قصص و روايات - نوفيلا :

رواية كبرياء رجل شرقي للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والأخير

رواية كبرياء رجل شرقي للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والأخير

رواية كبرياء رجل شرقي للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والأخير

قاطعها قاسم بصوت حاسم قائلاً:
-الطريق مظلم، وأنا لن اخاطر في هذا الوقت
بنبرة تحمل الغرور والعجرفة هتفت قائلة:
-معذرة، وأنا أيضاً لا أستطيع البقاء هنا للحظة، فكيف تقبل أن تبقى واحدة مثلي هنا مع شخص لا تعرفه في. في مثل هذا المكان!
وبدأت تتلفت حولها وهي تنظر بإحتقار لأثاث المنزل وما فيه.

رأى قاسم نظراتها المستهزأة بأحب الأماكن إلى قلبه. بالمكان الذي نشأ وتربى فيه مع أعز الأشخاص في حياته. فأحتقنت عينيه غيظاً، وهتف بصوت صارم:
-حسناً، بإمكانك المغادرة والبقاء في الصحراء، تفضلي!
رمشت بعينيها في عدم تصديق وهي تسأله بذهول:
-هاه. ماذا؟
تابع هو بنفس النبرة الجامدة دون أن تهتز عضلة واحدة من وجهه:
-حقاً أنا لن أمنعك إن كانت تلك رغبتك!

ثم أخذ نفساً مطولاً ليسيطر به على حالته قبل أن يزداد إنفعالاً، وأردف بعصبية:
-ولكن بيتي هذا أمن لمثلك من البقاء في الصحراء الموحشة لوحدك مع وحوش الليل، ولا أقصد هنا بالحيوانات، ولكن هناك أصناف من البشر أسوأ بكثير مما تظنين!
رأت الجدية في عينيه الغاضبتين، وأيقنت أنها إستفزته بعبارتها الأخيرة، ولكنها حقاً خائفة ومرتبكة. تحاول أن تبدو قوية ولكن الوضع مقلقاً بالنسبة لها.

فهذا الغريب يعرض عليها المبيت في منزله المتواضع هذا في منطقة نائية بالصحراء.
تحول عقلها إلى عاصفة من الأسئلة التي حاولت أن تخمن إجابتها.
فما الذي سيحدث لها إن تعرض لها بالأذى، أو فكر في الإعتداء عليها، من سيمنعه عنها أو ينقذها منه؟ وماذا لو فكرت في العودة إلى سيارتها هل تكون آمنة لها؟ أم حديثه عن وجود ذئاب بشرية قد يتعرضوا لها حقيقي؟

حاولت أن تفكر سريعاً في الخيارات الموضوعة أمامها، ولكنها عجزت عن الوصول إلى رد حاسم.
ابتعلت ريقها في توجس وقالت بخوف كان بائناً في صوتها:
-ولكن أنا لن أنام هنا معك.!
نظر لها بحدة وهو يجيبها بصوت غليظ يحمل التحذير وهو يشير بإصبعه:
-أنا لم أقل أني سأنام معكِ يا آنسة، فإحذري بما تتفوهين!

رأت عينيه وهي تمران على فستانها ببطء. فتصلبت بجسدها أمامه، ووضعت حقيبة يدها أمام صدرها، ورمقته بنظرات محتقنة وهي تهتف ب:
-هل تظن أن للأمر علاقة بملابسي لكي يبيح لك آآآ...
قاطعها بجدية عجيبة قائلاً:
-أنا لم أنظر لفستانك هذا، ولكن هيئتك مثيرة للشفقة، وحقاً أقولها لك بصدق، أنا لن أقبل بامرأتي أن ترتدي مثله لأحد غيري، فأنا رجل شرقي لي كبرياء، ولن أتهاون في أن يتمتع غيري بما يخص امرأتي.!

تفاجئت هي من كلماته القاسية التي تحمل التجريح في طياتها.
ودار برأسها أسئلة عجيبة، وحدثت نفسها وهي تنظر له بفضول ب:
-هل حقاً هو رجل غيور؟ هل يرغب في أن يمنع زوجته عن الإستمتاع بجمالها؟ هذه تركيبة عجيبة!
بينما تابع هو حديثه بنفس الصلابة وهو يحدجها بنظراته القوية قائلاً:
-ورجولتي تلك تمنعني من أن أزج بامرأة مثلك في بيتي الموحش هذا!
أثار حنقها بكلماته الأخيرة، وإعتقدت أنه سيفعل بها هذا.

سألته بتوتر وهي ترمقه بنظرات مرتبكة:
-أيعني هذا أنك سترميني في الطريق؟
عقد ساعديه أمام صدره، ورمقها بنظرات باردة قبل أن يجيبها ببرود قاسي:
-نعم بلا أدنى شك!
أصابها حالة من الذهول الممزوج بالخوف وهي ترى ذلك الوميض العجيب في عينيه.
هو حقاً يعتزم هذا؟ ولما لا يفعل وهي التي إستفزته منذ البداية.
صمت ليتابع ردة فعلها المرتجفة، ولم ينكر أنه شعر بأنه استرد جزءاً من كرامته حينما أشعرها بحجمها الحقيقي.

أخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ليكمل بنبرة واثقة:
-ولكن حرصاً مني على سلامة روح بريئة من أن تزهق على أيدي وحوش بشرية، فأنا أعرض عليك البقاء هنا مع خالتي نعيمة إلى أن يأتي النهار، عدة ساعات لا أكثر ولا أقل!
-
شعرت هي بنوع من الإرتياح المصحوب الإطمئنان بعد عبارته الأخيرة.
فعرضه مغري، وهي لن تستطيع أن تتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لها.
لذا دون تردد أجابته بتلهف:
-حسناً، طالما ستكون تلك السيدة معي.

وأشارت بعينيها نحو السيدة الجالسة بوجه عابس على أحد الأرائك.
هز قاسم رأسه وهو يكمل بثقة:
-اتفقنا إذن. يمكنك أن تستريحي في تلك الغرفة
نظرت هالة إلى حيث أشار هو بكف يده، وأومأت برأسها موافقة.
حاولت هي أن تدعي إمتنانها له، فقالت بخوفت:
-شكراً لك
لم يجبها بل هز رأسه في عدم إقتناع وأولاها ظهره ليتجه إلى تلك الخالة الوقور.

وقف قاسم قبالة تلك السيدة وتهامس الإثنين معاً وبدى على الخالة الإنزعاج والضيق. وكانت ترمقها بنظرات ساخطة.
تابعتهما هالة بحرج ولمحت تلك النظرات في عيني هذا السيدة. ولكن ماذا ستفعل.
بعد دقائق معدودة كان النقاش قد إنتهى، وسارت الخالة نعيمة في اتجاهها، وقالت بحنو وهي تصطحبها إلى داخل الغرفة:
-تفضلي بنيتي! أنا سأحضر لكِ ما ترتديه، لا تقلقي، الملابس نظيفة!
إبتسمت لها هالة إبتسامة مجاملة، ولم تعقب بكلمة.

تفحصت الغرفة بنظرات متمعنة. وزمت شفتيها في إستغراب من هيئة أثاث الغرفة القديم.
ومع هذا شعرت بالدفيء والأمان. نعم فهو شعور إفتقدته في حياتها. وهي اليوم تعيشه وتحاول أن تستمع به.
بالرغم من كونهما شخصين غريبين عنها، إلا أنهما كانا حريصين على سلامتها.

بدلت هالة ثيابها، وإرتدت عباءة منزلية فضفاضة. وألقت بجسدها المنهك على الفراش لتغفو في سبات عميق بعد أن أرهقها عقلها من التفكير في طبيعة هذا الشخص الغريب الذي قابل إساءتها بكبرياء عجيب.
هي أول ليلة تنام فيها بعمق دون أن تهاب مما يمكن أن يحدث لها.

تسربت أشعة الشمس الذهبية من خلف النافذة الخشبية لتضيء الغرفة بضوء خافت.
وعلى إثره تثاءبت هالة وهي تفتح عينيها بتثاقل، وتمطعت بذراعيها في الهواء.
رمشت بعينيها عدة مرات لتتأكد من أنها لم تكن تحلم. فهي متواجدة بغرفة بسيطة في منزل متواضع ببناية قديمة في الصحراء.
هي قضت ليلتها هنا، ونامت بعمق دون أن يصيبها أي أرق.

شعرت بالحيوية والإنتعاش وهي تنهض من على الفراش. ثم قامت بتبديل ثيابها، وتأكدت من تناسق هيئتها في المرآة الصغيرة المتواجدة بالغرفة
بخطوات حذرة إتجهت نحو باب الغرفة، وولجت للخارج.
جابت بعينيها المكان.
كان كل شيء هادئاً للغاية. ولكن هناك رائحة طعام شهية تداعب أنفها، فأثارت معدتها.
تذكرت أنها لم تتناول أي شيء منذ الأمس، وبالتالي كان شعورها بالجوع بديهياً للغاية.

علي إستحياء سارت نحو مصدر الراحة، فرأت الخالة نعيمة وهي تضع البيض المقلي وإلى جواره الفول المتبل ومعه بعض الجبن الطازجة، والخبز والفطائر المنزلية المحلاة على طاولة الطعام التي تتوسط غرفة الصالة.
تنحنحت في حرج بعدما قالت لها الخالة نعيمة بهدوء:
-تفضلي بنيتي، تناولي الإفطار
إبتسمت لها هالة في خجل، وأردفت ممتنة ب:
-شكراً!
تناولت الطعام بشهية غريبة، ولم تنطق بكلمة، فقد كانت مستمتعة بهذا الإفطار المنزلي.

هي لم تعد تتناول طعام الإفطار في السنوات الأخيرة، واليوم هي تكسر قواعدها، وتلتهم بشراهة ما أعدته لها تلك الخالة الطيبة.
راقبتها الخالة نعيمة بنظرات خالية من التعبير. ثم شرعت حديثها متسائلة بصوت جاد ب:
-هل نمتِ جيداً؟
أومأت هالة برأسها إيجابياً وهي تلوك الفطائر في فمها.
تابعت الخالة نعيمة حديثها الجاد ب:
-لم أرد إزعاجك، وأشاركك الفراش، فنمت بالخارج هنا!

شعرت هالة بالذنب، وتوقفت عن مضغ الطعام، وإبتلعته بصعوبة، وأردفت بحرج:
-أنا. أنا حقاً أسفة
-لم أقصد هذا بنيتي، ولكن آآ...
قاطعتها هالة وهي تنهض عن المقعد بصوت متحشرج:
-لقد تأخرت حقاً، سأذهب لأرى ما سأفعله بسيارتي
مطت الخالة نعيمة شفتيها للأمام، ثم قالت بجدية:
-أظن أن السيد قاسم قد أصلحها لك
نظرت لها بإندهاش غريب وهي تسألها بفضول:
-ماذا؟ كيف هذا؟

لم تنتظر لتعرف إجابة سؤالها منها، بل تحركت نحو باب المنزل، ونزلت على الدرج لتقف أمام مدخل البناية وهي في حالة ذهول تام.
لقد كانت سيارتها الفارهة موجودة بالفعل.
حكت فروة رأسها في حيرة وهي تسأل نفسها بفضول ب:
-كيف جاءت إلى هنا؟
-معذرة!
إلتفتت هالة نحو مصدر الصوت لتجد قاسم يقف مستنداً بجسده على حائط بنايته، ومثنياً لركبته عليه.

إبتسمت له هالة إبتسامة رقيقة، في حين إعتدل هو في وقفته، وسار نحوها بعد أن وضع يديه في جيب بنطاله الجينز، وهتف قائلاً:
-لقد استعرت مفاتيح سيارتك بعد أن طلبت من الخالة نعيمة إحضارها لي
-هاه
-لقد كانتِ نائمة بعمق، ولم تستمعي لنداءاتها المتكررة، فإضطرت أسفة أن تفتح حقيبتك وتحضرهم لي. وقمت أنا بواجبي وأصلحتها لك
-أنا. أنا لا أعرف كيف أشكرك
-لا داعي لشكري
-لقد. لقد كنت فظة معك، وأنت آآآ...

-عفواً، تلك هي طبيعتك، لا داعي للتبرير، فأنتِ تعاملتي معي بغطرسة، وأنا عاملتلك بكبرياء رجل شرقي
-ماذا؟
-لن تفهمي مقصدي. ولكن سيارتك جاهزة للعمل، فإنطلقي في آمان الله!
-أنت حقاً إنسان غريب، أنا لم أقابل مثلك في حياتي، فعادة الكل يتملق لي للحصول على آآ.
وصمتت عن الحديث بعد أن تنحنحت في حرج.
فهم هو مقصدها. فهي قد أجفلت عينيها نحو جسدها ليتأكد من حدسه.

الكل يرغب في الحصول على قطعة منها، ولكنه كرجل لن يقبل أبداً أن يشاركه كائن من كان في امرأة تخصه. تبيح جسدها للغرباء ليتمتعوا بالنظر إليه.
أخذ نفساً عميقاً وزفره بهدوء وهو يكمل بنبرة رخيمة:
-لن تقابلي مثلي أبداً! ولكن نصيحة مني لك، قودي بحذر حتى لا تعرضين نفسك أو غيرك للخطر
-سأعمل بنصيحتك، وسأتذكرها على الدوام.

دار قاسم حول السيارة، ثم فتح لها الباب المجاور لعجلة القيادة، وأشار لها بعينيه لتركب. وبالفعل دارت هي الأخرى حول سيارتها، ووقفت قبالته، ونظرت مباشرة في عينيه، وقالت بخفوت:
-ولن أنساك أيضاً
إبتسم لها في عدم إقتناع، وقال متهكماً:
-صدقيني ستنسي كل شيء فور رحيلك من هنا، فما حدث هو موقف عابر في حياتك ليس إلا
قطبت جبينها في ضيق، وهتفت محتدة:
-أنت مخطيء
إبتسم لها في غرور وهو يرد عليها بثقة غريبة:.

-بل أنا واثق مما أقول، إركبي سيارتك
جلست هي خلف عجلة القيادة، فأغلق الباب عليها، ونظر لها بنظرات معتدة بنفسه، في حين بادلته هي نظرات آسفة.
كم كانت تود البقاء لفترة أطول لتعرف عنه أكثر. ولكن حظها العثر جعل الأمور تسير عكس رغبتها.
أدارت هي محرك السيارة، ونظرت له بإمتنان وهي تضغط على دواسة البنزين.
تحركت السيارة ببطء وهي تسير مبتعدة عنه.

نظرت هالة له في مرآة السيارة الجانبية، وتنهدت في يأس وهي تحدث نفسها قائلة:
-والأكيد أني لن أنسى أبداً كبرياء رجل شرقي أثبت رجولته معي،!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة