قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لعنة العشق للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية لعنة العشق للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية لعنة العشق للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

ابتسمت كارمن وهى تتأمل المكان من حولها، ذلك المكان الذى اكتشفته بالصدفة منذ يومان، والذى أصبح مكانها المفضل فى المزرعة، كانت ترسم التوأمين وهما يلعبان بتلك الطائرة الورقية والتى أهدتهما اياها البارحة لنجاحهم فى الامتحان بعد أن صنعتها خصيصا من أجلهما كمكافأة لهما على اجتهادهما، فرحت جودى بها كثيرا بينما ظهر عدم الاهتمام على ملامح جود ولكن كارمن لمحت سعادة مخفية بمهارة داخل عينيه، ولكنها أدركتها..

تأملتهما قليلا وقلبها يكاد ينفجر من قوة الحب الذى تشعر به تجاه هذين الطفلين، والذين ملكا مشاعرها منذ اول لقاء لها معهما لتمر الأيام ويزداد حبها وتعلقها بهما لينتابها الخوف من لحظة فراقهما والتى ستأتى عاجلا أم آجلا، بعد عام، بعد اثنين، النهاية واحدة، فقد ووحشة وألم، انسابت دمعة من عينيها لتمسحها بسرعة وهى تلاحظ اقتراب الطفلين منها، ابتسمت قائلة:
ايه، زهقتوا ياحبايبى؟

جلست جودى بجوارها بينما ظل جود واقفا لتقول جودى بتعب:
هنرتاح شوية يامس كارمن وبعدين هنلعب تانى
ثم نظرت الى رسمة كارمن قائلة بسعادة:
انتى بترسمينا صح؟
ابتسمت كارمن وهى تومئ برأسها لتلاحظ اهتماما مستترا من جود وهو يمد رأسه قليلا ليرى رسمتها فقربتها منه قليلا ليراها جيدا، ليتظاهر بعدم الاهتمام قائلا:
يلا ياجودى نكمل لعب
قالت جودى:.

لأ، أنا هقعد أتفرج على مس كارمن وهى بترسم، انا بحب الرسم اوى وعايزة اتعلم منها، روح انت ياجود
هز جود كتفيه وهو يقول:
انتى حرة
ليبتعد ويلعب بالطائرة بينما تتابعه كارمن بعينيها، تعلم أنه عنيد مثل أبيه تماما ولن يستسلم بسهولة ولكنها لن تيأس قبل أن يرفع لها راية الاستسلام، لا تدرى لماذا فى تلك اللحظة ظهرت صورة أدهم أمامها لتنفضها بسرعة وهى تشعر بالارتباك والخطر.

وقف مهيب ينظر الى السماء من خلال نافذة مكتبه تتصارع لديه الأفكار، منذ ذلك اليوم عند أدهم وكلامهما سويا، وهو يشعر بالتمزق، يرفض أن يصدق استنتاجه لتلك المشاعر التى تجتاحه، يرفض أن يصدق أنه يحب مايا منذ أن عرف للحب طعم كما قال له أخوه، هو بالتأكيد لا يحبها بل يتوهم ذلك، نعم تزداد دقات قلبه فى قربها ولكنه أرجع ذلك الى جمالها وهدوءها ورقتها أو ربما هو عطرها الوردى الهادئ مثلها تماما والذى أصبح كالهواء بالنسبة له، يعشق استنشاقه، ونعم هو لطالما افتقدها كلما غابت عن ناظريه بل كاد ان يموت عندما علم بمرضها حتى انه قطع شهر العسل خاصته ليكون الى جوارها، ولكنه أرجع ذلك الى انها مثل اخته الصغيرة تماما، تنهد بعمق لا يدرى الى متى سيظل فى تلك الأفكار التى تكاد تؤدى به الى الجنون؟

على الجانب الآخر من الغرفة وتحديدا امام الباب تقف مايا مترددة فمنذ يومين ومهيب يتصرف بغرابة، يتجنب لقائهما، وحتى عندما يتلاقيا يتصرف معها بتوتر وجفاء، تخشى ان يكون قد ادرك مشاعرها تجاهه، يعلم الله أنها حاولت المستحيل كى لا يشعر بحبها، أغمضت عينيها تدعوا الله أن لا يكون قد اكتشف مشاعرها وإلا فقدته للأبد، وهى على استعداد للتخلى عنه كحبيب ولكنها ليست على استعداد مطلقا ان لا يكون له وجودا بحياتها، لا تستطيع أن لا تراه كل يوم، أن تتنفس عطره وتحظى بلحظات قليلة بقربه، لا تستطيع.

أخذت نفسا عميقا وطرقت الباب ليأمرها مهيب بالدخول، دلفت مايا الى الحجرة لتجده واقفا ومانحا اياها ظهره لتتنحنح قائلة:
احم، مهيب؟

منذ لحظة دخولها الى الحجرة وعرف مهيب على الفور أنها هى لتزداد دقات قلبه وهو يسمعها تنادى باسمه، اغمض عينيه وهو يتعجب من حاله، فمنذ فترة قريبة كان وجودها معه يسره ولكنه لا يسارع دقات قلبه كما يحدث الآن ليدرك أنه كان معميا عن مشاعره والتى ما ان أدركها حتى بات من المستحيل انكارها، التفت اليها بهدوء يتأملها بصمت بدءا من شعرها الأسود الحريرى، مرورا بعينيها التى دائما ما تختفى خلف نظارتها وصولا الى شفتيها الكرزيتين وعنقها الطويل، تأمل ملابسها والتى تظهر قدها الرشيق، كانت تلبس تنورة سوداء ضيقة تصل الى ركبتيها عليها جاكت قصير أسود وتحته بلوزة بيضاء، مظهرا كلاسيكيا فتان، ملابسها تعكس طبيعتها، بسيطة وهادئة وأنيقة، توترت مايا من نظراته وقالت بارتباك:.

مهيب!

أفاق من سحر النظر اليها ليقول بهدوء يحاول به أن يهدئ من نبضات قلبه الثائر:
خير يامايا، ايه اللى جابك بدرى انهاردة؟
اقتربت منه قائلة:
انت يامهيب
عقد حاجبيه قائلا:
انا؟

أومات برأسها ايجابا وهى تقول:
أيوة انت، مبقتش أشوفك خالص، بتيجى بدرى وبتروح بدرى، ولو اتقابلنا بالصدفة بتبقى بارد معايا وكأنك مش عايز تشوفنى.

صمت وقد ظهر عليه الارتباك، لتضع يدها على فمها بصدمة وترجع الى الخلف وقد ترقرقت بعينيها الدموع قائلة:
انت بجد مش عايز تشوفنى، صح؟

أوجعته دموعها ليسرع بالنفى وهو يقترب منها قائلا:
انتى أكيد اتجننتى، ازاى بس مش عايز أشوفك، طب ليه؟
هزت رأسها قائلة بمرارة:
مش عارفة، مش عارفة
أمسك يدها بحنان قائلا:
بطلى هبل، وقوليلى، انتى فطرتى؟

نظرت اليه بحيرة لترى ابتسامته التى أزالت حزنها على الفور لتهز رأسها نفيا قائلة:
لأ
اتسعت ابتسامته وهو يراها تمط شفتيها كالأطفال ليقول:
انا كمان مفطرتش، ايه رأيك ناكل سندوتشات بيض بالبسطرمة ونشرب كابتشينو وبعدين نشوف حكايتك ايه، عشان شكلك اتجننتى ع الآخر
ابتسمت قائلة من وسط دموعها:
انت اللى طول عمرك مجنون ياحبيبى.

لتصمت فجاة وهى تدرك أنها تفوهت بلفظ التحبب دون أن تدرى ولكن مهيب تجاهل كلمتها لتشعر هى بالراحة وهو يقول:
بقى أنا طول عمرى مجنون، طيب، هاتى النضارة دى كمان
وقرن قوله بنزع نظارتها دون الاهتمام بمعارضتها ليرى عينيها الجميلتين والتى سحرته على الفور ليقول دون وعى:
ايه يابنتى الجمال ده كله، مخبياه ورا النضارة يامجنونة
أخذت منديله بعفوية ومسحت دموعها ونظارتها وهى تقول بطفوليه:
مبشوفش من غيرها.

اقترب منها أكثر وأخذ منديله من يدها بمشاكسة وهو يقول:
منديلى على فكرة
انتبهت الى ما فعلته ليحمر وجهها خجلا ليستطرد قائلا فى مرح:
فيه حاجة اسمها لينسز ياماما، الحقى نفسك عشان هتعنسى
نظرت اليه قائلة بهدوء:
مش مهم، انا أصلا مبفكرش فى الجواز
أراحته تلك الكلمات ليدرك انه كلما مر الوقت يتأكد من احتلالها لقلبه ليتنحنح قائلا بجدية:
أكيد هييجى اليوم وقلبك يدق وييجى اللى هياخدك مننا يامايا.

شعر بطعنة كلماته لقلبه وهو يتخيل ذلك اليوم الذى يراها فيه عروس لشخص آخر، لتقول هى فى نفسها:
فات الأوان، واللى قلبى دقله مبقاش نصيبى بس قلبى هيعيش ليك وبس يامهيب
لتقول بصوت هادئ وهى تغير الموضوع:
متنساش اجتماع انهاردة الساعة ٥، لازم تكون موجود، مستر ايهاب طالبك بالاسم
اومأ برأسه موافقا فابتسمت بهدوء واتجهت لتغادر الحجرة ليناديها مهيب قائلا:
مش هتفطرى؟
التفتت اليه قائلة:
ورايا شغل كتير، مرة تانية، سلام.

وغادرت ليتنهد مهيب قائلا:
من انهاردة يامهيب لا هتشوف راحة ولا سلام.

تناهى الى مسامع أدهم صوت ضحكات تأتى من الحديقة، ليتجه الى النافذة وينظر من خلالها ليرى كارمن تمشى مغمضة العينين بعصابة عليهما، تنادى على الطفلين بصوت ضاحك بينما طفليه يتنقلان حولها تتعالى ضحكات جودى وهى تناديها أما جود فيحاول ان لا يظهر حماسه للعب بينما تعكس عينيه سعادته، خرج ادهم الى الحديقة واقترب منهم بهدوء وهو يشير لطفليه بالصمت لتعقد كارمن حاجبيها قائلة فى حيرة:.

روحتوا فين ياولاد؟، جود، جودى.

تعثرت فى مشيتها وكادت ان تقع لولا ان امتد اليها ساعدين قويين أمسكا بها بقوة فمنعا سقوطها، لتشعر كارمن بجسدها ينتفض على الفور ورائحة ذكورية قويه تعرفها جيدا تتسلل الى أنفها، فنزعت العصابة عن عينيها بسرعة لتتقابل عينيها مع عينين بنيتين تغيمان بنظرة لم تستطع تفسيرها، تنحنحت وهى تعتدل فى وقفتها وتبتعد عن محيط ذراعيه قائلة فى توتر:
شش، شكرا
ابتلع أدهم ريقه بتوتر قائلا:
ولا يهمك.

حاول أن يخرج من تلك الحالة الغريبة التى مر بها منذ ثوان، انها حالة من الغرق، الغرق فى ملامحها الجميلة، عيونها اللامعة ورموشها الطويلة وشفتيها المنفرجتين والتى تدعوه لتقبيلهما، وصدرها الذى يعلو ويهبط بسرعة نتيجة لتسارع أنفاسها، نبض قلبها والذى يظهر فى ذلك العرق النابض فى رقبتها، يود لو يقبله حتى يهدئ تماما، نظر لطفليه قائلا بتوتر:.

كفاية لعب بقى وذاكروا شوية، عمكم أيهم جاى بكرة والدنيا هتتقلب ومش هتعرفوا تذاكروا الفترة الجاية دى
أومأ الأطفال برءوسهم وهما يتجهان الى قاعة الدرس، كاد أدهم ان يغادر هو الآخر هربا من مشاعره، ليوقفه صوت كارمن الرقيق قائلا:
لو سمحت ياأستاذ أدهم
التفت اليها قائلا:
أفندم
قالت بتردد:
هو أنا ممكن آخد أجازة بكرة؟
عقد حاجبيه قائلا:
ممكن أعرف السبب؟
قالت بارتباك:.

بكرة الأستاذ أيهم هيوصل وهتبقى فيه حفلة ووجودى مش هيبقى ليه لزوم
قال أدهم:
بالعكس، أولا فى الحفلة وجودك ضرورى عشان الأولاد، ثانيا، دى فرصة كويسة تتعرفى فيها على بقية العيلة
قالت بهدوء:
تمام، هأجل الأجازة بس انا فعلا محتاجاها عشان عايزة أزور حد عزيز علية وبقالى فترة مشوفتوش
قال أدهم فى جمود:
ممكن أسأل مين ده؟
ابتسمت فى حنان دون أن تنتبه الى غيرته التى ظهرت فى صوته ونظراته لتقول:.

طفل فى الملجأ، الحقيقة انا متعودتش أقعد الفترة دى كلها مشوفوش
تنهد أدهم داخليا بارتياح واكتشف انه كان يحبس أنفاسه بانتظار اجابتها، ليتعجب من شعوره القوى هذا، ليفيق من افكاره على صوت كارمن يقول بقلق:
ممكن؟

اومأ برأسه لتهب بعض الرياح المحملة بالأتربة وتدخل فى عينى كارمن لتصرخ واضعة يدها على عينيها ليسرع أدهم ويزيل يدها وهو يفرد منديله بسرعة ويضعه على عينيها وينفخ فيهما بقوة ثم يزيل منديله بعد قليل، لتفتح كارمن عينيها ببطئ وتلتقى بعينيه فى نظرة طويلة أثارت مشاعرهم ليفيقا سويا على صوت جهورى يقول بصرامة:
أدهم.

التفتا سويا ليجدا والد أدهم، يحدجه بنظرة صارمة، وهو ينقل بصره بينه وبين كارمن، التى أصابها الخجل ليقترب أدهم من والده مرحبا وهو يقول:
حمد الله ع السلامة يابابا
قال والده فى حزم وهو يشير الى كارمن:
مين دى؟
قال ادهم:
دى تبقى مس كارمن، مربية الأولاد
نظر أدهم الى كارمن قائلا:
قربى ياآنسة كارمن
اقتربت كارمن منهما قائلة فى خجل:
حمد الله على السلامة ياراجى بيه
أومأ برأسه بإيجاز دون أن ينطق بكلمة ليقول لأدهم:.

عايزك فى المكتب
أومأ أدهم برأسه ليغادر راجى المكان دون كلمة أخرى لينظر أدهم الى كارمن قائلا:
متزعليش من بابا، هو يبان قاسى وعصبى بس قلبه مفيش أطيب منه
أومأت برأسها ليقول:
روحى انتى للاولاد وخلى بالك منهم
أومأت برأسها مجددا وهى تتعجب من اهتمامه بمشاعرها واعتذاره لها عن تصرف أبيه، ابتعدت تتبعها عيناه وهو لا يعلم حتى الآن سر اهتمامه بها وبمشاعرها، هى فقط دون غيرها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة