رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس عشر
حين تشعر أنك تخسر كل شيء وأن الحياة تنساب من بين يديك مثل حبات رمل قد عجزت أصابعك عن التمسك بها، هي اللحظة ذاتها التي تكون بداية لحلول مستعصية ومستحيلة. ماذا تعرف ماذا يخطط الله لك؟، أتظنه سيضع خطة فاشلة؟ أو لا تثير أستحسان ظنك؟ فقط تمهل وتقبّل. حينها كل شيء سيكون بخير!
كانت مرام تطالعه بارتباك وتوتر وهو يقف أمامها مغرقاً يديه داخل جيوب بنطاله ويحدق بها ما بين استياء وبرود دون أن يتحدث بشيء، مما زاد من حدة قلقها أكثر الى أن قال اخيراً وهو يشير بذقنه اتجاه الكرسي قرب منضدة دراسة رزان: - أجلسي.
لم تستطع معارضته بعد نوبة الغضب التي تسببت له بها فجلست بصمت مطبق وأصابعها تعبث بقلق جلي بطرف حجابها المنسدل على صدرها فسحب هو الكرسي الاخر وجلس أمامها مشابكاً راحة يديه ببعضهما ومستنداً بمرفقيه على فخذيه، وضعيته المعتادة في التحقيق!
- هل كان تصرفكِ صحيح؟
سألها بجمود لترد بفم جاف ورغم ذلك مدعية الثبات: - ذلك يعتمد.
- على ماذا؟!
- على اي تصرف تقصد.
- جميعهم يا مرام. ذهابكِ مع احمد دون علمي. توقيع الاوراق دون مناقشتي بالامر على الاقل. مقابلتكِ لوالدتكِ دون أخذ احتياطاتنا اللازمة. هل تجدين أنه من الصواب القيام بهذا من تلقاء نفسكِ؟
اشاحت وجهها جانباً بعناد رافضة الاعتراف بخطأها فأكمل هو بنبرة حملت بعض العتب:
- لحظة غيرة لا تغفر لكِ الطيش.
التفتت اليه بشراسة تكاد تهجم لتدافع عن نفسها ولكن خزرته الفورية وعبارته الناهرة أسكتتها:
- ولا كلمة!
تفاجئت من نفسها لخضوعها له بهذا الشكل وصمتت من غير تعليق وكأنها ابتلعت لسان الصباح الذي تشاجرت به معه!
استأنف حديثه: - بغض النظر عن أسبابكِ سواء غيرة أو غضب أو أنتقام فهي لا تبرر الطيش الذي قمتِ به.
ثم نهض من مكانه ليكمل: - لم اتوقع أبداً سذاجة كهذه منكِ.
ثم اتجه نحو الباب ليسمعها تقول: - حسناً بما إني لم أعد ذا نفع لك فما الداعي من بقائي؟ لِما لا تدعني أرحل؟
زفر بضيق تكاد تقسم أنه سيقتلع الباب الذي يقف بمواجهته ثم التفت اليها بعصبية معاكسة للبرود الذي كان يخاطبها به: - هذا كل ما يهمكِ أليس كذلك؟ أفسدتِ كل شيء فقط لأن بطاقتي الرابحة استفزتكِ!
شُلّ لسانها عن الرد أمام صراحته في التعبير عن معرفته كل شيء وشعرت بالخجل دون سبب معين. ولكنها وجدت سبب لذلك بعد لحظات حين وجدته يتقدم اليها ليحاصر جسدها بين يديه وهو يقبض على زنديها بقوة ويقول بغضب يختبئ خلفه الكثير من المشاعر المكتومة: - أجل قلتها ولن اتراجع عنها. انتِ بطاقتي الرابحة. ولست نادم على ما قلته. وحين قلتها لريهام ليس بغرض حمايتكِ منها فقط بل كنت أعنيها، وأعنيها كثيراً يا مرام!
قال عبارته الاخيرة وكأنه يرمي حمل ثقيل من داخله حينها فجأة أصبحت هذه الكلمة التي استفزتها هي سبب في ارتباك قلبها واضطرابه وهي تفهم المعنى من هذه الشيفرة لا سيما أنه قالها بنظرات مميزة يطالعها بها جعلها تصمت مأخوذة بقربه وعينيه وكلماته التي كان واضحاً أنه قد زل لسانه بقوله وهي تشاهده يدفعها عنه فوراً ليكمل بذات نبرته الساخطة: - لن ترحلي لأي مكان. وحين حميتكِ لم يكن لغرض الانتقام فقط. نعم هذا ما كنت اقوله لكِ وللجميع بل وحتى لنفسي وكأني احافظ بذلك على كبريائي. ولكنه لم يكن كذلك يوماً. حميتكِ لأنكِ تحتاجين الحماية بغض النظر عمن تكوني. أجل لم تعودي ذا نفع لي. ولكن هذا لا يعني أبداً أن أتخلى عنكِ!
ثم خرج مغلقاً الباب خلفه بعنف وبعدها سمعت دوران المفتاح به. هذا يعني أن العقاب لم ينتهي بعد!
ولم ينتهي العقاب في الثلاث ايام القادمة. كان يحرص على تواجده الدائم في المنزل لا سيما أنه ترك العمل في شركة عائلة ريهام ولن يباشر العمل في الشركة الجديدة التي قدم عليها إلا بعد اسبوعين، لذلك كانت فرصته الذهبية لتطبيق عقابه على ما فعلته على أتم وجه!
لم يكن يفتح لها الباب إلا بأوقات الصلاة أو أذا بعثت له رسالة أنها تحتاج دخول الحمام وحتى رزان لم يكن يسمح لها بالدخول إلا وقت النوم. وأما بالنسبة للطعام فكان يرسله نحو غرفتها لتأكله هناك بمفردها!
كانت الساعة تشير الى السابعة والنصف ورزان وندى تحضران العشاء في المطبخ وكان واضحاً له تهامسها تنتقدان عقابه ويجدانه قاسي عليها فيهتف بين لحظة واخرى:
- أسمعكما بالمناسبة!
فتخفضان صوتيهما لدقائق ثم يعاود الارتفاع بعض الشيء ليصبح واضحاً من جديد. فجأة ووسط صوت التلفاز وصوت الهمسات، اخترقت مسامعه تلك النغمة القصيرة التي دفعته للابتسام مرغماً. أنها عزيزة القلب العنيدة!
- رامي؟
تبسم ورغم ذلك رد ببرود:
- نعم؟!
- أنا أشعر بالضجر. دعني أجلس مع الخالة ندى ورزان قليلاً
- لا
- أكاد انفجر من الملل يا رامي. الى من سأتحدث؟
- الى نفسكِ.
- أنا جادة.
- وكذلك أنا
- أريد دخول الحمام.
- دخلت قبل نصف ساعة. أعرف أنه عذر
تخيل شكلها وكيف تنفخ وجهها بضجر كالاطفال وتزفر وتتململ في غرفتها وحيدة فهو لا شاغل يشغله سوى حركاتها وصوت تأفأفها بين لحظة واخرى. كان استفزازها متعته الفعيلة التي يحرص على ممارستها عشرات المرات في اليوم!
رغم أنه يدعي القسوة ولكنه رغم ذلك لم يستطع تنفيذها بشكل تام معها. فأي عاشق سيكون لو كان سبب حزنها وبؤسها بشكل فعلي؟
بينما كانت تكتب له رسالة طويلة تحتوي على الكثير من الذم والاتهامات والمظلومية المطلقة - كعادات الفتيات بسرد الرسائل التي تشابه بطولها الجرائد عند كل خصام - وكادت أن ترسلها له لو لا ان تفاجئت به يفتح عليها الباب فجأة بوجه حرص على جعله ساخط وبارد كي لا تضعفه بنظراتها البريئة وقال بجدية:
- ماذا تريدين؟
وقفت بوجه بائس وقالت بتذمر:
- هذا يكفي يا رامي دعني أخرج
- وأن لم أفعل؟
- ولِما لن تفعل؟!
- بدون سبب. أستمتع بتعذيبك. ألست السادي وعديم الرحمة بهذا البيت بنظرك؟
- لم أقل هذا قط.
- ولكن كل تصرفاتكِ معي توحي بهذا.
- والى متى ستستمر بحجزي هنا؟ أريد الخروج يا رامي!
- لتهربي؟
- وهل أنتِ تحتجزني هنا عقاباَ لي؟ أم تخاف أن أهرب؟
وهنا كان العجز منه أن يرد بشيء. أيهما هو الخيار الصحيح؟ وأيهم ما يشعر به حقاً؟ هل هو شهر منذ بقائها هنا. هل هي المدة الكافية لخلق حب بهذه الطريقة العميقة لدرجة تدفعه للخوف والارتعاب من رحيلها واختفائها عن حياته؟
وسط ذهوله واستغراقه في عينيها الملتمعة بعناد وحب، قاطع شروده رنين هاتفه. التقطه من جيبه بحماس وامتنان لأنه أنقذه من الاجابة على هذا السؤال ولكنه سرعان ما قطب حاجبيه مستغرباً وهو يقرأ أسم المحقق امجد.
- أهلاً سيد أمجد.
فشد الاسم انتباه مرام وبقيت تحدق به بفضول وهو يكمل والدهشة تعتلي عينيه وهو يحدق بمرام:
- ومتى حصل هذا؟ ربما تكون لعبة. أهي بقربك؟ اجل ومرام بقربي. حسناً.
فتح مكبر الصوت ثم مد الهاتف نحو مرام ولا يزال الاستغراب والدهشة تحتل ملامحه وهو يقول:
- أنها أمكِ. سيعطيها أمجد الهاتف لتتحدث معكِ.
فتحت عينيها بصدمة وهي تلتقط الهاتف منه بسرعة وردت بلهفة:
- أمي؟!
ليصلها صوت والدتها التي اعتادته عكس تلك الباردة التي زارتها بالمرة الاخيرة.
- مرامي!
وهنا دمعت عينيها باشتياق وخوف ظناً منها أنهم أوقعوا بوالدتها. لم تسعفها قدميها على الاستمرار بالوقوف فتهاوت فوق كرسيها وقالت بينما تسمح لأول دمعة بالهطول:
- أمي؟ ما الذي حصل؟
- مرامي. بغض النظر عن كل تلك القرارات الخاطئة التي ارتكبتها ولكنك ستبقين الشيء النقي الوحيد في حياتي الذي لن أندم عليه اطلاقاً.
- أمي ما الذي تفعلينه في مركز الشرطة؟
- أنا من سلمت نفسي يا حبيبتي. سأحصل على حكم مخفف مقابل اعترافاتي وربما أطلاق سراح مشروط بعد فترة قصيرة لأتمكن من العيش معكِ مجدداً. لقد اخترت المحقق أمجد لأنه الوحيد - من بعد عصام - الذي لم نتمكن من رشوته لذلك أنا مطمئنة أنه لن يشي بقدومي لزيد وعلاء لذلك لن يعرفوا بأمر قدومي هذا اليوم إلا بعد أن نقبض عليهم.
- لماذا فعلتِ هذا؟!
- كان لابد من حصول هذا يا حبيبتي لأحميكِ. بما أنكِ رفضتِ توقيع التنازل!
هنا رفع رامي عينيه بصدمة ولهفة تحمل بعض الفرحة نحو عينيها المتوترة من جملة أمها الاخيرة. حاولت مداراة نظراتها عنه ولكنها لم تتمكن من ذلك. فقالت بصوت كان الارتباك جلي به:
- أمي. لم أكن أريد اذيتكِ. أعرف انكِ لم تؤذي أحد وأن كل ما حصل كان مجرد غلطة يمكننا أصلاحها. أخرجي من المركز يا امي وسنجد حل.
صمتت سعاد للحظات ثم قالت بصوت بدا مخنوق بعبرة:
- مرام. لم يعد لدي الكثير من الوقت لأنتظر إيجاد حل.
- لحظة. ماذا تعنين؟!
- سأذهب الان. وستفهمين كل شيء لاحقاً.
وانتهت المكالمة دون صوت آخر يصل لمرام. انزلت الهاتف باحباط وحزن وهي تدرك النهاية التي قررت امها رسمها لنفسها من أجل حمايتها. ترك رامي كل شيء ولم يسألها ألا عن شيء واحد فقط بصوت حمل الكثير من اللهفة والحب:
- لم توقعي التنازل؟!
تمنت حقاً لو أنه ينسى هذا الامر. ولكنه لم يفعل!
نظرت بارتباك نحو عينيه الباسمة وهي تراه يطالعها بهذا القدر من الحنان والحب والفرحة للمرة الاولى مما سبب لها ألم في بطنها مع جفاف فمها وتقلب عينيها في كل مكان عدا عينيه. ستتحمل غضبه بل وتستلذ بالشجار معه أحياناً ولكن الادهى كان حبه هو من يزعزع لها ثباتها!
عبثت باظافرها تحاول تمثيل تماسك مزيف لم تنجح بجعله يبدو واقعياً:
- ليس بالامر المهم.
تفاجئت - بل صدمت - وهي تجده يتقدم نحوها ليجلس القرفصاء عند ركبتيها ويرفع رأسه بابتسامة نحو عينيها المندهشة بينما يداه تحاصراها بجرأة وهو يستند بهما على مساند الكرسي ويقول بابتسامته العبثية:
- ليس مهم؟ متأكدة حول هذا؟!
- هل كان سيغير شيء؟
- بمشاعري؟ لا. بغضبي منكِ؟ نعم.
أحمّر وجهها وهي تجده يرد بصراحة على سؤال لم تكن تعنيه ولكن تمنت معرفة أجابته دائماً، فقالت بحروف متلكأة:.
- لا أفهم. ماذا. ماذا تعني بمشاعرك؟!
ارتفعت زاويتا فمه بابتسامة أكثر اتساعاً وهو يقول بنبرة ذات معنى:
- بل أظنكِ تفهمين.
اخذ نفساً عميقاً وكأنها أزاحت هم ثقيل عن قلبه بمعرفته هذه الحقيقة ثم قال بعتب:
- لِما فعلتِ هذا؟!
كتفت يديها امام صدرها واشاحت وجهها جانباً بيننا تقول بعناد:
- كنت تستحق هذا.
- ولماذا؟!
- كنت قاسي بكلامك.
- و؟!
- ولأنك لم تتحدث باحترام عني أمامها.
- و؟!
بدات جملها تتبعثر وهي تدرك لِما يحاول الوصول:
- ولأنك لا تتفاهم معي أبداً وتعاملني بقسوة رغم أنك لين مع الجميع.
- و؟!
فالتفتت اليه بعصبية مرتبكة:
- ولا توجد غير هذه الاسباب!
ضم شفتيه لبعضهما يحاول كتم ابتسامته بصعوبة ولكنها كانت واضحة على عينيه بشدة ثم قال مدعياً الجدية:
- متأكدة؟!
- تمام التأكد!
- اها.
- لا تقل أها
- ولماذا؟!
- هذا يعني أنك تحاول مجاراتي فقط.
وهنا أطلق ضحكته ونهض واقفاً بينما يقول وهو يتجه نحو الباب:
- حسناً من الجيد أنكِ تدركين ذلك.
ثم خرج تاركاً أياها وسط احراجها ولعنها لنفسها. ولكن وسط سعادتها ايضاً من أن الامور بدأت تعود لمجراها من جديد!
ما هي ألا دقائق حتى وجدت رزان تندفع راكضة نحو الغرفة بطريقة أفزعتها وهي تقول بحماس:
- لم تتنازلي؟!
طرفت بعينيها للحظات غير مستوعبة سرعة رامي في إيصال هذا الخبر ثم قالت:.
- منظركِ كم أخبروها إني حامل بعد عشر سنوات من العقم!
اقتربت الاخرى منها قائلة بهمس كي لا ينساب صوتيهما لرامي:
- أنتِ لديكِ عقم ولكن في عقلكِ وليس في رحمك. لِما أخبرته أنكِ تنازلتِ وأغضبتهِ؟
- أنتِ أكثر واحدة - بل الوحيدة - التي تعرفين لِما فعلت هذا فلا تتحامقي!
مطت شفتيها بقلة حيلة وقالت:
- كلاكما أحمقين!
ثم سحبتها من يدها وقالت:.
- هيا. سمح لكِ السلطان بمشاركتنا الطعام بدل ان تأكليه وحدكِ هنا ككلب الشارع الضال!
ضحكت مرام على لسان صديقتها السليط الذي ينطق كل شي يتبادر للذهن!
هل شعرت من قبل أن القدر يأخذ استراحة من صفعك بشكل متتالي واثناء ما يفعل ذلك - يستريح- فأنه يبتسم لك؟!
تشعر وكأنه يواسيك على الألم الملم بك فيحاول إراحتك للحظات قبل أن يعود ليوجعك؟
منذ اتصال والدتها وما تلته من ايام كان الامر يشبه استراحة القدر وابتسامته بالنسبة لهم - وبالاخص لمرام ورامي -.
رأت ذلك الجانب الضعيف منه المتستر خلف قناع قسوته. رأت رامي حيت يقع بالحب وابهجتها كل تلك تلميحاته الغامضة بشأن غيرته وحبه.
الحب جميل. ولكن أتعلمون ما هو أجمل؟
تلك المراحل التي تسبق الاعتراف العلني
حين يدرك كلاكما أنكما تقعان بغرام بعضكما أكثر وأكثر وتكتفيان بالمعرفة دون الافصاح
تهتمان ببعضكما
تغاران على بعضكما خلسة.
تتشاجران بقوة ثم تعاودان الصلح بحجة الصداقة أو أنكما اعتدتما على الحديث مع بعضكما فحسب. ليس أكثر، رغم أن كلاكما يدرك أنه أكثر بكثير من هذا. وكلاكما يدرك أن كلاكما يدرك ذلك. اوه حسناً أنها متاهة مشوشة لن يفهمها سوى من خاضها. حينها سيدرك ما أتحدث عنه حقاً!
كانت تجاوره الجلوس على الاريكة غارقة بعالم السيد دارسي والانسة اليزابيث بين سطور الرواية التي أحضرها لها بينما هو يطالع هاتفه ويقوم بمراسلة أحدهم ربما لم يركز بالمراسلة بقدر ما كانت تفعل هي!
كان السيد دارسي يقول شيئاً ما للانسة اليزابيث.
كررت قراءة السطر ثلاث مرات ولم تفهم بعد ماذا قال لها. أثار استفزازها مدى استغراقه وتركيزه بما يكتب دون حتى أن يرمقها بلمحة خاطفة منذ عشر دقائق.
هل شعرت من قبل بهذا الامر؟ ان تغار ولكن تحاول ان تكتم الغيره باكثر طاقه ممكن لديك؟ كانت تعلم انه حلم يصعب المساس به. لن يكون لها بغض النظر عن كل مشاعره الحالية اتجاهها ولكن رغم هذا لم تستطع إلا ان تشعر بالثورة تغلي بقلبها وهي تشاهده يكتب الرسائل متخيلة أنه لربما في طريق تصحيح أموره مع ريهام!
فقالت بنبرة حاولت قدر الامكان ان تجعلها تبدو اعتيادية:
- ريهام؟
فرد مستغرباً:
- عفواً؟
هل تتحدث الى ريهام؟
أدرك ان الغيره بدات تزحف الى قلبها فحاول ان يبدو مستغفلاً:
- أتحدث الى من؟
- ما بك؟ هل فقدت الذاكرة؟ ريهام خطيبتك!
- أنا؟ اتحدث اليها؟ لماذا؟ هل حصل شيء؟ وثانياً قولي التي كانت خطيبتك وليس خطيبتي!
ربما جملته الاخيرة قد ادخلت بعض الدفئ لقلبها ولكن عقلها النسوي الذي ينعدم عند الغيرة جعلها تفكر لربما هو ذاتاً بعلاقة حب مع غير ريهام. فبقانون النساء مستحيل ان يركز الرجل بمراسلة أحدهم ما لم تكن أنثى!
زفرت بضيق ونهضت من الاريكة مغلقة كتابها بعصبية فنهض فوراً من مكانه و وقف امامها مانعاً إياها من المضي نحو غرفتها فقالت بارتباك جلي بينما تطالع عينيه الباسمة:
- ماذا هناك؟ اريد ان اذهب نحو غرفتي؟
- لماذا؟
- ماذا تعني بلماذا؟
بقي يحدق بعينيها القريبة بابتسامة فقالت بعصبية تحاول مداراة احراجها:
- هلّا ابتعدت من فضلك؟!
قال دون أن يحرك عينيه عنها:
- قليلاً بعد فقط
قالت بينما تطرف عينيها بعدم استيعاب:
- ماذا؟!
- دعيني احدق بعينيكِ قليلاً بعد فقط!
شعرت بشيء يسحب روحها عالياُ ثم يعيدها ثم يسحبها ويرميها بجسدها بقوة فيختل توازنها ويعصف قلبها نابضاً بحرارة. هل هو يحاول ان يقول ما تظنه يريد إيصاله؟
كانت شفتيها تتحرك بارتجاف تحاول ان تتحدث ولكن صوتها لا يخرج. ما الذي يحصل؟ هو لم يقل شيئا يستوجب كل هذا الارتباك و لكنها كانت مرتبكة الى حد النخاع. كان بداخلها شعور غريب شيء من الزهو والغبطة التي لم تشعر بها مسبقاً. احساس جديد. احساس تهرب منه اليه!
ازدرقت ريقها بصعوبه وقالت بصوت بدا هامساً رغم انها استخدمت كل قواها لتخرجه:
-ماذا تعني؟
- لم اقل شيء غير مفهوم. اريد ان احدق بعينيك
- لماذا؟
احتفظ بابتسامته الدافئة ولم يقل شيئا اخر ثم افسح لها الطريق وقال:
- تستطيعين الذهاب إذاً
- لماذا؟
فقال بضجر مزيف:
- أستهلكتِ الكثير من لماذا يا مرام
- لماذا يا رامي؟
- ماذا تعنين بلماذا؟
- لماذا تريد ان تحدق بعيناي؟ لماذا وقفت في طريقي؟ لماذا تنظر إلى بهذه النظرة؟ لماذا تبتسم؟ لماذا تقترب؟ لماذا تفعل كل هذا؟
هنا توقف هو. لماذا يفعل كل هذا؟ هل يرد عليها؟ هل يخبرها لماذا يفعل كل هذا؟ هو ذاته لا يعرف. أو ربما كان يعرف ولكنه لا يريد ان يعترف او ربما كان يريد ان يعترف ولكن ما حوله لا يسمح له بذلك لا ظروفه ولا اسرته ولا حتى ظروفها و اسرتها هي. كل شيء ضدهما. فهل يتبع مشاعره التي لن تخرجه من هذه الحرب منتصراً؟
عندها قال فورا ببرود رامي الذي اعتادته:
- لا تبالغي بالامر. كنت امزح معكِ فقط.
ثم تخطاها وعاد جالساً حيث كان بينما هي وقفت في مكانها لم تستوعب ما حصل الان. هل كانت متوهمة بأحساسها؟ كل هذا وهم؟
تبسمت بسخريه ونظرت نحوه قائلة:
- أنت تفعلها دائماً!
فرد بنفاذ صبر محاولاً التملص من هذا النقاش:
- افعل ماذا؟
- تهرب!
كلمة واحدة خرجت منها ولكنها كانت كافية لتهزه بهذا الشكل وتجعله يتخذ موقف الصمت دون الرد بشيء يُذكر. فبالنهاية هي كانت محقة. هو بالفعل يهرب من كل شيء يخصها!
ما أن دخلت الى غرفتها حتى فعل هو المثل واغلق بابه عليه ليتصل بفادي. رد الاخر بضجر مصطنع:
- هل تدرك أن اختك هي خطيبتي وليس أنت؟ أنت تتصل بي اكثر منها!
- كفاك سخافة. أنا محتار
- بمرام اكيد.
فنهض من مجلسه وكأن الاسم لسع مشاعره وهو يقول بأنفاس بدت مخنوقة بحيرة:
- أنا مشوش يا فادي. لا يمكنني الافصاح عمّا اشعر به ببساطة ولا يمكنني التخلي عنها. ماذا أفعل؟
- ولِما لا تفصح لها؟ ما الذي يمنعك؟
- هذا ليس لائقاً. اعني اي مستقبل نملكه؟ هل سأبقى معها بعلاقة فقط؟ ليس من شيمي. هل أتقدم لها؟ ممن أطلب يدها؟ من أمها واخوتها الذين لا أطيق ذكر أسمهم؟ والان وبهذه الظروف لا ينفع أبداً التطرق لموضوع كهذا ولا يمكنني السماح لنفسي بعيش علاقة حب معها تحت سقف منزلي وتحت حمايتي. أشعر إني استغلها.
- هل ورقة الزواج السري لديك أم لديها؟
فرد بعدم فهم:
- ماذا؟ أي ورقة؟
ليهتف به الاخر بنفاذ صبر:.
- ما هو اللائق وغير اللائق ومنزلك وسقفك وامور البناء الاخرى، تجعلني أشعر انك تحاول اقناعها بالزواج سراً منك. أنت مجرد ستوضح لها مشاعرك يا رامي!
- بهذه البساطة؟
- بل وأكثر! لِما لا تتحدث معها بذات الصراحة التي تتحدث بها معي؟ ربما ستصلان لحل.
- أتعلم شيئاً؟ أنا ذاتاً مخطئ إني اعترفت لك بهذا الشي وجئت الان اطلب نصيحتك. أغرب عن وجهي!
واغلق الهاتف بوجهه وما هي إلا ثواني حتى وصلته رسالة من فادي:.
- انت واختك حقاً لديكم مشكلة مع قول مع السلامة
تجاهل رسالته رغم أنها دفعته للابتسام وزفر بحيرة يحاول بشدة تجاهل مشاعره اتجاهها فحسب. ولكنه لا يستطيع. هناك شيء يحرقه لا يجعله مستقراً ولا حتى بأمكانه إشغال نفسه بأي شيء ليتناسها. أنها تقفز لمخيلته مع كل شيء يقوم به.
التقط هاتفه وكتب رسالة مبعثرة من المعنى ولكن وصل لها كل ما كان يقصده:
- والحل؟
ثواني حتى وصلته رسالة منها فعلى ما يبدو ان ذات النار تلسعها جعلتها تنتظر منه أي شيء:
- أنت من تعاني من مشكلة لتجد لها حل
- ألستِ تعانين؟
- أعاني. ولكن ليس من مشكلة!
- لا يمكن أن يحدث هذا.
- إذاً اطلق سراحي!
- عفواً؟
بدأت بكتابة رسالة طويلة له ولكن ومرة اخرى وجدته يدفع الباب ليدخل عليها مقاطعاً رسالتها الطويلة. دخل وعينيه ملتمعة بغضب فنهضت من سريرها بهدوء غير متفاجئة من دخوله المتوقع. وقفت تنتظر تفجيره لتلك الكلمات التي وصلت للصفر في صدره:
- أطلق سراحكِ؟ من ماذا مرام؟
فقالت بثبات مع عيون بدت تحمل الكثير من الألم المكتوم:
- منك.
فأعاد كلمتها بتوكيد ساخط:
- مني؟!
- خمس سنوات كانت كافية بالنسبة لي.
- ماذا تعنين؟!
وهنا تخلت عن طور الهدوء واطلقت العنان لكل ألم ممزوج بغضب مما بدر منه في الفترة الاخيرة:
- أنت تضعني في المنتصف. كورقة احتياط تعود لها عند الضجر. لا احب تزييف كلماتي لذلك تعودت ان أبوح بكل صراحة ما يختلجني دون الاهتمام بنظرية المقابل عني.
ثم تقدمت بضع خطواته نحوه وعيونها بدأت تلتمع بقشرة شفافة تحاول بشدة أن لا تكسرها لتقع فوق وجهها تعلن ضعفها التام:.
- أخبرني إني مخطئة. اخبرني أنك لا تغار من أحمد أخبرني أنك لم تستشط غضباً لأني ذهبت معه لوحدي اكثر من استشاطتك لكوني تنازلت. أخبرني أنه بيوم اتصال أمي لم تكن تعني ما فهمته أنا حول مشاعرك. قل لي أن هذا كله كذب يا رامي.
تقدم هو خطوات اضافيه نحوها لدرجة لفحت أنفاسه وجهها وهو يقول بأنفعال:
- وأن لم يكن كذباً؟ وبعدها؟ وأن كان كذباً؟ وبعدها؟
ثبتت عيناها داخل عينيه باصرار واعادت عليه رسالته تلك التي أرسلها ذات مرة والتي تركت خدشاً عميقاً في قلبها:
- ما بعدها إني سأعرف أن كنت أزرع بذوري في ارض قاحلة أم خصبة!
انكسر شيء داخل نظراته الشرسة أمام عينيها المستضعفة فأكملت هي بثبات:
- ولكن لكل قرار تتخذه عواقب يا رامي. لا يمكنك ببساطة تكذيب احساسي والاستهانة بمشاعري وتتوقع مني أن أبقى بذات الخضوع لك.
رفع زاوية فمه باباستامة ساخرة وقال:.
- بمعنى لن أتدخل بخصوصياتك
- عدا قضيتنا. فلا. لن تتدخل.
- وتبدأين بأخذ راحتكِ مع السيد أحمد؟
- ما هي مشكلتك بالضبط معه؟ الرجل حتى لم يبدي أعجابه بي؟
- ولِما تظنين إني سأتأثر أن ابدا أعجابه؟ ومن قال لكِ ذاتاً أنكِ سبب تضجوري مني؟
رفعت حاجبها الايسر بحدة وكتفت يديها لبعضهما امام صدرها وقالت بتوكيد:
- لستُ أنا؟
- لا.
حركت فكها السفلي يميناً ويساراً بحركة سريعة دليل على غيضها وتخطيطها لشيء ما ثم فوراً قالت بحسم:
- إذاً لا دخل لك بطبيعة علاقتي معه.
واستدارت تريد العودة للجلوس على سريرها ولكنها تفاجئت بيده القاسية تقبض على زندها ليسحبها بعنف ويقربها ويعيدها حيث هي بينما يقول بعيون تطلق شرراً:
-إياكِ!
سبحت يدها بذات العنف وقالت بتحدي:
- جربني!
وقبل أن يرد بشيء دخلت رزان الغرفة وهي تتحدث مع مرام بصوت مرتفع ولكنها صمتت فوراً وهي ترى منظرهما كيف يحدقان ببعض بهذا المقدار من الغضب وبدل أن يجعلها هذا المنظر تصمت قامت بمشاكستها المعتادة وهي تراقص حاجبيها وتقول بنبرة ذات معنى:
- يا الله. بوادر الجنون. أول شجار للعاشقين!
أحمّر وحه مرام فوراً وقالت بغضب ممزوج بحياء:
- أي عاشقين انتِ الاخرى!
فقالت مدعية البراءة:
- امزح فقط انسة جولييت.
ثم غمزت وهي تقول:
- هل احظر شجرة وكأسين ليمون؟ ام تفضلان أن اغرب عن وجهكما في هذه اللحظة؟
التفت اليها رامي بذات العيون الغاضبة فقالت فوراً وهي تنسحب من الغرفة:
- حسناً الخيار الثاني هو الانسب!
ما أن خرجت التفت نحو مرام رافعاً أصبعه بتهديد وتأتأت شفتيه بحرفين لا اكثر اغتالهما على الفور وهو يقول بينما يهز رأسه بتوعد:
- حسناً يا مرام!
وخرج صافعاً الباب بقوة لتعود هي نحو سريرها جالسة عليه بغضب ولا تدرك ما الذي ستفعله أكثر مع كتلة العناد هذه الذي لا يحبها ولا يتركها لتتخلى عن حبه!
لم تدرك ان القادم اسوأ من كتمان مشاعره!
نصف ساعة لا أكثر حتى سمعت صوته يرتفع من الصالة فنهضت بسرعة وفتحت الباب لتجده يتحدث بانفعال عبر الهاتف:
- كنت أعلم أن هناك لعبة قذرة!
نظرت بوجل نحو وجه رزان وندى اللواتي كانت نظراتهن تمتزج ما بين السخط والحزن. ما أن أغلق الهاتف حتى قالت بقلق:
- ما الذي يحصل؟!
نظر لها نحوها بكره معاكس لنظرات الحب التي كان يطالعها بها قبل قليل وتقدم خطوتين نحوها ومنعته ندى من تقدم الثالثة وهي تقول باستعطاف بيتما تضع يدها على صدره تستوقفه:
- اذكر الرحمن يا حبيبي!
جف ريقها وقد أدركت أن مصيبة جديدة استخرجت رامي القديم. رامي المليء بالحقد والانتقام!
قال بصياح ووجهه ينضح بحبيبات عرق ملتهبة:
- هل هذه أحدى خططكم القذرة؟
فقالت بتبعثر وعدم فهم:
- خططنا؟ فقط ليخبرني أحدكم ما الذي يحصل؟!
فرد بصوت أشد:
- أمكِ رفضت الاعتراف. رفضت تقديم اي معلومات. ألم تكن الأم الحنون قبل أيام؟
فتحت عينيها بصدمة وهزت رأسها بعدم تصديق وهي تقول:
- هذا مستحيل!
- مستحيل؟ لقد اتصل بي أمجد قبل ثواني وأخبرني أنها تماطلهم بالاعتراف منذ ثلاثة ايام والان رفضت أمر الاعتراف كلياً!
مدت يدها المرتجفة نحو مسند الكرسي لتجلس عليه وهي تحدق بعيون رامي بعدم تصديق لِما يحصل. أنها تحاول ربط أحجار الاحجية وتفشل. ما الذي يحصل؟
ابعد يد أمه عن صدره وتقدم خطوتين نحوها وهو يقوب بنبرة حملت كل تلك الكراهية القديمة: - وبالمناسبة. أمكِ تبلغكِ سلامها عن طريق أمجد وتقول لكِ أتمنى عودتكِ سالمة فقط لمنزلكِ بأسرع وقت ممكن!
ثم صرخ بها:
- فسري لي هذه السخافة التي تحصل!
بكت ولأول مرة تشعر بهذا الخوف الشديد مرة اخرى من رامي وهي تقول بصوت مهزوز:
- أقسم لك إني لا أعرف ما الذي يحصل. لقد وثقت بها. لقد قالت أن كل ما يهمها سلامتي. ربما هم يفعلون هذا فقط لتشويه صورتي أمامكم ليحعلوكم تتخلون عني وبالتالي عن القضية. لقد حاول اخوتي فعل الامر ذاته مع احمد حين اخبروه إني أعمل معهم
فردت رزان مؤكدة:
- وجهة نظرها صحيحة يا رامي!
رفع أصبعه مهدداً أمام وجهها وهو يقول:.
- هذه القضية خط أحمر يا مرام. أقسم أن عرفت أن لك يداً بها سأجعلك تندمين على كل مشاعر حملتها لكِ.
ثم تركهم وخرج بخطوات غاضبة من الشقة وعيناها الباكية تتبعه الى أن اختفى عن عينيها لينطق فمها أسمه بترجي وخفوت. وكأنه تحاول فقط التمسك به رغم أن كل الظروف بترت لها أطرافها.
هل سيكون الحب كافياً ليتناسى أبنة من هي؟ ام مع كل شجار سيستذكر هذا الماضي؟
وهل ستكون هي الملاك المخلوق وسط شياطين؟ أم أنها شيطان آخر مثلهم كما كانت تظنه يراها؟