قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والثلاثون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والثلاثون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والثلاثون

قد يغرق المخطئ في موجه اخطاؤه، ويستنجد بأى شخص للهرب ويتملكه الندم فيما فعل ولكن، لن يجدى الندم شيئ الان..
حك الضابط طرف ذقنه بأصبعه وهو مسلط نظره على صديق حسن الذي أصفر وجهه واصبحت انفاسه في صورة مرتبكة واضحة، ثم قال بعد صمته بهدوء حذر..
أسمها وعنوانها بسرعة، وانت ماتمشيش.

علم أن الامر لم يعد بيده، تقدم الشرطي بأشارة من الضابط وقد أملاه اسم مها الكامل وعنوانها، ومعهم اذن بالقبض عليها، إتجه بعض رجال الشرطة لجلب مها للتحقيق معها..
نظر الضابط له مرة اخرى ثم هتف بتساؤل حاد لرؤيته نظرات الخوف في اعينه قائلاً..
انت بقا اية إلى شكك في مها دى؟
إبتلع ريقه بخوف وشعر أن لسانه لُجم ولن يستطع الكلام ثم أخرج الكلمات من بين شفتاه بصعوبة قائلاً..

اصل يعني آآ حسن كان قعد معايا قبل ما يموت وحكالي عنها ومفيش غيرها ممكن يستفاد من موته
امأ الضابط بهدوء، لم يقتنع بما قاله، هناك نقطة مفقودة، استدار وهو يجوب بنظره في المكان ثم إتجه للأسفل بخطوات هادئة و تابع بصوت آمر..
تعالي ورايا، هاته يا عسكرى ع البوكس
هنا وقع قلبه ارضًا ونظر للعسكرى الذي يقترب منه برعب حقيقي، واصبح يصيح بخوف قائلاً..
ليه يا باشا، وانا مالي اناا يا باشا.

الضابط بجمود: هنحتاجك في باقي التحقيقات طبعا
اجابه بتوتر: طب آآ ممكن اجي لحضرتك بس اغير هدمتي واخد حاجة صاحبي
ليس بضابط غبي ليصدق ما قاله او يقتنع به بسهولة، لقد مر عليه الكثير من الاشخاص مثله واصبح ممتاز في التعامل معاهم بشكل خاص..
أكمل صيحته بحدة قائلاً..
سيبوني انتوا مسكني كأني عامل جريمة كدة ليه، سيبني بقولك.

لم يرد عليه الضابط او الشرطي وإنما اكتفي بأشارة من يده بمعني اصمت، سيطرت عليه حالة من الهلع والرعب لما سيحدث واصبح يصيح بهيستريا وهو يحاول انتزاع يده من العسكرى ولكن دون جدوى كأنه يحدث انسان آلي..!

واحيانًا كثيرة تأتي بعض الاشياء لتعكر صفو الحياة، ونشعر اننا غير مقدر لنا السعادة في هذه الحياة الجامدة، ونشعر أن القدر يعاندنا ولكن قد تكون السعادة مختبئة لنا لحين وقتها الصحيح لتخرج وتهلل اساريرنا في وقت ما، ولكن معًا...

صُدمت وظلت مكانها وقد تبلد جسدها، بينما هوت والدتها على الكرسي بصدمة تامة لا تختلف كثيرًا عن صدمة رضوى بل اسوء، فهي من اساءت تربية ابنتها، هي من تركت لها الساحة مفتوحة وشددت على رضوى التي لم تخطأ في حقها ولو ليومًا واحدًا، ولكن هل يجدى الندم والتحسر شيئ الان!، لا يبدو كذلك، فمن المستحيل أن يكون من اتقي الله دائما في كل خطوة مثل من فعل المحرمات بتبرير، الحب!

تنحنح الطبيب بحرج وقد شعر ان هناك خطبًا ما، ثم تابع بأنسحاب قائلاً..
طب استأذنكوا انا بقا يا جماعة
حاولت استجماع شتات نفسها المبعثرة اثر صدمتها وخرجت الكلمات منها بصعوبة وهي تقول بوهن..
ايوة طبعا اتفضل، اسفين عطلنا حضرتك يا دكتور.

هز رأسه نافيًا ثم لملم اشياءه واتجه للخارج ليغادر تاركًا اياهم مازالوا يحاولوا استيعاب ما سمعوه للتو، بينما كانت رضوى تصرخ بداخلها، لماذا، لماذا يعاندها القدر دائمًا، كورت قبضة يدها كنوع من محاولة تنفيث الغضب، ثم اغمضت عيناها مرددة بحزن..
استغفر الله، استغفر الله العظيم، لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين.

لم تنطق والدتها بحرف حتى، كانت تعابير وجهها كافية للتعبير عن مدى صدمتها، حزنها، ندمها، مشاعر كثيرة مختلطة ضاربتها كالموجه القوية، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تنهض وتتجه لمها وتضربها على وجهها بعنف قائلة بغضب..
قومي، قومي يابنتي يا كبيرة يا عاقلة، قوووومي يلا قومي كلميني.

نهضت مها بهلع وهي تنظر لوالدتها برعب، مازالت بعقلها إلى حدًا ما ولم تفقد كامل قواها العقلية، اصبحت ترتجف وهي ترى والدتها هكذا ولأول مرة وتتذكر شكل حسن وهو جثه هامدة غارقًا في دماؤوه، اصبحت والدتها تضربها بقسوة في جميع انحاء انحاء جسدها، ومها لا تتفوه بشيئ ما سوى جملة..
قتلته وخدت حقي، مش مهم اى حاجة تاني، المهم اني قتلته، قتلته خلاص
اصبحت والدتها تلطم بخيبة وهي تصيح بجنون قائلة..

يالهوى، يا مرارى، حامل، وقتلتي، قتلتي مين يابت انطقي
كانت رضوى تقف متسمرة مكانها لا تفعل اى شيئ، ربما لأنها شعرت ان مها بحاجة لهذا التوبيخ والضرب ولكنه قد يكون متأخرًا جدًا..
لم ترد عليها مها وإنما ظلت تضحك بسخرية مما اثار دهشتهم، شعروا انها جنت بالفعل، ازداد غيظ والدتها وامسكت من شعرها وهي تنهرها بقسوة..
مين دة إلى انتي حامل منه، ومين إلى قتلتيه انطقي يابت.

علمت رضوى أن لا فائدة من هذا الان، حاولت إبعاد والدتها عن مها، وبعد صعوبة تمكنت من فصلهم عن بعض، وتنفست الصعداء، ثم جلست بجوار مها وهي تربت على كتفها بحنان قائلة..
مها حبيبتي، احكي لي كل حاجة عشان اقدر اساعدك يا مها، قولي يلا
لم ترد عليها مها وانما ظلت محدقة بالفراغ وتردد نفس جملتها المتشفية، لم تمر دقيقتان وطُرق الباب، فنهضت رضوى بتأفف وفتحت الباب، صُدمت من تواجد العسكرى ثم هتفت بخفوت قائلة..

خير يا فندم؟
اجابها بجدية وبعض الحدة: انتي مها رشوان؟
وقع قلبها ارضًا من الخوف، اذا الامر متعلق بمها، ولكن هل، هل علمت الشرطة أنها قتلت من قتلته قبل ان يعرفوا هما حتى، اصبح صوت انفاسها مضطرب ثم سألته بتوجس قائلة..
ل آآ لا بس أ آآ أنا اختها، ليه
مطلوبة للتحقيق معاها في قضية قتل.

شهقت رضوى حينها دون إرادة منها ووضعت يدها على فاهها وهي ترمقه بنظرات مصدومة، لطالما عرفت أن مها ترتكب الكثير من الاخطاء، ولكن هل وصلت للقتل، القتل يعني، الإعدام، للحظة تخيلت اختها وقد تم الحكم عليها بالإعدام فتلقلقت الدموع في عيناها، هزت رأسها وكأنها تنفض تلك الافكار من رأسها، وأستفاقت على صوت العسكرى وهو يقول بصوت آمر..
يلا يا ست ناديها عشان ماجبهاش انا إجبارى.

اصبحت تهز رأسها نافية بخوف ثم استدارت ودلفت مرة اخرى ونظرت لوالدتها ولمها التي لم تفيق من حالتها بعد، نظرت لها والدتها بقلق ثم اردفت بتساؤل وخوف قائلة..
في اية يا رضوى ميين؟
رضوى بدموع: دة آآ دة العسكرى عايز آآ عايز مها عشان يحققوا معاها في قضية قتل.

هزت رأسها نافية بصدمة، بينما مها لم يظهر أى تعبير رد فعل على ملامحها، بينما نهضت مها والإبتسامة على وجهها واتجهت للخارج، رأها العسكرى وسألها مرة اخرى فأومأت بكل بساطة ونزل ومعه مها بإتجاه القسم...!

في منزل عمر،.

كانت شهد تقف لتحضر طعام لهم في المطبخ المجاور للتلفاز الذي يجلس امامه عمر يشاهد احدى الافلام، ولكنه يبدو أنه يحاول ان يرى شهد وليس الفيلم، بينما كانت هي تتأفف بين الحين والاخر، ومشهد مصطفى ثم احتضان عمر للفتاة يطاردونها، نزلت خصلة ثائرة من شعرها على جبينها، وكانت يدها في الطعام، تأففت بضيق شديد ولم تستطع ابعادها، فجأة وجدت عمر يبعدها عن عيناها ليندر في عيناها بحب واضح، بمجرد أن لمست يده جبينها قشعر جسدها، نظراته الغاضبة، المتألمة، اللوامة امام نظراتها الحزينة، المكسورة، ظل ينظر لها بتعمق وألم كأنه يلومها على معاملتها تلك له، استدركت نفسها سريعًا واستدارت وهي تحاول تنظيم انفاسها المضطربة بصعوبة بينما لام عمر نفسه على اقترابه منها، فمازال يضعف امامها دائمًا، تنحنح بحرج قائلاً..

آآ احم يعني آآ هو انتِ خلصتي؟
هزت رأسها نافية ولم تنظر له حتى، ثم حاولت إظهار الجمود في نبرة صوتها قائلة بعدما استدارت لتنظر له..
لأ، وبعدين انت جاى هنا ليه، انا كنت هأخلص واقولك تعالي خد اكلك
كانت عيناها تقول عكس ذلك تمامًا، شفتاها تنطق بجمود بينما عيناها وقلبها يطلبوا القرب منه، لم تكن تلك شهد التي تعرف عليها ابدًا، هز رأسه ثم تابع بأستنكار..
اخد اكلي!

امأت شهد ببرود ثم عقدت ساعديها قائلة بصوت قاتم..
ايوة، اصل انت هتاكل لوحدك وانا لوحدى يا استاذ عمر.

ظل محدق بها دون أن ينطق بكلمة اخرى، ليدوى صوت انفاسهم المختنقة فقط، كان صمته وكأنه يعبر عن مدى اعتراضه وغضبه على ما تقوله، بينما ذابت هي في نظراته ولم تشعر كم دقيقة مرت عليهم وهم كذلك، لمح لمعة الدموع في عيناها البنية، شعر كأن عيناها تجذبه لها، اقترب منها ببطئ وأحتضنها بحب جارف، حاولت إبعاده في البداية ولكنه لم يبتعد، استسلمت واحتضنته، وشدد هو على قبضته لدرجة انها شعرت ان ضلوعها ستختلع بين يداه، فجأة ظلت تبكي بكاء حاد وتنحب، ابعدها عنه برفق ونظر لها ثم سألها بلهفة قائلاً..

مالك يا شهد، احكى لي عشان خاطرى في اية انتي مش طبيعية
تمعنت النظر له وللهفة التي رأتها في عيناه، يستحيل أن يخونها ويحب اخرى، لقد رأت اللهفة الحقيقية في عيناه السوداوتين، استطردت من بين شهقاتها قائلة بحزن..
بابا وحشني اوى يا عمر، بقالي كتير ماشفتوش، وحتى قبل ما يموت ملحقتش اشوفه، كأن ربنا بيعاقبني عشان عصيته، مات وهو غضبان عليا وزعلان مني يا عمر.

هنا سقطت على الأرض وهي تشهق شهقات متتالية، ومع كل صوت يصدر منها يتقطع عمر عليها، نزل لمستواها ومسح دموعها بيده وهو يقول بحنان..
دة مقدر ومكتوب يا شهد، ادعي له كتير اكيد هو محتاج للدعاء دة دلوقتي، ثم انه بيحبك جدا ومتأكد انه كان غضبان بس من برة لكن من جواه زعلان عشان انتي بعيدة عنه.

رمقته بنظرات هادئة، متعجبة، اما كان هذا الذي كان يحتضن الفتاة، ولكنه قال شهد، هذا يعني أنه لم ينسي ما قلته له حينها، يا الله..
هكذا حدثت نفسها قبل ان تنهض ومازالت مثبته ناظريها على عيناه تتمعقهم، تبحث فيهم عن كذب، خداع، شفقة، ولكن لم تجد ابدًا، وكأن نظراتها كانت دعوة صريحة منها ليقترب منها ببطئ وفجأة يلتهم شفتاها بشغف، وحنان، وحب، لتمتزج أنفاسهم اللاهثة والمشتاقة معًا وتكون عاصفة حب قوية..

فجأة دوت جملتها في اذنيه وتذكر نفورها ونظراتها، ابتعد عنها فجأة ونهض، وكان وجهه خالي من اى تعبير، اتجه للخارج دون ان يتفوه، ولم تعترض هي، كانت تعلم انها ستتحمل عواقب ما فعلته وربما لمدة طويلة..
نهضت وأكملت ما كانت تفعله وحاولت ان تظهر وكأن شيئ لم يكن، بينما جلس عمر على الأريكة في الخارج يتذكر هذه الدقائق التي مرت، اصدر انينًا خافتًا بحزن، كم يشتاق لها، يود ان يدخلها بين ضلوعه ولا تخرج ابدًا..

أعلن هاتفه عن إتصال، فأخرج هاتفه من جيب بنطاله واجاب ببرود قائلاً..
اممممم
...
خير اية المطلوب؟
...
طيب هأفكر عشان دة مش سهل
...
خلاص تمام ماشي
...
النهاردة!
...
ماشي يلا سلام
...
اغلق الهاتف ونظر على المطبخ بشرود، ثم تنهد تنهيدة حارة تحمل الكثير ونهض، وكانت شهد تسمع حديثه واثار فضولها ما كان يقوله، اتجه عمر للخارج ولكن ركضت شهد واوقفته قائلة بتساؤل..
رايح فين يا عمر؟

رفع اكتافه بلامبالاة ثم اردف ببرود مصطنع قائلاً..
يهمك كتير يعني؟
اومأت شهد بتأكيد وقلبها ينبض بعنف كرسالة يخبرها فيها أن لا تجعله يبتعد، وكأنه يشعر بما سيحدث، بينما أكمل عمر بصوت اجش قائلاً..
رايح شغل
عقدت حاجبيها بضيق ثم اقترب منه وهي تقول بنبرة غليظة..
تاني الشغل دة يا عمر، بردو مابتحرمش
اكمل سيره للخارج وكأنها شفافة لا تحدثه وفتح الباب ثم التفت ونظر لها بهدوء ثم هتف بتردد قائلاً..

واعملي حسابك في واحدة هتيجي هنا بكرة ع فكرة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة