قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول

ليلًا. في احدى المناطق الراقية، تحديدًا بجوار احد اكبر شركات المقاولات في القاهرة، كان فارس ابو الدهب يغادر شركته بعد انتهاء فترة عمله، ركب سيارته وسار بها مسافة قليلة جدًا في اتجاهه لمنزله، ولكن صوت صراخ قريب أوقفه، ترجل من سيارته وهو يرهف السمع، ثم سار بخفة صوب الاتجاه الذي يأتي منه الصراخ، اصبح في الحديقة القريبة من الشركة، فرأى فتاة ذات خصلات برتقالية قصيرة، تقاوم بينما احدهم يبدو من مظهرهما أنه يحاول التعدي عليها.

دون أن يفكر مرتان كان ينقض على ذلك الرجل ساحبًا إياه بعيدًا عنها ثم لكمه بقوة وهو يصيح: -سيبها يا زبالة.
تأوه الاخر متألمًا ثم حرر نفسه بسرعة وصعوبة من بين يدي فارس وفر راكضًا من المكان، فيما كانت الاخرى تذرف الدموع وهي تضم جسدها الرفيع لها بقوة، فاقترب منها فارس قائلًا بخفوت بعد أن تنحنح: -اهدي يا أنسة.

رفعت وجهها له فتراءت له عيناها الفيروزية اللامعة كنجمة بهية في جوف السماء ليلًا، وملامح وجهها التي تحمل نمش بدا له مميزًا، ثم همست بصوت رقيق مبحوح بعض الشيء: -شكرًا يا باشمهندس.
لم يستطع كبت الدهشة التي لاحت من ملامحه وهو يسألها: -أنتي تعرفيني؟
اومأت مؤكدة برأسها: -أيوه طبعًا، أنا موظفة في شركة حضرتك.
هز فارس رأسه وتابع متسائلًا: -وإيه اللي أخرك كل دا في الشركة؟
ردت: -كان في شغل متراكم عليا بخلصه.

توالت استفساراته: -أنتي شغالة إيه؟
وظلت تجيبه رغم التوتر الذي يلفح كلماتها: -مهندسة برمجيات.
هز رأسه وهو يضم شفتاه بأسف مما حدث، ثم أردف بهدوء: -طب تعالي أوصلك.
هزت رأسها نافية بشبح ابتسامة ممتنة وهي تمسح دموعها: -لأ شكرًا لحضرتك مفيش داعي أنا هركب أي تاكسي، أنا مش ساكنة بعيد أوي.
فخالط الإصرار حروفه وهو يكمل: -لأ طبعًا، تعالي أنا هوصلك في طريقي يلا.

نظرت حولها والتردد ينضح من نظراتها، ثم تمتمت في استسلام: -تمام.
وبالفعل ركبا معًا السيارة، نظر فارس نحوها وهي تضع حزام الأمان، فوقعت عيناه على جرح صغير بجانب شفتيها يقطر دمًا، مد يده وتناول محرمة ورقية ثم مدها نحوها بهدوء بالقرب من وجهها وهو يقول ببحة رجولية هادئة: -امسحي في دم هنا.

قالها وهو يشير لها عند طرف شفتاها، فالتقطت منه المحرمة وبدأت تمسحها بالفعل وقد بدأ التوتر يبلغ أقصاها حين شعرت بنظراته المتفحصة مُسلطة عليها، بينما هو يشعر وكأن ذلك النمش في وجهها الأبيض يجبره جبرًا على التحديق به، كم هو مميز وكم لاق بفيروزتيها وخصلاتها البرتقالية، وكأنها لوحة بريشة فنان مبدع!

تنحنح متدراكًا لمنحنى افكاره، ونظر للجهة الاخرى، هو ليس بغر او مراهق حتى يحدق بها وكأنه يرى امرأة للمرة الأولى، لقد رأى فاتنات بعدد لا يُحصى، ولكن هذه مختلفة. مميزة!
أغمض عيناه بقوة متنهدًا، فهاهو يتطرق لمدحها من جديد، فتح عيناه وقرر خلق أي حديث لقطع ذلك الصمت الذي يوحي بأفكار غريبة: -أسمك إيه؟
أجابته بنبرة ناعمة بالفطرة: -فيروز.

ربااه لمَ كل شيء متعلق بها مميز! حتى أسمها وكأنه خُلق ليليق بفيروزتيها اللامعتين.
-ساكنة فين يا فيروز؟
سألها بجدية، فأجابته هي بعنوانها، ثم عقبت: -بس مايصحش حضرتك توصلني لحد البيت، لحد كفاية وأنا هكمل.
اومأ برأسه موافقًا دون رد، ثم مد يده وشغل الراديو ونظر لطريقه مرة اخرى، فيما كانت هي تسحب شهيقًا عميقًا وتزفره على مهل في محاولة منها لطرد التوتر عن رحابها، فها هي على مشارف انتهاء ما أرادت!

وصلا للمنطقة التي تقطن بها فيروز، كانت منطقة عشوائية بعض الشيء، فأوقف فارس السيارة، نظرت فيروز نحوه وهي تتمتم شاكرة بابتسامة حلوة تليق بتميز ملامحها رغم الإنهاك النفسي الذي استقر فوقها: -شكرًا جدًا يا باشمهندس.
بادلها ابتسامة خفيفة: -العفوا يا باشمهندسة.
ثم تشدق بجدية: -بس ابقي خدي بالك متطوليش في الشركة لوقت متأخر بعد كدا عشان اللي حصلك دا ميتكررش تاني.

أطرقت رأسها أرضًا في إنكسار لاق بروحها المهشمة في تلك اللحظات وهي تضم ملابسها لها بقوة.

ثم ترجلت من السيارة تحت انظاره، وتوجهت نحو احد الشوارع لتغيب عن انظاره فهمس فارس ضاحكًا دون وعي لما تسرب من لسانه: -برتقانة.
ثم انتبه لنفسه فعادت قسمات وجهه للجدية، لا يجب أن يعطي الموضوع أكبر من حجمه، مجرد صدفة وانتهت!

بينما بالنسبة فيروز لم تكن كذلك اطلاقًا، فقد كانت تنظر نحو سيارته التي غادرت وابتسامة تفوح بالنصر والمكر تزين ملامحها، لقد تخطت عتبة البداية في طريقها،
استدارت ل زياد الذي ربت على كتفها والذي أنقذها منه فارس وما أن رأته حتى بدأت الابتسامة تتشعب في ثغرها، ثم لكزته في كتفه وهي تهتف بينما تتحسس الجرح الصغير عند طرف شفتيها: -يخربيتك إيدك تقلت بجد يا زياد ولا كأنك كنت بتضربني بجد.

ضحك زياد قائلًا: -معلش أصلي اندمجت شوية.
ثم اُزيحت الضحكة عن فمه حين سألها بجدية متوجسًا: -المهم طمنيني عملتي إيه؟
هزت رأسها وهي تتابع بزهو لاوية شفتاها: -أنت تتوقع عملت إيه؟
زجرها بخشونة مصطنعة: -ما تنجزي يا فيروز، إنطقي عملتي إيه؟ صدق الحوار اللي حصل؟
اومأت برأسها مؤكدة: -أيوه طبعًا يابني، دا أنت عورتني بجد، وإيه أصلًا اللي هيخليه يشك؟!

أجاب وهو يتنهد بشيء من القلق: -مش عارف، بس ربنا يستر أنا مقلق من الموضوع كله يا فيروز وخايف عليكي لو اتكشفتي.
هزت رأسها نافية وراحت تطمئنه بابتسامة هادئة: -متخافش عليا يا زيزو أنا ادخل في الحديد، وبعدين دا لسة بدري على الخوف دا هو أنا لحقت أعمل حاجة، دي البداية بس.
-ماشي ياستي، تعالي بقا نجيب فول ونتعشا سوا.

أضاف بابتسامة صغيرة مشابهه لخاصتها، وما أن كادت تجيب لمحت صديقتهما الثالثة كارما وهي تتقدم نحوهما مسرعة، ثم هدرت بوجه فيروز موبخة: -مابترديش على تليفونك ليه يا مهزقة؟ طمنيني بسرعة عملتوا إيه؟
فهزت فيروز رأسها نافية وهي تخبرها: -لأ زياد يحكيلك بقا، أنا اتأخرت والست الوالدة هتعمل حفلة على شرفي النهارده يسمعها الجيران كلهم لو اتأخرت اكتر، يلا هبقى اكلمكوا.
-ماشي يلا سلام.

صعدت فيروز البناية التي يسكنوا بها هي ووالدتها وشقيقتها حيث توفي والدها منذ كانت في عمر الأربع سنوات، طرقت باب المنزل وهي تتنظر، ففتحت لها شقيقتها الصغرى الباب بوجهٍ عابس، ثم دلفت لغرفتهما مرة اخرى دون كلام على غير عادتها، عقدت فيروز ما بين حاجبيها وهي تسير خلفها متساءلة: -مالك يا زينة؟
ردت بملامح متكدرة: -مفيش.
جلست جوارها على الفراش وهي تعاود سؤالها بإلحاح: -عليا برضو؟! لا مالك بجد؟

غمغمت زينة بتبرم: -اتخانقت مع ماما، قولتلها نجيب كفته ومرضتش أتعشا جبنة زهقت منها، عملتهالي عريضة وفضلت تزعق وطلعتني معنديش قناعة ورضا وكلام من اللي قلبك يحبه.
ربتت فيروز على كتفها وهي تواسيها مختلقة العذر لوالدتها: -معلش يا زينة غصب عنها اكيد الفلوس مقصرة معاها الفترة دي، وأنتي عرفاها بتتضايق وتتخنق لما واحدة مننا تطلب منها فلوس وميبقاش معاها.

اومأت زينة برأسها في صمتٍ ولم تعلق، فيما نهضت فيروز من مكانها وهي تخلع ملابسها بملامح مشدودة اشتدت وطأة القهر عليها وطاف التوعد عينيها وهي تقسم، لن تتراجع عما بدأته.

على الجهة الاخرى، صعدت كارما بعد قليل لمنزلهم، فتحت الباب بالمفتاح بحرص شديد وبطء، ثم دلفت على أطراف أصابعها وهي تتفحص الشقة بعينيها البُنية بحثًا عن زوج والدتها ولكن لم تجده، زفرت بصوت مسموع وهي تتمتم: -الحمدلله إنه لسه مجاش.
فهي لم تكن ترغب إطلاقًا بوصلة توبيخ لن تنتهي سريعًا، بل لن تنتهي قبل أن يتأكد أنها خرت باكية من فرط التعنيف وكأنه يتلذذ بذلك!

توجهت لغرفتها مسرعة وهي تلقي نظرة سريعة على والدتها التي كانت بالمطبخ، فقالت برجاء شابه التحذير: -اوعي تقوليله إني نزلت يا ماما، أنا يادوب كنت بشوف فيروز وطلعت.
ضيقت والدتها عيناها معلقة: -فيروز بس؟
نفخت كارما بصوت مسموع في الهواء وهي تستطرد: -فيروز وزياد يا ماما، أنتي عارفة إنهم صحابي من الطفولة ومش هقطع علاقتي بيهم عشان أي حد، وخصوصًا زياد.

اقتربت والدتها منها، واسترسلت محاولة اقناعها: -أنتي عارفة إنه خايف عليكي يا كارما من كلام الناس وأنتي كبرتي مبقتيش صغيرة، حتى لو جارك ومن الطفولة زي ما بتقولي.
رفعت كارما حاجبيها معًا وصفحة وجهها تصرخ بعدم الاقتناع والتهكم مصحوب بالاستنكار لما تقوله خاصةً وهي تعلم أن والدتها شخصيًا غير مقتنعة بما تردده نوعًا ما!

اومأت والدتها بعدها موافقة على مضض رغم عدم الرضا الذي بدد ثنايا وجهها: -حاضر يا كارما مش هقوله.
دلفت كارما لغرفتها، ومدت يدها ببطء وإنهاك وخلعت سماعة اذنها التي تضعها معظم الوقت، فهي تعاني من ضعف في السمع تضطر بسببه لاستخدام تلك السماعة.
جلست على فراشها تقرأ احد الكتب وهي ممدة على بطنها، فالقراءة هي المأوى الوحيد الذي تجد نفسها به، بعيدًا عن ضوضاء العالم الخارجي.

ثم نهضت بعد فترة ووضعت سماعتها، ثم توجهت لخارج الغرفة، فتفاجئت بجرس الباب الذي يرن، ركضت وفتحت الباب فوجدت زوج والدتها الذي سرعان ما زمجر في وجهها بغضبٍ دون داعٍ: -إيييه كل دا عشان تفتحي، أنتي طرشة ولا إيه!؟
ثم إلتوت شفتاه بابتسامة ساخرة قاسية وهو يلفظ جملته التالية الأشد قسوة: -اااه، ما أنتي طرشة فعلًا، ولا صحيح اللي يخليكي أختك تولع وتموت جمبك وماتحسيش بيها ولا تسمعيها، يخليكي ماتفتحيليش الباب.

استشعرت كارما مرارة الكلمات التي كانت كالعلقم مرر جوفها وسَمَّ باطنها بضراوة ودون شفقة.
في نفس اللحظة التي ظهرت فيها والدتها ترتدي اسدال الصلاة ويبدو أنها أنهت صلاتها للتو، وكل ما فعلته أنها رمقته بنظرة معاتبة متألمة للذكرى. فقط!
ولكن هذه النظرة المعاتبة لم تكن مشبعة ابدًا لجوع كارما للاحتواء واليُتم الذي يلتهم فتات روحها!

كادت تركض محتمية بغرفتها، ولكن أوقفها صوته الغليظ: -استني هنا أنا لسه مخلصتش كلامي.
استدارت له مرددة بحدة: -نعم؟
-عيسى خطيبك هيطلع يقعد معاكي علشان تحددوا ميعاد كتب الكتاب قريب، اعملي حسابك وافردي وشك قدامه.
صاحت مستنكرة بشدة: -إيه! خطيبي! خطيب مين أنا مش مخطوبة وقولتلكم إني مش عايزه أتجوز.

واصل نثر غلاظة حروفه وصرامته المعهودة: -لأ ماهو مش بمزاجك يا حيلة ماما، اللي أقوله يتنفذ، الواد مايترفضش ومتعيبهوش حاجة.
-خلاص روح اتجوزه أنت.
هدرت كارما في غل من تحكمه المقيت في حياتها، فإتسعت عينا الاخر ونهض ينوي الانقضاض عليها لولا والدتها التي سارعت بالوقوف امامه فتابع صياحه وقد تلبسه الغضب: -أنتي مش سامعة بتقول إيه.
-ماتقصدش ياخويا والله هدي نفسك بس.

غمغمت مبررة بسرعة، ثم نظرت تجاه كارما وتشدقت بحزم: -ادخلي جوه يا كارما.
دخلت كارما غرفتها بالفعل لاعنة زوج والدتها وحياتها والأيام التي فرضته عليها حاكم.
ثم فاضت عيناها دمعًا وتلك الجمرة في قلبها قد ازداد اتقادها بسبب كلماته الضارية، فهي لم تنطفئ ابدًا بل كانت دومًا تحرقها معذبة اياها وكأنها ذكرى ملعونة ستصاحبها حتى الممات!
فبدأت تتذكر رغمًا عنها ذلك اليوم الذي توفت فيه شقيقتها الصغرى...

منذ ثلاث سنوات.
كانت مازالت طالبة تدرس في كلية الهندسة، خلعت سماعتها التي تؤلم اذنها احيانًا، وبدأت تستذكر دروسها بانسجام، بينما شقيقتها كانت في المرحاض تستحم، مر الوقت وفجأة في ظل اندماجها وجدت باب الغرفة يُفتح عليها واحد الجيران يسحبها من ذراعها بعنف غير مقصود للخارج وهو يردد: -قومي بسرعة.
فالتقطت معها سماعتها بسرعة وهي تغمغم بخوف: -في إيه!

وما أن خرجت معه من الغرفة حتى شهقت بسبب المظهر المريع حيث النيران تلتهم المطبخ والمرحاض، وبدأت في التهام ما تبقى من الشقة، بينما والدتها تصرخ وتنوح بأسم شقيقتها والناس يحاولون اخراجها من الشقة بسرعة، فأدركت حينها أن شقيقتها في الداخل وقد ماتت بين ألسنة النيران!

ماتت وهي تستنجد بالطبع، ولكنها لم تسمعها. كانت تلك المرة الأولى التي تعلن فيها كافة مقتها وعدم رضاها لابتلاء ضعف السمع لديها، ربما لو كانت سليمة لكانت استطاعت انقاذ شقيقتها.
ولكن ذبحها صراخ والدتها فتمنت في نفس اللحظة لو كانت فقدته تمامًا فلا تسمع ذلك الصراخ الذي أحسته وكأنه يخبرها أنها السبب جالدًا إياها بأسواط تأنيب الضمير!

لم تكن تلك النيران تشتعل في الشقة، بل في منتصف قلبها تمامًا، ظلت ذكرى تغلي وتغلي كالمرجل على مدار الثلاث سنوات السابقة، ولم تستطع اطفاءها اطلاقًا، فأصبح ذلك الحريق جزءًا لا يتجزء منها.

عادت من براثن ذكرياتها وهي تمسح دموعها التي فرت من بين جفنيها، وتنهدت مغمضة العينين تحاول تهدئة نفسها.
ثم انتبهت لصوت حركة في البلكون خلفها، ابتلعت ريقها بشيء من القلق وبدأت تقترب منها رويدًا رويدًا، وفجأة وجدت باب البلكون يُفتح و عيسى جارها الذي يود زوج والدتها تزويجها به يدخل، وبسرعة البرق كان يكمم فاهها بيده بقوة.

وقف أمامها مباشرةً لا يفصلهما سوى إنش واحد، وأنفاسه الساخنة القريبة تهب على ملامحها مبعثرة ثباتها، مد يده برقة مزيحًا خصلات شعرها الشاردة عند اذنيها، متلمسًا اذنها بإصبعه ببطء يتأكد من وجود سماعتها، اقشعر جسدها من لمسته وثقلت أنفاسها والتوتر يجتاح خلاياها، وفي نفس الوقت أحست بفعلته كقبضة مميتة تعتصر قلبها الملكوم بجرحه النازف فتزيده نزيفًا، والخوف بدأ يحتل قمم عينيها وهي تحاول تحرير فمها من قبضته، همس بصوت يكاد يُسمع: -هشيل ايدي وماتطلعيش صوت.

وبالفعل ازاح كف يده ببطء، فهدرت فيه بحدة منخفضة النبرة: -أنت عايز مني إيه؟!
هز كتفاه ببساطة استفزتها: -مش عايز منك حاجة.

رمقته بنظراتٍ متعجبة، ثم استدارت مسرعة تركض نحو الباب، لحق بها عيسى مسرعًا فحُشرت تلقائيًا بين جسده من خلفها والباب أمامها، عَلى صوت تنفسها وهي تشعر بانهيار ثباتها الوشيك، ولكن ليس خوف. لا بل ذلك الاعجاب الذي اقتنصه عيسى دون شعور منها، ثم أتى الان وبدأ يُداعب باقترابه نبتة الاعجاب التي حاولت كارما اقتلاعها، مثيرًا فيها مشاعر لحظية غير مرحب بها اطلاقًا.

راح يُكمل جوار اذنها بنبرة خشنة لها رنين مثير لقلبها: -متخافيش مني يا كارما.
استدارت ببطء بعد أن ابتلعت ريقها تحاول بث الشجاعة في نفسها، فتشدق ب: -وأسمعي اللي هقوله كويس.
أنصتت له في ترقب وقلبها ينبئها أن القادم لن يعجبها على الاطلاق...

صباح اليوم التالي.
كان عيسى يقف في المتجر الخاص به صباحًا، ظهر أمامه جاد زوج والدة كارما الذي اقترب منه حتى صغرت المسافة بينهما، وهتف بصوت خفيض: -ها إيه الأخبار طمني؟
هز عيسى رأسه بثقة وعينين لامعتين بالمكر والدهاء: -كله تمام متقلقش، عملت اللي أتفقنا عليه، وهنكتب الكتاب قريب.
برقت عينا الاخر دهشة وفرح في آنٍ واحد وهو يسأله مستنكرًا: -بجد؟ أنت متأكد يا عيسى؟

-هو أنا ههزر في حاجة زي دي برضو يا حاج جاد.
واصل عيسى معاتبًا والزهو يرج أركان ملامحه ونظراته، فحذره جاد: -الموضوع ميتحملش أي احتمالات غير تنفيذ اللي أحنا عايزينه يا عيسى، الشيلة المرادي تقيلة وغير أي مرة.
ربت عيسى على كتفه وأضاف بجدية يطمئنه: -عارف، بس أنت عارف برضو إن مفيش عملية بدخل فيها وبتفشل، أنا عيسى الشاذلي!

انطلقت الابتسامة من بواطن قلب جاد التي كانت مُلبدة بالقلق والتوجس، وراح يردد: -عفارم عليك يا عيسى، كنت عارف إن مفيش حد هيخلص الموضوع دا غيرك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة