قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعنة الحب المنبوذ للكاتبة سهير محمد الفصل الحادي عشر

رواية لعنة الحب المنبوذ للكاتبة سهير محمد الفصل الحادي عشر

رواية لعنة الحب المنبوذ للكاتبة سهير محمد الفصل الحادي عشر

(كنيسة الدار)
اخذهم الحديث طويلا حتى جلس اديم في مقعد طويل وعريض، وهي امامه مباشرة في مقعد اخر من الكنيسة، ظلوا يتحدثوا في اشياء كثيرة، و مختلفة مرة عنه وعن مرة حياته بدون ذكر تفاصيل دقيقة مجرد قشور على السطح، وهي ايضا قصت له بداية حياتها في تلك الدار لم تترك شىء الا وقالته عنها، لديها عفوية وطيبة قلب غير طبيعية، فتاة مستحيل ان تقابل مثلها في تلك الحياة الزائفة والابتسامات المصطنعة...

- قال باعجاب، وهو يرمقها نظرة استغراب. انتى طيبة اوى يا ورود.
خجلت من كلماته.
- قائلة برقة. شكرا لحضرتك.
- انتى طيبة لدرجة ممكن تتاذى.
انكرت حقيقة كلامه.
- قائلة بثبات وايمان حقيقى. عمرى ما هتاذى. مادام ضميرى طيب وروحى وصلاتى كلهان نابعه من حب الرب.
- انتى مؤمنة جدا.
اخرجت تنهيدة امتنان لذلك المكان العظيم الذي ضم الكثير لها من فرح وحزن.
- قائلة بحب. انا كبرت هنا في مكان مابيفكرش غير في العطاء والحب.

- بس الدنيا برا ماتعرفش عطاء. ماتعرفش غير القسوة والظلم الخ...
- انا اصلا مش عايزاها. انا عايزة اترهبن. واكون دايما في خدمة الرب.
هزا راسه بعدم فهم لبعض كلماتها وخاصة الرهبنة.
- قائلا بهدوء. ورود انا واحد مسلم. ومااعرفش يعنى ايه رهبنة؟
خبطت على راسها بعفوية. قالت وهي تضحك بطفولية.
- تصدق انى نسيت انك مسلم.
قال بغزل وهو يرمقها نظرة خاصة.
- ودى شىء حلو ولا وحش.

خجلت من كلامه مرة ثانية وارتبكت منه، فقامت من مقعدها بتوتر. واستاذنته برقة.
- قائلة بادب. عن ازن حضرتك.
قال باستفهام، وهو يقوم من مكانه بلهفة عليها.
- راحة فين؟ ماتخلكي شوية.
- ماينفعش. كدة كفاية.
هزا راسه بتفهم. ثم تابع وهو يقول بصدق.
- ورود انا انبسطت بالكلام معاكى.
قالت بادب، وهي تنصرف من امامه. دون ان تسمع رده.
- شكرا يا استاذ اديم.
- قال وهو ينظر اليها، وهي تغادر المكان. العفو.

(فيلا كريم النوار)
وهو يصعد الدرج، سمع سؤال زوجته العصبي.
- قائلة بحنق. فين تارا يا كريم؟
تافف بضيق حانق، ضاربا بقدمه على الدرج بغضب، واستدار لها.
- قائلا بضيق. في بيت عمها.
جزت على اسنانها بغل.
- قائلة بعصبية. سبت بنتك عند صافي وجيت.
انفجر فيها بصراخ.
- قائلا باستغراب. هو انا سبتها في بيت دعارة.
- ياريت كان هيكون افضل واهون.
انصدم من كلامها. فنزل عن درجة السلم، ووقف قبالتها.

- قائلا بتحذير. شاهيناز حاسبى على لكلامك. هي في بيت عمها ومع ولاده.
- وعند حبيبة القلب اللى نفسها تشمت فيا. وبتحدى هي السبب في ان بنتى عايزة تتطلق.
- انا مش عارف بتيجبى الخيلات بتاعتك دى منين.
- من معرفتى بصافي بتحب تبان بصورة الملاك البرىء. وهي شيطانة في صورة انسان.
اراد ان يغيظها.
- قائلا بعند. هو انتى بتتكلمى عن نفسك.
- قصدك ان انا شيطانة.
- بدل ما انتى ماسكة فيا. روحي شوفي بنتك عايزه تتطلق ليه.

- ما انت روحت تشوفها. ماكنتش اعرف انك رايح تحب وتتغزل في صافى.
- سؤال محيرنى انتى ليه مكملة معايا بالرغم انك عارفة انى ما بحبكيش. ولا انتى بتحبني. ولا انا بحبك.
- مكمله معاك علشان احرق صافي واحرق قلبها.
- ما تخافيش قلبها ولا محروق ولا اى حاجة.
- هي اللي تعبانه من غيرك.
- قلبك طيب اوى. انا اصلا مش في دماغها.
- انت ازاى تسيب بنتى هناك.

- شاهيناز انت شكلك فاضيه اتصلي بيها واعرفي منها ايه اللى جرى. قالها بملل، وذهب من امامها، وتركها تاكل وتغل في نفسها، وتخرج كل الكره الذي لديها من ناحية صافى، سائلة نفسها بغل، كيف لا يحبها وهي ابنة وزير، ويفضل عليها تلك الكريهة الفقيرة، تلعنها الالاف المرات، فهى السبب في تعاسة حياتها، وهذا من وجهة نظرها المريضة...

تمشى في مكان على جانبيه حشائش بهدوء ووقار والابتسامة تملا ثغرها، سعيدة بانها تحدثت معه، واخرجت كل ما كان في قلبها، الملاك البرئ يمثل لها اباها، الذي رحل عنها سواء بالموت او هو الذي اختار الرحيل عنها، كانت تريد ان ترى ملاكها البرئ، فهى تعتبره اباها وسندها وقوتها في الحياة، لا يفرق معها اذا كان مسلم او مسيحى، اهم شئ انه موجود واصبح حقيقة، ناقص ان ترى ذلك الفارس العنيد الذي يقطن في اعلى الكواكب، نظرت الى السماء، واخرجت تنهيدة اشتياق من صدرها...

- قائلة بحب. مهما طال الانتظار. سياتى يوم ونتقابل يا فارس الاحلام، حتما انت تنتظرنى بلهفة واشتياق عنيف، واذا فجاة رات نسمة امامها، والغضب لو كان يمكن لعينى بشر ان تتحولا لعينى حارقة، فان عينى نسمة هما المثال الحى على هذا في تلك اللحظة. تكاد ان تحرق الاخضر واليابس، جذبتها من ذراعها بقسوة، وجرتها ورائها، كانها لعبة مجردة من الاحاسيس والمشاعر، وهي تنادى عليها، وتطلب معرفة فعلها لذلك الوضع المهين، تجاهلت كل شئ فهى ليست في وعيها بعيدا تماما عن مسرح الحياة، وكل الذي يسيطر عليها غيرتها وحبها الاعمى لاديم كارم النوار، منذ ان راته معها وهما يتحدثان سويا في الكنيسة، و يتجاذبون الضحكات هنا وهناك، نيران اشتعلت في قلبها الحزين، الذي يحب دون مقابل، عندما وصلت امام غرفتها، وغرفة اديم، خبطت ظهرها في الحائط. قالت بعصبية وهي تجز على اسنانها.

- انتى.
ورود بخوف.
- قائلة بتلعثم. نعم حضرتك.
- كنتى بتعملى ايه مع مستر اديم.
هتفت ورود بطيبة بعدم فهم.
- قائلة بعفوية. عادى حضرتك كنا بنتكلم.
- بتتكلموا في ايه؟
- عادى حضرتك كلام عادى عن حياتى وحياته.
اتسعت عينيها بصدمة.
- قائلة بدهشة. حياته. من امتى كان اديم بيقول لحد اخباره او بيتكلم مع حد من الاساس. دايما يكون كتوم واذا حب يتكلم يكون مع صديقه زين مش اكتر.
لاحظت ورود ان كلامها لا يجدى بشئ.
اردفت ببراءة.

- قائلة بطلب. حضرتك يا انسة ممكن استاذن.
ضربتها على كتفها بكره.
- قائلة بتوبيخ. عاملة نفسك مؤدبة ومحترمة وانتى واحدة رخيصة.
انوجعت ورود من ضربها لها، وترقرت دموعها الحزينة على حالها الذي لا يسر عدو ولا حبيب.
- قائلة بضعف. ايه؟ انتى بتقولى ايه؟
- انا هفرج الدار كلها عليكى وهفضحك.
- وتفضحينى ليه؟ هو انا عملت ايه؟
- ايوا اعملى نفسك ملاك. الاشكال الزبالة دى انا حافظها.
- حضرتك بتظلمينى انا ماعملتش حاجة.

- اديم يختارك انتى دون عن نساء العالم علشان يكلمك انتى ويحكيلك عن حياته.
ورود احتضنت نفسها بذراعيها الضعيفين امام حصار نسمة المهين لها.
- قائلة بقسم. والعذرا دى اللى حصل. انا ماعملتش حاجة غلط.
اديم راى ورود تحتضن نفسها، ونسمة تحاصرها عند الحائط وترتعش بشدة، ودموعها سيول على وجنتيها...
- قائلا بصدمة. هو ايه اللى بيحصل هنا؟

التفت اليه نسمة بملامح الحقد والغل والكره والغيرة وهذا الظاهر منها، لكن المخفى في قلبها القهر والتحسر والحزن، تجاهلها واقترب من ورود بلهفة، وسالها بقلق واضح.
- قائلا باستفهام. مالك يا ورود؟ ايه اللى مبيكى؟
ردت عليه نسمة بكذب.
- قائلة بانكار. مافيش حاجة حضرتك هي كويسة.
استغرب اجابتها التي لم تقنعه بتاتا.
- قائلا بعصبية، وهو ينظر لها بضيق. كويسة ازاى انتى مش شايفاها.
قالت ورود بخوف. وكادت ان تتخطاه.

- حصل خير. عن اذنك.
امسكها من ذراعها. حاولت ان تتخلص من يده.
- قائلة برجاء. ممكن تسبنى.
نظر في عينيها بحنان ابوى.
- قائلا باصرار. طب فهمينى ايه اللى مخليكى بالشكل ده.
قالت بصدق وانفجرت في بكاء يقطع القلب. ووضعت يدها على وجهها تغطى دموعها الغزيزة.
- انا ماعملتش حاجة. والرب يسوع يشهد على كلامى.

حزن عليها بشدة، خاصة انها تبكى بكاء اطفال، ويتيمة الاب والام مكسورة الجناحين، فحالها هذا لا يرضى مسلم ولا مسيحى، حتى اليهودى والبوذى يرفضان ذلك المنظر الموجع بمختلف اشكاله، ورود عنيدة ولن تنطق وتخبره بشئ، تركها ووجه سؤاله الى تلك التي تموت قهرا توا.
- قائلا باستفهام. في ايه يا نسمة؟
هتفت فيه بصراخ.
- قائلة بعصبية. بعد ما هنتنى سبتنى، ورحت ليها تطيب خاطرها. جاى تقولى في ايه؟

- ايه الكلام العبيط اللى انتى بتقولى ده.
- انا كلامى عبيط لكن هي عشرة على عشرة.
- انتى اتجننت.
- اه انا مجنونه وهي ست العاقلين انت كنت قاعد معاها في الكنيسة بتعمل ايه؟
- انت مالك.
- ماشي يا مستر اديم.
- اعتذرى ليها.
اردفت نسمة بعند.
- قائلة بتحدى. مستحيل اعتذر ليها.
- بقول لك اعتذري ليها.
- وانا باقول لك مستحيل اعتذر ليها.
هب فيها بعصبية.
- قائلا بامر. اعتذرى ليها. وماتجننيش.

- انا مش محتاجة اجننك. لانك بالفعل اتجننت.
اتسعت عينيه بصدمة. وعروق الغضب ظهرت على رقبته. ورمقها نظرة سوداوية من عينيه، وضم قبضة يده بين اصابعه وضغط عليها بقوة. وتمالك نفسهه بصعوبه، حتى لا يلقنها قلم تنسي فيه كل شئ عن حياتها.
- قائلا بتحامل، وهو يجز على اسنانه. انتى ازاى تشتمينى؟!
لم تخشي منه.
- قائلة بقوة. زى ما انت شتمتنى وهنتنى.
- انا هنتك فين؟!
اردفت بعجرفة عكس طبيعتها المتواضعة.

- قائلة بتعالى. لما تطلب مني ان انا اعتذر لحته بنت. ماتستهلش يبقى دي اهانه بالنسبه ليا.
- انتى اللي هنتى نفسك لما وقفتى مع بنت صغيره. بتساليها في حاجه ما حصلتش. وانتى مالك اكون معاها في الكنيسه ولا ما اكونش؟
اتسعت عينيها بصدمة من كلامه المؤذى لمشاعرها التي تكن له كل الحب، ضمت شفتيها بوجع.
- قائلة بانكسار. فعلا انا مالي. انا يا دوبك حته سكرتيره بتقول بس نعم وحاضر. بغبغان بيردد وراك الكلام مش اكتر.

- انت شايفه نفسك كده؟!
- انا مش شايفه نفسي كده. انت اللي شايفني كده. انت اصلا تقريبا عمرك ما شفتني. ولا حسيت بيا.
- احس بيكى في ايه؟! عايزة تلفتى الانتباه لايه.
- اساسا يعني مش محتاجه لفت انتباه. كفايه الزفته دي اللي اسمها ورود ولا زهور اللى لفتت انتباهك. انا اصلا مين عشان الفت انتباهك.
- نسمة انتبهى لكلامك. اصلك هتسمعى منى كلام هيوجعك.
- هتوجعنى؟ وهو انت لسي ما وجعتنيش؟

- انتى مالك من ساعة ما جينا هنا وانتى متعصبة ومتضايقة.
- انا اللى متعصبة ومتضايقة ولا حضرتك من ساعة ما خرجت من اوضتك. وانت بتنفخ نار وبتقولى انا ماكنش ينفع اسمع كلامك. ودى كله بسبب الزفتة دى.
تدخلت ورود تدافع عن نفسها.
- قائلة بتاكيد. انا ما عملتش حاجه. انتى ليه مصرة لحد دلوقتى انى عملت حاجه.
رفعت يدها في وجهها بعصبية.
- قائلة بكره. بت انتى بطلى التصنع بتاعك ده. اصل ودينى.

فى تلك اللحظة خرجت شذى تبحث عن ورود، ذهبت الى الكنيسة اولا فلم تجدها هناك، فواصلت طريقها بحثا عليها، فسمعت صوت في جناح الضيافة، ذهبت الى هناك وجدت نسمة تبوخ ورود وهي لا حول ولا قوة لها، ذهبت اليها سريعا، وصرخت في نسمة.
- قائلة بتوبيخ، وهي تقف امامها بقوة. هتعملي ايه يا روح امك؟
انصدمت نسمة على الصوت المتواقح.
- قائلة بعدم تصديق. انت بتقولي لي ايه؟
- باقولك اللي سمعتي يا حلوه.
امسكتها ورود من يدها.

- قائلة بطلب. اسكتي يا شذى ملكيش دعوه.
رمقت شذى لنسمة نظرة كره.
- قائلة بتحدى. انا ما هسكتش.
اردفت ورود بطيببة.
- قائلة بهدوء ممزوج بالادب. ما ينفعش تكلميها كدة. دى واحدة كبيرة ولازم نحترمها.
- اذا كانت مش محترمة نفسها. هنحترمها بالعافية ولا ايه يا جدعان؟
- انا اسف ليكى يا انسة شذى.
رمقته شذي اعجاب.
- قائلة بيبئة. لا ماتتعذرش يا مز. هو انت اللى غلطت ولا هى. وبعدين اللى غلط في ورود كأنه غلط فيا بالظبط.

انفعلت نسمة من طريقتها.
- قائلة بعجرفة. انا ما هتعذرش لحد وخاصة البنت دى.
رفعت شذى يدها، لتضربها امسكها اديم.
- قائلا بادب. رجاء ماتعمليش كدة.
بكت نسمة بقهر.
- قائلة بوجع. انا عايزة اروح.
اردفت شذى بسخرية عليها.
- قائلة بتوبيخ. هي القطه جابت وراء كده ليه يا جدعان.
نظرت نسمة الى اديم، قائلة بطلب وهي تبكى.
- مالكيش دعوه بيا. انا عايز اروح.
- بقولك ايه تبعدي عن ورود، لاما هتشوفي مني لعمرك ما شفتيه.

تجاهل طلبها وحدث ورود باعتذار.
- قائلا بخجل. انا اسف ليكى واللى غلط هيتربى.
- خلاص يا مستر حصل خير والانسة نسمة اكيد مش قصدها.
تعصبت نسمة من اعتذاره له، وتجاهله التام بها. اردفت بعند.
- قائلة بكره. لا انا قصدى اهينك واقل منك.

لم تتحمل شذى وقاحتها اكثر من ذلك، امسكتها من شعرها الحرير، ونزلت بها ارضا وسط ذهول ورود وصدمة اديم، وجلست فوقها، وبدات في صفعها على وجهها بقسوة وعنف، ونسمة تصرخ ليس من الضرب بل من اهانة قلبها وخجلها امام حبيبها. حاولت ورود تمنع ضربها، لكن شذى عنيدة واقسمت في داخلها انها لن تتركها، اذا لم تعلمها الادب فتلك الفتاة المتكبرة تستحق ان تعاقب على طولة لسانها ووقاحتها على رفيقة دربها، اديم كان يحاول ان يحمل شذى من على نسمة، خاصة انها كانت تضربها بعنف شديد. اتت الام انجلينا جابرى اتسعت عينيها بصدمة، عندما رات ذلك الوضع والحاح اديم على شذى بتوقف الضرب، ومحاولات ورود البائسة، وصراخ نسمة الموجع من الالم والاهانة، رفعت اعلى صوت لديها بعصبية.

- قائلة بصراخ. شذي. انتى بتعملى ايه؟
في اقل من ثانيه قامت من على الفتاة سريعا، ونظرت الى الام، واقدامها تضرب في بعضها من الرعب والخوف، تعلم بان الموضوع لن يمر مرور الكرام وانها ستعاقب عقاب عنيف، ساعد اديم نسمة في القيام واخذها في حضنه. يربت على كتفها بحنان ابوى، انفجرت في بكاء مرير.
اقتربت الام منها بحزم.
- قائلة بصرامة، وهي تقف امامهم. انت عملتى ايه في البنت؟
-...

لم تخرج كلمة واحدة من فمها. غير انها اخفضت راسها خوفا ورعبا
هبت فيها بصراخ.
- قائلة بنفاذ صبر. انطقى بدل ما تشوفى وش عمرك ماشوفتى.
انتفضت شذى بخوف من صوتها العالى، وكلماتها المحذرة.
- قائلة بتلعثم. غل ط ت في ورود صحبتى وعاقبتها.
هبت فيها بعصبية.
- قائلة بتوبيخ. تولعى انتى ورود.
حاول اديم ان يوضح الموقف.
- قائلا بشرح وهو يربت على نسمة. حضرتك الموضوع في سوء تفاهم.
رمقته نظرة امتنان.

- قائلة باعتذار. مستر اديم انا اللى اسفه جدا لحضرتك. والبنتين دوللى غلطوا غلط فاحش. وهيتعاقبوا عليه.
خشى اديم على عقابهما وخاصة صغيرته.
- قائلا بقلق. هيتعاقبوا ازاى؟
قالت بابتسامة متواضعة.
- ما تخافش اوى كده.
ثم وجهت حديثها لهما بصرامة.
- قائلة بحدة. من بكرة تنظيف الدار والكنيسة عليكوا لمدة اسبوع.

انحسرت شذى على ذلك العقاب، تريد توا ان تقوم بضرب نسمة ضرب مبرح، حتى تموت بين يدها وتشفى غليلها من تلك الحقودة المتعجرفة، اما ورود ردت بطيبة.
- قائلة بخجل. حاضر يا امي.
همست شذى في داخلها بسخرية.
- قائلة بغيظ. يحضرلك الخير يا اختى. ناقص تبوسي ايديها وتشكريها.
- قبل ما تمشوا اعتذروا.
هزات ورود راسها ايجابا.
- قائلة بطيبة. انا اسفة.
وشذى ايضا.
- قالت بضيق. انا اسفه.
رمقتهما الام نظرة حادة.

- قائلة بامر. غوروا من وشي انتوا الاتنين.
نفذوا الامر وذهبوا سريعا. وهما ذهبان الى مكان نومهما، حدثتها ورود بطيبة.
- قائلة بعتاب. ايه اللى انتى عملتى ده يا شذى؟
- ويا حياتك ده اقل واجب.
- الام كدة زعلت منا.
- ما تزعل. انا كل اللى حارقنى انى اتعاقب بسبب بنت الكلب دى.
- اسكتى يا شذى ؛ ليسمعنا حد.
- مايسمعونا هنتعاقب اكتر من كدة ايه. اسبوع الكافرة تنضيف الدار والكنيسة منها لله.

- ماتدعيش عليها احنا اللى غلطانين.
- احنا ايه؟ هو انتى بتغلطى في حد يا ورود.
- يمكن غلطت فيها وانا ماقصديش.
- مش مقتنعة.
ثم تابعت بخبث.
- قائلة بمكر. بس احكى ليا ايه اللى جمع الشامى على المغربى...

(ادم وتارا في بالكونة غرفته)
- ما لازم يوحشك. مش جوزك.
اخرجت تارا تنهيدة اشتياق من صدرها.
- قائلة بوجع. وهي تنظر للسماء. البعد صعب اوى يا ادم.
زم فمه لامام.
- قائلا ببرود. هتتعودى.
- تفتكر؟
اردف ادم بتوضيح. مخبرا اياها عن حقيقة الحياة.
- كل حاجة في الاول بتكون صعبة. بس الحياة بتعلمنا ازاى نتاقلم مع اوجاعنا.
استغربته بشدة.
- قائلة باندهاش. مين اللى بيتكلم ادم زير النساء الاوحد.

- علاقتى القذرة مالهاش دعوة بتفكيرى.
- هو انت عندك تفكير؟
- انا لو مكنش عندى تفكير. مكنتش هكون ساحر البنات.
- هو انت مابتزهقش.
- في حد يزهق من الجمال يا بنتى.
- انت مستحيل.
صمتت قليلا وهي تستغرب بشدة تصرفات ابن عمها الخارجة عن المالوف، ثم طرحت سؤالها المعتاد والمتكرر.
- قائلة باستفهام. عملت ايه في نتيجة الكلية؟
قال بضيق، وهو يبعث في شعره الكثيف.
- ليه السيرة الوسخة دى؟
قالت باستفهام، وهي تضحك عليه.

- ايه عملتها؟
ضحك ادم.
- قائلا بفخر حقيقي. بكل فخر سقوط تلات سنين على التوالى.
- ايه السعادة اللى بتتكلم بيها دى؟
- دى انجازات لازم الواحد يقول عليها.
- انجازاتك العالم كله عارفها.
- كويس الناس تعرفها ؛ علشان تتعلم منها.
- انا موجوعة يا ادم.
- ارجعى يا تارا.
- انت لسي من شوية بتقولى هتتاقلمى.
- عمرك ما هتقدرى تبعدى عن زين. انتى زى السمكة لو طلعت من البحر تموت.
- ماعدش ينفع.
- ليه هو خانك؟

- ياريتها على الخيانة.
- ليه هو زين اتجنن وبقى بيعط مايقولى.
- اه ما انت حافظ خرايط الزبالة كلهم.
- هو خانك والله...
- انا وجعته وجع ماحدش يتحمله او يقبله على نفسه.
- ليه هو انتى اللى عضيتى؟
ضربته على كتفه بضيق.
- قائلة بتحذير. بطل قلة ادب.
- انا اللى قليل الادب. اومال كلامك ده ايه.
- تصدق انى غلطانة انى اتكلمت. قالتها وهي تد...
امسكها من ذراعها.
- قائلا باستفهام. استنى راحة فين.

- قالت بضيق. وهي تتخلص من يده. هسيبك في تفاهتك.
- تعالى هنا ما تزعليش.
هزات راسها ايجابا، وعادت ووقفت بجواره على البلكونة مرة ثانية، ليتحدثوا سويا. تابع ادم
- قائلا بذكاء. وهي ينظر اليها. اللى فهمته من كلامك في سوء تفاهم كبير اوى حاصل ما بينكوا. وانتى مش عايزة تقولى.
اندهشت من كلامه.
- قائلة بصدمة. فعلا يا ادم.
- تارا الحل انك تصلحى سوء التفاهم ده.
- حتى لو على حساب ناس.

- حتى لو حساب ناس. اهم حاجة سعادتك. الحياة دى هنعيشها مرة واحدة. مش محتاجة نكون في متاعب وهموم.
- ادم في ناس ممكن تدفع التمن.
- اللى غلط يتحاسب بلا وجع قلب.
- ادم لازم نضحى علشان حبايبنا.
- هتضحى علشان مين. حد هيجى يشيل عنك الوجع او القهرة وانتى بتسيبى حب حياتك.
- بس الحد ده غالى عندى اوى.
- لا خلاص اخسرى حياتك. وموتى بالبطىء. بقى علشان الحد
- ادم دى انانية.
- الحياة ما بتحبش غير كدة...

تسارعت الاحداث في سيارة اديم كارم النوار).

طوال الطريق للعودة الى القاهرة، لم يتحدث معها او يلفظ لسانه بحرف، اما هي تجلس بجواره وتنظر الى النافذة تلوم نفسها بشدة، للدرجة هذه لم تستطع ان تسيطر على نفسها، وقالت كلام لم تتوقع من نفسها ان تقولها، والاصعب من ذلك، انه وقف امامها وطلب منها ان تعتذر لتلك الفتاة المجهولة، لقد نسي كل شىء قدمته لاجله، مقابل تلك، الحب اعمانى وجعلنى انسانة معدومة الكرامة، ومجرد ببغاء يقول له نعم وحاضر، نظرت له بعشق، لقد احببتك في احلامى، ولم استطع ان اخبرك، لقد قبلت انفاسك بصمت، وقربتها من روحى المشتاقة اليك، ولم استطع ان اخبرك، لقد كتبت لك الاشعار والكلمات، وعلقته على حوائط قلبى المتلهفة للقائك، ولم استطع ان اخبرك، لقد عشت لك في مواسم الربيع والصيف، وتخليت عن حبى لباقى فصول السنة، ولم استطع ان اخبرك، لقد اخفيت لك اسرار ساخنة، واغلقت عليها قلبي الحزين، ولم استطع ان اخبرك، الفت لك اغانى في العشق وعن مدى حبي وشغفى بك، ولم استطع قرائتها عليك، مع الاسف دائما كنت بجانبى ولم استطع ان المسك، انا من فنيت وقدمت وضحيت لاجلك، ولم اسالك يوما ثمنا لتلك التضحية، لم يلتفت اليها لحظة واحدة، فهو هائما مع تلك الورود التي سرقت لب قلبه، نظرت الى نافذة السيارة مرة اخرى بحزن، تعاتب نفسها بقسوة، قل لى يا قلبي ما الذي حدث لنا، كيف خنا الوعد الذي قطعناه، اه يا قلبى، الحب لا يريدنا، وضعت يدها على قلبها تضربه بتعنيف، ابكى يا قلبى ابكى، فالحب لا يريدنا، ولكن رجاء ابكى في داخلك، حتى لا يسمعك احد، وتهان كرامتك وتجرح مشاعرك اكثر من ذلك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة