رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس
كنت قد أحببته..
يولد الانسان ويتعلم كتم كل خيباته واوجاعه وشكوكه وكل ما يقلب له دواخله رأساً على عقب. ولكنه فجأة يصل لمرحلة عمرية معينة لن يعود فيها الكتمان خياراً متاحاً أو قابل للتحقيق. يصل لهذه المرحلة العمرية فيبدأ بالثوران على انسكاب بعض القهوة فوق قميصه الجديد بعد أن كان يكتم ما يدفعه للانهيار باكياً ويستبدله بضحكة...
أن الانسان يتغير ولا يولد سيء من ذاته. عليك أن تعرف ذلك قبل أن تحكم عليه بالقسوة وقلة الصبر!
كان صياح رامي كافياً ليطغي على اصوات كلاً من أمه وأخته في محاولاتهن الفاشلة في تهدئته. خرج من الغرفة دون ان يفهمن ثلاثة ارباع الكلمات التي نطقها ولكن الثلاثة سمعن جملة واحدة غير قابلة للشك قد تكررت من فمه عشر مرات على الاقل:
عليها أن تخرج من منزلي فوراً.
اغلق خلفه باب الغرفة بعنف وكأنه حتى لا يطيق أن يقع بصره على مرام مجدداً أو يسمع همساً لها. بقيت ندى واقفة بحيرة تتطلع ما بين باب الغرفة وما بين مرام المجهشة بالبكاء دون أن يرأف عليها حضن ليحتويها بادئ الأمر. استغفرت ندى ربها وتقدمت منها لتجاورها بالجلوس وكأن مرام أحست بما يشعرونه اتجاهها الثلاثة في هذه اللحظة حتى وأن كان رامي أشدهم فهذا لا يعفي هاتين الاثنتين من الشعور بالامتعاض ربما ليس منها بالاخص ولكن من أسمها الذي تحمله. نظرت مرام لندى تحاول استعطاف قلبها الرحيم وهي تبكي وتمسك يديها لتقبلها وتقول:.
- أرجوكِ. أن خرجت من منزلكم ولا سيما وأنا بهذا الوضع فسيعثرون على ويقتلوني. ليس لي مكان أذهب إليه يا خالة!
استنكرت ندى تقبيل مرام ليدها وسحبتها عاى الفور واحتضنتها اليها برفق وهي تقول:
-استغفر الله يا ابنتي. لا تقلقي سأتحدث إليه ونجد حل.
ليرد صوت رزان الذي كان يبدو هادئ أكثر مما كان عليه وكأن الحيرة والتشوش سيطرا عليها ليمنعا صوتها من الخروج باريحية:.
- منذ متى ورامي يتفاهم ليصل لحل معقول فينا يخص عادل سيف الدين؟!
نظرت لها مرام بانكسار ف رقّ قلب رزان لها لتسحب الكرسي وتجعله على مقربة من سريرها وتمسك يدها برفق بين كلتا يديها وقالت:
-أسمعي مرام، صدقيني ليس لدينا أي مشكلة معكِ، ولكن حاولي أن تتفهمي رد فعل أخي. ما مررنا به ليس سهلاً.
فردت بصوت باكي:
- وما ذنبي أنا بما فعلوه هم؟ ما ذنبي؟!
تبادلتا ندى ورزان النظرات للحظات ثم التفتت ندى اليها وقالت بترجي:.
- أقسم عليكِ بذات الله يا ابنتي. هل عثور رامي عليكِ كان صدفة؟ ام لأخوتكِ يد في هذا؟!
- يا خالة اقسم لكِ بذات الله كان صدفة ولم اتفق معهم على شيء. وثانياً ما الذي قد يريدوه أخوتي منه؟ حسب ما عرفت مرة أنه وبسبب تحقيق والدكم يرحمه الله ورتبته في الشرطة فأنه شكّل خطراً عليهم ومن حقكم اتهامهم بالقتل و.
فقاطعتها رزان فوراً: - نحن لا نتهم أحداً يا مرام. هم قتلوا أبي فعلاً وليس مجرد أتهام عابر!
لتكمل مرام: -بغض النظر ما أن كان اتهام أم حقيقة ما أقصده هو أن والدكِ شكّل خطراً. ولكن رامي لن يشكّل حتى قلق بالنسبة لهم!
لتقاطع ندى النقاش الجاري: - دعكِ من هذا الأمر. الأهم من هذا كله. هل أنتِ واثقة يا ابنتي أن قدومكِ لمنزلنا ليس محض لعبة واتفاق بينكم؟!
فردت مرام ببكاء أشد: - أقسم لكِ يا خالة ليس كذلك!
- أنه أبني الوحيد. لقد خسرنا الكثير بسببكم. فليرق قلبكِ علينا ولتخبريني بالحقيقة أن كنتِ تكذبين!
- أقسم لكِ بالله يا خالة ما أخبرتكِ به هو الحقيقة وذاتاً لست على وفاق مع اخوتي.
ثم اشارت لنفسها بينما تكمل: -وحالتي هذه هي أكبر دليل على كلامي!
تنهدت رزان بحيرة اشد واومأت باقتناع ثم نهضت قائلة: - سأذهب للتحدث أليه وعسى الله يهديه للصواب!
خرجت ندى نحو الصالة لتجد رامي هناك يعصر رأسه بين كلتا يديه ويحرك جسده جيئة وذهاباً وكأن النار التي بداخله أقوى من أن تجعله يبقى ثابتاً.
بقيت تحدق به للحظة بقهر. لا تعلم ما الذي عليها أن تفعله بالضبط. ما بين تلك المستضعفة التي بالغرفة وما بين هذا الذي يداري جرحه وكسرته بقسوته.
كان رامي مقرباً كثيراً من أبيه بل وحتى كان يعتبره اقرب صديق له. عصام كان محقق في الشرطة والذي كان يعتبر الشرطي النزيه وسط وفرة من الفاسدين معه في العمل والذين كانوا يغطون على جرائم اصحاب الاموال مثل عادل سيف الدين وغيره. لم يستمع له أحد وكل دليل يقدمه لانتهاك القانون الذي كان يحصل في شركة عادل واعماله السرية التي يقوم به من خلف الكواليس كان رئيس الشرطة يعتبره دليلاً ضعيفاً وغير كافي لألقاء القبض. كان عصام يدرك أن رئيس الشرطة متواطئ معهم لذلك كان عليه العثور على دليل أقوى يمنع رئيسه من تجاهله بل وقرر تقديمه للجهات العليا بنفسه. وحين اقترب من فعل ذلك أُصيب بعيار ناري أخطئ رأسه واصاب كتفه اصابة بسيطة ولم تكن حتى خطيرة.
في ذلك اليوم كان رامي معه في المستشفى ولم يفارقه للحظة وأخبره والده وهو متيقن أن عادل سيف الدين وأولاده خلف هذه الحادثة وسيحاولون فعل غيرها وغيرها ألى أن يتمكنوا منه. وبدل ان يخرج عصام في اليوم التالي من المشفى تفاجئ بالطبيب يرفض ذلك رفضاً قاطعاً ويصر على بقائه أكثر ليوم اضافي بحجة الاطمئنان على صحته رغم أنه أكد لهم حين دخولهم أن الاصابة لا تستدعي القلق وطلب من رامي الذهاب لخارج المستشفى ليحضر دواء لابيه لا يتوفر بالمستشفى.
خرج رامي من المستشفى وأبيه باحسن حال واستغرق مشواره نصف ساعة لا غير ليعود بعدها ليصدموه بخبر موت أبيه المفاجئ بسكتة قلبية رغم أنه لم يكن يعاني حتى من مرض الضغط أو السكر. كان فادي انذاك لا يزال طالباً ولكن رغم ذلك استطاع بسهولة ان يؤكد له أن فحص جسد أبيه بعد أن دخل مع رامي للمشرحة لم يكن فيه أي دلالة على ذبحة صدرية وحين اقترح عليه اجراء تشريح رفض رامي ذلك. فالذي استطاع رشوة اطباء المستشفى ليتمكن من اتمام عملية القتل سيتمكن من تزوير تقرير المشرحة بسهولة!
كانت ايام صعبة مرت عليهم بعدها ورامي لم يكن قد وجد وظيفة بعد ليعيل بها أسرته وتقاعد خدمة أبيه لم يكن كافياً ليغطي المصاريف لا سيما مع قرض البنك الذي لم يتم تسديده بعد الذي اقترضه ابيه من اجل شراء الشقة والسيارة. ما بين فراق الموت وما بين ظروفهم المادية وما بين أنه كان عليه تمثيل صموده أمام والدته واخته وأن لا ينهار باكياً إلا سراً وما بين ذلك الوجع الذي يتآكله من الداخل حين كان يعرف جيداً من كان السبب وراء موت أبيه ولكنه لا يملك الدليل الملموس بشكل كافي ليثبت به ذلك!
أزاحت ندى تلك الذكريات التي تزاحمت في عقلها واقتربت من ابنها رويداً وجاورته لتقول بهدوء:
- اذكر الله بادئ الأمر!
فرد رامي بعصبية:
- ونعم بالله أمي ولكن إياكِ أن تطلبي مني ما أظن أنكِ ستطلبيه!
فقالت باستعطاف:
- يا ولدي. أن دعتك قدرتك لظلم الناس. فلا تنسى قدرة الله عليك
حينها نهض نافراً وهو يقول باستهجان:
- ظلم؟ أأنا أظلمها أمي؟!
- أن طردتها الان خارج المنزل فنعم أنت كذلك. أنها امرأة لا حول ولا قوة لها إلا بالله وبنا وأنت تريد طردها لمن لا يخاف الله بها؟ أين شهامتك وغيرتك التي عرفتك بها وربيتك عليها؟!
فعلى صوته أكثر:
- أمارسها مع الجميع إلا مع تلك المنحطة ابنة القتلة الفاسدين!
فنهضت ندى بدورها تبادله عصبيته:.
- ليس هنالك إلا في الرجولة. لن تمارسها مع أحد وتعفيها من أحد. أنت رجل وستتصرف على هذا الاساس بغض النظر عمن يكون الطرف الاخر وهل يستحق ذلك أم لا!
انحنى جسده قليلاً ينقر باصابعه بعصبية فوق المنضدة وهو يقول باصرار:
- أن بقيت هذه الفتاة في هذا البيت ليوم اخر فلن أبقى أنا به والله يشهد أنكِ لن تجدي لي أثر يا أمي!
فزجرته بغصة:
-ما الذي اصابك!
ضرب صدره بهيجان مشيراً الى نفسه:.
- ما بداخلي من وجع هو ما اصابني أمي. مجرد فكرة وجودها على بعد أمتار مني تجعلني أود وضع رصاصة في منتصف جبهتها لمجرد أن دمائهم تجري في عروقها. أنا لا أطيق حتى ذكر أسم واحد منهم فكيف بوجود أحدهم معي تحت سقف واحد. هل ترديني أن يحل على الصباح ميتاً على سريري من هذه النار التي تحرقني يا أمي؟!
قبل أن ترد ندى بشيء خرجت رزان من الغرفة وهي تقول بتردد:
- أمي؟!
نظر كلاهما أليها فأكملت ما بين حيرة وما بين شفقة:.
- مرام تقول أنها سترحل.
فصاح رامي بكره:
- عساها تذهب الى جهنم وبئس المصير. لتخرج فقط من بيتي!
فردت رزان تستحثه على التعقل:
- يا رامي اذكر الله. رامي الذي اعرفه لا يفعل ذلك!
فرد ناهراً:
- اششش حرف آخر لن ينطق من كلاكما ولتخرج هذه اللعينة في الحال!
فسمع صوتها الضعيف ينساب من خلف رزان:
- رزان، من فضلكِ فقط اعينيني على النهوض!
التفتت اليها وعادت لتتطلع بحيرة نحو اخيها وعينيها مليئة بالدموع:.
- يا أخي ما بها من رضوض وكدمات لا تجعلها تقوى حتى على الوصول لنهاية الشارع قبل أن تسقط مرة اخرى!
قبل ان يرد قالت ندى:
- اتصلي بفادي واخبريه. ومرام لن تخرج قبل ان يحضر فادي
رد رامي بعصبية:
- وما دخل فادي بهذا؟ هل سيجبرني على بقائها؟!
فنظرت له بسخط ممزوج بعتب:
- لعله يقول شيء يوقظك من جنونك هذا فأنا قد عجزت منك!
ثم دخلت هي ورزان نحو الغرفة مع مرام واغلقت ندى الباب خلفها ولم تسمعا من بعدهما سوى صوت تكسر زجاج المنضدة التي رفسها رامي بقدمه ويليها شتم ولعن بصوته المبحوح من الصياح!
قالت مرام بإحراج:
- لا أريد خلق مشكلة بوجودي يا خالة. دعيني امضي في طريقي فلستم مجبرون على التورط معي!
فردت ندى زاجرة بينما تشير لرزان:.
-أنا الان اراكِ رزان. أتخيل لو أن ابنتي في الوضع ذاته ووقعت مع عائلة ما. هل كنت سأرجو ايوائها أم رميها بالشارع دون رحمة؟ نحن ننظر لمصائب غيرنا كما لو كانت مصيبتنا لنعرف ما قد يشعر به وما قد يحتاجه وليس أن نتبرئ منه بحجة ما خصنا؟ . هنا تكمن الرحمة التي يريد الله رؤيتها بيننا!
ثم اشارت نحو الاعلى بسبابتها وقالت:.
- حين وضعكِ بطريقنا وبطريق رامي بالأخص ليس صدفة. الله لا يفعل أي شيء عبث يا ابنتي. وجودكِ هنا ليس ورطة بل بلاء من الله أن تقبلناه بأحسن القبول جازانا عليه وأن سخطنا وعجزنا ورميناه عاقبنا
ثم نظرت نحو رزان وختمت كلامها قائلة:
- وانتِ اتصلي بفادي فوراً ليحضر ويتحدث الى صديقه الذي فقد عقله!
بعد نصف ساعة وليس أكثر رن جرس الشقة ففتحه رامي وهو يتوقع من سيجد امامه ولكنه لم يتوقع وجود أحمد معه ايضاً!
فتح الباب وسار نحو الصالة بصمت دون حتى ان يلقي عليهما التحية فدخل من بعده فادي وأحمد بوجوه عابسة وساخطة نوعاً ما. ما أن سمعت ندى صوت باب الشقة يُفتح حتى خرجت من الغرفة لتجدهم يجلسون في الصالة بصمت مطبق. رامي يحدق بشاشة التلفاز المطفئ وهو ينفث انفاسه بحرقة وكأنه ينصهر من الداخل.
القت ندى التحية وجلست تحدق بوجه رامي كما يفعل فادي واحمد ولم يبدو على رامي أنه ينوي فتح حديث. تبادلا ندى وفادي النظرات ثم التفت فادي نحو رامي وهو يقول:
- هل ما اخبرتني به رزان صحيح يا رامي؟ كيف لك أن.
وقبل ان يكمل جملته تفاجئ برد فعل رامي الهجومي وهو يقول بعصبية:
- لا أحد يتدخل بهذا الامر وهذه اللعينة التي في الداخل لن تبقى ليلة واحدة في منزلي!
فرد أحمد ممتعضاً من قرار رامي:.
- هل انت واعي لِما تقوله؟ تريد رمي فتاة في الشارع يا رامي؟ لو كانت اختك أكنت سترضى لها هذا؟!
فرد بصوت تعمد ان يجعله مسموع بوضوح لها:
- اشكر الله إني لا أملك أخت مثلها ولا أنا أنتمي لأسرتها الفاسدة!
فرد فادي بذات الامتعاض:.
- هذا ليس منطق يا رامي. الفتاة ان عادت لمنزلها قد يكونوا أخوتها يتربصون لها هناك. وأن اتصلت بأمها فليس بالمستبعد ان يكونوا بالقرب منها أو يتنصتون عاى مكالماتها فيدركون أنها لا تزال حية فيسعون للقضاء عليها ومن المؤكد أنهم يراقبون المكان وسير التحقيقات بخصوص اختفائها.
رفع كتفيه بعدم مبالاة وهو يرد ببرود:
- لجهنم وبئس المصير عساهم يقتلوها أو تقتلهم لا يخصني ولن يرف لي جفن على أياً منهم!
تبادل الثلاثة النظرات فيما بينهم ثم قال أحمد فجأة بعزم:
- حسناً اذاً. جهزي مرام يا خالة لترافقني!
فقالت ندى بعدم فهم:
- ترافقك الى اين يا ولدي؟!
- لمنزلي. أنا أعيش لوحدي ولن يعرف أحد بأمرها وساطلب اجازة لايام لأتمكن من التواجد معها في المنزل اعتني بها لحين تستطيع تولي أمرها بمفردها.
فردت ندى ما بين رفض وما بين حيرة:
- ولكن يا ولدي هذا لا يجوز. أنت رجل غريب عنها ولا ينفع بقائها معك في المنزل لوحدكما.
فقال احمد بشيء من الغضب:
-وهل لدينا حل آخر يا خالة؟ هل ترك ابنكِ لنا قرار منطقي لنتخذه؟ هل رميها في الشارع افضل من بقائها معي؟ على الاقل أنا انسان محترم وجميعكم تعرفوني ولن أسبب لها الضرر عكس من يسكنون الشوراع التي ينوي أبنكِ تسليمها لهم!
فردت ندى مبررة كلامها:
- العفو منك يا ولدي بالطبع أنت أهل للثقة ولكن ما اقوله.
- أعلم ما تعنيه يا خالة ولو كنا في ظروف مختلفة فأنا ذاتاً سأستصعب وجود فتاة غريبة بمفردها معي في المنزل. ولكن لا حل آخر لدينا.
سكتت ندى بحيرة والتفتت نحو رامي لتجد نظراته الحادة قد انكسرت قليلاً وشاهدت شبح تردد في عينيه عاى الموافقة على هذا الامر فسألته ندى باستعطاف:
- رامي. ما رأيك أنت؟!
نظر لها وعينيه تتحرك باتجاهات مختلفة وكأنه يفكر بالتراجع ولكنه اشاح وجهه فوراً ناحراً عطفه الذي زحف الى قلبه وايقظ رجولته وقال بأصرار:
- قلت لكم ألف مرة. لتذهب الى الجحيم لا يهمني أمرها!
تنهدت ندى باستسلام ونهضت قائلة:
- لأسأل الفتاة عن رأيها اولاً.
دخلت ندى الى الغرفة وبقي فادي يحدق بملامة بوجه رامي فرد الاخر بعصبية:
-ماذا؟! هل تشبّه على بأحدهم؟!
فرد الاخر ساخراً:.
-اجل. باحمق كنت أعرفه بالسابق مليء حد التخمة بالرجولة.
- اجل. تقيئتها من كثرة الاشباع!
فحاول فادي أن يتوسله بالاعدال عن رأيه فقال رامي خاتماً الموضوع بوقوفه:
- كل شيء في هذه الحياة أقبل النقاش به يا فادي عدا هذا الموضوع وانت تعرف هذا!
زفر فادي بضيق فاستدار رامي يريد الدخول نحو غرفته فوقع بصره على مرام التي تستند على يد ندى ورزان وتسير بصعوبة من كدماتها. ندرت باسف وخيبة ظن نحو رامي فتجاهل الاخر معنى نظراتها واكمل طريقه نحو غرفته فاستوقفته عبارتها وهي تقول:
- طوال الخمس سنوات التي عرفتك بها دون أن تعرفني كنت اظنك مختلف عن كل شخص أعرفه، ولكنك في النهاية تشبههم الى حد غير قابل للتصديق!
توقف واتجه نحوها بعصبية رافعاً اصبعه بتهديد وهو يقول:
- ألتزمي حدودكِ يا هذه. فلن اسمح لمثلكِ بأعطائي درس بكيف على ان أكون!
نهض فادي واحمد فوراً معتقدين انه سيتمادى عليها بالضرب او ما شابه واحنت ندى جسدها عليها قليلاً وكأنها تحميها منه بينما مرام لم تبدي أي رد فعل سوى أنها هزت رأسها بذات خيبتها وقالت:
-أسفي عليك يا رامي. لقد أعمى الحقد قلبك!
فقال احمد مختتماً هذا النقاش الحاد:
- لنذهب آنسة مرام.
نظرت له فأكمل:
- أنا أحمد. أكون صديقاً لفادي خطيب الانسة رزان!
فردت بامتنان:
- شكراً لك كثيراً عما تنوي فعله. ولكنك لست مضطر. كل ما اطلبه منك هو ان ترافقني نحو منزلي وتنزل قبلي لتتأكد من عدم وجود اخوتي وتذهب بعدها في حال سبيلك. لست مضطر للتورط معي!
فرد رامي ساخراً:
-وهل أنا كنت مضطر مثلاً لتلوميني على عدم فعلها!
فنظرت له بحزن وقالت دون أن يفهم أحد المعنى:.
-لست كذلك. ولا أعلم لِما كنت أشعر أن هذا من مسؤوليتك!
فقاطع احمد مرة اخرى إجابة رامي قبل أن ينطقها وقال:
- انسة مرام. دعينا اصطحبكِ الان نحو منزلي وسنقرر بعدها ماذا سنفعل حين تستعيدين صحتكِ. لا يزال الوقت مبكراً على اتخاذ القرار.
صمتت للحظات ثم اومأت موافقة فنظر نحو ندى ليسألها:
- ستأتيتن معنا أليس كذلك؟!
- بالطبع سأفعل. سأساعدها على النزول وارتب وضعها هناك وأعود.
- حسناً إذاً. لا سبب لبقائنا واقفين. لننطلق!
رافقتهم مرام نحو منزل احمد وهي تشعر هذا اليوم أن قطعة من قلبها قد تم ثلمها. لم ينكسر كلياً بل جزء منه قد سقط بعد أن اكتشفت أن الشخص الذي أكنت له الاحترام والاعجاب كل هذه السنين أن تتحول نظرتها له بهذا الشكل! سهرت ليالي وليالي تتصفح صوره في صفحته الشخصية، تتابع أخباره، تحفظ جميع مقاطع الفديو التي يصورها في بعض الاحيان ليضعها قصة على إحدى المواقع. بدأت معه من قبل استلامه للعمل وما بعد ذلك. تفرح حين تشاهده قد نشر شيذ جديد لنجاح له او لترقية وحتى أنها انشأت صفحة مزيفة بأسم آخر لتبارك له كل نجاحاته ولتخفف عنه ايام خيباته، كانت تشعر أنها رافقته في كل خطوة في حياته على مدى هذه السنوات الخمس ولا تعلم هل لأنها كانت معجبة به فعلاً قد فعلت ذلك. أم أن كل ما في الأمر هو شفقتها نحوه وتأنيب الضمير الذي عاشت به بعد ذلك اليوم!