قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الثاني والثلاثون

رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد

رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الثاني والثلاثون

الجزء الثاني من بنت القلب

اقتربت من أخيها الذي كان يجلس على حجر أمام قبر والدته وينظر إليه بصمت أو بمعنى أدق صدمة، لم يمكن يتخيل أن هذا اليوم سوف يأتي وسيعيش أحداثه، دائمًا ما كان يسمع عن أخبار الوفاة وموت أشخاص أعزاء على أقاربه لكنه لم يتخيل أنه سيكون ضمن هؤلاء الأقارب الذين فقدوا أعز ما يملكون، لم يصدق أنه هنا الآن أمام قبر والدته التي كانت تنصحه وتتحدث معه بالأمس،

تخيل للحظة أنه في كابوس وسيستيقظ منه في أي لحظة لكنه ظل مكانه ولم يحدث شيئا فنظر إلى الأسفل بحزن، شعر بجلوس شقيقته بجواره فنظر لها ليجدها غارقة في دموعها وهي ترمق قبر والدها بصدمة وحزن شديدين فحاوطها بذراعه وضمها إلى صدره بحنو شديد وهو يقول:

- ماما في مكان أحسن بكتير من هنا .. مكان مافيهوش وجع قلب ولا تعب ولا حزن .. مافيهوش ناس حقودة ولا بتتمنى الشر لحد .. مكان نقي وجميل، أنا معاكِ إننا مش قادرين نستحمل فراقها ومصدومين بس المفروض بدل ما نعيط ندعيلها ونفرح إنها استريحت من التعب اللي كانت بتعيشه كل يوم، ماما شافت سنين صعبة كتير أوي، تقريبا عمرها كله كان تعب وشيل مسئولية ودلوقتي بس قدرت تستريح ولازم احنا نكون أولادها الصالحين اللي دايما مش ناسينها ونفضل ندعيلها في كل صلاة .. صح كلامي ؟

هزت رأسها بالإيجاب ومسحت دموعها وهي تقول:
- صح بس أنت بتبقى نص اليوم في الشغل وأنا الوقت ده كنت بذاكر وبخلي ماما تسمعلي وأحيانا كنت بقعد أتكلم معاها ونقعد نسلي بعض لكن دلوقتي هبقى وحيدة، هتوحشني ضحكتها أوي .. هيوحشني دعاويها ليا وكلامها اللي كان بيشجعني على المذاكرة..

مسح على رأسها بحب وضمها إلى صدره أكثر وأردف:
- اعتبريها معاكِ وشجعي نفسك على المذاكرة، أقولك ! الموبايل بتاعي في أسبوع العيد ده اتصورنا مع بعض صور كتير أوي .. الموبايل ده جه في وقته علشان نتصور معاها صور كتير وتبقى ذكريات .. أنا هجيبلك موبايل وأبعتلك الصور دي ووقت ما تحسي إنك مفتقداها أوي افتحي الصور وبصيلها واعتبري نفسك بتعيشي نفس الموقف تاني ..

مش هتحسي بوحدة بالعكس هتبتسمي وتحسي إنك معاها تاني وأنا لما اجي من الشغل ليكِ عليا أقعد معاكِ وأرغي زي ما تحبي وأسمعلك كمان اللي عايزاه
هزت رأسها بالإيجاب وسندت برأسها على صدره وهي تنظر إلى قبر والدتها دون أن تنطق ...

دلفت «نيران» إلى غرفة العمليات وقامت الطبيبة بإعطائها المخدر الموضعي وبدأت في قطع مكان الشريحة بهدوء وبعدها وضعت أداة صغيرة داخل الجرح وبحركة خفيفة انتزعت تلك الشريحة التي كانت في نهايتها مصباح صغير جدا يضئ باللون الأحمر والأزرق معا، قامت بتطهير الجرح وقامت بتغطيه بقطن ولاصق طبي، التفتت برأسها نصف التفاتة وقالت:
- خلاص كدا يا دكتور ؟

أجابتها وهي تقوم بلصق اللاصق الأخير:
- أيوة خلاص .. حمدلله على سلامتك
اعتدلت في جلستها بحذر ونظرت إلى تلك الشريحة بتعجب وحاولت الإمساك بها إلا أن الطبيبة قامت بمنعها قائلة:
- بلاش تمسكيها علشان منضمنش فيها ايه، اللواء أيمن هيبعت حد متخصص يفحصها..

هزت رأسها بالإيجاب وتراجعت عن مسكها ثم نهضت من مكانها واتجهت إلى اللواء «أيمن» وقبل أن تتحدث خرج «طيف» من غرفة العمليات وأسرعت والدته إليه وهي تقول بسعادة:
- حبيب قلبي حمدلله على سلامتك
حضنها بحب وقال:
- الله يسلمك يا حبيبتي .. مش قلتلك متقلقيش
تركها واقترب من والده وردد بابتسامة:
- خطتنا نجحت...

بدلت نظراتها بين «أيمن» وزوجها «طيف» بتعجب وأخيرا تحدثت:
- أنا مش فاهمة حصل ايه وليه عملنا العملية كلنا في وقت واحد وخطة ايه اللي بتتكلموا عنها !
اختفت ابتسامة «طيف» ونظر إلى والده بتردد ليتحدث هو بدلا عنه لأنها ستحزن كثيرًا عندما تعرف أن الأمر تم دون علمها، فهم والده القصد من نظرته وبدأ في سرد الخطة منذ بدايتها:

- اللي حصل إني اتفقت مع زين وطيف في المكتب الصبح بعد ما أنتِ مشيتِ وحطينا خطة إنكم كلكم هتعملوا العملية في وقت واحد وهنستخدم جهاز تشويش على إرسال الشرايح علشان نضمن سلامتكم لأني لما سألت طلع الموضوع جد، اتفقنا ازاي بقى ! كتبنا على ورق خطتنا واتفقنا إنها تكون بينا احنا التلاتة وبعدها بلغت رماح بالتفاصيل، مارضيتش أقولك أنتِ ولا فاطمة علشان كل حاجة تبقى طبيعية حتى توديع طيف وكلامكم لأنهم المفروض كانوا بيسمعوا ده غير إنك ماكانش ينفع تعرفي علشان مشيتِ ولو كنت كلمتك تيجي كانوا هيشكوا إن في حاجة، حتى أسماء ماعرفتش حاجة علشان توديعها لطيف يبقى طبيعي، بلغت زين يجي هنا وقت العملية وكلمت نيسان أختك تجيب فهد وتيجي هنا والمفروض زمانه خلص العملية دلوقتي تحت..

هزت رأسها بحزن وسألت سؤال آخر:
- وازاي اشتغل جهاز التشويش ده ؟
ابتسم «أيمن» وأجابها:
- حد تبعهم حب يتعاون معانا وعرفنا تردد الشرايح وازاي نشوش على الإشارة وبناءً عليه الخطة دي اتحطت والحد ده محدش يعرفه غيري أنا وطيف وزين
نظرت إلى «طيف» بصدمة ورددت بحزن:
- أنت كنت عارف كل ده وماحاولتش تقولي حتى لو بكتابة ! ده أنا المفروض مراتك يعني تشاركني كل حاجة !

كان على وشك النطق إلا أن والده أوقفه وتحدث عنه:
- دي كانت أوامري يا نيران علشان كل حاجة تبان طبيعية ووقت ما يقرروا يخلصوا عليكم عن طريق الشريحة يلاقوا عائق التشويش ونبقى انتصرنا عليهم في المعركة دي، طيف كان بينفذ الأوامر بس وبعدين ركزي في الجانب الإيجابي وهو إنكم كلكم الحمدلله قمتوا بخير
هزت رأسها بالإيجاب وابتسمت نصف ابتسامة قبل أن تبتعد عنهم لتبقى وحدها خاصة بعد أن شعرت بالوحدة وسطهم.

ترك «طيف» والده واتجه ناحيتها وما إن أصبحت أمامه مباشرة حتى وضع يده على كتفه فأبعدت نفسها بسرعة، رفع يديه أمامها وقال بأسف:
- أنا آسف إني خبيت عليكِ .. مش هقولك علشان دي أوامر بابا والكلام ده لكن أنا أصريت إني أخبي علشان خايف عليكِ أنتِ .. خوفت يعرفوا أي حاجة وده يتسبب في إني أخسرك طول عمري، مش مهم نفسي المهم أنتِ
انهمرت دموعها وحركت رأسها بحزن وهي تقول:
- ماتحاولش تخدعني بالكلام ده لأن اللواء أيمن قال إن في جهاز تشويش يعني حتى لو اكتشفوا اللي بيحصل ماكانوش هيقدروا يعملوا حاجة أصلا..

رفع إحدى حاجبيه وهو يقول معترضًا:
- مين قالك كدا ! لو كانوا عرفوا كانوا غيروا تردد الشرايح كلها وساعتها لما نشوش مفيش حاجة هتأثر وهنموت كلنا ! الراجل اللي بلغ بابا قاله إنهم هيستنوا لآخر لحظة قبل نزع الشريحة وبعدين يصدروا الأمر بالموت فورا لأن دي طريقتهم لكن باللي حصل ده احنا كلنا نجحنا وأنا عمري ما خبيت ولا هخبي حاجة عنك إلا لو كانت لحمايتك
هزت رأسها بالنفي ورددت:
- كان ممكن تقولي عن طريق إنك تكتبلي رسالة أو حتى تيجي بيت بابا وتكتب في ورق زي ماأنا عملته في الخطة..

تنفس بأريحية ونظر إلى عينيها وهو يقول:
- أولا ممكن تكون رسايلنا ومكالماتنا متراقبة ومش أنا اللي هعرفك الكلام ده يا نيران ثانيا بقى لو كنت جيتلك بعد أوامر بابا بإن كل واحد يروح البيت وكدا كانوا هيشكوا إن حصل حاجة وحكاية تغيير التردد ده الراجل ده حذر بابا منها كتير وقاله إنهم لو حسوا بحاجة هيتغير التردد على طول، كل ده كنت خايف عليكِ وعلينا والله مش علشان حاجة..

ابتسمت بسخرية وتراجعت خطوة إلى الخلف استعدادا للرحيل وقالت:
- للأسف سيادة اللواء بيبلغك أنت ورماح وزين بس ومابلغناش انا وفاطمة علشان احنا كبنات ممكن نرتكب أخطاء لكن احنا زينا زي الرجالة ونقدر نمثل ونأدي دورنا كويس أوي بس أنتوا عمركم ما هتفهموا ده، بعد اذنك..

رحلت وتركته في حالة من الدهشة والتعجب مما قالته وظل هكذا إلى أن اقترب منه «زين» ووضع يده على كتفه وهو يقول:
- حمدلله على سلامتك يا بطل .. الخطة نجحت
نظر إليه «طيف» وردد بابتسامة:
- الله يسلمك ومبروك انضمامك للفريق معانا
- الله يبارك فيك، صحيح لاحظت إن مراتك متضايقة ومشيت على طول وأنا جاي عليك..

نظر إلى الأسفل بحزن ثم رفع رأسه وقال مازحًا:
- طلعت الرجالة أنانيين وبنضطهد المرأة علشان خبيت عنها الخطة، هسيبها تهدا شوية وهروح أكلمها تاني
وضع يده على كتفه وقال بابتسامة:
- طبيعي يبقى ده رد فعلها علشان خبيت عنها، ماتفضلش واقف كدا وروح دلوقتي راضيها
هز رأسه بالإيجاب وتحرك بالفعل وأثناء رحيله تفاجأ بـ «فهد» فأسرع وصافحه قائلا:
- حمدلله على سلامتك يا بطل..

أجابه بسعادة:
- الله يسلمك يا طيف
نظر «طيف» إلى «نيسان» التي لم تفارقه منذ بداية الأزمة وقال:
- ازيك يا نيسان .. ربنا يخليكم لبعض
ابتسمت وردت عليه:
- الحمدلله بخير يا طيف .. صحيح فين نيران مش معاك ليه
عبثت ملامحه واجاب بحزن:
- شدينا مع بعض شوية في الكلام ومشيت،
أختك دي مجنونة والله..

ضحكت على جملته وأجابته بثقة:
- طول عمرها مجنونة ومتهورة وقلت هتعقل لما تتجوز بس على اد كدا قلبها طيب .. روحلها وكلمها وهتنسى أي حاجة على طول
هز رأسه بالإيجاب وبدل نظراته بينهما بابتسامة وهو يقول:
- طيب أسيبكم أنا بقى .. سلام..

تركهما واتجه إلى سيارته وقادها إلى منزل «نيران» وما إن وصل حتى فتح له حارس الفيلا الباب الخارجي فتقدم بسيارته إلى الداخل وترجل منها قبل أن يتجه إلى الباب ويضغط على زر الجرس، ما هي إلا ثوانٍ حتى فتحت له «أنهار» فابتسم وهو يقول:
- ازيك يا حماتي عاملة ايه
تعجبت من أن «نيران» ليست معه فقالت:
- الحمدلله بخير يا حبيبي .. امال فين نيران مش معاك ليه..

رفع إحدى حاجبيه بتعجب وأردف:
- ايه هي مش هنا ؟ أنا كنت جاي وفاكرها هنا
حركت رأسها بالنفي وأردفت:
- لا هي مشيت من ساعتها وقالت إن عندها مهمة معاك وماقالتش حاجة تانية .. هو أنتوا اتخانقتوا ولا ايه ؟
أجابها بحزن:
- حصل سوء تفاهم كدا وهكلمها، على العموم أنا هعرف أوصلها متقلقيش
تركها واتجه إلى سيارته وأمسك بهاتفه وهو يقول:
- يارب تكون خدت الموبايل .. يارب يارب
وفجأة صاح بقوة:
- يس..

انطلق بسرعة إلى مكانها الذي عرفه عن طريق تطبيق قام بتثبيته على هاتفها أثناء غيابها، وصل إلى وجهته وترجل من سيارته أمام نهر النيل، سار لعدة أمتار بحثًا عنها فوجدها تجلس على حجر ضخم وتنظر إلى المياه بحزن فابتسم وتقدم تجاهها قبل أن يجلس بجوارها بحركة مباغتة، نظرت إليه بتعجب فظل موجهًا نظره إلى المياه وهو يقول:
- غريبة يعني ده أنتِ بتخافي من البحر بالليل، اوعي تكوني ناوية تنتحري..

ظلت موجهة نظرها تجاهه بدهشة وفجأة صاحت به:
- أنت عرفت مكاني منين ؟
نظر لها وابتسم بحركة مستفزة وهو يجيبها:
- عيب تسألي ظابط شرطة سؤال زي ده ودلوقتي يلا جاوبيني على سؤالي
نظرت إلى المياه أمامها بغضب وقالت:
- واحدة اتخطفت شهرين من عبدة الشياطين وكانت بتشوف طلاسم على الحيطة وبتشوفهم وهم بيحضروا جن عايزها تخاف من المياه ! وبعدين أنا ماانتحرتش وأنا فاقدة الذاكرة هنتحر يعني وأنا فاكرة ؟

ابتسم ووضع يده ظهرها وقال بحب:
- تعرفي إنك مافارقتيش أحلامي طول فترة غيابك ! أنا كنت بموت من غيرك .. والله كنت في حالة ماكانش حد يتخيل يشوفني بيها لدرجة إن بابا كلمني مرة واتنين ينصحني وأنا مفيش، انا عمري ما خبيت ولا هخبي حاجة عنك أبدا وبعترف إني غلطان علشان خبيت عنك حاجة وبعد كدا أي حاجة هتبقى مشتركة بيني وبينك حتى الشغل، هنطلع مهمات مع بعض ونبقى مع بعض في البيت وفي الإجازات وفي أي وقت بس ماتزعليش علشان أنا ماصدقت رجعتيلي تاني، اطلبي أي حاجة وأنا هنفذها..

أدمعت عيناها ونظرت إليه بشوق ولهفة قائلة:
- أنا كنت كل يوم بتخيل شكلك قدامي، كنت بعد الأيام علشان أشوفك .. كنت في زنزانة ضلمة ووقت ما كانوا بيفتحوا ليا كان علشان الأكل وعلشان الرسالة اللي بعتهالك فقط، كنت بعيش أسوأ أيام حياتي بجد لدرجة إني كنت بتخيلك قدامي وأقعد أتكلم معاك وفي نهاية حوارنا كنت بعيط وبترجاك تنقذني، ماكنتش عارفة هل أنت عايش ولا لا من ساعة اللي حصل في الفندق ..

استسلمت وقلت دي النهاية وفجأة لقيت نفسي هنا في أوضتي وكل الذكريات هاجمتني حتى ذكرياتي وأنا فاقدة الذاكرة، على اد تعبي ومعاناتي بس كنت أسعد واحدة في الدنيا علشان هشوفك تاني، طيف علشان خاطري اوعى تسيبني تاني .. أنا عارفة إنك دافعت عني لآخر نفس آخر مرة بس مش ده قصدي، أقصد ماتبعدش عني وخليك جنبي .. شاركني كل حياتك زي ما أنا هشاركك كل حياتي..

لف ذراعه على ظهرها وضمها إليه بحب:
- أوعدك إني هعمل ده حتى لو هيكون آخر يوم في عمري، وحشتيني أوي .. وحشتني نيران، جعان نيران
شعرت بالراحة والطمأنينة وهي تسند برأسها على صدره، افتقدت هذا الحضن الذي يقربها من حب حياتها، افتقدت الراحة والطمأنينة لكن الآن رُد إليها كل شيء، تنفست بأريحية وهي تقول:
- وأنا جعانة طيف
جاء هذا الصوت الساخر من خلفهما حيث كان ضابطًا:
- وأنا جعان مجرمين، قوم يالا أنت وهي .. ليلة أبوكوا سودا

أخيرا نهض من مكانه هو وشقيقته استعدادا للرحيل وما إن ألتفت حتى تفاجأ بوالده «محمد» أمامه فلم يعرف ماذا يقول وكأن لسانه قد لُجم، أشار «محمد» إلى «يارا» وهو يفتح ذراعيه كي تقترب منه فأمسكت بيد أخيها ورفضت ذلك، شعر بالحزن من رفضها وقال بشوق:
- تعالي يا يارا في حضني .. أنا أبوكي !
هزت رأسها بالنفي وتعلقت في ذراع أخيها كأنها تستنجد به فنظر إليها وقال:
- روحيله يا يارا..

هزت رأسها بالنفي مرة أخرى ونظرت إليه بتعجب قائلة:
- أنت اللي بتقولي أروحله !
هز رأسه بالإيجاب وأكد ذلك:
- أيوة أنا يا حبيبتي .. دي كانت رغبة ماما الله يرحمها وهي اللي نصحتني بده خلينا نديله فرصة تانية
ورفع صوته أثناء قوله "فرصة تانية" فأسرع «محمد» وقال:
- عين العقل يا نائل .. أنا كنت عارف إنك عاقل وبحمد ربنا إني عندي ابن زيك وبحمد ربنا إني فوقت من غفلتي قبل فوات الآوان..

رفع بصره ونظر إلى والده قبل أن يقول بتحذير:
- أنا غيرت رأيي علشان ماما الله يرحمها نصحتني بده وقالتلي طالما ندمان اديه فرصة كمان بس صدقني لو كان وجودك هنا جنبنا علشان مصلحتك هعتبرك ميت وعمري ما هسامحك ولا أنا ولا أختي طول عمرنا
هز رأسه بالإيجاب عدة مرات ليعبر عن موافقته وشوقه لهما في آن واحد وفتح ذراعيه مرة أخرى وهو يقترب منهما فما كان من «نائل» إلا أن يقترب هو الآخر ويحضن والده باشتياق وكأنه كان ينتظر هذا منذ وقت طويل،..

انهمرت دموعه بكثرة ولم يعرف السبب لكن لقاء والده بعد كل تلك الأعوام يستحق البكاء كما أنه فقد والدته التي كانت كل حياته ووجود والده في تلك اللحظة كان دعم كبير له، اقتربت «يارا» هي الأخرى وضمهما والدهما هما الاثنين بشوق وحنين كبيرين وهو يقول:
- وحشتوني أوي وحشني حضنكم .. أنا كنت غلطان بعد اللي عملته ده .. كنت غلطان أوي، جه الوقت إني أصلح الغلط ده وأجمعكم من تاني، لازم تكونوا معايا على طول

جاء هذا الصوت الساخر من خلفهما حيث كان ضابطًا:
- وأنا جعان مجرمين، قوم يالا أنت وهي .. ليلة أبوكوا سودا
انتبه الاثنان لهذا الصوت ونهض طيف والتفت ليرى من هذا الذي يتحدث بتلك الطريقة فوجده يرتدي بدلته كضابط شرطة، تحدث الضابط مرة أخرى بصوت مرتفع:
- مالك بتبصلي كدا ليه يالا ! هات بطاقتك وأنتِ قومي يا قطة ده أنتوا ليلتكم فل
هنا تحدث «طيف» وقال بلهجة محذرة:
- أولا محدش يقول لمراتي قطة غيري ثانيا وده الأهم بقى احنا الاتنين متجوزين وبرضه في نفس الوقت ظباط شرطة .. أنا الرائد طيف أيمن..

تعالت ضحكات هذا الضابط قبل أن يقول:
- اه كل واحد هقبض عليه هيقولي إنه ظابط شرطة، طب وريني بطاقتك كدا يا سيادة الرائد
وضع «طيف» يده بجيب بنطاله لكنه لم يجد شيء وتذكر أنه ترك محفظته مع والده قبل أداء الجراحة وترك هاتفه معه فقط، شرد للحظات فصاح الضابط مرة أخرى:
- فين بطاقتك يالا ! اه مش معاك بطاقة كمان ؟ ده أنت يومك عسل أوي
- على فكرة أنا نسيتها علشان كنت ..

صمت ولم يكمل فنهضت «نيران» ونظرت إلى الضابط بغضب وهي تقول:
- على فكرة احنا الاتنين ظباط والطريقة دي في الكلام هتأذيك وبعدين احنا الاتنين متجوزين، وهثبتلك إني شرطة حالا .. البطاقة بتاعتي في العربية ممكن تيجي معايا وأنا هوريهالك
تنفس بغضب وهو يقول بنفاذ صبر:
- اللهم طولك يا روح .. طيب اتفضلي معايا أما نشوف آخرتها..

بالفعل تحركا ومن خلفهما ضابط الشرطة إلى أن وصلا إلى سيارتها، فتحت باب السيارة ثم فتحت حقيبتها وبحثت عن بطاقتها الشخصية فلم تجدها، اتسعت حدقتاها بصدمة وظلت تبحث عنها لوقت طويل إلى أن صاح الضابط مرة أخرى:
- ده كله بتجيبي البطاقة !
خرجت «نيران» من سيارتها ونظرت إليه بقلق وهي تقول:
- أنا نسيتها في البيت بس على فكرة أنا ظابط..

تحدث «طيف» هو الآخر:
- وأنا كمان ظابط وصدقني هتندم لو قبضت علينا
ابتسم الضابط في وجههم وردد باستفزاز:
- أنا عايز أندم، قاعدين تحبوا في بعض على النيل ومش معاكم بطايق كمان ! ده أنتوا ليلتكم مش هيطلعلها شمس
تذكر «طيف» شيئا فأسرع وقال:
- أنا مصور البطاقة بتاعتي على الموبايل وهي في العربية .. تعالى وهوريهالك..

وقبل أن يتحرك أوقفه الضابط بيده قائلًا:
- هوب هوب هوب رايح فين يا شبح .. قال مصور البطاقة على الموبايل، أنت هتهزر يا روح أمك !
شعر «طيف» بالغضب ولم يشعر بنفسه إلا وهو يلكمه بقوة في وجهه:
- إلا أمي .. أنت متعرفهاش وأنت كدا زودتها على الآخر ومراتي تتكلم معاها عدل فاهم ؟
وقع الضابط على الأرض من قوة اللكمة ونهض من مكانه وهو يصرخ بصوت مرتفع:
- عاطف .. مهدي .. حسين..

حضر عساكر الشرطة فأشار إليهم وهو يقول بغضب وتوعد:
- خد الاتنين دول على البوكس .. ده أنا هربيك وهعلمك ازاي تكلم ظابط
بالفعل أمسكه أحد العساكر وكاد الآخر أن يلمس «نيران» كي يصطحبها إلى سيارة الشرطة فدفع «طيف» يده بقوة وهو يقول:
- اوعى تلمسها .. هي هتمشي لوحدها
ثم التفت ونظر إلى الضابط بتوعد قائلًا:
- خليك فاكر علشان لما تعتذر هيبقى شكلك وحش أوي..

ردد الضابط بتحدي وغضب في وقت واحد:
- هنشوف يلا يا بتاع الأحضان قدام النيل، مليتوا البلد خلينا ننضفها منكم
جلس «طيف» وجلست أمامه «نيران» في سيارة الشرطة "بوكس" وفجأة انفجرت «نيران» بالضحك فنظر إليها بحاجب مرفوع:
- ايه هو احنا ركبنا الدودة في الملاهي ! ده البوكس يا بنتي بتضحكي على ايه ؟
نظرت إليه وضحكت مرة أخرى بشدة قبل أن تقول:
- شكلك مسخرة أوي وأنت بتتجر على البوكس..

خبط بكفه على كفه الآخر وقال بغضب:
- شكلي مسخرة ؟ على فكرة دي حاجة متضحكش، احنا متجرجرين على القسم دلوقتي وياعالم هيرضوا يدونا موبايل علشان أكلم بابا ولا لا، في كل الحالات هتنفخ وأنتِ هتتضربي من ستات السجن زي الأفلام كدا
ارتفعت ضحكاتها مرة أخرى ونظرت إليه:
- بجد بجد شكلك مسخرة، كنت مكتئبة خرجتني من المود وضحكتني
نظر إلى الأعلى ورفع يديه وهو يقول:
- يارب صبرني..

ثم نظر لها وقال بعدم رضا:
- اضحكي اضحكي، أنا هقدم أراجوز في سيرك طالما بضحك كدا
صفقت بيدها بسعادة وقالت بحماس:
- الله حلوة أوي الفكرة دي .. أنا هاجي أتفرج عليك كل يوم
رفع إحدى حاجبيه بصدمة وردد:
- تتفرجي عليا كل يوم ؟ لا فكي الخير الصراحة
دخل إحدى العساكر إلى السيارة وردد بغضب:
- اخرس أنت وهي مش عايز صوت
نظر هو إلى نيران وانفجرا هما الاثنان في الضحك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة