قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال مصطفى الفصل الحادي عشر

رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال

رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال مصطفى الفصل الحادي عشر

كل ما في الأمر أنه أصبح يسكنها، يركض بداخلها كطفل عابث غير مدرك سلبية عبثه، تتنفسه بعدد أنفاسها المُتصاعدة، عيناها مازالت لا تبحث إلا عنه، فكيف تتحرر امرأه من كنف رجل استعبدها عشقه، أصبح الحب لغيره نفور، غيابه كمن حجب نور الشمس عن سمائها، بعده أصبح المعنى الحقيقي لكلمة موت .

تقف بين ذراعيه مستندة بكوعيها على كفيه، كأنها متكئة عليه لأنها تخشى السقوط، هو العكاز المعاون لها على السير كي تقوى .. تطوف في بحور عينيه التي اشتاقت لهما كثيرًا فكان موجه يقودها للإجبار على الاعتراف له بضعفها وقلة حيلتها وعشقها الدائم له بالرغم أن ذلك يتعارض مع كبريائها وغرورها ولكنه ذلك الاعتراف بالإكراه المستلذ ..

واقفًا أمامها منتظرها أن تردف بالحديث، فضوله يقتله كي يعرف ما السبب الذي يجعلها تقف أمامه بتلك الهيئة .. سألها بحنو
- أنتي بتترعشي كدة ليه ! مالك ..
كانت جملته بمثابة الضغط على زر شلالات الدمع بداخلها قائلة برجاء
- بلاش تبعد عني أنا محتجالك أووى ..
انتبه زين لوقوفهم أمام باب شقته، مسك كفها بحنو ثم دار نحو الباب ليفتحه قائلًا
- تعالي نتكلم جوه عشان الناس .
ألقت نظرة على كفه الصغير المُحتضن بكفها، شعور الأمان تسلل بداخلها تارة واحدة، دار برأسه نحوها وجدها تنظر على حال كفهما، للحظة مسروقة من الزمن التقيت عيونه بنظرة خاطفة، يبدو أن كلاهما كانا متعطشين إليها لأن البسمة على ثغرهم كانت ترجمه فعليه لشوق التقى في التو .

انحنت لتحمل أختها الصغيرة وهو الأخر حمل عمر علي كتفه وبكفه الأخر حمل حقيبتها .. دلفوا جميعا إلى الداخل، طافت عيناها في أرجاء المكان ثم قالت بهمس
- أنيمهم فين ؟! ..
أشار لها نحو غرفة ما متجها صوبها بحرص شديد، سارت خلفه بهدوء وخطوات سلحفية، كانت نظرات عينيها توحي بمتغرب لعشرات السنين وبعد سنوات من الركض والبحث للتو عاد إلى موطن أمانه الموطن الذي لا ينتمى إلا إليه ..

انحنت لتضع أختها على الفراش مثل ما فعل زين قبلها واضعًا أخيها بحنو بالغ، اغمضت عينيها لبرهه محاولة استجماع قوتها، شعرت بكفه فوق كتفها كماس كهربي صفعها من الداخل كأنه لحم ما تناثر من قلبها منذ فراقه .. همس قائلاً
- تعالي ..

تابعته بخطوات متباطئة، خرجا معًا من الغرفة ليدور زين بجسده ويغلق الباب بهدوء .. رمقته بنظرة إعجاب ثم أردف قائلاً
- هاا ياستي تعالي اقعدي واحكيلي .. مالك !
خلع زين جاكت بدلته العلوى ووضعه على أقرب أريكة جلس فوقها، فجلست بجواره بجسدها مرتجف مرتعد من أسهم عينيه ثم أردفت قائلة
- ماما .. ماما اتوفت امبارح .. وو

جملة واحدة مكونة من ثلاث كلمات جعلته يتذكر آلامه وأوجاعه، صراخ كالصغار على فقدان أمه، آخر لمسة من كفها، كلماتها وهى تتوسل له أن يعتني بنفسه وهى تستسبقه على مكان بعيد عنه لم يعلم متى يلتقي بها، سقطت عينيه على صورتها الباسمة أمامه متنهدًا بتنهيده قوية، لاحظت داليدا تغيره المفاجئ ثم أردفت
- روحت فين !

انتقل زين من مكانه ليجلس بالقرب منها ليقول
- البقاء لله ياحبيبتي ..

اتسعت حدق عينيها لكلمه حبيبتى أجل إنه لازال يحبها ! لازال يحلم بها كما تحلم به ! أصبح فراقهم كموس ذو حدين يجرحهما سويًا، بعدما كانت تظن أنه سكين لا يمزق إلا قلبها !

رفعت عينيها نحوه بحب
- أنت لسه بتحبني يا زين .. !
مرر إبهامه بحنو فوق وجنتها ليمسح دموعها المنسكبة
- أنا محبتش غيرك يا داليدا .. يمكن أصدق مرة أقولهالك فيها .. أنا محتاجلك زي ما أنتي محتجالي بالظبط ..

لم تصدق ما تسمعه أذناها، كان دومًا كلامه يسعدها إلا تلك المرة فكلامه ينتشلها من أرض الحزن إلى فوق سُحب المعجزات ..
- طب بعدت ليه !
احتضن كفها برفق وهو يقول بوجه متبسم
- فاكرة أول مرة اتقابلنا فيها !
تبسمت هى الأخرى بفرحة، انه لم يتناسي ذكراهم حتى الآن وكيف التقيان، هزت رأسها بشكل طفولي، أكمل زين حديثه قائلًا
- كان أول يوم ليكي في الجامعة وماشية زي التايهة، وأنا كان عندي حفلة تخرج وفجأة لقيتك قدام عربيتي، بصراحة كان نفسي أكلك بسناني من الغيظ، بس دلوقتي أنا عاوز أكلك بسناني من الحب .. انت عملتى فيا اييه !

للحظة تلاشت بداخلها كل هموم الحياة، أمطر ضباب حزن بأمطار بهجة تريد أن تروي العالم كله، عجيب ذلك الحب بكلمة منه يقفل بيبان الحياة وبأخرى تجعلني أزهر وردًا وياسمينًا ..
- بردو ما جاوبتش .. سبتنى ليه وبعدت ليه ! زين عاوزة أصفى من جوايا ناحيتك ..
ابتسم بحب قائلًا
- ياحبيبتى أنتي لو مكنتيش صفيتي مكنتيش جيتي !

- وأنت مادام مشتاق مرجعتش ليه !

- ساعات كتير بيصعب على العاصي يتمنى دخول الجنة .. وأنتي جنتي ياداليدا ..
كلماته أضاءت طريق آخر بداخلها تسلل من خلاله حب مختلف، حب تسلل من الجدار الخلفى لقلبها فاستحوذه رغمًا عن أنفه ..

مسك هاتفه ليسائلها بهدوء
- أكيد ماكلتيش .. تحبي أطلبلك إيه ؟
لازالت تنظر له بدهشة غير مصدقه بزوال آلامها فجأة، فهو الوحيد الذي يمتلك الداء والدواء، هو من يملك مفتاح فرحها وحزنها، ظل منتظرها تفيق من شرودها متبسمًا مستلذًا بملامحها التي تتشكل وتتبدل أمامه .. التفتت إليه قائلة
- بتبصلب كدة ليه !

- وحشتيني عاوز أملّي عينيا بيكِ وأعوضهم عن كل لحظو في غيابك ..
تنهدت بتنهيده خروج الروح كأنها تطرد كل همومها خارج قلبها
- أنا تعبانه أوي يازين ..
- أنا تعبان أكتر منك .. لأن تعبك بيقلتني ..
تبادلوا الأنظار طويلًا كأنهم يسترجعوا ذكريات حبهم المؤجل، حبهم الذي حكم عليه بوقف التنفيذ، قوة ما بداخله جعلته يرفع أناملها نحو ثغره ليطبع عليهما قُبلة طويلة قائلًا
- قومي يلا غيري هدومك واستريحي كدة، وأنا هنزل أجيبلك أكل بنفسي عشان تاخدب راحتك ..
تبسمت بخفوف شاعرة بأن الرذاذ غمر قلبها بالانتعاش، يقال أنه سقطت كل حروفه فلم يتبق منه إلا حرفي العين والشين سكنت آخرها قافًا لتبقى عشقًا ملكها واستحوذ على كيانها بمنتهى البهجة والحيوية ..

في فندق بالجيزة

يخر خيبات أمل التي رسمها على أوراق الورد، ظن أنه عندما يعود ستجده فاتحة ذراعيها له، تستقبلة بحنان وحب، للمرة الثانية خدعته دُنياه، ليس كل ما يترك يدُرك بسهوله، لا بد من فعل المستحيل من أجله، جلس على طرف مخدعة بملامح منعقدة مصابة بعجز، خرجت مارتن من المرحاض تطوف بعينيها في أرجاء الغرفة باحثة عن شيء بعينه
- أين داليدا ؟ هل رفضت أن تأت معك !
هز رأسه بالنفي قائلًا بحزن وندم
- ملحقتهاش يامارتن .. روحت ملقتهاش ..

جلست بجواره تربت على كتفه بحنو
- اخبرني ماذا حدث ؟!
تنهد بوجع فأردف قائلًا
- سعاد اتوفت امبارح، وداليدا سابت البيت ومشيت ومعرفش راحت فين !
شعرت بضيق على حالته على فقدانه آخر أمل، فألمه يؤلمها وسعادته تغمرها وتغمر قلبها بفرحة مضاعفة، هكذا هو الحب الصادق كما يجب أن يكون .. تبسم بتفاؤل قائلة.

- كي نظفر بالنتيجة النهائية بالاختبار لابد عليك باجتياز النقاط الصعبة بداخله، ربما يكون غيابها النقاط الصعبة التي تحتاج منك جهدًا كي تشعر بلذة الفوز .
رمقها بنظرة الغريق الذي يستنجد بقشاية الأمل
- يعني فيه أمل !
- طالما أنك لم تيأس وتبحث فمازال الأمل موجود ..
تنهد برجاء داعيًا ربه، أردفت مارتن بحنان
- يبدو عليك الكلل، لذلك عليك أن تترك لي مهمة إزالته بنفسي ..
فهم مغزى حديثها، فدار بجسده لينام على بطنه فيترك لها مهمة محو ما خطته الحياة على بدنه .. قربت منه بهدوء لتقوم بمرور أناملها بحركة دائرية فوق فقرات ظهره مما جعله يتأوه باسترخاء .

ثمة الحب هو ذلك الذى يُمارس بأنقى الكلمات التي يستكين لها الروح، وليس الطريق لتفرغ الغرائز الآدامية.

في شقة زين
تركت داليدا مهمة إنعاش وإزالة الهموم لجسدها الهزيل للمياه المتساقط فوقها، تذكرت أمها وحال إخوتها وماذا ستفعل معهما، وما القوة الداخلية التي تملكها كي يبتليها ربها بكل هذه الابتلاءات، فهو عز وجل لا يكلف النفس إلا وسعها، ولكن ما بوسعها طفح الكيل منه !

قفلت صنبور المياه، فتناولت المنشفة القطنية كي تجفف جسدها بعناء، ثم شرعت بارتداء ملابسها بتثاقل شديد، وضعت المنشفة الصغيرة الأخرى فوق رأسها ثم فتحت الباب مردفة نحو الغرفة التي بداخلها إخوتها .. التفتت لصوت مفتاح يخترق فوهة الباب، تسمرت في مكانها بجسد يتراقص فرحة فهى عاشت كثيرًا كي تصل لذلك اليوم الذي يقفل عليهما بابًا واحدًا حتى ولو مرة واحدهة فالعمر، فالمحب أناني يتمنى أن ينفرد بحبيبه بعيدًا عن العيون .. دائمًا حلم قلبها بتلك اللحظة ولكنها لم تحلم بتلك اللذة التي ارتعد لها بدنها ...

أغمضت عينيها بتنهيده قوية كأن أحلامها تحررت للتو لامسة بجناحيها بروج السما، فاقت على صوت غلقه لباب وهو يقول
- أتأخرت عليكِ !
شعرت بحيرة، دربكة بداخلها فهى لازالت تحت تأثير مخدر كلماته عليها، لم تدرك كم من الوقت مر كأنها تناست أن هناك وقت يمر عليها أرادت أن يتوقف عند تلك اللحظه، ذلك الإحساس، قلبها أصبح كافيًا لم يتحمل أى وجعًا أخر، أصبح متعطشًا لحب صادق يغمره .. تبسمت بخفوت
- لا عادي .. أصلاً مش جعانة أوي .

وضع ما بيده من اغكياس بلاستكية ومفاتيحه فوق الطاولة قائلاً بغمز
- بس أكيد جعانة لعينيا، لكلامي، لحضني اللي سامع لهفة قلبك عليه ..
ارتبكت من أسهم كلماته المعسولة المزينة بالورد فإنها التفتت للورد وتناست الأسهم التي لم تصوب إلا ناحية قلبها، احمرت وجنتاها قائلة
- هصحي عمر وزينه ..
أردف قائلًا وهو يتجه صوب المطبخ قائلًا بغمز
- بس لو أنتي مش جعانة .. أنا جعان أوي وهموت من الجوع ..
نظرت له بعيون ضيقة توحي بعدم تصديقه، أردف زين بمزاح
- لا متبصليش كدة ! مش مصدقة تعالي بنفسك اسمعى صوت عصافير قلبي وهى بتصوصو من الجوع ..

ضحكت بصوت مسموع على عفوية حديثه فاردفت قائلة قبل أن تغادر
- طب والله أنت مشكلة !
- وحلها بين إيديكى ياديدا ..
تسمرت في مكانها بمجرد ما ألقى على أذانها اسم دلالها المفضل لقلبها، بؤرة قلبها كانت تجذبها من ظهر قلبها لتلقي بها في أحضانه، فهى اشتاقت لصوت قرقعة عظامها بين ذراعيه، كل الضغوطات مؤلمه إلا ضغط أذرع المحبين عظام من محبيهم .. تنهدت باشتياق ثم أكملت طريقها صوب الغرفة لتهرب من حديثه المهلك لقلبها..

في سيارة على الطريق السريع
عماد وهو يشعل سيجارته بتأفف
المصيبه لو زين وصلها قبلنا !"
مراد وهو يلف مقود السيارة
- أنا مش لاقي مبرر لقلقك دا، احنا يادوب بنحط احتمالات وبنمشي وراها، بس يمكن القدر لعبته صح .
عماد بضيق.

- أنا أكتر واحد عارف زين وتفكيره، استحواذي شيطانه راكبه، وبيرسمله الطرق مشجرة عشان يوصله لكهف عتمته فالأخر ..
- طيب هتعمل إيه !
- لازم ألقى داليدا .. لاززم ..
مراد باهتمام: طيب أنت مكنتش بتقول كده ليه مع أي واحدة تانية .. مازين بيعرف بالعشرة فاليوم .
سحب عماد نفس من سيجارته ثم زفر بضيق
- زين بيعرف بالعشرة عشان بيدور عليها هى، عشان هى الوحيدة اللي نسي مفتاحه معاها .. فهمتني !

- الحب دا غريب أوي ياخي !
- الحب دا أحلى حاجة في الدنيا بس احنا اللي بنستعملها غلط،، تعرف إن الطفل من يوم ما يتولد لحد ما يبقي راجل عجوز وهو بيدور علي الحب بمختلف مراحلة مدار حياته .. !
ضحك مراد بسخرية
- والله علم النفس هيجننا احنا !
- كل الناس مرضى نفسيين محدش خالي، بس فيه اللي عارف مرضه وبيعالجه، وفي اللي مكابر ومش معترف بيه وعايش في غيبوبة مرضه ..
مراد: معاك حق ؛ المهم هنروح على فين !
عماد بتلقائية: اطلع على العيادة واحنا لينا غيرها .. خلينا نفكر هنعمل إيه .. وإلا هضطر احجز زين في المصحة !
اتسعت عيون مراد بدهشة مما جعله يفرمل سيارته فجأة مردفًا
- معقولة !
- كمل كمل .. أنا بقولك آخر الاحتمالات بس ..

في شقة زين

خلف كاميرا سينمائي أربع أفراد يجلسون حول مائدة الطعام، حبيب وحبيبته وطفلين بهما تحلو طعم الحياة، تلك الحياة التي مرت أمامها للحظات كمشهد مبهج تفكر فيما سيحدث بعد تناول العشاء إذًا بمشاهدة فيلم رومانسي أمام التلفاز وإضاءة خافتة ورأسها تغفو على كتفه فيظل ثابتًا محافظًا على هدوءه حتى صوت أنفاسه تنخفض كي لا تزعج غفوتها، ينتهي بوجودها في منتصف مخدعة واضعة رأسها فوق ساعده لتختبىء من وحشية العالم الخارجي بين حصار ذراعيه .. تنهدت بصوت خافت عندما أردف عمر قائلًا
- داليدا أنا خلاص شبعت ..

أردف زين قبلها بتلقائية
- عااش يابطل .. تعالى اغسل إيديك يلا ..
ألقى عمر نظرة خاطفة نحو داليدا كأنه يستشيرها قبل الذهاب معه، أومأت له بخفوت قائلة
- روح مع عمو زين يا عمر ..
ظلت تراقب تصرفات الهادئة التي كانت ترعد قلبها حبا له، فهى أول مرة تراه بذلك الحنان والهدوء فاقت علي سؤال أختها الصغرى
- ديدو .. مين دا !
- هااا .. دا عمو زين يا زوزو .. وبيحبكم أوي .
ردت أختها ببراءة
- يعني هو جوزك ؟!

اتسعت عيناها لسؤال أختها الذي صعق قلبها بقوة، سمعها زين القادم من الخلف قائلًا
- طب والله يازوزو أنتي بتفهمب ! إن شاء الله قريب بس الحلو يرضى علينا ..
فزعت داليدا من مكانها قائلة
- يلا عشان تناموا الوقت متأخر ..
عمر بعناد: لا أنا هقعد مع عمو زين نلعب شوية ..
رمقت أخيها بنظرة تحذيرية مردفة
- عمررررر !

طأطأ الصغير رأسه بخزي، انحنى زين ليحمله على كتفه قال بمزاح
- مش أسلوب دا تعاملو بيه أطفال .. تعالى ياعمر باشا معايا أنت وزينة .. أنا بنفسي هنيمهم .. وخلي ديدا تقعد هنا لوحدها ..

تحمس الصغار لحيلة زين الذكية التي خدعهم بها وهللوا فرحين، ركضت زنية أمامه نحو الغرفة بفرحة وبراءة وخلفها زين حاملًا عمر .. رمقتهم داليدا بعيون لامعة محاولة إخفاء الضحك على تصرفاته الجنونينة .

انشغلت في لملمة الأطباق من فوق الطاولة وبداخلها شعور بالانتشاء مبهج، فهو الآن معها وبجوارها كلما تشتاق إليه عيناها تجده، لم يؤلمها الفرق بعد، لم تحمل هم حزن مجددًا .. لقد توهمت أن الحياة صفعتها بما يكفي حتى تورمت يديها فاخذت قسطًا من الراحة كي تهدأ وتتركها تتنسم بنعيم الحياة حتى ولو قليل ..

انتهت من تنظيف المكان بصدر رحب متسع وأقدام فرحة لا تلمس حواف الأرض فقط تحلق لأعلى، جلست أمام التلفاز تغير القنوات بلا اهتمام، فكل ما يشغلها الآن هو حديثها معه، تواجده المستمر أمام عينيها، ظلت تستمع إلى صوت ضحكاته مع إخوتها الصغار وذلك كان كافيًا أن تلتهب منه حبًا حتى تضيء ..

بعد عدة دقائق اختفى صوت الضحكات والضجيج واللهو، فوجئت به واقفًا بهيئته الفارهة الجذاب، مرتديًا قميصه الأبيض ذو الأزرار المفتوحة حتى نهاية صدره وبنطال بدلته الأسود قائلًا بمزاح
- طب أنا نيمت الولاد جوه .. مش جيه الوقت اللي أنيم فيه طفلتي ولا إيه !

تعمدت أن تتجاهل كلماته قائلة
- الفيلم دا حلو أوي .. تعالى اتفرج معايا ..
جلس بالقرب منها قائلاً
- أنا هقعد اتفرج عليكي أنتِ وبس .. وأنتي اتفرجي زي ماتحبي على اللي عاوزاه ..

صوت ما ينبح بداخلها مرددًا أنها لا تريد إلا إياه بجوارها وبداخلها، تود أن تبيت لأخر نفس بين ذراعيه تنهدت بحب قائلة
- الفيلم بدأ ..
أجابها بغمر وهو يدور بجسده ناحيتها
- وأنا كمان هبدأ ..
ضاقت عيناها باستغراب مرددة
- هتبدأ في إيه ...
تنحنح بخفوت قائلًا: هبدأ أملي عيوني منك ..

للمرة الثانية تعمدت أن تتجاهل كلماته لأنه لو أردف كلمة زيادة ستكون النتيجة هى أن ترمي جسدها بين ذراعيه غير مراعية لعواقب الأمر .. فسحت قليلاً ساندة ظهرها للخلف متصنعة انشغالها في شاشه التلفاز في حين الوقت الذي يتفتنها بحب وشوق ..

مرت قرابة نصف ساعة، تشعر بخيول تركض بداخلها، لم تستطع أن تتجاهلها أكثر، كان يصفف شعرها بهدوء بالغ مما جعلها تظل تحت تأثيره للأبد، شل قدرتها على المقاومة ولمساته غمرتها بكتلة نارية متوهجة تريد أن تلقي بجسدها في محيط أحضانه لتنطفيء ..

لم تتحمل الصراع الناشب بداخلها فوثبت قائمة فجأة قائلة
- أنا هدخل أنام جوه ..
وقف أمامها قائلاً
- جوه فين ! السرير صغير يادوب مقضي أخواتك !
تنحنحت بخفوت ثم أردفت قائلة بصوت منخفض
- أنا هتصرف .. تصبح على خير ..
قبض على ساعدها بسرعه ليقفها أمامه قائلاً
- طيب هاتي أخواتك وناموا فالاوضة الكبيرة بتاعتي وأنا هنام جوه ..

ذابتها سحر عينيه كما يُذيب الماء الملح، فلم تلتفت لكلماته، لاحظ شرودها به فأردف قائلًا
- على فكرة أنتى وحشتيني أوي .. طول الفترة اللي بعدتى فيها عنى وأنا كنت مدمر ..
ذرفت دمعة من عينيها قائلة بوجع
- وجعتني أوي يازين .. مكنتش أتخيل انى أهون عليك بسهولة كدة ..
وضع راحة كفه على عنقها بحنان قائلًا
- يبقي تسيبنى أعوضك عن كل دقيقة .. ممكن !
ظلت تنظر له بهدوء وعيون ثابتة .. قرب زين من أذانها فشعرت بحرارة أنفاسه تقرضها على مهل، فهمس قائلًا
- تتجوزينب !

اتسعت حدقة عينيها بدهشة قائلة بصوت متردد
- إيييه ..
كرر كلامه مضيفًا له
- تتجوزينب .. وتعيشي معايا لآخر العمر ..
لازالت عيناها متسعتين متفوهه لم تعد حساب تلك الكلمة، عاشت طويل تحلم بسماعها منه ولكنها اليوم ذاقت معناها وحلاوتها .. تبسمت بخفوت محاولة الهرب من حصار عينيه
- هدخل أنام ..

أزاح خصيلة من شعرها خلف أذنها
- هسيبك تدخلي تنامي .. وعشان تفكري وهستنى الرد بكرة ..
ثم قبع قبلة رقيقة على وجنتها قائلاً بحنان
- happy dreams my future wife ..

ركضت نحو الغرفة وقفلت الباب خلفها، فوضعت كفها فوق صدرها لتخفض ضجيجة، تشعر أنها بحلم جميل لا تريد الاستيقاظ منه، بسطت جسدها على الفراش بجوار أختها وصوته يرن في أذنها كجرس الكنيسة ..

شعر بملل وهو يتقلب في فراشه، شيء ما يجذبه نحوها، تسارع ضربات قلبه لم تهدأ قائلاً لنفسه
- ربنا يقدرني وأعوضك ..

نهض من فراشه على صوت رنين جرس منزله، تحرك نحو الباب ليعرف هوية الطارق مرددًا لنفسه
- ياتري مين اللي جاي الساعة دى !
قطع حبال فضوله عندما فتح الباب فوجد فريدة رشوان أمامه قائلة بدلال
- قولتلي كل ما قلبك يدق اعرفى إن قلبي بينادي عليكِ .. فمفكرتش ثانية عشان أجيلك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة