قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل السادس عشر

رواية لعبة عاشق الجزء الثاني يسرا مسعد

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل السادس عشر

في صغره كان يعشق مشاهدة تلك اللعبة ويشعر بسعادة بالغة في رؤية أحجار " الدومينو " المتراصة ذات اللونين الأبيض والأسود
تتساقط حجرا تلو الآخر بتتابع مثير للاهتمام لتنتهي لتلك الفوضى الرائعة بعكس أخيه الأكبر الذي كان يراها لعبة سخيفة إذ يبذل لاعبيها جهدا فائقا برص تلك الأحجار المتناغمة برقعة واسعة للغاية قد تصل لأمتار وتتطلب منهم جهدا خرافيا وساعات من العمل الدؤوب وأيام طويلة ينهيها أحدهم بإيقاع حجر واحد
فتسقط بقية الأحجار بالتتابع فما فائدة البناء إن كان بالنهاية مصيره الهدم وكيف الحصول على اللذة بالسقوط والخسارة ؟ ! !

ولأول مرة بحياته يراه محقا إذ تتوالى أركان حياته بالسقوط حجرا تلو الآخر وكأنما کیانه يفقد
جزءا بعد جزء
والسقف الذي كان يحميه يخر على رأسه فمنذ قليل خرج من عيادة طبيب الخصوبة الذي زاره منذ أربعة أعوام منصرمة والذي ما أن رآه وبحوزته ذاك المظروف الذي أخرج محتوياته ونثرها أمامه مطالبا بتفسير، حتى ابيضت معالمه.

وأقر بالحقيقة كاملة وأخبره أنه لم يقصد إلحاق الضرر به، بل كانت تلك رغبة زوجته فهي من رجته بإبقاء الأمر سرا بينهما كي
لا تجرح مشاعره وتشعره بأي نقص فكذب عليه وأخبره وقتها أنهما الإثنان بخير ولا شيء يحول دون إنجابهما لطفل سوى أن
إرادة الله لم تحل بعد واليوم سقط ذاك السقف الواهي الذي شيدته آشري بمفردها وبات يشعر بالنقص فهو من يعجز عن منحها طفلا ورغم ذلك لم
يتوانى عن أذيتها بالكلمات المهينة كلما أراد إفتعال شجارا وإلصاق التهم بها للفرار من أحد مصائبه السوداء على حد تعبير "أسامة "
وإلقاء اللوم عليها بفشل زيجتهما.

وتوقفت قداماه عن السير دون هدى عندما تعالی رنين هاتفه ورای اسم أخيه يلمع في الظلام الذي يحيطه رغم سطوع شمس
الظهيرة فرد قائلا بصوت متحشرج:
- أيوه، خير يا أسامة ! أتاه صوت أخيه قلقا:
- مالك یا زیاد ؟
فرد بصوت تائه: - مافيش، خیر عاوز إيه ؟
عبس أسامة وقال: - ماما عاوزانا على العشا الليلة ما تتأخرش فهز رأسه شاردا وقال دون جدال:
- حاضر، سلام
وضع الهاتف بجيب سترته والتفت حوله يبحث عن سيارته فوجدها على بعد أمتار خلفه فعاد بخطوات حاسمة نحوها ثم انطلق بها حتى عاد مرة أخرى لشقتهما، فتلك المواجهة يجب أن تتم

رغم أنه لم يستمع لأي من أغاني المطرب الراحل عبد الحليم حافظ منذ فترة لا بأس بها إلا أن ذاك اللحن الشهير لأغنيته " أي
دمعة حزن لا يكاد لا يفارق رأسه تأمل كلمات الأغنية الساحرة فسخر من نفس لتعلقه السخيف بأذيال لحنها فهو لم يداويه الزمن بعد وما يشعر به أبعد ما يكون
عن معاني الحب السامية هو فقط يستمتع بمشاكسة درية من حين لآخر، فكأنما تلقي في حياته الراكدة حجرا صلدا يثير تموجات تشعره أنه لازال على قيد الحياة وعندما يسأم من تلك اللعبة ينتقل للعبة القط والفأر مع الطبيبة الحسناء.

ولكن ما يؤرق ضميره شعوره بالنفاق إذ عين نفسه قاضيا وجلادا على أخيه الأكبر ووصيا على حياة الأصغر وهو الذي يخلد لفراشه ليلا بمهدئات تساعده على نيل قسط من النوم والراحة، ومع ذلك يتيه بأحلام تجمعه بصغيرته وزوجته الراحلة وأعظم ما يقاسيه خلال تلك الغفوة المتقطعة نظرة اللوم بعيناها فيستيقظ في اليوم التالي عازما على الإستقامة بحياته وفرض تلك الإستقامة على الآخرين حوله ولكنه سرعان مايشعر بالعجز والوحدة فيعود تائها متخبطا بين تلك اللعبتان.

وهاهي أقدامه تسوقه نحو من تلقي نحوه دوما بالأحجار أنظارها منصرفه عن الحاسوب لشيء ما بالأسفل وعندما اقترب أكثر ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهو يطالع الصغير
المشاكس قائلا:
- أيهم بيه عندنا يا مرحبا يا مرحبا رفعت دریه له رأسها وقالت زاجرة وهي ترفع يدها لتوقف تقدمه:
- أنت جاتلك الحصبة وأنت صغير ؟
عقد حاجبيه ليستدعي تلك الذكري الحمراء البغيضة فقال متعجبا:
- تقریبا آه جت لزياد وعدانا كلنا . . ليه ؟ ارتسمت ملامح الإطمئنان علي وجهها وعندما اقترب أكثر أزاحت سترة الصغير عن كتفه لتظهر بقعة حمراء مماثلة لما تعرض لها في صغره وقالت بحزن:
- مانفعش أوديه الحضانة وعندنا شغل متلتل جيبته معايا لاحظ أسامة نظرات الصغير العابسة لكأنما توشمه أمه بذنب لا يد له فيه فقال أسامة بنبرة حنونة: - یعنی هوا كان ذنبه، وبعدين عادي كل الأطفال بتجيلهم، ثم وجه حديثه لأيهم الصغير قائلا:
- قوم یالا قاعد كده ليه ؟ !
وارتسمت ملامح العبث الطفولية والشيطانية في وقت واحد على وجهه فابتسم بسعادة

قائلا بفضول:
- هنروح فين ؟
زعقت دريه به: - مش هتروح في حته هتفضل قاعد هنا جمبي، والتفتت زاجرة لأسامة:
- بدال ما يعدي حد ارتفع حاجبي أسامة تعجبا وقال بنبرة لا رجعة فيها: - أنت مالك بتعامليه كأنه وباء، دي حصبة، هيجي معايا واعتبري ده أمر من عضو مجلس إدارة ولا مش متطمنه عليه معايا
شعرت درية بالحرج وقالت:
- لا أبدا بس . . قاطعها أسامة بإقتراب حميم قائلا بهمس خافت:
- ما بسش يا درية لا تعلم لم تواردت كرات الدم الحمراء لوجنتيها كافواج کاسحة ولكنها تعزي ذلك التدافع لنظرة عيناه الجريئة ونبرة صوته العذبة
واسمها الذي انساب من شفتيه كلحن راقص
فهربت بأنظارها بعيدا نحو الصغير الذي اعتلى ذراعه قائلة بتحذير هادیء:
- خليك مؤدب يا أيهم هز الصغير رأسه ولم ينظر مرة أخرى لأمه حتى مودعا، وفكره منصب بالكامل على الضخم الذي يحمله بسهولة مطلقة يسأله:
- هنروح فين ؟ واستطاعت سماع ضحكة أسامة وابنها عبر المصعد المغلق خلفهما
فشعرت بطمأنينة فعادت لممارسة عملها

في حياته لم يسترق الأنظار لإمرأة قط، فهي بعرفه وقاحة بالغة
وسوء أدب ولكنه لا يدري ما الذي أصابه مؤخرا فهو ضبط عيناه تسوقه لمحياها مرتان وتلك الثلاثة منذ أن دلف للمركز منذ ساعة
ولكنه هز رأسه نافيا تلك الأفكار السخيفة بنظره، فهي طبيبة حديثة وعليه مراقبتها لضمان مستوى طبي أفضل لمرضاه ليس أكثر
وبعدها أخذ قراره بالاقتراب منها والتمتع بحق المراقبة عن قرب فهي منشغلة بحالة طفلة في السادسة من عمرها تحدثها بلطف
أثناء تخديرها والطفلة سعيدة بالحوار للغاية إذ أنها لم تلحظ حتى السن المعدني المدبب الذي انغرس بلحم لثتها دون هوادة فابتسم بعمق وأشار للطفلة بعلامة النصر لدى خروجها من غرفة

العيادة الصغيرة ثم قال: - واضح إنك شاطرة مع الأطفال
فابتسمت سالي مجاملة: - يعني مش أووي بسترجع لسه معلوماتی ثم انصرفت لأدواتها لتأمر الممرضة المرافقة لها بتنظيم بعضها
فقال: - یاریت بعد ما تخلصي کشف يا دكتورة تعدي عليا فالتفتت له سالي قائلة بتوجس:
- خير ؟ ! ابتسم لها إبتسامة واسعة وقال:
- خیر طبعا، ماتقلقيش، في انتظارك

هزت سالي رأسها بهدوء وحينها قالت الممرضة: - ماتقلقيش يا دكتورة، دکتور کریم انسان محترم جدا، وحضرتك بسم الله ماشاء الله ليك کاریزما مع الأطفال
فقالت سالي شاكرة: - ميرسي يا بسمة، عشر دقايق ونادي على البنوته عبال ما أروح
أصلي الضهر أنهت الكشف المتبقي وغسلت يدها ونزعت ردائها الأبيض الذي افتقدته لسنين طوال وتقدمت بخطوات ثابته نحو مكتبه
طرقته وسمعته يدعوها للدخول فقالت:
- أنا خلصت یادکتور

أشار لها بالجلوس وقال: - یعني هوا بدون مقدمات کتبر إحنا ما اتنقشناش في الساليري وكنت حابب أعرف تقيمك للموضوع عشان أنا مابحبش أظلم حد والمواضيع دي مافيهاش فصال فلازم تكوني راضية

ارتفع حاجبي سالي دهشة وتذكرت أمر الراتب، ذاك الذي غاب عن ذهنها كليا فهي منذ عادت لممارسة عملها واستغرقت فيه بإستمتاع عجيب لم تلتفت لأمر راتبها وكم الأموال الذي قد تحصل عليه من وراءه، وكم كان عليها التفكير بهذا الجانب بشكل جاد، فهي ماعادت تستند على مصروفها الضخم الذي كان ينقده لها جاسر دوريا ولن تستطيع إلقاء بعبأ مصروفاتها على والدتها وهي التي رفضت إعانة من جاسر وحتى لم تفكر بحسابها البنكي ولا حتى نفقتها، فأموال جاسر أصبحت بالنسبة لها خطا أحمرا لا يجب تعديه أخذ كريم يراقب كم الصراعات التي تنحت بآلامها على صفحة وجهها لوحة معبرة والعنوان.

" قهر رجل "
فقال بلطف: - أنا شايف أنك تفكري وتسألي وبعدين . .
فقاطعته:
- حضرتك ده مش موضوع هنختلف عليه، فعليا أنا مبتدئة وزي أي حد لسه في أول طريقه المرتب بيكون معلوم فمش هنختلف
أخذ ينظر لها بعين التقدير ثم قال: - بس أنت مبتدئة موهوبة يا دكتورة ولولا تصريحك إنك مبتدئة
أنا كنت فكرتك محترفة من زمان قامت سالي وابتسمت له لتشجيعه المستمر لها وقالت: - ده من ذوقك وزي ماقولت لحضرتك مش هنختلف
فقام كريم من مجلسه وقال ممازحا:
- خلاص يادكتور مش هنختلف مش
هأخرك عشان أنا عارف الساعة واحدة بالنسبالك
زي الساعة ۱۲ بالنسبة لسندريلا

توقفت سالی لبرهة عن الحركة وتأملت المقارنة بينها وبين سندريلا ولسخرية الواقع كم كانت متشابهة فهي حظيت بأمير وبحماة كزوجة الأب الشريرة وفقدت حذائها أو بالأحرى ذاتها في خضم الحياة فعادت لبيت أهلها وحيدة تعيسة دون أميرها خرجت من مكتبه شاردة بخطوات تتراقص بحماقة وشغلت فكره الوقت طويل بعد إنصرافها فما قاله كان لايعدوا کونه مزحة ولكنها تركت في نفسها أثرا بليغا إذ تغيرت ملامحها الباسمة الحزن صارخ رسمته خطواتها المتعثرة.

دقت الساعة الثانية، ولايعلم لم اقتحمت
أفكاره كغاز منتصر يجوب أراض المشرق والمغرب ؟ ! ألأنه يدرك بوجودها
الآن بين جنبات قصره وبكفها تحتضن
کفوف صغاره ؟ ! ! کمریض بترت أطرافه ولازال يشعر بوجودها ينظر حوله ليتأكد
، يكاد يمسك بطيفها فلا تتحرك كظمآن شارد يلاحق طيف واحة خضراء وما أن يصل إليها حتى
يجدها سرابا رفع سماعة الهاتف ليأتيه صوت نعمات دهشا عندما تعرفت على
صوته فقال يإنفعال لم يستطع السيطرة عليه:
- هاه يانعمات الولاد وصلوا ؟ !
ردت نعمات: - آیوه یا جاسر بيه من ساعة
فغمغم بصوت متردد:
- و،،، مامتهم، عندك ؟
فقالت نعمات وهي تكبح إبتسامتها:

- أيوا یا جاسر بيه بتغديهم دارت عيناه بين جنبات غرفته الواسعة حتى طالت السقف وطالت فترة صمته وهو عاجز عن الإتيان بحرف فقالت نعمات
بصوت قلق: - جاسر بيه ؟ !
رد بسرعة: - طب یا نعمات، هبقا أكلمك تاني اطمن على الولاد، ثم استدرك لعله يلمح طيف نبرة شاردة منها تطوف بأجواء القصر فتصل إليه عبر أثير الهاتف:
- ماما نايمة دلوقت ؟ فردت نعمات بتكرار شعر کلاهما بالملل منه:
- أيوا یا جاسر بيه فزم شفتيه وقال كطفل
غاضب لفقدان حلواه:
- طب مع السلامة وضع سماعة الهاتف ثم أمسك بقلمه وحاول العودة مجددا
لأوراقه وعمله ولكنه ما لبث أن ألقاه بعيدا ورأسه الصلد يعلنها بوضوح أدمى قلبه
نعم إنه يفتقدها واللعنة عليه وعلى كبريائه الأعمى
فهو يفتقدها وبشدة تنهد متعبا وعاد بذهن مشوش لأوراقه يحصي الساعات حتى يستطيع الإنصراف وربما اللحاق بظلها قبل أن تعود لمنزل والديها

أخذت تجوب الغرفات غرفة تلو الأخرى بحثا عنه وعن صغيرها ولكنها لم تعثر عليه فتوجهت للطابق السفلي لتسأل موظف الأمن عنه فأخبرها أنه خرج منذ ساعتان برفقة الصغير فتعالت صيحات
الغضب داخلها وأمسكت بهاتفها لتطلب منه تفسيرا وهي تتجه
للمصعد ولكنها سرعان ما سمعت صيحة صغيرها وهو يتجه بسرعة فائقة نحوها فأحتضنته بشوق ولاحظت فورا الألوان التي يضج
بها وجهه فقالت بتقزز:

- إيه اللي على وشك ده ؟ | أشار لها صغيرها بأصابعه لكأنما هي مخالب اكتسبها بحكم تلك الرسمة السخيفة بنظرها وهو يصطنع زئير أسد جائع:
- هاااع . . . أنا أسد رأى الشرر ينبعث من عيناها فابتسم داخله واقترب منها وهو يرسم ملامح الجد المطلوبة للتغلب عليها ثم قال:
- أخدته شويه الملاهي، ماتقلقيش
حدقت فيه ببلاهة ثم قالت مؤنبة: - ملاهي لعيل عنده حصبة، لك أن تتخيل کام عيل أتعدى منه
قال هازئا: - ياستي أهي كلها مناعة وبعدين تجيلهم وهما صغيرين أحسنلهم
ثم أردف أيهم بثقة ليزيد من حنق أمه ضعفا مضاعفا: - وبعدين أنا ولد شطووووور، عمو أسامة قالي كده وقالي كمان
كل ما هتطلعلی حباية هكون أقوى وأقوى ظلت صامتة وهي تنقل أنظارها بينهما ثم قالت بأمر حاسم:
- أنت كفاية عليك كده النهاردة أنا هطلع أبلغ إذن ونروح وانصرفت دون أن تعقب ولم يقف هو بطريقها بل اتخذ طريقه نحو سيارته

كانت تقذف بالملابس للبائعة خلفها بعصبية وتوتر بالغين في حين ظلت صديقتها تراقبها بتعجب حتي جذبت من يدها رداء
کریمی اللون فاضح وقالت لها: - لا ااا یا دالیا لحد هنا واستوب جاسر عمره ما هيعجبه تلبسي
حاجة كده فلمعت عيناها وقالت بجذل:
- تفتكري يا أنجي
فحدقت بها إنجي قائلة:
- شور طبعا ده مستحيل يخليكي تخرجي بيه تأملت داليا الرداء بخيوطه المتشابكة الرقيقة والتي تغطي قسما هائلا من منطقة الظهر والبطن وصولا للكعب وقطع صغيرة متفرقة من قماش الدانيلا الناعم تغطى بستر زائف منطقة الأرداف والصدر بحيز ضيق للغاية ثم قالت بثقة:
- هدخل أقيسه راقبت انجی انصراف صديقتها بعين متسعة وراقبتها مرة أخرى ولكن بعين أكثر إتساعا بعد خروجها من غرفة القياس ثم قالت
غير مصدقة:

- دا أنت مصممة بقا فتنهدت داليا وهي تنظر لمنحنيات جسدها الفاتنة قائلة:
- يجنن مش كده
فقالت إنجي ساخرة: - ده يطير برج من نافوخه ويمكن كمان يطير رقبتك
فهمست داليا بتمني حارق:
- یاریت . . يا إنجي، ياريت

أوقف السيارة على بعد أمتار من المنزل تحت شجرة ضخمة ومضى ينتظر خروجها من بوابة القصر حتى رآها تسير خارجها
بخطوات بطيئة وأصابعها تتعلق بأسياخ البوابة المعدنية ثم توقفت لتتمتم ببضعة كلمات قبل أن تعود مجددا لطريقها الخالي
وجلس هو بسيارته لوقت طويل حتى رأی أنوار سيارة زوجته تسطع في الظلام عائدة للقصر فأدار محرك سيارته وداخله رغبة
في الهروب ولكن إلى أين ؟ لديه أبناء بالداخل وأم قد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أي وقت
حملت حقائبها وتصاعدت خطواتها نحو
غرفتهما ثم وضعت الحقائب جانبا
وتأملت هيئتها بعين ناقدة
تعلم كم هي جميلة، بل فاتنة

ولكن لم يكن جاسر بالرجل الذي ينجذب للجسد دون الروح كما تعلمت بالأيام الماضية، ولكن لكل رجل مفتاح ووجودها
هنا بين جنبات هذا القصر لهو المفتاح خرجت من غرفتها واتجهت لغرفة الصغار طرقت الباب بخفة ودلفت لتجد الصغيران منشغلان بلعبة إليكترونية والخادمة
ترافقهما عبست نعمات بوجهها قالة برسمية مبالغ فيها:
- عاوزة حاجة ياهانم ؟ حاولت رسم إبتسامة ودودة لعلها تكسر الجليد بينها وبين الصغار
وقالت:

- أنا جاية بس اتطمن عليهم ظل الصغار صامتين ولم ينبت أحدهم بنبت شفه فقالت نعمات
ببرود تام: - هما الحمد لله كويسين، مش ناقصهم غير . . .
وانقطع سيل الكلمات أو بالأحرى الكلمة الوحيدة المتبقية والتي تلقي بظلال اللوم عليها وعلى ذاك الخائن بنظرها عندما رأت ظله خلف داليا يقف ليراقب المشهد بتخفي
فتقدم جاسر قائلا:
- ناقصهم إيه يانعمات ؟ تهللت سلمى الصغرى لرؤيا والدها وقفزت بأحضانه صارخة:
- بابا، وحشتني إحتضنها جاسر بقوة وأنظاره متعلقه بنسخته الذي ترك لعبته وظل
جالسا مكانه صامتا فمد له ذراعه قائلا:

- مش هتيجي تسلم عليا يا سليم ؟ اتجه سلیم نحوه بخطوات بطيئه ومد يده ليسلم على والده الذي جذبه عنوة لأحضانه وهو يرفع أنظاره لنعمات منتظرا لأجابة:
- هاه يانعمات . كنت بتقولي الولاد ناقصهم إيه ؟ قامت نعمات لتنصرف قائلة بدبلوماسية اكتسبتها بفعل سنوات الخبرة:
- شوفتكم يا جاسر بيه، عن إذنك هقولهم يحضروا العشا وأشوف
الست هانم، زمان أخواتك على وصول وقفت داليا بإنتظار أن يتقدم جاسر منها ولكنه لم يفعل فبعد أن
ترك الصغار أحضانه جذبته سلمي قائلة:
- تعالى العب معايا يابابا

هز جاسر رأسه وقال: - أغير هدومي بس واتشطف وراجعلكوا يا حبيبتي ثم انصرف لغرفته ووقفت داليا تراقب إنصرافه حانقة وسارت
خلفه حتى دخلت الغرفة وأغلقتها قائلة:
- ده ولا كأنك كنت شايفيني فرد ببرود وهو يخلع سترته ويلقيها جانبا:
- ليه اتعميت ؟ فقالت داليا بضيق بالغ: - أومال ما عبرتنیش حتی بسلام ؟ !
فابتسم هازئا وقال:
- إزيك يا داليا، عاملة إيه ؟ والتفت ليتجه للحمام فجذبت ذراعه واستوقفته ودفعت بنفسها
بأحضانه عنوة قائلة بدلال: - اتعود أما ترجع من شغلك تحضني وتسلم عليا يا جاسر أنا
محتاجلك تصلب في مكانه إثر ذاك الإقتراب المفاجيء ووضع يده على
ذراعها ليدفعها بهدوء للخلف قائلا بصوت متحشرج:
- اكبري یا داليا على حركات العيال دي لو سمحتي فتعلقت بعنقه ليزداد إقترابها سوءا بنظره
واقتحمت بشفتيها ياقة

قميصه وهي تهمس: - مش هکبر یا جاسر وهفضل قصادك طفلة، محتاجه لحضنك
على طول تنهد وهو يحاول الإبتعاد قائلا:
- وأنا محتاج دلوقت أني أغير هدومي واتشطف
تركته يفلت من عناقها الحميم وهي تبتسم، فخطتها باتت واضحه كلما عمد للهروب والإختباء منها ستهاجم هي بفيض مشاعر لا قبل له بها حتى يعتاد عطائها ويدمنها كما أدمن البدينة
ولا يستطيع الاستغناء عنها

عادت بعد انتهاء ساعات عملها الطويل مرهقة للغاية وجل ما
كانت تطمح له حماما ساخنا وعشاءا يروض وحش معدتها الغاضب ولكن ما أن دلفت لشقتها والمفترض أنها مظلمة بذاك التوقيت من الليل حتى أثارتها الأضواء المنبعثة من كل جانب فأخرجت سائل الحماية الذي تحمله دوما من حقيبتها ولكنها
سرعان ما لمحت طيفه فتنهدت براحة قائلة:
- زیاد، خضيتني، أنت بتعمل إيه هنا ؟ كان يجلس على الأريكة وأمامه عبوة فارغة من السجائر أحرقها بأكملها أثناء ساعات النهار الطويلة التي قضاها بالتفكير والإنتظار
قام واتجه نحوها بخطوات بطيئة ثم ناولها المظروف الذي
بحوزته منذ الصباح وهو يعتصم الصمت وما أن رأت المظروف حتى اتسعت عيناها برهبة، ثم قالت:
- أنت جيبته منين ؟

فقال بصوت جاف: - مش ده السؤال، السؤال أنت خبتيه طول السنين اللي فاتت ليه ؟ قاومت العبرات التي تكتنف عيناها ثم اعترفت قائلة:
- ما رضيتش أجرحك
فصرخ بها: - تجرحيني ولا تذليني بعد كده ؟ ! ارتفع حاجبيها وشهقت بفزع وقالت بدفاع مستميت: - وليه أذلك یا زیاد أنا بحبك وكان صعبان عليا أن أشوفك مهزوم بحاجة مالكش يد فيها
لم تلین ملامحه بل إزدادت شراسة وهو يقبض
على ذراعيها:
- الدكتور قال أني كنت ممكن أتعالج، لو كنت صارحتيني
بالحقيقة كان ممكن يبقالي أمل لم تحاول الإبتعاد عنه بل على العكس اقتربت منه أكثر وهي
تحدق بعيناه: - لكن ماقالكش إني كنت بديك العلاج على إنه فيتامين، فاکر
ولا نسيت . . . . الصبح بعد الفطار وبالفعل تذكر إصرارها على تناوله تلك الفيتامينات التي أخبرته أنها مستورده من الولايات المتحدة ولكنه سأم معاملتها له كطفل وقرر التوقف عنها بعد عدة أشهر

ولكأنما قرأت أفكاره فأردفت قائلة: - ولما بطلت تاخدها بقيت أدوبهالك في العصير فضلت سنتين
أديلك العلاج لحد ماحسيت أن أصلا جوازنا مشروع فاشل مافيش يوم بيعدي إلا لما نتخانق ومافيش يومين بيعدوا إلا لما اكتشف خيانة جديدة
نکس رأسه وترك ذراعها ولم يدر ماذا يقول فهو فعليا عاجز عن الكلام، عن الإتيان بشكر أو إعتذار يليق بها وبتضحيتها
ثم قال بألم: - وليه لما كنت بصرخ نیکی انك حرماني من الأطفال ما.

اتكلمتيش، ليه ؟ لم تستطع حجب دموعها أكثر من ذلك فقالت وهي تبكي: - ما قدرتش، ماقدرتش رغم إني كنت واثقة أنه لو اتقلبت الأدوار
كنت عمرك ما هتعمل كده اقترب منها ودفنها بأحضانه وظل يحتضنها لوقت طويل يربت على ظهرها ويمسح دموعها حتى رفعت له رأسها وعيناها تحمل ألف سؤال ورجاء وربما بداية جديدة يقدر كلاهما حجم العطاء وكيفية التعاطي معه ولكنه ما لبث أن نحر كل أمل داخلها
وبصوت خافت قال:
- أنت طالق یا آشري

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة