قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ملكة على عرش الشيطان للكاتبة إسراء علي الفصل الثالث والثلاثون

رواية ملكة على عرش الشيطان للكاتبة إسراء علي الفصل الثالث والثلاثون

رواية ملكة على عرش الشيطان للكاتبة إسراء علي الفصل الثالث والثلاثون

لا تذهب، لا تحضر، لا تقترب، لا تبتعد
لا تهجرني، لا تلتصق بي، لا تُضيعني، لا تؤطرني
ولنطر معًا في خطين متوازيين
لا يلتقيان
ولكنهما أيضًا لا يفترقان...
صعد الدرج ب خُطىٍ تكاد تكون ملحوظة بسبب إصابته إثر سقوطه فوق الأرض القاسية. إتكئ إلى الحاجز يلتقط أنفاسه ثم أكمل الصعود
أخرج مفاتيح شقته وفتح الباب ثم دلف ليتفاجئ ب تلك التي إنطلقت توبخه دون ملاحظة حالته
-كُنت فين! قلقتني يا قُصي...

وإلتفت قُصي. وليته لم يلتفت فما أن نظرت إليه وإلى جراحه حتى إنطلقت صرخة أفزعته ليركض إليها دون أن يأبه ل الألم ثم كمم فمها وهمس ب إستنكار
-بس يا رحمة مالك! الله شوفتي عفريت؟
-أبعدت يده ثم تساءلت ب خوف: إيه اللي عمل فيك كدا!..
إبتعد عنهت ثم توجه إلى الأريكة يرتمي ب ثقلهِ عليها لتخرج أهه قوية من بين شفيته ف أغمض عينيه قليلًا.

توجهت إليه رحمة ب عينين هلعتين تنظران إلى جراحه ب رهبة لتجثو أمامه مُتساءلة ب تلعثم
-هو. هو. إيه. اللي حصل. ولا إتخانقت. مع مين!
-إبتسم قُصي ب سُخرية وقال: أنتِ متجوزة ظابط يا رحمة مش مكوجي...
تجاهلت سُخريته لتنهض مُتساءلة ب قلق ظهر رُغمًا عنها ب نبرتها المُرتجفة
-أنا هجبلك هدوم نضيفة وأجي أنضف جروحك...
تحركت عدة خطوات قبل أن تقف وتتراجع مُتساءلة ب تشكك
-مش محتاج تروح المستشفى أحسن!

-إبتسم ب تأوه قائلًا: لو كنت محتاج مستشفى كنت رحت. متقلقيش أنا كويس...
أومأت ب تردد بعد أن نظرت إليه لعدة لحظات ثم ركضت إلى غُرفتهِ لتُحضر ثيابه وبعض المواد المُطهرة
عادت لتجده قد تجرد من ثيابه لتُخفض رأسها ب خجل هامسة لنفسها ب عتاب
-وبعدين بقى يا رحمة! ما تثبتي كدا دا جوزك يعني مش حد غريب
-أنا فعلًا مش غريب. ما غريب إلا الشيطان يا رحومي...

وصلها صوته العابث لتشهق وهي تعي أن صوتها قد وصله. ضربت جبهتها ب كف يدها ثم توجهت إليه مُخفضة الرأس غيرُ قادرة على مواجهته لذلك الموقف الذي وضعت نفسها به
حمقاء. همست بها لنفسها متى ستكف عن عادة الحديث وكأنها ب مفردها ف دائمًا ما يخونها لسانها وينطق بما لا تُحمد عُقباه
تنحنت ب حرج ثم جثت أمامه وبدأت ب مسح جسده الأول ب الماء تُنظف الجروح من الأتربة ثم بدأت ب تعقيمها.

تأوه قُصي حينما إشتدت يدها فوق أحد الجروح المُؤلمة تقول بسرعة مُتداركة الأمر
-آسفة. آسفة مكنش قصدي
-تحسس مكان الجرح وقال: ولا يهمك. أنا اللي بقيت خرع من الركنة...
ضحكت رحمة رُغمًا عنها ثم قالت ب عتاب مُمتزج ب الرقة. أصابته هذه المرة
-دا وقته ب ذمتك!
-نظر إليها وقال ب هدوء: شوفتك خايفة ف حبيت أطمنك
-إبتلعت ريقها وتساءلت ب إهتزاز: بجد كويس!
-إبتسم وأردف: بجد كويس...

إبتسمت وأومأت ب خفة ثم أكملت ما تفعله. مسحت جسدهِ مرةً أُخرى وبعدها ألبسته ثيابًا جديدة
نهضت ثم قالت ب هدوء وهي تُلملم ثيابه المُمزقة
-هروح أحضرلك الأكل و مسكنات عشان الوجع...
كادت أن ترحل ولكنه أمسك كف يدها ثم قَبّلها برقة ف إرتعشت بين يديه وعيناها تتسعان ب غيرِ إرادتها
-تسلميلي يا رحمة
-إبتسمت وهي تسحب يدها ثم قالت ب إهتزاز: ع. عفوًا. ب. بعد. إذنك...

ثم ركضت إلى الداخل ليضحك قُصي ب خفوت حتى لا يُصيبها الحرج أكثر. يتأمل المزيد. يتأمل إستقرار وحياة جديدة. فُرصة أُخرى تُوضع بين يديه على طبقٍ من ذهب وسيكون غبيًا إن لم يستغلها
هو ضابط ويعي أن الفُرص لا تُعوض. الحياة لا تُعطي الكثير ورحمة فُرصته سيستغلها وسيربح بها وب حياةٍ جديدة. سيربح الجميع كما يأمل.

فتحت سديم جفنيها ب صعوبة بالغة ثم تململت ب تأوه لتلك الوضعية المُؤلمة لعنقها. شعرت ب يده تُداعب خُصلاتها ب لمسات خفيفة تكاد تكون محسوسة لترفع رأسها بغتةً لتجده ينظر إليها ب عُمق غريب أصاب جسدها ب قُشعريرة إلا أنه إبتسم تلك الإبتسامة الدافئة والتي تُفقد قلبها صوابه ثم أردف ب نبرةٍ ثقيلة
-صباح الخير
-إبتلعت ريقها ب توتر وقالت: صباح النور...

حاولت النهوض ليُبعد يده عن خصرها المُقيد لحركتها ف جلست ثم سألته ب إهتمام وهي تُبعد كنزته لترى الجرح
-أنت كويس! حاسس بوجع أو حتى الجرح بيحرقك!..
حرك رأسه نافيًا ثم إستوى جالسًا لتنهض هي قائلة ب جدية
-هقوم أحضر الفطار وأجبلك الدوا
-ضحك أرسلان وقال ب سُخرية: هتحضري الفطار ولا دي طريقة سريعة عشان تتخلصي مني!
-نظرت إليه ب نظرات قاتلة ثم هدرت ب حنق: الحق عليا عاوزة أغذيك.

-أشار ب يده وقال ب لا مُبالاة: روحي. روحي ربنا يستر...
تأففت ب حنق ثم نهضت سريعًا تُحضر بعض الطعام الصحي ب مُساعدة سُمية التي هاتفتها
-ست سديم! ليكِ وحشة والله...
إنطلقت العبارة من فم سُمية ب دهشة وسعادة ب الوقت ذاته لتبتسم سديم قائلة
-أزيك يا سُمية وإزي بابا! كويس؟
-أه كويس يا حبيبتي
-تساءلت سديم ب تردد: طب. طب هو مسألش عليا ليه!

-حمحمت سُمية ب حرج وقالت: من ساعة أما عرف إنك عملتي حادثة وهو بيلوم نفسه. لو مكنش طلبك مكنش دا حصل
-هتفت سديم سريعًا: أنا كويسة. عاوزة أكلمه هو فين!
-هو نايم عشان كنا عند الدكتور إمبارح...
تمسكت سديم ب حافة الطاولة ب قوة ثم تساءلت ب خوفٍ غلف حروفها التي خرجت مُبعثرة من بين شفتيها
-ب. بابا جراله. جراله حاجة!
-أردفت سُمية سريعًا: لالالا. هو الحمد لله كويس أوي متخافيش. دا معاد الكشف الدوري.

-وضعت سديم يدها فوق صدرها وقالت ب راحة: الحمد لله...
صمتت سديم لعدة لحظات ثم عادت تتحدث
-احم سُمية كُنت عاوزة أسألك على حاجة!
-أؤمري يا ست سديم
-عاوزة أسلق فراخ وأعمل رز
-تساءلت سُمية ب عقدة حاجب: خير يا ست سديم! أنتِ عيانة!..
وضعت سديم يدها خلف عنقها ثم أردفت ب حرج
-لأ مش أنا. أر...
صمتت سديم ب حرج وهي تستشعر وجنتيها تلتهبان ب حرارة حارقة لتقول ب عصبية مُفرطة
-أووووف. إيه يا سُمية! هتساعديني ولا لأ؟!

-طب خلاص خلاص يا ست سديم إهدي. ركزي معايا ف اللب هقوله...
تتبعت سديم إرشادات سُمية لتحضير الطعام من أجل ذلك المريض ب الخارج
رتبت الأطباق و وضعت ب جوارهم بعض الأقراص اللازمة ثم حملتهم و خرجت إليه
كان لا يزال جالسًا ب وضعيتهِ السابقة دون حراك. لتأخذ سديم نفسًا عميق ثم توجهت إليه واضعة الطعام فوق ساقيه وأمرته ب صرامة وإرتباك
-كُل. وخُد دواك
-تعالي إديني قلمين أحسن. بتتكلمي كدا ليه!..

نظرت إليه ب حنق وعيناها تزجراه ب نظرات قائلة ليضحك أرسلان ب سُخرية ثم نظر إلى الطعام وقال ب شك
-الأكل دا مضمون؟!
-أردفت سديم ب غرور وهي ترفع ذقنها: مش محتاج تسأل على فكرة. أنت مطولش أصلًا تاكل أكل أنا عملته...
نظر إليها ب سُخرية جعلت وجهها يستشيط إحمرارًا ليتلقط الملعقة ثم بدأ ب تناول حساء الدجاج الساخن. ف نظرت إليه سديم ب ترقب قبل أن يردف هو دون النظر إليها
-الظاهر تعليمات سُمية جت ب فايدة...

عضت على شِفاها السُفلى ب حرج إلا أنها قالت ب إباء
-بس برضو أنا اللي عملته...
حرك أرسلان رأسه ب يأس ولم يرد بل أكمل تناول طعامه ب سكون وهي ظلت تتأمله ب عُمق واضح. تتعجب تلك الشخصية الغامضة.

أرسلان مُتقلب. شخصية ليست مزاجية بل أن مشاعره غيرُ واضحة. ما يجيش ب داخله لا تبوح بهِ عيناه. إن كان لكل قاعدة شواذ ف هو يُمثلها و ب براعة مُنقطعة النظير. لا تستطيع التنبؤ بما يُفكر به. بينما هي ب النسبةِ إليه سهلة القراءة والتنبؤ
تنهدت سديم ب تعب لينظر إليها أرسلان مُتساءلًا
-مالك!
-حركت سديم رأسها ب نفي وقالت: مفيش حاجة. بس بسأل إيه اللي حصل إمبارح؟!..

ظل ينظر إليها مطولًا دون حديث وتعابير وجهه لا تحمل أي مشاعر تنتمي إلى البشر ب شئ حتى ظنت أنه لن يُجيب إلا أنه قال ب هدوء أصابها ب رجفة لا تعلم سببها
-كنت بصفي حساب طال سنين...
لن تسأل. هي تعلم مقصده وتعلم أن مقصده لن يُعجبها إذا أجاب ب وضوح. أكثر ما يُخيفها منه هو ذلك الهدوء وحديثه الهادئ عن ماضيه وإنتقامه. نعم هي تخشى أرسلان أكثر مما تظن.

في صباح اليوم التالي
كان جالسًا ب فراشهِ لم يذهب إلى العمل ينتظر الإفطار. رحمة لطيفة مُنذ الأمس ولكنها تتجنبه بعد تلك القُبلة البريئة ليدها وهي تتحاشها وتتجنب الجلوس معه حتى أنها تعللت ب نومها جوار صغيرها حتى لا تُزعجه أثناء نومه
تنهد قُصي ثم قال وهو يحك خُصلاتهِ السوداء ب تبعثر
-لسه قدامنا مشوار طويل يا رحمة. مشوار طويل ومُتعب...

نهض بعدما أتعبه الجلوس هكذا ليتجه إلى الخارج ف وجد رحمة ويتبعها وليد حاملًا الطعام قادمان إليه ولكنها توقفت قائلة ب دهشة
-قُصي! قومت ليه من السرير؟ إحنا كنا جايين
-مفيش داعي. تعالي نفطر كلنا سوا
-أومأت ب خفة: طيب ثواني بقى أجيب باقي الأكل...
تقدم قُصي من وليد ليأخذ الطعام من يده وقبل أن يرحل إنحنى يُقبل وجنتة رحمة ب خفة ثم همس ب إبتسامته الرائعة
-صباح الخير
-أجابته ب عينين مُتسعتين: ص. صباح الخير...

ثم ركضت مُسرعة إلى الداخل ليسمع صوت الصغير يقول ب براءة
-مقولتليش صباح الخير...
إنحنى قُصي يُقبله ثم قال ب إبتسامة
-صباح الخير يا وليد
-صباح النور. يلا نحط الأكل عما ماما تيجي...
توجها إلى الطاولة يضعان فوقها الأطباق لتنتضم إليهما رحمة تُكمل ما تبقى.

حرصت على الجلوس ب أبعد مقعد عنه. قُصي يتصيد كل فرصة من أجل الإقتراب منها. هي تعلم أن ذلك الإقتراب بلا مشاعر وهي ترفض أن تكون ليس أكثر من دواء مُؤقت لروحهِ المُشتتة. لروحهِ المُعلقة ب أُخرى
مسحت رحمة جبهتها ثم بدأت ب تناول الطعام ولكن سؤال قُصي جعلها ترفع رأسها إليه مذهولة
-قاعدة بعيد ليه يارحمة! مش ملاحظة إنك بتتجنبيني من إمبارح؟
-تلعثمت وهي تُجيب: ل. لأ آآ. أبدًا
-طب تعالي قربي مني...

تصاعدت ضربات قلبها وهو يخصها ب الإقتراب منه. يُريدها أن تقترب منه كما يفعل هو معها. وضعت الخُبز الذي ب يدها وقالت ب خفوت
-أنا مرتاحة كدا
-تنهد قُصي وقال: معلش تعالي على نفسك وإرتاحي جنبي...
قبضت على غطاء الطاولة ب كل قوتها ترفض النهوض ولكن نظرات قُصي التي تخترقها جعلتها تنهض صاغرة. إلا أن صوت الطرقات كان نجدتها لتقول مُسرعة
-هروح. أفتح الباب...

ثم إنطلقت من فورها دون أن تنظر إلى تعابير وجههِ المُبتسمة ب دفئ
فتحت الباب لتجد عامل تسليم يقف مُرتديًا زيًا موحد كُتب فوق كتفه الأيمن اسمه. إبتسم العامل وقال ب هدوء
-صباح الخير. حضرتك مدام رحمة!
-قطبت حاجبيها وأجابت: أيوة أنا. خير؟!..
مدّ يده ب صندوق أبيض لتلتقطه وهي تنظر إليه ب غرابة ليمدّ يده مرةً أُخرى ثم أردف
-ممكن تمضيلي هنا!
-طب أفهم إيه دا؟!
-دا طرد ب اسم حضرتك من المحل اللي بشتغل فيه...

زادت تقطيبة حاجبيها ولكن الفتى عاد وقال
-معلش يا مدام محتاج إمضتك على استلام الطرد
-أه طيب...
وضعت الصندوق جوارها ثم إلتقطت منه الورقة وخطت اسمها بها ثم أعطته إياها ليُحيها ويرحل
أغلقت رحمة الباب ثم نظرت إلى الصندوق ب تشكك ولكنها توجهت إليه وفتحته. لتتسع عينيها ب ذهول وهي ترى ذلك الثوب الكلاسيكي الذي أعجبها. بين يديها ولا تدري كيف وصل إليها
سمعت صوته الرخيم يأتيها من الخلف.

-بعد كدا لما عينيك تلمع ب حاجة عجبتك. متحرميش نفسك منها...
إلتفتت إليه سريعًا تنظر إليه ب عدم تصديق قبل أن تركض مُسرعة تتشبث ب أحضانهِ غيرِ أبهه ل جروحهِ
تأوه قُصي ولكنه ضمها إلى صدرهِ وهمس ب أُذنها
-أصل مينفعش مراتي تحب حاجة ومجبهاش...
إبتعدت تنظر إلى عينيهِ وهي لا تزال بين أحضانه ثم همست ب ذهول
-أنت جبته عشاني!
-ضحك وقال: أومال عشاني...
عادت تُعانقه ب قوة و ب دورهِ حاوط خصرها لتقول ب قوة مُماثلة.

-شكرًا. شكرًا يا قُصي. متعرفش أنا مبسوطة أد إيه
-تساءل ب ذهول: كل دا عشان فستان؟!..
أحس ب يدها تتشنج فوق قميصهِ ثم قالت وهي تدفن وجهها ب عنقهِ
-لما كُنت بحب أشتري حاجة مكنش بيرضى. وكُنت. كُنت بتهان...
قست عيني قُصي ليربت على ظهرها ثم قال ب هدوء يُنافي قساوة عيناه
-هششش. كل دا ماضي يا رحمة. أنتِ هنا معايا دلوقتي. اللي تحلمي بيه شاوري عليه. دا دوري...
أومأت ب رأسها ثم قالت وهي تبتعد عن أحضانهِ ب حماس.

-هروح أجرب الفُستان...
إتكئ إلى الحائط جواره ثم قال ب إبتسامة مُتأملًا تلك العينين اللامعتين
-يلا أنا أصلًا عاوز أشوفه عليكِ...
ركضت إلى الداخل ولكنها عادت مرة تُقبل وجنته ب خفة ثم أردفت ب خجل وهي تركض مرةً أُخرى إلى الداخل
-شكرًا يا حظابط قُصي...
وإبتسم حظابط قُصي وهي يضع يده فوق وجنته ف تتسع إبتسامته أكثر.

إنحنت تحمل الطعام ولكنها تذكرت أنها تُريد أن تختبر درجة حرارته. تنهدت ب قنوط ف كيف لها أن تفعل وهي تحمل الطعام ب يدها
لم تجد بدًا أن تنحني أكثر وتضع وجنتها فوق خاصته. رفع أرسلان حاجبه ب تعجب إلا أنها إبتعدت وقالت ب إرتياح
-الحمد لله مش سخن
-حك ذقنه وقال: أنتِ كُنتِ بتشوفيني سخن ولا لأ!..
أومأت وكادت أن ترحل ولكن يده حاوطت خصرها ثم جذبها لتسقط جالسة فوق قدميه وتسقط الأطباق مُحدثة دويًا عال.

شهقت سديم ثم قالت ب حنق وهي ترى الأطباق وما تبقى بها من طعام مُتناثر
-ينفع كدا!..
تجاهل أرسلان حنقها البادي على ملامحها ليحكم يده حول خصرها ثم تساءل ب خُبث
-قوليلي بقى كُنتِ بتعملي إيه!
-تأففت ب ضيق وقالت: بشوفك سخن ولا لأ
-اممم. بس مش هما غيروا الطُرق دي
-قطبت جبينها وتساءلت: إزاي؟!
-همس ب خُبثٍ مُماثل لملامحه: كدا مثلًا...
ثم إنحنى يُقبل شفتيها ب عُمق ليبتعد بعدها وهتف
-أو كدا...

قالها ثم إنحنى يُقبل نحرها وهي بين يديه ترتجف ب إبتسامة خجولة. تُحاول التملص من بين يديه. ف إبتعد وقال ب عبث
-أو كدا...
شهقت سديم وهي تستشعر يده توضع فوق ظهرها لتُبعد يده سريعًا ب خجل وإرتباك ثم أردفت ب صُراخ
-مينفعش كدا. بطّل لازم أغير على الجرح
-امممم. طيب...
ثم تركها لتنهض هي سريعًا تنفض خُصلاتها ثم إنحنت تُلملم الأطباق وهرعت إلى المطبخ.

وضعت الأطباق من يدها لتضعها فوق الطاولة الصغيرة. ثم عادت إلى أحد الغُرف لتجلب صندوق الإسعافات الأولية ويكاد قلبها يقفز من صدرها
وضعت الصندوق فوق الأريكة ثم إتجهت إليه وعاونته ب نزع الكنزة. حدقت ب ذلك الحرق الهائل ب ظهرهِ ب نظرات مُشفقة. تحسستها قائلة ب خفوت
-حصلك ف اليوم دا مش كدا!..
أومأ ب خفة دون أن يرد. تجعد وجهها أكثر ب حُزن. لتجد نفسها تتحسسه وكأنها تُخفف عنه ألم ذكرى ذلك اليوم.

مدّت يدها تلتقط المقص ثم قطعت الضماد الطبي وتفحصت الجرح. لتقول بعدها ب هدوء
-الحمد لله حتى الجرح ملتهبش. أنا كنت بشوف حرارتك عشان المكان مش متعقم ف خُفت الجرح يحصله حاجة ف تسخن...
أكملت عملها ب هدوء و ب النهاية وضعت ضمادة جديدة ثم ألبسته الكنزة مرةً أُخرى. لتسمع صوته يقول ب هدوء
-إحنا لازم نرجع...
وب الليل كانا ب السيارة يصلان إلى مشارف المدينة. تنهدت سديم قائلة ب قنوط.

-مكنتش عاوزة أرجع. المكان هناك حلو
-رد عليها ب هدوء: هبقى أخدك هناك تاني
-كُنت سبتني هناك ورجعت أنت...
كانت السيارة قد شقت طريقها إلى المنزل ليرد عليها هو ب جدية وخشونة
-المكان هناك مش أمان عشان أسيبك لوحدك
-أووووف...
وصلا إلى المنزل ليترجل ثم تبعته هي وعادا إلى حيث إلتقيا.

دلفت إلى الداخل تتطلع إلى أرجاء المنزل ب نظرات غريبة وكأنه ليس ب منزله. ذلك الكوخ البيسط كانت تشعر به ب الحميمية والراحة. يحمل ذكريات لن تنساها أبدًا
دفعها لتدلف وهو تبعها وما كادا أن يخطيان خطوة حتى هرولت خادمة تهتف ب ترحيب
-حمد لله ع السلامة...
أومأ أرسلان وكاد أن يرحل إلا أن الخادمة قالت كما أُخبرت تمامًا أن تقول
-أرسلان باشا! الست جميلة تعبانة جدًا ومعرفناش نوصل لك يا باشا.

-رد أرسلان ب فتور: طيب طالع أشوفها...
قلبت سديم عينيها ب ضجر ولكنها أحست ب نيران تندلع بها وهي تراه يصعد إلى غُرفة جميلة. لتوقفه دون تفكير
-أستنى أنا طالعة معاك...
قطب أرسلان حاجبيه ف إرتبكت قائلة تُخفي غيرة أُنثى تأبى أن تُشاركها أُخرى ب زوجها
-يعني أنا دكتورة وأقدر أكشف عليها
-إبتسم أرسلان إبتسامة ذات مغزى وقال: إتفضلي يا دكتورة...

ضيقت عينيها ب غيظ وهي تعلم أنه إستشعر غيرتها إلا أنها رفعت ذقنها قائلة ب صوتٍ يحمل من الغيظ ما يكفي لإغراقهِ
-ثانية هجيب حاجتي...
صعدت تجلب حقيبتها الطبية ثم توجهت إلى غُرفة جميلة حيث ينتظرها أرسلان. فتح الباب ولا تزال إبتسامته مُرتسمة على شفتيه ف همست ب حدة
-شيل الإبتسامة دي عن وشك...
إتسعت إبتسامته أكثر لتضرب الأرض ب حنق ثم دلفت.

كانت جميلة تستلقي فوق الفراش ب ثيابٍ فاضحة كما توقعت سديم. لا تضع الغطاء فوقها ب غرض إغراءهِ ولكنها ستفسد كُل مُخطط تفعله لإستدراج أرسلان. هي لا تغار ولكنها تأبى أن تُشاركها أُخرى به. خاصةً وأنها حاولت قتلها من قبل. ف هي لا تغار أبدًا. هي لا تُريد لتلك الأفعى الربح. وأخيرًا هي لا تغار
ضيقت عينيها ب غضب. إلا أنها تقدمت منها وهي تُقسم أنها ستُفسد ما تسمو إليه نفسها.

إتسعت عيني جميلة ب ذهول ثم عادت تضيق ب غضب وحدة ما أن وجدت سديم جوار أرسلان الذي يقف عاقدًا ذراعيه أمام صدرهِ ويُحدق بها ب جمود
جلست سديم فوق حافة الفراش لتربت على ساق جميلة ب قوة خفيفة
-سلامتك يا شابة
-أجبرت جميلة نفسها لترد ب إبتسامة ناعمة: الله يسلمك. أسفة هتعبك
-عادت تربت وهدرت من بين أسنانها: تعبك راحة يا حبيبتي...
فتحت حقيبتها ثم أخرجت سماعتها الطبية لترتديها مُتساءلة ب صوتٍ مكتوم.

-حاسة ب إيه! إحكيلي...
وضعت جميلة يدها فوق بطنها وهمست ب نبرتها المبحوحة تنظر إلى أرسلان ب نظرات شبه ناعسة
-حاسة بدوخة رهيبة وبطني بتوجعني
-رفعت سديم حاجبيها وردت ب سُخرية: يا ضنايا...
وضعت السماعة الطبية فوق صدر جميلة ف أبعدت حمالة الثوب لتُعيدها سديم ب حدة قائلة ب غيظ
-ملوش لزوم يا حبيبتي. مش هو دا اللي مخبي...

نظرت إلى أرسلان الذي كان ينظر إلى جميلة ف إشتعلت عينيها غيظًا. عادت تلتفت إليها وأكملت فصحها حتى إنتهت. لينطلق السؤال من فمهِ ب نبرةٍ عادية
-هي كويسة!..
نهضت سديم ب حدة لتنزع السماعة الطبية ب غيظ تضعها ب يده ب قوة هادرة ب قنوط وحنق
-كويسة يا باشا. دا كُهن ستات مش أكتر...

وتعمدت وهي ترحل أن تصطدم ب كتفهِ المُصاب ليبتسم على الرغم من تألمه ولكنها لم تأبه بل خرجت وصفعت الباب خلفها ب قوة لم يتخيل أنها تمتلكها
إقترب أرسلان من جميلة التي تعتدل ب دلال جالسة ثم إنحنى إليها وهمس ب جفاء قاسي ونبرة صلبة
-حركاتك الرخيصة دي مش هتحرك مني شعرة يا جميلة. إحذري بقى صبري...
إتسعت عيناها ب خوف و رهبة. كادت أن تتحدث ولكنه تركها ورحل ليصفع هو الآخر الباب ب قوة إهتزت لها حوائط الغُرفة.

وب الغُرفة المجاورة كانت هي تجلس فوق الفراش تهز ساقيها ب عصبية مُفرطة تتساءل ب حدة
-هو بيعمل عندها إيه! أنا قولتله كويسة!..
نهضت عن الفراش تشد خُصلاتها ثم قالت وهي تزرع الغُرفة ذهابًا وإيابًا
-وأنا مالي. ما يعمل اللي يعمله. أنا ميهمنيش...
نزعت سُترتها من خامة الچينز تُلقيها ب قوة فوق الفراش هادرة
-أنا مش بغير. أنا مش بغير. خااالص. مش بغير نهائي...

وضعت يديها حول جبهتها ثم أعادت خُصلاتها بهم لتُحيط عُنقها هامسة ب يأس وهي تنظر إلى إنعكاسها ب المرآة
-أنا مش بغير...
أغمضت عيناها ولتأتي ب عقلها صورة لهما. أرسلان يُعانق تلك الراقصة ويُقبّلها. لتعود وتفتح عيناها سريعًا ترفض تلك الفكرة وترفض ذلك الإحساس. إلا أنها وجدت شفتيها تقول ب قوة دون أن تعي
-لأ أنا بغير،.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة