قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثالث

رواية لعبة عاشق الجزء الثاني يسرا مسعد

رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثالث

العمليات الحسابية جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية
مضت نحو المصعد وهي تحمل بقالة تكفى عشاءا وفطورا
لأطفالها وهي تحصي الجنيهات بيدها الأخرى ١٦ جنيه ربع جبنه،٢٠ جنية ربع بسطرمة!

كيف ومتى قفزت الأسعار تلك القفزة الجنونية؟!
عقدت حاجبيها وهي تفتح الباب وكادت أن تصطدم بالخارج منه
وعادت للخلف خطوتين و لولا أنه أسرع ومد ذراعه نحوها لكان نصيبها حتما سقطة مهينة من فوق الدرجات العريضة تحت ناظريه
عبست بشدة فى وجهه وتمتمت بحرج شديد:
- متشكرة يا دكتور نبيل
تنحنح قائلا بحرج هو الآخر:
- أنا اللي آسف زقيتك منغير مقصد كنت مركز فى حالة مريض كده شغلاني.

ولمح بفطنته خطواتها المتقافزة نحو المصعد فقال:
-آسف مش هعطلك أكتر من كده
ودون أن تلتفت له مرة أخرى قالت:
- معلش أنت عارف الولاد بيبقوا قاعدين لوحدهم
ووقف هو يتطلع اللمصعد المغلق إثرها يتابع بعينيه تلاحق
الأرقام المضيئة على شاشته ونسي تماما حالته التي تنتظره في المشفى،
منذ أن انتقل للعقار منذ خمس سنوات وشغلته تلك المرأة التي تعيل بمفردها أسرة مكونة من ثلاثة أطفال أشقياء..أشقياء جدا.

فى الواقع، بل الصغير وحده.
متذكرا حوادث الصغير المتتالية آخرها حريق أشعله بمراب
العقار منذ شهران تقريبا عندما كان يجري تجربة على سرعة
إشتعال الحرائق بكميات مختلفة من الجازولين
أما الأوسط فصبي يبلغ إحدى عشر عاما معتدل في الطول معتدل في الهدوء
والكبير البالغ ستة عشرة أعوام أكثرهم هدوءا ورزانة كأمه بالضبط
وهو الأعزب الذي أصاب الأربعون كرمح لا يخطىء فوصل مداه بل وتخطاه بثلاثة كاملة
مكتفيا بمهنته السامية وبنجاحه وبخطبة وحيدة أثمرت عن ستة
أشهر لا أكثر بعدها هجرته لآخر أكثر مالا وسطوة

صوت التلفاز أثار استياء الجارة في الشقة المقابلة
علمت ذلك فور تطلعها لملامحها المنقبضة والغير راضية بالمرة
بل وأنها حاولت مخاطبتها ببعض كلمات الأسف التي أصبحت
تبتلعها كل صباح ومساء فلم يصل لسامعي جارتها والسبب
صوت المذياع الذي انضم للحفلة المسائية التي يقيمها صغيرها
دفعت الباب ووضعت أكياس البقالة بعنف ومضت نحو لوحة
المفاتيح التي تتحكم بكهرباء المنزل وأطفأتها بحسم
فغرقت الشقة في ظلام دامس.

وبعد لحظات اصطدمت عيناها بضوء المصباح اليدوي المنبعث
من كف صغيرها وهو يكتم ضحكاته فتقدمت منه غاضبه ونزعته
من يده ووجهته نحوه وهي تقول بغضب بالغ:
- أنا كل يوم أرجع ألاقي المهرجان ده شغال!
رد صغيرها:
- وأنا أعملك أيه أنت اللي بتتأخري وبحس البيت فاضي منغيرك
تهدلت كتفاها بتعب ونظرت إليه ولملامحه المشاكسة تماما مثل أبيه
بارع وبشدة في إشعارها بأن الخطأ خطؤها بالأساس.

والذنب كان ذنبها بالأصل
بل وعليها تقديم إعتذار فوري وحاسم
فرفضت بعند تلك المرة وقالت:
- فين أخواتك؟
أجاب متبرما:
-عمرو في الدرس وحسين حاطط السماعات في ودنه ونايم
تركها ومضى فى الظلام يتحسس طريقه:
- حضرتلك الغدا مع عمرو ..اتغدى هوا قبل ماينزل مع حسين

وأنا قلت أستناك،بس كنت غلطان
تمالكت ضحكاتها المختلطة بدموع الذنب وهي تراقب رحيله
الغاضب نحو غرفته وهي تفكر
"بل هو أبيه "
أغلقت التلفاز والمذياع وتحسست بقية الأجهزة تحسبا وبعدها
أعادت المفاتيح لوضعها وعمت الأنوار أرجاء شقتها الواسعة
الغرف كلها مضاءة حتى حمام الضيوف!
فصغيرها رغم شجاعته وحماقته اللامتناهية يرهب الوحدة كأي طفل في عمره،
دخلت غرفته التي يتشاركها مع أخيه الأوسط وهى تخاطبه:
- ماتزعلش يا أيهم ..يعني عاجبك كل يوم أرجع الأقي طنط اجلال مقبلاني بالشكل ده؟

جعد أنفه بحركة صبيانية مشاكسة:
- وأنا مالي بأم أويق دي عنفته سريعا:
- ولد! أتأدب ..مايصحش تقول عليها كده
ظل عابسا بل وصمم على مزيد من التجاهل همست وهي تقترب
- اللي خلف مامتش،طالع عنيد لأبوك
جذبته بحنان وقبلته بدفء وهي تعبث بخصيلات شعره الغزيرة الناعمة قائلة:
- أنا هروح أتشطف وناكل سوا
واطمأنت قبل أن تخرج على الآخر الغارق بسبات نوم لا ينتهي

إثر كل مباراة قدم يشترك بها فريقه ورفعت في طريقها للخارج
ملابسه المتسخة التي ألقاها بإهمال
وقبل أن تخلع ملابسها قامت باتصال هاتفي مع والدة صديق
إبنها الأكبر والتي يقام فى منزلها درس الرياضيات لتطمئن على ابنها

أن تفقد الأنثى إهتمامها فجأة بالرجل
فهذا يعني أنها قد توقفت عن حبه
بل ربما كراهيته أيضا منذ زمن بعيد
ولكنها لم تفقد إهتمامها به قط ولا توقفت عن الشغف به وبكل تفاصيله
حتى أنها وبعد مضي الساعة لازالت تنتظره بالشرفة
تفتقده وتشعر بالقلق البالغ عليه
ولكن كبريائها أو بالأصح بقايا كبرياء استقرت داخلها تمنعها من
أن تفعل وتريح على الأقل قدميها
ولاداعي لذكر العقل الذي توقف عن العمل منذ أن تخطت
الساعة منتصف الليل بكثير فالقلب قام بالمهمة على أكمل وجه

ومر بخاطرها كل الظنون والمساوىء اللعينة التي قد تصيبه أثناء
غيابه،وطرقت برأسها للمرة الألف ربما لهاتفها الساكن فوق الطاولة تراجع إشارته وصوته
إذا مالذي يمنعه من الإتصال والنزول من عليائه قليلا ليتصل بها ويطمئنها عليه؟!
" لو إمكانها الإتصال به كما كانت تفعل بالماضي
الماضي الذي يعد بالنسبة لها ماض سحيق يعود ربما لأول سنة من عمر زيجتهم
كان أحيانا كثيرة يقابل نوعية تلك المكالمات القلقة من جانبها.

بشيء من النفور حيث أنه لم يعد طفلا صغيرا
ولكن الأمر أضحى تبرما واضحا لإضاعتها وقته الثمين بتلك
الأسئلة الفارغة التي لا معنى لها سوى أنها تعاني من فراغ وضيق أفق بين وتوقفت عن الإتصال به
"فقط للطوارىء"
كانت تلك كلماته بالتحديد عدا ذلك لن يرد عليها
وماهي الطوارىء بالنسبة له سوى مكروها أصاب والدته المصون
أو أحد الأبناء بعيد الشر
أو هي .."قالها على إستحياء"

وربما كان داخله ذيظن أنه لا مانع هكذا توقن
وهكذا توقفت عن الإتصال به
حتى في الطوارىء
التي حدثت مرة أو اثنتان وتكفلت الجاسوسة نعمات بالإتصال
إذ وقع سليم من أعلى الدرج مرة كلفته شقا أسفل ذقنه ومن ستر
الله لم يكن ظاهرا للأعين ولكنه كان في نظره جرحا بليغا مهولا،جرحا يجسد تقصير وإهمال منها
هكذا كانت هي دوما المقصرة بحق أبناءه،أمه وهو ..
الجميع باختصار!

وعاودت النظر للهاتف مرة أخرى
وأبدا هي لن تتصل به
ولكنها ستظل واقفة لساعة أخرى ربما تنتظره وبعد أن يعود
ستتظاهر بالنوم كما كانت تفعل منذ أسبوع تقريبا
فبعد أن تحسنت الأجواء نسبيا بينهما وشعرت سوسن خانون
بتلك الهدنة المؤقتة حتى أشعلت حربا جديدا معها
وكالفراشة الساذجة التي تنجذب للهب مرة بعد الأخرى
وقعت بشرك مؤامرتها التي لا تكف عن اللجوء لها
افتعال مشكلة ما،تتطاول فيها عليها بالإهانات
فلا تسكت سالي ولا تنتبه أنها دوما تختار توقيتا مثاليا يكون
فيه جاسر على وشك العودة والدخول للمنزل ليرى أمه بهيئة.

أقرب للإغماءة وزوجته وقد اشتد غضبها واحمر وجهها وصوتها يهز أركان المنزل الواسع،
ولكن تلك المرة كانت سوسن خانون تمادت هي الأخرى
بالسباب والإهانة حتى طالت ذكرى أبيها المرحوم
فاندفعت سالي بسباب مماثل لها تلك الشمطاء
لم يكن سبابا بالمعنى الحرفي ولكنها فقط قالت أنها لن ترقى
أبدا لتكون إنسانة حتى تسب ميتا لم ترى منه شرا قط ولمحت في عيناه رفضا وتخاذلا.

فلا هو أسكت أمه التي تمادت بالسباب في حضوره
ولا هو واساها بعدها
بل تلك النظرة المخزية التي تخبرها أنها خذلته
اللعنة عليه وعلى أمه وعلى خذلانه الوضيع
كادت تلملم أشياءها
فلا بقاء لها في منزل تحت سقفه أهينت ذكرى والدها الحبيب
وكانت على وشك أن تجمع ملابسها وترحل للأبد
ولكنها توقفت وكفت عن جمع الملابس بل ورتبتهم من جديد
في هدوء بالغ وبديناميكية شديدة أعادت كل شىء لمكانه.

وكأنه كان بداية حريق أسقط فوقه دلوا مملوءا بماء بارد وانطفأ
عندما همست لها نفسها الجبانة أنه أبدا لن يأتي ليسترضيها
وسيتركها فى بيت أهلها حتى تتعفن
وكرهت نفسها وكرهت تلك حقيقة
وبقيت
ونفسها تواسيها أن في بقاءها غضبا أشد لتلك الشمطاء
فإن رحلت فهذا معناه أنها قد انتصرت عليها
ولاتدري متى تحولت من إنسانة هادئة خجولة مطمئنة لتلك التى
تترصد المضايقة والإنتقا ؟
حتى لو كانت خاسرة فهي رابحة طالما الطرف الآخر خاسر مثلها
متى فقدت طمأنينتها؟

متى فقدت سلامها النفسى ؟
متى تحولت نفسها الحلوة لتلك المرة
بل والسؤال الأهم متى ستسعيد صفاء روحها ونقائها ؟!
وهل كان يستحق ؟
أكان جاسر يستحق تلك التضحيات؟

في الصباح تكون أكثر نشاطا
أكثر تقبلا لمعطيات الحياة
وكأنها تعاهد نفسها على البدء من جديد رغم كل الصعاب
رغم كل مامر بها
فقدانها لأمها وهي طفلة فى الثانية عشر من عمرها قدر ماكان
قاسيا قدر ما لقنها درسا بقيمة الأشياء والأشخاص في حياتها
ويوما بعد يوم يزداد نضوجها وتقل حاجتها للناس من حولها
منذ إصابه والدها بوعكة صحية شديدة العام الفائت أخذت
تمرن نفسها على تلقيها خبر رحيله عن الحياة لتصبح بعدها وحيدة تماما دونه
نعم هي أحيانا تشعر بالوحدة.

بالرغم من أنها زوجة وبامتياز خمس أعوام مرت
لكن اليوم وتحديدا تلك الساعة المبكرة من هذا الصباح
وهي ممسكة بهاتفها وشاشته تحمل صورة واضحة لملامح
زوجها وهو يغازل أخرى فاتنة لم تكن تجهلها فالكل يعلم من تكون
"داليا الزهري "،
أيقنت بالفعل أنها وحيدة

"عملت أيه يا مجنونة ؟"
لم تلتفت لصراخ صديقتها المقربة منها وقالت بسأم:
- بعت الصور لمراته
قفزت إنجي من على الكرسى الممدد تحت أشعة الشمس
وجلست على طرفه لتقترب من صديقتها التي وبالرغم من جمال
بشرتها إلا أنها تصر على صبغها بلمحة برونزية قائلة:
- ليه ؟كده زياد ممكن يبعد عنك
خلعت نظارتها الشمسية ومالت قليلا ناحيتها وقالت بنفاذ صبر:
- ومين قالك إن زياد يهمني ؟!

شعرت أنها تتوه في مخطط صديقتها بالرغم من أنها كانت سابقا من تحركها بترتيبات لم يكن لعقلها قبل بها
- داليا بجد أنا مابقتش فهماك
ون الهاتف ليقاطعهم فنظرت فيه قبل أن تناوله لها قائلة:
- ده زياد ..أكيد آشري ماسكتتش
تناولت منها الهاتف وألقته في حقيبتها بإهمال فرفعت إنجي
حاجبيها بتعجب:
-كمان مش هترد عليه
وضعت نظارتها من جديد وأجابتها بهدوء:
- توء

وأطلقت بعدها ضحكة عابثة عندما تلقت ملامح الخيبة والتبرم
المرسومة بدقة على وجه صديقتها وقالت لها:
- الصبر يا إنجي ..كل شىء في وقته

استيقظ متأخرا على غير العادة فرغم تجاوز عدد ساعات عمله
مؤخرا للعشرون ساعة أحيانا إلا أنه كان يحافظ على موعد استيقاظه بعد شروق الشمس بقليل يتريض لنصف ساعة في
حديقة القصر وبعدها يتناول فطوره ويستمع
ربما لشكاوى المحيطين به
بدءا من صغاره لأمه،أما زوجته فتكتفى بسلخه بنظرات غير راضية
وأن أمن نفسه ضد هجمات عيناها سيظل فراشه البارد بها أو دونها دليلا دامغا على توتر العلاقة بينهما
إلا أنها في الآونة الأخيرة أضافت لمجموعتها أداة تعذيب جديدة
يراها من خلال إنعكاس مرآة سيارته كل ليلة وهي تنتظره في
الشرفة لوقت متأخر وعندما يهم بالصعود لغرفتهم يجدها وقد
تمددت فى الفراش متظاهرة بالنوم، وفي الصباح تهمل حضوره كليا!

واصبح لا يرى منها إلا ظلا غاضبا يتبعه طوال النهار ويلقي له بنظرات نارية، فلا يجد سوى بحر العمل ليغرق فيه هربا من ضيق صدره وغضبها المفتعل دوما
لقد وبخ أمه كثيرا لتطاولها على ذكرى حماه رحمه الله،فهو
برغم كل شيء إلا أنه يحمل ذكريات طيبة لهذا الرجل الرائع ويحترمه
وأحيانا يلقى على مسامع صغيرته سلمى حكايات عن جدها الحنون
ولكن سرعان ما وأن عالجته أمه بعيون دامعة واعتذار صادق عن
آلامها وماتسببه الأدوية التي تتعاطها.

ضيق خلقها مؤخرا بسبب
من تعب بالغ بالاضافه لمرضها الذي لابراء منه
تلك الآلام التي يقف عاجزا أمامها ويرقب أمه وهي تارة تحاربها وتارة تستسلم لها
بإختصار إنها تذوي أمامه وبالبطيء، بينما هو مكتوف الأيدى أمر قاتل
ومع كل ماتمر به أمه من معاناة مع مرضها العضال يجد زوجته
دوما سريعة الغضب والإشتعال في كل مايخصها، ويبدو أنها لاتقدر مطلقا حجم تلك المعاناة
مما يشعره بأنها ببساطة خذلته.

صرخة شقت سكون القصر بعد إنصراف الأبناء لمدرسهم
"ألحقنى ياجاسر بيه"
- ماتقلقش شوية تعب بسيط.. هنغير بس فى بروتوكول العلاج وهنتابع
هكذا كانت كلمات الطبيب قبيل إنصرافه ولكنها بالتأكيد لم تنجح في تهدئته
تغيير نظام العلاج ليس له معنى سوى بأن مرض والدته انتقل لمرحلة أكثر تعقيدا وخطورة
رغم العملية الجراحية الناجحة على عكس كل التوقعات التي أجرتها منذ عام
قابلها أخيرا وجه لوجه غير متشبثة بنظرة عبوس ولا متظاهرة بنوم
عميق تقف أمامه،ترتجف بشبه إهتمام
-"هيا عامله إيه دلوقتي ؟ "

وبسخريته المريرة رد:
"لو تهمك أوي ادخلي اسأليها واتطمنى عليها "
زمت شفتيها وقالت:
- طالما أنت عاوزكده
عندها قاطعها بغضب بالغ،غضب استعر به،
كلا،فهو لن يطلب شفقتها على أمه
- لاء،أنا مش عاوز كده ...لكن لو يهمك أدي الأوضة وأدي
الباب...اكبرى ياسالي أنت مش لسه عيلة صغيرة
تحرك من أمامها لأنه كان يعلم جيدا أنه لاجدوى للحديث وأنها
أبدا لن تطرق باب الغرفة وتدخل لتطمثن عليها كما تدعي الاهتمام
وهو كان غير راغب بذلك المشهد

نظراته لم تعجبها ولم تعجبه على حد سواء
مااله؟ !
يتطلع إليها كأنها آخر إذمرأة على ظهر الكون
وهو الذي كان ساكنا في محراب زوجته الراحلة حتى بعدما توارت تحت الثرى
عدلت عويناتها مرة أخرى وهي تحدث نفسها "هكذا هم الرجال، يدفنون الوفاء بقبور زوجاتهم "
ثم تابعت بصوتها الرخيم الهادىء:
-"أنا بقترح نعجل بالشرا حتى لوكان التمن مبالغ فيه وإلا هنخسر أكتر بعد كده"
وضعت القلم في إنتظار لرد فعل من جاسر الصامت على مدى
ساعات النهار متجاهلة تماما تعلق أسامة بقسماتها واعتبرته اليوم
كليا،فقد عقله بعد رحيل زوجته وابنته الوحيدة
بل منذ عودته مجنون

وليس على المجنون حرج
"أنا أول مرة آخد بالي من لون عينيكي "
عبارته شقت الصمت المخيم على الأجواء
وكانت ببساطة تأكيدا على ذهاب عقله
أيغازلها الآن ؟!
هل ارتقت أفعاله الصبيانية منذ عودته لغزل صريح وبحضره أخيه الأكبر ؟!
وضع هو الآخر قلمه بعصبية شديدة فيما كانت هي تجمع أوراقها
المتناثرة على سطح طاولة الاجتماعات العريضة متجاهلة تماما ملاحظة أسامة الوقحة بنظرها،
شكرها جاسر بنبرة عملية مؤكدا عليها الأخذ بنصيحتها قيد
الإعتبار وهو يصب نظراته الغاضبة والمرهقة على أخيه الأوسط
الذي كان يخرج سيجارا رفيعا ويشعله في برود تام

- على فكرة ماما تعبانة أوي تلك العبارة كانت
" كفيلة بإخراجه من عزلته الباردة التي كان يعتنقها من حين لاخر
- مالها؟.سأل بإهتمام
رمقه جاسر بنظرة لائمة وهو يقول:
- الدكتور بيقول أن الموضوع نفسي أكتر ومع ذلك هيغير العلاج
وأردف:
- وأنت بطلت تسأل عليها أو تزورها
همهم بإعتراض:
- ما أنت عارف
- أيه ؟ الشغل ولا لون عيون درية !

ما أقساها سخريته، كسوط يمر فوق ظهره يجلده
وما أبغضها أنانيته،
انغمس بنفسه وجروحه ونسي المحيطين من حوله،
لقد أشفق على زوجته الراحلة من تحمل ويلات مرض أمه
وكالعادة قام جاسر بتولي الأمر الذي انعكس سلبا على حياته
واستقرارها ومزاج زوجته الشابة،
مكتفيا بزيارات متقاربة من حين لاخر وسؤال متصل ولكن بعد مصابه الأليم
انعزل بحياته وتخلى عن مسؤلياته تجاه أمه
وكم هو مر مذاق، التقصير بحق من نحب ونهتم
- هعدي عليها النهاردة

-آشري إيه المفاجأة دي
- أتمنى تكون مفاجأة لطيفة
-أكيد ..طبعا يل بيبي .هاه تحب أطلبلك إيه ؟
مافيش داعى يازياد ..أنا بس حبيت أسلم عليك قبل ما أسافر طيارتي كمان ساعتين
عقد حاجبيه بتعجب بالغ وقال بسخرية مريرة:
-لا والله وفجأة كده قررت تسافري وأنا إيه آخر من يعلم؟!
نظرت له بهدوء،لم يتغير قط هي فقط أصبحت تراه الآن أفضل من أي وقت مضى:
- هوا فعلا حصل فجأة بابا تعبان شوية والتحاليل مش كويسة.

أوي حجزتله متابعه مع الدكتور بتاعه في ألمانيا ..الموضوع تم
بسرعة وماكنتش عاملة ترتيب وقلت أهي فرصة
قام واتجه نحوها وهو لازال عاقدا الحاجبين يود استكشاف ما
هيئتها المثالية الباردة وهي متمسكة بقناع جليدي أعلى
قسماتها قائلا بتمهل:
- فرصة لأيه بالظبط؟
اقتربت منه وهي تعدل من ربطة عنقه قائلة بصوت خافت:
- اتطمن على بابا بنفسى .المهم ..خد بالك أنت من نفسك
ابتسم وقال:
- ماتقلقيش عليا
طبعت قبلة أعلى ثغرة فجأة وتركته بعدها مترنحا من أثرها ورحلت
رحلت ولم يرى سوى ظلها يتخافت رويدا رويدا مع رحيلها
بل ولم يرى دمعتها الحبيسة بعيناها والتي توارت خلف نظارتها الشمسية القاتمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة