قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ملاذي للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثامن

رواية ملاذي للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثامن

رواية ملاذي للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثامن

لم تتحمل جميله الخوف والقلق لتخرج من مخبأه وهي تستمع الي صيحات محمد امامها والحارس المحذر من خلفها...
ركضت بسرعه نحو البوابة لتفاجأ بماجد غارق في دماءه بين ذراعي محمد شهقت بهلع وهي تضع كلتا يداها على فمها ليتخطاها محمد بغضب و كأنه رأي شيطان امامه ليسرع نحو السيارة وهو يمطر الحارس بوابل من الشتائم ويردف بغضب لها...
-اركبي العربية مفيش وقت، الراجل هيموت في ايدي!

تحركت كالمغيبة تركب بجوار السائق وتنظر الي الخلف ببكاء لا يتوقف وهي تري محمد يحاول مساعدته باي طريقه ويخلع قميصه يضغط به على الحرج وهي تنظر حولها تحاول مساعدته!
بينما رفض محمد مقابله عيونها ويشعر بغضب عارم لابتعاده عن مهمته وترك نفسه مسيرا خلفها بدون اي تركيز ليكون هو السبب الاول في كل ما يصيب والده!
-باااباا انت سامعني، حاول متستسلمش للنوم وافتح عنيك ارجوك يا بابا!

التفت الي السائق وهي تري عيونه مشتعله بغضب وجنون ليردف...
-اجري بسرعه!
بعد دقائق وصلوا الي اول مشفي بالقرب منهم ليهرع محمد حاملا اياه الي الداخل...
تم استدعاء الاطباء و اتجه الجميع الي غرفه العمليات...
وقف محمد كالتمثال خارج الغرفة لا يتحرك منه الا ارتفاع صدره وانخفاضه...
كان الغضب وتأنيب الضمير ينهش داخله وخوفه على ماجد يكاد يفقده عقله!
توجهت تواسيه بخوف فقد استمر بإرعابها بنظراته كلما اقتربت منه...

رفعت يدها تلامس قبضته بجواره ليجذبها بحده وكأنها تكويه بنار و ينتقل بعيون مشوشه غائمة نحوها...
ارتعبت قليلا من رد فعله لتردف بخفوت...
-انت كويس يا محمد؟!
هز رأسه بالنفي وهي تري عيونه تتجمد بمشاعر اقوي من ضربات السكين داخل صدرها!
-ابعدي عني!

في بني سويف...
كان فهد كالبركان فهد مضي ثلاث ليال معها ويشعر انه على وشك قتلها هي وعائلته التي تدخله في دوامه من الاحاديث والتفاهات...
اقترب منها وهي ترتب غرفه الطعام لتلمحه وتبتعد الي غرفه اخري هاربه بعيدا مالمعتاد منذ ما حدث بينهم ؛ شعر بحراره وهو يتذكر قبلاته على بشرتها الناعمة!
ابعد تلك الافكار سريعا عنه وهو يتبعها ليردف بحنق...
-حياة!
وقفت بلا مبالاة لتردف...
-نعم تؤمرني بحاجه!

حك انفه بغيظ قائلا...
-عايز اشرب!..
لمعت عيناها بغضب طفيف وتوجهت دون اي كلمه الي المطبخ لإحضار الماء...
فرك رأسه بغيظ على غباءه ليري عمر اخيه ينظر له بحاجب مرفوع!
-مالك يا فهد انت عيان ولا ايه!
-احم لا اصل كنت عطشان...
ارتفع كلا حاجبيه وابتسم ليردف...
-انت كده المفروض بتصالحها يعني، لا واعر يا خويا!..
نظر له فهد بغضب...
-واد انت اتلم انا اخوك الكبير وبعدين اصالح مين وليه يعني انا مش غلطان معاها في حاجه!

وقف عمر وهو يلملم اوراق دراسته ليردف بلامبالاة والتي كانت سببا بان تتغير لهجه الشباب عن والداهما بلهجتهم الصعيدي الصرف فأصولهم تأتي من قلب الصعيد..
-صحيح انا مالي، اللي بيشيل اربه مخرومه بتخر على دماغه...
كاد فهد يصفعه على رأسها عندما دلفت حياه واعطته الماء بغيظ لتقول وهي تجز اسنانها...
-بالشفا...
ابتسم بسخريه ليردف..
-قصدك بالسم الهاري، ما تفردي وشك ده!
رسمت ابتسامه مصطنعة على وجهه لتقول...

-تؤمر بحاجه تانية؟!..
ضحك عمر بخفه فرمقه فهد بنظره اخرسته، ابتعد فهد وهو يخبرها...
-خلصي اللي وراكي واطلعي انا عايزك!
خجلت قليلا من ان تقع الكلمات بالفهم الخاطئ على عقل عمر الذي يلاحقها في كل مكان ويحثها على استماله اخيه وكأنها قصرت في شيء من قبل، هذا الدار نسي ان خيار البعد كان منه هو وحده ولم تكن هي طرف فيه!
-حاضر...

ابتعد فهد فتوجه عمر لها سريعا يجذب قطعه القماش المتسخة من يدها وهو يدفعها بالقوة خلف اخيه ويخبرها بعينيه ان لا تنسي وصاياه العشر...
تمتمت بغيظ...
-انت مزقوق عليا يا ابن الحلال ما تبعد عني!
التفت اليهم فهد فابتسم له عمر وهو يحرك القماشة في الهواء وكأنه يبعد حشره فرمقهم نظره شك واستكمل طريقه...
زفرت وتركت عمر تلعنه في سرها لتذهب في اعقاب زوجها...
دلفت خلفه وهو يمسك الباب لها...
الان يظهر جانبه المهتم!..

اعصابها تحترق مع مرور كل دقيقه ومصيرها يتقرر امامها بصمته حول مصيرهم معا...
فاستنتجت انه قرر المتابعة في حياته والسفر وتركها ولكنها قررت التدخل في قراره هذه المرة ومطالبه الطلاق!
شعرت بحزن يكسوها قمراره لمحه هو حين مرت امامه في عيونها الحزينة ليمسك ذراعها وهو يغلق الباب قائلا...
-في ايه؟!

حاولت ابعاد يده فشعر بغضبه يتكاثر ما سر رغبتها الدائمة في الابتعاد عنه، منذ ان اقترب منها ذلك اليوم وهي تضع وساده كبيره بينهم وكأنها تحتمي بها...
اولا ترتدي ثياب تقتله قتلا ثم تتجاهله وتدعه يموت شوقا!
-سيبني!
جذبها اليه وهو يقول بعناد...
-ليه؟
-من غير ليه، مش بحب حد يلمسني!
-ولما عمر بيهزر معاكي وبيلمسك مش بتفتكري انك مش بتحبي حد يلمسك!
حاولت جذب يدها بغضب لتردف...
-عمر حاجه وانت حاجه!..

هزها وهو يمسك كلتا ذراعيها يقربها الي صدره وهو يشعر بأعصابه تنفلت وتهدد بالثوران قائلا..
-انا الوحيد اللي ليا حق المسك عمر ولا حاجه، انا كل حاجه!..
لم تقاومه تلك المرة وثبتت نظراتها بعيونه الهائجة وكأنها تتحداه بتلك العيون وتسخر منه، كادت تخبره بان يذهب الي الجحيم وانه بالذات لا حق له بلمسها ولكنه باغتها حين ترك ذراعيها ليحاوط وجهها بكفيه ويضع شفاه على شفاهها...
اتسعت عيناها وتسمر جسدها...
يقبلها!

دبدب قلبها بسرعه وشعرت باللون الاحمر ينتشر على وجهها وهي تحاول الافلات منه ولكنه اصر على اكمال تجربتهم تلك على اتم وجه...
ابتعد عنها ونظر لها نظره حب تتوق اليه منه، ليقربها بجسده الي الحائط ويثبت وجهها بين راحتيه و يعاود تقبيلها وهذه المرة اغمضت عينيها تماما كما فعل هو!..
تركت لنفسها عنان الاستمتاع بقبلته، فقط تلك المرة قبل الافتراق...

غاب فهد عن كل العالم وتاه في لذه شفتيها الناعمة قليله الخبرة وهو يشعر باصابعها تتمسك بذراعيه وكأنه الحياة...
كاد قلبه ينفجر وهو يتذوق براءتها قلبا وقالبا...
تركها بعد دقائق محاولا التقاط انفاسه وهو يتابعها بعيون مخدره...
وهي تائهة بين ذراعيه بعيونها المغلقة و انفاسها اللاهثة...
ضيق عينيه وهو يعض على شفتيه مازالت تلك البريئة مهما مضت السنوات او زادتها الحياة أنوثه...

فتحت حياه عينيها بعد لحظات لترمش عده مرات قبل ان تضع يدها على صدره تدفعه بهدوء وضعف ابتعد عنها خطوه ليعود ويضغط عليها وعلي يدها بصدره مره اخري...
هزت رأسها بالنفي وتوبيخ واعادت فرد ذراعها ببطء في صدره...
ابتسم لها ابتسامته الجذابة الرجولية التي تخطف قلبها لتقع في حبه للمرة الالف هذا اليوم وهو يعاود الالتصاق بها بلا شبع...
رفعت يدها وهي تتنفس بصعوبة وهبطت بها على وجنته بضعف شديد...

زادت ابتسامته لتخرج منه ضحكه خفيفة ليقول...
-لو ده المفروض يبقي قلم، تبقي فضيحه لو حد عرف انك مراتي!
اصابت كلماته الجرح لتدفعه بغضب وقد قضبت حاجبيها بعد ان طرد غباءه اكثر لحظاتها رومانسية لتقول...
-متخافش محدش هيعرف!..
وبذلك اندفعت خارجه من الغرفة
وضع يده على رأسه وهو يزفر بغيظ...
كيف يتفاهم معها وكل كلمه ينطقها تتضايق منها وتغضبها لما لا تحاول مثلما يحاول هو!

لايهم فقد اتخذ القرار وسيخبر به الجميع سواء شاءت ام ابت!

نعود الي المشفي بالقاهرة...
-ابعدي عني!
حاربت دموعها التي نزلت اكثر ولكنها اردفت بشجاعة...
-لا مش هسيبك و ابعد يا محمد!
التقت عيناه المشتعلة بعيونها الحزينة وقلبها يدق بهلع مثله تماما وهم يروا مصائبهم تتكرر مجددا...

فلاش باااااك...
جلست نبيله مديره الدار تزم شفتيها تستعد لخطابها مع محمد المشاغب ذو الرابعة عشر من العمر بعد ان اعلنت الاسرة الرابعة رفضها لتبني جميله والمطالبة باقتراح اخر خوفا من هذا الصبي المجنون الذي يقف مهددا لهم بتهديدات تتخطي سنه!.
-بص يا حبيبي انا عارفه انك متعلق ب جميله وانها زي اختك بس انت كبير وعارف الدنيا فيها الحلو والوحش...

وقفت من مقعدها تتكأ على المكتب امامه وهو ينظر لها بصمت لتعقد ذراعيها مستكمله...
-مش معني اننا كلنا بنحب بعض يبقي جميل وحلو لا في حياه افضل للطفل لما تيجي اسره بديله وتتبناه انت كده بتدي الطفل كل حاجه بيتمناها وليه هو لوحده...
جميله معرفتش اب او ام طول حياتها لكن انت مجرب يرضيك تتحرم من ده كله!
ابتلع محمد ريقه بتوتر ليردف...
-حضرتك يا ابله نبيله بتقوليلي الكلام ده ليه؟!.

خلعت نظارتها وهي تجثو امامه وتربت على ركبتيه...
-انا عارفه انك بتطفش اي اسره بتقرب من جميله ومش عايزاك تكدب لأني اتأكدت بنفسي من الاسر دي بعد ما كل مره يرفضوا الاقتراح بتاعي و يشفوها ويشفوك!
لم يحاول الكذب وظل ناصتا لها لتستكمل...

-بص يا محمد انت راجل دلوقتي ومبقتش صغير لو فاكر انك هتحميها ف انت كلها سنتين تلاته بالكتير وهتخرج من المؤسسة وتنتقل مكان تاني او هتنفصل بحياتك بعيد عننا ؛؛ هيرضيك ان يجي حد تاني زي مسعود وساعتها ممكن حظها ميكونش حلو و محدش هيلحقها منه!

انقبض قلبه الصغير وهو يتخيل ما حدث الاسبوع السابق عندما اكتشفوا تحرش امين المخازن مسعود بمعظم بنات الدار ويتذكر جنونه وهو يحث جميله على الاعتراف بانه قد اقترب منها عاقد النية على قتله ان لمسها لكنه تأكد انه نجت من قذاراته...
ليهز رأسه ويردف...
-هو حضرتك عايزة ايه؟!
نظرت الي اسفل قبل ان تقطب حاجبيها بإصرار وتردف..
-في اسره هوريهم جميله ومحتاجه انك تسيبها تعيش وترتاح قولت ايه؟!..

شعر بدموعه تتسابق للنزول وبوجهه ينكمش في مقاومه قبل ان يهز رأسه بالموافقة...
سقط قناع الصرامة عن وجه نبيله التي تمزق قلبها وهي تتابع اول دمعه تهرب منه فالأخرى، لطالما عدت كل فرد في مؤسستها ابن او ابنه لها لتنحني اليه تحتضنه اليها وتتركه يبكي وتشاركه هي بدموع خفيه...

الإنسانية والمحبة مفاهيم تناساها البشر، ان تذكروا منها ولو قليل لاختلف العالم الان، الحب لا عمر له خاصا البريء، رأت امثال محمد وجميله كثيرا منهم الجيد ومنهم السيء ومنها ما انتهي بزواجهم عن طريق المؤسسة...
لو تذكر كل فرد في المجتمع اننا سواسيه و ان الطفل لا ذنب له باخطاء والديه و عاش كلا منا كانسان عادي لا محلل لأخطاء الغير و حاكم عليهم...

لوصلنا الي درجه من الرقي و الراحة نقرأها في النماذج المثالية فقط...
تنهدت وهي تمرر اصابعها على رأسه وتجفف دموعه لتردف...
-انت احسن ولد شفته هنا ومر عليا يا محمد، انت نقي جدا من جواك بدليل محافظتك على بنوته متقربش ليك اي حاجه، ولازم يكون عندك ثقه ان ربنا هيبعتلك الاحسن والصح...

هز رأسه بحزن دون ان يستمع الي نصف حديثها وهو يحاول التغلب على أنانيته وتركها تنعم بحياة هادئة عاشها هو قبلها وتبقي ارفع امانيه العودة اليها...

مر يومين قبل ان تأتي اليه جميله باكية وتطالبه بأبعاد تلك الأسرة عنها كعادتهم وهي تشعر بالخوف يسيطر على قلبها الصغير...
ليردف بانزعاج ينافي الالم داخله...
-بس يا جميله يا اما هقول لابله امل عليكي انتي مش طفله ولازم تسمعي الكلام!..
اردفت وهي تبكي وتتعلق بلعبتها...
-يعني انا مش هبقي صديقك الصدوق خلاص!
وضع صخره على قلبه وهو يقول بحزم...

-مفيش حاجه اسمها صديقي الصدوق انا كنت بهزر معاكي وبعدين انا خلاص همشي من البيت هنا وهروح بيت تاني عشان انا كبرت وانتي كمان كبرتي ولازم تروحي مع الناس الكويسة دي ولا انتي هتفضلي طول عمرك مش بتفهمي وبعقل حمامه!
بكت بغيظ وعناد لتردف..
-خلاص برحتك انا همشي اهوه!..
تركته وركضت باكيه لتقف عند منتصف الطريق بعيون حمراء وتعود اليه مره اخري تحتضنه ببكاء وكأنها تواسي قلبها الصغير على فراقه لتردف..

-طيب انا اسفه بس ممكن افضل صديقك الصدوق!.
سقطت منه دموعه ليقبل جبينها برقه وبراءه ويردف...
-لو روحتي هتفضلي صديقي الصدوق ولما تكبري هدور عليكي وهنبقي مع بعض على طول اتفقنا!
ابتسمت وهي تبكي وتجفف دموعها لتردف..
-لا اوعدني انك مش هتتأخر!
رفعت اصبعها الصغير ترغب بان يشبك اصبعه الصغير به وكأنه بذلك يوعدها بمعاهده اقوي من الدم ابتسم بحزن وهو يشبك اصبعه بأصبعها ليردف بصوت به بحه متقطعة حزينه...

-اوعدك مش هتأخر يا رجل الحمامة!
لكزته ليضحك الاثنان معا بألم محفور بقلبين صغيران علمتهم الحياة اكثر مما ينبغي...
ابتعدت جميله بعدها لتبدأ حياة جديدة، حياة سعيدة خاصة بها كما اخبرها، ولكنها حياة بدونه!
انتهي الفلاش باك...

عضت على لسانها عندما علت شهقاتها وجهها ينكمش في بكائها امام عينيه ليزداد غضبه على قلبه الضعيف امامها وكرهه لبكاءها ليصرخ بها...
-كفااايه بقي ارحميني، انتي عايزة مني ايه، حرام عليكي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة