قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال مصطفى الفصل السادس

رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال

رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال مصطفى الفصل السادس

بالإسكندرية
انخرطت دمعة من طرف عينيها بصدمة

- ززززززززززين !...
هتفت شروق بتعجب:
_ ماله زين
أشارت لها لترى زين يقف ويده على يد فتاة شديدة الجمال
ابتلعت داليدا غصة بحلقها وهى تراه يضحك معها كطفل صغير لم يضحك مع هذه وهى لا، لم يتجول مع هذه وهى لا، ما ينقصها حتى يقترب منها يلثم وجنتها مثلها سقطت أرضا وهى تبكي ولا تعرف شروق بما تخفف عنها أتى طفلاً صغير من أطفال متلازمة الحب في السابعة من عمره يمسح على وجهها بحنان جعلها ترتعش من الصدمة مردفًا:

_ بتعيطي ليه ده أنتي حلوة أوي
صمتت ليمسك كفها مرددًا بطفولية:
_ هو أنتى اسمك ايه
ردت بهمس:
_ داليدا
ابتسم مهللًا:
_ على اسم فراشتي
_ أنت عندك فراشة.

_ أه أه بتدخل كل يوم الأوضة بتاعتي وسمعت اسم داليدا في التليفزيون حبيته سميتها بيه أنتي فراشتي التانية بس متعيطيش ماما قالتلي لما تلاقي حد بيعيط طبطب عليه وقوله ربنا جميل
مسحت أثار بكائها مغمغمة:
_ هى فين ماما يا حبيبي
_ عند ربنا أنا همشي بقا ومتعيطيش باي يا فراشة
_ اسمك ايه الاول
_ مروان يلا باي بابا بينادي
_ باي يا حبيبي
ابتسمت شروق وقالت بحنان:
_ قومى يا داليدا وسيبك من زين يا حبيبتي كفاية الطفل ده كأنه طبطب على قلبك الغلبان
ألمها قلبها وهى تراه على بعد يضحك معها وهى تغادر هاربة من رؤيته مع أنثى غيرها فى حياته.

فى شاطئها المفضل تقف تراقب الأمواج وهى تلاطم بعضها البعض وفى حضرة ما تشعر به غمغمت:
_ إسكندرية حلوة آه.. لكن بدونك زيها ..زي المداين كلها الحزن كان طبع الشوارع والبيوت الأمكنة والناس هناك وأنا مش هنا
محمد إبراهيم.

عبثت الأمواج بقدميها جعلتها تجلس منهكة تعبث بها بيديها أخذت تدلف بالماء أكثر تسبح بكل ما بها من قوة تشعر بالماء باردًا سيبرد على قلبها انهمرت دموعها الغريبة وهى تسبح بغزارة من أين تأتى كل هذه الدموع لماذا خلق الله العين بكل هذا الضعف لتكبي على كل شئ وكل مفقود لماذا خلق الإنسان له نصف آخر يبحث عنه قلبه طوال حياته موجة قاسية
أخذت تتذكر حديث زوج والدتها معدوم الضمير والإحساس
فلاش باك
أردف إسماعيل بصوت منخفض: مش موافقة ليه على العريس ؟

زفرت بضيق: ملكش دعوة ..

وقف ثم تحرك بقربها بخبث
- واللي يخلصك من الجواة دي ؟

- مش عاوزة حاجة منك .. أنا هعرف أخلص نفسي ..

قهقهة إسماعيل بسخرية
- بتحلمي ... أمك مش هتغير رأيها غير بكلمه منى .. وأنااااااا

صمت لبرهه وهو يتفتنها ثم أكمل قائلاً
- هخلصك من الجوازة دي .. بس بشرط .. قولتى إييه ؟!
همست بتساؤل:
_شرط إيه
اقترب منها أكثر جعل أنفاسه تلفح بعنقها الناعم مغمغمًا:
_ تنازل لطيف منك عن الشقة الحلوة دي ليا
جحظت عيناها وهى تنظر له بذهول مرددة:
_ تنازل
ابتسم ببرود وقال:
_ ويكون متوثق في الشهر العقاري.

دمعة هربت من جانب عينيها على ما تعانيه منه ومن بطشه من بطش العالم من قسوته غمغمت بألم:
_ حرام عليك أنت عايز مني إيه هو أنا مش زي عيالك بتضايقني ليه ده أنت المفروض تحميني من يوم ما اتجوزت أمى وأنت بكل الطرق بتضايق فيا بتبصلي وأنا مش قادرة أتكلم ولا أقول حاجة حرام عليك أنا ده أنت قد أبويا
رد بسخرية:
_ أبوكى إيه بس يا ديدا صلي على النبي في قلبك كدة وبعدين ببصلك من حلاوتك وأنتي زي القشطة تتاكل أكل ها قولتي إيه
شهقت بعنف من حديثه البذئ غادرت من أمامه وهى تشعر أنها فتات أنثى لطمتها الحياة مثل ما تلطم المياه الصخور تفتتها اللطمة الأولى فقدانها لأبيها اللطمة الثانية زواج أمها اللطمة الثالثة ظهور قذارة إسماعيل اللطمة الرابعة فقدان زين ولا تعلم إن كانت الأخيرة أم لا...

باك
لطمتها فى وجهها جعلتها ترتشف مياه البحر المالحة وتصاب بدوار حاد وآخر ما رأته هو شخص على الشاطئ يهتف بذعر:
_ غريق الحقونا غريق

إعادة حسابات
شهقة عنيفة صدرت منها وهى تعود للوعي وكل شئ مشوش حولها أشخاص كثيرون يقفون حولها أصدقائها حولها أيضًا استردت المياه التى ارتشفتها وهى بالبحر عدة مرات حتى تلونت عيناها بلون الدم وشروق تبكي جانبها همست بصوت مبحوح:
_ شروق هو فى إيه
هتفت بذعر:
_ داليدا أنتي كويسة حرام عليكي نزلتي البحر ليه وأنتي حاسه بتعب قلبي وجعني عليكي
ردت بتعب:
_ كنت محتاجة أنزل شوية هو إيه اللي عرّف التيم بتاعنا..؟! وكمان أنا رقبتي وجعلني أوي.

أجابت إحدى صديقاتها:
_ سمعنا الدوشة اللي حصلت قولنا نشوف فيه إيه طلعتى أنتي بصي على رقبتها كده يا شروق
نظرت إليها تتأكد من سلامتها لترى جرح بسيط برقبها أثر العقد الصغير المعلق بها يحتاج إلى تطهيره قالت بقلق:
_ ده جرح صغير فى رقبتك يا حبيبتى متخافيش هنطهره ونحط عليه شاش معقم وهتبقي بخير يلا نطلع
شكرًا أوي يا شباب تعبناكم معانا
غادرت مع صديقتها وغادرت الشمس معها معلنة حزنها الشديد على تلك الفتاة.

تجلس أعلى السرير وانشغل عقلها بكل شيء اليوم رأت الموت بعينيها هل تستحق منا الحياة كل هذا الحزن والتعب ..؟! هل يستحق أي إنسان أن نمنحه كل المشاعر التى بداخلنا ؟! الشئ الذي نحارب من أجله سيعادل ثمنه ما سنفقده فى الحرب ..؟!
هل هى قادرة على الوقوف أمام المولى عز وجل الآن وهى تبحث عن الموت فى كل مكان ..؟؛
ألف سؤال وسؤال سألته لنفسها أيقظها من كل هذا آذان صلاة الفجر
تحاملت لتصلي فرضها وتطلب من خالقها الرحمة والمغفرة لها على كل ذنب فعلته
ركعت خاشعة تشعر بالثقل الملقى على أَكتافها ينهار مع كل ركعة تركعها أنهت صلاتها وأبدلت ثيابها مغاردة الفندق بأكلمه لا تعرف إلى أين ستذهب ..؟!

يجلس فى بلكون منزله يرتشف مشروب النبيذ الأحمر اللاذع للمرة الثالثة فى حياته لا يرتشفه إلا عندما يود النسيان وياليت يكون النسيان موافق على هذا الأمر يجعله يترشف أولى كاساته ويذكره بكل شيء يؤلمه دقات متقطعة على الباب جعلته يخرج من ذكرياته
فتح الباب ليلتقي بعينيها على الفور منهكة شاحبه عنقها ملتف بالشاش والقطن باكية مرتعشة بها كل شيء همست بتعب:
_ زين أنا تعبانة
دلفت وأغلق الباب متسائلًا:
_ مالك يا داليدا وإيه جايبك إسكندرية نص الليل كده وإيه الشاش ده ؟!

ردت بصوت يغلبه البكاء:
_ تعبانة .. تعبانة من كل حاجة وأنا فى إسكندرية من الصبح رحلة تبع الكلية ورقابتى اتجرحت من العقد اللي كنت لبساه لما كنت بغرق فى البحر زين أنا تعبانة من غيرك خلينا ناخد فرصة أخيرة لو مرتاحتش خلاص مش هضايقك تانى والله بس متروحش لغيري أنا النار أكلت قلبي النهاردة وأنا شيفاك مع واحدة تانية غيرى بتضحك وتهزر معاها.

قطب حاجبيه وهو يقول:
_ كنتى عند القلعة النهاردة
_ أه وشوفتك بتضحك معاها كانت حلوة بس هى أحلى مني يا زين هتقدر تحتل مكانتي عندك مقدرتش استحمل مشيت نزلت البحر وسرحت والموجة خبطتني كنت هغرق زين تعالى نرجع وحياة أي حاجة حلوة بينا
رفع يده وهو يقول:
_بس اسكتى داليدا احنا خلاص مبقاش ينفع نكمل مع بعض أرجوكى متصعبيهاش على نفسك أوي كدة أنا مش مستحمل كلامك
أشار إلى رأسه وهو يغمغم:
_ فى صداع ودوشة كبيرة هنا مش هتيجي أنتي تزوديها اتفضلي ومتجيش هنا تاني متجيش إسكندرية أصلاً تاني إسكندرية متعبة للي زيك مش هتاخدي منها غير شوية هوا بريحة الذكريات كل ما تيجي تقفي على رجلك الريح بتاعتهم تيجي قوية توقعك
امشي يا داليدا امشي بقولك

غادرت مع ما تبقى من كرامتها المهدورة وقلبها يئن بضعف أنين مؤلم جدًا حد الموت

أحيانًا يدفعنا ضجيج القلب إلى مغارات مظلمة لم يتسلل بداخلها شعاع نور العقل، وتكون العاقبة هى الندم الذي تتمنى أن لو تمنح قلبك شهادة تعاقد مبكرة، وتترك زمام الأمر لعقلك فهو أنضج فهو أصدق فهو نادر أما يخطئ .

تجر فُتات قلبها خلفها، وتتسع أضلعها لكثرة ما تحمله من تصدعات بداخلها، تسير بين الطرقات بدون وعي كالمجنون الهارب من المشفى للتو، كل ما تقع عليه أنظارها فهو فراغ برغم من وجود المارة حذاها وهمزهما وغمزهما على حالتها، بعضهم ظن أنها مجنونة، وغيرهما توقع أنها ملأت جوفها من النبيذ حتى فقدت صوابها ..

جلست على الرصيف جانب الطريق، ليصوب نحوها الأنوار المنبعثة من السيارات التي تتسابق وتركض خلف بعضها، شعرت أن العالم من حولها يتحرك يلتف إلا هى راسخة مكانها حتى أوشك أن يلتف عليها قابضًا روحها ..

غريب ذلك الشعور بالحب، أرى أنه نوع أخطر من الجنون، هو القوة الكونيه التي جعلت قيس يتحرر من ملابسه هائما على وجهه في حرارة الصحراء القاتلة، جعل كليوبترا تضع يديها في جُحر ثعابين لأنها أيقنت أن لا حياة بدون من ملك زهو الحياة، ارتشاف (جاك) السُم بعد ما تركته من خطفت قلبه بنظرة !

وكثير من قصص الحب التى جُن لها العقل، ونفرتها الطبيعة .. أغلبنا يُقيم الحب من وجهة نظره أنه عبث ولهو متجاهلين شلالات المشاعر المتدفقه من تلك العضلة الضامرة التى تستوطن أقصى اليسار بإمكانها نشر رائحة مميزة بنكهة دافئة تحضن قلوب سكان العالم ..

تنهدت داليدا بصرخة قوية جعلت كل الموجودين بقربها يلتفتون إليها ظلت تتوسل إلى ربها
- أنا عارفة إني غلطت،، وأكبر غلطة إني سمحتله يدخل حياتى،، أنت العالم بقلبى يااااارب متسبنيش، ليه خلتنى أحبه الحب دا كله طالما مش هنكمل .. ليييييييييه الدنيا كلها متفقة إنها توجعنى أنا وبس ..

اقترب منها رجل اختلط به المشيب، يتكأ على عكازه لديه ظهر منحنى كأن الزمن إتكأ عليه فثناه ذلك المسكين .. قدم لها قنديلاً من الذرة المشوي وهو يجلس بجوارها

- اتفضلي يابنتي ..

نظرت إليه بعيون مُحمرة ووجه اغتسل من كثرة الدمع
- مش عاوزة ..

ابتسم العجوز بخفوت ثم أردف بحكمة
- كل واحد مننا جواه ركن مظُلم مسيطر على عقله ومفهمه إنه منور، وإنه دايمًا صح ودايمًا مابيغلطش والبني آدم غبي من غير مايحس بيصدقه ..

نظرت له باهتمام ثم أكمل العجوز حديثه ولم تفارق شفتيه ابتسامه أمل
- أبسط مثال انتي أهو، بتعاقبي معدتك على غلط ارتكبه قلبك أو عقلك، أنتي شايفة إن دا عدل !

ساد الصمت لبرهه حتى قطعته داليدا
- الدنيا مش حباني ياعم الحج ..

- طيب خدي كلي الأول .. واحكي .

أخذت ما بيده باستسلام ثم أرسلت له ابتسامة شكر
- ها احكي أنا سامعك ..

تفوهت بيأس شديد
- عادى .. مش هتفرق ..

أردف العجوز قائلاً
- البنت مابتنهارش كدة غير لما تفقد حاجتين، وفاة أبوها وأمها .. وحبيبها .. أنتي مين فيهم ؟

نظرت له كالغريق الذي يود أن يتعلق بعشبة النجاة
- أنا ! أنا الاتنين ياسيدنا ... أبويا سابنى زمان وسافر عشان كان بيدور على حلم ملقهوش هنا ومفكرش فيا،، آخر حاجة قالهالى أمك هتاخد بالها منك أكتر _جففت دمعتها بطرف كمها_ ثم أكملت.

كنت محتجاه هو .. غيابه خلاني أدور على الحب برة،، غيابه دمرني، نمت وصحيت لقيت راجل غريب مكانه نايم،، مش بشوف منه غير نظرات قذرة .. حتة عضمه مرميه قدام عيونه،، اضطريت أدور على حضن برة،، وياريتني استحملت صبار القدر عاندت وطاوعت قلبي لحد ماجنيت علقم مرر حياتى أكتر .. هو كمان سابني .. طب ليه كل حد بيقرب منى بيبعد هما بيعرفوا إني محتاجاهم أوي كدة ومقدرش استغنى عنهم فبيمشوا ! الناس بقوا وحشين اغوي،، حاسة مكاني مش بينهم، أنا ماينفعش أعيش في غابتهم كلها أسود شر ونمور طمع ونسور مابترحمش..

ربت العجوز صاحب عربة الذره المشوى على كتفها بحنو
- هقولك كلمه يابنتي تحطيها حلقة في ودنك ..
الناس عاملة زي الموج .. موج البحر بالظبط،، لو مشيتى معاهم هلكوكي،، ولو عاندتيهم هيغرقوكي .. وأنتى عملتي الاتنين ودي كانت النتيجة .

نظرت له بحيرة وألم
- وهو المفروض أعمل إيه ؟

- كلي الاول من الدرة عشان بردت واسمعي عمك جمعة هيقولك تعملي إيه ..

اقتطمت قنديلها عنوة عنها، أكمل الحج جمعة كلامه
- اسمعي من راجل عجوز الزمن مرحمهوش بس طلعت منها بدروس كتيرة ..
منهم اكتبى الناس اللي في حياتك على ورق وبصي عليهم كويس .. و اطلعي على كل حد فيهم وحطي حدود لوجوده في حياتك، وتعتبريهم بيوت قدامك .. شوفي مين فين محتاج ترميم، ومين فيهم محتاج إعادة بناء، ومين محتاج إزالة من حياتك .. ومين فيهم القصر اللي محتاجه تعلي عليه سقف قصرك ..  المنافس ليكى  اللي ياهتغلبيه ياهيغلبك .. وانطلقي متقفيش لسه هتشوفى،، أبوكى هيندم وأمك مسيرها تعرف غلطها وحبيبك مسيرة هيجى يترجاكى عشان تسامحيه بس، اعملى اللي أنا ملقتش حد يقولي أعمله بس علمته لولادي، انجحي وذاكري وحاربي هتلاقي كل اللي سابك تحت رجليكي...

حروف مبعثرة اتخذت شكل كلمات تمر على جدار القلب كخيط شمل كل أوجاعها انحصر في خُرم إبرة اخترق حافة قلبها ليخرج من الجهة الأخرى فيعد تماسك قلبها من جديد ككتلة واحدة بدل من تشتته ...

أكمل جمعة كلماته بطاقة إيجابية
- مش هوجع دماغك بحكايتي، بس أنا واثق إنك هتقومى دلوقتي وتتغيري، وتبدئي وتستقوي .. وهترجعيلي بعد كام سنة وتشتري مني درة كمان ..

ضحكة ظهرت على شفتيها كوردة نبتت من بين غابات حُرقت أشجارها بنيران وجع ليس له نهاية .

وثبت داليدا واقفة متحمسة
- متشكرة أوي ياعم جمعة، حقيقي متعرفش كلامك عمل فيا إيه،، كان نفسي أسمع حد يقولي كدة مكنش دا هيبقى حالي ..

وقف مقابلاً لها
- كلنا مشتتين محتاجين حد بس يحطنا على سلم البداية وبعدين هننطلق كلنا .. متقفيش يابنتي .. كملي .. بلاش دموع ضعف ووجع بدليهم بفرحة وبس ...

نظرت له بإمتنان، مجموعة كلمات أتوا في وقتها أزالوا ضباب مكثف ينطبق فوق سماء صدرها تلاشوا على هيئة أمطار ممزوجة بقطرات أمل وبهجة ..

تركته داليدا مغادرة على الفور ولا يتردد بداخلها إلا جمله واحدة
 كلنا مشتتين محتاجين حد بس يحطنا على سلم البداية وبعدين هننطلق كلنا.

في شقة العجمي

جلس زين خلف باب شقته يرتشف نبيذه الأحمر بجنون، خصيلات شعره القصير تنسدل على جبهته .. دارت أسئلة كثيرة في نفسه رددها بصوت مسموع
- أنا إزاي سبتها تنزل وحدها فالوقت دا ؟! هى جات ليه؟ مكنش ينفع تيجي ؟! هى فترة وعدت، داليدا تعويض تعويض بس؟

قبض على رأسه بقوة كأنه يتوسل لها أن تكُف عن التفكير الذي ينهشه بدون تردد أسرع نحو هاتفه متصلاً برقم ما
- ألووو .. ألوو دكتور عماد ؟ أنت موجود ..

الدكتور عماد بحماس
- زين ! في إييييه مالك ؟

زين بتوسل
- لازم أشوفك حااااالاً ... حااااااااالاااااا ...

نهض عماد من فوق مقعد مكتبه
- مستنيك فالعيادة .. تعالى ..

زين بتوتر
- لا العيادة لا تعالى ليا البيت ...

قصد الدكتور عماد أن يترك ما بيده ويذهب إليه، لأنه يعلم بسوء حالته النفسية التي يعاني منها ما يسمى  بالهوس الإكتئابى  ..

بعد مرور ساعة كان عماد جالسًا في غرفة زين فوق مقعد جلدي جانب مخدعه مرتديًا نظارته الطبية، زين يدخن بشراسة أمام نافذته ..
 زين هتفضل كدة كتير ؟ سيجارة ورا سيجارة وسكوت .. حصل إيه
أردف الدكتور عماد كلماته بهدوء وهو يغلق الدفتر الذي بيده .. ألقى زين سيجارته من النافذة ثم اقترب منه جلس على طرف السرير .

- مش عارف أخرّجها ..
رد عماد باهتمام: مين ؟!

- داليدا .. روحها طابقة على قلبي مش عارف أهرب منها .

أجابه بهدوء
- دي نتيجة منطقية للطريق اللي أنت مشيت فيه يازين،، وأنا سبق وحذرتك،، مسيرك هتلاقى واحدة قلبك مش هيقدر يتجاوزها .. وأهو حصل .

ابتسم زين بيأس
- كل ماأشوفها أحس بقرف من نفسي ..

الطبيب مقاطعًا
- طب ماترجعلها .. مش يمكن علاجك معاها وبس .

بعثر شعره بأنامله بضيق ثم قال
- هى الوحيدة اللي ماينفعش أرجعلها .. أنا بشوفها بخاف، بكون عاوز أتخبى منها، بحس إنها كشفاني وبتعريني قدام نفسي ...

- زين أنت ليك خمس سنين بتدور على تعويض لفقدان أمك .. زرعت نفسك في سكة بنات مابتخلصش ولسه مصمم .. أسألك سؤال ؟

التفت إليه زين باهتمام ثم أكمل الطبيب حديثه
- بتحس بإيه وأنت مع كل بنت في حياتك ..

- بحس إني مبسوط .. جوايا طاقه حب تكفى قلوب بنات الكوكب كله ..

أومأ الدكتور عماد بخفوت
- ولما تغرقها فيك وتسيبها بقى بتحس بأيه ..

ابتسم ابتسامة انتصار عجيب
- بحس إني رضيت غريزة جوايا ورفعت عليها علم نصر جديد، بيكون عندي إحساس بالفخر عظيم وهى مكسورة وبتترجاني .

- طيب إيه رأيك في كسرتها وهى بتترجاك،، شايفهم حب بجد ولا تمثيل ؟!
وثب قائمًا متجهًا نحو النافذة ليتنسم هواء نقي وبعد صمت ساد لدقائق أردف قائلاً
- البنات مابيعرفوش يحبوا، مابيعرفوش طعم الوجع، كل اللي شاغل تفكيرهم شاب وسيم غني يتجوزهم عشان يتباهوا بيه قصاد الناس، بتمسك فيه بإيدها وسنانها كأنه آخر إنجازاتها .. كلهم كدابين كلهم خونه ياعماد كلهم اتخلقوا عشان ياخدوا مننا ! بدأت بضلع وانتهت بحبل بيلفوه على رقبتك، زي المثل اللي بيقول خدوك لحم وراموك عضم..

تنهد عماد بحيرة وكلل ثم أردف قائلاً
- وداليدا زي كل البنات ؟!

إتكأ بظهره على جدار الحائط ثم قال بتنهيدة طويلة
- كلهم واحد .. بس اللي كان مختلف معاها إني كل ماأشوفها بحس إني من حقى أحضنها وبس .. برغم من جسمها الضعيف الصغير إلا إنها كانت قادرة تتشكل على مقاسي بالظبط، كنت أحضنها أنسى نفسي ياعماد .. فيها لقيت ريحة أمي ..

- حاسس بإيه دلوقتي ..

زين بحماس: حاسس إن محتاج أتعرّف على بنات الكوكب كلهم وأكسر في كل بنت الجزء الحلو اللي شدنى ليها ..

- أنت كده بتنتقم من مين ؟!
- هما يستاهلوا أكتر من كدة .. هما سبب كل مصيبة احنا فيها، اللي نزل سيدنا آدم من الجنة كانت ست .. سيدنا يوسف اتسجن عشان ست .. فكر معايا كدة هتلاقيهم هما سبب كل المصايب ..

عماد بحكمه
- بس ربنا برئ حواء وقال
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
يعنى الشيطان هو السبب وعرف يدخل لآدم من أي ناحية، الضلع الضعيف اللي اتخلقت منه، ودا مايدلش على عيب حواء بالعكس دا ميزة لينا، لو كانت قوية ومفترية زي ماأنت شايف احنا هنطفي نار تعبنا ووجعنا فين ! لازم تشوفهم بزاوية تانية غير اللي في دماغك .. تفكيرك غلط يازين .. شوفهم سكن وأمان .. . وبيت وحيطان بياخدوك من العالم ..

صمت زين لبرهه ويبدو عليه علامات التفكير والتشتت، أكمل عماد حديثه
- تعرف لو شوفتهم من زاوية الرحمه اللي ربنا قال عليها هتترحم من كل وجعك وعذابك ..

ثم ربت على كفته قائلاً
- فكّر ليه ربنا خلقها من ضلع آدم الأول قبل ما تتكلم، ربنا قادر إنه يخلقها من تراب وطين زي ماخلق آدم، دور على الحكمه السبب وراء إنها اتخلقت منه غير باقي المخلوقات ...

ثم دار بجسده
- هسيبك تنام ويومين وهنتكلم تاني، تكون فكرت في سؤالي ..

وقفه زين بتردد
- مش ناسي حاجه ؟
ابتسم عماد عن قصد قائلاً
- صدقنى مش محتاج مهدئات النهاردة .. كل اللي في الموضوع محتاج تستكين بس أنت بتعاند ..

ثم توقف وكأنه تذكر شيئًا ما
- لو شايف راحتك في إنك تكلمها .. كلمها ماتبخلش على قلبك .. تصبح على خير يابطل ...

وصلت داليدا لغرفتها بالفندق وبداخلها طاقه حماس رهيبة، وجدت شروق مستيقظة تنظر من النافذه
- أنتى لسه صاحية ياشروق ..

زفرت شروق براحة
- كنت هتجنن عليكي .. كدة ياداليدا !

خلعت حِذاءها بتعب ثم أردفت قائلة
- محستش برجليا غير وهى وخداني لعنده .

اقتربت منها شروق وهى تقول
- وارتحتى ؟!
ابتسمت ابتسامة رضا
- اتوجعت بس كان وجع مؤقت، زي ألم الحقنة بظبط في بدايتها بتوجعك وفالأخر بتشفيكى .. دا اللي حصل معايا .. حسيت رجليا خدتنى لهناك مخصوص عشان أشوف بعينيا شعاع نور جديد ينجيني من اللي أنا فيه .

شروق بحنو
- حابة تحكي ؟!

هزت رأسها بالنفى قائله
- الكلام فالماضي بيرجّع مابيقدمش .. حد من الجروب لاحظ غيابى ..

ابتسمت شروق بخفوت
- متقلقيش .. محدش عرف أنا قولت استناكي ومكبرش الموضوع ..

فتحت الخزانة وأخذت منشفة وزيها
- هاخد شاور وآجي أنام .. عشان حاسة إن جسمي واجعني أووي ..

- تمام .. وأنا هجهزلك حاجاتك لأن الرحلة اتقطعت لظروف خاصة بالكلية والمشرف هيعوضنا فالاجازة ..

أومات داليدا إيجابًا وهى تغلق باب المرحاض
- أحسن بردو .. محتاجو أرجع أظبط مذاكرتي وأركز بقا ..

تعجبت شروق من حالتها التي تغيرت ١٨٠ درجة للأفضل
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. سبحان مغير الاحوال ! ..

مر حوالى ستة أشهر ملخص ما حدث بهما

اتخطبت شروق لشخص يعمل مهندسًا بالسعودية .. كانت الفرحه تغمرها، وترى أنها قطعت شطرًا كبيرًا من أحلامها ..

انتهت داليدا من دراستها الجامعية وتخرجت بتقدير جيد جدًا .. كانت تتجنب أي لحظة تسرقها للتفكير به، كانت من حين لآخر تتابع اغخباره على مواقع التواصل الاجتماعي،، كلما تشتاق إليه تكتبه كانت تطبق مقولة كل ما هو مكتوب متلاشي .. وضعت منارة أمام عينها ظلت تسعى لتحقيقها، صنعت من الوجع جسراً معلقاً في الهواء تصعد فوقه لتلمس نجوم أحلامها بأناملها ..

اليوم تشعر بشيء من الرهبه والتوتر، استيقظت ورتبت شملها ثم وقفت أمام المرآه فتذكرت شيء ما

فلاش باك

 يابنتى متعذبنيش، وافقي أحسن يجى اليوم اللي تقولي فيه ياندمي
قالت سعاد جملتها بقهر وحسرة لداليدا محاولة إقناعها أن تقبل بالعريس المتقدم لها  عبدالله

وثبت أمامها داليدا بقوة وثبات
- وحضرتك هتبقي مبسوطة لما أوافق وأرجعلك مطلقة بطفل ولا اتنين ..

سعاد بتوسل
- وأنتي بتقدري القضى لييه قبل وقوعه يابنتي ..

داليدا بصوت ثابت وهادىء
- غريبة ! أنا شايفة دا نفس اللي حضرتك بتقدريه،، وتقدير قصاد تقدير اخترت القضا الأهون ..

- أنا عاوزة اطمن عليكي قبل مااموت يابنتي ..

ابتسمت داليدا ابتسامة باهتة
- أصعب طريق ممكن الأم أو الأب يدخلوا بيه قلب ولادهم، يلعبوا على نقطة ضعفهم، يرمولهم فلاش فيوتشر عن المستقبل اللي مستنيهم لو ناموا وصحيوا ولقيوهم مش موجودين،، ودا ضد العقل والمنطق .. أنا مش هروح برجليا لقدر عارفة نهايته الفشل عشان خايفة من المجهول اللي بتخترعه عقولكم ..

- بتعصي كلام أمك ياداليدا دى اخرتها .

- ياماما مش بعصيكي،، حضرتك أديتي رسالتك معايا وزيادة سبيني بقى اختار أنا طريقي وأفشل وأنجح واقع تاني، مشكلة الأمهات إنها بتفكر حياة بنتها ملكها ترسمها زي ماهى عاوزة لآخر يوم في عمرها .. ودا أكبر غلط ..

- أنا...

داليدا مقاطعه
- أنتي مش عاوزاني غير مبسوطة .. لو سمحتة قفلي على الموضوع دا ..

تكمن المشكلة في إنك منحت قلم حياتك لآخر بهدف المساعدة فتمرد حتى ظن أنه حق مكتسب ليسطر به ملامح مستقبلك أيضًا

بااااااااك

تنهدت داليدا بحماس
- يلا يلا ياداليدا عندك مقابلة مهمة .. يارب عديها على خير يارب ..

في الشركة عند زين
أكرم بصلابة: مالك يابنى متوتر كدة ليييييه ..

فرك زين كفيه ببعضهما
- برا شو وإعلام والدنيا خربانة .. طبيعي لازم أقلق مش أول يوم افتتاح ..

ربت أكرم على كتفه
- طب يلا ننزل شكل المحافظ وصل ..

زفر بقلق بالغ
- طب يلا .. بينا ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة