمتى سمية!؟.. ماهر اخو الشهيد مؤمن!؟..

اكد مهران بإيماءة من رأسه فهتف حازم مؤكدا:- لا.. الموضوع كده شكله كبير فعلا.. خلاص سبنى يا مهران اظبط الحكاية و اجيب لك قرار النمرة دى و صاحبها..
نهض مهران هاما بالرحيل هاتفا:- يا ريت يا حازم.. كل ما كان أسرع كان احسن..
اكد حازم:- طبعا.. ربنا يسهل.. بس انت قمت كده و رايح على فين.. انا طلبت الغدا..

هتف مهران معترضا:- لااه.. غدا ايه دِه انا يا دوب ارچع ع النچع و لو ع الغدا حجك انت اللى تاجى معاى و تتغدى معانا.. دِه عمك عاصم هايفرح جوى بشوفتك..
هتف حازم مبتسما:- يا سلام.. انت جيت ف جمل.. ده انا ما هصدق.. حد يقول لأكل ام سعيد لا برضو..
قهقه مهران:- ما انا بجول برضك.. ياللاه بينا لحسن عمك عاصم يعلجنا ع الشچر لو اتأخرنا على ميعاد غداه..

اندفعا سويا لخارج مكتبه فى سبيلهما للسراىّ و فى الطريق هتف مهران:- بجولك ايه يا حازم.. اللى جولتهولك دِه محدش يدرى بيه.. و لا حد عنديه خبر عنه غيرى.. تمام يا واد عمى..
ربت حازم على كتفه هاتفا:- تمام.. متقلقش.. كله هايبقى تمام ان شاء الله
اكد مهران هاتفا:- ان شاء الله..

وقفت امام مرآتها تتطلع لصورتها المنعكسة عليها فى شرود.. كانت هادئة على عكس عادتها لكن داخلها بركان يمور بحمم من مشاعر و اوجاع تختبرها للمرة الاولى على الإطلاق.. ايّام فاصلة.. بضعة ايّام هى الفاصلة حتى يُذبح الأمل فى ان يكون لها و يضحى ملك لامرأة سواها.. تطلعت من جديد لملامح وجهها الندى فى المرآة و تساءلت... لما كان يتعمد تجاهلى !؟.. لما لم أحظى يوما بإهتمامه!؟.. لما لم يأخذنى على محمل الجد !؟.. لما لم يع مشاعرى !؟.. لما لم يحبنى !؟..

كاد التساؤل يصيبها بالجنون.. ضمت جسدها بذراعيها رغبة فى الاحساس بالأمان و الاحتواء..
انها تحب.. بل تعشق.. تلك الحقيقة الحلوة المرة التى وعتها متأخرة جدااا.. متأخر لدرجة انه ما عاد بإمكانها البوح بها لمخلوق.. متأخر لانها ساعات فاصلة فقط و سيكون لامرأة سواها..امرأة ستحصل على محبته و تنال اهتمامه و تشعر بالأمان و الاحتواء بين ذراعيه.. امرأة سيكون لها كل تلك الحقوق التى تمنت الحصول عليها و عليها تجاهه كل الواجبات التى كانت تتمنى لو هى من تؤديها له بكل رغبة و محبة..

شهقت باكية فى وجع جارف اجتاح روحها عند ذاك الخاطر.. و ما عادت قادرة على الوقوف تتطلع لصورتها الباكية تلك فأنسحبت مبتعدة فى استكانة بإتجاه صوان ملابسها فتحته فى عنف و لاتزل شهقات بكائها تتعالى و تطلعت لملابسها فى استياء هامسة لنفسها:- كان يكره تلك الملابس.. كان يعترض دوما علىّ عندما ارتديها..

اندفعت تجذب تلك الملابس فى غضب هادر من على مشاجبها و تلقى بها ارضا و تدوس عليها بأقدامها رغبة فى سحقها..
اندفعت زينة لداخل غرفة ابنتها رغبة من اخراجها من جو الاكتئاب الذى تعيشه منذ ايّام.. لكن ما ان دلفت للغرفة حتى وجدت هدير امامها بهذا الشكل فشهقت فى صدمة و اندفعت تأخذها بين ذراعيها فى حنو رغبة فى التخفيف عنها.. كانت تعتقد ان هدير تعانى ذاك الاكتئاب و الرغبة فى العزلة جراء إنهاء خطبتها على عمر و لم تكن تدرى ابدا ان الامر اعقد بكثير من مجرد إنهاء خطبة بل الامر يتعلق بوجع فى روحها و ذاك الطبيب الوحيد الذى يحمل دوائها لن يعود قادرًا على مداواته ابدااا..

اندفع حازم مغادرا السراىّ على عجل حتى يلحق بعمله الذى تركه مخلفا اياه ممنيا نفسه بطعام ام سعيد الذى لا يقاوم و الذى نال منه كفايته اليوم..
و ما ان هم بمغادرة النجع حتى توقف فجأة عندما هتف به حمزة و هو يعبر جواره بعربته.. ترجل حازم مبتسما فى سعادة ما ان ترجل حمزة بدوره هاتفا به فى عتاب:- بجى تاجى النچع و متعديش علىّ.. خيانة كَبيرررة..

تلقاه حازم بين ذراعيه رابتا على ظهره فى مودة و مؤكدا:- عندك حق و الله بس كنت عند عمى عاصم.. عزومة بالإكراه زى ما انت عارف..
قهقه حمزة ليستطرد حازم مبتسما بدوره:- و ادينى كنت راجع الشغل جرى.. و كمان عارف انك مش فاضى..
كان حازم يشير لموعد عقد قرانه الذى اقترب موعده على استحياء و شعور بالذنب يكبله..
هتف حمزة موبخا:- يعنى مش للدرچة دى.. بجولك ايه اوعى تكون نازل اچازة جريب..

ابتسم حازم مداريا ذلك الوجع الذى يرتع بصدره مؤكدا:- لا عندى شغل كتير قووى يمكن اخد فترة على بال ما انزل اجازة.. بس ليه !؟..
اكد حمزة فى غيظ:- هيكون ليه يعنى!؟..عشان انت هتكون م الشهود على عجد الچواز.. و مفيش اعذار.. هاتبجى و هاتاجى..
غام وجه حازم و ما عاد قادرًا على المدارة الا انه استجمع رباطة جأشه ببسالة و هتف و هو يربت على كتف حمزة فى محبة حقيقة:- اكيد يا حمزة.. ده انت اخويا..

ابتسم حمزة فى أريحية:- معلوم طبعا.. هستناك انت و عمى.. و استطرد مازحا:- بجولك ايه.. تعال نعشوك.. اكل ام سعيد مايجيش حاچة چنب اكل امى..
أنتفض حازم مدعيا الذعر:- لا.. الرحمة.. اكلة زى بتاعت ام سعيد كفاية عليا ف الاسبوع..اكلتين زى دى ف يوم واحد !؟.. انت عايز تقضى عليا!؟..
قهقه حمزة:- انت لسه متعودتش و لا ايه !؟..
اكد حازم:- هو اكل العساكر ده اكل!؟.. و لا الاكل من بره بيبقى له طعم اصلا!؟..

اكد حمزة:- طب ما تشد حيلك و تحصلنى يا واد عمى.. و لا طفشت العروسة باينك !؟..
ابتسم حازم و لم يعقب فلم يكن قد اشاع نبأ انفصاله عن نهلة حتى اللحظة و لم يشأ ان يعكر صفو اجواء الفرحة التى تدق على الأبواب بخبر كهذا..
هتف حازم مخرجا نفسه من خضم خواطره و هتف مستعدا للرحيل:- اشوفك على خير بقى..
اكد حمزة:- على خير يا واد عمى.. هستناك يوم كتب الكتاب.. و اهو بالمرة تشوف عمى مادام هتجعد فترة جبل ما تنزل اچازة..

اكد حازم بايماءة من رأسه و استقل سيارته مودعا و مشاعر شتى تتنازعه.. يتصارع بساحة صدره العديد من الاحاسيس التى لم يعد قادرًا على كتمانها و لا حتى لديه الشجاعة للبوح بها..
و ما بين نوح تلك المشاعر لسجنها بهذا الشكل و ما بين رغبتها فى نيل حرية البوح يقف هو مذبوحا فى منتصف طريق اللاعودة..

تعالت الزغاريد صادحة من الأسفل فأنتفضت تتطلع حولها فى تيه و اخيرا ادركت انها بحجرتها التى اتخذتها ملجأ منه بعدما حدث بينهما بالامس.. دمعت عيناها لكنها قررت ألا دموع اخرى على الاقل امامه.. ستصبح تلك القوية القادرة و لن تدع الفرصة لاى من كان ان يكسرها و يهدر كرامتها ما حيت..

تنبهت انها لاتزل بثوب زفافها و بالتأكيد تلك الزغاريد الناعقة بالأسفل دلالة على قرب صعودهم للمباركة بالصباحية الميمونة.. ابتسمت فى سخرية و قررت ان تنهض لتبديل ثوبها الذى اختارته بعناية و حب معتقدة انه بداية السعادة فإذا به بداية لدرب الشقاء..
و كانت على حق فما هى الا دقائق حتى علت وتيرة الزغاريد و بدأ الطرق على باب شقتهما..

اندفع حامد من الغرفة متطلعا حوله فى اضطراب لا يعلم ما عليه فعله.. هل يفتح لهم ام ينتظر قليلا حتى يتأكد انها وعت بمقدمهم و انها على استعداد لمقابلتهم!؟.. ظل للحظات على تيهه حتى اندفع عازما على فتح الباب لتطل منه امه فى مقدمة المسيرة ترفع عقيرتها بأصداء متتالية من الزغاريد المبتهجة فى فرحة غامرة تبعتها هداية و سكينة..

وضعت كل واحدة منهن حملها على الطاولة متطلعات لحامد فى حبور تبارك كل واحدة بعبارات السعادة و الدعاء بالذرية الصالحة حتى علت فجأة الزغاريد من جديد جعلته ينتفض و النساء تتطلعن الى العروس التى جاءت تمشى على استحياء من ناحية الحمام فتنبه لها و دق قلبه فى عنف..
كان كأنه يراها للمرة الاولى تماما.. كانت رائعة بحق بذاك القميص الحريرى الابيض و مئزره المطرز برقة و شعرها الحريرى الذى انسدل على كتفيها و عانق خصرها فى اغراء يفقد الذاهد عقله..

شعر بالذنب يكاد يقتله اختناقا فقد تذكر انه ما رأها بالامس من الاساس و ما سمح لها بان تكشف له عن عائشة التى لا يعرفها و لم يرها الا اللحظة فقط..
كانت هادئة وادعة ترسم على شفتيها ابتسامة خجلى يعرف تماما دون غيره انها تدارى خلفها وجعا بحجم الدنيا و عمق البحار.. وجعا يئن فى صمت لا يسمعه الا هو.. انين يكاد يورثه الجنون و الرغبة فى عمل المستحيل حتى يرجع عقارب الساعة للوراء بضع ساعات ليجنبها و يجنب نفسه هذا الالم القاتل الذى يشملها و ذاك الذنب الميت الذى يعتريه..

انتفض من جديد عندما هتفت امه فى سعادة:-الف مبروووك.. يا رب بالذرية الصالحة النافعة يااارب..
و نهضت من موضعها بإتجاه عائشة و اخرجت من جيب جلبابها علبة مخملية فتحتها و اخرجت منها قلادة رائعة و انحنت تضعها حول جيد عائشة فى سعادة هاتفة:- دى نجوطى انا ويونس حماكِ يا مرت ولدى..تعيشى و تلبسى يا مرت الغالى..

ابتسمت عائشة فى سعادة ممتنة و همست:- الله يبارك فيكم و تعيشوا و تهادوا يا رب..
و كذا فعلت سكينة و هداية التى رغم محاولة عائشة مدارة حزنها خلف ابتسامات الحياء المصطنعة تلك الا انها كانت قادرة على رؤية ما ورائها و قررت ان تعرف فيما بعد سبب ذاك الحزن الكامن فى نظرات اختها و ابنة عمها..

نهضت النسوة و تعالت الزغاريد مرة اخرى ليرحلن فى سعادة داعيات بدوام الفرحة..
ما ان غبن خلف الباب حتى اندفعت هى لتعود لحجرتها التى اختارتها منذ الامس بعيدا عن حجرتهما المشتركة التى تذكرها بخيبة املها..
كان هو الأسبق اليها ليوقفها قبل ان تغيب خلف بابها ممسكا بذراعها هاتفا:- عيشة.. استنى.. انا..

استدارت برأسها قليلا متطلعة اليه فى غضب و همست بهدوء متناقض مع ما يعتمل بداخلها من مشاعر قهر و وجع:- انت ايه يا باشمهندس!؟.. انت مليكش عندى من النهاردة الا أكلتك و هدمتك غير كِده مدورش على عيشة.. و أنسى انك تعرفها م الاساس.. و مظنيش ان ده هيكون صعب عليك لانك عمرك ما كنت شايفها من اصله..

و جذبت ذراعها محررة اياه من اسر كفه و اندفعت لحجرتها تغلق بابها خلفها فى هدوء لتبدأ فى نوبة من بكاء مكتوم يحمل وجع الدنيا
تحاول مداراة شهقاتها فى صدرها حتى لا تتعالى فتتناهى لمسامعه.. فيكفيها..فهى ليست بحاجة لشفقته و لا اى مشاعر اخرى تأتى من قبله.. يكفيها و زيادة..

تجمعت العائلتان فى دار التهامية التى تزينت و علت فيها الموسيقى الصادحة.. فالليلة هى الليلة الموعودة و التى سيعقد فيها قران حمزة و تسبيح.. وصل المأذون فتعالت الزغاريد من كل صوب و حدب على طول و عرض المنزل و خاصة فى طابقه الثانى حيث يتجمع معظم نساء العائلتين حيث تجلس العروس بعد إتمام زينتها فى انتظار أخبارها بإتمام مراسم عقد القران..

علا الغناء و الطبل و جلست العروس وسط حشد النساء اللاتى تجمعن فى سعادة فى تيه تعلو وجهها ابتسامة باهتة و نظراتها زائغة و كأنها تبحث عن شئ ما لا تعرف كنهه.. روحها هائمة فى مكان اخر تحوم كغيمة وردية فى سمائه البعيدة..

هى لا تعرف كيف وافقت على إتمام عقد القران و لكن ما كان بامكانها الا ان تفعل.. هى لحمزة منذ أعلنت موافقتها على الاقتران به و اصبحت مكتوبة باسمه و أصبح الجميع يعلم انها زوجته قبل ان يتم ذلك رسميا فتلك الامور فى النچع لها طابعا مميزا عنها فى المدن.. هنا ما ان يطلب احدهم يد فتاة و توافق يصبح الجميع على علم بأنها أضحت زوجته قبل ان تتم مراسم زواجهما رسميا.. كتبت على اسمه و ما عاد احد بقادر على ان يفكر فيها كزوجة مجرد تفكير..

تعالت الزغاريد مرة اخرى عندما تم إنهاء الإجراءات الورقية و صعد باسل اخيها اول درجات السلم للطابق الثانى ينادى على امه او اخته تسنيم كى تستدعى احداهما العروس لتأتى و تزيل بامضاءها و بصمة إصبعها وثيقة الزواج قبل إتمام صيغة عقد القران..

استفاقت تسبيح من شرودها و تسنيم تهز كتفيها تخبرها انهم بحاجتها بالأسفل من اجل إتمام الإجراءات.. هزت رأسها فى تفهم و نهضت تلحق بأخيها باسل على الدرج.. دخلت مجلس الرجال لتتعالى الزغاريد من جديد لترتجف هى من رأسها لأخمص قدميها فكل خطوة تخطوها تتقدم الى تلك الطاولة هناك و التى ترى عليها الان أوراق و دفتر كبير تقربها اكثر من تلك الحقيقة التى اصبحت ماثلة امام عينيها أوضح من شمس الظهيرة..

و خاصة عندما لاح امام عينيها حمزة جالسا فى صدر المجلس بجوار ابيها و أخيه حامد و ها هو باسل اخيها و بجواره خالها عاصم و هناك عمها زكريا.. لكن اين حازم.. تراه لم يأتى.. و لما!؟.. كانت تعلم ان حمزة اصر ان يكون حازم احد شهود عقد القران..
و بالفعل ما ان وصلت الطاولة و همت بإمساك القلم للإمضاء حتى هتف حمزة موجها تساؤله القلق لزكريا - امال حازم فين يا عمى !؟.. مش جال هيأچل كل حاچة عنده النهاردة و ياجى يشهد ع العجد!؟..

ابتسم زكريا فى اضطراب هاتفا:- ايوه جال.. ربنا يرد غيبته و يچعلها على خير..
اهتز القلم بين أصابعها و هى تحاول التماسك لتزيل باسمها الأوراق لكن لا فائدة فما ان جاء ذكر اسمه على مسامعها حتى بدأت ترتجف كالمحمومة لا تستطيع السيطرة على انفعالاتها..

مارست جهد جبار حتى تستجمع ما تبقى من ثباتها و انحنت تمضى الأوراق الا ان احدهم دخل القاعة كالإعصار هاتفا فى ذعر:- ألحج يا زكريا بيه.. حازم بيه خطفوه المطاريد ف الچبل..
كان هذا ما ينقصها فى تلك اللحظة لتفقد كل ما تملك من ثبات و قوة حاولت ان تدعيها طوال الأيام الماضية لتفقدها كلها دفعة واحدة لتسقط فاقدة الوعى صارخة بإسمه فى قلب مجلس الرجال...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة