قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل العشرون

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل العشرون

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل العشرون

نصف الحقيقة الاخر
حين تكون كاتباً أو شاعراً أو حتى رساماً فأنت هنا تكشف الغطاء عن كل تلك المشاعر الغير مفضوحة داخل أوراقك. لذلك أشفق على من لا يجيد أحداها. فلا أعرف بأي طريقة أخرى كان سيقاوم ميوله للانتحار كما قاومها رامي وهو يفرغ كل شحنات غيضه برسوماته!
منذ شهر كامل منع أي أحد أن يجيء بذكرها امامه وانعزل أما منشغلاً بعمله أو رسوماته. كان يحاول تناسيها وكرهها بأي طريقة ولكنه يفشل بذلك.

رغم ذلك الجرح العميق الذي زرعته بصدره ولكن كان عاجزاً عن كرهها. بالنسبة له فمرام لم تكن تلك المرأة التي تُنسى!
كلما أقنع نفسه أنها مجرد حقيرة رخيصة تذكر تلك الابتسامة والنظرة البريئة التي تطالعه بها
كلما أخبر نفسه أنها خدعته واستغلته يجد نفسه تلقائياً يبرر تصرفاتها
كلما رسمها بشعة وجدها أجمل لوحة خطتها يداه...

أدرك أنه لا محالة قد أحبها. والحب حين يصبك يكن الامر كمرض السرطان. كلما حاولت استئصاله ينتشر
كلما تجرعت الكيمياوي ينتشر
كلما هملته ينتشر
حين تصاب به فستصاب طوال العمر حتى وأن تخلصت منه ستبقى أثاره عالقة بك!
ولكن. لن يكون الحب أبداً كافياً لنعود. لنغفر. ولننسى!
ما سببته له من خيبة ظن كانت أعمق من أن يشفيها حب!

صباح آخر مشؤوم وكئيب يمر على هذا المنزل. صباح خالي من تحركات مرام النشيطة ومزاحات رزان المستمرة. لا يحوي فيه سوى ذلك الوحش المكسور الذي يتحين أكثر الاسباب تفاهة لينفجر وندى التي تلتزم بالصمت دون أن تجرؤ على مناقشته بأمرها. لقد شاهدت ردة فعله كيف تكون في كل مرة تأتي على سيرتها وتخبره أنها لا تصدق أن مرام خائنة ولا بد أن هناك سبب ما!

حضّرت الفطار كالعادة فخرج من غرفته قاطباً حاجبيه بحدة وقابضاً ملامح وجهه وكأنه خرج من صراع دموي قبل لحظات. أنه الوجه الذي اعتادت عليه منذ شهر كامل!
-صباح الخير حبيبي!
-صباح الخير أمي
وجلس دون تعليق اخر ليسكب لنفسه بعض الشاي وندى تطالعه بحذر ثم قالت تحاول أن تفتح معه موضوع ما: -لقد اتصلت رزان. ربما سيأتيان للعشاء هذه الليلة هي وفادي.

اومئ بصمت فأكملت هي: -قالت أن فادي أشترك بنادي شهري. ما رأيك أن تشترك معه؟
-لدي الكثير من العمل
-ولكن لديك وقت فراغ. بدل أن تقضيه في الغرفة طوال الوقت على الاقل أخرج!
زفر بضيق فوصلها جوابه فقالت بملامة: -والى متى يا رامي؟ ترفض مسامحتها وترفض نسيانها. هل سنبقى هكذا طوال العمر؟
وهنا وضع كوب الشاي بحنق والذي لم يرتشف منه شيء بعد ونهض بعصبية عن المائدة قائلاً: -مع السلامة أمي.

وخرج من الشقة صافعاً الباب خلفه بقوة. ختامية النقاشات ذاتها معه!
خرج من المنزل غاضباً وهو لا يدرك الى متى سيبقى يفرغ غضبه بكل شخص أمامه فقط لأنه غاضب من شخص واحد. من انسانة واحدة سلبت منه كل شيء ورحلت فلم يعد كما هو بدونها وهذا أكثر ما يؤلمه.
يفتقد ذلك الشعور الذي منحته له
يفتقد تلك الضحكات
السعادة
الحب
النبضات المجنونة التي جربها معها لأول مرة
يفتقد تلك المحادثات الطويلة التي تجمعه بها.

يتمنى لو يتصل بها الان ويخبرها كم يشتاق اليها وكم يفتقدها بلياليه الطويلة والموحشة. ولكن كرامته المذبوحة تمنعه من تنازل كهذا!
ربما تنازل رامي عن مواجهتها وقرر الانسحاب من حياتها. ولكن أخته العنيدة لم تفعل!

لم تهتم بكل تلك التهديدات التي هددهم بها رامي بعدم التواصل معها مجدداً وقررت أن تقابلها لتفهم منها لِما فعلت ذلك بهم. لذلك أخذت فادي –جبراً وبعدم رضا كما كان يوصف- وذهبت نحو الشركة لتسأل عن عنوان منزلها وتذهب لتقابلها!
دخلت الى الشركة بخطوات سريعة كمن كانت مستعدة للحرب وفادي يسير خلفها متلفتاً بخوف وهامساً لها:.

-لا أخاف أن يعرفونا أخوتها بقدر خوفي أن يعرفني أحد هنا من طرف أخيكِ ويوصل له قدومنا. كانت غلطة مني إني استمعت لكِ!
فقالت بملل:
-توقف عن التذمر ايها الجبان. لم تتوقف عن الشكوى منذ خروجنا من المنزل
-هل تدركين ما الذي سيفعله رامي بنا أن اكتشف قدومنا؟
-أجل. سأوفر له مصروف شهر كامل على اللحوم بعد أن يذبحني
-وأنا؟
-لحمك عصي لن يستفاد منك
-أتحدث بجدية يا رزان.

-وكذلك انا عزيزي فادي. سيصرخ بنا لمدة ساعة ثم يسكت. مثلما تتحمل صراخي عليك منذ أسبوع لتحضرني اليها فتحمل صراخه ما الجديد؟
-يا لبرودة دمكِ!
ومع عبارته هذه وصلت نحو السكرتيرة في الاستعلامات وقالت بابتسامة كان واضح بشدة انها مصطنعة وتنم عن غيض مكتوم: -لو سمحتِ هل يصادف أنكِ تعرفين عنوان رؤسائكِ في العمل؟ أو تعرفين رقم ابنتهم؟
فقالت السكرتيرة باستغراب: -عفواً؟!

-هل لغتي الالمانية غير مفهومة عزيزتي؟ أسألك عن عنوان منزل مرام عادل. أنا صديقتها وأريد مقابلتها لذلك هل يمكنك التواصل معها لتحددي لي موعداً؟
-في بيتها؟
نظرت نحو فادي وقالت بنفاذ صبر: -هل هي صماء؟
ثم نظرت نحوها وقالت:
-في جهنم لا يهمني المهم حددي لي موعداً معها بأسرع وقت ممكن!

تبادلت السكرتيرة نظرات الاستغراب مع الموظف الذي قربها من غريبة الاطوار هذه التي اقتحمت شركتهم ورفعت سماعة الهاتف لتتصل بأحدهم ثم اغلقتها ونظرت نحو رزان وقالت:
-يمكنك الصعود نحو الطابق العاشر المكتب الرابع. الانسة مرام بانتظاركِ في مكتبها
فقالت رزان ببلاهة:
-ماذا؟ مكتبها؟ مرام تعمل هنا؟
فقالت لها السكرتيرة ترد لها اهانتها:
-ماذا؟ لغتي الالمانية غير مفهومة؟

وقبل أن تنفجر رزان بوجهها سحبها فادي من يدها وهو يبتسم للسكرتيرة بلطف بينما يقول:
-شكراً لكِ انستي
وسحب زوجته مبتعداً عنهم قبل أن تسبب لهم مشكلة هذه المجنونة التي كانت تسب وتشتم مرام طوال الطريق للطابق العاشر.

أول ما فُتح باب المصعد أسرعت نحو الغرفة التي وصفتها لهم السكرتيرة ودفعت الباب ودخلت بقوة غير آبهة بتحذيرات فادي. أول ما رأت مرام هذه المجنونة الهائجة تدخل المكتب نهضت من كرسيها وهي تقول تحاول تهدئتها:
-دعينا نتفاهم اولاً!
رمت رزان حقيبتها أرضاً ورفعت أكمام يديها وهي تقول:
-لِما لا عزيزتي. هاتِ شعركِ اولاً ثم نقرر بعدها كيف سيكون التفاهم!
-رزان أقسم لكِ.

وقبل أن تكمل عبارتها حملت رزان منفضة السجائر واتجهت نحوها قائلة بغضب:
-تقسمين على ماذا؟ عن أي خداع تقسمين؟
نظرت مرام نحو فادي الذي جلس ببساطة على اريكة المكتب يعبث بهاتفه:
-هل ستتركها هكذا؟
-لا تدخليني رجاءاً. منذ أسبوع أتحمل صياحها بي. تحمليها انتِ الان!
كانتا تلتفان حول المكتب. مرام تحاول تفادي رزان ورزان تحاول ضربها وهي تقول بعصبية تحمل كل القلق والحب خلفها:.

-لقد اعتبرتكِ أختي ايتها الحقيرة السافلة أختي أختي!
-رزان أنا.
-لقد شاركتتكِ حتى طعامي الذي لم أشارك به زوجي
فرد فادي هنا فوراً:
-هذه صح أقسم لكِ!
لتكمل رزان دون أن تتوقف عن ملاحقتها لمرام:
-تخونيننا يا حقيرة يا وضيعة ومن ثم بكل جرأة أجدكِ تعملين مع اهلك الفاسقين؟
-رزان أقسم.
-لقد وثقت بكِ لأخر لحظة قبل قدومي الى هنا وقلت لابد أنها شريفة ومن ثم اكتشف أنكِ تعملين معهم يا رخيصة؟

هنا توقفت مرام عن الركض وصاحت بها بتعب:
-لم أخنكم!
فتوقفت رزان وقالت ببلاهة:
-لم تفعلي؟
فقالت مرام بانفاس لاهثة:
-أقسم لم أفعل. فقط توقفي واسمعيني. هل يمكنكِ؟
نظرت لها رزان بشك رغم جديته إلا أنه كان مضحكاً مما دفع مرام للابتسام فوراً وهي تقول تحاول استعطافها:
-هل يمكنني على الاقل أن أعانقكِ؟
فرفعت رزان المنفضة تهددها بالضرب وهي تقول:
-خطوة واحدة وسأرميها عليكِ!

ثم أشارت لها لأحد الكرسين المتقابلين أمام المكتب وهي تقول:
-أجلسي وتحدثي عن كل شيء بالتفصيل الممل وأياكِ أن تتغافلي عن شيء أو أن تكذبي وألا أقسم بالله سأرتكب بكِ جريمة!
رفعت مرام يديها باستسلام وهي تقول:
-حسناً حسناً سأفعل.
وجلست حيث أشارت لها رزان وقابلتها الاخرى على الكرسي المقابل وهي تقول آمرة:
-تحدثي.
-اولاً اشتقت لكِ كثيراً وكنت أعلم أنكِ لن تتخلي عني وستأتين لمعرفة كل شيء.

-اختصري المسلسلات المكسيكية فلن تجدي معي نفع
كتمت مرام ضحكتها بصعوبة ثم قالت:
-حسناً يا حضرة الست رزان. أي شيء تريدين معرفته؟
حينها قالت رزان بجدية تامة كان واضحاً مدى الالم بها:
-كل شيء يا مرام. لا أنا ولا أمي ولا أحمد ولا فادي ولا حتى رامي بداخله يمكننا تصديق أنكِ بهذه البشاعة لتخدعينا بهذه الطريقة. قولي لي أنكِ لم تتفقي مع أخوتكِ
-بل اتفقت. ولكن ليس كما فهمتم
-كيف يعني؟

هنا ترك فادي هاتفته وبدأ يستمع لمرام أيضاً وهي تسرد لهم تلك الخفايا التي أرقت لهم مضجعهم لشهر كامل:
-أولاً. أنا لم أكذب بشأن اختطاف اخوتي وضربهم لي. ضرب جعلني أتنازل لهم عن الشركة في يومها
-تتنازلي؟ طوال تلك المدة أنتِ كنتِ متنازلة عنها؟
-أجل. ولكنهم لم يعلنوا الامر ليغطوا على سبب حضوري لمنزلكم. كي تقتنعوا أنهم يبحثون عن التوقيع وهم بحاجتي فعلاً
-من أجل أن تسرقي الادلة؟

-أجل. هذا ما أرادوه مني. ولهذا أرسلوا أمي بعدها نحو المركز لتعترف
-لا أفهم. تعترف بماذا؟

-أسمعي. الشرطة كادت أن توقع اسرتي بقبضتها أكثر من مرة ونجو منهم بصعوبة. كنا ندرك أن لدى أبيك أدلة ضدنا أو بالاصح عائلتي أدركت ذلك وأن قبضوا عليهم مع الادلة التي لدى أبيكِ فلن يخرجوا منها هذه المرة بسهولة. الادلة التي لا يعرف بمكانها سواكم انتم وأمجد. لا احد يعرف مكانها أو نوعيتها وماذا لديهم ضدنا. كان بامكانهم اقتحام منزلكم بسهولة ولكنها لا يعرفون عن ماذا سيبحثون بالضبط ولا يمكنهم فقط السؤال اين الادلة التي ضدنا لأنه بعدها سيثبت أدانتهم ما لم يقتلوكم. لذلك أرادوا حل الامر بطريقة أكثر سرية وهدوء دون لفت الكثير من الانظار.

-لذلك أرسلوكِ
-نعم. وحين عرفت مكان الادلة ونوعيتها مع كل صباح أنظف به المنزل كنت افتش واخبرتهم بمكانها فارسلوا أمي بحجة الاعتراف ضدهم لانقاذي كي تسحب معلومات من أمجد وتتأكد من أنهم لا يملكون سوى ادلة أبيك التي وقعت بين أيدينا كي تنتهي مهمتي وأعود بالادلة
-ولما فعلتِ ذلك يا مرام؟
-لأحميكم يا رزان. وأحمي رامي!
ثم وقعت دمعتها بألم وهي تكمل:.

-في تلك الليلة وافقت على القدوم اليكم لأنه في تلك الليلة فقط أنا أدركت أنهم هم من قتلوا سامي. لم أكن أعرف بذلك قبلها ولم أشك لحظة بأمرهم. أخبرني زيد أن لم أنفذ ما ارادوه مني سيضطرون لاقتحام منزلكم وقتلكم جميعاً للحصول عليها. ولأني أعرف ما هم قادرين على فعله فكنت أدرك أنه سيفعلونها
-ولما لم تخبرينا؟
-لأن رامي كان سيرفض تسليم شيء له. رامي لم يكن سيتخلى عن انتقامه يا رزان. وكذلك.

سكتت لوهله ثم أخفضت صوتها وكأنها تخشى أن يسمعها أحدهم:.

-كنت أخطط لشيء أكبر لذلك كنت محتاجة لسرقة هذه الادلة منكم. هذه الادلة كانت بطاقة دخولي مع اسرتي في تجارتهم يا رزان. لم أبين لهم خضوعي التام لهم كي لا يشكوا بأمري وبينت لحظات عنادي وتراجعي كي أضيف للأمر واقعية. لو أن الشرطة اكتفت بالأدلة التي جمعها ابيك وحافظ عليه في منزلكم كي لا يتم سرقة في المركز مع الادلة التي في المركز فهذا سيدخل اخوتي بقضية صعبة ولكن هنالك احتمالية افلاتهم من الامر. نعم نسبة ضئيلة ولكنها ليست مستحيلة. لذلك بإعطائهم الادلة والعمل معهم فهذا سيعطيني فرصة للكشف عن اوراق لن يصل لها أحد غيري. أصبحت أشرف على تجارة السلاح معهم بعد أن اختبروني أول مرة وجعلوني أشرف على شحنة اخبروني أنها شحنة اسلحة واكتشفت لاحقاً أنها ليست كذلك فوصلت سالمة دون مداهمة الشرطة فتأكدوا من عدمي تعاوني مع أحد غيرهم لذلك بدأوا باطلاعي على الامور شيئاً فشيئاً. منذ مدة طويلة اتفقت مع امجد على كل شيء ونحن ننتظر الشحنة المرتقبة لإيقاعهم دون أن يتمكنوا من الافلات هذه المرة.

فصاحت رزان بصدمة:
-أمجد يعرف:
-كل شيء. لكننا نحرص على جعل الامر سرياً بيننا. فعصبية رامي وعاطفته ستجعل كل شيء يفشل
فقالت رزان بتردد:
-إذاً في النهاية أنتِ لستِ خائنة؟
-بالطبع لست كذلك يا حمقاء!
حينها قفزت رزان من مجلسها وعانقتها بقوة وهي تبكي قائلة:
-أقسم إني كنت أعرف. لم أصدق أنكِ ستخونيننا لقد أخبرتهم أنكِ بريئة!
ثم التفتت نحو فادي لتوثيق شهادتها وهي تقول:
-ألم أقل لك ذلك؟
فقال فادي:.

-بعد أن قلتِ أنها وضيعة وحقيرة ومنحطة وعديمة الوفاء وحمقاء؟ أجل أذكر في مرحلة ما حين بكيتي قلتِ أنها بريئة!
-المهم إني قلت!
فعانقتها مرام ضاحكة وهي تقول:
-كم أحب جنونك!
عادت رزان لتجلس في مكانها ثم قالت بجدية:
-علينا أن نخبر رامي بكل شيء يا مرام. أنتِ لا تدرين كيف هي حالته!
فردت مرام فوراً معترضة:
-ليس الان يا رزان. لقد قطعنا شوطاً طويلاً ولا أريد أن يحصل أي شيء يدمر ما بنيته وكل ما ضحيت به!

سكتت رزان لثواني ثم قالت وشبح تردد يلوح في نبرتها:
-هل يمكنني أن أسألك شيء؟
-بالطبع.
-ما تفعلينه الان. وإصرارك على أدخال اخوتكِ السجن. هل هو بسبب رامي؟ أم من أجل سامي؟
اكتنف الصمت صوتها وتطلعت بعيون بدت حزينة الى أبعد ما يكون ثم قالت بنبرة مهزوزة:.

-ربما كلاهما يا رزان. في اللحظة التي اخبرني أنه هو من قتل سامي قررت أن اعاقبه. ربما كان سامي هو من جعلني أتخذ قرار بهذه الخطورة. ولكن رامي هو من جعلني أستمر دون أن أتراجع الى الان يا رزان. لا يمكنني أن أقول لكِ أنه من أجل رامي فقط سأكون غير منصفة. لقد فقد سامي حياته بسببهم دون أن يملك أي ذنب بحقهم وتحطمت حياتكم أنتم فقط لأن أبيك أراد انهاء فسادهم. أنهما يفعلان أي شيء ليحافظا على تجارتهم لذلك لا استبعد أن أكون أنا أو امي الاسم التالي في قائمتهم.

-أفهم من ذلك أن امكِ غير مشمولة بقرار القاء القبض بخطتكِ!
-بالطبع لا! لا يمكنني فعل ذلك يا رزان ومتأكدة أنه بعد رحيل زيد وعلاء من المستحيل أن تستمر بهذا النوع من التجارة. لقد اتفقت مع امجد على هذا مقابل حماية أمي.
-أنا أفهمكِ. بالطبع أنه أمر صعب!
-أريد فقط الانتهاء من كل شيء لأرتاح. لقد قررت أنه بعد ان تحل القضية حتى العمل هنا سأتركه لأبدأ بشركة اخرى.

وهنا ضيقت رزان عينيها بشكل مضحك وكأنها تخطط لشيء شرير ثم قالت:
-اها. إذاً بالتأكيد ستحتاجين لمكان عمل جيد!
فقالت مرام بشك:
-أياً كانت المصيبة التي تخطيين لها أتوسل إليكِ تخلي عن فكرتها!
فادعت الاخرى البراءة وهي تقول:
-لست أخطط لشيء حبيبتي. أنا فقط أبادلكِ الحديث لا أكثر!
وبالطبع لم يقتنع أياً من الثلاثة بما قالته رزان ذات الخطط الفاشلة تخطيطياً وناجحة نتائجياً.

علي اية حال، فبعد أن فهمت رزان كل شيء من مرام أطمئنت أنها ليست كما يحاول رامي أقناع نفسه ليكرهها. أخذت رقمها واتفقتا على البقاء على تواصل سري دون أن يشعر أحد بذلك. فلو علم رامي بذلك ستفتح أبواب الجحيم عليهم!

أتعلمون أي نوع من النيران هو الاسوأ؟ تلك التي تلسعك بلحظات اشتياق لشخص لن تتمكن من الوصول اليه أبداً مهما حاولت. الامر كالإدمان، كلما حاولت الابتعاد عنه كلما تشبثت به أكثر.
لم تكن تستطيع ببساطة التواصل معه على رقمه الذي أخذته من رزان ولم تتمكن من معرفة أخباره من مواقع تواصله التي لغاها جميعها. كانت تتعذب بهذا الغياب الطويل دون سماع صوته أو رؤيته بعد أن اعتادت وجوده في حياتها بشكل يومي!

كانت تجلس على مائدة الطعام تقوم بطباعة بعض أوراق العمل بملامح مجهدة بينما والدتها تقوم بتحضير أطباق العشاء. بعد الانتهاء من كل شيء قالت سعاد بينما تغلق شاشة الحاسوب الشخصي:
-كفى عملاً وتعالي لتأكلي بعض الطعام!
تبسمت مرام وهي تراها تحضر أطباقها المفضلة فباشرت فوراً بالأكل وهي تقول:
-هذا ما أحتاج إليه بالضبط!
تبسمت سعاد بحنو وهي تقول:
-هنيئاً حبيبتي.

وباشرت كلاهما الاكل من دون حديث متبادل أول ثلاث دقائق ثم فجأة قالت سعاد بينما تقطع شريحة اللحم بتروي ومن دون أي انفعال:
-مرامي.
وسكتت لترفع مرام رأسها اليها تنتظر تتمة الحديث الذي لم تبخل به سعاد:
-لم يكن عملي في تجارة قذرة كهذه من اختياري. كان مستنقع من الوحل غرقت أول قدم لي به وحين حاولت إخراجها بيدي وقعت فيه كله. كنت في مرحلة ما أمارس العمل وأنا أكاد اتقيء ما يجري من شدة تقززي.
-أمي لا.

-رجاءاً. دعيني أكمل.
ثم استرسلت:
-حين أخطأت أنا فهذا لا يعني أبداً إني راضية عما فعلت أو تتوقعي للحظة إني راضية على انخراطكِ بهذه الاعمال
فقالت مرام بغصة:
-لكن ما فعلتموه لي أجبرني أمي!
فنظرت لها سعاد بذات هدوئها وهي تقول:
-بالضبط. لذلك أنا الان متغاضية عن اتفاقكِ مع أمجد رغم إني أدركت نهايته بالنسبة لنا. ولي بالأخص!

فتحت مرام عينيها بصدمة وانقبض قلبها بقوة وهي تدرك أن أمها على علم بكل ما تخطط له. ما يثير الرعب حقاً في قلبها هو رد فعل أمها. كيف سيقفون في طريقها هذه المرة؟ وأي ضربة قاضية سيضربون بها قلبها ليوقفوها؟
ارتجف فمها تكاد تتحدث وتبرر أو تشرح أي شيء لتغطي على فعلها ولكن كل حروف اللغة خانتها في تلك اللحظة وحين شاهدت سعاد هذا الخوف في عيون ابنتها مدت يدها بلطف لتمسك يد مرام وهي تقول مطمئنة:.

-مرامي. أنا أمكِ. مهما كنت قاسية في أمر أعادتكِ هو فقط لأني أردت حمايتكِ. لم أعرف ما فعله أخوتكِ بكِ إلا بعد أسبوع. ما كان بيدي أن أفعله سوى مجاراتهم لأنفاذنا جميعاً. لكن لا يعني أبداً إني سأرضى لكِ الاذية. أعرف أننا كسرنا لكِ قلبكِ كثيراً لا سيما بعد أن عرفت مؤخراً بأمر سامي. مرام أنا لا يمكنني أبداً المضي قدماً مع كل ما تعرضتِ له بسببهم. لذلك ورغم معرفتي بدخولي الى السجن ولكن لا بأس. المهم أنكِ ستحصلين على حريتكِ منهم. أدركت اتفاقكِ مع أمجد ولم ولن أقف في طريقكِ. وأعلم أنكم تخططون للقبض على اخوتكِ في الشحنة الاخيرة لذلك خذي وعد وكلمة مني بأنكِ ستكونين على علم صحيح بمكانها ووقتها!

بكت مرام وهي تمد جسدها لتعانق أمها وهي تقول:
-أسفة يا أمي. لكن لا خيار اخر أمامي. قلبي مكسور أمي. أنا أتألم!
طبطبت على ظهرها بمواساة وهي تقول:
-أعلم حبيبتي أعلم. لذلك أفعلي ما يجبر لكِ قلبكِ
نظرت مرام لها من بين ىدموعها وقالت:.

-أنا لم أفعل أي شيء مخالف للقانون لأحمي نفسي لذلك حين اتفقت مع الشرطة لم أتفق على شيء يخصني. اتفقت على شيء يخصك. يدرك أمجد أن التخطيط وتوسيع الاعمال بيد زيد وعلاء وأن وجودكِ في الشركة فقط كمالكة لذلك قبلوا بالتغاضي عن كل شيء مقابل مساعدتي لهم بالقبض على زيد وعلاء ومقابل ضمانكِ بعدم العودة لهذه التجارة عن طريق إعطاء تصريح أبدي بالتفتيش بشركتنا وبضاعتنا في أي وقت. بالطبع مع دفع غرامات مالية كبيرة للدولة مقابل أطلاق السراح المشروط ومنعكِ من السفر أو مغادرة المدينة لحين انتهاء فترة عقوبتكِ ولا بأس بذلك. المهم أن تبقي معي!

-أتعنين إني لست مشمولة بقرار القاء القبض؟
-لم أكن سأسمح بذلك أمي. قال أمجد أن أقسى حكم سيصدر بحقكِ هو ربما سبع شهور في سجن الولاية كحد أقصى ثم أطلاق السراح المشروط مقابل كفالة مالية. يمكننا بيع شركتنا وكل ما نملك وندفع هذه الكفالات والاجور ونبدأ أنا وأنتِ بعيش حياة عادية. يمكنني العمل بشركة اخرى ويمكنكِ بدأ عملكِ الخاص بعد خروجكِ من السجن!
ثم ضحكت من وسط دموعها وهي تقول:.

-أو يمكنكِ فقط المكوث في المنزل لترتاحي وتعدي لي ما أحب من الطعام حين أعود من العمل متعبة!
ثم قالت ببكاء أشد:
-ألا يمكننا عيش هذه الحياة البسيطة والسعيدة أمي؟
مسحت أمها دموعها بينما هي الاخرى تبكي ثم ضمتها اليها وهي تقول:
-بالطبع يمكننا حبيبتي. بالطبع يمكننا!
مهما قست الام ومهما مارست معنا أفعال سنجدها عديمة الرحمة. لكنها في النهاية ستبقى أحن القلوب عليكِ في هذا العالم الكريه.

ستكون تلك التي تضمك حين تفلتك جميع الايادي وترفعك كلما تعثرت أقدامك ودفعك بقسوة من حولك
لن تفهم أبدا ما يحتويه قلب الام لا في اذيتها لك ولا في عطفها عليك. فبالحالتين أنت لن تشعر بشيء سوى بالحب فحسب!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة