قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الأول

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الأول

تهادى ذاك الصوت الرخيم لمؤذن المسجد القريب من الدار ليصل لمسامعها التي ارهفت السمع جيدا و هي تنفض عنها بقايا نعاس لازال عالقا بأجفانها ..
نفضت عنها غطاءها رغم برودة الطقس و اعتدلت في بطء جالسة على طرف فراشها ..
هتفت الخالة بخيتة لمن تتدثر على الفراش المقابل بطبقات متعددة من الغطاء :- سَكينة .. انتِ يا ولية .. الفچر أدن .. جومى صلى ..

همهمت الحاجة سكينة ام يونس من تحت غطائها و لم تحر جوابا شافيا يريح بخيتة التي عادت لتكرر نداءها هاتفة بصوت اعلى :- جومى يا ولية خدى بيدى للحمام .. جومى اتوضى و وضينى معاكِ .. اعملى حاچة لأخرتك يا بعيدة ..
انتفضت سكينة من تحت فراشها هاتفة بخنق :- انتِ مش هتبطلى يا ولية الغاغة بتاعت كل ليلة دى .. ارحمينى و سبينى اتخمد و روحى انتِ صلى و سبينى ف حالى ..

و تأففت و هي ترفع الغطاء مرة أخرى على وجهها .. تحسست بخيتة طريقها حتى وصلت لفراش سكينة و ما ان وصلت لأطرافه حتى جلست بتؤدة و بدأت في هز جسد سكينة بغية اثارة غيظها هاتفة :- سكينة .. جومى يا مرة سندينى للحمام و ارچعى تانى اتخمدى ..
هتفت سكينة من تحت غطائها في حنق :- يا ولية انتِ فاكرة نفسك عامية صحيح !!.. دِه انتِ بتشوفى اكتر مننا كلنا .. بطلى كهن بجى ..

همست بخيتة محاولة استمالتها :- الحج عليا عايزاكِ تبجى معايا ف الچنة ..
انفجرت سكينة بتهكم :- چنة..!! معاكِ!!.. لااااه متشكرين .. چهنم ارحم ..
انفجرت بخيتة مقهقهة :- وراكِ وراكِ .. دنيا و اخرة .. غصبًا عنيكِ.. جومى بجى ..
هتفت سكينة بغيظ :- اللهم طولك يا روح ..

تابع كل من يونس و كسبانة ذاك النزاع اليومى و هما يمران بغرفة الخالة بخيتة و سكينة امه و التي احتلتها ما ان وصلت للمعيشة معهما بعد وفاة اختها لتصبح رفيقة بخيتة فى تلك الغرفة ..
همست كسبانة ليونس :- امك و خالتى بخيتة بيتعاركوا زى كل ليلة ..
ابتسم هامسا :- اديكِ جلتيها زى كل ليلة .. و هاتنتهى برضك زى كل ليلة.. اسمعى كِده ..

و ارهفا سمعهما و بخيتة تهتف :- هتروحى النار يا بعيدة .. جومى صلى ..
هتفت سكينة :- ملكيش صالح .. و يكون ف علمك  هدخل الچنة جبل منيكِ .. ايه رأيك بجى ..!؟..
هنا نظر يونس مبتسما لكسبانة التي كادت ان تنفلت منها قهقهة على ذاك الحوار الدائر بداخل الغرفة ..
و تنبها للخالة بخيتة و هي تخرج من الحجرة تتلمس طريقها متحسسة الحوائط التي تحفظها عن ظهر قلب مما دفع يونس ليتنحنح هاتفا :- صباح الخير يا خالة بخيتة .. تعالى أسندك للحمام تتوضى ..

هتفت بخيتة :- فيك الخير يا ولدى .. الحمد لله منتش طالع لأمك ..
ابتسم يونس و لم يعلق لتستطرد بخيتة هاتفة :- روح صحى ولادك يصلوا هم كمان خلى البيت يتملى بركة و خير ..
هتف يونس لكسبانة التي كانت تتبعهما:- تعالى يا كسبانة ساعدى خالتى و انا هروح أصحي حامد و حمزة  ..خليهم يصلوا و كل واحد يشوف مصالحه ..
اومأت كسبانة برأسها إيجابا و هي تندفع تساعد بخيتة بينما توجه هو لغرفة ولديه لإيقاظهما ..

صدح نفير السيارة عدة مرات في فرحة معلنا وصوله أخيرا مما جعلها تندفع على الدرج في لهفة لتكون الأولى التى تراه بذاك الزى العسكرى الذى حلم طوال عمره بأرتدائه و ها هو اليوم يحقق حلمه و يعود لها بعد حفل تخرجه يرتدى الزى العسكرى لضباط القوات المسلحة و يضع تلك النجمة الذهبية المتألقة على كتفيه ..

وصلت أخيرا لباب السراىّ حتى ظهر أخيرا مندفعا من السيارة تجاهها و ما ان رأها حتى اندفع بإتجاهها حاملا إياها عن الأرض يدور بها في سعادة
و شوق لأحضانها هاتفا :- وحشتينى يا ست الحبايب ..
هتفت زهرة مقهقهة :- نزلنى يا ماجد ميصحش كده ..

انزلها ممتعضا و هو يهمس في خبث:- متخافيش كده الحاج عاصم شكله مش موجود .. يعنى مش هيقيم علينا الحد ..
انفجرت زهرة ضاحكة لمزاحه :- اه لو سمعك ليعلقك ف الشجرة زى زمان .. فاااكر ..!؟..
زم ماجد ما بين حاجبيه مدع الحنق هاتفا :- لااا بقى .. انا بقيت ملازم اول قد الدنيا.. و البدلة دى ليها احترامها على فكرة ..
هتف صوت جهورى من خلفه :- انت و بدلتك هتتعلجوا زى زمان و لا يهمنى .. تحب تچرب .. !؟..

انتفض ماجد متوجها بكليته حيث يقف ابيه هاتفا و هو يؤدى التحية العسكرية في اكبار :- عاصم باشا .. انا تحت الطلب و سرعة التنفيذ يا فندم .. هو انا اقدر ..
فتح عاصم ذراعيه ليتلقف ولده في سعادة غامرة فها هو يراه امام ناظريه ضابطا ملء العين .. ربت على ظهره في قوة و عزم هاتفا في حبور :- حمد الله بالسلامة يا حضرة الظابط .. اتوحشناك ..

قبل ماجد ظاهر كف ابيه في تأدب هاتفا :- و الله يا حاج عاصم كلكم وحشتونى .. امال فين سندس و مهران ..!؟..
هتفت زهرة :- مهران ف مناحل العسل هبعت حد يبلغه وصولك .. ده مأكد عليا لما توصل ابلغه .. اما سندس يا سيدى ف الجامعة مقدرتش تأجل مشوارها .. الدكتور المشرف على رسالتها طلبها ضرورى .. بس قالت لى انها مش هتتأخر ..
اكد ماجد :- طيب كويس .. انا عايز بجد أقضى كل دقيقة معاكم عشان  يا دوب الإجازة تمانية و أربعين ساعة بس..

هتفت زهرة مستنكرة :- ايه ..!؟.. يومين بس ..!؟..
هم ماجد بالشرح حتى يمتص حنقها الا ان عاصم هتف مستنكرا حنقها :- واااه يا زهرة .. هو بجى ملك نفسه .. لااه .. اتعودى على كِده بجى.. دِه هايبجى حاله من هنا و رايح.. و لا ايه يا حضرة الظابط ..!!
هتف ماجد ممازحا أبيه:- الله عليك يا حاج عاصم يا جامد انت .. كلام اخر حاجة .. نشنت ف السوادة يا عصومى ..

و ما ان نطق كلمته الأخيرة حتى استدرك خطأه فاندفع حتى لا تطاله عصا ابيه التي رفعها لتوه حتى يضربه لتشهق زهرة واضعة كفها على فمها تمنع قهقهة قد تخرج غصبا عنها و عاصم يهتف حانقا :- طب يا جليل الحيا .. أدبك عليّ .. بس ادب ايه و انت بجيت طولى و ظابط كمان!؟.. انا عارف جبلوك ازاى ف الحربية و انت هايف كِده ..

هتف ماجد ممعنا ف أغاظة ابيه :- هم كانوا هيلاقوا زيي يا حاج .. ده انا محصلتش و لا هحصل و الله ..
ثم قرر مهادنة ابيه فاستطرد مادحا :- و بعدين ميقبلونيش ازاى ..!؟.. ده انا ابن عاصم مهران الهوارى بجلالة قدره ..

انتفخت أوداج عاصم لمدح ولده و نسى ما كان منه منذ لحظات مما دفع القهقهات على شفتى زهرة التي كانت تتابع المشهد بين ولدها الحبيب اخر العنقود و زوجها .. رفيق الدرب و حب العمر .. لتنهض أخيرا لتؤكد على افخر غذاء يمكن اعداده من اجل عيون حضرة الضابط .. ليهتف عاصم لولده و هو ينهض مغادرا:- اطلع استريح لك شوية جبل الغدا و متنساش تعدى على ستك تبوس على راسها .. هِم ياللاه ..

رفع ماجد كفه بالقرب من جبينه بتحية عسكرية صارمة لوالده و هو يغادر هاتفا في مرح :- عُلِم و ينفذ يا عاصم باشا ..
ابتسم عاصم لمزاح ولده و غادر السراىّ بينما اندفع ماجد يعتلى الدرج في نشاط قافزا الدرجات مثنى و ثلاث حتى وصل لغرفة جدته فضيلة التي طرق على بابها عدة مرات و لم يتلقى جوابا بقبول الدخول كالعادة .. فمنذ ضعف سمع جدته و اصبح هذا هو المعتاد منها .. فتح باب الغرفة في هوادة متطلعا منه بقمة رأسه فرأها تجلس على مقعدها الأثير الذى لا تغادره الا للانتقال الى الفراش للنوم..

هتف محييا إياها يرفع من صوته قدر الإمكان حتى يتسنى لها سماعه :- السلام عليكم يا ستى .. ازيك ..!!
تنبهت الحاجة فضيلة لذاك الظل الذى ظهر في مجال رؤيتها و رفعت رأسها المنحن تستطلع القادم ..
تقدم اليها ماجد منحنيا يقبل قمة رأسها
هاتفا :- عاملة ايه .. اتوحشتك جووى..

عاد يتحدث بلكنته الصعيدية معها كما كانت تؤكد عليه دوما .. فهى كانت تسخر منه عندما يتحدث بلكنة مصراوية على حد قولها ..
نظرت الحاجة فضيلة اليه في تعجب متحسسة سترته العسكرية و هتفت بعدم تصديق :- الزعيم چمال  عبدالناصر !؟..
انفجر ماجد مقهقها غير قادر على كتمان ضحكاته و ما ان هدأ قليلا حتى هتف نافيا في مرح :- چمال عبدالناصر مين بس يا ستى !؟.. انا ماچد واد ولدك ..

تنبهت الحاجة فضيلة هاتفة :- وااه .. دِه انت ماچد واد عاصم ولدى صح .. بس ايه اللى انت لبسه دِه يا واد .. لبس العيد جابوههولك بدرى .. و لا كن العيد چه و انى اللى مش دريانة!؟..
انفجر ماجد مقهقها من جديد حتى دمعت عيناه و هتف مستنكرا :- عيد ايه .. و لَبْس عيد ايه يا ستى .. انا بچيت ظابط كد الدنيا ..
و انحنى مستندا على احدى ركبتيه ليكون في محازاة مجلسها هاتفا :- ظابط ف الچيش يا ستى ..

و امسك بكفها يضعه على سترته تتلمس النجمة الوحيدة على كتفيه و بعض الشارات العسكرية الأخرى على ذراع و صدر بدلته الزيتونية اللون ..
ابتسمت الحاجة فضيلة و قد ادركت الحقيقة أخيرا و دمعت عيناها .. فأخذت تتلمس وجه حفيدها في فخر :- بِسْم الله ما شاء الله .. كبرت و بچيت ظابط كد الدنيا يا ماچد .. ربنا يحميك و يحفظك يا ولدى ..

ابتسم ماجد لها في محبة طاغية و احتضن كفها ملثما و هو يهمس لها :- امين يا ستى .. يحفظنا كلنا بحفظه
و استطرد مشاكسا كعادته :- يحفظنا بفضل دعواتك .. يا فضيلة انتِ يا چمر ..
انفجرت الحاجة فضيلة مقهقهة على مزاح حفيدها الأثير لقلبها .. و الذى قبل جبينها و غادر الغرفة محييا متبوعا بدعواتها المباركة ..

تمطع المعلم خميس في فراشه متثائبا و استدار مواجها نعمة زوجه هازا إياها برفق ليوقظها هامسا :- نعمة .. يا نعمة .. قومى حضريلى الفطار عشان ألحق القهوة ..
همهمت نعمة في كسل :- قوم خلى شيماء تحضرهولك تلاقيها صحيت ..
ابتسم خميس ساخرا :- دى مين دى اللى صحيت ..!؟.. شوشو .. دلوعتك
اللى مش بتخليها تشيل النسمة من ع الأرض ..

استدارت نعمة تواجهه مستأسدة تدافع عن ربيبتها :- ايوه دلوعتى ..ليك شوق ف حاجة .. !؟.. دى شوشو دى ست البنات ..
ضحك خميس و هو ينهض من فراشه متناولا منشفته من مشجبها مغادرا الغرفة هاتفا :- ماشى ياختى .. خليكِ كده مدلعاها و محدش بعد كده هيعرف يكلمها .. و الله دى لو بنتك صح مكنتيش دلعتيها كده !؟..

تنبه خميس لخطئه قبل ان يفتح باب الغرفة مغادرا للحمام ليترك مقبض الباب عائدا حيث جلست نعمة على طرف الفراش صامتة ..
ما ان هم بالكلام حتى بادرته هي قائلة بنبرة كلها شجن :- ما هي بنتى يا خميس ..بنتى زى ما ناصر و نادر ولادك ما هم ولادى .. زى ما حازم بن بدور و زكريا ما هو ابنى ..

بس شيماء حاجة تانية .. فاكر يوم ما حطيتها بين درعاتى حتة لحمة حمرا بعد موت اختك و جوزها الله يرحمهم و قلت لى ربنا بعتهالك يا نعمة زى ما يكون كان عارف قد ايه نفسك ف بنت .. و جت شيماء و بقت روح قلبى و مش بحمل عليها النسمة يا خميس تبقى بنتى و لا مش بنتى..!؟..
تنهد خميس و انحنى يقبل جبينها معتذرا بمرح :- بنتك و نص كمان و اللى يقول غير كده يبقى مبيفهمش و بن..

اندفعت نعمة مبتسمة لمزاحه واضعة كفها على فمه تمنعه الاسترسال في السباب هاتفة :- خلاص يابوخميس .. يا اللاه على الحمام على بال ما احضر لك الفطار ..
ابتسم فما ان يسمعها تناديه ابوخميس حتى يعلم انها راقت و ما عادت غاضبة منه ..

ابتسم مغادرا الغرفة لتنهض هي خلفه تتثاءب طاردة بقايا نعاس عالق بأجفانها و هي تسير الهوينى عبر الرواق الطويل المفضي للردهة الواسعة حيث مدخل البيت ..لتنظر الى ربيبتها المسرعة الخطى و التى اندفعت توارب ضلفة نافذة الصالة فى تلك الساعة المبكرة من الصباح لعلها تلمحه يغادر من منزل امه كعادته يوميا يسير بتلك العنجهية و الخطوة العسكرية التى تعشقها و تلك التكشيرة الميرى التى تعلو ملامح وجهه الوسيم الذى ينضح رجولة ..

تنهدت و هى تتذكر ملامحه و هى تضع كفها المضمومة تحت خدها فى انتظار مغادرته .. لم تطل جلستها فها هو يظهر على اعتاب المنزل و رغم ان النهار لازال فى مطلعه الا انه وضع نظارته الشمسية التى تزيده وسامة و انتفضت هى فى مجلسها لمرأه و بدأت نبضات قلبها فى التزايد المضطرد المعتاد لطلته عليها..

غابت عن الدنيا تلك اللحظات و هى تراه يقف ليلقى التحية و يتحدث مع بعض المارة من اهالى الحارة حتى انها لم تع لصوت أمها نعمة تظهر على اعتاب الصالة خارجة من غرفة نومها لإعداد الفطور للمعلم خميس قبل نزوله للمقهى ..
تبسمت نعمة فى ود هاتفة :- يا بت انت مش هتبطلى قعدتك كده كل طلعة صبح ..!؟..

انتفضت شيماء مذعورة على صوت زوجة خالها التى ربتها كأمها :- خضتينى ياما .. فيها ايه لما اقعد اشم شوية هوا .. مش كفاية انى من ساعة ما خدت الدبلوم و انا قاعدة ف البيت مخنوقة لا شغلة و لا مشغلة ..
ابتسمت نعمة بخبث محبب :- اه .. مفيش شغلة الا الطلّة الميرى .. هااا!!..
و بدأت نعمة فى الغناء مازحة بأغنية قديمة مخصصة للضباط :- يابو الشريط الأحمر ياللى .. اسرتنى ارحم ذلى ..

انفجرت شيماء ضاحكة و هى تندفع تحتضن نعمة فى سعادة :- اه ياما .. عليه تكشيرة ميرى .. محصلتش ..
و تنهدت فى وله .. جعلت نعمة تضربها على كتفها فى محبة هامسة :- طب وطى صوتك يا حلوة عشان ابو تكشيرة عسل ..وصَل اهو..
لمحت نعمة بن زوجها البكرى و ربيبها ناصر قادم من اخر الرواق بعد ان خرج من الحمام ..
همست شيماء :- ده تكشيرته عسل!؟.. ياباى ده صوت كحته الصبح بيوقع البياض من ع الحيطان .. و لا شخطته شبه الفرامل لما تعلق فالعربية تعمل حادثة..

انفجرت نعمة ضاحكة على تشبيهات شيماء و التى اندفعت تجلس أمام النافذة من جديد تتأكد ان فارسها لم يرحل بعد .. و عندها وصل ناصر على اعتاب الصالة ليلمح شيماء جالسة فى ذاك الركن المقيت تتطلع من تلك النافذة التى يود لو أغلقها بألف سد حتى لا تطل منها من جديد ..
سعل بقوة لتنتفض هى مكانها تنظر اليه شذرا ليهتف هو فى نذق :- قومى يابت انت بدل قعدتك اللى ملهاش لازمة دى اعمليلى كوباية شاى  و حضرليلى الفطار ..

نهضت على مضض تنفخ فى غيظ .. فهتف هو بصوت جهورى :- كان فى حاجة ان شاء الله عطلناكِ عنها ..!؟..
اندفعت شيماء للمطبخ لتقابل نعمة هاتفة بغيظ و بصوت خفيض :- شايفة .!!.. شايفة عمايله .. و الله لقايلة لخالى..
و على ذكر خالها هتف المعلم خميس و هو يطل بدوره من غرفة النوم موجها كلامه لإبنه البكرى ناصر :- خبر ايه يا ناصر ..!؟.. مفيش مرة نصحى على صوت غير صوتك اللى يشجى ده ..!؟.. و مش هتبطل مناقرة يوماتى مع بت عمتك ..!؟..

هتف ناصر بصوته الجهورى :- ما هى اللى مش على بعضها كده و طول اليوم قاعدة قدام الشباك و سايبة امى الغلبانة تقوم بشغل البيت كله و هى مش فالحة الا ف الزواق و المسخرة ..
هتفت نعمة و هى تضع أطباق الافطار على المائدة قبالتهما :- ملكش دعوة انت ..محبب على قلبى .. هو انا كنت اشتكيت لك ..!؟..
هتف ناصر :- و هى ايه ..!؟.. برنسيسة ..!؟.. ما تعمل لها حاجة مفيدة بدل قعدتها دى قدام الشبابيك او المراية .. تعمل بلقمتها ..

انطلقت الكلمة الاخيرة كقنبلة دوت و ساد بعدها الصمت الرهيب الذى ما قطعه الا نظرات المعلم خميس و نعمة لبعضهما ثم لمكان تواجد شيماء حتى يتأكدا انها لم تسمع تلك الكلمة الاخيرة و لكن للاسف سمعتها و وقفت تتطلع إليهما و لم تجرؤ على التفوه بكلمة .. بل اندفعت لحجرتها و اغلقت بابها خلفها فى صمت و ما ان أعاد كل من المعلم خميس و نعمة أنظارهما لإبنهما ناصر لائمين حتى تعجبا لأنهما لم يجداه مكانه بل كل ما جاء إليهما الان هو صوت اغلاقه باب حجرته فى عنف ..

لترتفع طرقات موازية على باب الشقة معلنة قدوم احدهما ..
هتف خميس متعجبا :- و ده مين اللى هايجى بدرى قووى كده ..!؟..
و نهض يفتح الباب و هتف في سعادة ما ان طالعه وجه حازم :- اهلًا يا حضرة الظابط اتفضل .. حماتك بتحبك .. تعال أفطر معانا ..
دخل حازم في هدوء هاتفا بتأدب :- تسلم يا معلم .. سبقتكم .. بالهنا و الشفا..

جلس المعلم خميس على المائدة يتناول أولى لقيمات إفطاره عندما توجه حازم بالحديث لنعمة هاتفا :- معلش يا خالتى.. انا مسافر يومين إسكندرية و الشقة بقالها بدرى متنضفتش .. جيبى حد ينصفهالى على بال ما ارجع ..
هتفت نعمة و هي تتناول مفتاح شقة حازم و التي كانت يوما لأمه بدور هاتفة :- من عينايا يا حبيبى .. متشلش هم قبل ما ترجع هتكون زى الفل ..
ابتسم حازم في تأدب :- تسلمى يا خالتى .. بس بقولك ايه .. تجيبى حد .. أوعى تتعبى نفسك انت ..

هنا ظهرت شيماء على باب غرفتها مندفعة في رعونة :- انا اللى هنضفها يا حضرة الظابط ..
هتف في هدوء :- ازيك يا آنسة شيماء..
هزت رأسها مؤكدة على انها بخير و احمرت وجنتاها و هي تدرك انها خرجت من حجرتها باندفاع غير محسوب ..
قطع تسلسل افكارها هاتفا :- لا انت و لا خالتى نعمة .. تجيبوا حد ينضفها و لو عرفت ان حد فيكم تعب فيها  .. انا هجيب حد بمعرفتى بقى ..

أكدت شيماء هاتفة :- بس مفيش تعب و لا حاجة .. ده احنا نخدمك بعنيتا يا حازم بيه ..
هنا تدخل ناصر الذى ظهر على اعتاب الردهة حيث يقف الجميع هاتفا في شيماء بثورة :- انتِ واقفة تتسايرى و معملتيش الشاي و الفطار عشان انزل .. غورى اعمليهم ياللاه ..
اندفعت شيماء للمطبخ في حنق و هي تكاد تبكى قهرا مما فعله ناصر امام حازم ..

و استدار ناصر بعد رحيلها مادا كفه لحازم هاتفا :- ازيك يا حازم بيه  .. عامل ايه !؟..
ابتسم حازم مؤكدا :- الحمد لله .. كله تمام ...بس انت مش هتبطل بقى موضوع حازم بيه ده ..!؟.. ده انا اخوك الصغير و ياما انا و نادر كلنا علق منك .. فاااكر..!؟
ابتسم ناصر احدى ابتساماته النادرة هاتفا :- اكيد فاكر بس برضة العين متعلاش عن الحاجب يا حضرة الظابط..

تنهد حازم و هو يعلم انه لن يستطيع اثناء ناصر عن أسلوبه الرسمي في التعامل معه منذ قدم الى الحارة بصحبة ابيه متضررا ليكتشف انه ما كان سيُصبِح حازم الهوارى الذى هو عليه الان الا بمعيشته وسط أهل هذه الحارة التي كان أهلها اهلًا لامه ذات يوم و احتضنوا ابيه عندما كان غريبا و التي على الرغم من انه يستطيع الانتقال عنها لمكان اكثر رقيا الا انه رفض ذلك و فضل البقاء فيها يعيش في بيت امه في شقتها بالتحديد و يترك الشقة الأخرى لبعض الطلبة الغير قادرين على دفع تكلفة الإيجارات العالية لشقة تأويهم اثناء فترة دراستهم بالقاهرة ..

هتف حازم معلنا استسلامه :- اخبار ورشتك ايه !؟...شغالة تمام .. !؟..
اكد ناصر بجدية :- الحمد لله زى الفل..
كان حازم يعلم ان ناصر من النوع الجدى ف التعامل بل ان كلاهما من نفس النوع .. كلاهما جدى لا يقبل الحال المائل و لا يحب الميوعة او التهاون ..
هتف حازم وهو يهم بالرحيل :- الحمد لله .. يا رب على طوول .. و لو احتجت لأى حاجة انا ف الخدمة ..
هتف ناصر ممتنا :- تسلم يا حازم بيه شيلينك لعوزة ..

ألقى حازم التحية و غادر ليجلس ناصر على الطاولة قبالة ابيه الذى ظل يتناول إفطاره في استكانة و لم ينبس بحرف بينما هتف ناصر بصوت جهورى لشيماء التي كانت لاتزل قابعة بالمطبخ تقذف بالأوعية و الاوانى في ضيق :- فين الشااااى !؟
لتقفز في ذعر مكانها و هي تلعن ذاك الذى يصرخ بالخارج و اخذت تتمتم ببعض السباب تخرج فيه غلها بالتلازم مع ضحكات نعمة التي كانت  تنظر اليها تحاول ممازحتها و امتصاص غضبها ..

اندفع مهران من باب السراىّ باحثا بعينيه عن أخيه الأصغر الذى كاد يذوب شوقا لرؤيته و ما ان علم بوصوله حتى أتى مسرعا لملاقاته
هتف مهران في لهفة :- انت فين يا سيادة اللوا ..!؟..
اندفع ماجد من غرفة جدته فضيلة مهرولا على الدرج في لهفة صارخا بصوته الجهورى الذى تقطر نبراته مرحا :- أبو مهران .. حبيبى ..

ألقى ماجد نفسه بين ذراعىّ أخيه الأكبر في شوق يربت كل منهما على كتف الاخر في قوة مستوحشا غيابه
جذب ماجد نفسه من بين أحضان أخيه هاتفا :- وحشتنى يا شقيق .. اخبارك ايه يا حاج مهران .. زييين !؟..
انفجر مهران ضاحكا و هاتفا في أخيه:- لا بص بجى .. انت تركز كِده و تحدد هتتكلم ايه ف اليومين اللى انت جاعدهم هنا .. صعيدى و لا قاهرى احسن ستك فضيلة هي اللى هتعلجك ف الشجرة بنفسها ..

انفجر ماجد ضاحكا :- على قولك .. الا ستى فضيلة .. كلامها على راس الكل و أولهم ابويا .. ربنا يديها الصحة
ثم هتف ماجد و كأنه تذكر امر هام :- بقولك ايه يا شيخ .. انا رايح لعمتى سهام اسلم عليها و على تسبيح .. تيجى معايا ..!؟..
و ابتسم ماجد متخابثا :- اكيد ده المشوار الوحيد اللى مش هتقول فيه لااا .. و لا ايه ..!؟..
دارى مهران ابتسامة كادت تقفز على شفتيه و هتف محاولا تصنع الجدية :- مااااجد .. الحاچات دى مفيهاش هزار.. انت عارفنى ..

هتف ماجد مازحا :- ما هو عشان انا عرفك يا شقيق بقولك اهو .. و ابتسم متطلعا اليه من جديد في شقاوة مستطردا :- تيجى .. و لا ايه ..!؟..
و اندفع متصنعا الرحيل دونه هاتفا :- انا بقول اروح لوحدى و ابقى روح انت بقى ف وقت تانى ..
هتف مهران مندفعا خلفه :- لاااه .. استنى هاچى معاك ..
انفجر ماجد مقهقها و هو يتطلع لاخيه هاتفا في تأنيب مازح :- ما قولنا كِده من الأول .. عد الجمايل بقى ..

دفع مهران ماجد من كتفه ليسير أمامه هاتفا في سعادة لا يستطع اخفاءها رغم خشونته .. :- طاب ياللاه يا حدج ..
انه  ذاهب لرؤيتها .. رؤية تسنيم و سماع صوتها و التي ما ان طلب يدها و تأجل الارتباط حتى تنهى دراستها و هو ينتظر على احر من الجمر انتهاءها حتى يعيد الطلب من جديد لتبقى بقربه العمر كله ..

هتف ماجد مخرجا إياه من خضم أفكاره مازحا و هو يعدل من هندامه بعد دفع أخيه له  :- لاااا .. الا البدلة العسكرية .. دى فيها محاكمة ..احترمنى شوية بقى .. حتى عشان خاطر الغالية دى ..
انفجر مهران مقهقها و هو يسير بجوار أخيه يسبقه الشوق لبيت المحبوب ..

تقدم ذاك الظل المتوارى في ظلمة المكان ليقف في منطقة منيرة جعلته ظاهرا لزكريا الذى كان يجلس على كرسيه المدولب في ترقب ينتظر معرفة صاحب ذاك الظل الذى لا يعرفه لكنه ما ان ظهرت ملامحه جلية عبر ذاك الضوء الذى انار المكان فجأة حتى هتف زكريا في سعادة غامرة راغبا في القفز من كرسيه هاتفا في لهفة :- مختار باشا ..!!.. اتوحشتك ..

هتف مختار في ضيق :- بجد يا زكريا .. وحشتك بجد ..!؟.. طب فين وصيتى اللى وصيتك بيها .. شكلك نستنى يا صاحبى .. !؟..
هتف زكريا صارخا :- لاااه .. و الله ما حصل .. كيف أنساك و أنسى وصيتك اللى ما بتفارجنيش ليل و لا نهار من ساعة اللى چرى .. وصيتك ف الحفظ و الصون يا مختار باشا .. و عهد عليا ليوم الدين ..
هتف مختار:- يعنى هتنفذها يا زكريا!؟..

اكد زكريا بحماس :- ايوه .. اكيد يا مختار باشا ..
ابتسم مختار و استدار راحلا في هدوء ..
لينتفض زكريا من فراشه غارقا في عرقه يلتقط أنفاسه في تتابع متلفتا حوله حتى يتأكد انه بالفعل يحلم ..
انتظمت أنفاسه أخيرا و وضع قدمه ببطء خارج فراشه و تناول عصاه يتكئ عليها حتى يستطيع النهوض ..

ثلاث سنوات خلت منذ حادثة اللواء مختار السداوى.. ثلاث سنوات خلفت له المزيد من الألم لفراقه و المزيد من الوجع .. اصابته تلك التي عانى منها لفترة طويلة بعد ان طالته رصاصة بقدمه جعلت منه قعيد لفترة ليست بالقصيرة على ذاك الكرسى المدولب المنزوى بأحد أطراف الغرفة و الذى يكره استخدامه الا للضرورة القصوى فهو ما عاد يريد حتى رؤيته و حمد ربه انه الان يستطيع ان يسير على قدميه حتى و لو بمساعدة تلك العصا التي يستند عليها في خطواته المتمهلة قليلا عن ما اعتاده ..

تنهد في ضيق و اتجه لخزانة ملابسه يفتح احد ادراجها لتمتد كفه لسترته التي كان يرتديها يوم الحادث و التي اصر على الاحتفاظ بها و اخرج منها تلك الورقة المطوية المدرجة بدمائه
فضها تجرى عيناه على الأسطر المرسومة بقلم صديقه و شريكه مختار و التي كان يوصى له فيها بإدارة كل أملاكه ثم توقفت عيناه على السطور الأخيرة و ذاك الجزء من الوصية و الذى لم ينفذه بعد و ربما كان هو سبب حزن صديقه و زيارته له مؤنبا في منامه ..

تطلع لتلك الأسطر و تنهد هامسا لنفسه :- الظاهر ان وجتها جه و لازما نتمموا الموضوع دِه جريب ..
طرقات على الباب أخرجته من خواطره ليعيد الوصية حيث كانت بداخل سترته و يغلق الدرج هاتفا بمن بالباب سامحا له بالدخول ليهتف في سعادة ما ان طالعه محيا حازم :- حضرة الظابط .. اتوحشتك ..

اندفع حازم محتضنا والده في شوق هاتفا :- ازيك يا بابا .. اخبار صحتك ايه ..!؟..
و مد كفه ليستند عليها زكريا بجانب عصاه ليستقر على احد المقاعد القريبة هاتفا في حازم بلهجة جدية :- سيبك من صحتى دلوجت وتعال اجعد عايزك ضرورى ..

جلس حازم مترقبا في صمت و لم يعقب لكن الاهتمام الجلى ظهر واضحا من خلال تقطيبة حاجبيه التي نادرا ما تفارقه و التي زادت حدتها قليلا عن المعتاد مما دفع زكريا ليستطرد هاتفا :- فاكر وصية عمك مختار ..!؟..
صمت حازم و اومأ برأسه موافقا و بدأت تعابير وجهه تتبدل فأردف زكريا :- ايه جولك ننفذ اللى اتفجنا عليه .. أظن الوجت خلاص بجى مناسب .. و لا ايه ..!؟..

هتف حازم في عدم اكتراث :- اللى تشوفه يا بابا .. مفيش مشكلة .. عمى مختار كان ليه دين ف رقبتى و لازم اوفيه بأنى أريحه .. و اعتقد مفيش مشكلة خلاص ف التوقيت ..
ابتسم زكريا في بشر هاتفا :- يبجى على بركة الله .. انت راچع شغلك امتى من غير شر ..!؟..
امد حازم :- بإذن الله بعد بكرة ..
هتف زكريا في سعادة :- يبجى تمام .. نتمم الموضوع بكرة بالمشيئة ..
و ربت على كتف ولده في سعادة ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة