قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

( رواية بونسوار سابقا )

"اسبوعين ..قد مرّا"
مرّا على أدهم كعامين ..عامين من الحزن كما لم يحزن من قبل ..ما الذي يحدث من حوله؟
أي لعنة حلت عليه وتركته حُطام هكذا ؟ ..
لمَ انقلبت حياته رأساً على عقب في غمضة عين ؟!
وبات مهددا محطما لا يقوى على العيش مجدداً!
هل بالفعل طلق زوجته "ملك" ؟! بهذه السهولة استطاع الاستغناء ..!

لم يعرف عنها شيئا من ذلك اليوم ..أسبوعان كاملان..
لا يعرف إلى أين ذهبت ..وما حالُها الآن ..كيف تعيش ..ماذا تفعل؟!
لم يستطع حتى الاتصال بها ..هي قتلته مرتان ..
لم تنجب منه بكامل إرادتها...وكادت تقتل ابنه عمداً ..هكذا ظن!
شعر بنفسه يضيق عليه أكثر ..
إنها الحسرة ..
هو يشعر بالحسرة..الخسارة ..ولا شيء بعد ذلك!

دخلت والدته السيدة چيهان ..وهي في حالة حزن وضيق من أمر إبنها الأكبر ..
هو قارب على الضياع ..
كلا هو بالفعل ضائع!
عيناه حمراوان بلون الدماء ..وملامحه مجهدة وبقوة ..لا يتكلم ..لا يأكل جيدا ...لا يعمل ..لا ينظر حتى إلا للفراغ ..
الفراغ؟! وأي فراغ تركته ملك ...فراغ أشبه بالجحيم ..

-أدهم؟
نادته والدته بخفوت ..ربتت على كتفه وتابعت قائلة:
-ما هو كدا مش هينفع ..أمسك نفسك هو اللي أنت فيه دا هيعمل لك إيه؟, متبقاش سلبي متعودتش عليك كدا!
لم تتلق منه رد أيضا ..فقط صمت ..لكنه أغمض عينيه هاربا من أي نظرة عتاب منها أو لوم ..
فيسمعها تستكمل:
-طب على الأقل شوف تمارا اللي خرجت ولا عملت حساب لصحتها واللي في بطنها!
لا رد أيضًا...
فخرجت بيأس من الغرفة وتركته مجددًا في عتمته ...

-بشويش عليها يا حازم ..مش كدا!
أردفت ساندرا وهي تجاور زوجها حازم في جلسته ..بينما يتنهد بضيق ويُخبرها:
-دي بتقولي مالكش حكم عليا! ..إزاي بتكلمني بالطريقة دي؟
ساندرا متفهمة وضعه وبهدوء أضافت:
-ما هو أنت برضوه ضربتها جامد يا حازم ...وبدون ما تتناقش معاها الاول، كان لازم تفهمها بهدوء غلطها وهي كانت هتتقبل ..
هتف بعدم اقتناع:
-هدوء إيه؟, دي قليلة الرباية..لازم أربيها ..

-يا حازم التربية مش ضرب ..يا أخي متبقاش عنيف كدا اسمعها وحس بيها ..
حازم بلهجة تهكمية:
-ياما سمعتها ..مافيش فايدة ..كل لما بتكلم معاها بلاقي عندها طمع رهيب ...دايما طلباتها مبتخلصش ...عاوزة كل حاجة ...مش راضية باللي ربنا قسمه!
ربتت ساندرا على يده وقالت:
-جرب تتكلم معاها دايما متيأسش يا حازم ..في الأول والأخر أنت المسؤول عنها والعصبية اللي أنت فيها دي هتتعبك وتتعبها ..معلش خليها عليك أنت برضوه أخوها الكبير في مقام باباها الله يرحمه ..

تنهد بثقل وراح يهز رأسه موافقا على كلامها ..ثم أغمض عينيه متعبا ...
لتقول ساندرا بهدوء:
-طب أنا هروح اتكلم معاها ..

جلست في غرفتها تتصفح تطبيق "الفيسبوك" عبر هاتفها الخاص, تتابع أخبار أصدقائها عليه بابتسامة وشغف, حيث أعلنت احداهن عن موعد عقد قرانها ,ابتسمت بهدوء وشعرت بالحنين ..مشاعر كثيرة تسربت إلى قلبها ..ودعت أن يمنح صديقتها تلك السعادة ..
أغلقت "چنا" الهاتف ونهضت خارجة من الغرفة, توجهت إلى صالة المنزل حيث توجد والدتها ...جلست قبالتها وهي تقول برجاء:
-ماما ممكن أخرج؟

والدتها باستغراب:
-تخرجي تروحي فين يا چنا؟
-أي حتة النادي الحديقة اتمشى حتى أي حاجة يا ماما بجد اتخنقت من قعدة البيت ..
-يا حبيبتي طب هتخرجي لوحدك إزاي ...
چنا بتنهيدة طويلة:
-يا ماما ما أنا معنديش صحاب خالص، عشان خاطري..
تابعت السيدة سميرة برفق:
-طب إيه رأيك تخرجي مع ميرال؟

-ميرال من يوم ما علــي سافر وهي مش بتخرج من أوضتها ومش بتتكلم أصلا معانا ..وزعلانة عشان علـي مشي وهو مخاصمها ..
تنهدت الأم بصوت عالي وقالت:
-طب خلاص انزلي وخلي بالك من نفسك بس عرفيني هتروحي فين؟
-هروح النادي يعني ساعة ساعتين كدا مش هتأخر يا ماما ..
-ماشي يا حبيبتي،يلا قومي ..
نهضت چنا وهي تبتسم باتساع لوالدتها ثم قبّلتها بامتنان واندفعت إلى غرفتها كي تبدل ثيابها...

وفي غرفة "ميـرال" ..
كانت تجلس في شرفتها وهي ترتدي حجابها الذي باتت تعشقه منذ أن تزوجت ..
وبعينيها لمعة من الحزن ..حيث أن "علي" يُحادثها دائماً باقتضاب ...
يسألها عن موعد علاجها... ونظامها الغذائي فقط ..
لا يغازلها كعادته ولا يمرح معها ..
لا يُدللها كطفلته كما يفعل دوماً..

ابتسمت ميرال ..رغم كل شيء يهتم بها ..حتى في غضبه منها !..
لقد اشتاقت حقا له وللغاية ..
لذا التقطت هاتفها وحاولت الاتصال به ..مرة ...
وفي الثانية وصلها صوته الحبيب ..وهو يردد كعادته مؤخراً باقتضاب:
-نعم؟

فقالت بتنهيدة عميقة حملت اشتياقها له:
-كفاية بقى يا علي ..بجد أنا مش عارفة أرضيك إزاي ..
-أنا مسافر في شغل ..مش بتفسح يا ميرال يعني مش هعرف أكلمك تمام ..
-لا مش تمام ..يولع الشغل يا علي !
صرخت بنفاد صبر وهي تخبره بذلك, ليتنهد قائلا بهدوء صارم:
-أنتِ بتزعقيلي يا ميرال؟
تراجعت وخفضت صوتها متابعة:
-مش بزعقلك ..أنت وحشتني أوي ..أنت هتيجي إمتى طيب؟

رد بجدية:
-كمان إسبوع ..
-إيــــه! أنت بتتكلم جد؟
-ميرال بجد مشغول اقفلي ...
سمع صوت آناتها الخافتة ما أن أنهى جملته، وقد علم أنها تبكي الآن ..
فقال برفق:
-بطلي عياط ..هكلمك والله بعد ساعة ..أخلص بس عشان دلوقتي مش هينفع .. تمام؟
مسحت دموعها وقالت هادئة:
-هستناك ..بس أنا محتاجة أطلب طلب ممكن؟
أجاب بجدية:
-ممكن ..

-عاوزة أروح القصر ..عاوزة أتكلم مع أدهم عشان ماما قالتلي إنه حالته صعبة أوي ..
-ماشي بس خلي بالك من نفسك ومتتأخريش وإلبسي حاجة واسعة يا ميرال ومش ملفتة تمام؟
ابتسمت بحب قائلة:
-حاضر ..أي أوامر تانية؟
ابتسم هو الآخر قائلا:
-كلميني لما توصلي وبعد ما ترجعي ..ومتاكليش أي حاجة هناك عشان لو كلتي هعرف ..
-حاضر ..إيه تاني؟
-اقفلي بقى عشان كدا خطر!
أغلقت الهاتف وهي تضحك بعفوية، ثم نهضت ترتدي ملابسها بحماس...

بونســـوار ...
قالتها ما إن دخلت إلى القصر الآن، وكانت في حالة هيستيرية شديدة، تترنح يمنى ويسرى وبيدها لفافة تبغ تدخنها بلا مبالاة وكأنها لا تحمل بداخلها جنين!
لم تنتبه إليه وهو واقفاً على بُعد عدة خطوات منها ..ينظر لها بصمت مريب ..عيناه جامدتان للغاية ..
دندنت بخفوت وهي تتجه نحو الدرج،فاصطدمت به ونظرت إليه ...
اشتبكت عينيه بعينيها وتبادلا النظرات ..

ابتسمت تمارا آنذاك وهي تقول بلا اكتراث:
-أنت هنا يا بيبي؟ ..حبيبي وحشتني ..
اقتربت أكثر تعانقه باحتياج... احتياج له .. للمسة منه ..لعودته ..
لكنه لم يبادلها ..بل أبعدها عنه مشمئزا..:
-ابعدي عني ...،،، ثم صاح بها بشراسة شديدة:
-أنتي إزااااي تتجرأي وتعملي كدا ؟ بتسكري وتشربي سجاير وأنتي حامل في ابني ؟ أنا طلقت ملك ...ملك مراتي عشان خاطر إبني فما بالك أنتي بقى هعمل فيكي ايه لو اللي في بطنك جراله حاجة ؟

نظرت له بسخرية تامة ..أكملت تدخين لفافة التبغ إلى أن انتهت منها ..ألقتها على الأرض ودهست عليها بقدمها ..لتتابع بنفس السخرية:
-للدرجة دي بعدها دمرك؟! .لسة بتحبها هي وبايعني أنا ! رغم كل اللي عملته عشانك!
رد عليها بسخرية مماثلة:
-إيه اللي عملتيه عشاني؟
زاغت عينيها ه‍نا وهناك ولا تعلم الرد!
ما الذي فعلته تمارا لأجل أدهم؟!
-إبني ..

ها هي ترد عليه، متابعة بعصبية شديدة:
-إبنيييييي هو دا بقى اللي أنا عملته عشانك يا أدهم يا جزار!
ضحك بسخرية والتف موليها ظهره قائلا:
-يعني عليه هيطلع يلاقي أمه إيه ؟ بتشرب خمرا ؟, سجاير؟ ..بتروح أماكن زي الزفت على دماغها زي الديسكو ؟ ..ونعم الأم بصراحة..
كانت صامته ..صدرها يعلو ويهبط بفعل انفعالها ...صوت أنفاسها يعبر عن مدى غضبها الآن ..

بينما يستطرد أدهم بشراسة قاسية:
دا هيكون آخر كلام بينا ..لو رجعتي بالمنظر دا تاني هتطلقك ..وبالتلاتة ..أنا أصلا مش باقي عليكي وعمري ما حبيتك أنتِ واحدة دخلتي حياتي بارادتك أنتِ وغصب عني أنا ..فرضتي نفسك عليا وأنتِ واثقة إنك بالنسبة لي ولا أي حاجة .. أنا بقولهالك أهو أنا صابر عليكي عشان اللي في بطنك ولو حصله حاجة مش هكتفي بطلاقك وبس لأ صدقيني هعمل حاجات مش هتتخيليها ..!

لقد اوجعها كلامه.. أهانها ..هو محق ..في كل كلمة وهذا ما يوجعها...
-أنت بتهددني؟ ..بتجرحني بالكلام ؟ ..للدرجة دي يا أدهم أنا رخيصة عندك؟ ماليش أي مميزات؟ أنا فيا عيوب بس؟
-أنا خارج الجنينة أشم الهوا عشان وجودي معاكي أكتر من كدا بيخنقني ..
خرج بالفعل وتركها في حالة يُرثى لها ..سار في الحديقة كبركان قارب على الانفجار ..كعاصفة خامدة ..
يشعر بالقهر ...وكأنه وقع بين نارين ...

نار تمارا التي يخشى أن تكون ظُلمت معه رغم كل شيء..
ونار ملك التي لن تنطفئ أبدا .. نار لن يستطيع أحد اخمادها ..
ستظل تشتعل وتشتعل واما ان تقضي عليه فتجعله مجرد رماد ..
أو تنطفئ بعودتها إلى أحضانه مجددا ..
شعر بشئ خلفه ..التفت فإذا بشقيقته ميـرال تقبل عليه وتعانقه بحنان أخوي ..
تربت على ظهره بمواساة ..وهو استسلم لعناقها باحتياج شديد ..بادلها العناق بصمت وخرجت منه تنهيدة معبرة ..
ليقول بخفوت:
-ميرال ..

-حبيبي يا أدهم طمني عليك ..
ابتعد عنها قائلا بتهكم:
-زي ما أنتِ شايفة ..
جذبته ميرال من يده وسارت به إلى أقرب مقعد قابلها مع قولها:
-تعالى بس يا عم الحزين أنت ..أقعد كدا عشان نعرف نتكلم.. قولي بقى ليه عامل في نفسك كدا؟ ..الدنيا مش هتقف وأنت قد الصدمات يا أدهم ..اتعودت عليك قوي وقد كل حاجة ..
مسح أدهم على وجهه براحة يده، بينما يخبرها بشبح ابتسامة مريرة:
-أنا طلقت ملك يا ميرال .. طلقتها!

تنهدت ميرال وقالت بجمود:
-هو أنت زعلان وأنت اللي طلقتها بكامل إرادتك ...أنت حتى ماسمعتش منها إيه اللي حصل بالظبط ..مش يمكن تكون تمارا كذابة؟ ..وملك أصلا مزقتهاش يا أدهم!
أغمض عينيه بلا حديث... محاولا الهروب من هذه الكلمات ..لكنها واصلت:
-أنت عارف طلقت ملك ليه يا أدهم؟, عشان مجروح منها بسبب اللي حصل منها وحبوب منع الحمل ..لكن السبب مش عشان وقعت تمارا خالص... فمن صدمتك تصرفت بالطريقة دي..

ازدرد ريقه بمرارة شديدة ..في حين ربتت ميرال على ذراعه وقالت:
-أنا حاسة بيك يا أدهم جدا ..عارفة إنك في دوامة كبيرة ..بس لازم تصمد عن كدا وتقرر وتحسم مصيرك كويس ..
نظر لها بهمٍ قبيل أن يردف بحزن:
-خايف أكون ظلمت الاتنين معايا ..ملك لما اتجوزتها في السر ولما أعلنت جوازنا اتفاجئت هي إني أصلا اتجوزت عليها ...وتمارا !

يمكن ظلمتها عشان مبحبهاش؟ وأهانتها كتير عشان مبحبهاش؟ ..منكرش إني بجرحها بالكلام كتير... بس برضوه هي إنسانة مستفزة وأوي ..عمري ما حسيت حتى اني متعاطف معاها ..دايما مشمئز منها ..كاره وجودها ..غصب عني مش بايدي ..والله مش بايدي ..
حاولت أقرب منها لما كنت بعاقب ملك ..بالفعل قربت بس حسيت إني مخنوق ..ندمان ..شعور غريب بحسه في قربها ...

-أدهم! متجلدش نفسك وتحملها فوق طاقتها ..انسى كل دا ولو حاسس إنك بتظلم تمارا في عيشتها معاك خيرها بين عيشتك وبعدك بعيدا عن اللي في بطنها هو دا الحاجة الوحيدة اللي هتربطكم ..ولو باقي على ملك عاوز تكمل حياتك معاها روح لها وابدأوا من جديد .. كل اللي أنت بتعمله في نفسك صدقني مش هيفيدك بحاجة بل بالعكس هيزود همومك ..أبدا يا أدهم واقف كدا اسد زي عادتك يا حبيبي..

ابتسم أدهم وضم شقيقته إليه متنهدا بعمق، ثم قال متسائلا:
-طمنيني عنك أنتِ..عاملة إيه مع علي؟ مبسوطة؟ ..
فردت بلا تردد:
-مبسوطة جدا، علي أجمل حاجة حصلت في حياتي ..
-ربنا يخليكم لبعض يا حبيبتي...

"بعد مرور الوقت"
كانت تسير چنا فوق رصيف الشارع الذي ستعبر منه إلى المنزل مرة أخرى بعدما قضت وقتا مريحا في الحديقة القريبة من المنزل ..لم تكد تتنهد بارتياح لتتفاجئ شخص ما يقفل عليها الطريق بالدراجةِ النارية الذي يعتليها ..ويلقي عليها كلماتِ في غاية الفظاظة ..يبدو أنه ثمل ربما!

حاولت أن تبتعد في سرعة فلحق بها بدراجته ...مستمتعا بخوفها وتوترها منه ..حاصرها ونوى الاعتداء عليها ..ركضت وصرخت ...لم يكن في الشارع أحد الآن ..ركضت بأقصى سرعة تملكها إلى أن اصطدمت بشخص آخر ..رفعت نظرها إليه وهي تلهث بعنف ..

ففاجئها بأنه حماها خلف ظهره وراح يتعرض للآخر ...حيث قام بمهاجمته وجره جرا من فوق الدراجة مسددا له لكمات قوية ..وركلات عنيفة جدا ..ثم تركه بعد أن خارت قواه ..وتراجع للخلف قائلا بجدية وهو يمسح على جبينه الندي:
-أنتِ كويسة؟
أومأت چنا برأسها وهي تحمد الله، ثم تتابع بامتنان:
-شكرا ليك ..

أشار لها بكف يده كي تتحرك أمامه بطريقة صارمة استغربتها هي للغاية، متابعا بجمود:
-اتفضلي معايا، كدا كدا الطريق واحد وعشان ماحدش يضايقك!
هزت رأسها بايجاب وسارت أمامه على استحياء رغم دهشتها من أسلوبه الحازم ..

-اتكلمت معاها يا حازم ..بس شكلها مصممة على اللي في دماغها!
كانت عبارة ساندرا التي جلست جواره الآن، ليقول حــازم بعصبية تامة:
-يبقى هكسر لها دماغها وعضمها!
ساندرا بضيق شديد:
-قولتلك يا حازم متبقاش عنيف كدا، صدقني مش هتحل حاجة خليك ذكي!

نظر لها باحتقان متابعا:
-ممكن تطلعي أنتِ من الموضوع يا ساندرا؟ ...متتدخليش!
صمتت ساندرا قليلا لكنها رمقته بغيظ شديد، ثم تابعت باعتراض على أسلوبه ذاك:
-ليه؟, ليه دايما عاوزني متتدخلش في أمورك ودايما سامح لنفسك بس بكل حاجة،ومش قادر تفهم إن فيه حاجة إسمها مناقشة ..مشاركة ...آراء ..أنت ليه لازم أنت اللي تقول ..أنت اللي تقرر ..أنت اللي تأمر ...ليه يا حازم!

زفر زفرة كبيرة تحمل غضبا كثيرا من كلامها الذي لم يرُق له ...فيما يستطرد بعنف:
-اتمسي وقولي يا مسا يا ساندرا،أنتِ عاوزة إيه بالظبط ؟ ..دي أختي وأنا حر معاها يا ستي أخرجي أنتي بقى من الموضوع عشان منزعلش إحنا مع بعض،أنا كدا غلطت في إيه؟
-غلطان عشان مش عاوز تسمع إلا نفسك !
-أنا حر!

صمتت ساندرا مرة أخرى تحاول تهدئة نفسها، ثم عادت تتكلم بهدوء:
-تعرف وأنا بتكلم مع رغدة يا حازم قالتلي إيه؟, قالتلي بدل ما هو عمال ينصح فيا ويضربني،ينصح نفسه ويبطل حشيش ..وخناقات عمال على بطال هو ليه دايما شايف نفسه ملاك؟ ..قالتلي كدا بالنص! إيه رأيك في الكلام دا ؟

ابتسم بتهكم وكأنه لم يتأثر من هذه الكلمات، ليقول بحدة بعض الشيء:
-رأيي إنها بت قليلة الأدب، ناقصة رباية فعلا، أنا مسؤول عن نفسي مش من حق حد يحاسبني أنا آه بغلط بس ماحدش له فيه.. لكن أنا مسؤول عنها وهي مش من حقها أي حاجة ..دي بنت لما تغلط أنا أنبهها وأكسر لها رقبتها كمان ..على آخر الزمن أخت حازم هتمشي على كيفها!

كادت تتكلم ساندرا مرة أخرى..فاوقفها صارما:
-مش عاوز ولا كلمة زيادة ..عشان منقلبش الليلة نكد اكتر من كدا ولو مافيش عند حضرتك مانع تعيشيني قبل ما أنام يبقى كتر خيرك!
نظرت له ساندرا بصمت وهي تتأمل ملامحه المرهقة ويديه المتسختين أثر عمله الطويل على مدار اليوم في ورشته، تنهدت وربتت على كتفه بحنو فيما تكمل:
-متزعلش مني يا حازم، أنا مش نكدية صدقني أنا بس نفسي نكون متفاهمين،أنا هقوم أحضرلك العشا وأعملك كل اللي أنت عاوزه وتطلبه ..عنيا ليك يا حازم.

نظر لها بصمت وقد زال غضبه في لحظة ..تنهد طويلا بارتياح ..لكنه قال بوجه عابس:
-شكرا يا ساندرا.
ابتسمت قائلة بخفوت::
-العفو، بس بلاش التكشيرة دي لحسن بخاف يا سي حازم!
ضحك رغما عنه على كلمتها الأخيرة مرددا:
-سي حازم؟

هزت رأسها متابعة:
-آه في حاجة ولا إيه؟
-لا .. أنتِ براحتك على الآخر ..
ابتسمت بخجل وذهبت إلى المطبخ وهي تدعي له بالهداية كعادتها دوما قائلة:
-ربنا يهديك يا حازم...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة