قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل التاسع عشر

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل التاسع عشر

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل التاسع عشر

تسائلت إيناس إلى ذاك الواقف ينظر إليها بشرود تام ويبدوا على ملامحه الإستياء والحزن: مالك يا قاسم؟
وصاحت بتساؤل وهي تنظر إليه بتشكيك: فيك إية قل لي، إية اللي مغيرك بالشكل ده؟
إستمع كليهما إلى طرقات مستأذنة فوق الباب فتحدث قاسم بنبرة صوت حادة: إدخل.
دلفت السكرتيرة الخاصة به وتحدثت بنبرة عملية: شريف نعمان برة يا أفندم وبيقول إنه واخد ميعاد من حضرتك.

تحدث إليها قائلا بتفهم: تمام، خلية يتفضل بعد دقيقتين بالظبط.
خرجت السكرتيرة وتحدث هو إلى إيناس بنبرة عملية: إتفضلي على مكتبك يا إيناس وزي ما قولت لك، هزوركم في البيت إنهاردة الساعة 8 وهنتكلم في كل حاجه.
كانت تنظر إلية بذهول وتسائلت بنبرة ملامة: إنت كلمت موكلينك وأدتهم مواعيد ومهانش عليك تكلمني حتى وتقولي إنك جاي.

تحرك إلى مكتبة وجلس بمقعدة وتحدث بنبرة جادة متغاضى حالتها وسؤالها: من فضلك يا أستاذه تتفضلي على مكتبك علشان تشوفي شغلك.
طرقت السكرتيرة الباب ودلفت تتقدم خطوات العميل الذي هز رأسه بترحاب إلى إيناس كتحية منه، ثم تحرك إلى المكتب وبسط يده إلى قاسم ليصافحه، وتحركت إيناس إلى الخارج،.

أما عدنان فكان يجلس داخل مكتبة منكب على أوراق بعض القضايا يقوم بمراجعتها بإهتمام، إنتفض بجلسته حين فوجئ بتلك التي فتحت الباب دون إستأذان ودلفت كالإعصار المفاجئ
إنتفض واقف وتسائل بهلع: فيه إيه يا إيناس، إية اللي حصل؟
بأنفاس لاهثة وعيون متسعة تطلق حمم نارية سألتة مستفسرة: كنت عارف إن قاسم جاي إنهاردة؟

زفر بضيق واسترخت أعصابه المشدودة وأرتمي بجسده بتراخي فوق المقعد ثم تحدث بهدوء: كلمني الساعة سبعة الصبح وأنا نايم وقالي إنه في المطار وجاي على القاهرة، وطلب مني أجهز له شوية ملفات خاصة بقضايا مستعجلة ولازم تدرس ويتاخد فيها قرار.
جحظت عيناها وتسائلت بصياح: ولية ما قولتليش وإحنا قاعدين على الفطار؟!

اجابها بنبرة باردة: نسيت يا إيناس، بقولك كلمني وأنا نايم، وبعدين أنا كنت فاكر إنه بلغك إنه جاي على الأقل علشان تنسقوا مع بعض القضايا المتعلقة وتشوفوا هتقبلوا إية وترفضوا إية
تحركت وجلست بمقابله وتحدثت بنبرة متوجسة: قاسم متغير معايا أوي يا عدنان، معرفش ماله، ده طلب مني أبلغ بابا وماما إنه هيزورنا إنهاردة الساعة 8 بعد المغرب، وقال إنه محتاج يتكلم معانا ضروري.

تسائل عدنان مستفسرا: طب وإنت قلقانه ليه كده، ما جايز يكون جامعنا علشان يتكلم في ترتيبات الفرح؟
هزت رأسها بتوجس وتحدثت: لا يا عدنان، أنا قلبي مش مطمن لهيأتة وهو بيكلمني، حساه حد غريب عني أنا معرفهوش، مش لاقية فيه قاسم خطيبي
ضيق عدنان عيناه وذهب بفكره لتلك الفاتنة ذات العيون الساحرة وتيقن أن سحرها الهائل هو سبب تغيير ذاك الأبلة بالتأكيد.

بعد خروج العميل من مكتب قاسم دلفت إلية السكرتيرة مباشرة وتحدثت إلية بنبرة هادئة: أدخل الزبون يا أفندم ولا تحب حضرتك تشرب حاجه الأول؟
هز رأسه نافي ثم أردف قائلا وهو يلتقط هاتفه من فوق المكتب وينظر بشاشتة: متدخليش حد علشان هعمل مكالمة ضرورية، وانا هتصل بيكي لما أخلص وأبلغك تدخلي العميل، وأكمل بنبرة تأكيدية ذات مغزي: مفيش مخلوق يدخل عليا المكتب مهما كان هو مين
ونظر إليها بتأكيد: مفهوم يا نيرة؟

أومأت له بتفهم وخرجت، أما هو فنظر بشاشة هاتفه وأبتسم تلقائيا حين نظر لنقش إسمها، كان قد قرر مهاتفتها بعدما شعر بحاجته الملحة للإستماع إلى نبراتها الحنون كي تمده بالقوة وتسانده وتدفعه للمضي قدم نحو طريق تصحيح المسار المتجة إلية، بسرعة البرق ضغط على زر الإتصال وأنتظر متلهف لإجابتها.

كانت تنتهي من إرتداء ثيابها وتلف حجابها الشرعي إستعدادا للنزول بعدما بعثت لها فايقة حسن كي تستدعيها للجلوس معهم بالأسفل
إستمعت لرنين هاتفها فتحركت إلى الكومود وألتقطته ونظرت إليه، وبلحظة تخشب جسدها بالكامل وبدأ قلبها يدق بوتيرة سريعة عندما لمحت نقش إسمة المسجل بهاتفها منذ أكثر من سبع سنوات ولم ينير بشاشتها ولو لمرة واحدة.

فاقت على حالها وضغطت سريع زر الإجابة قبل أن ينتهي الرنين وتحدثت بنبرة مرتبكة خجلة: ألو
وكأن روحه الهاربه منه قد ردت إلية حين إستمع لرنين صوتها العذب، فأجابها بنبرة يملؤها الحنين: كيفك يا صفا؟
تنهدت براحة وشعرت بسعادة تغزو صدرها من مجرد إستماعها لحروف إسمها تخرج من بين نبرات صوته الحنون: اني زينة الحمد لله، وتسائلت بإهتمام: وصلت المكتب بالسلامة؟
أجابها: واصل من أكتر من نص ساعة وجابلت موكل كمان.

شعرت بغيرة إقتحمت قلبها سريع وتسائلت بنبرة حاولت بها تخبأة مشاعرها المشتعلة بالغيرة: موكل ولا موكلة، أجصد يعني جضية لراچل ولا لست؟
قهقة عاليا وتحدث بتفاخر ورجولة بعدما إستشف غيرتها علية: راچل وشنبة يجف علية الصجر كمان، وأكمل بمراوغة وحديث ذات مغزي: طمني جلبك يا صفا.
أجابته وهي تبتلع لعابها وتلعن غبائها لظهورها أمامه بتلك الحالة المزرية من الغيرة: وهو حد كان جال لك إني جلجانة لجل ما تجول لي إطمني!

ضحك بشدة قائلا بمداعبة: الغيرة على المحبوب مشروعة يا دكتورة، وخصوصا لما الحبيب يبجا محامي طول بعرض وعيونه كحيلة ورموشة تدوب جلوب الحريم دوب
إشتعل صدرها من الغيرة ولم تدري بما تجيبه، أتقصف جبهته ككل مرة لتثبت له أن الأمر لا يعنيها، ولكن كيف وهو يعنيها، بل وحديثه أشعل النار بداخل صدرها فجعله متوهج من شدة الإشتعال
شعر بها فتحدث إليها: روحتي فين يا صفا، معترديش علي ليه، ولا أني مش حبيب عاد؟

إبتلعت لعابها وأشتعل وجهها إحمرارا ولم تستطع إخراج كلمة واحدة من فمها، فهم خجلها وأعطي لها العذر
فغير مجري الحديث كي يستدعيها إلى عالمه من جديد: نمتي بعد أني ما مشيت ولا جلجتي ومجالكيش نوم.
إبتسمت لمداعباته وقررت مشاغبتة وتحدثت بنبرة مرحة جديدة علية: وإية اللي هيخليني منامش يا متر، ده أني حتى أول مرة أنام براحة إكده من يوم فرحنا، أخدت مخدتي في حضني ونمت محسيتش بنفسي من كتر الراحة.

شعر بسعادة من دعابات تلك المشاغبة وتحدث متوعدا بدعابة: طب إعملي حسابك إن أول حاچة هعملها بعد ما أچي لك إني هاخد اللمخدة دي ونزلها في الچنية وأولع فيها
ضحكت هي وتحدث إليها متسائلا: معتسألنيش عولع في المخدة ليه؟
إبتسمت وتسائلت بدلال خشب جسده: عتولع فيها لية؟
أجابها بنبرة هائمة أذابت جسدها: عشان إتچرأت وخدت مكاني، حضن صفا ملك لچوزها وبس.

أغمضت عيناها وشعرت وكأن روحها تركتها وسرحت تتراقص في الفضاء، هل هي واعية أم أن هذا حلمها التي طالما تمنته حتى بات يراودها بغفوتها وصحوها
وأكمل ذلك العاشق بنبرة تكاد تصرخ من شدة إشتياقه: إتوحشتك يا صفا
إتسعت عيناها وفتحتهما بذهول تحاول أن تستوعب ما قيل لها على لسان متيمها وساحر عيناها، هل حقا قال أنه إشتاقني، هل نسبني إلية وان حضني هو ملك له!

إرتبكت حين سألها من جديد كي يستدعي صوتها لتعيد البسمة إلى قلبه الملتاع: عتفضلي حرماني من صوتك إكتير إكدة؟
تحمحمت وتحدثت متهربه منه: قاسم، كنت عاوزة أستأذنك في حاچة
أجابها متلهف: أؤمريني يا ست البنات.

إنتفض قلبها من كثرة حنينه عليها، تحاملت على حالها وأخرجت صوتها بصعوبة قائلة: كنت بستأذنك إني أخرچ إنهاردة بعد الظهر وأروح على المستشفي لجل ما أتابع وأشوف اخر المستچدات مع دكتور ياسر، إنت عارف إن الإفتتاح جرب وأني لازمن أطمن بنفسي إن كل حاچة بجت تمام.

شعر بحالة من الإستياء، وتملك منه شعور بالغضب والغيرة لمجرد ذكرها لإسم ذلك الرخيم الذي لم يتقبله منذ أن رأه ليلة الإحتفال بالحنة عندما كان سيتجرأ ويكشف عن جسد مالكة روحة ليعطي لها إبرة الدواء المسكن، لكنه تمالك من حالة وكظم غيظة كي لا يحزنها
وتحدث بهدوء وأستحسان: بصراحة أخر حاچة إتوجعتها إنك تستأذنيني لجل ما تنزلي تتابعي شغلك.

إبتسمت وتحدثت إلية بنبرة دعابية مستفزة: هو مش إستإذان جد ما هو إني بجنب حالي وچع الدماغ، لأن أكيد چدتي ومرت عمي هيجعدوا يجولوا لي كيف عتنزلي الشغل وإنت لساتك مكملتيش شهر چواز
قهقه عاليا وتحدث مستسلم من تلك التي تعتز بكبريائها أمامه: يا فرحة ما تمت، وأني اللي جولت لحالي إن الزمان ضحك لي والدكتورة صفا بجلالة جدرها عتستأذنك يا واد.

ضحكت بإستحياء فتنفس هو بإرتياح ثم تحدث مجبرا: روحي على شغلك بس خلي بالك على نفسك وأرچعي على شجتك طوالي
وأكمل بدعابة محببه لقلبها: وإبجي خدي المخدة في حضنك وضميها جوي بالليل لجل ما تودعيها عشان عولعلك فيها أول ما أرچع
ضحكت بشدة وضحك هو وأضطر أسف أن ينهي أمتع مكالمة أجراها طيلة سنوات حياته، شعر من خلالها بالشغف والنشوي والسعادة.

نزلت الدرج وتحركت إلى مجلس نساء العائلة وتحدثت بوجهها البشوش وضحكتها وحضورها الذي طغي على المكان فزاده إشراق: صباح الخير
رد الجميع الصباح عدا ليلي التي رمقتها بنظرة كارهه وتحدثت إليها بنبرة تهكمية: ناموسيتك كحلي يا صفا هانم.
تجاهلت هجومها اللازع عليها حين أردفت رسمية بنبرة مدلله متجاهلة حديث ليلي: يسعد صباحك يا دكتورة.
وتحدثت نجاة بوجه مبتسم وترحاب عالي يليق بتلك الصافية: منورة دارك يا بتي.

اجابتها صفا بإبتسامتها البشوش: تسلمي يا مرت عمي، الدار منورة بوجودك.
وأردفت مريم متسائلة بإبتسامتها البريئة: كيفك يا صفا، زينة؟
بادلتها الإبتسامة تحت غضب ليلي وتحدثت بنبرة حنون: الحمدلله يا مريم.
تحدثت الجدة وهي تشير إليها: تعالي اجعدي چاري لحد ما انده على حسن تچهز لك اللفطور.

تحركت إلى الجدة وجاورتها الجلوس وتحدثت بإعتراض لطيف: ملوش لزوم يا چدة، أني فطرت جبل ما أنزل، أني هجعد وياكم شوي وبعدها هروح أطل على أبوي وأمي واشوفهم عشان هروح المستشفي أتابع التچهيزات، الإفتتاح جرب وعاوزة أطمن إن كل حاچة بجت زين.
وكأن بكلماتها تلك قد أشعلت النار بقلب فايقة التي تحدثت بنبرة حقودة ظاهرة للجميع: مستشفي إية اللي عتروحيها وإنت لساتك عروسة چديدة، إنت عايزة تفضحينا بين الخلج إياك؟

أني أصلا مفهماش شغل إية اللي بتچهزي له وهتروحية بعد ما خلاص إتچوزتي!
وأكملت بنبرة خبيثة كي تكشف للجميع عدم تربية صفا بالشكل اللائق وتخطيها لإتباع الأصول: الظاهر إن سلفتي مكانتش فاضية لچل ما تعلمك الأصول زين، لأن لو كانت علمتك صح كتي جبل ما تلبسي هدومك وتنوي الطلوع تاچي تستأذني مني ومن چدك وچدتك
ونظرت إلى رسمية وتسائلت بنبرة خبيثة: مش الأصول بتجول إكدة بردك ولا أني بتحدت غلط يا عمتي؟

وقبل ان ترد رسمية التي إنعقد لسانها خجلا كان لصفا رأي أخر حيث قامت بقصف جبهتها وإفشال مخطتها قائلة: أمي علمتني وفهمتني ديني صح وربتني أحسن تربية يا مرت عمي، وديني بيجول ما أتحركش من مكاني خطوة جبل ما أخد الإذن من چوزي اللي أني عايشة في حمايتة ومسؤلة منيه، وأني جبل ما أنزل إتصلت بچوزي وأستأذنته وهو سمح لي ورحب كمان، ده غير إني إستأذنت ليلة إمبارح من كبيري وكبير الكل، نظر إليها الجميع فتحدثت مفسرة: أخدت الإذن من چدي ربنا يبارك لنا فيه.

وأني يا ست صفا، كتي خدتي مني الإذن لجل ما تخرچي؟
ولا ورد معلمتكيش إن زي ما چوزك ليه إحترامة حماتك هي كمان ليها إحترامها؟
جملة قالتها فايقة لمتابعة مخطتها الدنئ لتوقيع صفا بالخطأ
تحدثت صفا بثقة ونبرة هادئة إستفذت بها فايقة: أني إتبعت الدين والأصول وأستأذنت چوزي وكبيري يا مرت عمي ومحدش يجدر يغلطني في إكدة،.

وأكملت بنبرة عقلانية كي تتفادي خطة تلك الحية الرقطاء قائلة بهدوء وأبتسامة خفيفة: ومع إني مش مطالبة إني أستأذن من حد تاني بس أني بستأذنك في إني أخرچ يا مرت عمي، وتسائلت بإبتسامة مزيفة: راضية إكدة؟
نظرت لها ليلي وفايقة بقلبان يشتعلان غضب حين تحدثت رسمية بإستحسان: عداكي العيب يا دكتورة.

حين وجهت نجاة حديثها إلى رسمية نبرة حادة وذلك لإحراج فايقة التي لا تعطي إلى حديثها أية إهتمام أو جدية: كت عاوزة أتحدت وياكي في موضوع تأخير حبل ليلي لحد دالوك يا مرت عمي،
وأكملت بنبرة غاضبة: بصراحة إكدة الموضوع طال وبوخ وأني خلاص، معتش جادرة اتحمل وأصبر أكتر من إكدة.

إستشاط داخل فايقة ورمقت نجاة بنظرة نارية وصاحت بنبرة عالية مردفة بحدة وهي تنظر إلى صفا: ولازمته إية الحديت الماسخ اللي يحرج الدم دي جدام الغرب يا نچاة؟
تحدثت رسمية بنبرة حادة بعدما رأت حرج صفا بعيناها: غرب مين اللي عتتحدتي عليهم يا بت سنية؟، وبعدين عتعلي صوتك على سلفتك وتغلطيها ليه؟
المرة عنديها حج، صبرت ياما ونفسها تشوف عوض ولدها بيتحرك جدام عنيها، وإنت وبتك حاطين إديكم في الماية الباردة.

هتفت فايقة بنبرة غاضبة: أني مسكتاش يا عمة، ومن وجت ما بتي إتچوزت وأني بچري بيها عند الدكاترة، وكل اللي روحت لهم جالوا إن ليلي ساخ سليم ومفيهاش عيب يمنع الخلفة، اللحكاية عايزة صبر
صاحت نجاة متسائلة بنبرة حادة: لميتا هنصبروا يا فايقة، ولدي داخل على سنين ونص چواز ونفسي أشيل عوضة على يدي!
كانت تستمع إليهم والنار تتأكل بصدرها لحضور غريمتها صفا وإستماعها لهذا الحديث الذي يذبح روحها ويشعرها بالكسرة.

فتحدثت الجدة بهدوء: إجفلي خاشمك يا حرمة منك ليها، وحولت بصرها إلى صفا وتحدثت بنبرة هادئة: وإنت يا دكتورة، إنت مش شاطرة وكل سنة كتي عتطلعي بنمر زينة في الطب، متكشفي على بت عمك وشوفي لها دوا يخليها تحبل أومال؟

أجابت جدتها بهدوء: أني مش تخصص نسا وتوليد يا چدة، ده غير إني لسه ببتدي طريجي ومعنديش خبرة في شغلي، بس أني عرضت مساعدتي على ليلي جبل سابج، وجولت لها إني سألت دكتور كبير عندي في الچامعة وجاب لي إسم دكتور شاطر جوي في الموضوع ده ولية سيط وياما ستات كتير ربنا كرمها على يده
ونظرت لتلك المستشاطة وأكملت: بس للأسف، ليلي رفضت مساعدتي وطلبت مني أبعد عن الموضوع ده وما أتدخلش فيه واصل.

رمقت فايقة ليلي وسألتها بنبرة حادة: صح الحديت اللي عتجولة صفا دي يا حزينة؟
وقفت ليلي وصرخت بأعلي صوتها بعدما فاض بها الكيل: إيوة صح يا أما، وأني جولتها لها جبل سابج وهجولها جدامكم كلياتكم، لو الچنة هتاجي لي من خلجة بت ورد أني معيزهاش
وتحركت لأعلي بدموعها وغضبها على صفا الذي لو تفرق على المحافظة بأكملها لكفي وفاض.

نظرت فايقة إلى صفا وأردفت بلهفة كمن وجدت ضالتها: شوفي عنوان الدكتور ده يا صفا وهاتيهولي واني هتدلي مصر ونودوها ليه أني وأبوها
أومأت لها بطاعة حين تحدثت نجاة بإعتراض: رچلي على رچلك أني ويزن وين ما عتروحوا، بكفياكي طول السنتين اللي فاتوا وأني جاعدة كيف الهبلة ومعارفاش إية اللي عيحصل عند الدكاترة اللي عتروحولها إنت وبتك دي!

تحركت إلى منزل والدها وجدت والدتها تقف داخل المطبخ تعد أنواع الحلوي المحببة لدي زوجها الذي أصبح على مشارف الوصول، وقفت تلك الصافية وراء والدتها وأحتضنتها من الخلف دافنه وجهها داخل عنق ورد التي شعرت بسعادة الدنيا تملكت من قلبها وتحدثت بنبرة سعيدة: يا مرحب ببت جلبي اللي نورت دار أبوها
أردفت صفا بنبرة حنون: إتوحشتك جوي وإتوحشت حضنك وريحة مسكك يا ورد.

ضحكت ورد وتحدثت إليها بجرأة لم تعهد عليها: دالوك إفتكرتي حضن ورد لما فارجك حضن حبيبك!
شعرت بالدماء تنسحب من وجهها وعروقها بالكامل من شدة خجلها، فتسائلت مغيرة مجري الحديث كي تجنب حالها حديث والدتها: أومال فين أبوي، مشيفهوش في الدار يعني
أجابتها ورد بنبرة سعيدة: لساته مكلمني وجال لي إنه داخل بعربيته على أول الطريج في البلد.

لم يكملا حديثهما حتى إستمعا إلى صوته من الخارج وهو ينادي بصوته على صابحة قائلا: تعالي يا صابحة هاتي الحاچات اللي في العربية
أسرعت إلية وما أن رأته أمامها حتى رمت حالها بشغف لداخل أحضانه لتتشبع روحها من حنانه الذي لا يضاهيه حنان.

فتحدث ذاك الذي كان يشعر وكأنه يتحرك داخل صحراء جرداء في نهار صيف ساخن يتلوي عطش وفجأة وجد أمامه بئر ملئ بالمياة العذبة فجري علية ليروي ظمأه الشديد، فتح ذراعية على مصرعيهما وأحتواها داخلهما وبدأ بمسح كفه بحنان فوق ظهر غاليته وتحدث: إتوحشتك يا تاچ راس أبوكي.

أجابته وهي داخل أحضانة: مش جدي ما اتوحشتك يا حبيبي، ثم رفعت وجهها تتطلع إلى وجهه وتملي عيناها وتشبعها من شوفته البهية وتحدثت: كيفك يا حبيبي وكيف صحتك؟
أني زين ومليش زي طول ما أنت بخير، جملة نطق بها زيدان بنبرة حنون وعيون تنطق عشق أبوي.

إستمعا كلاهما لصوت تلك الغائرة التي صدح من خلفهما قائلة بدعابة: حمدالله على السلامة يا سي زيدان، طبعا معتفتكرش تسأل على المسكينة ورد ولا اللي چابوها طالما خدت حبيبتك جواة حضنك.
إنفرجت أساريره ككل مرة يري فيها غيرتها علية وتحدث مدللا إياها: مفيش حضن يعوض حنانك يا غالية، وفتح لها ذراعه وسحبها هي الاخري لتشارك صغيرته في حضنه الكبير الذي يشمل الجميع بحنانه.

بعد مده كانت تتوسط والديها الجلوس وتتناول بتلذذ الحلوي التي صنعتها والدتها بيدها
سأل زيدان صغيرته كي يطمأن عليها: قاسم عامل إية وياكي يا صفا، بيعاملك زين؟
إبتسمت خجلا وتحدثت كي تطمأن قلب غاليها عنها: الحمدلله يا أبوي، قاسم راچل صح وبيتجي الله فيا وبيعاملني بما يرضي الله
أردفت ورد بإستحسان بعدما وجدت وجه صغيرتها قد انير بعد زواجها من قاسم: قاسم راچل مفيش منيه، يشبهك يا زيدان ويشبه حنيتك.

حولت بصرها سريع على أبيها وأردفت معترضة بنبرة صادقة: حنية أبوي ملهاش زي يا أما، ربنا خلج زيدان واحد ومكررهوش
إبتسم لصغيرته وأمسك كف يدها وضغط عليه بحنان، جلست معهما ما يقارب من الساعة وبعدها إتجهت بسيارتها إلى المشفي لتباشر عملها وتتابع اخر المستجدات.

إنتهي قاسم من أدائه لبعض الأعمال المتراكمة لدية وخرج من مكتبه متجه إلى مسكنه، تناول طعام غدائه الذي جلبه معه من الخارج من أحد المطاعم ثم تحدث إلى صفا وأطمأن أنها قد عادت من المشفي،.

دلف إلى المرحاض ونزع عنه ثيابه وأتجه إلى كبينة الإستحمام، وقف تحت صنبور المياة وحول مؤشره على المياة الدافئة ونزل تحته وأغمض عيناه بإسترخاء وذلك لكي يهدئ من روعة، إنتهي من أخذ حمامه وذهب إلى تخته ليغفوا ساعتان حتى يسترخي قبل أن يذهب إلى منزل إيناس ويبدأ حربه الشرسة الذي يعلم أنها لم ولن تكن بالسهلة أبدا.

أفاق من غفوته على صوت المنبه، اغلقه وأتجه إلى المرحاض توضأ وخرج لأداء فرض الله علية، بعد مدة إنتهي وبدأ بمناجاة الله وتوسل إلية بأن يوفقه ويسانده ويدعم سعيه بالوفاء إلى الوعد الذي قطعة لعمه بأن يحافظ على تلك الصافية بالإضافة إلى عشقه الهائل الذي ظهر بقوة وبدون مقدمات
إرتدي ثيابه وقاد سيارته إلى أن وصل لمحل إقامتها وبعد دقائق كان يجلس في مقعدا مقابلا الأريكة التي تحمل ثلاثي الشر، كوثر، إيناس وعدنان.

تسائل قاسم مستفسرا: أومال فين أستاذ رفعت؟!
نظرت له كوثر التي تجلس بترقب واضعة ساق فوق الأخري وكف يدها تسند به وجنتها، ترمقه بنظرات متفحصة ثم تحدثت بحديث مقصود: رفعت في الشرقية بيحضر مناسبة عند حد قريبه من بعيد وهيبات في البلد، وبالمرة قال هيعزمهم على فرح إيناس
ثم تحدثت بنبرة مستفسرة وهي تنظر له بعيون مستشفه لما داخله بحكم خبرتها بالحياة: خير يا قاسم، يا تري عايزنا في إية، إتكلم، إحنا سامعينك.

هبت إيناس واقفة من جلستها وتحدثت بهدوء حذر: قبل ما تبدأ كلام قولي تحب تشرب إية؟
أجابها سريع بإشارة من يده: مفيش داعي تتعبي نفسك، ياريت تقعدي علشان نتكلم في المفيد
إستغرب عدنان طريقة قاسم الرسمية وملامح وجهه الجامدة وتسائل بدعابة: مالك يا أبني عامل زي اللي قاعد في مؤتمر رسمي كدة ليه، ما تفك شوية وبلاش شغل الرسم بتاع المحامين ده.

إبتسمت كوثر بجانب فمها بطريقة ساخرة وتحدثت بحديث ذات مغزي لتشجعه لما هو أت: إسمع كلام صاحبك وأدلق اللي في عبك مرة واحدة يا قاسم
أخذ نفس عميق وزفره بهدوء كي يساعده ويعطية القوة على البدأ بالحديث في هذا الموضوع المخجل الصعب
تناقل النظر بين ثلاثتهم وتحدث متشجع: أنا عارف إن الكلام اللي هقولة ده صعب علينا كلنا بس لازم ن...

ولم يكمل باقي جملته لمقاطعة كوثر التي تحدثت بإعتراض: مفيش داعي للمقدمات دي كلها يا متر، ياريت تخش في الموضوع على طول وتقول اللي إنت جاي علشانة
تحمحم بخجل فحقا الوضع ليس بالهين علية ولا عليهم وأكمل بتفهم: حاضر يا أفندم.

وأخذ نفس طويل وتحدث متشجع: للأسف أنا مش هقدر أكمل في موضوع جوازي من إيناس، حصلت حاجات كتير أوي في التلات أسابيع اللي فاتوا خلتني أراجع نفسي، ولقيت إني من الصعب أخالف ضميري وأخون بنت عمي، ده غير إن عمي خلاني أوعدة إني أحافظ على بنته الوحيدة وأني أصونها وما أجرحهاش
جحظت أعين عدنان وإيناس وباتا يدققان النظر إليه بذهول وعدم إستيعاب لحديثه.

أما كوثر التي لم تتأثر ملامحها ولو بشكل بسيط مما إستمعته من قاسم، فهي قد إستشفت بذكائها وخبرتها التي إكتسبتها عبر سنوات عمرها التي لم تكن بالهينة وعانت فيها مر الفقر وتخطي الصعاب
نظرت له وتحدثت ساخرة بنبرة باردة رخيمة: حلوة حتة الضمير اللي نزلت عليك فجأة دي، لا وملعوبة صح وكانت ممكن تدخل على حد أهبل، بس عليا أنا لاء يا أبن الأكابر،.

وأكملت بنبرة ساخرة مهينة لشخصة: إنت واعي للتخاريف والهبل اللي جاي تشتغلنا بيهم دول ولا أنت مبرشم على المسا ولا نظامك إية بالظبط؟!
إتسعت عيناه بذهول تأثرا بإستماعه إلى كلماتها المهينة والتي لا تليق بشخصيته الجادة ولكنه تمالك من حاله وتحدث قائلا بنبرة متماسكة مراعي حالتها: مفيش داعي للإهانة يا مدام كوثر، أنا مقدر إن الوضع صعب علينا كلنا، ولازم نساعد بعض علشان نتخطاه.

إعتدلت بجلستها وهتفت بنبرة حادة: وهو أنت يا حبيبي لسه شفت إهانة، بقا بعد ما ركنت بنتي جنبك سبع سنين زي البيت الوقف وضيعت عليها فرص الجواز بدري، وبعد ما جهزنا للفرح وكل قرايبنا ومعارفنا عرفوا إن الفرح بعد عشر أيام وده على حسب إتفاقك إنت وأبوك معانا لما كنتوا هنا، جاي بكل بجاحة تقول لنا معلش يا جماعة، سامحوني مش هقدر أتمم الجوازة علشان مخونش ثقة عمي فيا، ثقة مين يا أبو ثقة.

تحدث عدنان مهدء والدته موجه نظراته إلى قاسم: إهدي من فضلك يا ماما، أكيد قاسم بيهزر معانا وما يقصدش اللي حضرتك فهمتيه ده
أجابه قاسم بنبرة جادة غير قابلة للتشكيك: أنا مبهزرش يا عدنان، أنا قاصد كل كلمة خرجت مني، وأنا مستعد إني أعوضكم بالمبلغ والترضية اللي إنتوا تحددوها علشان أكفر عن غلطتي
خرجت إيناس عن صمتها متخطية صدمتها وأردفت قائلة بنبرة لائمة غير مستوعبة: إنت عاوز تفضحني يا قاسم؟

إنت مستوعب الناس ممكن تقول عليا إية لو سبتني قبل الفرح بإسبوع بعد خطوبة دامت كل السنين دي، إنت كدة بتدبحني؟
ضيق بين حاجبية وتذكر ما الذي كان سيفعلة بصغيرته تحت قيادة تلك التي تصرخ عندما تبادلت الأدوار، شعر بدونيتة وكم كان حقيرا ولا يفكر سوي بحاله اللعين وفقط.

تحدث إليها متسائلا: ولو إتجوزتك هبقا بدبح مراتي اللي ما تستاهلش مني كدة، هي خلاص، مبقاش ليها حد غيري ومش هقدر أغدر بيها تحت أي ظروف، لكن إنت لسه الفرصة قدامك في إنك تلاقي راجل محترم يحبك ويكون ليكي لوحدك من غير ما تشاركك فيه ست تانية،
هتفت بنبرة معترضة: بس أنا مش عاوزة ولا هقدر أكون لراجل غيرك يا قاسم؟

أجابها بنبرة تأكيدية: مبقاش ينفع خلاص يا إيناس، صدقيني مش هقدر، لو إتجوزتك علشان نتفادي كلام الناس هبقا بظلمك لأني مش قدر أكون لك الزوج اللي حلمتي بيه وأتمنتية
إنت بتقول إية يا قاسم، إنت مدرك وواعي للي إنت بتقوله، وصرخت بجنون قائلة: بص لي كويس يا قاسم، أنا إيناس، حبيبتك، وصاحت بصراخ متسائلة: إنت إية اللي جري لك، عملت فيك إية العقربة اللي إتجوزتها خليتك تتغير من ناحيتي بالشكل ده؟

إستشاط داخله وأحتدت عيناه حينما إستمع لإهانة صغيرته فتحدث بنبرة حادة صارمة: إيناس، صفا خط أحمر ممنوع أي حد يتخطي الحدود ويقرب منه.
وأكمل بنبرة حادة: اخر كلام عندي جواز مش هينفع، وأنا تحت أمركم في أي تعويض مادي تحددوة بنفسكم.

ونظر لإيناس لعلمه مدي عشقها للمادة وهذا ما لمسه من خلال حديثه الأخير معها وهو يحاول إقناعها بإتمام زواجه بها بعد صفا، ومنذ ذاك اليوم وهو يقوم بإسترجاع ذاكرته ومواقفها معه، شعر بالإهانة وبأنه بعناده وهروبه من هويتة وجذورة قد تغافل وسلم حاله لتلك المخادعة التي مثلت عليه العشق ولكنها أبعد ما تكون عنه.

وأردف قائلا بنبرة جاده: وأنا مستعد أكتب لك الشقة بفرشها بكل مستلزماتها بإسمك كنوع من أنواع التعويض، وأظن إنت عارفة تمنها كويس أوي، ده غير مبلغ مالي هديهولك تبدأي بيه تأسيس مكتب ليكي، لأن للأسف مش هينفع نكمل شغل مع بعض تاني في المكتب.

إشتعل داخلها عندما رأت غضب عيناه وأشتعال روحه لأجل غريمتها التي جلبتها له بأيديها، وما زاد حقدها هو تخطيته وترتيبه لخطة الإنسحاب الكامل من حياتها، نظرت له وتحدثت بفحيح وتوعد: وإنت بقا فاكرني هبلة وبريالة علشان أوافق على عرضك السخيف ده؟
وكمان عاوز تخرجني من المكتب اللي أنا بنتهولك على أكتافي وعليت إسمة في السما بتعبي ومجهودي.

وأكملت بتوعد: ده أنت تبقا غلبان أوي لو فاكر إنك ممكن تغدر بيا وترمي لي شوية فتافيت بعد ما ركنتني جنبك زي البيت الوقف كل السنين دي، وأنا هقف أتفرج عليك وأسكت زي الهبلة وأرضي،
وأكملت بتهديد صريح: ده أنا أخرب لك حياتك وأدمرك، وأهد المعبد على دماغ الكل وعليا وعلى أعدائي يا قاسم.

رمقها بنظرات نارية وهتف بصياح: لما تيجي تتكلمي مع قاسم النعماني تبقي تتكلمي على قدك يا شاطرة، وقولتها لك قبل كدة وهقولها لك تاني، مش أنا اللي بتهدد ومليش إيد بتوجعني علشان أتمسك منها وأتوجع،.

وأكمل مذكرا إياها: وبلاش تعيشي في دور المظلومة اللي إتغدر بيها لأن بصراحة الدور مش لايق عليكي، وأحب أفكرك إن الخطة دي كلها كانت فكرتك من الأول وتمت تحت رعايتك وإشرافك، فياريت متحملنيش الذنب لوحدي، دي خطة دنيئة من تأليفك وأنا إشتركت في تنفيذها وخدعت بيها عمي وجدي ولأخر لحظة كنت هدبح بيها بنت عمي بدون رحمة، جاية تصرخي لما الأدوار إتبدلت وأتحطيتي مكانها،.

وأفتكري إني من الأول كنت رافض إني أكمل في لعبتك دي، وكنت ناوي أتخلي عن كل حاجه وأبدأ معاكي من الصفر ونبني نفسنا بنفسنا، لكن إنت اللي طمعتي وأصريتي إننا نكمل،
ورفع كتفيه وأردف بهدوء: وأدي النتيجة، ولازم تتقبليها
وأكمل بتألم حقيقي: وإوعي تفتكري إن إنت لوحدك اللي هتطلعي من الموضوع ده خسرانة، أنا كمان خسرت كتير أوي ولسة هخسر، خسرت ضميري اللي فقدته أثناء رحلة السبع سنين العجاف دول.

وأسترسل حديثه بنبرة حزينة متألمة: و كفاية إني هعيش عمري كله وأنا بحتقر نفسي ومستصغرها على كذبي طول السنين دي على أهلي، وكفاية كمان إني هقضي اللي باقي حياتي وأنا جبان ومعنديش الجرأة إني أعترف لهم بالمؤامرة الحقيرة اللي لعبتها عليهم
تحدثت كوثر بهدوء مريب: إهدي يا قاسم وما تخليش شوية عواطف هبلة تتحكم فيك وتحركك زي قطع الشطرنج، تعالي نتكلم ونحسبها مع بعض بالعقل.

وأكملت بنبرة صادقة: لو فاكر إني هضحي بسمعة بنتي بشقة وشوية فلوس تبقا غلطان وحساباتك خرمت منك، إحنا من الشرقية يا قاسم، يعني من الاخر ناس فلاحين ولينا أصل وعيلة، واللي إنت جاي بتقوله ده تطير فيه رقاب.

ده غير إن بنتي خلاص، عدت 31 سنة وفرصها في جوازة كويسة من شاب ظروفة مناسبة قلت، ده غير إن أبوها كان قلقان ومكنش موافق على الموضوع كله من الأول وأنا اللي ضغطت علية لحد ما أقنعته، يعني لو عرف قرارك ده أقل حاجه هيعملها معايا ده لو يعني طلع كريم، هيطلقني ويرميني في الشارع رمية خيل الحكومة، يعني إنت كدة بتخرب بيتي.

وأكملت بشرح: ده غير أهلة اللي مش هيسكتوا لما يعرفوا إن بنتهم اللي ليها سبع سنين مخطوبة لواحد شغاله معاه في مكتبه
وأكملت بنبرة خبيثة كي تستدعي قلقة: واللي ساعات بييجي عليهم وقت والمكتب ده بيفضي عليهم هما الإتنين لوحدهم.

إتسعت عيناه من تلميحاتها الغير أخلاقية بالمرة فأكملت هي: تفتكر إن ناس فلاحين زي دول عندهم الشرف أهم من النفس اللي بيتنفسوة هيقفوا يتفرجوا على بنتهم وسمعتها اللي هتبقا في التراب ويسكتوا؟
كان يستمع إلى حديثها بقلب يتمزق وروح مؤرجحة، فبرغم خبث تلك المرأة وتلاعبها بالحديث إلا انها محقة بتفكيرها وبنظرة المجتمع لإبنتها،.

ساخط هو على حاله وغباءه وتشتته الذي أوصله لتلك النهاية الحرجة والمؤلمة للجميع، مشفق هو على تلك الأم التي تحاول جاهدة أن تنقذ سمعة إبنتها ويعطيها الحق ولكن لم يعد الأمر بيده، هو قام بقطع وعد على حاله قبل عمه بأن يحمي تلك الصافية وبأن لا يقوم بجرحها والغدر بها مهما كلفه الامر من خسائر، يكفي بأن يكون رجل في حماية إمرأته.

زفر بهدوء ثم تحدث بنبرة حزينة: أنا مستعد أسافر لأهل أستاذ رفعت بنفسي للشرقية واشرح لهم موقفي الصعب وهكون تحت أمرهم في كل اللي يحكموا بيه، ولو أضريت أتنازل ل إيناس عن كل مليم كسبته طول سنين شغلي أنا موافق.

تحدث عدنان بعدما رأي دموع شقيقته وعدم إستيعابها لما يجري من حولها: الحكاية مش حكاية تعويض وفلوس يا قاسم، إنت وإيناس بينكم حب وعشرة وأيام ومواقف حلوة كتير، إزاي هترمي كل ده ورا ظهرك وبسهولة كده تتخلي عنها.

وقف منتصب الظهر وتحدث بهدوء وهو يغلق زر حلته استعدادا للمغادرة: أنا قلت كل اللي عندي يا عدنان، وصدقني الموضوع صعب عليا أكتر منكم، لكن ساعات الدنيا بتجبرنا نغير طريقنا اللي كنا راسمين نكمل فيه، أنا مستني قراركم النهائي وزي ما قولت، أنا تحت أمركم في كل اللي هتطلبوة
وقفت كوثر وصاحت بنبرة عالية غاضبة: لا ده أنت عبيط بجد بقا ومش فاهم إنت بتعمل إية!

وأكملت بتهديد صريح: ده أنا هخرب الدنيا وههدها فوق دماغك وهروح لجدك وعمك اللي إنت خايف منهم دول وهفضحك قدامهم وهقول لهم على كل حاجه، هقول لهم إن ابنهم المحترم كان بيلعب بيهم طول السنين اللي فاتت وكان ناوي يتجوز على بنتهم،.

بس البية شكله خاف للموضوع يتعرف ويخسر الملايين اللي هيورثها من ورا عمه وجده، وقال لنفسة بدل ما أخسر مغارة على بابا اللي ههبش منها، أرمي إيناس في أقرب صفيحة زبالة وأكمل أنا وأستمتع بالعز ده كله لوحدي
كان ينظر إليها مذهولا، أهكذا يرونه بأعينهم، رجل حقير دنئ لا تهمه سوي المادة!

إحتقر حاله ألاف المرات ولامها على إلقاء حاله وسط أحضان هؤلاء الأفاعي، ولكن ما كان يشغل عقله ويبث القلق داخل روحه هو تهديد تلك الحية الرقطاء بإخبار عمه، ماذا سيفعل لو علمت صغيرته بتلك المؤامرة الحقيرة،.

هو لا يخشي معرفتها ولكن ليس قبل أن يبني بينهما جسورا طويلة من الثقة لتأسيس حياتهما وبناء أساس متماسك وهذا ما يعمل علية حاليا ويحاول جاهدا، حتى يكن له رصيدا كافيا لديها كي يشفع له عندها ويمحي خطاياه، وحينها سيذهب هو إليها ويعترف لها بكل ماضية المؤلم ويتوسل إليها طالب منها السماح والغفران
تحدث بنبرة تعقلية إستطاع إيجادها بصعوبة: بلاش ننهيها بالشكل ده، خلينا نفارق بالمعروف زي ما بدأنا.

تحدث عدنان بنبرة حزينة: مفيش معروف في الغدر يا صاحبي، هو ده تقديرك لمشوار صداقتنا الكبير، يا خسارة يا قاسم
تحرك قاسم إلى الخارج ضارب عرض الحائط بصياح كل من كوثر وإيناس وتوعدهما بالإنتقام الشديد منه والأذية له ولكل أحبائة
بعد خروجه نظرت إيناس إلى والدتها وصرخت بصياح: إنت هتسيبية يغدر بيا ويروح يعيش حياته وكأن مفيش حاجه حصلت؟
رمقتها كوثر بنظرة مشتعلة وهتفت بفحيح كالأفعي: أسيبة؟

ده أنا مبقاش كوثر وشعري ده على واحدة ست إن ما خليتة يلف حوالين نفسة ويرجع لك مزلول ويتمني تنسي الكلام اللي قاله، وتوافقي إنك ترجعي له تاني.
بسطت ذراعها إليها وتحدثت بقوة: إتصلي لي على رقم أمة حالا وأديني التليفون، أنا هعرفهم مين هي كوثر.
هتف عدنان بترقب: إهدي من فضلك يا ماما وفكري بعقل قبل ما تعملي أي خطوة
هتفت قائلة بحدة: عقل، وهما اللي عملوة ده فيه ريحة العقل!

ضغطت إيناس على رقم فايقة وأنتظرت، خطفت كوثر الهاتف وترقبت للرد، أما فايقة التي كانت تجلس بصحبة الجميع، إستمعت إلى صياح العاملة وهي تناولها الهاتف الذي كان متواجدا بالمطبخ: المحمول بتاعك بيرن يا ست فايقة
إلتقتطة منها ونظرت في شاشتة، وارتبكت حين وجدت نقش إسم إيناس الذي بالكاد تعرف قراءة حروفة، حيث أنها خرجت من الصف الخامس الإبتدائي ولم تستكمل مراحل تعليمها.

إنسحبت قائلة للجميع بكذب: دي خيتي بدور اللي بتتصل، هطلع أكلمها من فوج وأشوفها عاوزة إية
لم يعيرها أحد إهتمام وبدأ الجد حديثه مع صفا ويزن بخصوص تجهيزات المشفي.

دلفت فايقة إلى مسكنها وأغلقت خلفها الباب وهي تتلفت حولها كاللصوص، وما أن نظرت إلى شاشة الهاتف الذي صمت عن الرنين لتبادر هي بالإتصال حتى وجدته يصدح من جديد، ضغطت زر الإجابة وما أن وضعت الهاتف على أذنها حتى إستمعت إلى صياح تلك الغاضبة التي تحدثت: إسمعيني كويس يا ست إنت، لو كنتوا فاكرين إن إنتوا أذكية وبسهولة إبنك هيبيع بنتي ويتخلي عنها وأنا هرضي واقف اتفرج تبقوا غلطانين، بلغي جوزك إن لو معقلش إبنة وخلاه ييجي بكرة لحد بنتي ويعتذر لها ويتمم الفرح أخر الإسبوع ده،.

وأكملت مهددة: لو معملش كدة بعد بكرة الصبح هكون عندكم في سوهاج وهبلغ أبوة بكل حاجة، هقول له إن جوزك وإبنك بعد ما جم واتفقوا معانا على الفرح وخلوني جهزت كل حاجه ودعيت المعازيم، جايين يقولوا خلاص، مبقاش ينفع.

أما فايقة التي إنفرج فاهها واتسعت عيناها بذهول من قوة وجبروت تلك الشمطاء وتحدثت سريع بعدما فكرت: إهدي يا ست كوثر وخلونا نتكلموا بالعجل، في اللول إكدة لازمن تعرفي إن لو إنت رايدة الچوازة دي تتم جيراط، فأني رايداها تتم أربعة وعشرين جيراط، وليا أسبابي لكدة،
وأكملت بإستحسان: وكويس أوي اللي إنت عملتية ده، لأني كت حاطة يدي على جلبي وخايفة لتوافجوا على فسخ الخطوبة وترضوا بكلام قاسم.

كانت كوثر تستمع إليها بذهول مستغربة حال تلك الأم، فحتي كوثر ليست بالأم الصالحة بما يكفي، لكنها تدافع عن حقوق وراحة صغارها بإستماتة،
تحدثت كوثر بنبرة أهدي بعدما إستشفت بفطانتها صدق حديث تلك السيدة وذلك بعدما لمست الغل والحقد من بين نبراتها، فتحدثت بهدوء قائلة: لو على كدة يبقا متفقين وأنا معاكي، إتفضلي قولي لي ناوية على إية.

أجابتها فايقة قائلة بنبرة مليئة بالحقد: ملكيش صالح باللي هعمله، إنت كل اللي يهمك إن جوزي وإبني عيكونوا عنديكي بكرة لجل ما يراضوا عروستنا الزينة ويتفجوا على ميعاد الفرح
وأغلقت معها الهاتف ونظرت أمامها وضحكت بشماتة قائلة بصوت مسموع: كن الدنيي عتنصفك يا فايقة وهتاخدي بإنتجامك من حرجة جلب زيدان وهو شايف بته بتموت جدامة من نار جلبها الوالعة، هانت يا فايقة، هانت خلاص.

رفعت هاتفها أمام عيناها ونظرت بشاشته وضغطت زر الاتصال بزوجها الذي لم يظهر طيلة اليوم، حيث أخبرها منذ الصباح أن لدية بعض الأعمال داخل المركز وعليه الذهاب.

كان فوق فراشه يحتضن تلك اللعوب الذي تزوجها كي تعوضه عن النقص الذي يشعر به من خلال علاقته بفايقة، إستمع لرنين هاتفة، توقف عن ما يفعل ونظر بهاتفه بتملل، إنتفض ونهض سريع كمن لدغه عقرب سام ونظر لتلك الغاضبة جراء فعلته وتحدث بلهاث: معيزش اسمع لك صوت لحد مخلص المكالمة، فاهمة يا ماچدة؟
خرج إلى الصالة سريع وأخذ نفس عميق كي ينظم من أنفاسة وتحدث متحكم في صوته بصعوبة: إيوة يا فايقة.

صاحت تلك الشيطانة بعويل ودموع التماسيح التي تصنعتها قائلة: إنت فين يا قدري، تعالي شوف المصيبة اللي حلت فوج روسنا وعتخرب بيتنا وترمينا في الشارع بعد العمر ده كلياته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة