قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والثلاثون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والثلاثون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والثلاثون

صُدم عمر للغاية عندما رأى بجانبهم، هند، ترتدى بلوزة نصف كم من اللون الأحمر وجيبة قصيرة إلى الركبة من اللون الأسود، وشعرها الأسود اصبح أصفر، لم يصدق عمر عيناه وشعر أنه مؤكد يحلم، نعم هي ماتت وهو دفنها معهم، كيف يمكن ذلك!، فرك عمر عيناه لعله يستفيق من هذا الحلم الصادم، تقدم منهم بخطوات بطيئة، كأنه قدميه شُلت عن الحركة، اصبح يحركها بصعوبة وهو يسير، كانت يتمني أن يقع ويستيقظ من ذاك الحلم، كان وجهه شاحب وحدقه عيناه متسعة وحلقه جف، أصبح امامهم تمامًا ليرى أبتسامتها الباردة وفارس ينظر له بتشفي وحاتم يشاهدهم بتسلية كمن يشاهد احد الأفلام، حاول عمر أن يتفوه بشيئ ما ولكن لُجم لسانه، أستطاع بصعوبة أخراج الكلمات قائلاً بصدمة جلية..

أنتي، ه هند!
ضحكت هند ضحكة خليعة ثم جلست بجوار حاتم وأحتضنت يده بذراعيها بدلال ثم أجابته بسخرية قائلة..
ايوة هند ولا هاكون عفريتها يعني
هز عمر رأسه نافيًا بصدمة، لم يصدق حتى بعدما اعترفت له بنفسها او بمعني اوضح لم يريد أن يصدق، أخذ يتساءل كيف خدعته هكذا!، كيف كانت تختبئ خلف هذا الوجه الملائكي..!
اقترب منها أكثر حتى اصبح امامها ثم امسك بذراعيها بقوة مرددًا بغضب..

ازااااى، انا بنفسي دفنتك، ازاى لسة عايشة
ثم صمت لبرهه وهو ينظر لها بحدة وعيناه تكاد تنفجر من شدة الغيظ والغضب، بينما كانت تقف هي تنظر له برعب وهي تتمني أن تنشق الأرض وتبتلعها كما يقولون، أستأنف حديثه بصراخ حاد قائلاً..
طب لو عايشة ليه خدعتيني، لييييه عملتي كدة، دة انا عيشت طول عمرى متألم وحزين ومفكر أنك ميتة، تطلعي عايشة ومتهنية طب وانااااا، ردى عليا وانا اييية كنت وسيلة بس.

أبعدت هند يده عنها وحاولت أن تظهر الثبات والحدة ثم صاحت وهي تلوح بيدها في وجهه قائلة..
يوووه، ابعد ايدك دى عني، ايوة كنت وسيلة، وبعدين آآ اه انا عايشة ومتهنية وماصدقت خلصت منك خالص
غزى الألم قلبه، شعر انه ربما يفقد وعيه من هول المفاجأة، هي من اضاعت اكثر من ثلاث سنوات من عمره هدر، كان يعيش من اجل انتقامه لأجلها فقط، والان اكتشف أنه كان يسير خلف سراب...!

نظر لحاتم ليجده يدخن سيجاره الفاخرة بكل برود كأن شيئًا لم يكن، ظهرت عروق عمر في رقبته ويده، ولكنه ليس بمتهور ليهجم عليه في وسط منزله وامام حراسه، وجه نظره لفارس الذي كان يجلس ببرود هو الاخر ويضع قدم فوق الاخرى ويتابع ما يحدث بغيظ، شعر عمر بالضيق والغضب والغيظ ولأول مرة، الضعف.

كأنه اصبح وسط حيوانات مفترسة في غابة، مسح على شعره ببطئ ثم فجأة هجم على فارس وظل يلكمه عدة لكمات متتالية ولم يعطيه الفرصة ليرد اللكمة، لم ينجد فارس سوى إشارة من حاتم جعلتهم يسمعوا صوت طلق نارى، ابتعد عمر عن فارس ونظر ليجد هند سقطت ارضًا وقد اصيبت في قلبها ، ركض عمر بإتجاهها ونزل لمستواها وقد شعر بالرهبة لوهلة، أخذت تلتقط أنفاسها الأخيرة وامسكت بيد عمر وهي تحاول ان تتفوه بشيئ ما قائلة..

اسم آآ اس اسمعني، أنا مش...
قاطعها عمر وهو يقول بلهفة: اهدى، اهدى ارجوكي يا هند عشان ماتتعبيش اكتر، مش هاتروحي تاني
نظر لهم ثم صاح بعلو صوته قائلاً: اسعااااف حد يطلب الاسعاااف
نظرت له تتأمله بحسرة وندم وحاولت ان تكمل حديثها ولكن عارضها القدر وخانها لسانها وقلبها، لتنتهي حياتها هنا الآن وبين يديه لتصبح جسد بلا روح، تاركة له نفس الذكرى المؤلمة وتصبح هي في الماضي لكن ماضي مؤلم يصعب نسيانه.

اصبح يهزها بقوة وقد تلقلقت الدموع في عينه قائلاً بصراخ..
لااااا حرااام لاااا
اغمض عيناه وهو يتذكرها، بالرغم من حبه الذي نمي بداخله لشهد إلا انه لن يستطيع ألا يحزن عليها، فهي تعتبر شقيقته عاشت معه منذ الصغر، وعاش فترة طفولته وذكرياته الجميلة معها هي..

مسح على وجهها بيده برفق وتنهد ثم نهض وهو ينظر لحاتم بتوعد وكره شديد وفارس الذي كان يمسك نفسه ويحاول ان يهدأ نفسه بصعوبة وبالطبع بأوامر من حاتم، استدار ليغادر ثم ألقي نظرة اخيرة على هند الملقاه على الأرض غارقة في دمائها جثة هامدة، شعر بغصه تؤلمه ولكنه تحامل على نفسه وإتجه للخارج بخطوات ثابته مما أثار دهشة كلا من حاتم وفارس للغاية، كانوا يعتقدوا أنه سيدمر أن ماتت امامه وخاصة بنفس المشهد بأختلاف بعض الاشياء، لم يكونوا يعلموا أن عمر اكتشف الان أن حبه لهند كان حب تعود فقط..!

ذهب عمر من امامهم وكلا منهم يحمل بداخله الكره والحقد والأفكار السامة للأخر...!

في الصعيد،.

طلب محسن من زوجته أن تعد له حقيبته وحجز طيارة خاصة للسفر للقاهرة، أعدت له حقيبته واستعد للسفر في نفس اليوم، كان ينزل من غرفته حاملاً حقيبته للأسفل، ترك حقيبته الجلد السوداء وإتجه لغرفة والده، كان والده مسطح على فراشه لم يتغير حاله عن ما تركه الطبيب، كان ينظر للأعلي بشرود وفي عينيه لمعه خافته حزينة، دلف محسن واقترب منه بهدوء ثم قرب الكرسي الخشبي وجلس عليه بجوار فراش والده ثم امسك بيده بين كفي يده ونظر له بحزن بادى على محياه ثم هتف بصوته الأجش قائلاً..

انا مسافر عشان اجيبلك شهد يابوى
بمجرد ذكر اسمها ظهرت شبح الابتسامة على وجهه الذابل واردف بصعوبة وخفوت قائلاً..
لا يا ولدى ماتجبرهاش على حاجة، انا ماعايزش منها غير انها تسامحني على اني اجبرتها على واحد زى مصطفى وانا عارف اخلاجه ( اخلاقه )، بس جولت ( قولت ) اكيد الجواز هايغيره، وخليها تسامحني على جسوتي ( قسوتي ) معاها.

شعر محسن بالألم من أجل والده، هو على علم تام أنه صحيح في هذه النقاط، هو كان قاسٍ بعض الشيئ في معاملته معها ولكنه رأى ان ذلك في مصلحتها، ربت على يده برفق وهو يقول بأصرار..
هاتعيش يابوى، بأذن الله هاتعيش وشهد هاتيجي وهاتشوفها اكييد
أبتسم والده ابتسامة هادئة واكمل بوهن قائلاً..
شكلي خلاص مابجاش ليا كتير يا ولدى، ادعولي وماتنسونيش ابدًا وسامحونى على اى حاجة.

لم يتحمل محسن اكثر من ذلك، كان كلام والده وربما الاخير كالسكاكين الباردة التي تقطع قلبه، نهض بسرعة وهو يمسح الدمعه الهاربة التي فرت رغمًا عنه وإتجه للخارج ثم فتح الباب وألقي نظرة أخيرة على والده وهو يقول بصوت قاتم..
عمرنا ما هننساك ابدًا يا والدى.

رضوى وعبدالرحمن يسيران في الشارع متجهين لمنزل رضوى وها قد مرت اول جلسة لعلاج عبدالرحمن، بعدما اخبره الطبيب انه من السهل علاج الحالات التي مثل حالته تلك، عاد له الأمل في تلك الحياة التي كانت بائسة بالنسبة له وظهرت الابتسامة على وجهه البشوش من جديد، كانت رضوى تسير بجانبه بخطوات هادئة وهي تشعر بالسعادة لسعادته، تنحنح عبدالرحمن قائلاً بأمتنان..

رضوى بجد مش عارف اشكرك ازاى، انتي السبب في كل السعادة إلى انا فيها دى، بجد شكرًا
أبتسمت رضوى بهدوء لتظهر غمازاتها التي تعطيها مظهر جذاب اكثر، لأول مرة تشعر انها اثرت في حياة شخص بالإيجاب، فعلت شيئ صحيح تفخر به، نجحت في ان تخرجه من حالته تلك، ربما فعلت ذلك لأنها لم تجد من يمد يده لها بالعون عندما كانت بحاجة لأى شخص يساعدها ثم تابعت بنبرات سعيدة قائلة..

لا يا عبدالرحمن، انت إلى من جواك نقي ونقي اوى كمان وكنت بس محتاج حد يمد ايده ليك عشان يخرجك وانت تكمل طريقك بنفسك بس
تنهد عبدالرحمن بقوة وهو ينظر لها وقد ود في هذه اللحظة أن يحتضن والدته ويشكرها على اختيار فتاة مثل رضوى له، استطرد بحماس قائلاً..
طب احنا مش هانحدد ميعاد الخطوبة ولا اية بقا؟!
توردت وجنتاها بخجل شديد ونظرت للأرض وفركت اصابعها وهي تقول بخجل..
الكلام دة مع ماما وعمو مش معايا.

أبتسم وقد دب اوصاله الحماس للغد اكثر، وضع يده في جيب بنطاله وظل ينظر لها بشرود وسعادة لم تختفي من ملامحه ولا نبرة صوته بينما رضوى تشكر الله على رزقه لها برجل مثل عبدالرحمن..
ولكن، ماذا عن شهاب..!

في منزل عمر،.

استيقظت شهد من نومها وفتحت جفنيها بتثاقل لتظهر عيناها البنية، تحسست الفراش بجوارها لتجده فارغ، تعجبت من خروج عمر وعدم اخبارها، ولكن لم تهتم، نهضت ببطئ وهي تفرك عينيها بكسل ثم إتجهت للمرحاض الملحق بالغرفة لتغتسل، انتهت ثم خرجت وهي تجفف وجهها، ثم إتجهت للأسفل بعدما اغلقت الأنوار والباب، جلست على الاريكة امام التلفاز وفتحته، ثم امسكت الريموت لتبحث عن اى شيئ تشاهده ولكن لم تجد، تأفتت بملل ثم اغلقت التلفاز ونهضت ثم عادت للأعلي مرة اخرى، تذكرت حديث عمر معها وخاصًا جملة وقتلوا حبيبتي هند.

اذا تدعي هند، ولكن لماذا لم يخبرني عنها، كان يعاملني بجفاء من اجلها، ولكن اين هي!؟، وهل هي من رأيت صورتها بالأعلي..!

العديد من التساؤلات دارت بعقل شهد وقد تملك منها الفضول حول حياة عمر الغامضة، لم تفهم لما كل هذا الغموض ولكن ربما ليحصن نفسه من اى دخيل، دلفت إلى غرفته واغلقت الباب خلفها ثم إتجهت للدولاب الخاص بعمر وفتحته ببطئ، لفت نظرها الدرج المغلق، اتكأت بجذعها قليلاً وقد تملكتها الرغبة في معرفة كل شيئ عنه، فتحت الدرج لتجد دفتر مذكرات عمر، اخرجته وظلت تتفحصه بعيناها لثوانٍ ثم عادت للفراش وجلست عليه وفتحت الدفتر لتجد اول صفحة بعنوان هند.

اثار فضولها اكثر عمن تملكت زوجها الحبيب لهذه الدرجة حتى بعد ان اختفت من حياته، ظلت تقرأ بفضول لمدة...
لم تشعر كم من الوقت جلست هكذا، ثواني، دقائق، او ربما ساعات..
وجدت الباب يدق، لملمت خصلات شعرها الذهبي التي تناثرت ثم تأففت بضيق من انتهاء خلوتها بحياة عمر كاملة، نهضت بسرعة ثم وضعت الدفتر في الدرج كما كان وإتجهت للأسفل بسرعة وهي تقول بصوت عالٍ..
جاية اهووو يا عمر.

وصلت امام الباب ثم فتحته وهي ترسم ابتسامة حانية هادئة على ثغرها ولكن سرعان ما اختفت وهي ترى...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة