قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الحادي والعشرون

رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد

رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الحادي والعشرون

الجزء الثاني من بنت القلب

- أنت قلت قطة صح ؟
اختفت تبتسامته وتبدلت تعابير وجهه ورجع خطوتين إلى الخلف قبل أن يشير بيده قائلًا:
- لا لا اوعي يكون اللي في دماغي صح أصل لو اللي في دماغي صح يبقى أنتِ شايفاني معزة قدامك !
اتسعت ابتسامتها وقالت بسعادة:
- تصدق فعلا حاساك من معزة..

خبط بيده على يده الأخرى وقال بحزن:
- لا حول ولا قوة إلا بالله ..الناس كلها لما بتفقد الذاكرة بتنسى كل حاجة ماعدا أنتِ بتنسي كل حاجة وتشوفي الناس حيوانات يلا يا نيران .. يلا ياحبيبتي علشان أوديكي لأهلك وربنا يستر الزمن مايكررش نفسه
بالفعل اصطحبها إلى منزل عائلتها وطرق الباب ليفتح له «أمجد» الذي كان متجها إلى شركته فتفاجأ بها بجواره، ظل لثوانٍ يحاول تصديق ما رأته عيناه قبل أن يقترب منها ويضمها إلى صدره بحب وهو يقول:
- بنتي حبيبتي .. مش مصدق إنك هنا، أنا كنت فقدت الأمل في إني أشوفك تاني..

حاولت التخلص منه وابتعدت لتقف خلف «طيف» خوفًا منه فنظر هو إلى «طيف» وحرك رأسه بمعنى ماذا يحدث ولماذا هي خائفة فأجابه بابتسامة:
- معلش يا عمي أصلها فقدت الذاكرة زي ما حصل زمان للأسف بس أوعدك إنها تبقى كويسة، أنا جيبتها تقعد معاكم اليوم كله لغاية ما أخلص شغل وهعدي عليكم قبل الفطار اخدها..

هز رأسه بالإيجاب وأشار إليها بالدخول وهو يقول:
- ادخلي يا نيران .. أنا أبوكي يا حبيبتي
نظرت إلى طيف بقلق فابتسم وحرك رأسه بالإيجاب قبل أن يقول:
- متخافيش ده أبوكي ودي الفيلا بتاعة عيلتك كلها .. ادخلي..

تحركت إلى الداخل بحذر وكانت والدتها تنزل الدرج إلى الأسفل أثناء دخولها فلاحظتها ولم تصدق عينيها فأسرعت إليها وضمتها بحب وظلت تقبل رأسها وجبينها بحب قبل أن تقول:
- نيران روحي وعقلي وحياتي كلها .. وحشتيني أوي
استسلمت تمامًا لها دون أن تبادلها نفس الشعور فنظرت إلى عينيها وقالت بتعجب:
- مالك يا حبيبتي ! أنتِ تعبانة أو فيكِ حاجة ؟

أقترب «أمجد» منها وضمها إليه بحب قبل أن يقول ما سيحزنها:
- نيران فقدت الذاكرة .. طيف كان لسة هنا وسابها وفهمني كل حاجة
شهقت بصوت مرتفع وهي ترمق ابنتها بصدمة:
- ياعيني يابنتي، أنتِ ذنبك ايه يحصلك كل ده
ثم مدت يدها وقالت:
- تعالي يا نيران أنا أمك يا قلبي، تعالي نطلع لأختك نيسان فوق دي هتفرح أوي أول ما تشوفك ...

أنهى مراجعة كافة الأعمال التي حدثت أثناء غيابه وباشر عمله حتى حان وقت صلاة الظهر، ترك مكتبه واتجه إلى المسجد الملحق بالشركة وأدى صلاته ثم عاد إلى مكتبه وتابع عمله حتى جاء وقت الاستراحة فقرر عدم ترك مكتبه واستغلال هذا الوقت في قراءة القرآن، بالفعل سحب المصحف من جيب بنطاله وبدأ في تلاوة القرآن بصوت شبه مرتفع فهو يعشق قراءته بصوت مسموع، كان صوته عذب وجميل ووصل إلى جميع العاملين في هذا الطابق من الشركة ...

دققت «مايا» السمع قبل أن تنظر إلى صديقتها «سمر» وتقول بتعجب:
- أنتِ سامعة اللي أنا سامعاه ؟
حاولت الاستماع فوجدته صوت تلاوة القرآن ولكن بصوت رائع وجميل، نظرت إلى صديقتها وقالت:
- الله ده حد بيقرأ قرآن بس صوته حلو أوي .. مين ده
أشارت إلى مكتب «نائل» وأجابتها:
- الصوت جاي من مكتب نائل .. الصراحة صوته حلو بس هو فاكر نفسه في المسجد ؟

رفعت «سمر» كتفيها وقالت بتلقائية:
- عادي يعني ده وقت استراحة واحنا في رمضان يعني عادي مافيهاش حاجة
لم تقتنع بما قالته وظلت مسلطة نظرها على المكتب وهي تفكر في شيء ما ...

ملت «ياسمين» من البقاء في مكتبها خاصة أن هذا وقت استراحة فقررت ترك مكتبها والتجول في الشركة قليلا، بالفعل خرجت من مكتبها وأثناء مرورها من أمام مكتب «نائل» استمعت إلى هذا الصوت الذي أشعرها بالراحة فتوقفت ونظرت إلى الباب لتتفاجأ أن هذا صوت «نائل» ابتسمت ووقفت تستمع لهذا الصوت العذب والذي أخفى توترها وحزنها، استندت بظهرها إلى الحائط وعقدت ذراعيها أمام صدرها وظلت تستمع إلى صوته الجميل في تلاوة القرآن، مر أكثر من خمسة عشر دقيقة وهي لم تتحرك من مكانها حتى أنها نست نفسها إلى أن حضر ما لم تكن تتوقع حضوره، رفعت رأسها لتجده أمامها وعلى وجهه ابتسامة وقال:
- ايه يا حبيبتي واقفة كدا ليه..

نظرت إليه بضيق وأردفت:
- مالكش دعوة واقفة ليه وبعدين ايه اللي جابك هنا بعد اللي عملته ؟
مثل عدم معرفته بالأمر وقطب جبينه بدهشة وهو يقول:
- أنا ! أنا عملت ايه مش فاهمك يا ياسمين
ضيقت نظراتها وقالت بتحدي:
- دخلت مكتبي وطعنت نائل بالمطواة ! ولا حضرتك مش عارف أنت عملت ايه !

أتقن دوره ومثل عليها الصدمة وهو يقول:
- مين اللي قالك الكلام ده ! الكلام ده ماحصلش نهائي، أنا مش مصدق .. أنتِ جيبتي الكلام ده منين
ارتفع صوته في جملته الأخيرة فشعرت هي بالصدمة وتراجعت قليلًا عن إتهامها قبل أن تقول:
- نائل هو اللي قال إنك ضربته بالمطواة وشافك في مكتبي وقال كدا لزين وهو صدقه .. أنت بجد ماعملتش كدا !
في تلك اللحظة فتح «نائل» الباب بعد سماعه لصوت مجادلة أمام باب مكتبه فتفاجأ بأخيه أمام عينيه لكنه تماسك حتى قال «يوسف»:
- ده كداب أنا ماجيتش مكتبك ولا عملت كدا نهائي ازاي تصدقيه..

لم يستطع «نائل» التماسك أكثر من ذلك وأمسك لياقة قميصه ودفعه بقوة حتى التصق بالحائط وقال بغضب شديد:
- أنت ماكفكش اللي عملته وجاي تكذب كمان ! يا بجاحتك يا أخي .. أنت ايه ؟ شيطان ! أنت مش بني آدم أبدا
صاحت هي وحاولت تخليصه من يده وهي تقول بغضب:
- سيبه أنت مجنون ! ازاي تمسك خطيبي بالشكل ده ؟

أنت نسيت نفسك ولا ايه ده أنت حتة شحات ولا راح ولا جه، سيبه بقولك بدل ما أطردك وارميك رمية الكلاب
اتسعت حدقتاه بعدم تصديق وتركه من يده قبل أن ينظر إليها بنظرات حادة مشتعلة جعلها تتراجع بخوف شديد وصاح هو بصوت مرتفع بعدما فقد صبره ولم يعد يتحمل الإهانة أكثر من ذلك:
- أولا أنا اسمي أستاذ نائل ومش شحات ولا راح ولا جه .. أنا اتحملت إهانتك ليا بما فيه الكفاية لكن طفح الكيل .. أنتِ مين علشان تغلطي فيا ؟ سايبة واحد حاول يهد شركتك وحاول يقتلني وبتغلطي فيا أنا ؟

اسمعي بقى أنا اتعينت هنا في الشركة بأوامر من الرائد زين وأنا هنا نائب رئيس مجلس الإدارة يعني تاني منصب بعدك ومش هسمح تتطاولي عليا تاني أنتِ فاهمة ! والكائن ده لو جه الشركة تاني أنا هكسرله رجله وأنتِ مالكيش كلمة غير في الشغل وبس .. أنا هعمل اللي يحافظ على الشركة وبعد كدا أي قرار مش هيتاخد غير باذني ولو مش عاجبك روحي اشتكي لزين ..

ثم التفت ونظر إلى «يوسف» وتابع:
- وأنت لو شوفتك بالصدفة هنا في الشركة لأي سبب هزعلك أوي لأن أنا لسة ماأخدتش حقي، غور من هنا
لم يتفوه بحرف واحد ورحل من أمامه وسط تجمع العاملون بالشركة ورؤيتهم لما يحدث فتابع «نائل»:
- وأنتِ بعد كدا تحترميني ويلا على مكتبك البريك خلص
لم تستطع النطق وكأن لسانها قد اُلجم وأفزعتها جملته الأخيرة فعادت إلى مكتبها على الفور
نظر إلى العاملين وقال:
- كل واحد على مكتبه يلا ...

وصل إلى مديرية الأمن وقبل أن يتجه إلى مكتبه أوقفه رماح وأشار إليه قائلًا:

- استنى يا طيف .. تعالى ورايا
تركه ورحل فلحق به وهو يقول:
- على فين يا رماح باشا أنا لسة جاي وكنت هدخل للواء أيمن مكتبه
لم يتحدث واتجه إلى الأسفل فلحق به، وصل إلى سيارتين للشرطة وأشار إلى «طيف» بالدخول فنفذ ما طلبه وما إن دلف إلى الداخل حتى دلف هو الآخر وجلس بجواره، صمت «طيف» قليلًا لكنه لم يستطع الصبر أكثر من ذلك فعاد سؤاله مرة أخرى:
- احنا رايحين فين يا باشا ؟

نظر إلى الطريق وأجابه بجدية:
- جهز نفسك وجهز سلاحك علشان احتمال نشتبك معاهم
ارتفع حاجباه بدهشة وقال:
- أيوة اللي هم مين ؟
- فارس الريان .. كنا مراقبينه من زمان وده اللي فهد راح يحقق معاه وبعدها اختفى يعني له علاقة بالقضية وغارم ولو مسكناه أعتقد القضية بنسبة كبيرة هتتحل ونقدر نمسك الناس دي..

صمت «طيف» وفكر في الأمر، لم يقتنع بفكرة وجوده فهذا من الممكن أن يكون كمين للإيقاع بهم، تعجب «رماح» من صمته وقال بتساؤل:
- مالك بتفكر في ايه؟
لوى ثغره ولم يستطع شرح وجهة نظره لكنه قال:
- مش عارف بس حاسس إن الموضوع ده غريب ولو فارس ده موجود أساسا فأكيد زمانه هرب أو إن ده كمين لأنك لو شوفت غارم وطريقته هتعرف قصدي .. في احتمال من تلاتة .. الأول نروح ونلاقي فارس ده مقتول والتاني نروح نلاقيه مش موجود أساسا والتالت يكون كمين لينا، بص أنا مش فاهم دماغ الناس دي وليه سابوا نيران في الوقت ده وبيخططوا لايه بس ادينا هنشوف لما نوصل ...

هز «رماح» رأسه بالإيجاب بعدما اقتنع بكلامه فهو أيضا يشعر بوجود شيء غريب وغامض في تلك القضية لكن في النهاية سينكشف كل شيء

وصلت قوة الشرطة إلى المكان وأشار «رماح» إليهم ثم تقدم إلى الأمام حيث المنزل، نظر إلى «طيف» وأشار برأسه بمعنى استعد ثم دفع الباب بقدمه ودلف هو وطيف وخلفه القوة، وجه سلاحه في كل مكان بحثًا عن «فارس» لكنهما وجدا ما لم يتوقعاه، كان «فهد» يجلس على الأرض ويضم قدميه إلى صدره بخوف ورعب شديدين فانطلق «طيف» تجاهه وانخفض وهو يقول:
- فهد أنت كويس ! فهد بصلي أنت كويس ؟

لم ينطق وأبعد وجهه عنه بخوف فنظر «طيف» إلى «رماح» وقال:
- كانوا عايزينا نيجي علشان نلاقي فهد بس ايه المعنى من إنهم يسيبوهم في الوقت ده ؟
أخفض سلاحه ورمق «فهد» بحيرة قبل أن يقول:
- مش عارف .. هاته وهنروح على المديرية يمكن يقول حاجة مع إني أشك في ده
بالفعل عادت قوة الشرطة إلى المديرية مرة أخرى ومعهم «فهد» الذي لم ينطق بحرف واحد وكلما كلمه أحد رفع يده ليدافع عن نفسه بخوف ...

نظر اللواء «أيمن» إليه بحزن وقال:
- وصله يا رماح بيته هو مش هيفيدنا دلوقتي على الأقل وابعتله دكتور يحدد حالته وهو ماله
هز رأسه بالإيجاب وهو يقول:
- تمام سعادتك
نظر إلى نقطة بالفراغ وتابع:
- احنا بنواجه حد مش شايفينه سابقينا بخطوات كتير أوي، لازم ناخد بالنا كويس من كل حاجة بتحصل حوالينا .. لازم نتوقع أي حاجة وفي أي مكان..

في تلك اللحظة اهتز هاتف «طيف» برنين فرفعه ليرى من المتصل فوجدها «أنهار»، شعر بالقلق وقاطع والده قائلًا:
- بعد اذنك يا باشا في مكالمة مهمة جدا هرد عليها
أشار إليه بيده بالموافقة فاتجه إلى الخارج وأجاب على المكالمة قبل أن يرفع الهاتف على أذنه ويقول:
- أيوة يا حماتي في حاجة حصلت ؟
- الحقني يا طيف نيران سابت البيت وطلعت تجري ...

عاد «نائل» إلى مكتبه وشعر بالحزن مما قاله فهو رد الإساءة بالإساءة وهذه ليست شخصيته، شعر بالندم على صوته المرتفع وغضبه على «ياسمين» فهي مديرة تلك الشركة وليس له الحق في الانفعال عليها بهذا الشكل، حدث نفسه بحزن:
- ايه اللي عملته ده يا نائل ماكانش ينفع تزعق بالشكل ده ليها قدام الموظفين .. ياربي أنا عملت ايه بس .. هي أيوة غلطت بس ده مايدينيش الحق أرد عليها بالزعيق ده، يارب سامحني .. أنا لازم أكلم زين وأحكيله على كل اللي حصل..

بالفعل اتجه إلى هاتف مكتبه وكتب الرقم الذي أبلغه به من قبل وانتظر الرد حتى جائه:
- أيوة يا زين .. أخبارك ايه يا بطل؟
صمت قليلًا قبل أن يجيبه:
- أنا عملت مصيبة ومش عارف اللي عملته ده صح ولا غلط بس والله غصب عني
- مصيبة ايه يا نائل أنت قلقتني كدا .. فهمني حصل ايه؟

بدأ في سرد ما حدث منذ البداية إلى تلك اللحظة وأنهى حديثه قائلًا:
- أنا غلطت وهروح أعتذرلها .. أنا ماكانش ينفع أزعق فيها كدا قدام الموظفين
ابتسم «زين» وقال ما لم يكن يتوقعه على الإطلاق:
- بالعكس اللي أنت عملته ده مافيهوش غلط نهائي وهي غلطت وكان لازم ترد .. أنت بني آدم ومعاملتها دي معاملة حيوانات وأنت لو كنت سكت يبقى معلش تستاهل .. ماتروحش تعتذر وزي ما فهمتك احمي الشركة واحميها من الزفت اللي هيضيع صيامي اللي اسمه يوسف ده..

هز رأسه بالإيجاب وقال بتردد:
- طيب يا زين باشا اللي تشوفه .. مع السلامة
أنهى المكالمة وانتظر لبعض الوقت وهو يفكر في أخذ قراره النهائي وأخيرا قرر الذهاب إلى مكتبها والاعتذار منها ...

على الجهة الأخرى كانت هي في مكتبها تبكي بشدة فهي لم تبكي هكذا منذ وفاة والدها، هي لم تتوقع رده الحاد عليها لكن حدته أفاقتها من الظلام التي غرقت فيه فهي تغيرت كثيرًا منذ وفاة والدها، لم تكن يومًا تسئ لأحد مهما كان، لم تتكبر يومًا على أحد لكن الآن لا تعلم ما الذي حدث لها، خسرت عائلتها وخسرت من حولها، هي الآن وحيدة في هذا الظلام الذي أوقعت نفسها فيه بإرادتها، تفاجأت بطرقات على الباب فأسرعت وجففت دموعها وما إن انتهت حتى قالت:
- ادخل..

فتح الباب وتقدم بهدوء وهو ينظر إلى الأسفل ثم رفع رأسه تدريجيا وأردف:
- أنا آسف على اللي حصل مني برا، أنا عمري ما كنت كدا ولا زعقت ولا غلطت في حد .. اللي حصل غصب عني وأنا آسف
هزت رأسها بالنفي ومنعت دموعها قبل أن تقول:
- أنا اللي آسفة .. أنا اللي غلطت فيك وغلطت فيك قبل كدا وماعملتش حساب إنك إنسان بتحس وبتتوجع من الغلط .. والله أنا ماكنتش كدا..

انهمرت دموعها وتابعت:
- أنا مش وحشة بس الظروف هي اللي عملت فيا كدا وبغبائي خسرت حب أختي الصغيرة وأخويا الصغير وخسرت كل اللي حواليها .. أنا بقيت لوحدي ومطالب مني أخلي بالي من كل اللي عايزين يأذوني بس أنا أستاهل .. انا اللي عملت في نفسي كدا وبدل ما أتغير للأحسن اتغيرت للأسوء .. ياريت تسامحني على الغلط اللي غلطته فيك وعلى شكي في كل اللي قلته عن يوسف..

لم يصدق أنها تبكي فتحدث بصوت هادئ قائلًا:
- أولا كويس إنك عرفتِ ده وانك تعترفي إنك غلطتي يبقى أنتِ مش وحشة ولو على الرائد زين فأنتِ ماخسرتيهوش ولا حاجة بالعكس ده كل يوم بيكلمني ويطمئن عليكي مني من قبل الحادثة ولو على أختك الصغيرة فأنتِ تقدري تخليها تقرب منك تاني .. أنتِ مش لوحدك وأنا هنا في الشركة هتصدر لأي حد يحاول يأذيكي وماتستغربيش لأن ده طلب الرائد زين مني بأني أحميكي وأحمي الشركة وده اللي هعمله..

حاولت رسم ابتسامة خفيفة على وجهها وقالت:
- تسلم يا نائل وآسفة على أي إساءة خرجت مني وأوعدك إن ده مش هيتكرر تاني
هز رأسه بالإيجاب وأشار إليها قائلًا:
- تمام ودلوقتي ممكن تتفضلي معايا هنعدي نتابع كل شغل الموظفين علشان يشوفونا مع بعض ويعرفوا إن مفيش حاجة حصلت وعلشان ماأكونش اتسببت في إني أهز صورتك قدامهم .. هفضل معاكِ بس أنتِ اللي هتتكلمي وتدي التعليمات..

لم تصدق بأنه سيقوم بفعل كهذا فهو الآن أثبت لها أنه محل ثقة وكان من الواجب عليها تصديقه منذ البداية لأنه طيب القلب ومختلف تمامًا عن شباب هذا العصر كما تعجبت أيضًا أنه أخ لـ «يوسف» فشخصيتهما مختلفة تمامًا، ابتسمت وتحركت معه إلى الخارج وتعجب الجميع من هذا الأمر، ظل جوارها بينما هي كانت تضيف بعض التعليقات على العمل للموظفين ولم يتدخل إلا بطلب منها هي وما إن انتهت جولتهما بالشركة نظرت إليه بابتسامة قائلة:
- شكرًا يا نائل على الحركة الكويسة دي أنا فعلا ماكنتش متخيلة إن ده هيخرج منك، أنا بتآسفلك تاني على اللي حصل وكان لازم أثق فيك من زمان..

بادلها الابتسامة ونظر إلى الأسفل قائلًا:
- ماحصلش حاجة يا أنسة ياسمين، أنا نسيت كل اللي فات وإن شاء الله اللي جاي يكون كويس للشركة
هزت رأسها بالإيجاب وهي تقول:
- إن شاء الله .. بعد اذنك هرجع مكتبي
أشار إليها وهو يقول:
- اتفضلي

اتسعت حدقتيه بصدمة مما سمعه واستعد لإنهاء المكالمة قبل أن يقول:
- طيب طيب يا حماتي أنا جاي حالا وهشوف هي راحت فين
دس هاتفه بجيب بنطاله وانطلق مسرعًا إلى الأسفل حيث سيارته وما إن استقلها حتى سحب هاتفه مرة أخرى وضغط على الشاشة عدة ضغطات قبل أن يقول بابتسامة:
- كنت عارف .. جايلك يا نيران
بالفعل قاد سيارته حتى وصل إلى هذا المكان الذي يحمل ذكريات كثيرة ...

في عيادة الطبيب النفسي استلقت نيران أمامه وقالت بحزن:
- مش عارفة مالي يا دكتور .. فوقت لقيت نفسي قدام ناس بيقولوا إنهم عيلتي وأنا مش فاكرة حد فيهم والمشكلة الأكبر إني شايفاهم حيوانات مش بني آدمين، أنا حاسة إني لوحدي في العالم ده ومش فاكرة أي حاجة .. مش عارفة أتقبل أهلي اللي هم بيقولوا إنهم أهلى ولا عارفة أتقبل الشخص اللي بيقول إنه جوزي .. مش عارفة أتقبل حاجة خالص..

نظر إليها وهز رأسه بالإيجاب قبل أن يقول متسائلًا:
- وأنتِ مش فاكرة حاجة عنهم خالص ؟ ولا أي معلومة نهائي !
هزت رأسها بالنفي قائلة:
- مش فاكرة أي حاجة خالص بس حاسة إني عارفة المكان ده واستغربت لما وقفت التاكسي وقلتله على العنوان .. ازاي فاكرة العنوان ومش فاكرة أهلى ؟

اتجه «طيف» إلى المبنى الذي كان به مكتبه السابق والذي باعه لطبيب نفسي آخر صديق له، صعد عن طريق المصعد واتجه إلى العيادة ومنها اتجه إلى مكتب الطبيب «وائل» ودلف للداخل ليجد السكرتيرة جالسة
نطق طيف بهدوء بعدما اتجه إليها:
- لو سمحتِ أنا عايز أقابل الدكتور ضروري وعارف إن عنده حالة مش هعطله
وقفت السكرتيرة الخاصة بالطبيب وقالت:
- طيب ممكن اسم حضرتك؟

أجابها بسرعة:
- طيف أيمن قوليله كدا هيعرفني
أومات رأسها واتجهت إلى المكتب ثم طرقت الباب ودخلت الغرفة ثوانٍ وخرجت وخلفها الطبيب
ابتسم وقال بترحيب:
- أهلا أهلا دكتور طيف نورت مكتبك السابق
ابتسم «طيف» ونظر إلى الداخل بحثًا عنها مما أثار دهشة «وائل» الذي قال متسائلًا:
- بتدور على حاجة ؟
أشار إلى الداخل وقال:
- مراتي نيران عندك .. بعد اذنك عايز بس أكلمها..

أفسح له الطريق للدخول واتجه إليها «طيف» قبل أن يقول بابتسامة:
- بقى ينفع كدا يا نوني تسيبي البيت وتطلعي تجري ؟ وبعدين عرفتِ المكان ده منين ؟
نظرت إلى الطبيب «وائل» ثم نظرت إلى «طيف» وقالت متسائلة:
- هو أنت كنت دكتور قبل كدا ؟
وقبل أن تتلقى الإجابة شعرت بأن تلك الجملة تتردد بداخل رأسها..

" مش أى حاجة حلها الموت، لنفترض إنك فقدتِ الذاكرة كدا الحياة انتهت ؟! الطفل لما بيتولد ويلاقى نفسه مش عارف أى حاجة ولا عارف حد ومش عارف يتكلم وماعندوش أى معلومة بيروح ينتحر ! ولا بيتعلم ويعيش حياته ويكملها ويكتسب خبرات ويتعرف على ناس جديدة ويعمل علاقات وإلخ "
لم تعرف مصدر تلك الكلمات وأمسكت رأسها بتألم فأمسك هو كتفيها وهو يقول بتساؤل:
- مالك يا نيران ! في حاجة ؟ حاسة بحاجة..

انهمرت دموعها وقالت بخوف:
- مش عارفة بس حاسة بحاجة غريبة .. حاسة إن في كلام اتقال وبيتكرر جوا دماغي
اقترب منها أكثر وسألها بفضول:
- كلام مين ده يا حبيبتي !
أشارت إليه وقالت بتردد:
- أنت !

رأيكم في زعيق نائل لياسمين هل عنده حق ولا لا وهل اعتذاره منها صح ولا غلط ؟
اما بقى عن نيران اية السر اللي وراها واية اللي خلاها تفقد الذاكرة تاني ؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة