قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

بدأ الضيق يتغلغل لمسامها، والجنون يسيطر عليها، وعندما أصابها اليأس من تركه إياها، همست بصوت مبحوح:
-خلاص طيب فكني وهقول
وبالفعل من دون تردد كان يحرر يداها لتنهض مسرعة تضم قدماها لها ويخرج صوتها يكاد يسمع وهي تردد:
-بدافع عن نفسي، وبنتقم منه
ثم اصبحت تضربه بهيسترية على صدره والجنون يتملكها شيء فشيء...
الألم اصبح متزايد، وكأنه قانون تسير عليه دقات قلبها!
وصراخها نقض لذلك القانون القاسي وهي تكمل:.

-أية مش من حقي ادافع عن نفسي وانتقم منه زي ما آذاني!
حاول تثبيت يدها برفق وهو يسألها بقلق حقيقي:
-آذوكِ ازاي وامتى يا تمارا؟
تحولت عيناها للنظر للفراغ كأنما يحوي حقائق تقرها بصمت وقالت:
-أذاني لما دبح ماما قدام عيني وكنت طفلة لسه مش قادرة ادافع عن نفسي ولا عنها، دبحها وهرب ولحد دلوقتي محدش قادر يمسكه، وانا برضه بدبحه وبهرب ومحدش هيقدر يمسكني
ثم أصبحت تستطرد وكأنها تحدث نفسها بهيسترية:.

-طب هي اللي ترفض تبيع شرفها تستاهل الدبح رد عليا؟
-لا لا اكيد لا
قالها وقد هز رأسه نافيًا بسرعة، وقلبه يتمزق لرؤيتها هكذا...
لم يكن يتخيل أن حادثة موت والدتها ستُشكل لها هاجس نفسي!..
هاجس صعب عليها مهمة ترميم نفسها التي رُدمت بالحيا!..
ليضمها له بحنان، يحاول تعويضها بشتى الطرق عن الحنان المسروق من بين يداها..!
استقرت رأسها على صدره لتسمعه يسألها مستفسرًا:.

-طب مافكرتيش تدردشي مع حد في الموضوع دا لية يا تمارا؟
ردت بفتور شارد:
-جربت، حكيت لدكتورة تالا بس زهقت منها بتقعد تديني حِكم!
زفر عز بعمق...
روحه تصرخ بالأنتقام وكرامته تنزف لاستغلالها إياه ولكنه متجاهلًا نزيفها لأقسى حد...!
نظر للفراغ بشرود ثم هتف بحزم:
-طول ما إنتِ معايا مش هسمح لحد يكسرك تاني، وهبني الروح اللي ردمها الزمن!..

بعد مرور أسبوعان...
إتجهت تالا إلى الحديقة في يوم الأجازة للمرضى تبحث عن يوسف بعيناها...
لا تنكر إنشغالها القليل به، ولكنها تدفنه بتبرير واهي للعقل وكفى!
نظرت للمرضة التي تمر ثم سألتها برقة:
-هبه لو سمحتي ماشوفتيش المريض بتاعي؟ يوسف
اومأت المدعوة ب هبه رأسها وهي تخبرها بجدية:
-رفض ينزل مع باقي المرضى يا دكتورة وقعد في اوضته
اومأت تالا موافقة بامتنان:
-متشكرة
ثم إتجهت لغرفته بهدوء...

طرقت باب الغرفة مرتان تقريبًا وعندما لم تجد مُجيب فتحت الباب ودلفت ببطء لتجده لم يتخل عن عادته في الجلوس امام الشرفة والطيران محلقًا وسط أفق اجنحة الخيال...!
ما إن جلست جواره رأت أنفه تنزف وهو لا يعيرها إنتباه، فشهقت مرددة بقلق خفيف:
-إيه دا مناخيرك بتنزف من إيه؟
لم يرد سوى بكلمة سخيفة:
-ملكيش دعوة سبيني ف حالي..

تأففت من عناده اللامتناهي من وجهة نظرها ثم نهضت لتجلب علبة الاسعافات الاولية وتعود لتخرج -قطنة- وتبدأ تحاول وقف النزيف مؤقتًا...
كانت مقتربة منه جدًا حتى كادت تلاصقه وهي تُطل عليه بهيئتها الجذابة التي تُسحرك بها بسحر ليس له ترياق...
هتف بصوت بارد من المفترض أنها مشاكسة:
-كدا لو حد دخل هيفكرنا بنبوس بعض على فكرة!
ابتسمت وهي تتابع برقة منشغلة بما تفعله:.

-تؤ، محدش يقدر يقول حاجة لإن كلهم عارفين كويس إن محدش يقدر يعمل كدا وخصوصًا مريض موجود
جذبها فجأة من ذراعها بعنف حتى اصطدم جبينها بجبينه واصبحت على بُعد سنتيمتر واحد منه، فقال وكأنه يُدخل الحروف بعقلها:
-أنا مش مريض، أنا بقيت تمام!
كانت هي كالمُخدرة من قربه...
لا تدري أين الضبط النفسي الذي تعلمته..؟ أين الثبات والحدة!..
كان ينظر لشفتاها الصغيرة وهو يقول بشرود:
-تحبي أثبتلك..؟

إنتفضت حينما لاحظت نظراته لتنهض مبتعدة وهي تقول بجدية مصطنعة:
-بطل جنان، وخد اعمل لنفسك الدم دا!
قالت اخر كلمة وهي تشير لعلبة الاسعافات الاولية...
وقبل ان تستدير وتغادر كان هو يمسك يدها وبهدوء تام يردف:
-بتهربي لية؟ عشان عارفه إني مش مجرد مريض وإنتِ الدكتورة صح!؟
والاجابة هنا ليست مُحددة، بل اجابة مفتوحة ومتعددة بدرجة مُخيفة!..

إتجهت كلارا نحو المكتب الذي يعمل به فهد منذ اسبوعان...
وللحق هي من تسببت بقبوله في هذه الوظيفة ومعاملته بهذه الطريقة..
تعمدت تجاهله طيلة الاسبوعان الماضيان فلم يستطع التحدث معها على إنفراد ابدًا وهذا ما جعل فهد يغلي داخليًا...
يموت توقًا لها ولا يطولها!..
كان باب المكتب ليس مغلقًا تمامًا فاستطاعت رؤية هند تقف امام فهد الذي يجلس مكانه ببرود ويقول لها:
-ماكنش في داعي تيجي مكان شغلي خالص!

اقتربت منه حتى اصبحت امامه تمامًا تهتف بنبرة متحسرة:
-مش عارفه اقعد معاك ربع ساعه على بعضها حتى! قولت مفيش حل إلا إني أجي هنا
ثم كادت تحتضنه وهي تهمس بولع:
-أنت وحشتني اوي
لينتفض مبتعدًا عنها قبل أن تصل له، وبصوت حاد خشن قال:
-قولتلك ماتحاوليش تقربي مني بأي شكل من الاشكال، انا بحب كلارا وندمان على اللي حصل.

وقبل أن تهتف بشيء اخر كانت كلارا تدلف متأرجحة في مشيتها المدللة وكأنها تلعب ببراعة على وتر حساس لدى كلاهما...!
لتصل أمام فهد فتدنو منه لتقبل شفتاه بخفة متمتمة برقة:
-وحشتني يا بيبي
كان فهد متسع الحدقتان يحاول إستيعاب ما حدث للتو!..
ولكن شعر بالنيران تشتعل بجسده من قبلتها الخفيفة التي أظهرت ناره المتأججة...!

عاد بالكرسي للخلف ليجذبها بحركة مفاجأة جعلتها تشهق فجلست على قدماه، لينظر هو لهند مغمغمًا بصوت أجش:
-روحي إنتِ يلا
رفعت هند حاجبها الأيسر بغيظ، والحقد يتآكلها كفتيل لا يوقفه ثلج الرنين الذي دوى امامها بوضوح..!
دبت بقدماها على الارض بغيظ مزمجرة:
-ماشي يا فهد ماشي. بس والله ما هسكت
وبالفعل غادرت كالأعصار...
لازال يلف في مداره عدة مرات ثم مؤكد سينفجر في حينٍ ما!..

تنفست كلارا بعمق عندما صفعت هند الباب وغادرت تمامًا وما إن كادت تنهض وجدت من يمسك ذراعها هامسًا بصوت ملأته الرغبة والشوق الملتهبان:
-على فين! هو دخول الحمام زي خروجه؟
وقبل أن تُعطي رد فعل كان شفتاهما يتعانقان عناق حار، ساحق وملتهب كأشتياقهما لبعضهما!
كان يُقبلها بنهم يحاول التقليل من حدة جوعه اللانهائي لها...

ولكن بدت وكأنها محاولة فاشلة فازدادت سرعته وتلهفه وهو يقبلها يأبى ترك قطعتا العسل التي تكمن بين شفتاه...!
تجرأت يداه يحاول فتح سحاب الفستان فحاولت هي الابتعاد هامسة بين شفتاه حرفيًا:
-لأ مش هينفع، سبني يا فهد
كانت شفتاه تتحسس شفتاها وهو ينطق بصوت أجش من فرط رغبته بها:
-بعد فهد مستحيل اسيبك، مش النهاردة خالص!
هبط بشفتاه يطبع علامات رقيقة على رقبتها وكتفها البيضاوان...
ليعاود الهمس:
-انا مشتاق، مشتاق اوي!

وهي مغمضة العينان تستمتع بسحر لحظاتهما..!
يرتعش جسدها كلما شعرت بشفتاه التي تُفتح وتُغلق على رقبتها التي قاربت على الاحمرار...
لينهض حاملًا اياها ويداه تعرف طريقها لفتح ذاك السحاب اللعين...
حملها بذراع وأغلق الباب بالمفتاح بذراعه الاخر، ليضعها على الاريكة العريضة ثم بدأ يفتح ازرار قميصه بلهفة وهو يحدق بحالتها المضطربة التي اوصلها لها...
ثم انضم لها لتشتعل ليلة اخرى من لياليهما مرة اخرى...

كان عز في مقر عمله...
يجلس على كرسيه العريض يضع قدم فوق الاخرى ويشرد في السبب الذي تسبب بمعرفتهم أن تمارا القاتلة!..

فلاش باك####
كان يجلس نفس جلسته تلك باختلاف الوقت عندما دلف له صديقه المقرب كريم وهو متلهف يقول بعدم تصديق:
-مش هتصدق اللي أنا شوفته يا عز
ضيق عز ما بين حاجبيه بتعجب ثم سأله بجدية مستفسرًا ؛
-شوفت أية يا كريم؟
-استنى
قالها كريم وهو يُخرج هاتفه من جيب بنطاله ثم فتحه على صورة ما ليمد يده لعز بالهاتف قائلًا بصوت أجش زحف له بعض التوتر من القادم:
-خد شوف.

بدأ عز يتفحص الصورة التي كانت بها تمارا فاقدة الوعي، ليعاود النظر لكريم مرة اخرى هامسًا بعدم فهم:
-اية المشكلة برضه؟ وانت لية صورت تمارت اصلًا لما أغمى عليها؟
تنهد كريم بعمق يحاول ترتيب حروفه ثم بدأ يتابع ب:.

-لو بصيت في الصورة كويس هتلاقي سلسلة كدا شكلها غريب شوية تمارا لابساها. العلامة الموجودة في السلسلة دي نفس العلامة اللي بنلاقيها على كل مجرم للقاتل دا، انا لاحظت إن تمارا كانت لسه جاية من برا وبعدها بيوم اكتشفنا الراجل بتاع كباريه ال اللي اتقتل وكان عليه العلامة، يعني تمارا مابتلبسش السلسلة دي الا لو رايحة تقتل حد، وبتقتلهم كلهم بنفس الطريقة، الدبح! بس طلعت زكية شوية وماسابتش ولا دليل، بس دايما بين الحقيقة والكذب شعرة خفيفة والشعره دي هي اللي كشفتها!

كان عز محدقًا به بوجه واجم...
يعجز عن إخراج الحروف التي أصرت على محاربته والكتمان..
يرفض التصديق أنه عز الاسيوطي بجلاله وسلطانه كان مجرد لعبة في يد معشوقته!..
استفاق على جملة كريم المستفسرة بقلق ؛
-ها يا عز هتعمل أيية؟
اجابه بجمود أخاف كريم:
-هعمل أية يعني؟ هقفل القضية ضد مجهول!
باك###.

تنهد عز عدة مرات بضيق، لاول مرة يُضلل العدالة بمحض إرادته!
ولكن إن كانت تلك العدالة ستقضي على حياته تمامًا، ف عذرًا لها!

كانت تمارا في غرفتها عندما رن جرس الباب فأعتقدت أنه عز عاد من عمله كعادته يوميًا...
ولكن بمجرد أن فتحت الباب فوجئت برؤية ذلك الرجل الذي من المفترض أنه يعشقها منذ حين!..
حدقت به قليلًا تحاول إستجماع نفسها المشردة ثم قالت متأففة:
-هو احنا مش هنخلص بقا؟
دفعها برفق ثم دلف وهو يقول بحنق عالي:
-لا مش هنخلص. هو مش المفروض إن البيه خرج من حياتك نهائي؟ بيعمل إيه عندك تاني!

كان ينطق بأخر كلماته ممسكًا بذراعيها يهزها وهي مقربة منه كثيرًا...
وقبل أن تنطق بحرف شهقت عندما رأت عز يدلف بخطى بطيئة تشبه خطوات فهد مُتنمر و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة