قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والأربعون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والأربعون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والأربعون

نبض قلبها بعنف وأصبح يتراقص على أنغام الصوت الذي اشتاق له منذ زمن، ومن دون أن يشعر سقي الزهور التي لطالما انتظرت ساقيها، وبردت أطرافها من الصدمة، وقالت بفاه فاغرًا وحدقتين متسعتين لتظهر جمال عينيها البنية التي ملؤها ذاك الشعاع الحزين مؤخرًا:
هو انت!
كأنها عادت تسأله لتؤكد لعيناها ما رأته، بينما اقترب منها ولم تزول ابتسامته العاشقة، ثم اجابها ببساطة:
ايوة انا يا شهدى، عمر حبيبك.

كلمته كانت كالسكين الذي عاد ينغرز في جرحها بقسوة، وقد ساندته صورته في أحضان تلك الفتاة، فصاحت فيه بقوة:
اخرج برة مش عايزة اشوفك
هز رأسه نافيًا، وعاود ذلك التصميم في الظهور في عيناه السوداء مجددًا، ومن ثم أكمَل بأصرار غريب:
المرة دى مش هخرج مهما قولتي
أصراره نجح في مهمته ولمس الوتر الحساس لديها، جاهدت بصعوبة للعودة لجديتها مرة اخرى وهي تقول:
عمر لو سمحت عشان خاطر اى حاجة امشي من هنا.

اصبح امامها تمامًا، يحدقها بعيناه القَوية ونظراته التي اذابتها، ثم اقترب من اذنيها ليهمس بالدليل القاطع لتصميمه:
وحياة ابننا إلى جاى ما هأسيبك
سارت رعشة كالكهرباء في جسدها، من همسه القريب الذي سكر روحها، ثم تنهدت بضيق وغضب معًا متسائلة:
مين قالك؟
نظر للسقف قاطبًا جبينه بتفكير مصطنع، وبدأت الأبتسامة في الظهور على ثغره مجددًا، ثم اردف مشاكسًا:
العصفوورة بتاعتي.

تأففت بغيظ من مزحه الذي لم يحين وقته بعد، ثم نظرت له بحدة وهي تشير بإصبعها في وجهه، واستطردت بجدية:
ملكش دعوة بيه، ده ابني لوحدى
رفع حاجبه الأيسر بتعجب مرح، ومن ثم أضاف ليقلل من حدة الموقف بخبث:
ابنك لوحدك، وده جبتيه ازاى ده يا شهدى بقا؟
توردت وجنتاها خجلاً لتصبح ك لون الدماء، ونظرت للأسفل، نجح فيما أراده وأمتع عيناه بزهور وجنتاها الخجولة، ليرفع وجهها بطرف إصبعه ويتابع بحنان:.

مكنتيش عايزانى اعرف، كنتى عايزة تفرحي بأبننا لوحدك.

تلقلقت الدموع في عيناها على الفور، فقك تخطي كل المواجهات الجادة، ليدلف لأحلامها الوردية، واعدًا إياها بتحقيقها معًا، أمسك وجهها بين كفيه لينظر في عيناها ويرى إنعكاس صورته فيها، وتلك اللمعة بالدموع التي احزنته ولو لوهلة، لم يمنع نفسه من اخذها بأحضانه، يدفنها في أرضه الخاصة ليمنعها من الهرب، ويظل آسرها الوحيد والأبدى، أجهشت بالبكاء الذي منعته لفترة ولم تستطع الصمود امامه اكثر، ظل يربت على شعرها الذهبي بحزن قائلاً:.

انا اسف يا شهدى، سامحيني
دون أن يقصد قطع حالة الحنان التي غمرتها بمقص بَارد، لتعاودها كل اللحظات التي جاهدت لنسيانها، تشنجت قسمات وجهها وهي تصيح فيه بحدة:
اسامحك على اية ولا اية، اسامحك على ابنك إلى جه بالغصب ولا اسامحك على خيانتك ليا
نظر للأرض بخزى من فعلته، هو يعرف مدى عمق جراحها منه، ولكن عند تلك الكلمات نظر لها بقوة وسارع مبررًا بصدق:.

لا لا والله ما خونتك يا شهد، انا مقدرش اعمل كدة اصلاً، اذ كان انا كنت ف جنة، هأسيبها واروح للنار برجلي
أبتسمت ابتسامة صغيرة ساخرة، وترمقه بنظرات مكذبة، ثم تقدمت للأمام بخطوات واثقة، ومن ثم اردفت بتهكم:
لا بجد، يعني الصور بتكذب والي بعتها بيكذب وانت صادق!

اقترب منها بكتفيه العريضتين، ونظرات اشعلتها بكلماتها، معلنة عن بدأ إندلاع ثورة حَارة، قد تكون مليئة بالخسائر، وأمسك بكتفيها مثبتًا ناظريه عليها، ومن ثم قال بجدية:
اقسملك بالله اني كنت قاعد معاهم بس وماحستش بنفسي وبعدها مش فاكر اى حاجة، بس إلى متأكد منه انى استحالة اكون خونتك
وضع يده فجأة بحركة مباغته بجوار بطنها، ليثبت لها بأغلي شيئ قد صار له:.

وحياة ابننا إلى لسة ماجاش وبتمناه من الدنيا، انا مش فاكر، بس لا لا استحالة اكون خونتك، انا مقدرش ألمس واحدة غير حبيبتي
وترتها نظراته المثبتة عليها، لم تعرف لما تربكها وتؤثر فيها لهذه الدرجة برغم ما فعله، كلما ترتدى هذا القناع الجامد، يأتي في ثوانٍ ليزيحه عنها بكلماته ونظراته، زاغت بنظراتها في انحاء الغرفة، وحركت شفتاها بصعوبة قائلة:
بس قدرت، وللأسف مش هقدر اكمل مع واحد ضعيف.

بدأت تستعيد وعيها تدريجيًا، ليشرق جفنيها بتثاقل، وتظهر شمسها البنية الهادئة، تشعر بالتثاقل في رأسها، وألم رهيب، بدأت تتململ على الأريكة بضعف، لتحاول العودة لواقعها الملموس، بينما كان عبدالرحمن يجلس على الكرسي المجاور للأريكة، ولم تهدأ قسمات وجهه من القلق والتوتر، نظرات السيدة التي يفترض أن تكون والدتها تقلقه اكثر، بينما كانت والدتها تنظر له بتمحص، ونظراتها تحمل جميع معاني الكره، كالذئب الجائع الذي يريد إلتهام فريسته بأنتقام ولكنه مقيد بضغطه يداه..

سألته بنبرة غليظة وهي تنهض:
انت هتفضل قاعد لنا كدة كتير؟
نجح في تمثل البرود لفترة طويلة، بالرغم من اندلاع نيران البراكين الملتهبة بداخله، فأجابها بعدم فهم مصطنع:
مش فاهم يعني عايزة اية يا حماتي؟
جزت على أسنانها بغيظ تكاد تفتك به لولا نداء رضوى بصوت واهن:
ماماااا
اقترب منها عبدالرحمن بلهفة ثم والدتها، ومن ثم قال بخوف يشوبه الفرح:
انتي كويسة يا رضوى؟

بدأت الصورة توضح امامها ببطئ، لتراه امامها، وعيناها تدقق قسمات وجهه وبعض الخطوط المتعرجة التي لاحظتها على ملامح وجهه الوسيم، من كثرة اقترابه غير واعٍ بنفسه، إبتلعت ريقها بصعوبة و بخجل ومن ثم وجهت نظراتها لوالدتها قائلة بخفوت:
ماما لو سمحتي عايزة أشرب مياه
لوت شفتاها بعدم رضا، واومأت موافقة، ثم تابعت بأمتغاض:
حاضر ياختي حاضر.

أبتسم عبدالرحمن على حركتها، أرادة الحديث معه دون تدخل والدتها الحاد وكلامتها اللاذعة، تراجع للخلف قليلًا بحرج، وكرر سؤاله على مسامعها:
انتي كويسة دلوقتي يا رضوى، حاسه بأية؟
اومأت وهمست بهدوء: ايوة كويسة
حاولت النهوض لوضعية الجلوس بصعوبة، وبدأت في تهدأة انفاسها اللاهثة من اضطراب ضربات قلبها ورفعت ناظريها له لتقابل نظراته المتلهفة، فسألته بسكين حاد اصابه في منتصف قلبه بقوة:
انت مييين؟!

نعم، انت واعي انت بتقول اية يا احمد
هتفت مها بها ساخرة، وترمقه بنظرات غير مصدقة، محاولته للعودة لها مرة اخرى، اعادتها للحياة التي غادرتها بيأس، ولكنها ترغب في التأكد أن اليد التي امتدت لمساعدتها من حديد، وليست من حرير لتنكسر بسهولة مرة اخرى، بينما يقف امامها بشموخه المعتاد، ثم اغمض عيناه بتنهيدة طويلة وعميق، واجابها بتأكيد قائلاً:
ايوة واعي، ولسة عايزك يا مها بالرغم من ده كله.

هوت على الكرسي الخشبي ليتخبط جسدها فيه بقوة، والندم يتملكها، اضاعت من يدها شيئ ثمين لن يعوض، يريدها بشدة، لتذهب للتقليد، كم كانت غبية حقًا، حرمت طفلها من والده كل هذه الفترة بسبب حماقتها، وكأنه استطاع ان يستشف ما يدور بعقلها الان، فأكمل بأبتسامة حالمة:
خلينا نكمل باقي حياتنا مع بعض، ندى ابننا الحنان إلى افتقده، ونعوض إلى فات يا مها، كفاية بعد بقا.

يراودها الشعور بالخزي والخجل من كلماته، على الرغم من ان امانيها تحققت، الا انها تعريها لتظهر امامها حقيقتها الملموسة البشعة، والتي حاولت أن تتناساها بكل الطرق، بينما كان أحمد يعرف آثر كلماته عليها جيدًا، ولكن هل مازالت تفكر للموافقة؟!، وإن يكن، لتفكر اذًا، في النهاية هي له وحده، اقترب منها يتنحنح بهدوء حذر:
تقريبًا انتي هاتخرجي بكرة او بعده بالكتير، الأدلة بقت في ايدنا ناقص اعتراف صاحب حسن بس.

اومأت بهدوء جاهدت لإظهاره، ذكر أسمه يعكر صفو موجتها السعيدة، استطرد بفرحة داخلية:
الحمدلله، بجد مش مصدقة يا احمد
بادلها الإبتسامة السعيدة مرددًا بأرتياح:
ولا انا مصدق يا مها
ولكن سرعان ما أختفت وهو يقول بهدوء:
بس في حاجة لازم تعرفيها الاول يا مها
نظرت له متسائلة بتوجس:
خير يا احمد في اية؟
أنتقل بنظراته للباب كأنه ينتظر شخصًا ما، ثم هتف بالقنبلة التي فجرها لتوه:
بس انا اتجوزت واحدة تانية.

تجلس على احدى الكراسي الخشبية الصغيرة والقديمة ومليئ بالأتربة، مكان يبدو أنه مهجور، لا يسمع به اى صوت سوى همسات الجو الهادئة التي تلفح وجهها بقوة، يدها مربوطة بالكرسي بأحبال متينة يصعب فكها، وفاهها مكبل بأحدى قطع الاقمشة القطنية، الكحل ساح تحت عيناها ليعطيها مظهر مرعب بدلاً من جمالها القارص، كانت تصدر همهمات خافتة مرتعدة، لتجد من يقترب منها بخطوات واثقة ويصيح فيها ببرود قائلاً:.

هاا فوقتي يا لوزتى ولا لسة؟!
إبتلعت ريقها بخوف، وازداد الرعب بداخلها من معرفته اسمها، اذًا هذا ليس مجرد خاطف عاديًا، حاولت بناء بعض الحصون الجادة:
انت عايز ايييية؟
وضع يداه خلف ظهره يتفحصها بنظرات ذات مغزى، ومن ثم أجابها بلامبالاة:
انا مش عايز منك اى حاجة، عايزك بس تقولي مين إلى قالك تعملي حركاتك على عمر وتصوريه معاكي.

الان فقط فهمت كل شيئ، آآه من تلك الاموال التي جاءت لها في مقابل هذه المهمة التي تكاد تودى بحياتها للجحيم، قالت لنفسها هكذا قبل أن تتابع بعدم فهم مصطنع قائلة:
عمر مين وحركات اية، انا مش عارفة انت بتتكلم عن اية
جذبها بعنف من شعرها وقد اخرجت الجزء القاسٍ من داخله وزمجر فيها غاضبًا:
انتي هاتستعبطي يابت، انطقي بدل ما اخليكي تتحسرى على جمالك ده.

ارتعدت اوصالها من تهديده، فالشيئ الوحيد الذي تمتلكه هو هذا الجمال، إن فقدته ستنتهي حتمًا، تهتهت بهلع:
هأقولك على كل حاجة بس سيبني.

يسير بخطوات مسرعة أشبه للركض، وقد تصبب عرقًا، متجهًا لغرفة شهد، ليخبرها ما قد توصل له، والذي لن يعجبها حتمًا، بس احتمال أن يزيد حالتها سوءً، ما عرفه كان كالقشة على ظهر البعير لتجعله ينطلق فورًا كالسهم ليخبرهم..

مد يده للمقبض بسرعة ليدلف، لتقع انظاره على شهد التي كانت مسطحة على الفراش وعمر بجوارها، تكاد تغلق عيناها، لم يمهلهم الفرصة ليتعجبوا من دخوله المفاجئ ومظهره، ولكن سارع عمر في السؤال بتوجس:
في اية مالك يا محسن؟
أشار له بيده محاولاً التعبير، واخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة قائلاً:.

لازم نسافر البلد حالاً، ابوى كتب في وصيته ان شهد لازم تتجوز واد خالها عشان تاخد ورثها، وخالانها ماسكتينش جالبين البلد عليها عشان يجوزوها لولدهم وينفذوا الوصية.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة