قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

تململت زهرة فى جلستها... كانت تشعر بالسأم والضيق...
فالايام فى تلك السراىّ شبيهة ببعضها... لا تحمل أى جديد
البارحة تشبه اليوم... لا شئ يثير فضولها .. هى لم تعتد على تلك الحياة الراكدة... بلا عمل .. ولا إنجاز يذكر ..
انها تفتقد عملها ..بشدة...
تفتقد ان يكون لها هدف تسعى اليه... وعمل تحبه .. وتتقنه... تمضى فيه وقتها .. وتكتسب فيه خبرات تنمى قدراتها...

اندفعت وهى تنادى على سهام .. ودعتها للخروج للأرض لانها تشعر بالملل لكن سهام رفضت قائلة :-
-لاه... مش عايزة أروح وأجابل واد عمك الكشر
ده... أحتمال نمسكوا فى خناج بعض تانى... وساعتها مش هاتعرفى... تنجيه من يدىّ...
ضحكت زهرة فى مرح ..وهى تتذكر شجارهما السابق..
-لا خلاص .. هحاول .. ما تتقابلوش... مش طالبة الحرب
تقوم تانى... ما صدقنا هديت... أو... على الأقل فى وقف إطلاق نار... بس علشان خاطرى تعالى معايا... أنا زهقانة.

قووووى... ومش قادرة أروح لأسطبلات الخيل... أنتِ عارفة... أخوكى محرج علينا... تعالى معايا علشان خاطرى... قالتها فى صوت متوسل ..لم تستطع معه سهام
الرفض... فأحتضنتها زهرة فى فرحة ممتنة...
كانوا عند شجر المانجو... الذى تفوح روائحه الذكية..
لتملاء الأجواء... وتفتح الشهية... جلسا تحت ظلال احد الأشجار وجمعوا الثمار الناضجة...
وبدأوا فى تناولها... فى شهية واضحة... كانت أيديهما...

ووجهيهما... متخضبة بأثار المانجو الطازجة... ولم تكن أحداهما... تتوقع أى زيارة من غريب ما .. يقطع عليهما
استمتاعهما بأكل المانجو بحرية... إلا أنهما .. سمعا صوتاً
مرحباً... غصت له سهام .. وأخذت تسعل... فى إحراج..
نظرت زهرة للقادم والذى لم يكن سوى حسام... بن عمها قدرى
-أزيك يا حسام... أتفضل كل معانا مانجا... دى حلوة قوووى...

جلس حسام على الجانب المقابل منهما... وهو يقول ..
-ما دجتيش المانجا من أرضنا... سكر... مش ذى دى ..
-ومالها دى !!؟؟... سألت سهام فى حنق...
-ملهاش... ذى السكر... أجابت زهرة فى سرعة محاولة تجنب الصراع المتوقع... بين سهام وحسام...
تجاهلها حسام كالعادة موجهاً حديثه لزهرة...
-فى حالة فى الزريبة يا داكتورة ..لو فيها تعب .. ممكن تشوفيها...
قفزت زهرة فى حماسة منقطعة النظير... وهى تقول...
أه .. طبعا... يا ريت فين ..!!؟؟

-فى زرايب التهامية أكيد... وأنا مينفعش اروح معاكِ هناك
هكذا قالت سهام فى تحدى سافر لحسام... كان مظهرها..
الطفولى الملطخ بأثار المانجو التى تحيط بفمها وذقنها..
تفرض على من يراها... أن يقع غارق فى الضحك...
وخاصة .. انها لم تدرك .. ان هناك بعض .. الأثار
المانجاوية... قد تسللت لأعلى خدها... وفوق أحدى
عينيها التى بلون العسل المذاب...

لم يتمكن من رفع عينيه عنها... لم يظهر على ملامحه
الجافة أى تعبير يوحى ولو بالابتسام... إلا انه عانى داخليا
حتى يستطيع أن يكبح جماح ضحكاته... فلا تظهر على
شفتيه... معلنة عن نفسها...
لا يعرف لما فعل ذلك... فلقد وجد نفسه .. لا أرادياً..
يمد يده.. بمنديله..ليمسح تلك البقع المضحكة التى ..

خضبت وجهها... تسمرت .. ولم تنطق لثوانى
من أثر الصدمة... إلا انها .. تمالكت نفسها..
وانتزعت منه المنديل... ليستفيق بدوره..
على فعلته اللأرادية تلك... فيقف فى سرعة ..
قاطعاً حرج الموقف مخرجاً زهرة من شردوها
بسبب ما قام به منذ لحظات...
-ها هاتيجى يا داكتورة... ولا عاصم بيه .. هايمنعك
عن أهلك...

لم ترد سهام هذه المرة على تلميحاته بخصوص أخيها وعائلتها .. فهى مازالت مأخوذة بما فعل منذ لحظات...
-أه .. طبعا .. هاجى معاك .. وعاصم عمره ما منعنى عنكم على فكرة...
لماذا تدافعين عنه!!؟؟... سأل عقلها فى حنق...
بينما أكتفى قلبها... بأبتسامة رضا ..
كانت تفحص ذاك الفرس المريض... كانت مأخوذة تماما .. بعملها .. منفصلة عن العالم كلياً...
وكانت سهام تراقبها... تنتظر انتهاءها بفارغ الصبر ..
فماذا سيحدث ان رأها أحد الهوارية... هنا !!؟؟.. أرتعدت وهى تتخيل رد فعل عاصم أخيها...

-أنتِ كويسة !!!... سأل حسام فى أهتمام عندما لاحظ أرتعاشتها
أومأت برأسها .. ولم تستطع الأجابة تتحاشى تلاقى عينونهما... إنه يراقبها... وإلا .. كيف لاحظ أرتجافها .. !!!
لم تشاء أن تبدو ضعيفة... فنظرت فى وجهه بثقة... ذاك الوجه العابس دوماً... لما لا تتبسم... !!!..
-أسمك حسام .. يعنى على وزن ابتسام... ليه مبتضحكش
انت عليك ندر لا سمح الله وبتوفيه... وحالف ما تضحك..

قالتها بأستهزاء ساخرة متوقعة منه أن يثور ويغضب كعادته ويزداد عبوساً وقتامة...
لكن ولدهشتها... قال وبنبرة صوت تحمل الكثير
من الاستمتاع وبريق شقى يرقص فى عينيه
-... أه صوح اسمى على وزن ابتسام ..لكن الاجمل انه على وزن اسمك... سهام...
تسمرت سهام فى مكانها... فالدهشة كانت من نصيبها هى
لم تعلق بحرف واحد... وقد أزداد وجيب قلبها...
ماذا دهاه... هل هو مريض... !!؟؟

لابد وانه كذلك...
أما هى فقد تخضب وجهها بحمرة خجل غير طبيعية...
جعلته يشبه الفراولة الطازجة .. وألتصق لسانها الذى لا يتعطل ابدا عن الرد المناسب بسقف حلقها ..
وما ان استطاعت استجماع شتات نفسها... حتى اندفعت
هاربة من أمام نظراته المتفحصة التى أربكتها...
تستحث زهرة على الرحيل متعللة بتأخرهم عن موعد العودة...
أنتهت زهرة أخيرا وكتبت العلاج المناسب للحالة وأعطته لحسام شارحة له كيفية استخدامه...

وفى نفاذ صبر سحبت سهام زهرة... خارج أرض التهامية مندفعة هرباً من أخر شخص كانت تتوقع ان تهرب منه بدلاً من مواجهته...
ألقت بنظرة خلف ظهرها... لتجده يودعها...
والعجيب...
ان هناك نصف ابتسامة تخيلتها... مرسومة على شفتيه..

أندفعت كل من سهام وزهرة لصحن السرايّ... ضاحكتان تتسابقان لصعود الدرج... إلا أنهما توقفتا فجأة... عندما لاحظا وجود الحاجة فضيلة فى مجلسها فى قلب الدار توجها إليها لإلقاء التحية.. لكنها كانت فى شرودها ..
تحاول استجماع شتات نفسها... بعد تلك المحادثة المطولة مع ناجى التهامي... والتى أيقظت ذكريات كثيرة... ومبعثرة من زمن مضى... ظنت انه ولى بلا رجعة... لكنه .. عاد وبقوة... عاد ليخبرها.. ان شجرة.

الأنتقام والثأر... لا تطرح... إلا ثمار من علقم...
مجبرة هى الأن على تذوقها.. بلا قدرة على الرفض
أو التمنع... لأنها هى من وضعتها فى فمها بيدها.. هى من أشعل النار... وهى من أزكتها طوال سنوات... فى قلب
أبنها... وها هى تنتقم .. لكن فى أعز ما تملكه.. تنتقم..
من الذكرى الوحيدة التى تركتها أختها... وغادرت ..
بلا رجعة...

تطلعت فى شرود لزهرة... فلاحظت سهام حال أمها... فهمست لزهرة فى حذّر... يا الله على فوج يا مرت أخوى
وسيبى الحاچة... مبتحبش حد معاها لما تكون فى الحالة
دى... أمى وحفظاها...
رفضت زهرة :- روحى أنتِ يا سهام... أنا مش هاسيبها كده... شكلها غريب... لحسن تتعب .. أكون جنبها... ولو
قالت لى أمشى... همشى .. بس مش هسيبها...

كانت تسمع الحاجة فضيلة همساتهما... وترقرقت الدموع
فى عينيها... حتى فى طيبة قلبها تشبه أمها... أختها
الحبيبة الوحيدة التى كانت تعرفها وتدرك حزنها وفرحها... قبل ان تنطق بهما... حتى لو كانت تداريهما
فى قلبها خلف الف سرداب... انها فاطمة... روحاً
وجسداً... ان فاطمة لم تمت... انها قابعة .. هنا ..
على بعد خطوات منها...

أشارت لزهرة... التى أقتربت منها... فى هدوء حذّر ..
وجلست بجوارها... حيث أشارت...
ربتت الحاجة فضيلة بحنان على كتفها ..
وضمت فجأة رأسها... إلى أحضانها...
لم تشعر زهرة يوما ما بحنان كذاك الذى استشعرته فى احضان الحاجة فضيلة... كان احساس صعب وصفه..
أحساس بالأمان والراحة... أحساس بالرغبة فى البقاء للأبد فى أحضانها تتلمس الدفء والحنان الذى أفتقدته دوماً .. فى علاقتها... مع أمها منيرة...
لم تذكر يوما ان أمها .. طوقتها بذراعيها .. وأستقرت بين أحضانها... تتمتع بالمحبة .. كما هى الأن...

كانت تشعر ان الحاجة فضيلة .. تصارع مشاعر ما... لكن لم تجرؤ ان تسألها... رفعت رأسها..
ببطء حذّر .. لتتنبه الحاجة وتشيح بوجهها عنها..
تدارى تضارب فى مشاعر.. لا تريد الإفصاح عنه...
أشارت لزهرة بالرحيل مشيرة للدرج..والذى صعدته زهرة فى شرود .. كانت لا تريد الرحيل وتركها فى تلك الحالة... وفى نفس الوقت... لا تتجرأ على البقاء... مخالفة أمرها..
انها المرة الاولى التى ترى فيها الحاجة فضيلة..

رمز الحزم... والشدة... فى تلك الحالة ..
تذكرانها... اضطربت عندما رأتها للمرة الأولى
يوم زفافها... لكن ابدا...
لم تكن فى تلك الحالة التى هى عليها الأن...
دلفت زهرة لحجرتها... وقعت عينها على العلبة
المخملية.. التى تركتها على المنضدة بجوار السرير
أشاحت بوجهها عنها واندفعت للحمام .. تستمتع
برزاز الماء الدافئ لعله يساعدها على النوم السريع
هربا من صراع قلبها وعقلها الذى اصبح مقرراً ..

يومياً... منذ رحيل عاصم .. فما أن تغمض عينيها... استعداد للنوم .. حتى يبدأ التطاحن.. وتشتعل الحرب
بين الخصمين المتصارعين ..
أرتدت... أحد أرديتها الحريرية .. التى تماثل لون
عينيها الجوزيتين .. ووقفت أمام طاولة الزينة ..
تمشط شعرها الحريرى... وتضع بعض من قطرات
العطر التى حرمتها على نفسها منذ دخلت تلك الغرفة
لأول مرة...
لا مانع من بعض القطرات هنا وهناك طالما أن
الوحش الذى تخشينه... ليس هنا .. والغرفة ملك لكِ...

فعيشى الحرية... ولو قليلاً... هكذا حدثت نفسها..
دلفت للفراش تمنى نفسها ببعض ساعات من النوم
الهانئ... وبعد الصراع المعتاد... راحت فى نوم
عميق .. تاركة قلبها وعقلها... يتناحران...
بلا توقف..
تسلل ذاك الشبح فى ظلام الغرفة فى بطء حذّر
وانتظر لحظات حتى اعتادت عينيه على الظلام
وأدار بصره .. فى جنبات الغرفة... لتسقط على
على الأريكة الفارغة... لتتجه فى سرعة... للفراش
ليرى .. جسدها يحتله .. تقدم ببطء ليقف بالقرب
منها... يتطلع اليها بإحساس لم يستشعره من قبل...

كان يفكر فيها دوماً... لم تكن تبرح خواطره
وأفكاره... حتى أحلامه... لم تخلو منها مطلقاً
كان من المقرر عودته غدا... او بعد غد ..
على أقصى تقدير إلا... انه انهى ما كان مطلوب
منه... بعد تلك المشكلة فى المزرعة...
و .. لم يستطع البقاء بعيدا.. أكثر من ذلك..
كان يكابر... ويعاند نفسه كثيرا... لكن أخيرا
تحطمت مقاومته... وطفق عائداً..
يدفعه احساس عجيب .. لحجرته .. كى يراها...

فقط .. يراها .. وليته لم يفعل... كيف له ان يقاوم ذاك السحر القابع ها هنا... على فراشه وعلى شعاع الضوء المتسلل من الحمام ..
الذى اعتادت على تركه مضاءً، منذ أن رحل، أخذ يتطلع لذاك الرداء المخملى، الذى يجعلها كتلة مجسمة من الفتنة، وشعرها الحريرى الذى يضاهى الليل سواداً، منثوراً حولها .. فى غجرية... تبعثر روحه... وتنثر قلبه.. شظايا.. نجوم... على صفحة .. ذاك الليل
ماذا .. لو لمست الليل .. لو تدثرت به... !!!..
ماذا .. لو غرقت فى ذاك الشلال ..وجمعت اللؤلؤ من على شطأن ذاك الثغر المقدس المحفوف بالأخطار...

يا آلهى... انك تهزى يا عاصم... ماذا فعلت بك
أنت عاصم الهوارى... الوحش ..
الغول .. الذى لا يملك قلباً...
تطير مسابقاً الريح..
فقط لتراها... لقد اصابك الجنون حتماً...
أو أصابتك لعنة ما .. جعلتك... تفقد صوابك بهذا الشكل الخطر .. الذى ينبأ بما هو أخطر...
اندفع مقتلعاً نفسه... أقتلاعاً... من أمام فتنتها..
وتأثيرها الطاغى.. وسار ببطء حتى لا يوقظها..

ودلف للحمام... يهدأ من ثورة نفسه.. وينثر خواطره وأفكاره .. التى دوما هى محورها... مع رذاذ الماء الدافئ المنساب على جسده.. وفجأة فتح عينيه
ليكتشف إنقطاع التيار الكهربائى...
لا ينقصه... غير هذا الأن .. أغلق شلال المياه..
ليخرج من المغطس... وما أن أنتهى من أرتداء جلبابه فى صعوبة تامة .. نظراً لإنعدام الرؤية..
إلا... وسمع صرخات مدوية...
جعلته ينتفض خارجا من الحمام... فى حذّر لا يرى طريقه...
توتره تلك الصرخات...

ويعيقه الظلام من الوصول .. لمصدرها..
خرج عاصم يتحسس طريقه فى الظلام .. وتلك الصرخات المدوية... تحولت لأنات خافتة... جعلته يرهف السمع حتى
يستطيع الوصول لمصدرها... وأخيرا... وصل اليها.. هتف فى ذعروقلق:- زهرة... زهرة ..

كان يتلمس الطريق اليها .. حتى وضع يده أخيرا على شعرها المنساب على ظهرها... ومنه وضع كفه على رأسها .. كانت تضم ركبتيها لصدرها... جسدها متشنج تأن بصوت خفيض يمزق نياط القلب.. رفع رأسها المتكومة بين ركبتيها... ليجد جبينها يتصبب عرقا... وهى شبه غائبة عن الوعى .. تهمهم بكلمات غير مفهومة... يفهم منها ..
رفضها لشئ ما بقوة...

جلس بجوارها... يربت على كتفها ورأسها... محاولاً تهدأتها حتى يفك ذاك التشنج... والتصلب فى أطرافها
متخافيش... أنا جنبك... متخافيش... أنا هنا...
هدأت قليلاً... فأستطاع حملها.. فأنكمشت مرة أخرى فى أحضانه .. يعتريها الخوف الشديد... وتتوالى انتفاضات جسدها... وارتعاشات تتوالى من حين لأخر لا يعرف لها سببا...

وضعها على الفراش فى حنو بالغ .. وانحنى يزيح غرتها يمسح بأنامله قطرات العرق التى تفصدت على جبينها أخذت تردد فى خوف:- لا... متسبنيش ياماما منيرة... أنا
بخاف من الضلمة... متسبنيش ..

ألمه توسلاتها... انها امها من تناديها.. كيف تفعل بها ذلك..!!؟... لابد وأنها كانت طفلة حين ذاك... لما تلك القسوة..!!؟؟ .. مد كفه .. يربت على رأسها فى حزن
مغلف بحنان جارف... لا يعرف مصدره... لا يظهر
إلا فى وجودها فقط... هى فقط .. لا غيرها...
لماذا !؟؟...

فجأة تشبست بيده التى كانت تجذب عليها الغطاء.. وتدثرها فى حرص... حاول أن يفلت كفه برقة من يدها المتشبثة به... لكنها غرست أظافرها فىساعده .. وأبت ان تتركه .. كانت ارتعاشات جسدها تزداد .. فأشفق على حالها.. فترك كفه تستكين بين كفيها قابعة فى أحضانها...
كان الأن يتكئ على حافة الفراش نصف جسده يكاد يلتصق بها... والنصف الاخر يتدلى من الفراش وقدمه تسند جسده الشبه متهاوى ..

لم يعرف كيف ظل على هذه الحالة... كل ما يعرفه انها اخيرا استكانت .. والأدهى... من كل هذا كفه القابعة فى أحضانها التى تعلو وتهبط بأنتظام رتيب مع أنفاسها... وعطرها .. الذى تسلل إلى أنفاسه ..
يفقده صوابه... وشعرها المتناثر فى كل اتجاه كأشاعات شمس ليلية .. تشرق متناقضة مع بياض شرشيف الفراش...
تنهداتها المتقطعة الرقيقة... ودموعها الساخنة التى سالت فى صمت من عيون مغمضة بشدة مخافة أن تفتحها... لتجد أمامها أحد وحوش الظلام الذى تهابه يا آلهى... انها تستدير لتقابله بجسدها..

انها الأن حرفيا بين أحضانه... الصبر من عندك يا رب... هكذا همس متضرعاً... يزداد وجيب قلبه .. وتضطرب انفاسه التى اصبحت تقريبا ..
تلحف بشرة خدها المقابل لوجهه..
زفر فى قوة... بأنفاس حارقة تجسد ما يعتمل فى صدره من مشاعر .. وأحاسيس عاصفة...

عاااصم... !!!... هكذا سألت من وسط غيبوبتها
ودموعها.. عندما فتحت جفونها .. بأعياء ..
متطلعة إليه... ثم غابت من جديد...
لا... هذا كثير .. هكذا همس وجسده ينتفض انها المرة الاولى التى يسمع اسمه من بين شفتيها وفى تلك اللحظة الدامية بالذات... انه يحتاج إلى .. الآلاف من أطنان الصبر... حتى يتحمل تلك المشاعر والأحاسيس المدمرة التى تعصف بكيانه فى تلك اللحظة وهو بالقرب من تلك الفتنة المتجسدة..

انه يشعر بمشاعر متضاربة ومتناقضة حد الغباء ..
انها بحاجة اليه... لحنانه .. لقربه.. انها بحاجة لتكون آمنة بين أحضانه... وهى لا يريد اكثر من ذلك ..
أن يمنحها ذاك الحنان .. الذى تحتاجه.. لكن...
هو لا يستطيع ان يقترب... قسمه لها .. فى ليلة زفافهما .. بأن لا يقربها .. إلا اذا اتته راضية..
وخوفه أن يكون مستغلا .. لحالتها .. وخوفها..
ولجوءها إليه... انه لا يستبعد ابدا.. انها تحلم .. لانها حتى ليست على علم بقدومه من سفره...
الصبر من عندك يا رب... هكذا ظل يهمس و..
يبتهل متضرعاً...

حتى جاءته النجدة... وزار النوم جفونه أخيرا.. وهولا يعرف .. متى زاره..!!؟..
ومع تباشير الصباح الاولى... فتحت عيونها..
ترفرف أهدابها .. لا تتذكر .. إلا حلم غريب زارها بالأمس .. حاولت ان تتحرك.. لكنها مقيدة لشئ ما .. وجسدها مكبل بطريقة غريبة..
انها حتى لا تستطيع تحريك رقبتها للجهة الأخرى فشعرها .. مثبت لشئ ما .. حاولت جذبه ببطئ ..لكنها لم تستطع .. كل ما كان بامكانها لحظتها هو إلقاء نظرة بنص عين لهذا الشئ الجاثم على جدائلها .. يمنعها الحركة.. وما ان فعلت .. حتى شهقت فى قوة ..وبذعر حقيقى...

شهقة .. أيقظت رفيقها الذى كان يصنع من شعرها وسادة حريرية لرأسه بأنتفاضة .. وهنا ألتقت أعينهما كان لا يزال يأسر شعرها أسفل جزء من جسده... ذراعه تحيط بخصرها.. وغطاء الفراش يلتف بعبثية حول أقدامهما معا .. ظل كل منهما... يحدق فى الأخر .. لا يدرك ما الذى حدث... وكأن معركة ما قامت هنا... وكبلت كل منهما للأخر بهذا الشكل العبثى...

تذكر دفعة واحدة كل ما حدث بالأمس .. بعد أن طرد سحابات النوم التى كانت تكتنف فكره... وكان أول من استفاق .. لينتفض فى سرعة كالمصعوق... ليكون خارج
الفراش فى أقل من ثانية... ويندفع... للحمام .. ويغلق بابه خلفه فى عنف... جعلها تجفل... وقد أيقنت...
أن حلم البارحة... لم يكن حلماً... بل كان عين الحقيقة...

قامت من الفراش تمشى على أطراف أصابعها كى تصل لحقيبتها وترتدى أحدى مناماتها قبل ان يخرج من الحمام..
ولكن وهى فى منتصف الطريق للحقيبة فتح عاصم باب الحمام فجأة ..
لتتسمر هى فى مكانها للحظات .. تطلع اليها... لازالت تحمل ذاك السحر الذى كاد ان يفقده عقله البارحة..
ملامحها تحمل أثر النوم وشعرها الحريرى تناثر بشكل همجى على ذراعيها وجانبى وجهها .. رداءها المخملى ..

الذى خلب لبه... يحيط بقدها المياس...
لازالت تلك الحورية .. التى كانت تتشبث به البارحة .. هرباً من الظلام .. وانكمشت فى صدره ..
كقطة .. فى ليلة عاصفة .. شديدة البرودة ..
اندفعت هى للفراش مرة أخرى .. عندما طالعت محياه..
تجذب الشرشيف... تتدثر به من قمة رأسها حتى أخمص قدميها ..
تجاهلها تماماً .. وهو يعدل من عمامته امام المرآة.. وتناول عباءته وعصاه الأبنوسية ذات الرأس الفضى... وخرج من الغرفة... تاركاً أياها تزفر فى راحة...

لتأخذ دورها .. فى حمام دافىء سريع .. وتلحق بهم على طاولة الافطار ..
لم تراه طوال النهار... وها هى قد تخطت الساعة منتصف الليل .. يبدو انه لن يأتى .. وربما سيبيت ليلته فى الاسطبلات .. لكنها كانت مخطئة فى ظنها ..فقد أنتفضت
فى مكانها.. عندما فتح الباب فى عنف .. غير عابئ .. بأنها
قد تكون خلدت للنوم .. فيفزعها..

انكمشت فى أريكتها.. حاولت على قدر إمكانها ألا تكون مرئية... حبست انفاسها وتدثرت حتى عنقها... وأخذت تتابعه بعين شبه مغلقة .. ووجيب قلب قد يفضحها لصخبه..
أما هو فقد كان يجول فى الغرفة أشبه بفهد جريح.. يتعامل مع كل ما يقابله بعنف مفرط .. ألقى عباءته أرضاً.. وألقى عصاه.. جانبا فى عنف.. اندفع للحمام .. وأغلق الباب فى عصبية كادت تكسر زجاجه .. تنفست الصعداء لدقائق معدودة حتى خروجه من الحمام .. أطفأ أنوار الغرفة واندفع على الفراش... وأخيرا سكن ..

وما أن بدأت فى ألتقاط انفاسها .. حتى شعرت به.. يتقلب على الفراش كمن يتقلب على الجمر .. لا يهدأ بضع ثوان..
تقلباته يصدر لها الفراش صوتاً كالانين .. من شدتها.. وتكرارها المبالغ فيه..
ماذا دهاه..!!؟؟...
انتفضت... مع انتفاضته .. فتح الأنوار من جديد .. وارتدى عباءته.. وتناول عصاه .. من مكان ما ألقاها.. وثبت عمامته على رأسه فى عنف.. وتوجه ليغادر الغرفة.. ولكنه توجه للفراش اولاً.. فجذب الشرشيف من عليه فى عنف .. وكذلك الغطاء.. وألقى بهما فى حنق على أرض الغرفة...
وأستدار فجأة لها.. فحاولت ان تتصنع النوم .. لكنه كان يعلم من اضطراب أنفاسها .. انها لازالت مستيقظة..

تكلم من بين اسنانه فى غضب مكبوت لو انفجر .. الله وحده أعلم ..بما قد يحدث ساعتها..:-الصبح خلى أم سعيد تغير فرش السرير كلاته... والفرش اللى على الارض ده تحرجه... فهمانى..
واندفع .. خارج الغرفة.. ليتركها.. فى حيرة... من مطلبه
العجيب...
تنفس بعمق .. يستنشق أكبر قدر من هواء الليل العليل .. يملء به صدره... لعله يخفف عنه بعض من حرارة تلك النيران التى تستعر فى جوانبه... يزفر فى ضيق .. لا يعلم
ماذا دهاه... !!؟؟...

منذ دخلت حياته... وحياته.. قد أصبحت رأساً على عقب..
كلما ابتعد عنها... يشعر ان ألف خيط يجذبه اليها من جديد
انها كشِرك... لا يستطيع منه الفكاك... كرمال متحركة.. كلما حاول الإفلات منها... يجد نفسه .. متورطاً فيها.. حد الغرق...
حتى فراشه... أحتلته رائحة عطرها التى تأسره وتخلب
لبه.. حاول تجاهل عطرها الذى يغزو انفاسه .. والنوم فى سلام... لكن كيف..!!؟..

انها لا تأسر أنفاسه فقط... بل تصل حيث منابع روحه .. تغزوها فى رقة .. وتنبه عقله .. وخواطره.. لتعرض بثاً حياً .. لتلك الليلة... التى قضتها مرعوبة تتلمس الأمن فى أحضانه... وهو يتلمس العون من الله...
الحمد لله انها عادت سيرتها الأولى... وأرتدت غطاء رأسها..

ومنامتها الطفولية برسوماتها المضحكة... وفجأة وجد نفسه متلبساً بأبتسامة غزت شفتيه عندما تذكرها .. وهى منكمشة ومذعورة... لديها القدرة على أن تبدو قوية بشكل لا يصدق... وفى لحظات أخرى تتبدل .. لتبدو كطفلة تتلمس الاهتمام .. والمساعدة... حتى التفكير بها .. يدفع الضحكات لشفتيه.. او يدفعه للغضب حد الجنون...
أااااااااه يا عاصم... ستقودك تلك الزهرة إلى الجنون حتماً..

قال محدثاً نفسه .. وهو يتمدد على أريكة الاستراحة .. فى اسطبل الخيل ..
تقلب على الأريكة من جديد... يحاول أن يغفو... لكن لا فائدة...
حقاً... أن ذلك لجنون مطبق... لازال الأرق .. يتملكه..
والنوم لا يزور جفونه المرهقة... لأن .. عطرها
لازال... يحتل روحه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة