قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس والعشرون

كان دالفا لتوه من باب بيته لتقابله طيف التى يظهر على ملامح العبوس بعض الشىء وهى هابطة الدرج فقد هاتفها عدى منذ قليل ليس ليشكو لها عن اتهام زوجها له بل ليبرئ نفسه أمامها لكى لا تظن به سوءً هى الأخرى، وقد لاحظ مجد تبدل ملامحها ليعلم أنها قد علمت بما حدث، لتقترب منه وهى تتساءل ووجهها يعتريه الصدمة.

-مجد انت ازاى تشك فى عدى انه ممكن يعمل حاجة زى كده، عدى استحالة يفكر انه يأذى حد واستحالة يأذيك انت بالذا...
قاطع متابعة كلماتها واضعا يده فوق كتفها وتحدث بهدوء بصوت يبدو عليه الإرهاق
-عارف يا طيف، عارف انه معملش حاجة
عقدت حاجبيها بغرابة وهى مازلت ناظرة له وتكلمت متسائلة
-عارف!، طب وطالما عارف ليه اتهمته انه..
تنهد مطولا بتعب وشرد لوهلة مستجمعا تفاصيل ما حدث بالشركة عقب مغادرة عدى ليردف مقاطعها مجددا.

-تعالى نقعد يا طيف طيب مش هنتكلم واحنا واقفين
جلس فوق الأريكة الجلدية الموجودة بغرفة مكتبه وهو يزفر وأراح رأسه للخلف لبضع ثوانٍ ثم التفت لها وهى جالسة بجانبة محدقة به منتظره ما سيلقيه عليها من توضيح لكلماته التى قالها منذ برهة، تنحنح لكى يجلى صوته ثم أخذ يقص عليها ما حدث.

بملامح وجه مشدودة إثر عصبيته وشجاره مع شقيق زوجته منذ قليل ينظر إلى الماثل امامه والذى لم يكن سوى أحد موظفى قسم الحسابات طلب مقابلته وأخبر سكرتيرته أنه بخصوص أمر هام، ليحمحم الآخر عندما رأى نظرات مجد المنتظرة لبدء حديثهثم ثم أردف بهدوء
-أنا مكنتش حابب أعمل مشاكل أو حد يتقطع عيشه بسببى بس لما عرفت اللى حصل مع عدى وانه ساب الشركة مقدرتش اسكت أكتر من كده وطلبت أقابل حضرتك عشان أعرفك باللى شوفته.

استرعى اهتمامه ما قاله وخاصةً عندما علم أن الأمر يخص عدى ليتساءل مستفسرا
-ايه هو اللى شوفته؟
رمقه بهيئته العملية وأجابه مسترسلا بتوضيح
-موظف معانا فى الحسابات اسمه عماد، من يومين بالظبط عدى قام وساب مكتبه وراح يجيب حاجة، عماد ده قام من مكتبه بسرعة وراح لمكتب عدى وقعد على الجهاز بتاعه وواضح انه كان بيعمل حاجة فى شغل عدى، واللى أكدلى كده انه كان كل شوية بيبص يشوفه جه ولا لأ، وبعد ماخلص راح لمكتبه تانى.

حاد بعينيه لثانية بعيدا عن وجهه ثم عاد بنظره إليه مجددا وتساءل بجدية بحتة
-انت واثق من اللى بتقوله ده؟
هز رأسه له فى إيجاب ورد عليه قاصصا عليه ما حدث معه فور ذهاب عدى من الشركة
-ايوه يا فندم والنهارده بعد ما عدى لم حاجته ومشى اتعصبت عليه وواجهته وقولتله أن هو اللى عمل المشكلة دى وقولتله انى هتكلم وهو اتوتر جدا وحاول يدافع عن نفسه كدبته وعرفته انى شوفته ووقتها سكت وبان عليه الخوف ومقدرش يتكلم.

اعتدل فى جلسته وأردف بتوجس وهو يمد ذراعه ناحية الهاتف
-انت قولتلى الموضوع ده من يومين مش كده؟
هز رأسه مجددا وقال مؤكدا
-ايوه يا فندم
وضع الهاتف فوق أذنه وقال فور جاءه الرد من الطرف الآخر
-ابعتلى تسجيل كاميرات قسم المحاسبة النهارده ومن يومين دلوقتى حالا.

استطرد قائلا وهو موجه نظره إليها ملاحظا تبدل ملامحها مما أخبرها به
-وبعد ما شوفت التسجيلات واتأكدت فعلا من الكلام اللى قاله بعت جبته وهددته أن هيتعمل فيه شكوى من الشئون القانونية فى الشركة لو ما قالش عمل كده ليه
تساءلت حينما انتهى مما قاله باهتمام بالغ
-واعترف؟
هز رأسه بإيجاب ورد بتريث وإيضاح
-قال ان واحد دفعله عشان يعمل كده
ضيقت ما بين حاجبيها بتشتت وهزت رأسها باستفهام وهى تتكلم.

-وليه واحد هيدفعله عشان يأذى عدى او يأذيك؟، وواحد مين اصلا؟
سحب الهواء لرئتيه ثم زفره سريعا ونظر لها نظرة أظهرت ضيقه وأخبرها
-واحد من رجالة عاصم، عاصم هو اللى ورا الموضوع ده
توسعت حدقتاها بغضب عارم من ذكر ذلك الاسم الذى اصبحت تكره صداه على سمعها وتكره صاحبه أكثر منه وتحفزت فى جلستها وهى تردف بانفعال
-عاصم!، تانى عاصم، هو عايز مننا ايه؟، وليه عايز يأذى عدى؟، هو ماله بيه اصلا؟

مد ذراعه إليها ومسح على ذراعها ليهدئ من روعها وتحدث بتنهيدة والتخبط ظاهر عليه
-مش عارف بس ممكن عشان عايز حياتى تبقى فيها مشاكل يعنى عدى جوز اختى واخو مراتى فوقتها اختى ومراتى هيبقوا واخدين منى موقف، وبالنسبة بقى للخسارة والمشاكل اللى فى الشغل فدى مش جديدة عليه، هو بيحاول بكل طاقته من زمان انه يوقعنى ويخسرنى
آثار دهشتها بدرجة كبيرة كم الشر بداخل ذلك الشنيع لتعقد حاجبيها وهى تستفسر مرددة.

-طب وليه بيعمل كده انت أذيته فى حاجة؟
أجابها بنفى بل ووضح لها أمور عدة عن ماهية علاقته ب عاصم فى السابق.

-عمرى ما أذيته بالعكس انا وهو كنا صحاب واحنا صغيرين قبل المشكلة اللى ابوه كان عملها واتفضت الشراكة بسببه مع بابا ويحيا بيه اللى يرحمه، من بعدها وهو بعد عنى رغم ان بابا قالى ان احنا برا المشاكل دى وعاصم مالهوش دعوة بابوه، بس عاصم وقتها اتأثر بكلام ابوه اللى زرع جواه الغل والحقد ناحيتى وكرهه فيا وكل ده كان بيبان من كلام عاصم ليا ونظرة الحقد اللى كنت بشوفها فى عينيه على كل اللى وصلتله.

باستهجان احتل نظرتها وسائر تعبيراتها لكل تلك التى استمعت إليه وقد ارتفع حاجبها للأعلى وهى تردد
-للدرجادى!
امتقع وجهه على التطرق لذكره وقال على مضض
-وأكتر، عاصم كان زمانه أوسخ من كده لولا مامته الله يرحمها كانت ست محترمة وطيبة كانت هى اللى منعاه عن وساخة ابوه، كانت على تواصل معايا بشكل دايم وكانت بتهدينى من ناحيته.

شعرت بالغرابة لعدم تخيلها أن هناك أناس يتملكهم الشر لتلك الدرجة ولا ينفكوا عن أذية الغير أمثال عاصم ذاك، ولكنها كان يشغل بالها وسط كل ذلك شقيقها فهى لا تريد أن تسوء علاقته بزوجها بعدما أحست بهدوء الأجواء بينهما مؤخرا، لتتكلم بطيف تردد وتؤدة
-الله يرحمها، المهم دلوقتى مش هتكلم عدى تراضيه، يعنى بما إنك عرفت الحقيقة، انا مش مصدقة أصلا انك تشك فى عدى يا مجد؟

أحس بتأنيب الضمير على تسرعه النزق الذى تسبب فى ظلمه ل عدى واهانته والتشكك فى امانته، ليتنهد بضيق من نفسه وأخبرها بهدوء.

-هراضيه حاضر، عارف انى غلطان فى اللى قولتهوله ولو كنت فكرت شوية قبل ما اقول الهبل ده وعقلت الكلام كان زمانى ماقولتوش، بس انا بخاف من الخسارة يا طيف بخاف ارجع فقير تانى
رأى علامات عدم الفهم جليه على قسماتها ليتنهد وأراح رأسه فوق كتفها واستمعت له وهو يستطرد.

-لما خسرنا كل حاجة زمان وحياتنا اتغيرت وقتها واضطرينا اننا نسيب المكان اللى كنا فيه، كان عندى صاحب اسمه شريف كان ده صاحبى الوحيد اللى من سنى غير عاصم كنا مع بعض فى كل حته ومكانش عندى صحاب فى المدرسة ولا النادى غيره، لما حصل بقى التغيير ده ومبقتش مجد ابن رجل الأعمال الغنى بقيت واحد فقير حسيت انه بدأ يتكبر عليا ويتهرب منى ومبقاش يكلمنى زى الأول وبعدها بِعد خالص عنى وكان كل ما يشوفنى كان يدور وشه يا إما يعمل مش شايفنى.

ابتلع تلك الغصة المريرة بحلقه لتذكره لتلك الأمور بينما تابع حديثه بإطناب.

-أنا وقتها كنت وصلت لقمة تعبى النفسى خسرت كل حد كنت بحبه بداية من أسيف وبعدين عاصم آه بعده مأثرش فيا اوى بس برضه كان صاحبى إنما شريف ده اللى اتأثرت باللى عمله لإنى مكنتش اتوقع انه يعمل معايا كده وآخر حاجة كانت موت ماما، كانت كل دى صدمات حصلتلى وانا كنت لسه فى سن صغير بدايةً من اربعتاشر سنة لحد سبعتاشر كله كان ورا بعضه، أنا كان ليا حق أرفض أنى أعلق نفسى بحد يا طيف بعد كده، كان ليا حق ارفض انى أحب أى حد، أنا بقى كل اللى فارق معايا إزاى أحافظ على بابا ورفيف واكبر شركات بابا بعد ما شغلتها من تانى، عرفتى ليه شكيت فى عدى؟

شعرت بالآسى تجاهه لكل ما حكاه لها ولنبرته الحزينة التى تعكس الحزن بداخله وأمسكت بكفه بيدها وقالت بنبرة دافئة وهى تمسد ظهر يده بإبهامها
-ولا يهمك يا حبيبى عدى طيب أصلا وعاقل ولو كلمته وراضيته مش هيشيل فى قلبه حاجة وهيرجع معاك زى الاول
رفع رأسه عن كتفها ونظر لعينيها وهو يهتف بخفوت باسمها
-طيف.

همهمت وهى ناظرة له بانتباه لتجده يحمحم ثم باغتها متسائلا بتوجس رغم انه يعلم الإجابة مسبقا ولكنه يريد أن تؤكد له كى يطمئن قلبه
-هو انا لو حصل فى يوم وبقيت فقير هتفضلى معايا ولا هتسيبينى؟
تفقدته فى لوم بنظرتها ولكنها على كلٍ أجابته بنبرة هادئة
-هفضل معاك طبعا انا كل اللى يهمنى انت يا مجد مش غناك ولا فقرك.

شعرت بالخزى الذى احتل وجهه من نظره الذى حاد به عنها وزمة شفتيه فأرادت أن تنتشله منه لذا تابعت حديثها بمرح قائلة
-ووقتها أنا وانت نكافح سوا مع بعض لحد ما نكبر تانى ونرجع زى الأول، وعلى فكرة انا شاطرة اوى فى الصيدلة وشغل الأدوية وهفيدك اوى جربنى انت بس
ابتسم لها باتساع مظهرا نواجذه ودفن وجهه فى تجويف عنقها وقال بصوت عذب ونبرة تندلع منها العشق وهو محاوطا خصرها بقوة
-بموت فيكى على فكرة.

داعبت خصلاته من الخلف بيدها وقالت بابتسامة ونبرة صوت مازال ظاهرا عليها المرح
-وأنا كمان يا مجودى
كركر ضاحكا لذلك الاسم الذى لأول مرة تطلقه عليه بينما ضحكت هى الأخرى معه فاقهة سبب ضحكه ليظلوا هكذا طوال الليل يتحدثان معا حول العديد من الأمور مستمتعين بهدوء الأجواء من حولهما ومتنعمين بقربهما واصواتهما التى تبعث الدفء بداخلهما.

تنظر إليه بين الحين والآخر وهى جالسة أمام مكتبها تستذكر دروسها بينما ذهنها منشغل بحالته الغريبة وهيئته الغاضبة بعض الشىء منذ جاء من عمله، بينما كان هو جالسا على الفراش يعبث بحاسوبه بوجه جامد التعبيرات انتبه لحمحمتها التى تبعها قولها بصوت متردد
-برضه مش هتقولى ايه اللى حصل معاك فى الشغل ورجعك متعصب كده
رفع نظره إليها وقال بتنهيدة وحاول رسم ابتسامة صغيرة على ثغره.

-متشغليش بالك انتى يا حبيبتى ركزى فى مذاكرتك، وبعدين انتى شوفتى الفيديوز اللى بعتهالك.

تساءل باهتمام كبير اندلع من عينيه فقد قام بارسال بعض المقاطع لها لبعض السيدات وهن يتكلمن عن تجاربهن الجيدة خلال فترة الحمل والولادة وعما يقومن به مع صغارهم بعد الولادة وكيفية التعامل معهم، لاحظت تبدل حالة جموده قليلا عند تساؤله عن رؤيتها لتلك المقاطع التى بعثها إليها لتشعر بأهمية حملها بالنسبة له والذى أصبحت تحتس بشعور جديد يولد بداخلها ناحيته هى الأخرى لتبتسم له وأجابته بتأكيد
-ايوه شوفتهم.

أغلق حاسوبه ونزع نظارته الطبية عن عينيه وتابع ملاحقته عليها بالأسئلة قائلة بمزيد من الاهتمام
-طيب حسيتى بفرق لما شوفتيهم؟
أومأت له بالإيجاب ثم أردفت بنبرتها الهادئة
-بصراحة طمنونى شوية وحسيت إن الموضوع مش صعب زى مانا متخيلة
ابتسم باتساع شاعرا بالراحة تغللت لقلبه من سماعه لما قالته وهدر بحماس والسرور جلى على ملامحه.

-أنا مبسوط اوى انى بسمع الكلام ده منك، وبرضه أنا هفضل معاكى واى حاجة خايفة منها عرفينى ونشوفلها حل سوا.

أومأت له وهى تبتسم بهدوء ثم تنهدت بتأهب وعادت بنظرها للكتاب الموضوع أمامها لتعود لمذاكرتها خاصة وان حالة الآخر تبدلت كثيرا عن حالته منذ قليل مما جعلها تشعر بالإطمئنان عليه، ليظل الآخر ينظر لها بوميض لامع بعينيه ما هو الا وميض سعادته بوجودها معه ووجود جنين منهما ينمو باحشائها ليتنهد بارتياح لتقبلها ذلك الحمل الذى يتحرق شوقا بداخله لمرور الأيام ورؤية طفلهما ولمسه بيده، أخذ يتذكر تلك المقابلة بينه وببن الطبيب النفسى الذى قام بالذهاب إليه بعدما حدث من حالة انهيارها واخبارها بما تخافه حول حملها وولادتها وما بعدهما.

جالسا أمام ذلك الطبيب بتعبيرات وجه قلقة بعض الشىء وما إن تساءل الطبيب عن سبب زيارته له حتى أجابه عدى قائلا بإيضاح.

-أنا مراتى حامل وعندها خوف من الحمل والولادة لدرجة أنها كانت عايزه تنزل البيبى من كتر خوفها، انا حاولت اطمنها شوية بس أنا متأكد انها لسه خايفة وإن كلامى هداها بس وقتها والخوف لسه جواه، فانا عايز اعرف اللى عندها ده طبيعى أى ست حامل بتحس بيه مع العلم أنها بتخاف أوى من قبل الحمل من حاجات كتير وساعات بحس أن خوفها غير مبرر فانا اتعامل مع ده ازاى وهل فى علاج فى علم النفس لحالتها دى.

هز الطبيب رأسه فى تفهم لما أخبره به عدى ثم تكلم بطريقة علمية بحتة وهو يوجه نظره وكلماته للجالس أمامه ومصغٍ له باهتمام وتركيز تام.

-أولا نقطة خوفها من الحمل والولادة الموضوع شائع جدا وبيحصل لستات كتير وده بيسمى برهاب الحمل والولادة او بيطلق عليه توكوفوبيا فوبيا الولادة يعنى، ممكن نشوف الأول حل لخوفها من الحمل وبعدين نشوف حل لخوفها عموما وهو الأمر مش صعب وهيبقى بالتدريج، هى هتنورنى هنا تتابع معايا و..
قاطع عدى استرسال حديث الطبيب قائلا بجدية.

-معلش يا دكتور أنا مش عايزها تيجى تتابع هى عشان متفهمش الموضوع بشكل تانى، ممكن حضرتك تعرفنى اللى المفروض يحصل وأنا هتعامل معاها.

لم يرغب أن تأتى هى كى لا تفهم الأمر بطريقة خاطئة وأن سبب زيارته لطبيب نفسى والتحدث إليه حول ما تشعر به من خوف بالغ بأنه يرى ان هناك خلل ما بعقلها أو يشكك فى قدرتها العقلية لذا أراد أن يتعامل هو مع الأمر، انحنى الطبيب بجسده للأمام قليلا وهو زامم شفتيه بتفكير ومخللا أصابع يديه ببعضهما وساند يديه المتشابكين فوق المكتب أمامه ورد عليه بعملية مرددا.

-طيب حالة خوفها من الحمل ممكن انت تتعامل فى الموضوع مفيش مشكلة بس حالة الخوف عموما اللى عندها لازم هى تتابع معايا لإن دى هتبقى جلسات
هز رأسه بموافقة وهدر بهدوء وتحفز
-تمام يا دكتور، ايه المطلوب منى اعمله حاليا.

تقدم هشام منه وهو يرى التوتر بادى على سائر إيماءته وحركات جسده فقد علم من مجيئه وطلب مقابلته أن رفيف قد أخبرته بما قاله لها بشأن قبوله أمر زواجهما، بينما نهض الآخر فور رؤيته له وألتقط يده مرحبا به وقال
-ازاى حضرتك يا هشام بيه
وأشار له بيده على المقعد المقابل له بعدما جلس وتكلم بهدوء
-كويس يا جاسم، اقعد واقف ليه
جلس على المقعد وتنحنج قبل أن يقول بصوت ممتن له
-متشكر جدا انك وافقت تقابلنى.

هز رأسه له بهدوء ثم تساءل بطريقة متغطرسة عكس طباعه المتواضعة فى العادة قاصدا بها زيادة حالة الارتباك المتمكنة من الآخر
-طب ويا ترى ايه سبب المقابلة المفاجئة دى؟
إزدرد الآخر وهو يشعر بحلقه قد جف ثم تنحنح مجددا كى يجلى صوته وتحدث قائلا بندم اعترى صوته وتعابيره
-انا طلبت اقابل حضرتك عشان، عشان اعتذر منك على اللى عملته، انا بجد ندمان على كل اللى حصل واتمنى انك تسامحنى عليه.

همهم بطريقة لعوب ليزيد من حدة توتره ثم قال وهو يحك أحد حاجبيه بإصبعه
-بالسهولة دى اسامحك!، مش المفروض اتأكد من ندمك الأول
شعر بتشتت هائل من تلك الطريقة الجديدة عليه والتى لم يتحدث بها هشام معه من قبل ليسعل بخفة وهو يشعر وان الكلمات تتطايرت من فوق لسانه ثم هدر بصوت مضطرب
-انا ندمان بجد على اللى عملته بس ممكن تعرفنى اعمل ايه يأكدلك ده وانا هعمله
رفع حاجبه وأردف بنبرة صوت مرتفعة موبخا إياه.

-تقوم وتحضن ابوك يا كلب على الشهرين اللى ماشافكش فيهم
تدلى فكه السفلى بصدمة وبدأ وجهه يظهر عليه السعادة تدريجا وتقدم نحو سريعا واحتضنه وهو يقول بعدم تصديق
-أنا بجد مش مصدق يعنى انت سامحتنى يا عمى؟
ربت على كتفه وهو مازال معانقه وقال له بهدوء ونبرة تحمل العتاب بين طياتها
-لسه بحاول اسامحك يا جاسم، اللى عملته مكانش سهل ومكنتش مصدق انه يطلع منك انت.

ابتعد عنه جاسم وهو يشعر بخزى بالغ ولم يعقب على ما قاله بينما تكلم هشام بمراوغة وعينيه تندلع منهما المكر
-بس على العموم انت ابنى وبما انك ابنى عايز اخد رأيك فى حاجة
استرعى حواسه ما قاله ليجلس على المقعد وهو يردف باهتمام ونظره موجه إليه
-اتفضل يا عمى
حمحم وهو يحاول أن يتحكم بابتسامته المتسلية أن لا تظهر وقال له بجدية حاول اصطناعها قدر استطاعته.

-انت عارف طبعا مصطفى توفيق رجل الأعمال كان كلمنى من يومين وكان واضح من كلامه انه عايز ياخد رفيف لابنه فانت ايه رأيك فى ابنه، يعنى انا افتكر..
راقب هشام التغيرات التى طرأت عليه من كلماته التى قصد بها إثارة غضبه بينما الآخر تشنجت تعابيره نوعا ما وقال بغضب مكتوم بقليل من الإنفعال العصبى والتجهم
-هو ايه اللى ايه رأيى فى ابنه، وياخد رفيف لمين، هو فى ايه يا عمى؟

لم يتحمل أكثر من ذلك وانفجر ضاحكا على هيئته المنفعلة تلك حتى عادت رأسه للخلف واهتز جسدها إثرا لقوة ضحكه بينما استأنف حديثه من بين ضحكاته قائلا
-مانا شايفك متكلمتش قولت اشوف اللى اتكلم بقى
ازدادت تشنجات وجهه وعينيه احتقنتا للغاية وهو يهدر
-مفيش حد هياخد رفيف غيرى، أنا بحبها وعايز اتجوزها
عقد حاجبيه وهو يقول معقبا
-تتجوزها على طول كده طب قول خطوبة الأول.

امتعضت تعابيره قليلا ولكنه لم يرِد أن يجادل معه يكفى موافقته بشكل مبدئى على أمر زواجهما وتكلم بانصياع لرغبته
-مع انى عايز جواز على طول، بس اللى تشوفه يا عمى
دلف مجد مقاطعا استرسال حديثهما وظهر عليه قليلا من التفاجؤ لوجود جاسم ولكنه حاول عدم إظهاره كما أظهر عدم اهتمامه بوجوده ووجه كلامه لأبيه قائلا بجدية
-بابا انا عايز اتكلم معاك فى موضوع مهم هستناك فى المكتب.

تحرك متجها صوب غرفة المكتب عقب انتهائه من قوله تلك الكلمات المقتضبة غير معطيا بالا للآخر الذى تبدلت ملامحه من تجاهل مجد لوجوده لينهض جاسم عندما شعر ان وجوده غير مرحب به من قبل مجد وقال بهدوء ورزانة
-خلاص يا عمى انا همشى انا ونبقى نكمل كلام وقت تانى
حاول هشام أن يخفف من وطأة الموقف خاصة وانه شهر بإحراج جاسم ليتكلم بأسف
-معلش يا جاسم انت عارف ان مجد طيب بس برضه اللى حصل مش سهل انه يتقبله.

أومأ له بتفهم للأمر وتحدث بابتسامة صغيرة مواريا حزنه قائلا
-عارف يا عمى انا بحب مجد وهحاول معاه تانى إنى أصالح الأمور بينا وموضوع جوازى من رفيف مش هيتم من غير موافقة مجد
ابتسم له وقال بنبرة حانية وهو يربت على جانب ذراعه بود
-ربنا يهدى الحال يا ابنى، خلى بالك من نفسك وابقى تعالى زورنى يا جاسم انت ابنى والبيت ده هيفضل بيتك مهما حصل
بادله ابتسامته وهو يقول بموافقة شارعا فى المغادرة.

-حاضر يا عمى وعارف من غير ماتقول، عن إذن حضرتك.

وضع مجد أمامه على المنضدة بضع ورقات موضوعة داخل ملف وقام بتحريكهم تجاه عدى الجالس أمامه وهو يقول بهدوء
-اتفضل يا عدى
عقد حاجبيه وهو ينظر إلى الملف ثم رفع نظره تجاهه وتساءل بتعجب طفيف
-ده ايه؟
أشار بيده على الأوراق وهو يجيبه بجدية
-ده ورق بيثبت ملكية أسيف لفرع، ، بابا كتب الفرع ده باسم أسيف.

استرعى ما قاله انتباه اسيف التى كانت منشغلة بالتحدث إلى طيف ووالدتهما مما جعلها تقطب جبينها وهدرت بغرابة موجهة تساؤلها ل مجد
-وليه بابا يعمل كده؟
نظر لها بملامح لينة محافظا على نبرته المتريثة وهو يخبرها مجيبا إياها.

-جزء بسيط حب يعوضك بيه عن السنين اللى فاتت وفترة تعليمك وعلى فكرة رفيف مكتوبلها مبلغ كبير فى البنك ده غير تعليمها اللى كان فى مدارس انترناشونال وجامعتها الإنجليزية وده كله متعملكيش فانا وبابا شوفنا ان الفرع ده هيبقى أحسن من الفلوس وخصوصا لعدى.

لم تعقب على ما قاله بل اكتفت بإيماءة بسيطة مع ابتسامة هادئة وهى تشعر بسعادة بداخلها كون عائلتها يفكرون بأمرها ويريدوا تعويضها عن السنين التى قضتهم دونهم بالعديد من اللأشكال ولكن انتشلها من تفكيرها تساؤل زوجها الموجه لشقيقها وهو بادى عليه الإستغراب
-ليا انا!، ازاى مش فاهم ودخلى ايه فى حاجة بتاعة أسيف؟

عندما وجدت أسيف أن الحديث أصبح يدور بين زوجها وأخيها أرادت أن تترك لهما الحيز ليتحدثا دون تطفل منها رغم رغبتها فى معرفة رد مجد على تساؤل عدى ولكنها تحركت من جانبهما متوجهة صوب المطبخ حيث طيف ووالدتهما، بينما رد مجد على عدى بكلمات بدأها باعتذار منه على ما بدر منه معه فى الشركة ثم وضح له قصده مما قاله.

-عدى أنا بعتذر منك على اللى حصل فى الشركة انا مكانش ينفع انى اشكك فى امانتك انت بالذات وبجد بتمنى إنك تقبل اعتذارى، وبالنسبة للشركة ودخلك ايه فيها فانت هتبقى المدير العام ليها
ارتفع أحد حاجبيه واتسعت حدقتيه تزامنا مع تشدقه بدهشة اعترت قسماته
-المدير العام!
اعتدل فى جلسته وعدل من وضعية جانب سترته وهو يخبره بتأكيد.

-ايوه، انت من حقك انك تبقى شغال فى شركتك ونتيجة تعبك تستفيد بيه، ويبقى ليك اسم فى السوق وده انا متأكد انك هتعمله فى وقت قصير جدا
ظهر الإعتراض على ملامح عدى وهو يهدر
-بس دى شركة أسيف يعنى هى اللى ليها حق إدارتها مش انا
سحب الهواء لرئتيه وزفره سريعا ثم أردف له وهو يتفاعل مع الحديث بيديه.

-أولا أسيف مش هتفهم فى شغل الشركات زيك يا عدى، ثانيا هى شركة أسيف بالاسم بابا كاتبهالها تعويض عن الفترة اللى عاشتها معاكم لكن لو جينا نحسبها سوا هنلاقى ان مفيش حد غيرك ينفع انه يديرها
فهم مضمون كلماته بشكل خاطئ وأن قصده مما قاله أنه بتلك الطريقة يعوضهم هم عما قاموا بصرفه من نقود على أسيف وثمنا أيضا لإقامتها معهم خلال الستة عشر عاما الماضية ليحتد صوته وهو يقول بنفى قاطع.

-انا مش هحاسب مراتى على فلوس اتصرفت عليها أو على قعادها معانا وبعدين ده كان من خير بابا الله يرحمه اللى كان موصينا عليها قبل ما يموت وماما اللى أسيف بالنسبالها زى طيف بالظبط انا معملتلهاش حاجة
رغم فهم عدى الخاطئ لما قاله ولكنه عقب على ما تفوه به مرددا.

-حتى لو كان خير باباك ومامتاك فده الأولى كان يبقى ليك ولطيف، وعلى العموم ده مكانش قصدى بالتعويض إنه ليك التعويض ده لأسيف لكن انت عرضى ليك انك تدير الشركة تقدر تعتبره اعتذار عن اللى حصل منى معاك وفى نفس الوقت مينفعش حد تانى غيرك يدير شركة مراتك ولا هيبقى امين على فلوسها غيرك
أصر عدى على موقفه وقال بنبرة شبه منزعجة.

-وانا مش حاسبها كده ومش هقدر اشتغل فى مكان واصرف منه على نفسى وعلى مراتى وابنى اللى جاى وانا شايف انه تمن السنين اللى مراتى قعدتها وسطنا
تنهد مجد وحاول أن يكن صبورا معه كى يقنعه بالأخير وتحدث بهدوء موضحا له.

-وانا بحترم ده فيك بس انت فاهم غلط العائد عليك من الموضوع ده مش ماديا يا عدى ده اجتماعيا مكانتك العملية هى اللى هتترفع من موظف حسابات فى شركة لمدير، وبالنسبة لدخلك اللى هتصرف بيه فى بيتك هيبقى من مرتبك كمدير عام للشركة لكن أرباح الشركة هتتحول على حساب أسيف فى البنك، زى ما قولتلك انا كل اللى فكرت فيه انك تشتغل فى مكان بتاعك، مش تشتغل لحساب الغير والفايدة بتبقى للشركة وصاحبها، انت ذكى ومجتهد يا عدى وانا متوقع ان الشركة دى هتعلى فى السوق معاك فى وقت قياسى، وممكن بمجهودك بعد كده فى السنين اللى جاية تعملك فرع ويبقى باسمك.

لم يستطع المناص منه فقد أغلق عليه جميع الأبواب ولكن طرأ بعقله عدم علمه بأمور الإدارة لذا قال متحججا
-بس انا مبفهمش فى شغل الإدارة معلومات قليلة جدا اللى عندى ومعنديش خبرة فى الموضوع
ابتسم مجد: لعلمه أن يختلق حجج ليس إلا ليقول وهو يعود بجسده على الكرسى مضيفا.

-من الناحية دى متقلقش هيبقى معاك حد هيفهمك طبيعة الشغل ماشية ازاى وهيفضل متابع معاك لحد ما تفهم كل حاجة وتقدر تدير الشركة لواحدك، بكره الساعة تمانية تبقى متواجد فى الفرع فى مكتب المدير هتبقى السكرتيرة عندها علم بحضورك وهتبلغ بعدها اللى هيدربك على الشغل، ومفيش اعتراضات يا عدى عشان انت شكلك عنيد زى اختك
ابتسم باتساع مظهرا غمازتيه وهدر بمرح
-لأ انا مجيش حاجة فى عنادها.

ابتسم له مجاملا ثم تفحص الوقت ليجده قد تأخر ليقول بتحفز
-طيب هنستأذن احنا دلوقتى لإن الوقت اتأخر وعشان طيف ترتاح كمان لإن زى مانتوا شايفين شبطت فيا كالعادة
أردف بها ببعض المرح ليضحك الآخر بينما عقب بكلمات ذات مغزى
-طيف مكانتش بتشبط فى حد غير بابا، يعنى هى كده
حطاك فى مكانة بابا عندها لعلمك.

حرك نظره نحوها مع ابتسامة محبة ظهرت على ثغره ونظراته الساهمة بها فقد جدد فى ذهنه إخبارها له أنها تشعر بين أحضانه بذلك الشعور الذى كانت تحتس به مع والدها ليتغلل بداخله سعادة من نوع آخر وغمرت الغبطة قلبه ليبتسم الماكث بجانبه وهو يتابعه بصمت على نظرات العشق الموجهة منه لشقيقته بينما لاحظت هى أيضا نظراته إليها لتتقدم نحو وجلست على يد الكرسى الجالس عليه وتساءلت بابتسامة ناعمة.

-هنمشى يلا؟
أومأ لها وهو ينهض ورد عليها بابتسامة متريثة وبصوت عذب
-يلا.

القى الهاتف بكامل عزمه عرض الحائط أمامه وهو ينهج بقوة شاعرا باهتياج اعصابه وغليان الدماء بعروقه من تلك الرسالة اللعينة التى بعثت إليه من قبل مجد والتى كان فحواها بلاش تشغل بالك بيا يا عاصم وتتعب فكرك فى خطط ملهاش لازمة عشان انت مهما عملت عشان تهدنى وتهد كل اللى بنيته مش هتقدر ولا هتعرف، خليك فى حياتك وشغلك جايز توصل للى وصلتله مع انى اشك فى حاجة زى دى انها تحصل.

ظل يرمق الفراغ امامه بوعيد له، فهو لن يتوانى فى هدم كل تلك الإمبراطورية التى يتحاكى بها الجميع وبصاحبها، لن يتنازل عن تدمير حياته كما دُمرت حياته هو فى السابق على يد والده اللعين، سيظل العقبة فى طريقه دائما إلى أن تخور قوة أحدهما وتضعف عزيمته ومؤكدا سيكن هو ف عاصم لن يخسر تلك المرة ولن يتنازل عن تبديد ذلك الكيان الصلب الذى يراه العديد بمكانة لا ينبغى أن تكن لسواه هو وليس ذلك الذى يرى نفسه بمكانة العظماء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة