قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

خرج عاصم من الردهة ليصعد درج جانبى...
وصل به للدور الثانى حيث غرف النوم...
طرق باب احداها وأطل برأسه داخل الغرفة...
فطالعه وجه ابيه المتغضن... والذى رسمت عليه السنون أثارها بأحترافية شديدة... وتركت عليه من علامات تجاربها وخبراتها الكثير ..
كان لايزال مستيقظاً... تتابعت شهقات أنفاسه... وسعاله..

كأثر واضح... لمدخن قديم فعل النيكوتين أفاعيله... بصدره ورئتيه جعلته يلتقط انفاسه بصعوبة...
و فى حبور...
أشار لولده البكر بالدخول... والذى أندفع للغرفة فى إجلال... انحنى... وقبل يد ابيه فى احترام بالغ...
وهو يسأل:-... لساك صاحى يا حاچ..!!!
-... ما أنت خابر يا ولدى... صدرى مش بينيمنى..

أجول ايه... من چار على شبابه... چارت عليه شيخوخته...
المهم جولى... عِملت ايه فى مصر النهاردة ..!!؟؟..
وبنات مصر لساتهم حلوين .!؟!... وانفجر العجوز ضاحكاً...
ابتسم عاصم لمزحة ابيه وهو يقول :- اه... لساتهم حلوين يا حاچ... وأنا چايبلك هدية...
ثم قال فى ترقب :-... واحدة منيهم... بس مش أى واحدة... دى هى المطلب والمراد...
نظر الأب فى ريبة لولده قائلا :- چصدك ايه !!!؟؟...

عمِلت ايه يا عاصم... ؟؟؟!!!...
چيب العواجب سليمة يا رب...
- بت الداكتور ناچى التهامى معايا... يبقى ياجى يورينا هيخلصها من يدى كيف !!!؟؟؟... قالها عاصم فى تشفى...
سعل العجوز وهو ينتفض فى غضب صائحاً... :-مفيش فايدة فيك... سمعت كلام أمك برضك... الحديت ده جفلناه من سنين... ليه بتعيده تانى يا ولدى... ليه بس !!!...
-مفيش حاجة بتموت يا بووى... انتفض عاصم فى هياج... حرجة جلب جدى... الله يرحمه وموته بجهرته... حرجة جلب أمى... رچالة الهوارية...
اللى مكنوش جادرين يرفعوا راسهم وسط الخلج...

ولحد دلوجت بنتعيروا بالحادثة الجديمة...
ولولاى... وخوف الكل منى...
مكنش فى هوارى واحد كان جِدر يرفع راسه... كان زمنا مسخرة الخلج كلاتها... صُح ولا لاه!!؟؟... صمت أبيه... وتلاحقت انفاسه... ورد فى ضعف...
ينهى الحوارالغير مُجدى :- اعمل ما بدالك يا ولدى... بس انا بجولهالك .. بلاها السكة دى... السكة دى...
أخرتها خَسارة... وخَسارة كَبيرة كمان... وأنت... أول الخسرانين...
الإنتجام مبيجيش من وراه إلا الخراب... بلاش يا ولدى... بلاش... أندفع عاصم من غرفة ابيه...
وكأن شياطين الدنيا كلها فى أعقابه...

وكلمات أبيه تتردد فى أذنيه تصمها... حتى انه لم يسمع نداء أمه...
الذى لم يدركه إلا فى المرة الثالثة...
فتوقف على الدرج... ليعاود الصعود من جديد... متوجها إليها منحنيا ليقبل يدها...
فتربت على كتفه فى حبور متسألة :-اللى جلتهولى على المحمول دِه صُح؟؟!!... فأومأ برأسه موافقاً ..ثم قال :- أهى متلجحة فى الأوضة اللى تحت... چنب أوضة الخزين... وأبوها ها يتچنن عليها... مبطلش رن على محمولها طول الطريج...

- خليه يدوج شوية من المر والحسرة اللى دُجناهم زمان بسببه... قالتها فى جزل وتشفى... ثم مستطردة قالت :- روح يا ولدى اتسبح... وارتاح... على بال ما أحضر لك لُجمة... تلاجى أم سعيد فى سابع نومة دلوجت... هحضرلك الوكل بيدى... تلاجيك على لحم بطنك من صباحية ربنا...
- لاه... مفيش داعى يا حاچة... ماليش نفس... تصبحى على خير... واندفع هابطا الدرج متوجها للخارج...

- على فين دلوجت... !؟؟... هتفت متعجبة
- هطمن على سلطان... وعزيزة...
- واااااه... كان لازماً أعرف... هو أنت تجدر على بعدهم...
طيب... خد حد معاك من الغفر... الليل غدار يا ولدى...
- حااااچة... قالها فى زمجرة مخيفة...
جعلت أمه تتراجع عن إقتراحها قائلة:-طب خد حتى زرزورمعاك... هو آه مبينطجش ولا كلمة... لكن أها... يخدمك برضك...
- حاضر... تصبحى على خير...
- وأنت من أهل الخير... يا رب.

اندفع خارجا يهتف مناديا زرزور بصوت جهورى جعل الأخير ينتفض مسابقا الريح لتلبيه نداء سيده... وفى أقل من ثوانى كان يقف مهللاً لقدوم عاصم من سفره... ويقوم بإشارات واضحة تدل على فرحته برجوعه سالما..كان زرزور ابكم... منذ قدومه للخدمة.. فى بيت مهران الهوارى..وهو بن الثانيةعشرة... لم يسمعه أحد ينطق بحرف واحد... مجرد أصوات يقوم بها وأشارات... يحاول التعبير من خلالها عما يريد..شب عاصم وهو يرى زرزور... بنفس الهيئة منذ كان طفلا... وها هو يناهز.. الرابعة والثلاثين... ولازال زرزور كما هو لم يتغير وكأن السنون لا تعيره أهتماماً... كما يفعل الجميع... وتتجاهله.. عمداً... كما كان يفعل عمه غسان الهوارى رحمه الله... كلما جاء لزيارة أخيه..

أو لقضاء.. بعض المصالح... وكذلك..ابنه سليم... والذى
يتعمد مشاكسة زرزور بشكل لاأدمى يكاد يصل به حد البكاء... لولا تدخل عاصم بحزم لإنقاذه...
ربت عاصم على كتفه فى حبور...
فأشار زرزور للسيارة...
ليتنبه عاصم أن هناك جوال يرن بداخلها... وأن رنينه لم ينقطع منذ أن وصل...

تذكر عاصم أنه نسى جوال زهرة على المقعد الأمامى للسيارة مع محتويات حقيبتها المبعثرة... فتح السيارة... وتناول الجوال الذى ما أن لمسه...
حتى بدأ فى الرنين من جديد...
وطالع شاشته التى أضاءت فعرف أن المتصل أبوها...
لما لا يهديه مفاجأة أخرى...
يختتم بها يومه بعد تلك الرسالة الصادمة ..!!... ابتسم فى تشفى وهو يرد:-أهلا يا داكتور ناچى ..أخيراً
شايفك عايش نفس الجلج... ووكلاك نفس النار... وراكبك نفس العار...

- أنت مين!!؟؟... وبنتى فين !!؟؟؟... صرخ الدكتور ناجى
فى محدثه الذى يجهل هويته على الرغم من استنتاجه إياها
من لهجته الصعيدية...
لو مسيت شعرة منها... هقتلك... سامعنى... هقتلك.. مشكلتك معايا انا... أعمل فيا اللى أنت عاوزه... لكن هى لأ... سامعنى... هى لأ... تارك خده منى...

... هى ملهاش ذنب فى حاجة... انفجر عاصم صارخا:- وهوچدى... اللى مات مشلول من العار و الحسرة و هو مش جادرهو ورچالة العيلة يرفعوا راسهم وسط الخلج... كان ذنبهم أيه... !!؟..الانتقام عندينا بنورثوه يا داكتور ذى الورث ..
وبعدين احنا مبناخدوش تارنا من الحريم... ولا عيشة مصر نستك عوايدنا... ثم انفجر ضاحكاً ضحكة خشنة أودعها كل حقده وقسوته ..وهو يستطرد .. انا بس هدوجك من نفس الكاس اللى داجه بسببك .. الهوارية كلاتهم...

-أنت مين !!!... سأله الدكتور ناجى فى هلع...
-أنا عريس بتك الداكتورة... وكتب كتابنا بكرة بإذن الله...
- مستحيل... مش هسمح لك تدمر مستقبل بنتى... ومفيش مأذون ها يكتب الكتاب وهى رافضة... أجاب عاصم فى جزل يقطر من كل حرف من حروف كلماته... :- لا موضوع الموافجة ده... سيبه عليا انا يا داكتور...
وانفجر ضاحكا فى تشفى... وهو يغلق الهاتف ليقطع أى تواصل بينهما...

أستيقظ عاصم من نومه قبيل الفجر... ليجد نفسه ممدداً على أحد الأرائك... فى المضيفة المخصصة لأسطبلات الخيل...
ويتمدد على الأرض اسفل الأريكة خادمه زرزور...
نهض فى تكاسل...
ونادى عليه... فأنتفض زرزور فى سرعة ملبياً... روح يا زرزور كمل نومك فى أوضة الاستراحة... وأنا راچع السرايا...
فقام زرزور... فى تكاسل...

يفرك عينيه بظاهركفه... متثائباً... ويتجه حيث سيستلقى للصباح...
سار عاصم وحيدا حتى السراىّ...
يفكر فيما يمكن أن يحدث فى خلال الساعات القادمة...
فقد علم التهامية أكيد... بأن ابنتهم فى قبضة يده...
لابد وان يذهب إليها والأن ..سيجعلها تنفذ ما يمليه عليها..

ستكون طوع بنانه... سيجعل ابيها... والتهامية بأسرها... تشرب من نفس كأس العار التى تجرعتها الهوارية حد الثمالة...
أتجه للباب الخلفى للسرايّ... وسار على طول الردهة حتى وصل لغرفة زهرة ..فتح قفل الباب... وتنحنح قبل ان يدخل... مناديا مع التصفيق... لكن لا مجيب ..نادى من جديد ولا مجيب ايضا... فدخل للغرفة فى حذر... ووقع بصره على السرير الفارغ...

فأتجه ببصره حيث باب الحمام... وما ان هم
بأن يخطو تجاهه... حتى سمع صوت تكبيرة...
فنظر باتجاه الصوت... فوجدها تصلى فى خشوع...
فأخذته المفاجأه... توقف ينظر فى اجلال وإكبار... ثم سحب نفسه خارجا حتى تُكمل صلاتها...
وما ان سمع صوت تسليمها وانهاءها الصلاة...
حتى تنحنح... ودخل من جديد...

ما زال مأخوذاً بمظهرها الورع... لكنه طرد أى خواطر من مخيلته... وقال مؤنباً نفسه أتيت فى مهمة محددة ولابد
من القيام بها... وما تريده وسعيت اليه وانتظرته لسنوات أصبح فى متناول يدك... فلا تتقاعس..فهتف مخرجاً نفسه من خواطره :-صباح الخير يا داكتورة... لم ترد إلا بإيماءه من رأسها... وهى لا تنظر إليه...
- ابوكِ فى الطريج...

كانت تلك الكلمات كفيلة لجذب انتباهها، فرفعت نظراتها إليه، بالكاد عرفته، لقد تغير بشكل كامل، كان البارحة عندما رأته للمرة الأولى المشؤومة فى المزرعة... يرتدى قميصاً وبنطالاً من الجينز وحذاءً رياضياً ونظارة شمسية تغطى نصف وجهه رفعها لسوء حظها فى العنابر حيث التقيا... اما الأن... فإنه يرتدى جلباباً... وعباءة يضعها على كتفيه وعمامة تغطى رأسه ويمسك بيديه عصى أبنوسية على قمتها مرسوم أحد رؤوس الحيوانات المفترسة لم تتبينه من مجلسها ..منحوت من الفضة الخالصة...

اخرجها من شرودها مستطرداً..لكن جبْل ما تشوفيه ..فى إتفاج وكلام لازما يخلص بيناتنا.. وجبل ما حد من اهلك ياچى على هنا
-اتفاق!!!!!... سألت فى دهشة... احنا مفيش بينا أى أتفاقات... ولا هيكون بينا أى أتفاقات... قالتها فى ثقة وثبات... لما بابا يجى هنشوف اللى ها يحصل...
- مش بمزاچك يا داكتورة... قالها فى نفاذ صبر... انتِ ها تسمعى كلامى... وهتنفيذيه بالحرف الواحد... ومن غير اعتراض... و إلا... فى كلام تانى .. مش هايعچبك...

- قصدك ايه!!!؟؟؟... سألت فى توجس
- قصدى أن أبوكِ لما هاياجى على هنا... هاتطلعى تجوليله انك هنا بمزاچك ومحدش غصبك على حاچة... وانك موافجة على چوازنا...
- انت مصدق ان أنا ممكن أعمل كده ..!!؟؟... وأطلع اقول الكلام ده عادى كده !!؟.. هتفت بسخرية... وكمان... أواافق على جوازنا... على أى أساس... دى تخريف... أنا معرفكش... ومعرفش أنا ليه هنا اصلا !!!!!... قالت تلك الكلمات فى ثقة على الرغم مما يعتريها من قلق...

- بس أبوكِ يعرِف... و أهو چاى چرى على هنا لما وصلته رسالتك... اللى بعتيهاله... وبتجوليله فيها انك ها تتچوزينى ..
- بابا مش ممكن يصدق التخريف ده... أزداد أنفعالها... وهو يفند خطته المحكمة وبدأت تشعر بالأختناق وهى ترى نفسها وقد أضحت أسيرته بالفعل... بل إنه... يجعلها تشد وثاق شِركه حول عنقها بيديها... و..أنتبهت وهو يقول:- بس انتى هتخليه يصدج لو كنتِ خايفة على حياته ..قالها فى صوت يشبه فحيح الأفاعى
-انت بتقول ايه!!؟؟... سألت فى جزع واضح ..

-لو طلعتى كدبتى كل الكلام اللى جولتهولك... يبجى بتحكمى على أبوكِ بالموت... ومش هو وبس... لاه وكل شباب التهامية... وأولهم ولاد عمك جَدرى...
يا آلهى... ماذا حدث قديماً ليصبح... ما بين العائلتين..لا يمكن تسويته... إلا... بالثأروالدماء...
حاولت أن تهادنه... وتستحث روح الإنسان العاقل المتعلم
بداخله... وهى تقول:- -يا باشمهندس... حضرتك انسان متعلم... يعنى اكيد مهما كان سبب اللى حضرتك بتعمله ده .. فى طريقة للتفاهم...

أطلق ضحكه رجولية خشنة مليئة بالسخرية و التشفى... وهو يقول صارخا :- نتفاهموا !!؟؟؟... اللى ما بينا وبين ابوكى معدش ينفع فيه نتفاهموا...
دى حكاية جديمة ذى ما جولتلك جبل سابج...
ومعدش ينفع خلاص... وهو ده اللى عِندى يا داكتورة...

كلامك جَصاد أفعالى... وافجتى جدامهم... خلاص ..
حججت مرادى... ومفيش حد هيمسهم...
- لكن ليه انا!!؟؟... سألت فى جزع... ليه تربط نفسك بواحدة مشفتهاش غير أمبارح... و مفيش بنكم أى حاجة مشتركة... وكمان بينك وبين ابوها تار قديم... مش غريبة دى..!!؟؟؟...

-... لما هاتعرفى الحكاية الجديمة... ها تعرفى ليه أنتِ بالذات... يا داكتورة...
- طيب ايه هى الحكاية القديمة دى... انا عايزة أعرفها...
ما أن هَم بأن ينطق... حتى سمع هرج ومرج... يأتى من خارج السرايّ...

فنظر اليها قائلا :-..أهلك وصلوا يا داكتورة... اكيد التهامية كلاتهم بره... و يا ريت تفكرى زين فى اللى جولتهولك وأنتِ بتاخدى جرارك... وخرج وأغلق الباب خلفه فى عنف... وتركها متضاربة الأفكار والمشاعر... تتقاذفها أمواج الحيرة... وتعصف بها انواء اليأس... مصيرها... ومصيرأبيها بل عائلة ابيها بأكملها فى كفتىّ ميزان... بين يدى من لا يرحم... فأى الكفتين... هى الراجحة... !!!؟؟؟؟

رن جرس الهاتف فى قلب الليل...
فأنتفض الحاج قدرى التهامى من على مصلاته... ليجيب...
وهو يتوجس شراً... متسائلا:- مين اللى هيكلمنا على الفجر كِده... استر يا رب...
واندفع يجيب فى لهفة:- ألو... مين!!!؟؟... جاءه صوت أخيه الدكتور ناجى ملتاعاً :- ألحقنى يا قدرى... الهوارية خطفوا زهرة بنتى...
انتفض الحاج قدرى بعد هذا الإعلان قائلا:- أنت متأكد يا ناچى... حُصل أمتى ده.!!... ووصلولها كيف!!!؟؟... أنت متأكد!!؟؟... سأله من جديد...

- أيوه متأكد ..كلمنى حد فيهم ..وقالى انه خطفها... علشان يصفى الحساب القديم...
ألحقنى يا قدرى البنت هتروح فى الرجلين... هى ملهاش ذنب...
بص أنا بكلمك من المطار...
هاخد أول طيارة وجى على النجع... أبعت عربية تستنانى...

- انت ها تيجى لحد هنا برچليك... هتسلملهم نفسك بعد السنين دى كلها... !!؟؟... سأل الحاج قدرى فى جزع
- أمال أسيب بنتى فى أيديهم !!؟؟... حسابهم معايا يخدوه...
لكن هى لأ يا قدرى... زهرة لأ...
كفاية أمها راحت منى ومقدرتش أعمل لها حاجة... لكن زهرة مش ممكن... دى أنا مش هيكفينى الهوارية كلهم لو حد لمس شعرة منها...
- يا رب سترك... الدنيا باينها ها تولع... تعالى بالسلامة وأكيد ليها حل... قالها الحاج قدرى مطمئناً... على الرغم من قلقه المتزايد... دى عرضنا ومش ممكن نسبها فى يدهم...

- أنا هقفل دلوقتى ومتنساش تبعت لى العربية على المطار... أنا ساعتين بالكتير وهكون عندكم... بنتى يا قدرى... مش ممكن نسبها بين ايديهم... سلام عليكم...
- وعليكم السلام يا ناچى... تچيلنا بالسلامة... سأل حسام الابن البكر لقدرى التهامى... وهو يتثاءب فى تكاسل :- خير يا حاچ..ايه اللى حُصل... مين كان على التليفون... وانت متكدر ليه كده... !!؟

- بت عمك ناچى... الداكتورة زهرة ..عمك بيجول أن الهوارية خطفوها وهو... چاى على هنا... ربنا يستر النار الجديمة... باينها لساتها جايدة تحت الرماد...
انتفض حسام وكأنه استفاق دفعة واحدة عندما استوعب كلام أبيه... وهتف فى غضب :- أنت بتجول أيه يا بووى!!؟؟... بت عمى فى بيت الهوارية واحنا هنا بنتسايروا..!!؟... مفيش غيره هو اللى عملها... عاصم الهوارى... منبجاش رجالة صوح لو سبنا بت عمى دجيجة واحدة فى بيت الراچل دِه...

واندفع إلى غرفة نومه يغير ملابسه... وتناول سلاحه... فأنتفض أبوه فى لوعة... لاه... أصبر يا حسام يا ولدى... الأمور ما تتحلش كِده... أصبر لما عمك ياچى ونشوفوا هنعمل أيه... أحنا مش كد... عاصم الهوارى... ده چبار يا ولدى... محدش عنديه... ليه دية... لو چرالك حاچة أنا أروح فيها..أخوك نبيل واخده العَلاَم... وأمك الله يرحمها ..وأنت اللى باجيلى... بتعكز عليك فى شيبتى...

علشان خاطرى يا ولدى... أهدا... وسيب السلاح ده من يدك... لحد ما عمك ياچى ونحكم العَجل...
- عَجل !؟... هى دى فيها عَجل !؟... بت عمى فى يده... وتجولى عَجل... أنا هجمع التهامية كلاتهم ورايح له... واللى يكون يكون... مش هجهد كيه الحريم حاطط يدى على خدى ومستنى عمى...
والله... دى أنا مبجاش راچل من التهامية...
لو استنيت دجيجة تانية...

وأندفع خارج الدار... يجمع التهامية ..ليتوجهوا حيث يأسر... عاصم الهوارى ابنة عمه..
وما هى إلا ساعة من زمن حتى كان ذاك القصر المنيف محاط بالمئات من أبناءالتهامية...
الذين جاؤا لأنتزاع إبنتهم من بين أنياب ذاك الغول... المسمى عاصم الهوارى...

كانت الشمس لاتزل ترقد فى نعاسها... لم تستيقظ بعد لكن مشاعل التهامية... حول قصر الهوارى... صنعت شمسا من نوع خاص... شمس تسطع بنيران الحقد والكراهية الموروثة بين العائلتين منذ زمن بعيد...
ظهر عاصم التهامى من داخل القصر... يشرف على تلك الجموع المحتشدة من أعلى الدرج... ثم هتف فى صوت جهورى ساخر:- خبر أيه.!!؟؟..خير يا حسام... جامع التهامية كلاتهم ماشاء الله...

- بت عمى ناچى... فين يا عاصم !!!؟
- موچودة فى الحفظ والصون... ليه!!؟؟
- ليه .!!!؟؟... جايبها لبيتك غصب وتجولى ليه.!!!؟...
قالها حسام... وهو يجز على أسنانه غيظا ..

- يا واد الحاج جَدرى... خلى بالك على كلامك... هتف عاصم بغضب هادر... ثم مستطردا أكمل فى جزل متحولاً فى لهجته للنقيض... مش عايز مشاكل فى ليلة فرحى...
-فرحك!!؟؟؟... سأل حسام ..وأزدادت الهمهمات... بين الحشود المجتمعة... انتفض حسام:- -فرحك على مين ان شاء الله... !!؟؟
- على بت عمك اللى انت جاى تاخدها... هى اللى جتنى بنفسها علشان نتچوز علشان عارفة أن ابوها مش هيوافج... أضطربت الجموع المحتشدة بعد هذا التصريح الاخير...

و انتفض حسام بدوره فى غضب هاتفا:- بت عمى الداكتورة زهرة مش ممكن تعمل كِده... ده تارك الجديم وانت بدفعها تمنه...
-لما ياچى أبوها هايسمعها بنفسه وهو اللى هايحكم... قالها عاصم فى لامبالاة...
- ومين اللى ها يستنى لما عمى ياچى... سلمنى بت عمى حالا... واشهر حسام سلاحه...
وبدأ الهرج والمرج بين رجال التهامية... ورجال عاصم المحيطين بالسرايّ... وفجأه... أعلنت أحدى الطلقات النارية عن نفسها... بصوت مدوى... وساد الصمت...

كانت الحشود أمام سرايّ الهوارى... تبحث فى تعجب... من أطلق تلك الرصاصةالمدوية..
صوت عاصم الهوارى كان هو أول من قطع الصمت... عندماهلل فجأة قائلأ :- أهلا... أهلا... ياحضرة الظابط نورتنا ..اتفضل... ومتشكرين..على التحية الغالية دى... العيار الميرى... له هيبته برضك... حالا الحَكومة دريت بخبر چوازى..!!؟؟..

- لا يا عاصم بيه .. قالها الضابط ممتعضاً... الحكومة مدريتش إلا ببلاغ الدكتور ناجى التهامى ضدك بيتهمك فيه بخطف بنته... الدكتورة زهرة التهامى.
- واااااه... قالها عاصم متعجبا... وهو ينظر فى غل وحقد واضحين للدكتور ناجى... والذى كانت المرة الأولى
التى يراه فيها..يقف يشتعل توتراً وهو يطالع ..خاطف ابنته... على حد زعمه...
هتف عاصم فى سخرية..:- كِده برضك يا داكتور ناچى... ولا أجولك يا عمى... دى احنا خلاص بجينا أهل
ونسايب...

- بنتى فين يا بن مهران... !!؟؟... بنتى فين ..!!؟؟... سأل الدكتور ناجى فى غضب عارم... قابله..عاصم برد بارد
بنتك فى الحفظ والصون يا عمى...
- يا حضرة الظابط انا بتهم عاصم الهوارى بخطف بنتى .. هتف الدكتور ناجى بنفس اللهجة الغاضبة ..
- ليه كِده يا عمى... !!!؟؟... سأل عاصم ساخراً... متهئ لى
دى أمور شخصية... وأحنا مش عايزين نتعبوا حضرة الظابط معانا...

- -مفيش تعب يا عاصم بيه ..أكد الضابط بلهجة رسمية... لازم أحقق فى البلاغ بتاع الدكتور...
- يا حضرة الظابط بته ريدانى... وعارفة ان أبوها مش هيوافج على چوازنا... دلوجت بيتهمنى بخطفها... قالها عاصم فى نبرة ناعمة... بها الكثير من التشفى...
طب خليه يوريك الرسالة اللى بته بعتتهاله..تجوله فيها انها
جتنى بخطرها... علشان رفضه... ثم توجه بالكلام إلى الدكتور ناجى قائلا فى شماتة :-فرچ الرسالة لحضرة الظابط يا عمى...

صمت الدكتور ناجى ولم يعقب .. وعيناه تتقد غضبا يكاد يحرق عاصم حياً... فتنحنح الضابط..
فى إحراج :- الظاهر... دى فعلا مشكلةعائلية... وأنا ماليش مكان فيها... ثم استطرد الضابط متوجها بالحديث للدكتور ناجى
ولا تحب تستكمل التحقيق يا دكتور...
رد الدكتور ناجى فى غضب مكبوت ..
-لا... مفيش داعى... بس أهم حاجة يتعهد قدامك
بأنى أشوف بنتى... وأطمن عليها...

-طبعا... هتف عاصم... و دى عايزة كلام... هو كتب الكتاب ينفع من غيرك برضك يا عمى... قالها عاصم فى مجاملة مصطنعة...
- حيث كده يبقى تمام... وألف مبروك..يا عاصم بيه... وهم الضابط وقوته الشرطية بالإنصراف... ولحقه عاصم هاتفا..:- مبروك كده متنفعش يا باشا لازماً تشرفنا... فى الفرح بكرة بإذن الله...

- باذن الله... قالها الضابط... وهو يرحل..تاركا النار تستعر من جديد... بعد ان كانت خامدة لسنوات طويلة خلت ..
وما أن أعلنت القوة الشرطية أبتعادها حتى اندفع حسام من بين الحشود تجاه عمه هاتفاً فى ثورة.. كيف يا عمى صدجته... وهو بيجول الكلام دِه على بتك.. !!؟؟..
-الظابط مالوش الا الدليل... والرسالة فعلا على تليفونى.. ومبعوتة من تليفون زهرة.. وأنا متأكد ان هو اللى بعتها..قال كلامه وهو يوجه نظرات سامة لعاصم ..
- نجوم نسيبه يعمل ما بداله... والله ما نبجاش رچالة وأحنا عارفين أن بتنا فى داره.. غصب عنها وعنا...

وصرخ حسام فى هدير كالرعد... فى رجالة التهامية
المرابطين حول السراىّ فى انتظار إشارة من كبيرهم..
لتعلو الهمهمات .. ويندفع الحشد كله لداخل السراىّ .. فى
ثورة..ويستعد رجال عاصم الهوارى للزود عن سراىّ كبيرهم... بكل ما اوتوا من بأس...
صرخ الحاج قدرى ليوقف التطاحن .. لكن لا مستمع..
ولا مستجيب .. فى وسط تلك المعمعة...

ضاع صوته وسط تصادم العصى.. والنبابيت...
وفجأة... ظهرخيال أنثوى على الدرج بجوار عاصم
الهوارى .. جعله يطلق أحد الأعيرة النارية من سلاحه..
ليتوقف الهرج والمرج فى لحظة.. وتشرأب أعناق الجميع
هوارية وتهامية.. لمصدر العيار النارى...
ليروا .. فتاة مجهولة .. تقف بجوار عاصم .. الذى أنتفخت
أوداجه .. فى ثقة وغطرسة مقيتة...
هتف فى صوت هادر... :- بت الدكتور ناچى .. أهى بنفسها..
أسألوها...

شعرت زهرة بأنها تكاد تذوب أمام نظرات ذاك الحشد الذى
ينتظر كلمة فاصلة منها... اندفع أبوها ليطوقها بذراعيه فى لهفة وهو يحثها على الحديث.. :- قوليلهم يا زهرة
انه خطفك وجابك هنا غصب عنك... قوليلهم...
صمتت لفترة ليست بالقصيرة تتنازعها الرغبات .. بين الإفصاح عن الحقيقة الكاملة... وما قد يعقبها من تداعيات
رأت بعضها منذ لحظات... من خلال نافذة المضيفة التى اصطحبها إليها عاصم عندما بدأ الهرج... ليريها بأم عينها
ما قد يحدث اذا خرجت وأخبرت أهلها الحقيقة.. مؤكدا بصوت كفحيح أفعى... انا بس مانع رجالتى عن أهلك..

و اللى أنتِ شيفاه دِه .. يا دوب عاركة صغيرة.. مشفتيش
كيف ممكن تكون العاركة الكبيرة .. لو أستخدمنا السلاح... وما بين ذاك الخزى والعار الذى سيكلل التهامية وخاصة أبيها اذا ما وقفت بكل صفاقة .. أمام رجال عائلتها لتخبرهم انها هربت مع عاصم لتتزوجه مخالفةً لرغبة أبيها
انها تشعر بأنها تموت .. روحها تنسحب من جسدها..
وأطرافها... تتجمد .. عيونها زائغة... ولسانها ألتصق بقمة
حلقها الجافة تماماً...

شعر عاصم بحيرتها .. وقرر إنهاء الموقف فى سرعة..
وبراعة خبيثة.. فسألها:- مش أنتِ يا بت الناس اللى جيتى
لحد عِندى.. علشان نتچوز.. من غير خطف .. ولا يحزنون
أطرقت برأسها فى خزى... ولم تستطع ان تنطق بحرف واحد .. حاولت.. ولكن كان الهواء الذى يدخل رئتيها الان ..

هواء ملئ برائحة بارود الحقد .. والرغبة فى الانتقام الدموى
هواء غير قادر على إنعاش رئتيها.. لتتنفس من اجل حياة بلون الدم... شعرت بإن الارض تميد بها .. وفجأة سقطت فى
دوامة سوداء .. لا نهاية لها .. من الصرخات والهتافات..
والمزيد من رائحة الانتقام الاسود.

فتحت زهرة عينيها اخيرا... لتطالعها عينىّ ابيها الملتاعة خوفا عليها... لم تصدق نفسها .. انها تخلصت من ذلك الموقف العصيب هناك .. امام رجال التهامية الذين لا تعرفهم .. وقد انقذت ابيها حتى الان من عار ..قد يكلل مفرقه طول العمر.. اندفعت لاحضانه باكية فى حرقة .. ليربت هو على ظهرها بحنان .. مشفقاً عليها مما هى فيه .. واخيرا ترفع هامتها بكبرياء تحسد عليه هاتفة :- متخفش يا بابا انا بخير ..
بس الموقف كان صعب عليا .. انا أسفة انى ورطتك كده..
مكنش قصدى ..

هتف الدكتور ناجى بتعجب متسائلا :- انتِ قصدك ايه يا زهرة ..!!؟.. كلامكِ فيه حاجة مش مفهومة ..!؟...
تطلعت زهرة حولها .. لتجد بن عمها حسام يتطلع اليها فى غل وقد بدأ يستشف ما تقصده .. بينما عمها قدرى ينتظر فى ترقب مثل ابيها الإفصاح عما تعنيه بشكل اوضح .. اما عاصم الهوارى .. والذى كان يقف فى طرف الغرفة .. يتطلع اليها بابتسامة مشجعة .. تستحثها على المضى فى طريق اعترافها .. فهتفت تحاول التخلص من حملها الأثقل على الإطلاق :- اللى قاله عاصم صح ..اتسعت ابتسامة عاصم وزادت وحشية .. وهى تستطرد .. انا جيت برضايا صحيح... بس انا مكنتش اعرف .. ان كل ده ممكن يحصل .. انا معرفش ايه التاريخ القديم اللى كلكم بتتكلموا عنه ده.. سامحنى يا بابا ..

صرخ الدكتور ناجى غاضبا :- انتِ فاكرة انى مصدق حرف واحد من اللى بتقوليه ده ..!؟..
ردت فى ثقة :- طب أخليك أزاى تصدق ..!؟..

هتف حسام بن عمها فى غضب هادر :- يا فاچرة .. بتجوليها عادى كِده .. انك جيتى لحديه عشان يتچوزك .. ده انتِ تستاهلى الجتل .. واخرج سلاحه بالفعل .. لولا ان انتفض عاصم فى سرعة .. يدفع سلاح حسام بعيدا عنها .. وهو يزمجر:- أياك حتى تفكر فى كِده .. دى فى حكم مرتى دلوجت.. سامعنى..!؟؟... وقذف بالسلاح بعيدا..
وقد انكمشت هى على نفسها مما يحدث أمامها .. تكاد تفقد وعيها من جديد من جراء ذاك الجو المحموم حولها .. لكنها تماسكت حتى تنهى هذه المهزلة .. وما ان همت بالكلام .. حتى قاطعها حسام صارخا من جديد :- هنجول ايه للتهامية اللى منتظرين بره إشارة منينا..!!؟.. هنجولهم أيوه بتنا هى اللى چت له .. هى اللى طاتت راسكم وخلتها فى الطين ..

والله ده انتِ جتلك أهون ..
امسك الحاج قدرى بولده الثائر .. يدفعه بعيدا عن ابنة عمه ..
قبل ان يعترضه عاصم من جديد.. والذى ابتعد لمكانه السابق
فى طرف الغرفة .. يراقب المشهد فى جزل ..
اندفع الدكتور ناجى فى تلك اللحظة موجها حديثه لعاصم :- لو سمحت .. انا عايز اقعد مع بنتى لوحدى ..
رفع عاصم كتفيه بلامبالاة وهو يرد :- وماله يا داكتور .. حجك طبعا... وخرج من الغرفة فى خطوات متثاقلة.. يلقى بنظراته المحذرة تجاه زهرة .. والتى كانت تحمل رسالة واحدة .. "نفذى ما اتفقنا عليه .. وإلا ..!!!.."
وصلتها الرسالة كاملة .. وترجمت كل حرف فيها ..

يا الله كيف لها أن تتجاهل تلك الرغبة العارمة التى تجتاحها الأن بأن تلقى بنفسها فى أحضان أبيها وتخبره بكل ما حدث لها منذ قابلها ذاك العاصم... لكن كيف لها أن تفعل !!؟... من أجل سلامته... من أجل عمها و أولاده الذين لم تلتقيهم حتى من قبل ..من أجل شباب عائلتها... ستتجلد... ستغلق على قلبها ألف باب وباب... من أجلك يا أبى... سامحنى أرجوك... هتفت هامسة قبل أن تواجه نظراته المتفرسة... كانت تعلم انه يقرأها الأن... لكنه وقف فى صلابة وهو يقول فى حزم :- أيه اللى بيحصل بالظبط يا زهرة..!!؟؟... ممكن تفهمينى ..أنا عارف أن عاصم الهوارى خاطفك ومهددك..أتكلمى ومتخفيش من أى حاجة ولا على أى حد... فاهمة يا زهرة... صارحينى بكل حاجة... صارحى بابا اللى عمرك ماخبيتى عليه حاجة يا حبيبتى...

كان يضغط على مشاعرها بقوة... وكادت ان تستسلم... لكنها هتفت فى سرعة حتى لا تتراجع..:- اللى قالهولك عاصم كله صح يا بابا... عاصم يبقى صاحب المزرعة اللى أنا بشتعل فيها... هو عايز يتجوزنى... ومصارحنى بان فى مشكلة قديمة بين العيلتين... وأحنا ملناش ذنب فيها يا بابا... فقررنا ننتجوز لأن حضرتك كنت ها ترفض أكيد...

- انتِ متوقعة ان انا أصدق الكلام ده ..!!؟؟..وبفرض أنى صدقتك... ده برضه يخلينى أقولك انه عايز يتجوزك مش عشان بيحبك ..لا عشان ينتقم منى بسبب القصة القديمة اللى انا متأكد انك متعرفيهاش ..ولا هو جتله الجرأة انه يحكيهالك.
- هو جاب سيرتها كذا مرة بس فعلا معرفش حاجة عن القصة دى ومش عايزة أعرف يا بابا... مش هتغير من رأيي فى عاصم... هو فعلا بيحنى وعايزنى ..وأنا موافقة على جوازنا ..وانا قولتها قدام عمى قدرى وابنه...

- يا بنتى أسمعينى متعمليش فى نفسك كده... أنتِ مش عارفة حاجة... أنتِ بترمى بنفسك فى النار... انت متعرفيش انتى هتعيشى فين ومع مين... النار دى أبوكى هرب منها من أكثر من ٣٠سنة... ومش هسمح انك ترمى نفسك فيها ولو كان التمن حياتى نفسها... هم مشكلتهم معايا ..متحطيش نفسك بينى وبينهم... قوليها فى وشه دلوقت إنك رفضاه ورافضة الأرتباط بيه..وأنا والتهامية كلها... متكفلين بحمايتك...

همست فى نفسها... ومن يحميك انت والتهامية يا أبى من ذاك االوحش الكاسر والذى يضع الانتقام فى مقدمة أولويات حياته مهما دُفع من ثمن حتى ولو كان ذاك الثمن... أرواح ودماء... !!؟..
تنهدت فى نفاذ صبر رغبة فى إنهاء ذاك الحوار الذى يمزقها أشلاءاً... :- بابا... عشان خاطرى... مفيش داعى لكل ده... أنا عايزة عاصم ..ذى ما هو عايزنى..وواثقة فيه
وفى حبه ليا... أرجوك يا بابا ..مفيش داعى للمشاكل...

أنا عارفة إن أنا غلطت فى اللى عملته... بس معلش... سامحنى... أنا بحبه... حاولت قدر الإمكان... أن تقنعه..
بتلك الكلمات الأخيرة... وعدم استدعاء وجة عاصم فى مخيلتها... انها تشعر ناحيته بكل كراهية ومقت بعد كل ما يحدث لها بسببه... اللعنة عليه ..و على الانتقام الأعمى... و على ذاك النجع الذى لا يتفاهم إلا بلغة الدم... و على تلك العائلة والتقاليد البالية... التى تجعلها الأن تقف فى وجة أبيها رغماً عنها... لتخبره بحبها لأكثر شخص تمقته فى دنياها... ضاربة بموافقة أبيها عرض الحائط... من أجل سلامته...

فجأه... وجدت أبيها يجذبها من يدها فى عنف متوجها بها صوب الباب... ليخرج بها من سرايّ الهوارية بلا
رجعة... لكنها جذبت يدها من يده بأعجوبة قائلة:-
لا ..يا بابا ..مش ماشية معاك... أرجوك يا بابا... أطمن ..
أنا كويسة ومبسوطة... أخرج لعمى وابنه وطمنهم... علشان كتب الكتاب ميعاده قرب...
- ده أخر كلام عندك... أعقلى يا زهرة... قالها وهو يهزها من كتفيها فى عنف...
- أيوة يا بابا... أخر كلام... قولى مبروك.

- مبروك... !!! من هنا ورايح لا أنتِ بنتى ولا أعرفك... عندك لحد كتب الكتاب لو رفضتى ها تبقى بنتى اللى ربيتها... ولو فضلتى على حالك ..يبقى متستنيش إنى أحط ايدى فى أيد حد بعدك عن حضنى غصب عنى وعنك... وأنا انسينى يا زهرة... أنا أبوكى... اللى حبك أكتر من نفسه... كانت كلماته الاخيرة ..تقتلها .. همت ان تناديه لتخبره بالحقيقة وليحدث ما يحدث بعدها... لكن نفس تلك الكلمات هى التى استوقفتها .. نعم هو يحبها اكثر من نفسه... وهى بالمقابل تحبه اكثر من نفسها .. ولن تدعه يقف والعائلة اما ذاك الغول معدوم الرحمة... ستكون هى كبش المحرقة .. ولن تبال.. يكفيها ان ابيها بخير .. من أجل أمها .. وأختها ندى ..

أندفع أبيها فى عنف .. بعد كلماته الاخيرة التى لم تلق رد الفعل المطلوب الذى كان يتوقعه لخارج المضيفة... ثم خارج سراىّ الهوارية... وكأن الشياطين تلاحقه... وقد رأه
رجال التهامية المتجمهرين حول السراىّ .. ليدركوا بفطنتهم.

ان الامر قد حُسم لصالح عاصم الهوارى .. ليرحلوا وقد أزداد حقدهم على ابنهم .. الذى لم يحسّن تربية ابنته القاهرية .. التى لم تعرف تقاليدهم... ولم تراعيها.. ليتجرعوا على يديها كؤوس الخزى والعار... ومنهم من ادرك بفطرته .. ان الفتاة لا ذنب لها .. وانها مجرد ضحية.. تسدد دين ابيها القديم للهوارية ..وان عاصم الهوارى .. اخيرا .. حقق مراده و نال انتقامه للهوارية بأثرهم... كما كان يتمنى.

وأدرك الحج قدرى وابنه نتيجة مقابلة الدكتور ناجى مع ابنته... فأستأذنوا فى هدوء... مودعاً عاصم لهم فى جزل وحبور..مؤكدا عليهم... موعد كتب الكتاب فى الثامنة من مساء اليوم...
أتجه عاصم... حيث قابلت زهرة أبيها... فوجدها تجلس فى هدوء مريب على أحد الأرائك... تنظر إلى اللافراغ... تتنازعها المشاعر والصراعات التى تحيط بها... تنحنح..عاصم .. وهو يدخل المضيفة..وما ان هم بأن يتكلم... حتى قاطعته هى فى هدوء قاتل... وهى تقسم داخلها أن لا يرى دموعها... أو يتنبه لضعفها :-.نفذت اللى أنت عاوزة بالحرف... لو حد فى عيلتى جراله حاجة ساعتها أنا اللى هاخد بتاره بأيدى منك ومن عيلتك كلها...

ابتسم فى تشفى .. لتهتف هى مستكملة بنبرة حاقدة... أنا بكرهك... وعمرى ما كرهت حد كده... وعمرى ما توقعت أنى ممكن أكره حد كده...
واندفعت من المضيفة تجرى بطول الردهة حتى عادت لغرفتها... وأغلقت بابها خلفها فى عنف... وانفجرت فى بكاء عاصف... طال كتمانه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة