قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر

تماوجت الأفكار برأسه حتى اضطرب، والغضب اللحظي بدأت تخفت شرارته رويدًا رويدًا، وتدريجيًا تعود السيطرة لعقله الذي إنحنى -لحظيًا- لقبضة الشيطان.
فكيف لفيروز أن تخطط لما حدث وهي لم تكن تعلم أنه سيذهب لذلك المطعم اصلًا!؟
ولماذا ستضع نفسها على المحك والفضيحة تكاد تلطخها بسوادها؟!

وفي نفس الوقت عيناه تفرض عليه احتمالًا اخر ممزوج بالشك المُبطن، فهاهي تتلقى رسالة من احد الصحفيين الذي يُنبئها بتمام ما أرادت.
وهو حتى الان لا يعلم ما الذي تريده، لذا لا يستطع استئصال الشك الذي ينحره نحرًا.!
تنفس بعمق مغمض العينين، آن الآوان ليقود العقل مسيرته التالية نحو الحقيقة، لذا صور بهاتفه الرسالة، وأعاد هاتفها مكانه، ثم اقترب من فيروز وهتف بصوت هادئ مدروس: -يلا نمشي عشان ورايا حاجات كتير.

اومأت برأسها على مضض تخبره: -تمام، ممكن تسبقني وأنا هتكلم مع ماما وجايه على طول.
هز رأسه موافقًا ثم غادر الشقة بالفعل، ينتظرها في سيارته بالأسفل، وبالفعل بعد قليل كانت قد نزلت من منزلهم، ركبت سيارته جواره دون كلام.
قاد دون أن ينطق هو الاخر، يحاول استهلاك كل الوقت في حسبان كل شيء بالعقل.

وصلا بعد فترة لمنزل فارس وكانت سيدة خمسينية ذات ملامح بيضاء متجعدة، تستقر فوقها الطيبة بابتسامة بشوشة ترحب بفيروز: -اهلًا وسهلًا، نورتي البيت.
بادلتها فيروز ابتسامتها الحلوة متمتمة: -منور بيكوا.
أمسك فارس بكفها يسحبها خلفه دون كلام، سارت خلفه متعجبة، حتى وصل بها لغرفة يبدو أنها غرفته، أدخلها ثم دخل وأغلق الباب خلفه.
اقترب منها ببطء وهدوء، متسائلًا بجدية: -إيه علاقتك بالصحفيين؟

عقدت ما بين حاجبيها مرددة بعدم فهم: -صحفيين إيه؟
أخرج هاتفه من جيب بنطاله، ثم قرّبه من وجهها، وتابع بصوت أجش: -ده، اللي باعتلك المسدج دي؟
زاغت عينا فيروز عن الهاتف، وحيا فيهما شبح التوتر الذي جاهدت لقتله في الدقائق الماضية، ثم تنهدت بعمق قبل أن تجيبه برتابة: -ده شخص معرفة، بتسأل ليه؟!
واصل بنفس النبرة التي مالت لشيء نابت من الحدة: -تعرفيه منين ويقصد إيه ب اللي اتفقنا عليه حصل؟

سألته بعناد تحلى بالبرود المتعمد: -يهمك في إيه؟
تربضت الحدة بحروفه وهو يردف محذرًا: -جاوبي على السؤال من غير اسئلة كتير يا فيروز.
عقدت ذراعيها، وتأرجحت حروفها ما بين المكر والبرود حين استرسلت: -هجاوب لما أفهم، واوعى افكر إنك غيران ولا حاجة؟!
نفى بخشونة دون تردد: -ولا غيران ولا زفت، وبعدين حتى لو غيران يعني؛ هو أنتي مش بقيتي مراتي ولا أنا متهيألي؟
هزت رأسها نافية ببساطة: -لا الغيرة دي بتبقى آآ...

قاطعها بنبرة غليظة هو يقترب منها اكثر، حتى كاد صدره الذي يعلو ويهبط من الغضب الذي بدأ يناغش صدره، يلامسها: -الغيرة مش دايمًا مرتبطة بالحب، أي راجل حر هيغير على الست اللي شايله أسمه وبقت عرضه، لكن لو على الحب أنتي أخر واحدة ممكن أحبها.
كل حرف خرج منه كان منافيًا لصوت قلبه الذي صدح ثائرًا، معترضًا.
فيما تشدقت فيروز بقوة ترد له الصفعة: -على أساس إن أنا اللي ميتة في دباديبك.

اقترب فارس منها أكثر، يرى عيناها تنفي ما يردده لسانها، تهدجت أنفاسها حين أصبح على بُعد انشات قليلة منها، ثم همس بخشونة متهكمًا: -واضح واضح من غير ما تحلفي.
تراجعت خطوتان، وهي تردد بثبات زائف بينما داخلها مُهدد بالذوبان بسبب قربه ذاك: -ياريت ماتقربش كده، وخلينا منضايقش بعض الفترة اللي جايه.

اقترب فارس منها أكثر وكأنه يتحداها، ثم استطرد والعناد يلفح كلماته: -مبحبش حد يقولي أعمل إيه وماعملش إيه، لإني غالبًا بعمل عكس اللي بيقوله.
ثم جذبها بحركة مباغتة من خصرها بقوة لدرجة أنها اصطدمت بصدره العريض، وابتسم بمكر متابعًا: -تمام؟

تلجلجت كليًا، كورقة لينة جدًا لا تقوي على تحمل هجومه العابث العاتي، ثم حاولت دفعه بشيء من الوهن وهي تبتلع ريقها، فتركها فارس رغم أن داخله يرفض مفتقرًا ملمس جسدها الطري ضد يده، ثم أضاف مغيرًا الموضوع: -ماخدتش اجابة سؤالي برضو، مين الاخ تعرفيه منين وإيه هو اللي حصل؟

تنهدت بصوتٍ عالٍ حانقة قبل أن تجيبه على مضض: -ده صحفي معرفة من زمان، وشغال في جريدة من اللي نزلوا الخبر وأنا كلمته عشان لو يقدر يمسح الصور، وبلغني إنه عمل كده، بس.
سألها بنبرة ذات مغزى مضيقًا عينيه: -متأكدة؟ بس كده؟ مفيش حاجة تانية عايزه تقوليهالي؟
توترت وسألته بعدم فهم مصطنع: -حاجة إيه يعني؟
ابتسم فارس ابتسامة غامضة وغمغم بحروف مُبهمة: -تمام كده.

ثم تحرك ليغادر، لكن رنين هاتفه أوقفه، أخرجه من جيب بنطاله مرة اخرى ثم أجاب: -ايوه.
ملامح وجهه ترجمت المفاجأة التي سمعها من الطرف الاخر، واجاب: -ماشي ماشي أنا جاي.

المفاجأة هذه المرة كانت من نصيب معالم فيروز التي ارتدت للخلف وكأنها لم تتوقع هذا القرار منه حاليًا، نعم هي تردد أنها لا تحبه ولا يشكل فارقًا معها، ولكنها بالنهاية فتاة عاطفية؛ او بمعنى أصح عروس قرر زوجها تركها ليلة زفافهم بدلًا من وجوده جوارها حتى لو كانت ظروف زواجهم مختلفة!
ألا يحسب حساب رؤية أي شخص له؟ او مظهرها الذي سيوحل بالطين بسبب قراره هذا؟

استدار بعد أن أغلق الهاتف، ثم هتف لفيروز المتأهبة في وقفتها: -أنا لازم أسافر دلوقتي ضروري.
استفسرت من بين أسنانها وحاولت ألا تُظهر ذلك: -خير ان شاء الله؟
راح يخبرها بهدوء مختلط بالجدية: -شريكي تعبان واتحجز في المستشفى، ومش هينفع ماكونش معاه في محنته وهو وحيد.

اختلط داخل فيروز بشتى المشاعر، من ناحية غمرتها الراحة لأنه حتمًا لم ولن يرى صورهم التي انتشرت، ومن ناحية اخرى ارتفع داخلها شعور الشماتة والتشفي حتى حلقها، فهي تريده أن يدفع ثمن آثامه بأي طريقةٍ كانت!
وبتلقائية كانت تبثق الكلمات مغموسة بالسواد الذي وصل حد التخمة داخلها: -ياريته يتعظ بقا.
شدد فارس على حروفها مستنكرًا وقد ارتفع حاجبيه معًا: -يتعظ!

اومأت مؤكدة برأسها، وبدأت تحاول تصحيح ما اقترفته تلقائيتها التي لا قدرة لها على التحكم بها حين يصل مجرى الحوار لذلك المقيت خالها: -اصل الأغنيا كده، مابيتعظوش غير بالمرض.
ازداد الاستنكار تكتلًا وسط رده وهو يتابع: -أنتي شيفاني كده يعني؟! مابتعظش غير بالمرض؟
غمغمت ببرود وبجاحة لا تُصدق: -هو أنا جبت سيرتك دلوقتي؟

التوت شفتاه بما شابه الابتسامة ولكنها كانت ساخرة خالية من المرح، وأردف متهكمًا: -لا ابدًا، جبتي سيرة الأغنياء اللي سبحان الله وبالصدفة أنا منهم، لأني رجل اعمال، تخيلي؟
سايرته وهي تقول بتعجب ساخر مصطنع: -لا والله
-طب هسيبك أنا واروح عشان شكلك مجنونة دلوقتي.

ثم ألحق الفعل بحديثه حين تحرك بالفعل مغادرًا الغرفة ليبدأ التجهيز لسفره، بينما داخل فيروز كانت اخرى عاطفية تعاني سكرة الموت؛ ففيروز كانت تُصر على قتلها طعنًا بقناعات عقلها التي لا يجب أن تهتز!

في متجر عيسى...
كان يقف في متجره كالمعتاد، يجاوره شقيقه حازم الذي أتى متفقدًا أحواله، ينسج الود بينهما بعد أن فرقهما اختلاف الاماكن بعد أن اقام حازم بعيدًا عن الشقة؛ تاركًا الحرية لزوجة اخيه كارما.
ومعهما احد الاشخاص الذي يحضر البضائع التي يحتاجها عيسى.
قطع حديثهم ظهور كارما طارحة التعجب على وجوه جميعهم!
ثم هتافها الذي قطع الصمت، بنعومة عفوية: -جبتلك أكل يا عيسى.

بعد أن تفحصها الرجل نظر لعيسى وهو يهز رأسه وكأنه يحسده بصمت على اهتمام زوجته، فرماه عيسى بنظرة تطلق شرارة من الغضب الذي بدأ يتقد، وقال: -يلا انت اتكل على الله.
ظل الاخر واقفًا مكانه بابتسامة سمجة، فدفعه حازم برفق في ذراعه وهو يردد: - الله ياعم ما قالك امشي، أنت ماتعرفهوش لما بيتحول اسألني أنا!
هز الاخر رأسه ضاحكًا: -خلاص ياعم ماتزقش ماشي.

ثم غادر بالفعل تحت أنظارهم، نظر عيسى لحازم وتابع بنبرة حازمة: -خليك أنت هنا لحد ما اجيلك.
أوقفه حازم معترضًا: -استنى طب أسلم عليها.
-حازم.
زجره عيسى، فتراجع حازم بابتسامة مرحة وهو يتشدق: -مش عايز أسلم عليها.
وبعد أن سحب عيسى كارما، رفع حازم يداه معًا وتمتم: -الله يرحمك يا كارما كنتي طيبة.

لم تعترض كارما على عيسى الذي كان يجرها خلفه بقوة طفيفة، تحت ذهول عيسى الذي ازداد حين تمتمت بدلال متعمد، كاتمة داخلها الغيظ: -براحة يا عيسى هقع.
رفع حاجبه الأيسر مدهوشًا وواصل بعدها ساخرًا: -أنا عايز أعرف مين اللي لعب في الاعدادات بتاعتك؟
فتحت فمها وكادت تتحدث فأوقفها مشيرًا بيده: -في بيتنا، في بيتنا عشان مانتفضحش.

وبالفعل صعدا بعد قليل لمنزلهما، تراجعت كارما عدة خطوات للخلف في حذر بعد أن أغلق عيسى الباب، ثم استدار نحوها متسائلًا بهدوء مصطنع تعلم أنه هدوء ما قبل العاصفة: -أنتي إيه اللي نزلك المحل تحت بقا؟
ردت ببراءة: -عشان أوديلك الأكل.
صاح فيها منزعجًا: -ومين قالك إني عايزك تجبيلي أكل تحت، منا بطلع أكل هنا.

بررت متحلية بالهدوء والبراءة رغم الحنق الذي يغلي داخلها ولكنها تأبى أن يسطو على كلماتها: -منا لاقيتك اتأخرت فنزلتلك زي أي زوجة أصيلة، وبعدين فيها إيه يعني هو أنا نزلتلك كبارية! ولا أنا هتسجن في البيت يعني؟
هز رأسه نافيًا، ثم أخبرها بصرامة: -لأ مش هتتسجني لكن أنا اوقات كتير ناس صحابي بيجوا لي المحل، وأنا قايلك ماتنزليش.

لوت شفتاها تتمتم في عتاب خافت: -دي معاملة زوج لزوجته اللي حست إن كروشة جوزها جعانة؟!
ردد عيسى مسرعًا في استنكار جلي: -كرش! أنا معنديش كرش على فكره.
وصمت برهه ثم أردف مغتاظًا: -وبعدين انتي مالك هي بطني ولا بطنك؟!
استطردت متمسكة برداء البراءة الذي لا يليق بها بتاتًا: -ازاي. أنت جوزي ومسؤل مني.
-في إيه هااا؟ في إيه؟
غمغمت بتوتر وهي تتراجع خطوة اخرى للخلف: -إيه؟

ضيق ما بين عينيه وهو يشير بيده متمتمًا: -أنتي اتبدلتي ولا جرالك إيه؟ فين كارما ام لسان مترين ونص؟!
تأففت كارما وراحت تستطرد بنغمة يصدح منها القنوط: -يعني لا كده عاجب ولا كده عاجب، أنا غلطانة إني بحاول أكون ذوق وكويسة معاك.

اومأ مؤكدًا برأسه، وكأنه وجد اخيرًا الثغرة التي ستعيدهما لنقطة البداية المفعمة بالنور بدلًا من ظلمة المجهول هذه: -ايوه غلطانة، ارجعي بقا كارما اللي أنا عارفها، على الأقل كنت بعرف أتعامل معاها، إنما كده أنا مش عارف أنتي هتقتليني مدبوح ولا محروق ولا مخنوق!
ضغطت على كل حرف من حروفها وهي تخبره بجدية محاولة اقناعه: -يا سيدي منا قولتلك فهمت إن طريقة تعاملي كانت غلط، وأنا مشوفتش منك حاجة وحشة.

صمت برهه، وللأسف لم يجد سبيل للاحتجاج على أيًا من حروفها، فأومأ برأسه على مضض: -ماشي يا كارما، هعمل نفسي مقتنع.
ثم تحرك صوب الغرفة وتحديدًا الدولاب وبدأ يُخرج منه بعض الملابس، فأدركت أنه ينوي الاغتسال، وبالفعل دلف عيسى للمرحاض، فتوجهت هي للدولاب وأخرجت منشفة جديدة بدلًا من التي رأتها قد توسخت؛ كصورة من صور الاهتمام التي تمليها على مخيلته مؤخرًا.

بعد قليل خرج عيسى من المرحاض ولم يكن قد جفف جسده من الماء بسبب نسيانه للمنشفة، وكانت ازرار القميص الذي ارتداه مفتوحة من الأعلى قليلًا.
توجهت كارما نحوه، فلم ينطق هو وانتظر ما ستقوله، فتفاجئ بها وهي تمد يدها بالمنشفة بمنتهى العفوية التي قتلته في مصرع، وتمسح قطرات الماء على صدره والتي كانت تتساقط مبللة الجزء العلوي من بنطاله.

شعر بتلك العاطفة اللعينة تداعب احشاؤوه من جديد، واشتد جلده في استجابة فورية لم تكن طوع يده، ثم همس بخشونة: -أنتي بتعملي إيه؟!
رفعت أنظارها له وكأنها استوعبت ما تفعله بسذاجة، وقبل أن تنطق كان عيسى يقترب منها، فعادت على الفور للخلف وهي تغمغم بصوت بدأ يزحف له التوتر: -إيه؟

اصطدمت بالحائط من خلفها ولم يعد لها مفر من حصاره العاطفي الذي بدأ يهدد ثباتها، حتى صار أمامها تمامًا والمسافة تكاد تكون معدومة بينهما، رفع وجهها بيده فلفحتها أنفاسه وهو يسترسل بنبرة أجشة صلبة: -الحركات اللي أنتي بتعمليها دي ملهاش غير تفسير واحد بس بالنسبة لأي راجل.

ثم أحاط وجهها بيديه، ومس طرف حدقتيها بأصابعه برفق وهو يتابع بحروف مشدودة: -لكن الرفض اللي بشوفه في عنيكي كل ما أكون قريب منك، بيقول العكس.
هبط ممسكًا ذراعها يضغط عليه بقوة منفثًا بها عن الغضب الذي بدأ يجتاحه، قبل أن يضيف بشيء من الحدة: -أنتي عايزه إيه بالظبط، بتلعبي بيا وبمشاعري وكرامتي ليه؟!

هزت رأسها نافية، تحاول أن تجد تفسير تصلح به ما أفسدته دون قصد منها، ولكنها لا تجد ابدًا، تدور وتدور في حلزون لا تجد له نهاية تستطع حجم غضبه بها!

تركها عيسى وهو يتنهد بصوتٍ مسموع، ثم غادر تاركًا إياها تلعن سذاجتها وعفويتها، فهو يكره أن يتلاعب به أي شخص، خاصةً أنثى.
فهو لم ينسى أنها رفضته مسبقًا، ولكنها الان تداعبه بطريقة شتت عقله وتفكيره وتركته حائرًا كالأبله بين ذلك وذاك الاحتمال...

قررت فيروز حزم اغراضها والعودة لمنزلهم بعد سفر فارس، رغم أنه شدد عليها ألا تغادر المنزل، حتى لا تثير الأقاويل بمغادرتها، ولكن الانثى المجروحة في كبريائها بسبب مغادرته في أول يوم زواج لهم، لم تهدأ ولم تستكين بل استبسلت في التمسك بزمام قرارتها حتى استسلمت لعنادها وقررت المغادرة ضاربة بكل كلامه عرض الحائط.

مرت على غرفة مكتبه التي كانت تحمل على جدرانها إطار كبير يحوي بين أطرافه المزخرفة صورة تجمعه مع بعض الأشخاص الذين خمنت أنهم عائلته، اقتربت يقودها الفضول حتى دخلت الغرفة متفحصة إياها بعينيها، حتى وقعت عيناها على ملف اوراق متروك على المكتب، اقتربت منه ببطء ثم أمسكت به وبدأت تقرأ ما به.
لتجد أنه احد اهم الملفات الخاصة بشركة فارس، إن لم يكن الأهم!

فهو على حد علمها وخبرتها بعد فترة عملها الكبيرة بالشركة، تدرك أنه إن وصل لأيادي منافسيه في الشركة الاخرى التي أخبرت خالها أنها تعمل بها؛ لكان ويلًا للشركة، ولفُتح عليها الهلاك من أوسع أبوابه.

جلست على الكرسي ممسكة ذلك الملف بين يديها، تحدق به بشرود وكأنها تسأله بصمت، هل تفعل وتُدمر الشركة لتُعاقب خالها على آثامه وتنال نصيبًا من المكافأة من منافسيه، ويُداس فارس بحدوة ذلك العقاب، في حرب لم يختر أن يكن طرفًا بها؟!

أتستطع فعل ذلك وتخون فارس الذي فتح لها باب منزله تاركًا إياها مع ثقته ومستقبله وحياته؟!
بل ليصبح السؤال أشد دقة. أتستطع خسارة فارس نهائيًا وأن تكن في نظره مكروهه؟
لا تعلم. لا تعلم أي شيء ولا تستطع تحديد ما هي قادرة عليه، ولكن ما تعلمه جيدًا أن تلك الفرصة ربما لن تسنح لها مرة اخرى، لذا عليها أن تستغلها حتى لا تندم وحتى تغلق تلك الجراح التي فتحها ذلك اللعين في قلوبهم.

نهضت وهي تحيط بقبضتها بقوة ذلك الملف، تردد داخلها أنها لن تترك عقابه في الدنيا قبل الاخرة، وخرجت من الغرفة، لتبدأ تجهيز نفسها للمغادرة.

ولم تنتبه للعاملة بالمنزل التي كانت تقف على أعتاب الغرفة تراقب ما تفعله فيروز بصمت، وما أن نهضت فيروز من الكرسي حتى ابتعدت مسرعة.
رفعت هاتفها لتتصل بفارس الذي أجابها بعد قليل: -ايوه يا مدام نهلة.
-ايوه يا فارس بيه، هي دخلت مكتب حضرتك.
سألها متوجسًا: -وخدت حاجة منه ولا لا؟

هزت رأسها مؤكدة بهدوء وكأنه يراها: -ايوه أخدت ورق كان على مكتب حضرتك، لكن أنا ماقولتلهاش حاجة ولا عرفتها إني شوفتها زي ما قولتلي.
رد بصوت قاتم: -تمام شكرًا يا مدام نهلة.
أغلق الهاتف ضاغطًا عليه بقبضة يده بكل الغضب الذي يعتمل داخله، كان لديه نطفة من الأمل أن تنجح بهذا الاختبار الذي تركه لها، وألا تكن مؤذية!

بدأ يتذكر حين أخرج عمدًا ذلك الملف المهم وتركه على سطح مكتبه؛ عالمًا أن حركتها وبحثها سيصبحا أكثر حرية حين يكون هو خارج المنزل تمامًا، وهكذا سيقتل الشك الذي ينحره تجاهها، وتستميل هي بفعلتها احدى الكفتين الحائرتين. الوفاء والطيبة او الخيانة والأذى!

تنهد بصوت مسموع قبل أن ينهض ويعود للغرفة التي يقطن بها شريكه في المستشفى، متوعدًا إياها بعقابٍ ثقيل...

بعد يومين تقريبًا...
عاد فارس من سفره لمنزله، ولم يجد فيروز في المنزل كما أوصاها قبل سفره، تزيد بتصرفاتها الهوجاء إشعال غضبه الذي تأجج بالفعل تجاهها.
توجه مباشرةً نحو منزلها، فتحت له هي لتُفاجئ به أمامها، تلعثمت قليلًا اثر المفاجأة وهي تنطق بأسمه: -فارس؟!
هز رأسه وهو يردد من بين أسنانه بغيظٍ: -ايوه فارس اللي ماعملتيلهوش اعتبار ولا حساب وسبتي البيت رغم تحذيري.

دافعت عن نفسها مسرعة بصلابة: -كنت عايزني أفضل في البيت أعمل إيه يعني لوحدي، وأنت معملتليش اعتبار برضو لما سافرت وسبتني في اول يوم جواز وماهمكش منظري.
جز على أسنانه بقوة حتى أصدرت صكيك عالٍ، ثم مد يده يمسك ذراعها وهو يردف بخشونة: -ادخلي غيري عشان نمشي، وبلاش تتقلي حسابك معايا أكتر من كده.

استشعرت الوعيد يسن سيفه بين كلماته، ولكن لم تفضل كشف المستور هنا امام والدتها وشقيقتها لذا تحركت بالفعل نحو غرفتها لترتدي ملابسها على عجالة وداخلها يتساءل في توجس عن مقصده!
اقتربت والدتها من الباب ترسم ابتسامة ودودة على وجهها وهي ترحب به: -اهلًا يا فارس اتفضل.
بادلها ابتسامتها باخرى مشابهه وهو يجيب بهدوء: -لا معلش مرة تانية عشان مستعجل عندنا شغل.

بعد قليل كانت قد إنتهت وغادرت مع فارس الذي ألقى تحية فاترة على شقيقتها هي الاخرى، وركبت معه السيارة، هتفت بجدية متساءلة: -في إيه؟
رفع حاجبه الأيسر مبادلًا سؤالها بسؤال: -إيه؟ أنتي عملتي حاجة؟
هزت رأسها نافية بتوتر وارته خلف ثبات كلماتها الظاهري: -لأ، عشان كده بسأل.
هز رأسه بشبح ابتسامة غامضة يخبرها: -متقلقيش، الحساب هيتفتح في البيت.

لم تفهم مقصده، ولكنها لم تصر كثيرًا حتى لا تثير شوكه التي كانت مثارة بالفعل دون أن تعلم.
فقطع بعدها الصمت بكلمات مقتضبة: -احنا هنروح اجتماع مهم جدًا بخصوص الشغل، وهيكون الاجتماع مع الشركة المنافسة لينا، وصفقة من اهم ما يكون.
اومأت برأسها متمتمة بخفوت: -تمام.

وبالفعل وصلوا بعد قليل لمقر الاجتماع المنشود، بدأ الاجتماع ولم يكن فارس مرتاحًا كثيرًا بل كان يدور بعقله كلام مدام نهلة يشعر أنه مطعون في صميم الثقة التي كانت فيروز قد بدأت تنتشلها منه دون شعور!
يرشقها بنظراتٍ تقطر غضبًا ونفورًا، بينما هي تتخبط مستشعرة تلك النظرات دون تفسير واضح بالنسبة لها،
مرددًا داخله أن كل شيء سيُكشف بعد قليل.

لم يكن الموظف الذي سيعرض مشروعهم متواجد، لذا نهضت فيروز تهمس له بهدوء: -ممكن أنا أقدم البروچكت ده؟
اومأ لها برأسه دون كلام، فهو متيقن أنها ستفعل كامل جهدها ليفشلوا وتخسر الشركة تلك الصفقة وتُدمر. ويريد أن يثبتها عليها حين تفعلها الان امامهم جميعًا. دون أي محاولة منها للانكار.

وبعد أن نهضت وبدأت تقدم المشروع بالفعل، كانت الصدمة من نصيبه مسببة صدى واسع بين ضلوعه...

كانت كارما جالسة بملامح المغلوبة على أمرها، يطعنها شعورها بالفشل في كيفية تحديد ما يجب أن تفعله وما يجب ألا تفعله.
نهضت من مكانها حين سمعت طرقات على الباب، ولكن سبقها عيسى الذي جاء من الغرفة، فابتعدت للخلف مرة اخرى، فتح عيسى الباب ليجد عناصر من الشرطة أمامه، عقد ما بين حاجبيه وهو يسألهم مصدومًا: -خير يا فندم؟
أشار له العسكري بصلابة: -أنت عيسى الشاذلي؟

اومأ مؤكدًا برأسه والتعجب لازال يسود ملامحه، فأكمل الاخر: -تعالى معانا.
سأله عيسى الذي ازداد تجرعًا للصدمة: -ليه؟ في إيه؟
هتف العسكري بنبرة دبلوماسية مغلقة: -هتعرف التفاصيل لما نروح القسم، بس عمومًا هو بخصوص قتل جاد عبد الحليم.
تجمد عيسى مكانه وبدأ جسده يثلج شيئًا فشيء، ثم بدأ يردد نافيًا: -أنا مليش أي علاقة بموته.
سحبه الاخر بهدوء وهو يتابع بثبات: -اتفضل معانا.
وبالفعل طاوعهم مرغمًا وغادر معهم.

بينما كارما لم تكن أفضل حالًا منه، بل كانت متجمدة مكانها لا تستوعب ما سمعته، ماذا وكيف ومتى؟!
اسئلة مهتاجة تنهش عقلها الذي انكمش عاجزًا عن اعطاء اي اجابة محتملة.
أيُعقل أن يكون عيسى قد قتله لأنه افشى سرهم لها؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة