قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل العشرون والأخير

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل العشرون والأخير

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل العشرون والأخير

بعد 7 أشهر،
وقفت أالكسندرا في فناء القصر تتأمل تحفتها باعجاب، كان العمال قد أنهوا أخيرا وضع الدهانات. ولم يعد هنالك سوى هندسة الحديقة ليصبح المنظر مكتملا. تنفست بعمق محاولة أن تهدئ أعصابها المشدودة وتسيطر على مشاعرها...
بعد رحليها عن ليام أصبحت الأمور واضحة لها خصوصا حين لم يذهب ورائها كما ظنت ولا حاول منذ شهور أن يتصل بها، لعله كان ينتظر رحيلها بفارغ صبر.

بالطبع فهو من رحل وهي من ذهبت في إثره وحاصرته، لقد أهدته نفسها على طبق من ذهب، هل كان أي رجل ليرفض ما منحته بكامل ارادتها؟

كانت قد بعثت أوراق الطلاق منذ وصولها إلى لندن، وللآن ظل يتجاهلها وكأنها غير موجودة. رفض أن يجيب على اتصلات محاميها ولم تكن لديها الجرأة الكافية للاتصال به شخصيا، حتى ماكس كانت حالته مزرية وهويسأل عن والده ومارغريت، أخيرا قررت أن تبعثه إلى كابري مع روز لزيارتهم، على الأقل لن تكون جاحدة كوالده، خصوصا وقد أصبحوا جزءا من حياته الآن...

تجمعت الدموع في عينيها قبل أن تمسحها بباطن كفها. كانت وحيدة. و لازال احساس الخيانة ومنظر أشلي متعلقة بكتفي زوجها يصيبها بالغثيان، لكن ما الذي كانت تنتظره وجده أوضح علاقتهما منذ البداية، لقد لمح لها بارتباط حفيده بأشلي هي فقط كانت غبية وساذجة لتستوعب...
لامت نفسها بقسوة لانسياقها وراء جنون اللحظة والذي لم يجلب لها سوى المزيد من التعاسة...

أخيرا شعرت أنها لم تعد تستطيع الوقوف، قدماها متورمتان والوخز في ظهرها أصبح مؤلما أكثر من العادة، قررت أنها تحتاج إلى الاستلقاء قبل أن تعود إلى العمل...
في فيلا ليام بأورنج كاونتي قبل 7 أشهر،
أمسك ليام يدا أشلي اللتان طوقتا رقبته بعناد قبل أن يعيدها إلى الوراء ونظرة قاسية تعلو وجهه، ليحذرها باشارة من يده.
- أشلي أنت ثملة! هدر بسخط
- هذا ليس مهما! ردت وهي تحاول الاقتراب منه قبل أن يمنعها.

- مابك ليام؟ ألم تعد تحبني؟
ضغط ليام على فكه محاولا كبت غضبه بصعوبة قبل أن يقول بصوت غاضب: - أشلي لدي زوجة وأنا متيم بها وسعيد جدا بعودتها إلى، ما بيننا كان من الماضي وقد وضحنا ذلك جيدا حين أعدت لي خاتم الخطوبة!
- كاذب! صرخت أشلي بمرارة أعطيتك مخرجا وأنت هربت كلص قذر!
تنفس ليام محاولا ادخال كمية كبيرة من الهواء إلى صدره، يحاول بكل استماتة أن يكون مراعيا. لكن كلمات أشلي المستفزة تدفعه إلى جرحها...

أخيرا فقد السيطرة على أعصابه ليصرخ فيها بصوت قوي أجفلها: - لقد حاولت جاهدا أن أجنبك الألم أشلي! لكن بما أنك تريدين الحقيقة فليكن إذاً! أنا لم أحبك يوما! ولا أتذكر أنني أحببت أي امرأة منذ رحيل ألكسندرا زوجتي! وضغط على الكلمة بقسوة أنتِ فضلتِ فسخ الخطوبة وأعطيتني مخرجا وجنبت كلينا الاحراج! فلا داعي لأن نعود إلى نقطة البداية! لقد انفصلنا أشلي وهذا موضوع منتهي!
- لكن. قالت ودموع الاهانة تلمع في عينيها.

- لا! قال ليام مقاطعا هذا الحوار سينتهي والآن!
أضاف بقسوة قبل أن يمد يديه مطالبا بالمفتاح، أخرجت أشلي المفتاح من حقيبة يدها بارتعاش قبل أن تسلمه لليام وتركض نحو الباب المفتوح لتغادر والدموع تحجب عنها الرؤيا، كان عليها أن تستمع إلى والدها...
تبا لك ليام! صرخت بقوة وهي تستقل سيارتها ليهدر محركها القوي ممزقا سكون الليل...

حين تأكد ليام من رحيلها أخيرا، خرج باحثا عن ألكسندرا، صعد إلى غرفة نومهما لكنها لم تكن هناك وبدأ الشك والقلق يدبان في قلبه، كان قد صرف كل الحراسة لكي ينعما بالحميمية، أخيرا عاد إلى مكتبه بسرعة ليشغل كاميرات المراقبة حول الفيلا ويتجمد من الصدمة وهو ينظر إليها تغادر ركضا...

تبا! تبا! شتم ليام وهو يضع يديه في شعره ويجذبه بعنف كاد يقتلعه من جذوره، لابد أنها شاهدت ذلك المشهد المشين وبالتأكيد تبنت أفكارا خاطئة كالعادة...
يا إلهي! صرخ ليام وهو يركل المقعد بقوة جعلته يطير، كان يدور في الغرفة كنمر حبيس قبل أن يرفع السماعة محاولا الاتصال بنيويورك ليتجمد من الصدمة...

لقد رحلت دون أن تستمع إليه. هل فات الأوان بالفعل، اعتصرت الفكرة قلبه بألم فهوى على أقرب كرسي وجلس بينما قلق الانتظار ينهشه...
وكما توقع، بعد ساعات كانت ألكسندرا في الطريق إلى لندن بصحبة ماكس، لم يمنعها ولم يذهب في إثرها كانت قد أصدرت حكمها عليه، ولم يكن هنالك داع للاستئناف...

لشهور ظل ينهك نفسه بالعمل، رحلات من الصين إلى اليابان فالشرق الأوسط ثم عودة إلى الولايات المتحدة ليتمكن التعب منه أخيرا ويسقط منهك القوى ليودع المستشفى رغما عنه...
فتح ليام عينيه ليفاجئ بالواقف أمام النافذة يتأمل الشارع باهتمام، حاول ليام النهوض لكن ألم رأسه عاوده بقوة ليعبس ويعتصر فكه بقوة...
إلتفت فرانكو لينظر إلى حفيده الذي يقاوم برعونة حالته. ليقترب منه ويجلس بقربه بحذر. يحثه على الاستلقاء.

- لاجدي! قال ليام بصوت غلب عليه الألم لدي اجتماع غدا في اليابان. علي أن أكون حاضرا!
- لن تذهب إلى أي مكان! رد الجد بصرامة أنت تحتاج إلى الراحة فقد أنهكت جسدك لوقت طويل!
عاد ليام ليستلقي على الوسائد وهو يعصر جبينه بأصابعه، قبل أن تدخل الممرضة التي اقتربت منه سريعا محاولة حقنه بمهدئ، دفعها ليام عنه بخشونة مبعدا الإبرة عن ساعده لينزع المصل المعلق بيده بقوة...
- ما الذي تفعلينه بحق السماء؟

ازدردت ريقها وهي تنظر إلى ملامحه الغاضبة لتشرح بصوت هامس: - سيدي أنت تحتاج إلى الراحة، لابد لك من بعض المسكنات...
صرخ ليام وألم رأسه يشتد: - أريد قرصي دواء فقط. وأطفئوا الضوء اللعين! سأصاب بالعمى!
تمتمت الممرضة بصوت غير مسموع وهي تمنحه المسكن الذي طلبه. قبل أن تطفئ الأنوار وتعود أدراجها...

بعد دقائق تمكن مفعول الدواء من مساعدته على فتح عينيه بطريقة أفضل. كان الجد طوال هذه المدة جالسا إلى جانبه يطالع كتابا على الضوء الخافت لإضاءة الجانبية...
أخيرا رفع رأسه ليرمق ليام بنظرات متفحصة ليقول: - أتعلم أن ألكسندرا قد قاربت على الولادة...
حرك ليام رأسه بعصبية محاولا تفادي عيني جده المتفحصتين...
- هي قادرة تماما على الاهتمام بنفسها! ألم تفعل ذلك لسبع سنوات؟! علق بسخرية لاذعة.

- لقد اهتممت أنا بها في الماضي. والآن جاء دورك أنت أضاف الجد بنفس النبرة الهادئة
توقف عقل ليام عن التحليل وهو يعيد كلمات الجد ببطء. قبل أن يقفز من السرير لينزل على ركبتيه أمام جده وقد شخصت عيناه بشكل مرعب...
- ما الذي تقصده جدي؟ يا إلهي! هل كنت تعرف مكانها طوال هذه السنوات؟ لماذا لم تخبرني؟ لماذا؟ قال ليام وهو يحرك كرسي جده بقوة.

ظل الجد هادئا وهو يرمق حفيده الغاضب بنظرات عميقة، قبل أن يكمل حديثه: - لم تكن في ظرف تستطيع التعامل فيه مع ألكسندرا، لقد كنت مسلوب العقل بها، لم تكن لترى النظرة العدائية التي تنظر بها إليك، كانت ستدمرك مثلما ما فعلت أمك بابني!
- أوه لا!
صرخ ليام بعذاب وهو يرتد إلى الوراء. غير قادر على التصديق أن جده كان بمثل هذه القسوة ليحرمه من حبيبته ومن ابنه.

- اللعنة جدي! اللعنة! صرخ وهو يحاول استعادة هدوئه دون جدوى
ضرب الحائط بقوة جعلت شعيرات رقيقة من الدم تلون كفه، قبل أن ينظر إلى جده بإدانة.
- لم يكن من حقك أن تقرر بدلا عني! لقد كنت راشدا! كنت لأستطيع التصرف بمفردي! أنا لست ماسيموس!
- بل أنتما متشابهان! كثيرا قال الجد بصوت غلبت عليه المرارة ألكسندرا على النقيض لم تكن كوالدتك، لكنها كانت تمر بظروف قاسية، ما كانت لتسامحك أبدا!

- وأنت قررت أن تتخذ القرار بنيابة عن كلينا! صرخ ليام بمرارة
- ربما.
قال العجوز وهو يقفل كتابه لينهض بتتاقل ويقترب من حفيده الذي كان يغلي من الغضب وعضلات كتفيه المتشنجة تظهر من خلال ملابس المستشفى الرقيقة...
- لقد منحتها حق الاختيار في الماضي، وهي من قررت الرحيل لم تكن مستعدة، لكن هذه المرة حتى حين أعطيتها الحرية رفضت وذهبت للبحث عنك!
- ماذا تعني؟ قال ليام وهو ينظر إلى جده بدهشة.

- هذا يعني أن مشاعر الألم قد اختفت أخيرا، وأصبح عليك استعادتها!
- لقد رحلت جدي! قال ليام بسخط وهو يبتعد ليجلس وقد أصابه الدوار
- إذاً اذهب وأعدها! مازال هنالك خيط رفيع يجمعكما، عليك المجازفة قبل أن ينقطع إلى الأبد مشيرا إلى طلب الطلاق
لم يبدو ليام مقتنعا، لكنه نهض رغم ذلك ليغير ملابسه بلمح البصر ليغادر بحثا عنها...

في طريقه إلى المطار، كان ليام يشعر بالخيانة والألم، لقد تركته قبل شهور فقط لأنها ظنت أنه على علاقة بأشلي، لم يكن مقتنعا بما قاله جده، لكنه لم يكن ليستسلم الآن، يجب عليها أن تخبره بقرارها وهي تنظر في عينيه، فقط وقتها سيرحل عن حياتها إلى الأبد...
تلك الفكرة جعلت أفكاره تهدأ قليلا، كان الألم يعصف برأسه بقوة لكنه لم يكن ليقارن بالألم الجاثي على صدره من جراء ما عرفه...

أخيرا بعد ساعات في الجو قضاها ليام يتحرق للوصول، هبطت الطائرة في مطار هيثرو الدولي بلندن...
تنفس ليام بقوة وهو ينزع سترته ويقترب من المضيفة التي كانت تنظر إليه باعجاب واضح رغم الجمود الذي اكتسى ملامحه القاسية...

استقل سيارة الدفع الرباعي نحو منزلها، لكنها لم تكن هناك، أطرق برأسه قليلا على مقود سيارته قبل أن تصفعه المعرفة، كيف نسيت؟ شتم ليام ببذاءة، وانطلق بسيارته سريعا نحو قصر الدوق أندرو، هو متأكد أنها هناك...

بعد ساعة من السياقة المتواصلة وصل ليام أخيرا إلى وجهته، كان العمال قد انتهوا من تجهيز الحديقة. وبعضهم كان بالفعل في طريقه إلى الخارج، تحرك ليام سريعا إلى داخل القصر بحثا عنها، لكنها لم تكن موجودة. اتجه سريعا نحو الغرفة التي جمعتهما منذ شهور...

أخيرا توقف أمام الباب الموصد عاجزا عن فتحه، زفر بقوة محاولا التنفيس عن المشاعر القوية المحتدة في صدره، قبل أن يضع يده على قبضة الباب ليفتحه بهدوء مناف لثورته، ويتسمر أمام المشهد بدهشة...
كانت ألكسندرا مستلقية على الأريكة بينما وضعت يدها بحنان على البروز الكبير في بطنها، كانت فاتنة بدرجة جعلته يتشنج من الصدمة، جف حلقه وهو يتأمل جمالها البريء. قبل أن يدلف إلى الداخل ويتوقف أمام ذلك المنظر المثير...

إنها زوجته ووالدة طفليه، الساحرة المستلقية بكامل فتنتها على الأريكة، كانت مشاعره متناقضة وقلبه يهدر بقوة داخل صدره، قبل أن يقترب ليركع أمامها ويضع يده بحنان يمسد وجنتها بأصابعه...
تحركت ألكسندرا في نومها. وابتسمت بعذوبة جعلت قلبه يتوقف عن النبض للحظات، أخيرا وجد صوته ليقول بصوت جاف:
- ألكسندرا!

حرك كتفيها بخفة، تمطت ألكسندرا في نومها لتستيقظ وتتوسع عيناها بصدمة. لابد أنها تحلم! ابتعدت قليلا إلى الوراء لتفرك جفنيها غير مصدقة...
- ليام! قالت ألكسندرا بتردد ما الذي تفعله هنا؟
ابتعد ليام قليلا ليعطيها مساحة للتحرك قبل أن يقول بصوت حاول أن يخرج طبيعيا: - لقد أتيت لرؤيتك!

اضطربت ألكسندرا وخفق قلبها بقوة وهي تتذكر المشهد المؤلم الذي كانت شاهدة عليه منذ شهور لتدفعه عنها بكل قوة وتنهض باندفاع جعلها تترنح.
اقترب ليام سريعا منها ليسندها، سقطت بين ذراعيه اللتان أمسكتا بها في آخر لحظة، تمكنت من الاحساس بقوته واشتمت رائحة عطره التي تعشقها، لتنهمر الدموع مريرة من عينيها، رفع يده ليلتقط تلك الدموع بأصابعه بينما نظرة ألم تصبغ ملامحه الصلبة...

- لا تبكي ألسكندرا! أرجوك! توسل ليام على غير العادة
استمر بكاء ألكسندرا يعلو إلى أحست أنها قد تنهار تماما. طوال شهور أقنعت نفسها أنها تستطيع المواصلة وحيدة، لقد تركته منذ سبع سنوات ويمكنها أن تتركه مجددا، لكنها كانت كاذبة! لم تكن لتستطيع المواصلة وهي ذاقت طعم السعادة إلى جانبه...
تركها ليام تنتحب بين ذراعيه، إلى أن شعر أخيرا بأنها هدأت. كان عليهما مواجهة الماضي مهما كان قاسيا ومؤلما...

أسندها إلى صدره الصلب قبل أن يقربها من الأريكة ويساعدها على الجلوس، تأمل ملامحها بشوق، كانت تبدو متعبة وضعيفة. عبس ليام وهو ينظر إلى حركتها البطيئة، ما الذي يجعلها تعمل وهي في شهور متقدمة من الحمل...
اللعنة! كان من واجبه الاعتناء بها وتدليلها في هذه الفترة الخاصة!
ابتعد عنها مجبرا نفسه على التركيز، كان سينبش أكثر ماضيه ألما، ذلك الماضي الذي نهش قلبه لسنوات وجعله ساخرا عدائيا وقاسي القلب...

أخيرا جلس على الأريكة المقابلة لها ليقول بصوت متألم: - لقد عانيت من طفولة سيئة ألكسندرا...
رفعت ألكسندرا رأسها لتنظر إلى ملامحه بحيرة...

- لقد كنت طفلا صغيرا يعتني ببالغين! والدي! سكت للحظة يتجرع مرارة الماضي أمي. كانت مدمنة على الكحول ووالدي لم يكن سوى عبد لرغبات زوجة سكيرة وأنانية! لقد كنت الطفل الغير مرغوب فيه لوالدين ماجنين اختزلت حياتهما في السهر واللهو! عصر على فكه بعصبية ليكمل استمرت معاناتي لمدة طويلة. كنت خائفا أن أوضع للتبني بسبب أفعالهما الغير المسؤولة فألاقي مصيرا أسوء، لم أكن أنام ليلا منتظرا عودتهما مع بزوغ الفجر لأسحبهما من الرواق، ظللت أخفي زجاجات الشراب والمخدرات عن المساعدين الاجتماعيين الذين كانت زيارتهم متعددة إلى شقتنا مخافة أن يأخذوني بعيدا! تضورت جوعا لأيام، وفي أيام أخرى سرقت الطعام لأسد جوعي!

لم يعد ليام يستطيع الجلوس، نهض بعنف ليقترب من النافذة وينظر إلى الغروب بحزن عميق:
- لقد سرقوا طفولتي ألكسندرا! لم أشعر يوما بأنني طفل! وقتها قررت أنني لن أكون مثلهما، قررت أنني سأصبح رجلا، كانت لدي عزيمتي وحبي للحواسيب وهذا ما صنع مني ليام ماكسويل الذي تعرفينه!

كانت ألكسندرا تنظر إليه وصدمة اعترافه تشل لسانها. أخيرا بللت شفتيها محاولة الكلام، استدار ليام نحوها ليوقفها باشارة من يده، كان عليه مصارحتها بكل شيء، فربما لن يستطيع فتح الماضي مجددا، زفر بقوة وفتح زري قميصه محاولا التنفيس عن الضيق الذي يطبق على صدره ليكمل:.

- مات والدي في حريق نشب بمنزلهما، لم اهتم كثيرا وقتها فهما لم يهتما لأمري يوما، بعدها حصلت على منحة كاملة من جامعة بوسطن، تعرفت هناك على فتاة طموحة وفاتنة...
اعتصرت الغيرة قلب ألكسندرا. لكنها صمتت رغم ذلك محاولة فهم ماضيه.
- أحببتها! قال ليام بألم حاولت جاهدا أن أمنحها كل ما طلبته. ظننتها الزوجة المثالية التي ستمنحني العائلة التي حرمت منها، من سوء حظي كانت نسخة أسوء حتى من أمي، جشعة وانانية.

سكت للحظات محاولا إجلاء حلقه من مرارة الذكرى قبل أن يقول: - لم أكن أملك المال وهذا كان سببا كافيا لقتلها طفلا مني! لم تستطع أن تنتظر تسعة أشهر لتسلمه إلى! هربت ومن ثم أخبرتني ذلك بوضاعة، لقد دمرت حياة تخيلتها لنفسي، كل أنثى سرقت شيئا من داخلي! هم من حولوني إلى الوحش الذي رأيته في ذلك اليوم اللعين! وذلك الوحش افترسك! قال بمرارة وهو ينظر إلى ملامحها المعذبة.

كانت ألكسندرا تضع يدها على فمها محاول كبت نحيبها، طوال معرفتها به كان ليام دائما متسلطا ساخرا. لكنها أبدا لم تره بهذا الضعف يوما، نزلت كلماته كالسكاكين تمزقها من الداخل، لكن ألمها أصبح مضاعفا، هي أحبته! حتى بعد أن مهد لها الطريق للرحيل فضلت أن تلحقه، لتفاجئ بخيانته المدمرة، لم تعرف كيف تفوهت بهذه الكلمات، أم أنها فكرت فقط بصوت مسموع:
- هذا لا يبرر كونك خائنا!

ضحك ليام دون مرح، وهو يتأملها بافتتان...
- هل تصدقين ذلك فعلا ألكسندرا؟ واقترب منها بخطوات سريعة ليهزها من ذراعيها بقوة أفزعتها هل أنت عمياء لكي لا تري بأني أعشقك حد الثمالة؟
رمشت ألكسندرا برموشها الكثيفة غير مصدقة وهي تنظر إلى عينيه اللتان كانتا تتأججان بلهيب أزرق مثير، هل قال أنه يحبها؟

- أحبك ألكسندرا! أحببتك منذ سنوات! منذ اللحظة التي دخلتِ مكتبي بظفيرتك الصغيرة ووجهك الشاحب، أنا فقط كنت غبيا لأدرك ذلك! أغمض عينيه بقوة وزفر أنفاسه الحارقة وهو يقربها إليه أحبك ألكسندرا، لا تتخيلين مدى العذاب الذي عانيته منذ أن فقدتك!
- لماذا خطبت أشلي إذاً؟ سألت بنبرة اتهام.

عصر على فكه بعنف ليشرح: - بعد سبع سنوات من البحث المستمر دون نتيجة، كنت قررت أخيرا أن الطريقة الوحيدة لكي أنساك كانت أن أرتبط أخيرا حتى ولو لم يكن الحب سببا لذلك، لكن أنت. قال بألم كنت تعرفين مكاني طوال هذه السنوات، كان لديك طفل مني، وتركتني رغم ذلك أتعذب وحيدا! قال بادانة أعترف الآن أنه لديك مطلق الحرية في كرهي وقتها، أنا لم أكن سوى وغد، جبان، لكن لم يمنحك هذا الحق في الهرب مني هذه المرة!

- لقد كنت معها في غرفة المكتب! لقد شاهدت كل شيء! ردت ألكسندرا والمرارة تحرق صوتها
- أنت رأيتِ ما أردت تصديقه! منذ أن عدتِ وأنت تنتظرين اللحظة التالية للهرب! لماذا لم تواجهيني؟ لماذا لم تفتحي باب المكتب اللعين؟
كان الضيق الذي شعرت به ألكسندرا منذ بداية اليوم قد تحول إلى وخزات بدأت تتكرر تدريجيا إلى أن شعرت أخيرا بألم لا يطاق...
- تكلمي! قال ليام وعيناه تنظران إليها بتعبير مؤلم.

- آه! صرخت ألكسندرا من الألم وارتسم الرعب على ملامحه
- ألكسندرا هل أنت بخير؟ سأل ليام وهو يهز ذراعيها بلهفة
- أنا لست بخير! صرخت ألكسندرا والدموع تبلل وجهها المحتقن أنا أضع الطفلة الآن!
نظر ليام إليها ببلاهة.
- الآن؟!

سأل دون تصديق لينظر إلى المياه التي اندفعت تبلل بنطاله وحذائه الجلدي الثمين، لم يترك لها فرصة للحديث مجددا وهو يرفعها بين ذراعيه ركضا نحو أقرب مستشفى، كانت الطرق إلى لندن وعرة ومتعرجة، ولسوء حظه كانت السياقة في بريطانيا مختلفة عن كل بقاع الأرض. مما جعله قي قمة عصبيته وهو يقود عكس الطريق بسرعة جنونية، شتم بصوت مكتوم وهو يتفادى السيارات المندفعة في اتجاهه مما جعل ألكسندرا تتحرك بانزعاج، أمسك بيدها الموضوعة على بطنها محاولا بث الطمأنينة فيها. عصرت ألكسندرا اليد الممدودة نحوها بقوة لدرجة جعلته يشعر بالألم...

يا إلهي! لم يظن للحظة أن كائنا رقيقا مثلها قد يملك مثل تلك القوة!
أخيرا وصلا إلى المستشفى. صف ليام السيارة بشكل عشوائي ليلتف بسرعة ويحملها نحو غرفة الطوارئ...
التف حوله العديد من الممرضين الذين وضعوها فوق سرير متحرك. ليركضوا بها سريعا...
حاولت ألكسندرا التشبث بيد ليام، لكنهم اقتادوها بعيدا وهي تصرخ باسمه، إلى أن دخلت الغرفة حيث ستجهز للولادة، وقف ليام ذاهلا وهو يمسد رقبته غير مصدق لما يحدث.

أخيرا عاد إلى الواقع على يد الممرضة التي كانت تطلب منه المجيئ.
- السيدة ترفض الولادة دون وجودك!
- ماذا؟ قال ليام غير مصدق
- حالتها حرجة. وهي ترفض التجاوب معنا. عليك الحضور سيدي!

أضافت الممرضة وهي تمنحه ردائا معقما لتصحبه إلى غرفة الولادة حيث كان صراخ ألكسندرا العالي يصم الأذان، أخيرا فتح الباب وهوى قلبه من الصدمة، وهو يرى حبيبته تتألم وقد غطى العرق جبينها. ركض إليها سريعا لتتشبت بيده كالغريق وهي تصرخ باسمه.
- ياإلهي الألم مهول! صرخت ألكسندرا محاولة الدفع دون جدوى
- سيدة ألكسندرا توقفي عن الصراخ! وادفعي بكل قوتك!

تنفست ألكسندرا بقوة محاولة الدفع وهي تضغط كتف ليام إلى أن شعرت بأنها ستخلعه...
- يا إلهي سأقتل الطبيب اللعين! صرخت ألكسندرا من شدة الألم
- أكثر أنت لا تبذلين مجهودا كافيا! قال الطبيب وهو يحثها على الاستمرار
دفعت ألكسندرا أكثر وهي تصرخ من شدة الألم. بينما تصلبت عضلات ليام غير مصدق لما تعانيه بسببه...

أخيرا وبعد ساعة قضاها ليام في الجحيم يستمع إلى صراخها وأنينها المتألم. تمكن من سماع صوت صغيرته وهي تصرخ بقوة معلنة عن وصولها إلى العالم. لترتخي عضلات ألكسندرا المتألمة وترمي بجسدها على صدر ليام. الذي ترنح من المفاجئة.
- يا إلهي!
قال وهو ينظر إلى الممرضة التي حملت الطفلة المدرجة بالدماء نحوهما لتمسكها ألكسندرا بسعادة وكأنها نسيت كل المعاناة التي شعرت بها منذ قليل.

- مير! قالت ألكسندرا بصوت متقطع وهي تنظر نحو ليام والذي شلت الصدمة لسانه سأسميها مريديث. طفلتي الجميلة...
قبل ليام جبين ألكسندرا وهو ينظر إلى طفلته بحب أبوي خالص، قبل أن يصحح كلماتها بحنان:
- طفلتنا ألكسندرا! طفلتنا!
أخيرا أخذت الممرضة الطفلة لتعتني بها. وطلبت من ليام الانتظار خارجا.
مع الخيوط الأولى من الفجر،.

فتحت ألكسندرا عينيها بتعب. كان ليام نائما على الأريكة مكتفا يديه على صدره. تأملته للحظات ظل لحيته الخفيفة التي بدأت تنمو جعله يبدو وسيما للغاية، حاولت التحرك ليفاجئها الألم، عضت على شفتها السفلى محاولة ايقاف أنينها حتى لا توقظه، لكنه فتح عينيه لينهض مقتربا منها بلهفة.
- هل أنت بخير حبيبتي؟
حركت ألكسندرا راسها ايجابا. قبل أن تقول بصوت جاف: - أين مير؟
ابتسم ليام بحب وهو يعيد ترتيب خصلاتها المتشابكة...

- لا تقلقي إنها نائمة! قال وعيناه تمسحان وجهها بشوق ليقول وقد غلب عليه التأثر لن أستطيع شكرك بدرجة كافية على هذه الهدية الثمينة ألكسندرا...
ابتسمت له، وأشرقت أساريره وهو ينظر إلى ملامحها المشرقة بسعادة، إنها تسامحه وسيمنح نصف عمره وكل ثروته فقط ليسمع كلمة أحبك من ذلك الفم الكرزي المغري، لم يحتج كثيرا وهي تقربه منها لتهمس له بالكلمة التي جعلته يشعر وكأنه مَلًك العالم...
- حقا! سأل ليام غير مصدق.

أومأت ألكسندرا برأسها بخجل قبل أن تعدل من جلوسها بصعوبة، تاركة لليام حرية تأمل ملامحها بعشق لم يعد يستطيع اخفائه.
رغم ألمها. ابتعدت لتترك له مساحة للاستلقاء إلى جانبها، ليحضنها هو بين ذراعيه ويهمس لها بكل شوقه الذي اختزنه من أجلها طوال سبع سنوات من العذاب والبحث المضني...

الخاتمة

بعد 18 شهرا،
عبرت ألكسندرا الممر المرصوف لحديقة جد ليام بكابري وهي تحمل باقة رائعة من زهور الأوركيديا الملونة. لتنظر إلى آخر الممر حيث كان ليام واقفا باعتزاز ونظراته الساحرة مسلطة عليها...
كانا قد قررا إعادة نذورهما في نفس المكان الذي تزوجا فيه منذ سنوات، هذه المرة لم يكن هنالك تهديد أو ابتزاز. فقط الحب ظاهرا على ملامحهما التي أشرقت من السعادة، بينما ينتظرها واقفا بصلابته وإلى جانبه اليساندرو، ظلت عيناه مركزتان عليها يحثها على الاسراع...
أخيرا وصلت ألكسندرا متأبطة كتف جده ليمسك يدها ونظرة شغوفة تزين ملامحه الرجولية الجذابة.

أخيرا ابتدات المراسم، تعهد خلالها ليام بأن يحبها ويحميها إلى آخر يوم في حياته بينما ترقرقت دموعها فرحا...
لقد حصلت على السعادة التي طالما حلمت بها، إلى جانب زوج محب وطفلين رائعين. تمكن ليام بحبه الكبير أن ينسيها كل آلام الماضي وهو يعدها ببداية جديدة...

- يمكنك تقبيل العروس. "قال القس بابتسامة"
اقترب ليام منها بشغف ليحملها بين ذراعيه وسط مفاجئة الجميع، ويهمس في أذنها باثارة:
- إذا قبلتك الآن مطلقا لن أستطيع التوقف!
احمرت وجنتا الكسندرا خجلا من تصريحاته لتدفن رأسها في كتفه، خطى ليام إلى الخارج حاملا زوجته بين ذراعيه تشيعهما عيون وضحكات المدعويين من تصرفه الغير متوقع.

- ما الذي سيقولونه عنا الآن؟
- سيقولون أنني أعشق زوجتي لدرجة أني لا أستطيع الصبر!
قبل عنقها بحرارة، ليضعها في سيارته المكشوفة وينطلق سريعا نحو الميناء حيث يرسو يخته، ليبدءا شهر عسل حقيقي فوق المياه الساطعة الزرقاء لخليج نابولي...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة