قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والخمسون

في لحظة كان عمر يركض بإتجاه شهد يحتضنها كالدرع لحمياتها ويعطيهم ظهره ويدفعها لداخل السيارة، حاول تفاديهم قدر الإمكان، ولكن طالته السكين، شهقت شهد وأطلقت صرخة مدوية لتأوه عمر الذي تحامل على نفسه وابتعد مسرعًا ليلحق بهم ولكن أنطلقوا سريعًا من امام المنزل، خرج كل من بالمنزل مسرعين، وهرول خالهم بإتجاه شهد التي كانت ترتجف بخوف قائلاً بهلع:
مالك يا بنيتي حصلك حاچة؟

بدأت شهد تبكي بخوف، ترتعش اطرافها من حالة الصدمة والهلع التي اصابتها، أقترب عمر منها يحتضنها بحنان، يخبأها بأحضانه التي كالقلعة لحمايتها، ليخيفها عن أنظار ذاك العدو اللدود..
للحظة كاد يفقدها هي وطفله الذي لم يولد بعد، كانت تستمع لنبضات قلبه التي ارتعدت للحظات، هجوم العدو المفاجئ جعله ينتفض ذعرًا على ملكته..

أخذ يربت على شعرها الذهبي الذي تمردت خصلاته قليلاً على وجهها الذي اصبح احمر بفعل الخوف، ثم همس بجوار اذنيها مطمئنًا اياها بحنان:
اهدى يا شهدى، خلاص محصلش حاجة
وضعت يدها على ظهره وكأنها تحتمي به، لتتسع حدقتا عيناها وهي تشعر بملمس الدماء على يدها، شهقت وقد عاودها الخوف مرة اخرى وهي تقول بشفتين مرتجفتين:
انت اتصابت يا عمر، اتصابت.

تأوه عمر قليلاً من لمستها، ثم تحامل على نفسه مرة اخرى بصعوبة، فشعوره النفسي بالألم خشيةً من فقدانهم اشد من شعوره الجسدى، ثم قال بهدوء:
متخافيش ده سطحي، ملحقنيش اوى
هنا صاح فيهم خالهم قائلاً بجدية:
حد يفهمنا جرى اية يا ولاد؟
أبتعد عمر بهدوء عن شهد، ثم زفر بقوة محاولاً استعادة هيئته، وعدم إستسلامه لشعوره بفقدان الوعي، ثم أجابه بجدية مماثلة قائلاً:.

ناس معرفهمش جم علينا فجأة وكانوا ف ايدهم سكينة، الله اعلم قصدينا ولا حركة غير مقصودة يا خال
على الرغم من أنه متأكد انها حركة مقصودة لإصابة شهد، إلا انه لا يستطيع أن يخبرهم بالحقيقة، فلو علم خالها لن يجعلهم يرحلون من هنا ابدًا، بينما استطرد خالهم بصوت آمر قائلاً:
طب أطلع خد مرتك وشوف جرحك يا ولدى، وانا هأبعت اجيبلك داكتور
هز عمر رأسه نافيًا ثم قال بإرهاق بدأ في الظهور على ملامحه ليشنج عضلات وجهه:.

لا مفيش داعي، انا هأطلع اطهر الجرح وهيبقي كويس يا خال متقلقش
بينما كانت شهد ينتفض جسدها بقوة اثر الخوف، لم تشعر في حياتها بمثل هذا الخوف، كثرة الخوف جعلها تشعر بالصقيع من حولها، أصبحت شفتاها زرقاء، ثم همست من بين شهقاتها بصوت مبحوح:
يلا يا عمر، اطلع معايا نشوف الجرح.

اومأ عمر موافقًا بهدوء، ثم سار بجوار شهد مستندًا على كتفيها، دلفوا إلى الداخل متجهين للغرفة، وصلوا ثم دلفوا إلى الغرفة واغلقت شهد الباب، بينما هوى عمر على الفراش بألم، جلست شهد بجواره ومسحت دموعها التي طهرت عيناها من نظرات اللوم للهلع في لحظات، ثم أردفت بوهن قائلة:
أقلع التيشرت هأروح اجيب الاسعافات الأولية وجاية.

اومأ عمر لتنهض هي متجهة للمرحاض، ثم جلبت الأسعافات الأولية بسرعة وبأصابع مازالت ترتعش حتى الان، عادت لتجد عمر مغمض العينين وقد بدى عليه التعب، جهلت في المعرفة، إن كان ألم من كثرة التفكير الذي تفوق قدرته على الإحتمال، ام انه الألم من الجروح التي غطت ظهره..

أقتربت منه تجلس خلفه، تحاول التماسك بقدر ما تستطيع لتخفف عنه شعوره بالعجز في حمايتها، حاولت كتم شهقتها التي صدرت منها رغمًا عنها عندما رأت الجرح الكبير الذي اصاب ظهره، فشلت في التخيل أنها هي المقصودة بهذه الطعنة، إبتلعت ريقها الذي جف، ثم غمغمت بحزن:
انا اسفة اووى يا عمر
إلتفت لها، ثم أبتسم ابتسامة هادئة رغم الألم والحزن الذي يكسوه، وتابع بصوت هادئ قائلاً:.

ليه بتحبي الأسف يا شهدى، هو انتِ إلى جرحتيني ولا اية
هزت رأسها نافية، ثم مطت شفتاها وهي تقول بشجن:
لأ بس انا السبب، عشان انا إلى كنت مقصودة مش انت
قست ملامح وجهه وتشنجت، وبدى شاردًا، وراح يتذكر حالة الهلع التي اصابتها والتي تشعره بالعجز وعدم القدرة على حمايتها، أغمض عيناه يتنهد بقوة، ثم استطرد بصوته الأجش:.

لأ يا حبيبتي، مش انتِ السبب، لو كان حصلك حاجة او للي ف بطنك كنت هأموت كل يوم وانا حاسس إني ضعيف ماقدرتش احمى مراتى وابنى
هزت رأسها نافية، ثم قالت مسرعة:
لا اوعي تقول كدة، لولاك الله اعلم كنت هابقي ازاى دلوقتي
أولاها ظهره مرة اخرى، كلماتها لم تنجح في حل كل الألغاز التي تؤلمه، لقد فككت أسير واحد، أسير فقدانها المؤلم.

إتسعت مقلتاها بصدمة، ولكن صدمة مفرحة، ها هي اخيرًا قد أبتسم لها القدر ولو لمرة بصدق، بدأت الابتسامة السعيدة في التسلل لثغرها شيئًا فشيئ، لم تصدق أنها سمعت بأذنيها كلمات مفتاح سعادتها، مضمار قلبه، وتأكيد ملكيته لها هي فقط، لمعت عيناها بالدموع الفرحة، ووضعت يدها على فاهها وهي تقول بعدم تصديق:
بجد، بجد يا احمد ماتجوزتش؟
اومأ بتأكيد، ثم أجابها مبتسمًا بهدوء:.

ايوة يا مها، كان مجرد اختبار انك فعلاً عايزانى جمبك، ولا هاتفرطى فيا زى زمان لسبب مجهول
أختفت الأبتسامة من ساحة وجهها، ليحل محلها تبلد وجهها والنظرات النادمة المترجية للسماح، ثم همت بقول شيئًا ما، علها تستطيع التخفيف من ذاك الشعور الذي اصبح يزعجها وبشدة، إلا ان يد أحمد الخشنة التي وضعها على طرف شفتيها بحركة مباغتة اسكتتها، ليكمل هو بصوت قاتم قائلاً:.

متقوليش حاجة، إلى حصل مش سهل يتنسي بكام كلمة، يمكن اكتر حاجة شجعتني انى ارجعلك هو ابني، مش عايزه يتربي بين ام واب مشتتين ومش مع بعض وهو ممكن يتربي وسط اهل بيحبوا بعض وعايزين بعض.
اومأت موافقة، وشعرت كما انها هبطت لأخر أرض، بفعل كلماته الموجعة، لم تتخيل أن فعلت هذا به وبطفلها، وبنفسها اولاً، تلقلقت الدموع في عيناها لتقول بخفوت:
وحشني اووى اووى يا أحمد.

جلس احمد على الأريكة بأريحية، ثم عاد يتابع مبتسمًا بأشتياق:
وانا وحشني اوى، بقالي سنين مشفتهوش، نفسي اشوفه اوى واملي عيني منه يا مها
جلست بجواره بسرعة، ثم أردفت بحماس قائلة:
طب يلا نروح عشان نشوفه
هز رأسه نافيًا، ثم استطرد بجدية:
لازم نحسبها كويس يا مها، ونشوف هانقنع والدتك واختك ازاى، وخصوصًا إن والدتك إلى عرفته مش سهل عليها، ومكانتش بتزورك ف السجن، يعني اكيد غضبانة جدًا جدًا جدًا.

اومأت برأسها بأسف، فهي تعلم بمدى خطأها، ولكن ما لا تعلمه أن والدتها لا تفكر بها كثيرًا من الأساس، نظرت له بهدوء لتسأله بحيرة:
طيب هانعمل اية يا أحمد بقا؟
لم ينظر لها وظل كما هو ثم أردف بصوت قاتم قائلاً:
هانتجوز يا مها.

كان يقفً في أحدى الحدائق الخضراء التي تعطي شكلاً مبهرًا تحت اضواء الشمس التي كادت تختفي، مزينة بشكل رائع يظهر انعكاسها على اوراقها الخضراء، يدب على الأرض بقدمه بقوة، يظهر التوتر والقلق جليًا على ملامح وجهه الباردة، ويضع يداه مستندًا على السور الخشبي الكبير الذي يحيط تلك الحديقة من جميع الجوانب، كطالب في مدرسة الحياة ينتظر معرفة نجاحه ام رسوبه في ذلك الاختبار الذي يجهل كيفية النجاح فيه، أتي من خلفه نفس الرجل، وقد دلت ملامحه على نتائج غير مبشرة بالمرة، ليتنحنح قائلاً بهدوء:.

يا باشا
إستدار لينظر له بهدوء يعكس ما بداخله، ولكن هيبته وهيئته المعتادة لا تسمح له بإظهار ذاك الأرتباك، ثم قال بجدية:
ها عملتوا اية يا غريب؟
بادله الشعور بالتوتر والأرتباك من فشله فشل ذريع في تلك المهمة، ثم تهته بخوف بدى بوضوح:
آآ بص بصراحة يعني يا باشا، حصلت حاجة ماكنتش متوقعة
نظر له بطرف عينيه ثم سأله بتوجس:
حصل اية يا غريب انطق؟
نطق بصعوبة ليقول بتوتر:.

بصراحة يا باشا الضربة مجتش في بطن البت زى ما كنت عاوز، لكن جت في ضهر الواد
إحتقن وجهه وأقترب منه بهدوء حذر، ثم زمجر فيه غاضبًا:
ازاى يا اغبية ازاى، انا قولتلكوا البت
سارع غريب في الرد مبررًا بجدية:
ماهو إلى جرى فجأة وغطاها خالص بضهره وكأنه كان عارف اننا جايين
جز على أسنانه بغيظ، بعمره كله لم يشعر بالهزيمة كمثل هزيمته في القضاء عليه هكذا، تمتم بحقد قائلاً:.

انا عارف ان عمر مش سهل، مكنش لازم ابعت شوية اغبية زيكوا
ثم أشار له أن يذهب، ليدير ظهره مرة اخرى ولم يمل في التخطيط لذاك الذي يدعي عمر ، ثم همس بصوت أشبه لفحيح الأفعي:
يا انا يا انت في الدنيا دى يا عمر، مش هيخليني ابطل افكر ف تدميرك غير موتك او موتي انا!

تصاعد الدم لدى عبدالرحمن، وأحمر وجهه من الغضب الذي طارده لتوه، شعر بداخله يغلي من الحنق والغضب، لقد رأى بحياته الكثير والكثير من الأناس السيئون، ولكن لم يرى بحياته شخص يرغب الموت هكذا!
كور قبضة يده ليتمالك نفسه قليلاً، ثم صاح فيه بحدة:
خير جاى هنا لييية؟
عض شهاب شفتاه السفلية بحسرة ثم تنحنح قائلاً بحرج:
متقلقش انا مش جاى عشان مشاكل.

نظر له عبدالرحمن بتوجس، ولفت نظره قميصه الذي امتلئ بدماء ذاك الرجل، ظل يحملق به بحيرة، شيئًا ما يخبره أن يهدأ نفسه قليلاً وينتظر وشيئًا اخر يحمسه على الأنقضاض عليه، ليهتف عبدالرحمن بغيظ دفين:
امال حضرتك جاى ليه دلوقتي؟
رفع يده السمراء التي اصبحت حمراء مؤخرًا يمسح وجهه ببطئ، ثم أجابه بصوت مختنق:
انا عايز اشوف رضوى واقولكم كلمتين
رفع عبدالرحمن حاجبه الأيسر بغيظ، ومن ثم أشار لملابسه قائلاً بتهكم:.

يا حبيبي، والمفروض اقولك اتفضل خش اقعد وانا هأروح اعملكم الشاى تشربوه ولا اية!؟
هز رأسه نافيًا بسرعة، ثم تابع بأصرار غريب:
ارجوك، هأقولكم حاجة وامشي، كدة كدة عمرى ما هقدر اقعد ابدًا
تقدمت نبيلة بجوارهم، وخلفها رضوى بخطوات مترقبة، وتهللت أساريرها بقدوم شهاب، والذي كانت تعتقده سيكون لصالحها، فقالت مسرعة بترحاب وحب مزيف:
اهلاً اتفضل يا شهاب يا حبيبي.

نظر شهاب لعبدالرحمن بتساؤل، وكأنه يستأذنه بنظراته، فأومأ عبدالرحمن قائلاً بحنق:
قول إلى انت عايزه هنا ياريت
نظر شهاب لرضوى بهدوء، ثم تنهد تنهيدة حارة تحمل بطياتها الكثير، ثم هتف بأسف:
رضوى ممكن تسامحيني وتعذريني على اى حاجة عملتها او كنت عايز اعملها فيكي، انا معرفش اية إلى خلاني اعمل كدة، بس إلى عرفته أن كما تدين تدان، وربنا ما بيسيبش حق حد مظلوم.

رمقته رضوة بنظرات متساءلة، ودت لو تسأله بفضول عن كل ما يقصده، ولكن تواجد عبدالرحمن يمنعها من التفوه بأى شيئ الان، بينما تابع شهاب بحزن بدأ في الظهور تدريجيًا على محياه:
ربنا رد لي إلى كنت عايز اعمله فيكي ف اختي الوحيدة، وخطيبها اعتدى عليها، وقتلته
شهقت رضوى بصدمة وهي تحدق به، بينما كان عبدالرحمن عاقدًا ذراعيه ينظر له بجمود ولم يبدى رد فعل، فنظر شهاب ل نبيلة قائلاً بنبرة تحمل كل معاني الندم:.

انا أسف، انا إلى عملت الصور وبعتها لحضرتك عشان ماتتميش جوازهم
مطت شفتيها بعدم رضا ثم قالت بأمتعاض وحزن مصطنع:
يوه، وانت جاى تقولي الوقتي!؟
هز رأسه نافيًا ثم أستدار ليغادر على عقبيه، ويشعر بمدى ثقل ما فعله على اكتافه، ثم غمغم بخفوت قائلاً:
انا عملت إلى يريح ضميرى شوية واتمني تسامحونى كلكم.

رحل من أمامهم بهدوء بعدما جعلهم يتقينوا بالعدالة الالهية، تنهدت رضوى بأرتياح كالمتهم الذي استرد حقه الان وحصل على البراءة، بينما تنحنح عبدالرحمن قائلاً بصوت حازم:
بصي بقا يا حماتي انا مش هستني تاني، احنا هانكتب الكتاب بكرة.

كان عمر يقف في منتصف الغرفة يرتدى القميص الأسود الخاص به بهدوء، لم يختفي الألم من وجهه، ولم يأخذ القسطًا الكافيًا من الراحة، ولكنه يُصر على فعل ما يريده وكأنه هو فقط العلاج الوحيد ليخفف الآمه النفسية، بدت عيناه السوداء غامضة، حالكة، متعمقة، يصعب على اى خبير في لغة العيون فهم ما يدور بهم، زمت شهد شفتيها بعدم رضا، وهي تجلس على الفراش بهدوء، ثم هتفت متساءلة بفضول:.

طب قولي اية إلى يخليك تقوم كدة وانت ضهرك لسة ماخفش
لم ينظر لها واجابها بصوت قاتم قائلاً:
لازم اقولهم حاجة وجاى تاني
نهضت مقتربة منه بهدوء، ثم وضعت يدها على كتفه وهمست بوهن:
انت ليه مُصر تخبي عني يا عمر
نظر لها بهدوء، ثم ثبت ناظريه على عيناها البنية يرى فيهم إنعكاس صورته، يستمد منهم القوة ليكمل، ثم إلتقط وجهها بين كفيه العريضين ليكمل بهدوء حذر:.

صدقيني يا شهدى انا مش عايز اتعبك ف حاجات لو عرفتيها مش هتنامي من التفكير زي
ثم ابتسم ابتسامة عاشقة، ليطيب ويهدأ ما يمكن تهدأته من ثورة قطته الهادئة، ثم استدار وغادر متجهًا للأعلي، تاركًا اياها تفكر في كيفية فك تلك الألغاز، بينما وصل عمر للأسفل وصار ينادى على نادى بعلو صوته، حتى اجتمع كل من بالمنزل على صوته العالي، وبما فيهم نادى، نظر له نظرة لم يفهمها ثم قال بحدة:.

آن الآوان نفهم كلنا كل حاجة يا نادى بيه بقاا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة