رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثلاثون
معاً
وقفت امام المرأة وهي تحيط بطنها برفق وتتمعن بها بدفئ، بداخل هذه الاحشاء جزء من ادم، طفل سيغير مصير الاسرتين الى الابد، وسيربطها مع ادم دائماً دون ان يجرؤ احدهم على فصلهما في يوم! اخذت نفساً عميقاً وكلما ارتفع صدرها اتسعت ابتسامتها ومن ثم طرحت انفاسها براحة وهي ترتب بعض خصلات شعرها بعد ان سمعت صوت جرس الباب يرن، لابد من انه رأفت!
ذهبت بأستعجال مع الحفاظ على خطواتها هادئة وفتحت الباب. تبسم بدفئ فور رؤيته لها وهو يقول: مرحباً اميرتي!
بادلته ابتسامته وهي تفتح الباب اكثر سامحة له بالدخول: اهلاً يا صغير. تفضل!
خطى بضع خطوات داخل حدود الشقة قبل ان يلتفت اليها ويقول: اتمنى اني لم اتأخر كثيراً؟
اغلقت الباب واستدارت اليه لتجيب بلطف: لاعليك. فلم اكن جائعة على اية حال.
ثم اردفت بمزاح: ولكن دقائق اضافية اخرى وسأبدأ بالتفكير بقتلك ان لم تبدأ بأعدادها الان!
اكتفى بأبتسامة ونظرة حزينة لم تفهم سببها ولم يعقب بشيء على حديثها. اقتربت منه وهي تقول بقلق: ماالامر؟ لاتبدو على مايرام!
تبسم بضعف وهو يمسح شعرها من الجانب برفق بينما يقول: ابداً. ولكني لااصدق بالفعل ان ريم المجنونة ستصبح ام!
ضحكت وهي تضربه على كتفه وتقول: حسناً ياظريف كنت افكر بمساعدتك ولكن الان سأتركك تعد كل العشاء وحدك.
نزع سترته ورفع اكمام قميصه بينما يقول: ذاتاً انا لااحتاج مساعدة حمقاء بالطبخ مثلك!
رفعت ذقنها بزهو وهي تجيب: لم اعد كذلك. ذاتاً ادم يعشق طعامي!
قال بصوت مرتفع بينما يتجه نحو المطبخ: وماالذي لايعشقه ذلك الاحمق بكِ؟ لذلك لاتتفاخري ياصغيرة فهو فقط من يحب طعامكِ!
هذه المرة هي التي لم تعلق بشيء وذكرى حبيبها المجنون تسيطر على عقلها مجدداً حول كيف كان يأكل كل الطعام مهما كان سيئاً فقط كي لايشعرها بالخيبة او الحزن، بالفعل العاشقين لهم تصرفات غريبة لا يمكن لأحد فهمها بسهولة!
جلست في الصالة تقلب القنوات بملل لحين يجهز العشاء الذي بدأت رائحته تدريجياً تنساب الى حيث تجلس فتنعش معدتها وتفتح كل شهيتها للأكل. فهي اليوم فقط قد ادركت سر حبها للطعام بهذا الشكل في الفترة الاخيرة!
لم تمضي فترة طويلة حتى جهّز رأفت الطاولة من اجلهما، جلست على الكرسي المقابل له وهي تقول بتلذذ:
رائحتها فقط تشعرني بالتخمة!
تبسم وهو يجيبها:
بالهناء والعافية عزيزتي!
باشرت فوراً بالاكل دون ان تنتظر ثانية اضافية فهي تعشق بشدة تلك المعكرونة التي يعدها!
تبادلو بعض الاحاديث الطريفة ولكنها استطاعت بسهولة ملاحظة ذلك الحزن الذي تتخلخل نبرته رغم الابتسامة التي يصر على رسمها فوق ملامحه. ابتسامة لاتخلو من بعض الندم!
بشكل مفاجئ حل السكون على المكان وكأن الحروف تهربت منهم ولم تجد طريقها مجدداً للعودة. سكون لاتعرف سببه المفاجئ عليهم، لاتنكر انها استشعرت بعض الاستغراب من هذا الصمت الذي لم تستسيغه. ولكن استغرابها لم يدم طويلاً مع نبرة رأفت الهادئة التي اخترقت المكان ممزوجة مع صوت الشوكة فوق زجاج الصحن يتلاعب بالمعكرونة:
أتعرفين سبب الثأر يا ريم؟
نظرت اليه بغرابة فرفع بصره اليها ببرود وتوقفت الشوكة عن التحرك فسألته بعدم فهم:
أليس، لأن والد ادم تسبب بحادث غير مقصود مع اخ جدي فقتله جدي ومن هنا بدأت سلسلة الثأر؟
رفع زاوية فمه بأبتسامة مخيفة يغلفها البرود وهو يقول بسخرية:
بالله عليكِ؟ وهل تصدقين ذلك؟ نعم هذا مااقنع جدي الجميع به، ولكن ياترى. أهو صحيح؟
قطبت حاجبيها بعدم استيعاب لما يقوله وقبل ان تقول شيء شعرت بأنقباض قوي يبدأ من خاصرتها ويزحف نحو بطنها، ضغطت بيدها على مكان الالم وسألته بصوت متعب:
لم. افهم!
اعني لنفكر قليلاً، ياسين ذون التفكير الشيطاني والقلب البارد، هل سيهتم حقاً بموت اخيه لهذه الدرجة وهو يدرك جيداً ان والد ادم لم يكن السبب بمقتل اخيه؟، بل ومنذ متى ياسين يهتم بأخوته ويحبهم لهذا الحد؟
ازداد انقباض بطنها فقالت بصوت متقطع: اذاً، من اجل. ماذا؟
النفوذ!
تركت الشوكة من يدها واغمضت عيناها بتوجع وهي تزيد من ضغط يدها فوق الالم ولكنه في تزايد ولكنه رغم هذا سألته بصعوبة:
عن ماذا. تتحدث انت؟
تنهد رأفت قبل ان يجيب:
قبل سنين. لم تزدهر شركاتنا بهذا الشكل ولم نتمكن من بسط نفوذنا على السوق كما نفعل الان. فقد كانت لدينا شركة منافسة، شركة اعضائها الرئيسين من ذات الاسرة، انها شركة اسرة مراد!
سكت لثواني قبل ان يكمل:
الثأر كان مجرد غطاء، أتعلمين كيف؟، كان يقوم احد افراد اسرة مراد بقتل فرد من اسرتنا ينتقم لمن قتلناه منهم، ولكن اسرة ياسين لم تكن تقتل القاتل ذاته، كانت تختار شخص اخر، أتعلمين من كانت تختار؟ احد اعضاء الشركة!
وهنا فتحت عيناها بصدمة وبقيت تنظر اليه فأكمل هو وبعض التأسي يرتسم فوق وجهه:.
هذا صحيح، لم يكن يهم جدي الثأر بقدر ماكان يهمه التخلص من اعضاء الشركة كي تنجح شركته هو ويصبح بالقوة التي هو فيها الان!
ثم ضعف صوته وهو يقول مع دمعة ضعيفة تنساب بهدوء فوق وجنته:
لذلك لم يكونو ليسمحو او يقبلو بما كان يريد هزيم فعله، كان عليهم ايقافه بطريقة او بأخرى!
ومع هذه الجملة استندت ريم على طرف المنضدة ونهضت من كرسيها بفزع ولكنها سرعان ماعادت لتسقط جالسة عليه يمنعها الالم من النهوض، احنت جذعها العلوي دون ان تتمكن من الاستقامة بظهرها من شدة الالم واعتصرت معدتها بقوة فقلبت لها وجهها اصفر اللون وتأطر جبينها ببضع حبيبات عرق لؤلؤية تعكس مدى ارهاقها الذي كان واضحاً من طريقة تنفسها وهي تقول له ببكاء:
لاتقولها، لاتقل ان لجدي يد بموضوع مقتل هزيم؟
ثم التفتت اليه لتصرخ بوجهه وهي لاتزال تحني جذعها العلوي وتضغط على بطنها بيدها المرتجفة:
انطق! أله يد؟
جعد رأفت وجهه ببؤس وتساقطت دموعه بقوة كطفل مذنب يتعرض للعقاب، بل كمجنون فاقد عقله كلياً!
نهض من كرسيه وجلس على ركبتيه امامها واستكان برأسه في حجرها وهو يبكي بصراخ هستيري:
اقسم لكِ اني لم اقصد ياريم! كنت مجرد مراهق وهم من اجبروني على فعلها، لم اتمكن من الرفض، انا لم اقصد، اقسم اني.
وقبل ان يكمل جملته قبضت على رأسه بقوة بين يديها ورفعت وجهه اليها وهي تصرخ به وقد فقدت عقلها بالفعل من الصدمة:
عن ماذا تتحدث انت؟ ماالذي فعلته يارأفت؟ ماالذي فعلته؟
حدق داخل عيناها ودموعه ترفض التخلي عن عينيه ثم قال بضعف وصوت مهزوز:
كان من المفترض ان يكون ادم، كان علينا ان نجعل اسرة مراد تتراجع عن موقفها في التصالح ويزيد العداء، ولكن. الظلام، انا لم، لم اكن ارى بوضوح...
ثم صرخ ببكاء اقوى وهو يدفن رأسه في حجرها مجدداً:
اقسم لكِ لم اكن اقصد قتله، لم يكن من المفترض ان يموت هزيم!
لم تتحرك، لم تتنفس، لم تطرف بعينيها الجاحظة. لم تنزل يديها المعلقة بالهواء حيث كان رأسه بينهما، كل ما كانت تشعر به هو ذلك الانقباض الذي يسيطر على قلبها وبطنها، كل ما كان يتحرك منها هو تلك الدموع الساخنة التي تخرج من روحها وليس من عينيها، ليس رأفت، ليس صديقها الصغير! انها صدمة لايمكنها ان تتحملها منه!
اهتز جسدها فوراً بأرتجاف قبل ان تصرخ بأعلى ما تملك من صوت وبأكثر ماتملك من دموع، صرخة انطلقت من اعماق روحها التي تزداد ظلاماً يوماً بعد يوم!.
ضمت شفتيها لبعضهما تكتم صراخها واطبقت يديها فوقهما كي تسيطر على شهقاتها العالية من الخروج وهي تبكي بجنون، قطع صراخها انينها المتألم وهي تعيد وضع يديها فوق بطنها وتقول بصوت متقطع:
رأفت، انا، انا لست بخير!
رفع وجهه اليها يحدق بها بتأسي واحاط وجهها بين يديه وهو يقول بنبرة حزينة:
هذا الطفل لايجب ان يعيش ياريم! سيذهب كل مافعلته سدى، سيكون موت هزيم من دون فائدة ان عادت الاسرتين للتصالح. ضميري يقتلني بما فيه الكفاية ياريم، لااريد ان اشعر انه مات من دون اي سبب!
وقعت على ركبتيها لتفرغ كل ماتحويه معدتها من طعام، شعرت بشيء دافئ ينساب فوق قدميها فنظرت بأرتجاف نحو الارض لترى بعض الدماء التي تتناثر حولها، صرخت بخوف واحاطت بطنها بقوة وهي تقول بعقل غائب عنها:
رأفت لا، ليس طفلي، رأفت ارجوك!
ضمها اليه وهو يقول:
اششش. اهدأي عزيزتي، لن تشعري بشيء!
ثم وضع يده بهدوء فوق بطنها وهو يكمل ببكاء:
هو فقط من سيشعر!
تشبثت بقميصه وهي تقول بتوسل وارهاق من بين دموعها:.
اتوسل اليك، اتصل بالاسعاف، لاتقتلني مرتين يارأفت، يكفي انك حرمتني من هزيم. لاتحرمني من طفلي ايضاً، لازال لديك.
بدأت جفونها تنسدل بضعف وجسدها بدأ يتخدر ولسانها يثقل وهي تكمل:
لاتزال لديك الفرصة، الفرصة، كي تصلح خطأك! اخذت مني واحد، ارجع لي هذا. رأفت ارجوك، اعرف انك كنت، لم...
وقبل ان تكمل عبارتها دخلت عالم اللاوعي وهي بين يدا رأفت، ولكنها استطاعت سماع همسته وهو يضمها بقوة قبل ان تفقد الوعي بشكل نهائي:
اسف لأني اخبرتك، ولكن كان على ان اعترف لكِ قبل ان اعترف للشرطة، اردت اخبارك بنفسي قبل ان يشوهو صورتي امامك، سامحيني ارجوكِ يا ريم!
{ ريم؟ ريم؟
فتحت عيناها ببطئ وحركتهما في الارجاء لترى نفسها في غرفتها داخل منزل اسرتها، غرفتها عبارة عن بياض يغزو الارجاء، ستائرها بيضاء. اغطية سريرها ووسائدها بيضاء، وحتى السقف والارضية والجدران. كل شيء ابيض بشكل رائع ممزوج مع اشعة الشمس الذهبية التي تسللت بحياء من خلف النافذة!
ريم؟
ادارت عينيها بأتجاه الهمسة لتشاهد هزيم يجلس على ركبتيه بجوار سريرها ويستند بذقنه فوق يدها التي يعانقها بيده ويتمعن بتفاصيل وجهها بأبتسامة، تبسمت لتلك الابتسامة التي اشتاقت لها بشدة وقالت بصوت ناعس:
صباح الخير!
اتسعت ابتسامته اكثر وهو يقول بهمس:
صباح الخير يا اميرتي العزيزة، أعددت لكِ القهوة كما تحبيها!
أحقاً فعلت؟
اومئ برأسه ب نعم ثم اردف:
ألن تأتي معي لنحتسيها سوية؟
قلبت عينيها داخل عينه المشرقة ثم قالت:
ولكن، اريد ان انتظر ادم لنحتسيها معاً!
تبسم وخلل اصابعه من بين خصلات شعرها وقال بدفئ:
اذاً، سأنتظره انا ايضاً يا امي!
قطبت حاجبيها بعدم فهم لما عساه ان يناديها ب، امي؟ }
حبيبتي؟، هل تسمعيني؟
فتحت عيناها المتثاقلة بصعوبة لترى عالم مشوش يحيطها، لايمكنها رؤية شيء سوى الضباب ولاتسمع شيء سوى الصدى. هناك بعض النور الذهبي الذي يكتنف الارجاء، يبدو ان الصباح قد حل عليها بعد ليلة مرعبة قضت اغلبها فاقدة لوعيها!
اغمضت جفنيها مرة اخرى تريد العودة نحو عالم احلامها حيث هزيم هناك ولكن تلك النبرة المميزة التي انطلقت مجدداً تناديها منعتها من ذلك، انها نبرة تعرفها جيداً، ادم!
وفوراً فتحت عيناها على اوسعهما وادارت رأسها اليه دفعة واحدة وارتجفت شفتاها بفزع وهي تتمتم ببكاء وخوف بصوتها شبه المبحوح:
الطفل. ادم. الطفل!
امسكها من كتفيها فوراً وهو يعيدها لتستلقي على ظهرها ويقول لها بلطف:
اشششش اهدأي حبيبتي، الطفل بخير!
طرحت انفاسها المرتجفة براحة وهي تحيط رأسها بيديها لاتصدق انها نجت من ذلك الكابوس بالفعل! ادارت رأسها حولها فأدركت ان ماعاشته لم يكن كابوس، لقد كان حقيقة!
فها هو السائل الوريدي يخترق يدها. هاي هي غرفة المستشفى تضمها بين جدرانها...
ماالذي حصل؟، رأفت!
التفتت مرة اخرى بلهفة خوف نحو ادم لتسأله فأجابها بلطف بينما يملس لها شعرها بهدوء:
ربما من الافضل ان ترتاحي الان وسنتحدث بالامر لاحقاً، الطبيب قال انه لايجوز لكِ الانفعال فلا زلتي بمرحلة خطرة وقد يتعرض الجنين للأجهاض!
شهقت بفزع وهي تكتم شهقتها بيدها فأنحنى ليضمها بين ذراعيه وهو يقبلها برفق فوق جبينها:.
لاتخافي حبيبتي، كل شيء سيكون بخير!
تشبثت بقميصه وهي تقول بنحيب:
ادم، لااريد ان افقد الطفل، ادم ارجوك!
اششش اهدأي حبيبتي، لن نفقده. الطبيب قال انك تحتاجين لبعض الراحة بعيداً عن الانفعال وهو سيكون بخير بإذن الله!
ومع كلمته الاخيرة لم يتحمل اكثر وسقطت دمعة من بين جفنيه من دون إرادة منه ودس اصابعه بين خصلات شعرها ليشاركها بكائها بصمت وهي تنتحب بين ذراعيه!
احاطته بذراعيها بقوة وهي تقول بنبرة هامسة وضعيفة من وسط بكائها:
كان مجرد طفل ياادم! لقد تلاعبو بعقله وجعلوه يقتل. كيف لأحدهم ان يملك تخطيطاً اجرامياً بهذا الشكل؟ لقد دمرو حياتنا جميعنا فقط من اجل مصلحتهم واموالهم القذرة مثلهم! رأفت. هزيم، انا. ميسم. سامي، كلنا نعاني بسببهم!
ابعدها عنه قليلاً ليتمكن من النظر الى عينيها مباشرة واحاط وجهها بين يديه وهو يقول:.
والان سينالون مايستحقونه ولن تفيدهم نفودهم كي تخلصهم مما هم فيه!
قطبت حاجبيها بعدم فهم فأكمل:
رأفت هو من احضرك الى المستشفى واتصل بي، لااعلم ماالذي جعله يغير رأيه في اللحظة الاخيرة ويعدل عن قراره ألا ان المهم انه احضرك قبل ان تسوء حالتك فأستطاعو حماية الطفل، رغم استمرار مرحلة الخطر على الجنين الى الان ولكن على الاقل هناك امل بنجاته!
واين هو رأفت؟
سكت لثواني ينظر لها بتأسي ثم قال:
لقد سلم نفسه!
شهقت بفزع فأكمل هو فوراً:.
لاتقلقي حبيبتي، هذا من مصلحته ومصلحتنا. لقد قدم الادلة التي تثبت ادانة ياسين ومن معه اليهم مما جعل الشرطة تقبض عليهم ايضاً، هم حالياً في التحقيق جميعهم ولكن المحامي اتصل بي قبل قليل وقال انه مع الادلة التي قدمها رأفت والاعترافات التي ادلى بها فهناك احتمال بحصول ياسين واولئك الاثنين اللذان معه على حكم مؤبد، فبالتأكيد سيستخدمون نفوذهم لجعل الحكم مؤبد بدل الاعدام، . اما رأفت فلأنه ارتكب تلك الجريمة تحت ضغط من غيره والتلاعب بأفكاره ولصغر سنه - رغم انه كان قد بلغ العمر القانوني - وبسبب الادلة التي قدمها لهم ولأنه هو من اعترف وساعد الشرطة بأفاداته فأن كل هذه الاشياء ستخفف العقوبة عنه وربما سيتم اطلاق سراحه بعد حكم بالسجن لعشر سنوات او اقل!
احاطت رأسها بجزع وهي تبكي لما آلت اليه الامور. فبعد هذا كله تكتشف ان اسرتها من حرمتها من اخيها وليس آل مراد، ومن بين الكل. رأفت!.
كانت الشفقة تسيطر عليها اتجاهه اكثر من الغضب منه، فهو بالنهاية كان صغير السن ولم يقصد. نعم هو مخطئ ولكن الرب وحده يعلم كم تعذب بعد ماحصل فهي تعرف جيداً كيف كان يحب هزيم وسيفديه بحياته ان اقتضى الامر. وفي النهاية يجد نفسه يقتله! وهذا كله بسبب ذلك ال ياسين! شخص كانت واثقة ان الجحيم خلق من اجله هو واولئك الاثنين اللذان معه!
مضى وقت ليس بقليل وادم يحاول بشتى الطرق ان يجعلها تهدأ من بكائها الى ان استسلمت للتعب في النهاية وغطت في نوم اخر ساعدها على الاستسلام له تلك المهدئات التي تنساب لجسدها مع المحلول الوريدي!
منحها قبلة دافئة فوق جبينها وخرج من الغرفة ليصادف الطبيب في طريقه اليهم. تقدم اليه ادم وهو يقول بقلق:
اذاً ايها الطبيب. هل ظهرت النتائج؟
تنهد الطبيب بقلة حيلة وهو يقول:
مع الاسف النتائج لاتبشر بالخير!
اغمض ادم عيناه بألم ودس اصابعه بأستياء بين خصلات شعره فأكمل الطبيب مطمئناً:
ولكن لاتقطع الامل، لربما سيعيش الطفل، هي فقط تحتاج الى الراحة القصوى ولربما ستمر هذه الازمة بسلام!
وكم من الوقت ستبقى تحت وضع الخطر؟
حالياً الخطر الاكبر في هذه الايام الثلاث. ان مرت بسلام فستزيد نسبة نجاة الجنين. وبعدها بأمكاننا اخراجها من المشفى ولكن تحتاج الى العناية الفائقة في المنزل وان لاتتعرض لأي انفعالات او ضغوط عمل الى الشهر السادس وبعدها سيكون كل شيء بخير!
وهل هناك اي خطر على حياتها هي ببقاء الجنين؟
لا، لاتقلق. ذلك الدواء الذي تم وضعه لها في الطعام يؤثر على الجنين ولكنه لايؤثر على صحتها هي!
اخذ نفساً عميقاً يعبر به عن راحته لسماع خبر كهذا فتبسم الطبيب وهو يقول:
يا للمحظوظة! لم تأخذ نفساً بهذا الشكل عندما اخبرتك بنجاة الطفل!
ضحك ادم ولم يجد ما يعلق به. هل يخبره بمدى جنونه بأم طفل؟ وان لااحد يمكنه تعويض مكانها ولا حتى اطفاله؟
ترك الطبيب وعاد ليجلس بجوار ملكة قلبه الوحيدة وهو يحيط يدها بين يديه ويبقيها فوق خده ليمكنه تصديق انها بالفعل بجواره!
بعد دقائق بدأت بفتح عينيها بشكل تدريجي فتبسم وهو يمسح على شعرها ويقول بهدوء:
مرحباً مجدداً!
تبسمت بضعف وهي تقول:
لاتزال هنا؟
وكيف يمكنني ترككِ ايتها المجنونة؟
بقيت تحدق داخل عيناه بأبتسامة من دون ان تتحدث فقال هو:
مابكِ؟
هزت راسها بينما تقول:
لاشيء. اشتقت لك فحسب!
اتسعت ابتسامته اكثر وهو يطبع قبلة رقيقة فوق يدها ويقول:
ليس بقدر اشتياقي!
اعلم. فأنا اكثر!
فقال بعناد:
بل انا!
فقالت بتهديد:.
ألم يقل الطبيب انه لايجوز لي الانفعال؟ لذلك اسكت ولاتجعلني افقد اعصابي وستعترف بأني اكثر!
فضيق عيناه بمكر وهو يقول:
اظنك ستسغلين هذه الفقرة كثيراً!
رفعت حاجبها الايمن بتحدي وهي تقول:
جداً!
ضحك وهو يعود ليقبل يدها مرة اخرى. فرغم الانباء السيئة التي عليهما تقبلها ألا انهما يفشلان بأخفاء سعادتهما لعودتهما لبعضهما الاخر، فبالنهاية حبهما كان اكبر من كل شيء!
ريم؟
انتشلها من سحر عيناه صوته الدافئ فهمهمت كأجابة ليكمل هو:
أيمكنني ان اسألك شيء؟
قل!
ترددت حروفه عن الافصاح عن نفسها بادئ الامر وعيناه تتهرب من عيناها وينزلها نحو اصابعها اللاتي يتلعب بهم داخل اصابعها، ثواني من استجماع الشجاعة رفع رأسه اليها وقال:
ذلك اليوم، في المركز التجاري. عندما طلبتي ان نتقابل، هل كنتِ، ستخبريني عن الطفل؟
تبسمت وهو تومئ ب نعم فتبسم هو بسعادة بينما يردف:.
هل هذا يعني انكِ سامحتي قبل حتى ان تعرفي الحقيقة؟ ومن انني لست القاتل؟.
اجل.
ولماذا؟
رفعت كلتا حاجبيها بدهشة وهي تقول:
أأنت جاد في سؤالك هذا؟
ضحك وهو يقول بغرور مصطنع:
كنت اعلم انكِ ستقعين بغرامي بجنون!
رفعت يدها لتستكين على خده وقالت بأبتسامة جدية:
انا كذلك بالفعل ايها الاحمق!
احم احم. هل نقاطع شيء ما هنا؟
التفت كلاهما نحو ميسم ونسرين اللاتي دخلن الغرفة فجأة فتبسمت ريم وهي تقول:.
اهلاً بقليلات الادب. ألم تتعلمن طرق الباب؟
فأكملت نسرين:
نحن في المستشفى يا ريم. لم نتوقع ان روميو وجولييت اللذان يتلبساكما سيظهران حتى هنا!
ضحك ادم وهو يقوم ويقول:
اعوذ بالله من الحسد!
ثم التفت نحو ريم وهو يقول:
اسكتي اختك ياريم!
فأجابت ميسم:
لا لاتخاف هي لاتحسد كثيراً. ربما مجرد ستتطلقا ولن يطيق احدكما النظر في وجه الاخر وربما ستقتلك ريم في يوم ما!
التفت اليها نسرين وهي تقول:
هكذا اذاً ياميسم؟
لا. اكثر بقليل ياعزيزتي!
وقبل ان تجيب سحبتها ميسم من يدها وهي تقول:
حسناً حسناً لنكن لبقتين ونلقي التحية اولاً!
ضحكتا وهما تتقدمان نحو ريم ليلقين التحية كما يفعل الاشخاص الاسوياء!
بالطبع كلتاهما لم تدركا ما حصل بالفعل حتى الان واعتقدا ان ريم انزلقت في المطبخ وبسبب هذا هي في المشفى، هكذا اخبرهما ادم! لم يشأ تشويه صورة رأفت اكثر امامهم لاسيما انهما ستعرفان قريباً بامر اعتقاله هو وياسين ومجيد وجلال، لذلك ترك هذا الامر سراً!
جلستا ميسم ونسرين على الاريكة التي بجانب سرير ريم وقالت نسرين بقلق:
كيف وقعتي ياحمقاء؟ كان عليكِ الانتباه اكثر لاسيما وانتي تعرفين انكِ حامل!
قطبت ريم حاحبيها بعدم فهم لما تقوله نسرين فأجاب ادم فوراً:
فأر!
التفتن اليه الثلاثة بأستغراب فأكمل فوراً:
لقد رأت فأر فجأة مما افزعها وركضت من دون وعي ووقعت!
ضيقت ميسم عيناها بشك وهي تقول:
لكنك اخبرتني انه كان هناك ماء على الارض وانزلقت به؟
اجل. عندما ركضت. كان هناك ماء. فوقعت!
رغم انهما لم يستوعبا القصة كثيراً ولكنهما صدقتا ما قاله. فهما يعرفان جيداً مدى خوف ريم من الفئران!
التفتت ريم بأتجاه ادم وتبسمت بمعنى شكراً لك. فبادلها الابتسامة التي تبعث كل الطمأنينة التي تحتاجها داخل قلبها!
لقد كان خبر سجن رأفت واكتشاف حقيقة ان اسرتها من تسببت بقتل اخيها قد ادخلها لكهف من الحزن والالم، ولكن حقيقة انها تخلصت من ياسين ومن معه، وان ادم سيكون بقربها الى الابد. وان جنينها سينجو. كلها اشياء جعلتها لاتهتم بأي شيء اخر، فكل ما سيهمها من الان فصاعداً هو ادم فقط، دامه بجوارها فكل شيء سيكون بخير!