قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل السادس

رواية لعبة عاشق الجزء الثاني يسرا مسعد

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل السادس

الإندفاع نحو الإنتقام أمرا باعثا للتحدي والذي بدوره قد يتغلب علي كل شيء حتى أنه قد يقتل الألم في مهده، كان مدركا أنها ليست معركته وأنه ليس كأخيه الأكبر حامل لواء إمبراطورية سليم. فلطالما ظن نفسه كائنا مسالما لاينبغى له مصارعة أي شخص كي يحافظ على مجد اسم سيندثر مع الوقت لامحالة.

هو لا يحمل كل هذا الوفاء لأسم والده ولا تلك الروح القتالية في سبيله ولكنه يحمل الألم بين طيات عقله ووجدانه أينما كان ولم يجد مايقتل هذا الألم،فالوجع أقوى مما يبدو لذلك هو يقتات على مسكنات واهية في مطاردة درية وبقية الحسناوات التي تمر عرضا بحياته إحداها ولكن بعد زيارة أخيه بالأمس و...

ياللعجب أيضا هدوء جاسر
الغريب أثناء تلقيه إعترافات الأخير بوقوعه بشرك "لعبة بوكر"
غير أخلاقية وانصرافه صامتا لكأنما فقد حيلته!
وجد في الإنتقام عرضا أكثر من مغرى للتغلب على هذا الألم وربما دحره لسنوات قادمة
هو كان واثقا أنه سيعود

ولكنه فقط يسعى لإلتقاط بعض الأنفاس الخالية من الوجع امرا مشروعا،أليس كذلك ؟
وقد يبذل في سبيله كل ماهو مشروع وغير ذلك
توقف بسيارته الرياضية أمام منزلها وألقى نظرة خاوية لساعته
الثمينة، بضعة دقائق وتظهر صيده الثمين لهذا اليوم
وقد كان
ظهرت ببذلة عملية كحلية اللون وجدلت شعرها حتى آخره
ووجهها كالعادة خالي من المساحيق تحمل ..
بيد حقيبة

متوسطة الحجم وباليد الأخرى تمسك بصغيرها
لابد أنها في طريقها لتقله لحضانته
ترجل من سيارته وسار بضعة خطوات حتى توقف أمامها وهو
يلقى عليها تحية الصباح التي استقبلتها بأنظار شائنة متجاهلة
ترحيبه الودود بها:
- أنت هنا بتعمل ايه ؟
ألقى نظرة على الصغير الممسك بكف أمه والذى بدوره يراقب
طيفه،صغيرها لا يشبهها هو فقط نال تلك العيون الناعسة منها لا
أكثر ولكنها الآن متسعة ومترقبة للغاية لرد فعل الغريب على أمه
الذي لازالت تزجره بالنظرات وهي تشد بكفها على كفه فقال

بإبتسامة واسعة وهو يقدم الحلوى له:
- صباح الخير يا أيهم،دى عشانك .أمسك
لكن الصغير رغم إبتسامته التي اتسعت للضعف ربما،لم يتقبل
عطيته بسهوله والتفت إلي أمه التي أشارت له بهدوء كي يقبلها قائلا بأدب جم:
- شكرا
كانت عيناه مركزة عليها وعلى رد فعلها المقتضب فقال بهدوء:
- نوصل أيهم ونكمل كلامنا في العربية،الموضوع مهم بخصوص امبارح
فقالت محاولة الهروب لا سيما أنها لا تضمن أن يكون الموقف
مراقبا بالكامل من والدها المحترم:
- نكمل كلامنا فى الشركة ياباشمهندس

القى كلماته المقتضبه وهو يسير متجها لسيارته دون اكتراث:
- ومين قالك اننا رايحين الشركة !
رفعت أنظارها للأعلى واطمأنت أن والدها غير متواجد بشرفة
شقتها والتي تطل على الشارع حيث يقفان واتجهت لسيارته بخطوات مسرعة وهي تنبه صغيرها:
- أيهم اقعد حلو في العربية وماتعملش دوشة
الحضانة كانت تبعد دقائق معدودة عن مقر سكنها،عادت
لسيارته متجهمة واندفعت للداخل بثورة عارمة:
- على فكرة اللي أنت بتعمله ده مايصحش متنساش أنا ست
عايشه لوحدى وماينفعش ولادي يشوفوك والأهم من كده أن الشغل ليه مكانه

التفت إليها هادئا:
- أنت كنت ممكن تقولي الكلمتين دول من على باب العمارة
أساسا لكنك جيت معايا لأن الشغل عندك أكتر من مكتب في الشركة
كاد يمازحها قائلا "ده غير تأثيري الساحر عليك "ولكن نظرة
الشياطين التي تطل من عيناها جعلته يقلع عن الفكرة فاكتفى
بالعقلانية سبيل في حوارهما المشحون
تنفست بعمق وقالت بجدية:
- خير، فيه إيه وليه مش هنطلع على الشركة ؟
أجاب بغموض:
- أنا وأنت عندنا مأمورية
وانطلق بسيارته
****
"أنت أزاي تسمحلها تاخد الولاد معاها محرم بيه؟"
رفع أنظاره لأمه التي اقتحمت غرفة مكتبه بالقصر فقال بهدوء

محاولا السيطرة على ثورتها العارمة:
- وهيقعدوا هنا منغيرها يعملو أيه أنت تعبانه وأنا برة طول النهار لم تأبه لهدوءه واستطردت بنفس الهجوم:
- وأنت من أمتى بتسمحلها تبات بره أصلا ؟
دعك وجهه بكفيه متعبا وهو يقول بنفاذ صبر:
-أمى، اللي بين وبين سالي مافيش حد ليه الحق أنه يتدخل فيه
زائد إني مشغول ببلاوي مؤخرا مش مخلايني لا فايق لسالي ولا للولاد
اقتربت منه بقلق وهي تقول:
-إيه اللي بيحصل ومخبيه عليا ؟
نظر لها وهو عاجز حتى على التنفس فقال بإقتضاب:
- مشاكل في الشغل
ردت بسرعة غاضبة:
- أنت قلت بلاوي،إيه اللي حصل، ماتنطق ؟
نظر لها ولنظراتها المشتعلة
قدر خوفه أن يصيبها مكروة إن علمت بما اقترفه صغيرها الغالي
قدر سعادته بهذا البريق الوحشي الذي يطل من عيناها مؤكدا له

أن أنفاسها لازالت متشبثة بهذا الجسد وتلك الحياة فقال بهدوء:
- زياد ورطنا بمصيبة جديدة من مصايبه
جلست بهدوء أمامه وقالت:
-عمل إيه ب ؟
رد غاضبا:
- بنت الزهري ضحكت عليه وأخدت الشركة منه
رفعت أمه رأسها إليه وقالت بجمود:
دي بتنتمم منك
رفع حاجبيه وقال بإندفاع:
- قصدك إني أنا السب ؟!
همست له بفحيح قبل أن تنصرف مرة أخرى لمهجعها:
- قصدي أنك أنت الهدف
وفي علم الطبيعة تعلم أن الهدف السهل هو الهدف الساكن
لذلك لم يكن أمرا غير متوقعا أن يرتدي أفضل حلة لديه ويتأنق
مغادرا القصر نحو شركة أخيه
فهو لن يعترف بملكية آل الزهري لما ساهم ببنائة ولو بقطرات عرق

كان يلتهم المخبوزات الساخنة إلتهاما وهي ترقبه بهدوء ظاهري
وفنجان قهوتها شارف على آخر قطراته وقال متفكها:
- على فكرة أنت المفروض تفطري كويس
ردت ببرود وهي تهز راسها:
- على فكرة أنا فطرت وفنجان القهوة اللي انت طلبتهولي قرب
يخلص وكل ده ماعرفتش إيه نوع المأمورية اللي طالعين فيها
تمالك نفسه من الضحك متسليا بمظهرها الغاضب وقال:
- انت لما بتيجي تعاقبي ولادك بيكون شكلك كده ؟
جمعت أنفاسا متلاحقة بصدرها وهي تنظر للأعلى وقالت أخيرا
- باشمهندس أسامة أنا بالظبط قدامي

قاطعها برقة مستنكرا:
- باشمهندس !.أنا لحد امبار كنت أسامة بس
دفع بطبق لمخبوزات جانبا وأشار للنادل ليحضر مزيدا من القهوة وقال بعملية تامة:
- أحنا لازم نعرف إيه اللي بيدور من ورانا في مجموعة الزهري يا درية
وأخيرا ! حديث متزن عن العمل
انصتت له وقالت:
- فعلا، بس أزاي ؟
رد ببساطة:
- البداية أنت
اتسعت عيناها وقالت:
- أنا !
ارتشف القليل من قهوته:
- أنت صحفيه في مجلة إقتصادية هتطلعي دلوقت على مقر
الشركة أنا خليت سكرتيرتي تاخدلك معاد مع نائب مجلس
الإدارة هتسألية الأسئلة اللي في الظرف، وحاولي تكونى لطيفة
"لطيفة" كلمة مكونة من خمسة أحرف معنونة لديها فقط لمطربة شهيرة،

تناولت منه الظرف مستنكرة وقالت بنبرة ثقيلة:
- التمثيلية دي فاشلة جدا!اا
أقر مؤكدا بهزة رأس:
- وارد،بس في حالة أن النائب بصباص وعنيه زايغة،العجلة ممكن تمشي
رفعت له أنظارا حارقة ساخرة:
- ده أنت كمان عاوزني أمثل دور الإغراء فيها
ضاقت عيناه ولم يستطع المقاومة وقال بمكر:
- يمكن الدوركان يكون مسبوك كويس لو بلبس أمبارح
احمرت وجنتها بشدة وقالت وهي تستعد للإنصراف:
- أنا غلطانة أني وافقت آجي معاك
مد يده وقبض على كفها برقة وقال بهدوء:
- أنا مش هجبرك على حاجة يادرية،كل اللى بطلبه منك تكوني
لطيفة وأهي خبطة ياصابت يا خابت
سحبت كفها من قبضته سريعا
اللعنة عليه لقد اعتاد الإمساك بها واعتادت هي دفء لمساته فقالت بحنق:
- اسم المجلة اللي رايحة أمثلها إيه ؟
ابتسم لها وهو يشير للنادل طالبا لدفع الحساب:
- هتلاقي التفاصيل كلها عندك في الظرف فيه كمان كارت آي دا علقيه وأنت داخله

- أنت مش عجباني يا سالي
كلمات مرت بخاطرها قبل أن تفصح بها مجهدة في وجه ابنتها
الصغرى التي كانت تجلس ساكنة أمام شاشة التلفاز تتابع فيلما كارتونيا برفقة صغارها
التفتت لها قائلة بإبتسامة صغيرة:
- ليه كده ياست الكل ؟
سايبة بيتك وجوزك ليه يا -
ابتسمت لها بسخريرة مريرة وهي تقول:
" بيتي ! هوا فين بيتي،قصدك بيت سوسن هانم

ربتت أمها على كتفها مواسية:
- طب وجوزك؟!
هزت سالي رأسها وردت:
- قلت أبعد يمكن يحس بقيمتي
أشارت لها أمها نافية وهي تتنهد:
-عمر البعد ما بيقرب يا بنتي
تقافزت دموع القهر من عيناها قائلة:
- مابقاش حاسس بيا يا ماما
أمسكت الأم بذراع ابنتها وهمست لها:
- قربي أنت منه أكتر وأكتر مش تسيبيه غيرك يلهفه منك
رفعت سالي أنظارها نحو أمها على نحو مذعور:
-لا ياماما جاسر لايمكن يخوني

لوت مجيدة شفتيها لحماقة صغيرتها وقالت:
- هوا مش محتاج يخون ياحبيبتى ..الشرع محلله أربعه وجوزك غني وألف مين تتمناه
اتسعت عيناها بصدمة وقالت:
- قصدك يتجوز عليا،جاسر لايمكن يعملها،الستات أصلا مش
في دماغه،كل اللي يشغله الشغل وأمه وعياله وبس وحتى أنا برة دايرة إهتمامه
نظرت لها مجيده ممتعضة وقالت:
- الست اللي ماتعرفش تضلل على جوزها وبيتها وتخليه لايمكن
يستغنى عنها ست خايبة ياسالي،وأنت مش خايبة أنت بس
نفسك قصير وبتستسلمي بسرعة

أشارت لها ابنتها لتخفض صوتها الذي قد علا جراء الإنفعال وقالت:
- خلاص ياماما يومين بس أريح اعصابى وأرجع طالما زهقت تنهدت مجيدة وقالت:
- أبدا يابنتي ..ده أنتو مالين عليا البيت حتى،أما أقوم أعملك عصير تروقي بالك أنت والولاد
نظرت لها سالي وهي تنصرف لمطبخها وتساقطت دموعها رغما
عنها وهي تطالع صورة والداها الحبيب التي تحتل الحائط
المقابل وهمست داخلها "ياريتك كنت معايا "

وضعت سماعة الهاتف بأنامل مرتعشة ودقات قلبها تتقافز حتى كادت تصم أذنيها كطبول حرب ضارية
لقد أخبرها موظف الأمن منذ قليل بوصول جاسر سليم وهو في
طريقه الآن للطابق الأخير حيث مكتبها في تلك البناية المتواضعة
بالنسبة لبناية شركة والدها الراحل
طالعت هيئتها في المرآة التي تحتل عرض الحائط وهندمت زيها
المكون من قطعتين غير متناسبتين إطلاقا مع الطقس المتقلب
الذي يمر بالبلاد بلونه الكريمي الدافىء ومررت أناملها المرتعشة
بين خصلات الليل التي تظلل رأسها الجميل وتمتد لتصل إلى

ورشت المزيد من عطرها المغري وأخذت نفسا عميقا وتظاهرت
بهيئة باردة فأيا ما كان يحمله جاسر لها لابد وأنه يحمل صفة نارية
وهي ستنجو منها بالبرودة التي ستزرعها في عروقها
تظاهرت بالإنشغال في أوراق واهية لم تلتقط عيناها أبعد من سطورها الأولى
وهو يقتحم الغرفة دون إنذار

وخطوات البلهاء التي تتقافز خلفه وصوتها يتعالى من ورائه ورغم
ذلك وصل خافتا مرتعشا لآذانها بكلمات لا قيمة لها في عالم جاسر سليم:
- مايصحش كده يافند
صرفتها بإشارة من يديها وهي تتهادي في مشيتها نحوه حاصدة
رغما عنه نظرة إعجاب فجابهته بنظرة واثقة وإبتسامة واسعة
كلمات معدودة:
-جاى تباركلي
ربما يكون تغير بقدر يسير منذ أن هجرها ولكنه لازال متمتعا
بتلك الطلة الساحرة والساخرة في آن واحد وكبرياءه تعتلي رأسه
شامخة ونبرة صوته قادرة على تخدير حواسها أجمع
-لا بالعكس أنا جاي أعزيكي
عبست بدلال وقالت بلوم:
- تعزينى ! أنت مش واخد بالك أنه فات أوانه خلاص
ضحكته أذابت عظامها وخشونة نبرته أعادت تكوينها على نحو أشعث:
-ااه بالنسبة لوالدك !بس لاء مش عشان كده، ولو أن الرحمة تجوز على الجمع

استجمعت شتاتها وعقدت حاجبيها وقالت حانقة:
- أومال جاي تعزيني ليه"
مد يده ونزع زهرة جوري حمراء من بين مجموعة زهور منقمة
فوق طاولة اجتماعات وسط الغرفة
قائلا بغموض:
-ده اللي هتعرفيه قدام
تراجعت بضعة خطوات للخلف واتكأت بإغراء على سطح مكتبها الزجاجى وقالت بدلال:
- جاسر،أنت جاى تهددنى وفي أول يوم أقعد فيه على مكتب مدير الشركة؟!

مالكش حق بعد الغيبة الطويلة دي
لمعت عيناه وهو يلتفت لها:
-كل شيء وليه آخر ومن هنا ورايح أعرفي أنك تحت عينى
اقترب منها بخطورة، بخطوات فهد فاقتربت منه بدورها وقالت
وهي تتلمس كتفه بنعومه:
- يسعدني جدا اكون تحت عينيك،بس ماتفكرش أبدا إني
ممكن تاني أرجع تحت إيديك
ابتسم لها وقال مستنكرا وهو يزرع الوردة بين طيات خصلاتها بيد خبيرة:
- ليه ؟ ماكنت كده زمان
سارت رعشة قاتلة بطول عمودها الفقري فقالت بجمود قبل أن
تنهار أمامه وتفقد تماما ماء وجهها:
- أنت قولتها بلسانك.. زمان

وهمت بصرفه ببرود ولكنه لم تلمح سوى ظله يختفي سريعا من
أمامها راقبته ساخرة لطالما كان بارعا بالإختفاء من حياتها بلمح البصر
ولكن ماهي إلا ثوان معدودة حتى وصل لهاتفها الشخصي الذي
لا يعرف رقمه سوى نخبة ضئيلة جدا من المحيطين بها رسالة
فضغطت على الزر بأنامل مرتعشة:
"العشا بكرة الساعة سبعة في نفس المكان،مستنيكي يا خمرية""
وسقط قلبها من بين أضلعها
فهو لازال يذكر لقبه الذي كان يتودد به إليها

كان يجوب أورقة الشركة دون هدى يطرق أبواب موظفيه ويبتسم .
لهم أو يزمجر بهم على حسب تقلب حالته المزاجيه على مر
ثلاث ساعات متصلة ماضية،وكاد أن يرتطم بمدام هدى رئيسة قسم الحسابات
فتراجع للخلف مغمغا بأسف تقبلته منه مدام
هدى على حرج قائلة:
-خير ياباشمهندس فيه حاجه ؟حضرتك تؤمر بحاجة ؟!
برقت عيناه وهو يواجهها وقال:
- أطلبي درية من فضلك وشوفيها فين ؟
أومأت براسها وعادت له بعد ثوان:
- مابتردش، غريبه

عبس وعقد حاجبيه أنها لاترد على مكالمات الجميع إذا،لقد
ظن أنها تتجاهل إتصالاته المتكررة وهو يريد الإطمثنان عليها
فمنذ أن تركها أمام شركة آل الزهري منذ ثلاث ساعات كاملة والقلق يتأكله
وأمرا أخرا يرفض الإعتراف به،فحرفيا هي الآن بوكر زير نساء
مخضرم وهيثتها المتزمتة التي طالعته بها هذا الصباح فوجىء
بأنها قد غيرتها تماما قبل أن تترجل من سيارته، رغم أن كل مافعلته كان بسيطا للغاية
فقط فكت جديلتها وأرسلت خصلات شعرها حرة على ظهرها

ومنحت شفتيها مباركة من أحمر شفاة بلون الفريز الشهي، وتركته يحترق بأمنية لوكان بإمكانه تذوق طعمه
عاد لغرفة مكتبه بالطابق الثاني تاركا سكرتيرته مترنحة بصوته الصارم بجملة مفاداها
"أول ما درية توصل تجيلي مكتبي "
عادت سكرتيرته الحسناء إلى مكتبها وعلى وجهها إبتسامة حالمة
وهي مفتونة تماما بتغير حالة رئيسها بعد رحيل زوجته الشابة عن الحياة

الساعة تعدت منتصف الظهيرة وقررت المرور على صغيرها بحضانته
وحمله باكرا للمنزل بدلا من أن ينتظر عودة أخيه الأكبر من مدرسته ليقله هو
فسار صغيرها إلى جوارها وهو سعيد تماما بتلك المفاجئة، يقفز من حين لاخر فنهرته أمه قائلة:
- أيهم بطل تنطيط
نظر لها الصبي بشقاوة وهو يقول:
- ماما أنت حلوة أوي،ماكنتيش كده الصبح

التفتت له ضاحكة وهي تقول:
- ياسلاام وكنت وحشة على كده الصبح ؟
هز رأسه نافيا وهو يقفز مرة أخرى:
- لاء بس شكلك كان مدايق الصبح
ضحكت وهي تمسك به من جديد:
- ماشى يا أبو نص لسان لو مابطلتش تنطيط أنا هشيلك
جري الصغير منها وقد اقتربا من باب العقار وهو يصرخ ضاحكا بلهو:
- طب امسكيني الأول
اتسعت عيناها وكذلك خطواتها وهي تحاول اللحاق بصغيرها
الذي اصطدم بجارهم الطبيب الطيب فتوقفت لتعتذر له:
- أنا آسفة جدا، والتفتت لصغيرها الذي توقف أخيرا أمام باب المصعد وقالت مؤنبة:
-كده يا أيهم،تعالى اعتذر من الدكتور حالا

ابتسم لها نبيل وقال:
- حصل خير،يالا هات الأسانسير يا أيهم
هز أيهم رأسه الكثيف طائعا واستدعى المصعد وتوقفت أمه إلى
جواره وتنحنح نبيل قائلا:
- راجعين بدري النهاردة ؟!
رفعت له رأسها بدهشة فهي كانت لا تعلم أن جارها المتيم بها
يراقب تحركاتها ولديه الآن خبرة كافيه بمواعيد انصرافها
ورجوعها للمنزل رغم إنشغاله بعمله الطارىء في معظم الأحيان
فهمهمت بموافقة ولكن صغيرها تطوع بتوضيح الموقف كاملا:
- ماما خلصت شغل بدري وجت أخدتني من الحضانة

جزت على أسنانها بإبتسامة وهي تقبض على كف صغيرها بحزم وتدفعه لداخل المصعد
وعندما وصلا للطابق الرابع ترجلا منه وتركا جارهما يودعهما ملوحا وعلى وجهه نظرة رجاء
وهو يقول:
- طب ما تتفضلوا تتغدوا معانا، وماتخافيش مش أكل عزابي وأردف موضحا: بضحكة
متوترة:
- الحاجة عندي النهاردة
ابتسمت بحرج وقالت:
- بالهنا والشفا وواجب علينا يادكتور بس احنا كمان بابا عندنا النهاردة

واغلقت بات المصعد وتنفست بعمق وفاجأها صغيرها يإحدى أسئلته الغير عادية:
- هوا ايه أكل عزابي ده يا ماما ؟ طعمه حلو ؟بتعرفي تعمليه؟
ضحكت دريه وسقطت منها مفاتيحها محدثة ضجة مميزة وفتح
الباب وهي تهم بإلتقاطهم ورحب بها والدها بحرارة:
-كويس إنك رجعتي بدري، يالا الغدا جاهز
فدلفت وعلى لسانها إعتراض لم يسمعه والدها،فهي فقط قامت
بمهمة توصيل صغيرها حتى لا يمضى مزيدا من الوقت وحيدا
بفصله وتخطط للعودة مرة أخرى لعملها
ملاحظة التغيرات الجذرية التي قام بها والدها في غرفة
الإستقبال بالإضافة لعطر رجولي مميز صارخ يجوب الأجواء ولا
يخص والدها إطلاقا قائلة بحيرة عابسة:
با بابا ..بابا أنت عملت أيه ..المكان آآآ..اتغير

- مش هينفع .
وكده الولاد،،بابا...
والتفتت لوالدها الذي كان يصدر سلسلة من الأوامر لحفيده
ولاحظت وقوف رجل عريض فارع الطول وعلى كتفه منشفة
مطبخها المزركشة والتي لا تتلاثم إطلاقا مع هيئته بقميصة
الأسود وسروال من الدنيم الأزرق مبتسما لها بحرارة ويتقدم منها
بخطوات خجلة واطلق والدها ضحكة عميقة وهو يربت على كتف الرجل الذي يفوقه طولا:
- هاه أيه رأيك،أنا والعقيد غيرنالك ديكور الشقة كده أحسن

وأوسع واستغلينا المساحة مش كده ولا أيه
صافحها العقيد بحرارة وهو يسلط بأنظاره عليها قائلا بحرج:
- في الحقيقة سيادة العميد أصر وماكنش قدامى غير أني أقدم المساعدة أتمنى ماتكونيش أتدايقتي
وقفت تطالع الرجل عاقدة الحاجبين كالبلهاء تماما
، اللعنة عليه، اللعنة تماما عليه
شون كونوري بشحمه ولحمه لن يقاربه روعة
هزت رأسها صامتة ووالدها يسمعها الأروع بفخر واعتزاز وكأنما
كان إنجازه هو:
- طارق هوا اللي طبخ النهاردة
وضحكتها كانت البلهاء

وانصرفت لغرفتها مسرعة وهي تغمغم بغيظ
- ياترى أوضتي في مكانها يابابا ولا اتغيرت هيا كمان ؟!
ولم تنتظر للحصول على إجابة فهي كانت تتوق وبشدة للإختفاء داخلها
جلست على طرف الفراش وهي تعد داخلها حتى تخطت
العشرون محاولة التنفس بأيقاع منتظم
في ليلة واحدة ظهر والدها وغير معالم غرفة إستقبالها بمساعدة
غريب طاف أركان منزلها !
ولم يكتفي بهذا فقط بل وسمح له بدخول مطبخها المرتب
والعبث بخزانة طعامها ليحضر لها ولصغارها طعام الغداء الذي
قلما تعده بنفسها فساعات عملها الطويلة المتصلة حرمت أطفالها تلك الرفاهية
هي فعليا تغلي وتزبد وعندما قررت التحلي بروح إيجابية تحطمت تماما على صخرة الواقع
أو بالأحرى هاتفها الذي يحمل أحدى عشر مكالمة لم يتم الرد
لقد نسيته تماما على الوضع الصامت منذ أن دخلت شركة الزهري صباحا
وحتما من يغلي ويزبد هو "أسامة" الآن الذي راسلته برسالة نصية
آسفة التليفون نسيته سيلينت ومش هينفع ارجع النهاردة على الشركة تاني
بكرة بإذن الله نتقابل ونحكي"
ثم أخذت القرار الأكثر تهورا وأغلقت الهاتف !

آشري، مش معقول المفاجئة السعيدة دى !
التفتت له وهي ترسم على وجهها إبتسامة هادئة وتمد يدها لتصافحه:
- أهلا،عاصم بيه .مفاجئة فعلا
صافحاها بحرارة ونظرة إعجاب تطل من عينيه قائلا:
- حمد الله على السلامة، مصر نورت،أنا كنت جاي استقبل
صديق ليا بس طيارته اتأخرت ونزلت ترانزيت في دبى مكتوبلي بقى أوصلك

هزت رأسها رافضة عرضه:
- ميرسي بجد، بس السواق مستنيني بره
تهدلت كتفاه وقال:
- طب خلاص اسمحيلي بقى أساعدك في الشنط
ابتسمت له وقالت:
- شور ولو إني هتعبك معايا
- بالعكس تعب إيه ده حتى شنطك قليلة أوى اكيد لميتي اللي
قدريتى عليه ورجعتي بعد الخبر اللي سمعناه كلنا،
قالها وهو ينظر لها بمكر بالغ منتظرا ردة فعلها والتي كانت
واضحة على ملامحها وتوازت مع نبرة صوتها المتوترة:
- خبر إيه،خير ؟!
رفع حاجبيه وقال بإندهاش كاذب:
- معقول ماتعرفيش،زياد باع شركته لداليا الزهري
وعندها توقفت خطواتها تماما عن الحركة

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة