قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع عشر

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع عشر

مر يومان ولم تجيب على اتصالات مازن المستمرة بها، قررت ذلك بعدما داهمتها كوابيس باحلامها لحزن والدتها وغضب أخيها الاكبر منها، غادرت المدرسة وبحثت بعيناها عن سائقها الخاص وذلك بسبب غياب يارا اليوم من عملها بسبب عريسها المنتظر، وقعت عيناها الصغرتين عليه يقف بالاتجاه الاخر ينظر مباشرة لها وعلامات الضيق تحتل ملامحه، نظرت خلفها لزملائها وجدتهم مشغولين، حولت بصرها نحوه وقررت ان تعبر الطريق باقصى سرعتها، وبالفعل وصلت عنده تلهث قائلة بنبرة حانقة: انت مجنون يا مازن، جايلي هنا.

هتف غاضباً منها: ماهو علشان حضرتك مبترديش عليا.
عقدت ذراعها امامها قائلة بصرامة: اه ومش هارد عليك تاني يا مازن.
التوى فمه بتهكم: ده على أساس انك كنتي بتردي قبل كده، يابنتي احنا اصلا مكناش بنتكلم، اخرنا كان مسجات بس.
نظرت نحو زملائها بتوتر ثم عادت ترمقه برجاء: مازن بلاش كلامنا ده غلط كمان، ماما لو عرفت هاتزعل اوي مني، وممكن ابيه مالك يموتني، انت متعرفهوش هو يبان طيب بس لما بيغضب كلنا بنخاف منه.

أخرج تنهيدة قوية من صدره بسبب غبائها قائلاً: يابنتي انتي خلاص قررتي انهم عرفو، ده مجرد مسج من واحدة هبلة او واحد اهبل بيخوفك بيها مش اكتر، وبعدين متخافيش انا كلمت واحد صاحبي اخوه بيشتغل في شركة اتصالات اللي اتبعتلك منها المسج ووعدني انه يعرفلي مين ده ولما اعرف والله منا سايبه او سايبها .
ضغطت على شفتيها بتوتر قائلة بحزم: ماشي لغاية ما تعرف منتكلمش يا مازن خالص، لو سمحت انا بقالي يومين منمتش من قلقي، ولا حتى بذاكر، لو سمحت بلاش الفترة دي.

وقبل ان يتحدث كانت تشير له وتودعه وتنطلق نحو الاتجاه الاخر نحو سيارتها، زفر مازن بخفوت منها ومن خوفها. وضع نظاراته الشخصية على عيناه السوداء، وانطلق في وجهته..
كانت تظن انها قد أنهت لو جزء صغير من خوفها بعدما ابلغته بقرارها، ولم تكن تعرف ان هناك اثنان من زملائها يقفون لها بالمرصاد.
أخفض هاتفه بعدما التقط لها العديد من الصور مبتسم بخبث لنجاح خطته، اقترب منه زميله قائلاً بانتصار: ايه يا زياد اخدت صور حلوة.
أطلق صفيراً مستمتعاً بتلك اللحظة ثم قال بعدها: شوية صور انما ايه، هايبقوا في الجون.

هتف الاخر بحماس: طيب ايه قولي هاتبعتهم امتى لاخواتها.
أشار له لكي يهدأ قائلاً: واحدة واحدة بالهداوة، لازم اسويها من الخوف الاول.
صفق الاخر بحماس قائلاً: ايوه بقى شكل الحكاية هاتحلو، و ه نكسر مناخيرك يا ليلة قريب.

بجريدة الحرية ..
راقبت زميلتها بالعمل وهي تتلقى طلباتهم عبر الهاتف المخصص للكافيه، احتدت ملامحها بغضب قائلة: هو انا مش عاوزه ازعلك يا قمر بس مش معقول يعني من وقت ما جيتي وانتي اللي بتاخدي طلباتهم، كده هايقولوا عليا مقصرة، وانا عمري ما قصرت معاهم في حاجة .
هتفت الاخرى بهدوء: على فكرة والله ما ذنبي، استاذ عمار أمر انا اخد طلباتهم وانتي لطلباته هو بس.
همت تقف بضيق قائلة بغيظ من افعاله المفاجئة: انتي بتقولي ايه!.
وضعت الاخرى المشروبات على الطاولة قائلة: لو مش مصدقاني اساليه..

هتفت خديجة بشجاعة: هاساله طبعا.
ذهبت صوب مكتبه وشجاعتها تزداد، وما ان دخلت غرفته حتى تبخرت في ثواني بمجرد ان رفع عيناه الزيتونية تقابلها، ليست فقط شجاعتها بل ايضًا لجم لسانها كالعادة وبقيت صامتة لعدة دقائق، حتى قطع هو صمتها قائلاً ببرود: خير!.
هتفت ببلاهة: ها..
نهض من مقعده ثم توجه نحوها حتى وقف امامها مباشرة فرفعت وجهها لاعلى لفارق الطول بينهم، أشار برأسه قائلاً: نعم؟!.
تلعثمت بحديثها قائلة: اه، يعني..

صمتت لبرهة ثم عادت تستكمل حديثها وهي توجه سبابتها بوجهه: انت ازاي يا عمار تصدر قرار زي ده، ازاي انا بس اكون مخصصة اجبلك طلباتك والبنت الجديدة دي هي اللي...
قطع حديثها وهو يقبض على سبابتها قائلاً بصرامة: نزليه علشان متزعليش، واه انا حُر اعمل اللي انا عاوزو.

انزلت يديها وحاولت التحلي بالصبر امامه، فهذا أخر شخص بالعالم تقف وتجادله وذلك لتعنته وعناده...تنهدت بخفة ثم قالت بنبرة هادئة: عمار، لو سمحت انت كده بتسوء سمعتي يقولوا عليا ايه بقى، هايطلعوا عليا كلام وحش، لو سمحت علشان خاطري الغي قرارك ده ونرجع زي الاول، فكر في كلامي هاتلاقيه صح وعين العقل.
رسم ابتسامة هادئة على وجهه ليقول: صح فعلا.
زفرت براحة عندما وجدته هادئًا واقتنع أخيراً بوجهة نظرها وقبل ان تتحدث كان هو يضع اصبعه على ثغرها قائلا بنبرة جنونية: هششش، علشان انا هاعرفك عين العقل والصح.

شهقت عندما وجدته يجذبها خلفه بسرعة، وغادر غرفته وقف امام مكاتبهم قائلاً بصوت مرتفع: لو سمحتوا، بصولي كده ثواني .
انتبه الجميع لهم، فحبست انفاسها في تلك الثواني مفكرة ماذا سيقول لهم، لم تعد تستطيع تكهن ردة فعله، عمار أصبح مفاجئ بكل شئ، شعرت به يمسك يديها ثم رفعها عالياً ليقول: انا وخديجة اتجوزنا، باركولنا.

ارتفت اصواتهم بالتهاني متمنين السعادة لهم، اكتفت بهز رأسها مع ظهور ابتسامة صغيرة على ثغرها، شعرت به يجذبها نحو مكتبه مرة أخرى، دلفت خلفه قائلة بصدمة: عمار انت عارف عملت ايه!.
أجابها بلامبالاة: عارف كويس، انا مبخطيش خطوة الا وكانت عامل حسابها من زمان.
عقدت ذراعيها قائلة بتهكم: واقدر اعرف ايه اللي انت ناوي عليه، من باب المعرفة بالشئ.
ارجع ظهره للخلف مستنداً براحة على كرسيه الوثير قائلاً: وماله، الخطوة الجاية انك هاتطلعي دلوقتي تروحي لان مبقاش ينفع زوجة رئيس مجلس الاداره تبقى بتشتغل في كافيه ...

احمر وجهها بغيظ من عنجهيته، فاكمل هو حديثه: يالا هاتلاقي السواق واقف برة مستنيكي.
هتفت باستنكار: سواق!.
عمار بابتسامة مستفزة: اه، ومن هنا رايح هاتتحركي بيه، لغاية مانشوف هتحتاجي مهلة قد ايه وتبلغي ايلين وتيجى بيتي..

همت ب أن تعارضه، فقاال هو بحدة خفيفة: وقبل ما تعارضي، ده علشان حمايتك من ابوكي، لما نشوف اخرته ايه!، يالا علشان متتأخريش.
وقفت كالصنم لا تتحرك، كل ما تفعله تحدق به فقط، تريد اختراقه ومعرفة ما يدور بداخله، أصبح مختلفاً كلياً عنها، لقد جن بالفعل، في الثانية الواحدة تشعر بمئات المشاعر المختلفة والمتناقضة منه، وكأنه يصارع نفسه لاظهار شخصية غير شخصيته الحقيقية..
انتفضت عندما ارتفع صوته أمراً اياها ان تغادر وتنفذ أمره، التفت لتغادر وضعت يديها على مقبض الباب وقبل ان تديره قالت: ايلين عازمك على العشا انهارده، هي قالتلي اقولك ... سلام.

جهز نفسه وارتدى قميصا باللون الاسود القاتم كحال ليلة ذلك المعتوه سراج، عدل من وضعية شعره وجعله مبعثرا، ف بدى كرجل مافيا خطير، راقبه مالك باهتمام وحاول كتم ضحكاته، التفت له فارس قائلا بضيق: بتضحك على ايه..
نهض مالك من جلسته ثم وقف امامه قائلاً: ايه يا فارس انا حاسس انك رايح تقتله فعلاً، ايه شغل المافيا ده.
جز على اسنانه بغيظ: اقعد اتريق انت، وسايبني انا البس في الحيط .
ربت مالك على ذراعيه قائلاً بمزاح: لا اجمد كده يا بطل، لسه قدامك ليلة عاوزه صبر.

نفض فارس يديه بغضب: بطل هزار، قولي اعمل ايه في خطتك الرهيبة، وريني شغل الظباط.
رفع مالك أحد حاجبيه قائلاً: رغم ان انا حاسس انها تريقة، بس بص انا هابهرك..
تحرك صوب باب الشقة قائلاً: ابهرني يا مالك، ايه اول حاجة في الخطة بقى.
غادرا الشقة ثم وقفا امام المصعد فقال مالك وهو يهز كتفيه: ولا حاجة .

انقض فارس عليه يمسكه من مقدمة سترته قائلاً بغيظ: انت عاوز تفرسني ياخي، انت اكيد ضدي.
حاول مالك ابعاده عنه قائلاً: ابعد يا زفت، وضعنا مش ظريف.
ابتعد فارس قائلاً بتوعد: لو مقولتش حالاً ايه اول حاجة اعملها، هاروح اخطف اختك واتجوزها غصب عنها وعنك وعن التخين.
وقف مالك امامه ناظراً في عيناه مباشرةً ليقول بحدة وتحدِ: اعملها كده، وانا هاقتلك بعدها .

تراجع فارس ليقول بحنق وعصبية: طب قولي اعمل ايه!..
اتجه مالك صوب الدرج وخطى اول خطواته عليه قائلاً: قولتلك ولا حاجة، روح عادي واتعامل عادي جدا، واعرفه كويس ولما تيجي نتكلم بهدوء واكون عرفت رأي يارا.
وصل المصعد فاستقله فارس قائلاً بغيظ: بارد اوي، اقسم بالله بارد قوي .

وصل امام منزل صديقه، قرع الجرس، فظهر امامه عمرو مبتسماً: تصدق كنت بحسبك العريس .
تخطاه فارس قائلاً: ليه هو هايبقى حلو كده زي.
غمز له عمرو قائلاً: يا واثق انت.
دلف الى الصالون وجدهم جمعياً مجتمعين عدا هي، شعر بالغضب يتزايد بداخله، فكان يريد رؤية ثيابها اولاً قبل ذلك الفظ...اقترب من والد مريم قائلاً: ازيك ياعمي.
نظر له شريف وحيّاه برأسه: ازيك يا فارس اخبارك.

جلس بجانبه قائلاً بسخرية حاول اخفائها في حديثه: انا زي الفل.
قالت ماجى: لما عرفت ان شريف نزل اجازة قولتله يجي يحضر، انا اخويا وامي مسافرين ومالك في شغله وانتو مكانهم.
هتف شريف مؤكداً: طبعا يا ماجى، احنا عنينا ليكي، ول يارا، الا قوليلي هي والدتك وأحمد اخوكي مش ناوين ينزلوا بقى .
تنهدت بحزن: لا، اتحايلت عليهم كتير، المشكلة ان امي وحشتني اوي.
هتفت ليلة: ان شاء الله يا مامي ينزلوا قريب ويستقروا معانا.
قرع الجرس مره اخرى فنهض عمرو قائلاً: ده باين عليه العريس.

عدل فارس من وضعية جلوسه، وكأنه سيدخل حرباً لتو، رمقه شريف بتعجب، دلف سراج ووالدته خلف عمرو..نهضت ماجي ترحب بهم وايضاً شريف ماعدا هو لم يتحرك من مكانه ولم يحاول حتى تحيتهم، وكانهم هواء لا يراهم، احمر وجهه ماجى من فعلته، اما شريف فتعجب اكثر لفعلته تلك، نظرت ليلة وعمرو لبعضهم وعلامات الاستفهام تملئ وجوههم..بينما سراج جلس مكانه ورسم على وجهه ابتسامة النصر فمهما فعل خصمه الليلة هو المنتصر... بعد فترة من التعارف دلفت يارا ترتدي فستان أزرق يرسم جسدها ببراعة وحجاب ابيض انار وجهها، صافحتها والدته بحرارة كبيرة، وهي تنظر لها بسعادة فهى جميلة حقاً كما وصفها ولدها لها، تخطتها واقتربت من سراج فمد يده لكي يصافحها، نظرت هي ليده وشردت لثواني، اغمض فارس عيناه هامساً: متسلميش متسلميش .

انتبه للكزة شريف قائلاً بخفوت: انت كويس يا فارس.
هز رأسه بنفي ليقول: لأ.
قطب شريف ما بين حاجببه متسائلاً باهتمام: فيك ايه يابني .. قولي، عيان فيك حاجة .
حول بصره نحو يارا وجدها تصافح سراج بجمود، لاحت بذهنه فكرة حقيرة يفسد بها تلك الليلة لم يعد باستطاعته ان يتحمل ما سيحدث، التفت لشريف واتقن التمثيل ليقول بصوت خافت: بطني بتموتني، معرفش حاسس ان هاموت، آه...
آه خافتة، والاخرى كانت مرتفعة لدرجة انهم انتفضوا برعب نحوه حتى هي ...
قالت ماجى بقلق: في ايه مالو يا شريف.

كان منحيناً صوب شريف وعندما رأى يارا تقف بالاتجاه الاخر، انحنى نحوها واصدر عدة تأوهات خافتة .
نهض شريف ليقول بتوتر: شكل في بطنه حاجة، يالا نوديه المستشفى..
اتسعت عيناه رعباً، ماذا مشفى!، كان بمخيلته افساد الليلة بالتظاهر بالمرض وينتهي بتأجيل الموعد، ليست مشفى من الواضح انه اتقن التمثيل بزيادة، شعر بيدها تحاول مساعدته للنهوض قائلة: يالا بسرعة باين عليه عيان اوي.
حسناً فشكراً للمشفى ولتمثيله ولشريف ولكل شئ ساعده في افساد ليلة ذلك الابله..

استقل السيارة بجانب شريف وفي الخلف جلست ماجى وعمرو، أين هي، يريد ان يسألهم، لما لا تأتي..لجم لسانه وحاول ان يستدير برأسه ناحية النافذة ليرى أين هي، وبالفعل نجح وجدها تستقل سيارة سراج ومعاها ليلة، اطمئن قلبه لوجود ليلة معاها...
وصلا الى المشفى وحاول عقله ان يسعفه ان يخرج من ذلك المأذق دون ان يفقد وضعه وهيبته امامهم..
وقف الجميع بالغرفة حتى دلف الطبيب فقطب ما بين حاجبيه قائلاً: ده كله في اوضة الكشف لا لو سمحتوا كلكو برا.
اطمئن قلبه قليلاً، وعادت الروح لديه، ولكن سرعان ما انسحبت عندما قال شريف: انا هاكون موجود، يالا اطلعوا انتو...

تعلقت عيناه بعيناها وهي تغادر الغرفة، أخيرًا شعر بخوفها وقلقها عليه، أخيرًا اطمئن قلبه انها مازالت تكن له بمشاعر، بعدما بدء بفقد الامل بها وخاصة بعد رفضها المتواصل له، رأى ذلك الفظ يدفعها للامام لكي تغادر الغرفة، فخرجت منه تأوه قوية قطب الدكتور جبينه بعدها: يا خبر انت عيان لدرجاتي..
قال شريف بقلق: اه جداً، بييصرخ من بطنه، طمنا لو سمحت عليه..
هتف الطبيب بهدوء: متقلقش هاكشف اهو ونطمن
أراح رأسه على سرير الكشف واستسلم ليد الطبيب وسماعته التي تستمع لدقات قلبه، تمنى ان تستطيع هي ان تستمع دقاته لتعلم ما فعل حبها به..

بشقة مالك..
دلف للمطبخ وجدها تقف امام الثلاجة بحيرة وعيناها تنتقل من هنا الى هناك، اقترب منها ليقول: بتعملي ايه يا ندى.
اغلقت باب الثلاجة قائلة: محتارة اعمل كيكة بالبرتقال ولا كيكة بالشكولاته.
التقطت المكونات بين يديها تنظر لهم بحيرة، جذبهم من بين يديها ووضعهم على الطاولة: ولا دي ولا دي، تعالى هانخرج برة شوية.
مطت شفتيها للامام قائلة: لأ ماليش مزاج اخرج.

هتف بتهكم: امال ليكِ مزاج تقعدي في المطبخ.
ندى بضيق: ولا حتى المطبخ، انا عاوزه اعمل حاجة جديدة..
اقترب منها يشاكسها: طيب اهو قولتي تعملي حاجة جديدة، انتي بقى في اهم مرحلة من حياتك ياندى، انتي متجوزة جديد يا ماما..
وجدها شاردة بوجهه، فجعد جبينه ليقول بمكر: سرحانة في الجواز صح ...
لم يكمل جملته بسبب تصفقيها الحار، لتقول: بس وجدتها احنا نلعب كوتشينه.
رمقها بسخرية ليقول: هي دي فكرتك عن الجواز.

هتفت برجاء طفولي: يالا نلعبها علشان خاطري، انا شاطرة فيها أوي.
ابتسم مالك ليقول بنظرة ماكرة: نلعبها بس باحكام، اصلها متبقاش ليها طعم الا بالاحكام.
صمتت لبرهة تفكر لتقول بتحذير: ماشي بس اوعى تقولي انزلي السلالم او اطلعي بلكونة اصرخي، الاحكام في الشقة هنا.
ضحك بقوة قائلاً: عيب عليكي، هو انا تافه لدرجاتي، انا هاحكم احكام عميقة .
غادرت المطبخ لتقول: طيب هاروح اجيبها وانت تعال ورايا..
همس مالك بحماس: ياسلام، هاتلاقيني في ضهرك.

عدل الطبيب الابرة المثبتة بيد فارس، واطمئن على سريان المحلول ليقول: بس يابطل المحاليل دي هاتروقك.
هتف شريف بقلق: خير يا دكتور.
انشغل الطبيب بكتابة الدواء فقال: مفيش شوية مشاكل في معدته هاتتحل باذن الله.
اعطى الورقة لفارس قائلاً: جيب الدوا ده وانت مروح وهاتبقى زي الفل .
أكمل حديثه ووجه لشريف: لو سمحت تنادي حد من التمريض بس تيجي تراقب المحلول..

كان يحدثه تحت صدمة فارس التي لم يستطيع اخفائها، دواء ماذا، ومرض ماذا، ماذا يفعل ذلك الطبيب، غادر شريف، فالتفت اليه الطبيب يوبخه: مش عيب لما طويل كده وراجل قد الدنيا وتبقى اهبل.
اتسعت اعين فارس بصدمة، ليكمل الطبيب حديثه: انا قولت كده علشان مطلعكش كداب وخصوصا انك زي الفل، محاليل دي جلكوز، والدوا ده فيتامينات مع انك مش محتاجهم...

دلفت الممرضة ومعاها شريف ودلف خلفه بقيتهم عدا هي انقبض قلبه، أيعقل ان تكون تركته وذهبت وشرد بتفكيره ولكنه عاد عندما وجدها امامه تجلس بهدوء على مقعد بجوار والدتها، انهت الممرضة عملها، فشكرها فارس: خلاص مالوش لزوم تقعدي معانا، شوفي انتي شغلك، معايا أهلي مش هايسيبوني.
هزت رأسها باستيحاء ثم خرجت، فنهضت والدة سراج: طيب يالا بينا يابني، ونبقى نجتمع في وقت تاني انسب.

جز سراج على اسنانه بغيظ وخاصة عندما شعر بتمثيل فارس ليقول مؤكداً وهو ينظر بعيني فارس مباشرة والتحدِ يملئ عيناه ونبرة صوته: اكيد ياماما، لازم نقدر الظروف، المهم هاتصل بحضرتك يا طنط اخد معاد تاني عن اذنكوا...
غادروا تحت نظرات فارس الحانقة، فخرج خلفهم ماجى وشريف وعمرو يودعوهم معتذرين عن ما حدث... ف بقيت هي وحدها معه... حاول استطعافها بنظراته وتمثيله للوجع لعلها تتحرك وتأتي بجانبه ولكن لا فائدة فبقيت هي ساكنة، تنظر له فقط..حتى قطعت هذا الصمت بوضعها سااق على الاخرى، فاشار هو للماء قائلاً: يارا هاتي المية دي وشربيني... تعبان اوي.

ظهر على وجهها علامات الامتعاض لتقول: متستعبطش يا فارس، انت زي الفل ما شاء الله..بس ان كنت فاكر انك كده ضيعت على سراج الليلة، ف متقلقش هاتخطبله بردوا ..
نهضت واتجهت صوب الباب ليقول بحنق: على جثتي يا يارا.
هزت كتفيها بلامبالاة قائلة باستفزاز: هانقرأ الفاتحة امتى؟..
غادرت الغرفة، فخرجت من فمه قذائف وسباب لاذع، حاول تهدئة نفسه والعودة لثباته قائلاً: اهدى يا فارس..،اهدى، هي عاوزه تعصبك.
غادرت الغرفة فوجدتهم امامها، وجهت حديثها لعمرو: يالا اطمن عليه وتعال وصلني علشان تعبانة .

هز رأسه بموافقة، تقدمت من الدرج وهي تبتسم بنصر وخاصة بعدما علمت بامر تلك التمثيلية وتتذكر كلمات الطبيب وهي تقف امامه تستعطفه ليخبرها بحالته الصحية
_ يابنتي اهدي هو كويس والله، والله كويس، ده بيمثل شكله عاوز يهرب من حاجة، ف مثل انه عيان..
عادت من شرودها، وضحكت باستمرار على تفكيره وفعلته الحمقاء تلك، اقسمت بداخلها ان تذقيه مرارة الفراق كما هو اذاقها من قبل بلا رحمة، حان الوقت ان يتذوقها ليعلم قسوة مرارته ومرارة وجعه.

بشقة مالك...
جلست امامه ترمقه باهتمام وهو يتحدث ويشرح لها قواعد اللعبة، عقدت حاجبيها بعدم فهم قائلة: ازاي يعني علبتين فيهم احكام .
وضع الصندوق امامها وبداخله عدد لا بأس به من الاوراق الصغيرة والمطوية: ده يا ستي العلبة بتاعتك فيها احكام تخصك لو انتي خسرتي هاتسحبي ورقة وتنفذي حكمها...

أكمل حديثه وهو يضع الصندوق الاخر امامه: وده بردوا علبتي وفيها احكام لو انا خسرت هاسحب ورقة وانفذها تمام..
رمقته بعد دقيقة من الصمت، لتقول بتحذير: بس اوعى يكون فيها ضرب.
اعطاها ورق الكوتشينه بيدها ليقول: مبمدش ايدي على بنت، وبعدين قولتلك الاحكام اعمق من كده بكتير.
أنهى حديثه بغمزة خفيفة من طرف عينيه، ليقول بحماس: يالا نبدأ.

هتفت يارا بنفس حماسه ولكنه مصاحب لخوف بسيط وخاصة عندما لاحظت تلك النظرة الوقحة بعيناه: يالا ..
توترت ببدء الامر بسبب انشغالها بالتفكير بالاحكام التي كتبت بالاوراق الصغيرة، ف أدت الى خسرتها، حتى صفق هو بحماس: مبروك يا ندى، خسرتي اول جولة يالا بقى اختاري حكم.

نظرت للصندوق بتفكير، فحثها هو على الاختيار، اختارت ورقة فتحتها وقرأتها بهمس: بوس اللي قدامك.
شهقة قوية كتمتها، رفعت عيناها له ترمقه بخجل، فرأته يبادلها بنظرات ماكرة، ليقول بحماس: يالا نفذي اللي في الورقة .
القتها بعيداً قائلة بتوتر: لا هاختار واحدة تانية .

مدت اصابعها تلتقط ورقة اخرى مع تذمره الكامل لعدم تنفيذها للحكم الاخر، قرأت بهمس وعيناها تتسع تدريجياً من وقاحته: احضن اللي قدامك لمدة ربع ساعة، ها لمدة ربع ساعة .
القتها هي الاخرى وكان التذمر من نصيبها لتقول: ايه ده ايه الاحكام دي.
رفع حاجبيه مستفهماً ببراءة: مالها!.
هتفت سريعاً: قليل...

بترت جملتها وصمتت، حتى قال هو حانقاً: لا انتي بتبوظي اللعبة، يالا اختاري واحدة تانية وهاتنفذيها.
زفرت بخفة وهي تقرأ الاخرى، حمدت ربها ان حكمها اخيراً باستطاعتها تنفيذه: قول كلمة حلوة في حق اللي قدامك.
اتسعت ابتسامتها لتقول: اممم، حاسة انك طيب اوي.
بادلها بابتسامة مقتضة قائلاً: انتى بتكلمي ابن اختك، بعدين اشمعنا دي اللي نفذتيها، على العموم شكراً..
غمزت بطرف عيناها لتقول قاصدة اغاظته: العفو..يالا بقى نلعب جوة تانية وان شاء الله اكسبك.

اعطاها الاوراق بيديها ليقول بمكر: لازم تكسبيني المرادي.
لم تفهم حديثه او بمعنى أصح ركزت باللعب حتى لا تخوض تجربة الاحكام مرة اخرى..اوشكت على الانتصار ودقيقة اخرى ستعلن انتصارها بسعادة، ولكن في الحقيقة هو من قصد الخسارة امامها..
ندى بحماس: اختار يالا حكم وهاتنفذه.
ضحك مالك ليقول: طبعا، انا متشوق اصلا للاحكام بتاعتي .

قطبت جبينها و رمقته بعد فهم، حتى سمعته يقرأ: بوووس...
اشارت له صارخة: لا والله ابداً انا عفيتك عن التنفيذ.
هز رأسه بنفي ليقول: ابداً هانفذه..
وقفت بسرعة قائلة: خلاص انا مش هالعب،زهقت..
اتسعت عيناها عندما وجدته يقف ويقترب منها قائلاً بمكر: انا حاسس بتأنيب الضمير ان مخلتكيش تشمتي فيا، لازم انفذ الحكم.
وضع يديه على خصرها، فتوترت هي حاولت الابتعاد ليقول باصرار: والله ابدا لازم انفذه وبااتقان.

حاول عقلها اسعافها للخروج من تلك الورطة، حتى قالت وهي تنظر خلفه: ايه ده مين ده.
ابتسم بمكر: قديمة، العبي غيرها.
همست باسمه باستعطاف: مالك..
اغلق عيناه زافراً بخفة ليقول: متقوليش اسمي كده.
هتفت ببلاهة: ليه، مقولش ليه!.
فتح عينيه ليقترب بوجهه أكثر منها قائلاً: بيخليني عاوز اعمل كده.

لثم شفتيها برقة، تراخى جسدها بسبب تلك العاصفة التي داهمتها بقوة فجعلتها في دوامة من المشاعر كلما حاولت ان تبتعد تغرق أكثر بها، اما هو فكان شعوره لا يقل عنها، بل ارتفعت حرارة جسده لملمس شفتاها الرائع، ابتعد عنها ببطئ وهو يتفحصها بهدوء، دفعته عنها بقوة وركضت صوب الغرفة تحتمي بها واغلقت الباب خلفها وهي تلهث، لمست شفتاها باصابعها قائلة: ده طلع مجنون، مجنون ايه ده قليل الادب.
راقبها وهى تبتعد وتختبئ منه، تنهد ونظر للاوراق الملقاة ارضاً: لا حكايه الكوتشينه دي طلعت تحفه.

بشقة خديجة ..
رفعت الاطباق من على الطاولة لتأمر الصغيرة: ايلين اغسلي ايدك يالا..
امتثلت الصغيرة لامرها، امسك عمار بعض الاطباق وذهب خلفها للمطبخ، استدرات هي تزامناً مع دخوله فاصطداما ببعضهما، ابعد الاطباق عنها حتى لا تسقط ف وضعت خديجة يديها على صدره كحركة تلقائية، رفعت عيناها ترمقه بتوتر فمن المؤكد سيوبخها عن فعلتها تلك، عقد حاجبيها عندما وجدته مستكيناً ينظر لها باشتياق، عضت على شفتيها السفلى خجلاً من نظراته وزاغت انظارها، مد اصابعه يحرر شفتاها ببطء وهي لا حول لها ولا قوة كل ما في وسعها هو اغلاق عيناها والاستمتاع بتلك اللحظة التي قد لا تتكرر، اقترب بوجهه منها وكاد ان يلتهم شفتاها كالمغيب لولا هتاف الصغيرة الذي ايقظه في اخر لحظة وجعله يعود لطبيعته القاسية، ابتعد عنها فشعرت هي بالفراغ، نعم فراغ قاتل بعد كم من المشاعر الدافئة التي شعرت بها تحت لمسته لها...

انتبهت على الصغيرة تقول له: عمار ممكن تبقى تيجي معاايا المدرسة بكرة، في حفلة وقالوا نجيب بباهتنا معانا وانا معنديش بابا، تيجي انت..
حولت خديجة بصرها نحوه ترمقه برجاء فوجدت وجهه خالي من اي مشاعر، اقتربت من الصغيرة لتواسيها عندما ايقنت انه بعد دقيقة سيرفض بشكل قاطع...اما هو فاغلق عيناه بغضب من ذلك الصراع الذي بدء لتو بداخله بين قلبه وعقله، فمن سينتصر في النهاية !.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة