رواية ملكة على عرش الشيطان للكاتبة إسراء علي الفصل السادس عشر
لا تُشعل نيران الكراهية إن كُنت لا تقدر على إخمادها...
حملقت به ب دهشة لا تُصدق حديثه. ضمت المئزر إلى جسدها وتساءلت ب صوتٍ باهت
-قصدك إيه! يعني إيه كمان ساعة!
-أردف ب نفس الجفاء: زي ما سمعتي. مش عاوز كلام كتير...
كادت أن تبكي لما يحدث معها. بهت لونها ب شدة حتى إتسحالت بشرتها إلى بشرةٍ شاحبة تشابهت مع بشرة الموتى.
تراجعت ب ذعر وهي تراه ينهض ويقترب منها. إبتلعت ريقها ب خوف تُحاول أن تستمد قوة واهية. وجدته يتجه إلى باب الشقة ثم قال ب هدوء
-إتفضلي جهزي نفسك عشان هنخلص كتب الكتاب وهتنتقلي معايا...
تنفست ب حدة لتتحرك هي ب إتجاه الباب وقبل أن تخرج هتفت ب جمود
-وقُصي!
-إبتسم ب سخرية وقال: متخافيش هيطلع...
حدقت به ب إزدراء ثم هبطت الدرج ب إنفعال. على الرغم من خوفها من القادم إلا أن أشتعال دماؤها غضبًا وقهرًا.
ولكن الألم كان قد إستبد بها لما سيُصيب قُصي. قُصي الذي ظهر ب حياتها وكأنه بطل من فيلم سنيمائي قديم. على الرغم أنها لم تتعمق ب مشاعرها تجاهه ولكنها إنجذبت إليه. أُعجبت ب شخصيته الرزينة والهادئة. بطل ستظل تندم عليه ما تبقى من حياتها.
هبطت الدرج حتى وصلت إلى شقتها. فتحتها ودلفت. أغلقت الباب وإستندت ب جبهتها عليه تتنهد ب حرارة. مكثت هكذا ثوان حتى قررت الإلتفات ولكن ما أن إلتفتت حتى شهقت وهي ترى والدها جالس فوق مقعده وينظر إليها ب ملامح مُبهمة. إزدردت ريقها ب صعوبة وهمست
-بابا!
-صدر عن مُحرم صوتًا دوى ك البرق: كُنتِ فين!
-همست ب تلعثم: كُ. كُ. كُنت. ف. تحت...
ضرب على ذراع المقعد ب قوة ف إنتفض وهدر ب صوتٍ جهوري
-كُنتِ عنده صح!..
تسارعت أنفاسها ب تحشرج لتقبض على جانبي ثيابها وأخفضت رأسها ب خذلان. ف إقترب منها مُحرم ونظر إليها نظرات تحتقرها ثم هدر
-مش عارف أقولكِ إيه! رخصتي نفسك لواحد حقير. لو رفضتي طلبه مش هيتردد ثانية إنه يشهر ب اللي حصل. إن الست هانم كانت عندي ف نصاص الليالي...
رُغمًا عنها تساقطت عبراتها ألمًا لما يقوله والدها. هو لقسوة حديثه مُحق. أبخست من قدر نفسها لذلك الشيطان الذي لن يتردد ب كسرها حتى ينالها.
تركها مُحرم ورحل لتبقى هي ب الصالة تنشج ب بُكاءٍ حار. تدمرت حياتها وهو من دمرها ولم يكتفي بل يتراقص على أطلالها
قبضت يدها ب قوة ف قست عينيها فجأة تنظر أمامها ب نظراتٍ فارغة.
بعد ساعة كان هو يجلس و أمامه مُحرم وجواره المأذون الشرعي وشاهدين. كانت تنظر إليه ب إزدراء وقسوة شديدين وأرسلان ينظر إليها ب سُخرية تجعل الدماء تغلي ب عروقها
حمحم المأذون الشرعي وقال ب إبتسامة
-نبدأ!
-نظر مُحرم إلى أرسلان ب تجهم وقال: لأ أنا مش موافق...
قست نظرات أرسلان دون أن يهتز جفنه وظل ساكنًا مكانه لا يتحرك. أما مُحرم قد تحرك ب مقعده يدلف إلى أحد الغُرف
نهضت سديم وقالت ب إنتشاء.
-بابا مش موافق وأظن إن كدا مفيش جواز...
لم تلن نظرات أرسلان بل تحولت ب الإضافة إلى قسوتها إلى أُخرى مُظلمة. تنحنح ب جواره المأذون الشرعي وقال
-إذن لا داعي لوجودي
-أردف أرسلان ب صوتٍ مُخيف: إقعد...
لم يحتج الرجل ل أن يُعيد حديثه مرة حيثُ جلس مرةً أُخرى صاغرًا خائفًا
نهض أرسلان ب ملل و وقف أمامها ثم همس ب نبرةٍ خالية من أي مشاعر
-إسعميني كويس أنا مش فاضي للعب العيال دا. خُشي نادي أبوكِ.
-هدرت بحدة: مقدرش أقنعه. وبعدين هو مش طايقك
-خلاص أخش أقنعه أنا...
دفعها ب قوة حتى ترنحت و سقطت جالسة فوف الأريكة. بينما دلف هو إلى الغُرفة التي إختفى بها مُحرم
ظلت سديم تنظر ب عدم تصديق إلى ما فعله. ضربت الأريكة ب قوة غاضبة وبقت تسبه ب سرها
بعد ثلاثون دقيقة
وجدتهما يترجلان خارج الغُرفة و والدها ينظر إلى الفراغ ب شرود وتعبير غامض لم تستطع تفسيره
دنت منه وهمست ب حيرة
-هو قالك إيه!..
نظر إليها مُحرم ب نفس الشرود قبل أن يُبعدها دون حديث وتوجه إلى جوار المأذون الشرعي ليقول بعدها ب جمود
-إبدأ يا شيخنا...
شهقت سديم واضعة يدها فوق شفتيها ب صدمة. إتسعت عيناها ونظرت إلى أرسلان والذي هو الآخر كان الغموض يُغلف ملامحه وقد زال قناع القسوة وحل مكانه قناع الجمود والجدية.
بدأت مراسم عقد القران وهي توزع أنظارها بين الجميع ب شرود وصدمة. كأن ما يحدث ما هو إلا عرض سينمائي وهي تحتل مقاعد المُشاهدين. كأن هذا الحدث لا يخصها وهي ليست المعنية ب الأمر
وجدت يده تُوضع ب يد والدها ف هوى قلبها ب قوة آلمتها. غلف حدقيتها غلالة من العبرات أبت أن تهبط.
وكما وضع يده ب يد والدها. نزعها منها ب هدوء دون إبتسامة ولكن ملامحه كان وكأنه قد ظفر ب جائزته بعد عناء. إنتهت المراسم ورحل الجميع وبقى ثلاثتهم
إبتعد أباها وقال ب جمود نزل ك وقع الصاعقة على قلبها
-تقدر تاخدها. بس الأول عاوز حد يرجعني الإسماعيلية
-بابا!..
همست بها سديم ب خذلان سببه كلمات والدها. إلا أن أرسلان لم يدع لها المجال لعتاب والدها إذ قبض على يدها وجذبها خلفه ثم أردف
-رجالتي تحت هيوصولك.
-دوى صوت مُحرم من خلفهما ب قوة: بنتي لو جرالها حاجة عمرك كله مش هيكفيني...
كانت صامتة، جامدة تمامًا ك تمثال حجري. وهو بجوارها يقود ب دوره دون حديث. الصمت لم يكن كئيب بل كان مُرعبًا
كان أول من قطع هذا الصمت قائلًا ب نبرةٍ مُخيفة سرت ب جسدها ك الصقيع
-دلوقتي نقدر نتم إتفاقنا...
على الرغم من ذلك الخوف الذي تمكن منها إلا أنها أردفت ب جفاء تمكنت من إتقانه
-مش هيتم حاجة إلا لما أطمن إن قُصي طلع...
رأت قبضتاه تشتد على المقوّد وعيناه تتجمع بها الشُعيرات الحمراء والتي تدل على مدى غضبه ب الإضافة إلى برزو عروق نحره. إلا أن صوته خرج هادئًا لدرجة تستدعي الغضب
-حاضر. هطمنك...
أخرج هاتفه ثم إتصل ب أحدهم ليُفعل خاصية المُكبر. ثوان وأتاه صوت الضابط
-باشا. إزي حضرتك!
-نظر أرسلان إليها وقال: الحمد لله. أنت أخبارك إيه؟
-تمام. أكيد حضرتك بتسأل عن قُصي باشا صح؟!..
تحفزت حواس سديم ب لهفة وحماس. وقد رأى هو إنعكاس ذلك الحماس ب لمعان حدقيتها الزرقاوين قبل أن يبتسم ويقول ب نفس هدوءه
-أكيد
-ضحك الضابط وقال: كله تمام. نزار باشا كلمني من ساعتين تقريبًا وقالي إنه هيتنازل...
ضمت سديم يديها إلى صدرها تذفر ب راحة وإبتسامة حنونة تتشكل على وجهها ثم تمتمت ب دُعاءٍ خافت إلتقطته أُذنيه ب براعة
خرجت إبتسامة هازئة من بين شفتيه قبل أن يقول
-تمام يا حضرة الظابط. تعبتك.
-لا أبدًا لا تعب ولا حاجة. حمد لله ع السلامة على خروج الباشا
-الله يسلمك...
أردف بها أرسلان وهو يُغلق الهاتف ثم عاد يدسه ب جيبه. ليلتفت إليها وهمس ب فحيح
-أظن كدا عداني العيب وأزح...
إنقبضت معالم وجهها وكأنها سقطت عن سحابة وردية لتحط فوق أرضية صلبة، سوداء. إنكمشت ب جسدها وإتهزت حدقيتها خوفًا. كادت أن تتحدث ولكنها قررت إبتلاع حديثها إلا أنها لن تستسلم. بل ستشتعل الحروب بينهما ونارها لن تنطفأ أبدًا.
وصلا إلى منزله ف ترجل وتحرك إلى مقعدها ثم فتح الباب و دون حديث سحبها من ذراعها. صرخت ب ألم وقالت غاضبة
-إيدي يا مُتخلف...
أدارها بلف ذراعها إليه ثم حدق ب عينيه المُخيفتين ب عينيها المُشتعلتين ب لهيبها الأزرق الغاضب. ليردف ب نبرتهِ الشيطانية
-أنتِ دخلتي مملكتي يعني هتعيشي ب قوانيني
-صرخت ب المُقابل: مش هكمل ليلة معاك. فاهم! أنت عاوز حاجة هتاخدها وتسبني...
تركها فجأة وهو يبتسم تلك الإبتسامة المُرعبة. وضع يديه ب جيبي بنطاله وقال ب فحيح
-وكأني هسمحلك تمشي...
إقترب خطوة ثم لكز جانب رأسها ب سبابته وقال ب جفاء
-حُطي ف دماغك. إنك مس هتمشي إلا لما أنا أأمر ب ده
-زمجرت ب شراسة دافعة إياه: حقير. كُنت عارفة إنك ملكش أمان
-ضحك وقال: وطالما مليش أمان وأنتِ عارفة! وافقتي ليه؟
-صرت على أسنانها وقالت: عشان حُرية قُصي كانت واقفة عليا.
-عاد يضحك ب قوة ثم قال ب سُخرية: ساذجة...
مدّ يده يجذبها من ذراعها ليدلفا المنزل. إنقبض قلبها وهي تخطو أول درجة ب الداخل
كان يسحبها خلفه ك الشاه هذه المرة أتاحت لعيناها التحديق ب الأثاث ومعالمه. كان يطغى على الأثاث اللون الأسود. والفضي مُمتزج ب الأسود يُزين الحوائط
لفت نظرها ذلك السكين الصغير الموضوع ب طبق الفاكهة. وعندما إقتربا منها جذبتها ب خفة دون أن يلحظ أو هكذا تظن تُخبأ إياها ب أكمام ثوبها.
دلفت إلى الغُرفة المخصصة لها دون نبس حرف. وهو يتبعها ب خطوات مُتمهلة، مُتأنية، قادرة على إذابتها وهو يعلم ذلك الخوف الذي ينخر عظام جسدها. وهذا جعله يبتسم ب قساوة وتلذذ. هو ليس ب سادي ولكن تلك المُتعة الخالصة وهو يُراقب الخوف المُنبعث منها جعله سادي تلك اللحظة.
قبضت على ثوبها تستمد منه قوة واهية ولكن كيف السبيل وهي ب عرينه، داخل منزله مرةً أُخرى، بل وكره الذي يبعث الرجفة ب القلوب. إستدارت إليه سريعًا ما أن أحست ب أنفاسه تحرق ظهرها ف ظهرت عظمتي لوح الكتف ب حركة لا إرادية
كانت إبتسامته أكثر ما تخشاه ب تلك اللحظة. وصوته الناعم الذي يردف به ب بحة رجولية مُميزة
-أتمنى الأوضة المتواضعة عجبتك...
نظرت إليه شزرًا ولم ترد ف إتسعت إبتسامته الشيطانية وإقترب خطوتين منها حتى أصبح المسافة بينهما مُنعدمة. شهقت وتراجعت ولكنه لم يسمح لها. بل أمسك ذراعها ب قوة جبارة وهدر من بين أسنانه
-دلوقتي مفيش حاجة تقدر تمنعني عنك يا دكتورة...
صرت على أسنانها وهي تلعب ب أخر بطاقة رابحة لها. وضعت ذلك السكين متوسط الحجم على عنقه وهي تقول ب غضب وعينين تلمعان ك عيني قطة
-ومفيش حاجة تمنعني عن قتلك دلوقتي...
إلتوى فمه ب شبه إبتسامة أكثر قساوة وأكثر رُعبًا من سابقتها. نظر إلى السكين من طرف عينه ثم إليها. وعيناه تُطالعها ب مكر. لم تعي ما حدث إلا وهي تشهق ألمًا من فعلته. حيثُ أمسك معصمها وأداره خلف ظهرها مُقربًا نصل السكين منه
إتسعت عيناها ب صدمة ولا تعرف أتبكي ألمًا لذراعها الذي على وشك الكسر! أم عضلات جسده الصخرية التي على وشك تحطيم قفصها الصدري وهو يضمها إليه!
إقترب ب رأسه من أُذنها وهمس ب فحيح أفعى جعل بدنها يقشعر
-حتى لو قتلتيني. مش هتقدري تهربي من سجني أبدًا...
صرخت هذه المرة ب ألم طاحن لها. وهو يضغط ب يده أكثر على معصمها مُقربًا السكين أكثر إلى ظهرها حيثُ سبب جرحه وتمزيق الثوب. يدها الحُرة هي ما أحالت دون وقوعه عن جسدها.
دفعها بعيدًا ف أسقطت السكين مُحدث دوي يقطع ذلك الصمت. نظر إليها ب نظرات أحرقتها ثم إستدار ورحل واضعًا يده ب جيبي بنطاله ويُطلق صفيرًا مُستمتعًا وكأن شيئًا لم يكن
وقبل أن يخرج من الغُرفة إستدار إليها مرةً أُخرى وأردف ب سُخرية
-وعلى فكرة سواء بيكِ أو لأ كان قُصي هيطلع. مش مستني أعمل صفقة عشان أخرجه. بس حبيت أكافئ نفسي. بيكِ...
جمدتها عبارته الذي ألقاها ب سُخريةٍ ذبحتها وجعلت نيران الحقد تشتعل بها أكثر. صرخت ب قهر ثم سقطت جالسة تضرب الأرضية الصلبة ب قبضتيها تنعي حالها
أما أرسلان بعدما خرج من غُرفتها توجه إلى تلك الغُرفة المُحرمة. أضاء الأنوار ثم توجه إلى حائط ب عينه ثُبتَ عليه عدة صور فوتوغرافية لعدة أشخاص.
جذب قلمًا ما ثم وضع دائرة حول صورة ب عينها واضعًا ب جوارها علامة صواب وكأنه أنجز مُهمةً ما. ظل يُحدق ب تلك الصورة وما بجوارها ب نظرات قاتمة
الصورة الأُخرى كانت لطبيب ثلاثيني يبدو ألماني الجنسية. عادة ب بصره إلى الصورة الأولى وكتب أسفلها اسمًا ما ولم يكن سوى اسمها
سديم...