رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الحادي عشر
اسرار..
يعيش المجتمع داخل مستنقع من الخطايا والذنوب ولكنه رغم ذلك يطالبنا بالمثالية التي لا يملكها ورغم كونك تعرف هذه الحقيقة ولكنك ستضطر لتمثيل اكتمال نواقصك وتغلقها بأحكام كما يسدون هم ثقوب نواقصهم ليعيش المجتمع ككل داخل فقاعة من التزييف يكمن خلفها الكثير من النتانة التي ستطفو للسطح ما أن تنفجر هذه الفقاعة.
كان من المفترض أن يكون صباح اعتيادي ككل صباح آخر في العمل ولم يعلم أحمد وفادي ما القادم في الطريق لذلك كانا يجلسان كالعادة الصباحية يحتسيان أحدهما فنجان قهوة والاخر يفضل الشاي ويتناقشان حول دوري ابطال كرة القدم وكلاً ينحاز لفريقه بطريقة عنصرية.
وفجأة تحوّل الموضوع من الكرة الى العلاقات العاطفية من غير رابط مشترك بين الاثنين حين بدأ فادي بالسؤال: - بمناسبة كرة القدم. هل أنت معجب بمرام؟
قوّس أحمد حاجبيه متفاجئ من هذا السؤال وقال: - هذا كأن تسألني بمناسبة رأس السنة ما رأيك بقميصي الاسود. ما الربط يا رجل؟!
ضحك فادي وقال: - حسناً تستطيع أن تقول أني كلما أردت سؤالك لا تحصل مناسبة لذلك. فقررت رميها مباشرةٍ.
-وهل أنت حقاً من تريد أن تسأل؟! أم صديقك من دفعك؟!
سأل فادي بتعجب:
- صديقي؟ تقصد رامي؟!
-أجل؟!
- ولِما قد يهتم رامي بموضوع كهذا؟!
-لا أعلم. ولكن اجده حساس أكثر من المفترض بخصوصها. اتصلت البارحة على هاتفها وتفاجئت به هو من يرد وحين سألته عنها قال أنهم يتناولون العشاء وهل أنا محتاج لشيء خاص منها؟ أخبرته إني أردت الاطمئنان عنها فقط فاختصر الامر وقال انها بخير لا تقلق. شعرت أنه لا يريد مني التحدث اليها.
- ما هذا؟ حقاً؟!
- أقسم لك.
-غريب! ما أعرفه أنه لا يطيقها حسب ما أخبرني به حين أحضرها من منزلك وسألته بعد بيوم قال أن وجودوها في المنزل معه يخنقه. ما الذي تغير الان؟ وحتى لو كان يطيق وجودها أم لا فهي لا تخصه بشيء ليتدخل هكذا بخصوصياتها ويتحكم مع من تتحدث ومع من لا؟
رفع أحمد كتفيه بعدم معرفة ثم قال:
- لذلك سألتك أذ كان صديقك من دفعك لسؤال هذا الشيء.
تبسم فادي بمكر وقال:
-أجل. وتهربت باحترافية من سؤالي!
ضحك أحمد بنوع من الاحراج ثم قال:
- لن أقول إني معجب بها.
- ولن تقول أنك لست كذلك.
- لقد بقيت الفتاة معي في المنزل لمدة ايام يا فادي وتعرفت عليها جيداً. أنها مرحة، مثقفة، واعية، طفولية في بعض الاحيان وحزينة في احيان أخرى. أنها مزيج من نساء كثيرات لدرجة لا تجعلك تشعر بالضجر منها. لذلك هو شيء طبيعي أن تثير أعجابي!
تبسم فادي بمكر وهو يقول:
- ربما هو القدر من جمعكما.
- هذه نهاية من يطيع خطيبته ويتابع الافلام الهندية!
ضحك فادي وقاطع ضحكته صوت هاتف أحمد الخاص بالعمل وكان قادم من الاستشارية. اجاب باعتيادية ثم قطب حاجبيه وهو يقول: - ومن يكونان؟ ألم تسأليهما عن اسمهما؟ ضابطان؟
قال كلمته الاخيرة بشيء من التفاجئ وهو يدير بصره نحو فادي وكأنه يسأله هل تفكر بما أفكر به؟ بادله فادي علامات الاستغراب ذاتها وهو يشك بالأمر ذاته فنهضا سوياً على استعجال وقال أحمد لموظفة الاستشارية: - اسمعي. لا تبيني لهما حالياً إني أقول هذا واخبريهما أنه أتضح إنني خارج المستشفى في عمل منذ ساعة وسأرسل فادي وأدعي أنكِ تتحديثن له وقولي له أنهما جاءا للسؤال عن الدكتور احمد ولكنه ليس هنا فلعلهما يتحدثان اليه.
ثم اغلق الهاتف ونظر نحو فادي وهو يقول: - هل يعقل أن يكونا اخويها؟!
فقال فادي بارتباك: - هذا شبه مستحيل يا احمد. من أين سيصلان اليك؟
- فكر بالامر يا فادي. ما الذي فعلته ليحضر ضابط الى المستشفى؟ ولِما أنا بالتحديد؟ ولِما بعد أن ذهبنا نحو شقتها وشاهدوني. هل يعقل أنهم تتبعوني؟!
وفجأة ما ان خطرت هذه الفكرة على باله قام فوراً باستخراج شريحة الاتصال من هاتفه وكسرها وقال:.
- لربما يراقبون اتصالاتي. اعطني هاتفك فوراً!
سحب هاتف فادي وقال باستعجال:
- اذهب بسرعة نحو الاستشارية وحاول التصرف باعتيادية ودعهما يبدآن بسؤالك هما وكأنك غير مهتم.
-وانت ماذا ستفعل؟!
-سأخرج من الباب الخلفي نحو سيارتي.
- وبعدها؟!
- لا اعرف يا فادي. لربما سأذهب للشرطة بحجة أن المستشفى اتصلت بي واقول انكم ارسلتم ضباط من اجلي لا سيما ان عرفت انهم اخوتها. لعلهم حين يدركون ذهابي نحو الشرطة لربما سيترددون قليلاً قبل فعل شيء لي.
- تبدو خطتك ساذجة جداً ولكن ليس لدينا حل آخر بكل الحالات. اذهب فوراً.
خرج احمد مسرعاً باتجاه الباب الخلفي بينما ذهب فادي بذات الاستعجال نحو الاستشارية ولكن حين وصل قريب من منضدة الاستقبال خفف سرعته وادّعى اعتيادته وهو يقترب من الموظفة حين وجدها تتحدث الى احدهم وكأنه يريد سؤالها عن شيء وكما اتفق معها احمد مسبقاً فهي قالت فوراً مقاطعة حديث زيد:
- هذا هو الدكتور فادي. يمكنك سؤاله سيعرف أكثر مني فهما يعملان بنفس المكان.
نظر له بملامح مقتضبة بينما عينا فادي تتجول حوله فهو كان متأكد أنه سمع أحمد يقول انهما شخصان وليس واحد فاراد ان يعرف اين عساه الاخر يكون؟!
سأل زيد باقتضاب:
-أنت صديقه؟
فقال فادي مدعياً عدم الفهم:
- صديق من بالضبط؟!
- الدكتور احمد. هل تعرف أين يكون؟!
- وما الذي تريده منه بالضبط؟ وبصفتك ماذا تسأل عنه؟
اخرج زيد هويته في الحال فتأكد فادي من شكوك احمد حين قرأ اسمه وشعر أن زيد سيعرف كل شيء من شدة ارتباكه وشحوب بشرته. هنا شعر أن الدائرة التي كانت بعيدة أشد البعد عن مرام اصبحت تضيق عليها لشدة أنهم على بُعد خطوة واحدة من الامساك بها. بلل شفتيه بطرف لسانه يحاول بشتى الطرق أن يبدو اعتيادياً وهو يقول بنبرة شبه منخفضة كي لا يلاحظ زيد الارتجافة التي تشوب صوته:
- هل هناك شيء قام به صديقي؟!
أعاد زيد هويته بجيبه وهو يقول بضجر:
- ألا تجد نفسك أنك من تطرح الاسئلة الكثيرة وليس أنا؟!
ثم قال بنبرة حاسمة:
- والان اين هو صديقك؟!
فقال يحاول أبعاد الشكوك عنه كي لا يراقبوه ويتبعوه في يوم ويجدو مرام:
- لا تربطني به تلك الصداقة القوية لأعرف جدول مواعيده حضرتك.
اتجه أحمد مسرعاً نحو سيارته التي تصطف بين مجموعة اخرى من شبيهاتها في النوع ولكن كلما اقترب اكثر كلما تباطأت خطواته وهو يشاهد تلك القامة الضخمة يتكأ على صندوق سيارته ويكتف يديه الى صدره ويطالعه بملامح تبتسم بسخرية. ازدرد ريقه بتوتر ولم يجد سبيلاً سوى متابعة التقدم بخطوات تأبى ذلك. وصل قريب منه فحل علاء يديه من تعاقدهما واخرج هاتفه من جيبه ليتصل على زيد قائلاً بين يحملق داخل ملامح احمد المتوترة بابتسامة تزداد ارتياح:.
-لا داعي لتتعب نفسك. أنه هنا كما توقعت.
اغلق هاتفه ليسارع أحمد لسؤاله وكأنه لا يفهم شيئاً:
-هل هناك مشكلة أيها السيد؟
- هل يجب أن تكون؟ أخبرني أنت!
- أنت تقف عند سيارتي!
-أعرف ذلك.
سكت احمد للحظات لعل الاخر يتحرك ولكن لم يبدو أن له نية بذلك فقال:
-هل يمكنك أن تبتعد لو سمحت. لدي أمر طارئ على الذهاب اليه.
-ما اسمه؟
-عفوا؟!
-أمرك الطارئ. ما اسمه؟
وفجأة انضم لهما صوت زيد وهو يقول:
- مرام مثلاً؟
التفت ليزداد توتره وهو يشاهدهما يحاصرانه في موقف السيارات الخالي. حاول قدر الامكان أن يدّعي الاعتيادية وهو يسأله:
-لا اظن أنني أفهم.
اقترب زيد منه وهو يفتح هاتفه ويعرض صورته مع مرام التي التقطتها كاميرات المراقبة وقال:.
-سيد احمد. أنا انسان مباشر ولا أحب ابداً العاب القط والفأر التي تمارسها مع اختنا العزيزة. منذ اليوم الاول التي فقدناها بها وضعت كاميرات مراقبة عالية الدقة حول البناية وحتى إني ربطتهما على برنامج التعرف على الوجوه لدينا في المركز. أنا صاحب نفوذ كبير واستطيع بسهولة ايجاد الابرة داخل كومة القش. فلا تحاول أبداً التلاعب معي. والان. هل تحب أن ننهي هذا الامر بالطريقة السهلة أم الصعبة؟
نقل أحمد بصره ما بينهما وقرر حسم أمره. الشجاعة والشهامة ليستا بطاقته الرابحة الان ولن تفيدا مرام بشيء لذلك قرر لعب الدور المعاكس وقال وهو يعكر ملامحه ليضفي الجدية والمصداقية وقال مدعياً الاستياء:.
-أسمعني. ليس لي أي علاقة بأختكما ولا بمشاكلكما العائلية ولا يهمني حتى لِما تعرضت لذلك الضرب. من اجل شركة أو من اجل غيره لا ابالي. وجدت اختكما عند باب المستشفى حين انتهاء عملي وطلبت مني أن لا أخبر أي أحد عنها فلم أفهم ما الذي كانت تعنيه بالضبط حين طلبت ذلك ولكن مقارنة الامر بحالتها المزرية عرفت أن أحدهم تسبب بذلك لها فأخذتها نحو منزلي لأعالجها هناك سراً لحين فهم الامر منها. ما أن استعادت وعيها واصبحت قادرة على السير اخبرتني أن اصحبها نحو امها وانت تعرف تكملة هذا الامر.
-أنا أريد ما بعد هذا الامر. أريد أن أعرف أين هي الان.
-بعد خروجنا من شقتها اخبرتني انكم كنتم ستقتلونها لو تعرفتم عليها وحين لاحظت أنا جدية الامر طلبت منها الرحيل فلا أريد أن أتسبب بالضرر لوظيفتي أو أسرتي بسبب فتاة لا أعرف أي شيء عنها ولا أعرف ما أن كان ما اخبرتني به صحيح أم كذب بل ولا حتى كنت متأكداً من أن هذا أسمها الصحيح. لذلك طلبت منها الرحيل خصوصاً بعد معرفتي بطبيعة عملك.
نظر زيد نحوه بتشكيك ثم قال:
-وما الذي يثبت لي أنك تقول الصدق الان ولا تكذب؟ ما الذي يثبت لي انك لا تعرف مكانها؟ ما الذي يضمن لي أن لا أحد غيرك يعرف بأمرها؟ مثلاً صديقك الظريف ذاك الذي أرسلته لتأخيري بينما أنت تهرب الى سيارتك؟
لم ينكر احمد الامر نكراناً تاماً كي لا يثير ريبتهما:.
-صحيح إني ارسلته لتأخيركما ولكنه لا يعرف أي شيء عن الامر. ليس لأنني لا اريد التحدث بل اخاف من أن ينكشف هذا الامر فأقع بمشاكل أنا غنى عنه وقد تؤدي لتسريحي من العمل.
-لا تقلق بخصوص عملك. أنا من سأضمن طردك منه أن اكتشفت كذبك!
- لست أكذب بشيء. ويمكنك مرافقتي الان لتفتيش منزلي لتضمن من أنها ليست فيه.
تقدم علاء في هذه الحظة وقال بكل هدوء وبرود:.
- سيد احمد. نحن لن نفتش منزل ولن نعتقل ولن نهدد. في الوقت الحالي! ولكن عيوننا ستبقى عليك. وأن اكتشفنا أنك كنت تكذب بكل ما قلته الان. فستندم كثيراً. وحين أقول تندم فلا اعني انك ستعض أصابعك ندماً. بل لن يكون لديك اصابع من الاساس لتعضها!
كانت تهديداُ مباشراً وواضحاً بما فيه الكفاية لأحمد ليجعل وجهه يشحب ويدرك المصيبة التي أدخل نفسه بها. ولكنه رغم ذلك لم يتراجع عن موقفه وقال مدعياً الثقة رغم تزعزعها بداخله كلياً:
-حسناً. أتفقنا!
فقال زيد قالباً بعض الموازين داخل رأسه:
-لأسألك شيئاً سيد احمد. هل تتابع الافلام؟
نظر باستغراب نحوه دون أن يدرك المغزى فأصر زيد:
-هل تتابعها؟
فقال يجاريه بما يفعله:
-أجل نوعاً ما.
-هل تحب تلك النوعية من الافلام حين طوال الفلم تظن شيئاً معيناً وفجأة في النهاية ينقلب كل شيء ليتضح لك أن البطل كان الحقير منذ البداية ولكن قناع البراءة يغطي عليه؟
اكتفى احمد بالصمت فتبسم زيد مدركاً أن القصد قد وصل فاستأنف:.
-قصتنا هذه من ذلك النوع يا سيد احمد. أن وصفتنا مرام بأننا مستنقع فتذكر جيداً أن من يولد داخل مستنقع فمن المستحيل أن يخرج منه من غير أن يتلوث بمحتوياته. مرام تستغل وجه الطفل الذي تملكه لتلعب دور ليلى بينما هي الذئب بحد ذاته. كل ما اخبرتكم مرام به عنا صحيح. ولكنها ببساطة تشاركنا به سيد أحمد. وطمعها هو من اضطرنا على أن نتخذ هذا التصرف معها.
فقال وقد نجح زيد بتشويشه:
-ما الذي تعنيه بالضبط؟
لم يكن زيد غبياً ليرد على هذا السؤال بشكل مباشر فقال مستخدماً استعارة مجازية:.
-أعني أنه أن اخبرتكم مرام أننا نصدر التفاح. فحضرتها من كان يعبي لنا الصناديق بالتفاح لنصدره سيد احمد. عملنا لن يخرج من اطار العائلة. وافراد العائلة كلهم ينحصرون داخل الاطار بدون استثناء. لذلك لا تظن للحظة أن شخص من داخل عائلتنا بريء مما نفعله. نحن فقط نبعدها عن الاضواء لان هناك بعض الاعمال التي نحتاج بها أسم غير ملطخ. وأسمها الوحيد الذي لم يتلخط بيننا أمام السلطات.
ثم قال بينما يرتدي نظارته الشمسية:
-أن قابلت مرام في يوم ما سيد أحمد فأرجو أن تخبرها أن زيد يبلغكِ سلامه ويقول لكِ أن قررتِ أن تلعبي بالنار فاحذري. أمك أكثرنا مغطاة بالبنزين.
ثم أكمل علاء:
-اخبرها أن عادت الان فلن نؤذيها. فسعاد ترفض ذلك وأن غضبت علينا هذه المرة فلا نضمن أنها ستسامحنا وتقبل باستمرارنا داخل شركتها. لتعود الان ونحل هذا الخلاف بدل بقائها هاربة بهذا الشكل.
وقبل أن يرد بشيء تركاه ورحلا. بهذه البساطة!
طرح انفاسه المرتجفة بشيء من الراحة بعد رحيلهما وعاد بعض الدم لوجهه الشاحب. أسرع بالصعود نحو السيارة ليشغلها وينطلق مسرعا بينما يستخرج هاتف فادي ليتصل بمرام على رقمها الذي حفظه من أجل الحالات الطارئة. لم ترد عليه من المرة الاولى فأدرك لأنها لم تحفظ رقم فادي فقام بأرسال رسالة سريعة لها(أنا أحمد) وقام بالاتصال بعد ثواني من وصولها. ما أن ردت عليه حتى بدأ بسرد ما حصل عليها من غير مقدمات بينما هي تكتفي بكتم شهقاتها المتتالية مع كل نبأ جديد يبثه لها. ما أن أنهى حديثه حتى قال لها:.
-سأبتعد هذه الفترة عنكِ وسأتواصل معكِ من هذا الرقم للحالات الطارئة فقط وأنتِ عليكِ التحذر ألف مرة يا مرام.
مسحت عينيها من الدموع وقالت بصوت مختنق:
-احمد؟!
-أجل؟
-هل تظنه صحيح؟ ما يقولانه على أمي؟ أم أنها أراد تشويشي ناحيتها كما فعلا معك من ناحيتي؟
صمت لثواني ثم زفر بحيرة وقال:
-في الحقيقة لا اعرف يا مرام. أعني في النهاية هي أمكِ وتعرفينها أكثر مني. هل يمكن أن تفعل شيء كهذا؟
-ما الذي قد أعرفه يا أحمد. كل شيء عن عائلتي اكتشفتنه الان بعد كل هذه السنين التي عشتها معهم. لم أعد أتفاجئ من شيء. بات كل شيء متوقعاً.
-لا تفكري بهذه الامور الان وحاولي التهرب منهم قدر الامكان الى أن يتم القبض عليهم.
تنهدت بحيرة ولا تعرف أي شيء اخر لترد عليه سوى زفرات الحيرة والاسى اتجاه نفسها. ختمت المكالمة وخرجت نحو الصالة ليبادرها رامي بالسؤال فوراً وهو يدَعي انشغاله بتقليب القنوات دون أ ينظر اليها:
-ما الذي كان أحمد يريده؟
جلست على الكرسي المجاور لأريكته وبدأت تسرد له كل ما حصل وهو يكتفي بالايماء دون أن يكلف نفسه الالتاف اليها أو إجابتها وحين انتهى حديثها وجدته يقول ببساطة:.
-جيد. على الاقل سنتخلص من ازعاجه هذه الفترة.
نظرت نحو باستغراب وهي تسأله:
-ازعاج من؟
-أحمد.
-أهذا كل ما جذب انتباهك بكل ما قلته؟
زفر بتضايق وهو ينظر اليها قائلاً:
-ما الشيء المثير للقلق فيما قلته لي؟
انفرجت شفتاها بذهول وهي تسأله بعدم استيعاب:
-أنا أقول لك أخوتي على وشك الوصول إلى وأنت لا تجد في الامر أي شيء يثير القلق؟
أطفئ التلفاز والتفت معانقاً كلتا راحتيه ببعضهما وقال بشيء من الانزعاج:.
-اسمعيني جيداً. ما بينكِ وبين أخوتكِ شيء لا يعنيني على الاطلاق. قتلوكِ. تقتلينهم. مشاكل عائلية بينكم لن اتدخل بها. كل ما يهمني هو أن يتم الامساك بأخوتكِ ولن يهمني أن كان هذا سيحدث قبل أو بعد موتكِ. هل وجهة نظري واضحة بما فيه الكفاية لكِ؟
قامت وشيء من الدموع تجتمع داخل حدقتيها الواسعة وقالت بنبرة تهتز بفعل الانفعال المكتوم:.
-ما مشكلتك أنت بالضبط؟ لِما كل هذا الكره والحقد اتجاه الجميع شاملاً بذلك الظالم والمظلوم من دون استثناء؟ لماذا لا يمكن للمرء أن يعيش حياته ببساطة بدل هذا التعقيد؟ لماذا لا نستطيع أن نسامح ونمضي بدل كل هذا الحقد المتراكم في قلوبنا؟
سكت لثواني يحدق فيها ببرود ثم قال:.
-لأننا سنموت حينها. فالإنسان الجيد لن يعيش في هذه الدنيا يا مرام وسيأخذه الله اليه قريباً. وفي الحقيقة لا أنوي التوقف عن القتال ضد الحياة الان. ليس قبل أن أشفي غليلي بأخوتكِ. لذلك دعيني أبقى بحقدي هذا.
-هل تظن أن الحقد سيحل شيء؟ هذا الحقد سيقتلك في يوم!
وفي الوقت الذي توقعت اندلاع مشادة كلامية ستسغرق ساعات، وجدته يبدي رد فعل معاكسة حيث يكتفي برمقها ببرود لحين انتهاء جملتها ثم نهض وخرج نحو الشرفة غالقاً الباب خلفه بهدوء غير مبالياً بتلك النار تلك التي تنظر له ما بين غضب جامح ومن بين دهشة عارمة!
رمت هاتفها باستياء على الاريكة ودخلت الغرفة هي الاخرى تكاد تبعثر كل شيء ارضاً لولا حيائها الذي يمنعها. ثوانٍ حتى دخلت رزان من بعدها والتي قد شهدت كل ما حصل دون أن تبدي رد فعل واحد هي أو أمها مما أثار استغراب مرام من سكوتهما هذه المرة، ولكنها سرعان ما وجدت الإجابة حين قالت رزان:.
- أخي لم يقصد أياً مما قاله. ذاتاً تشاجر معي أنا وأمي قبل قليل لاسباب تافهة وبدأ بالتفوه بالحماقة كما فعل معكِ. نحن معتادين على أسلوبه هذا في هذا الوقت من العام. أنه فقط فاشل في التعبير عن ألمه. لا يجد سوى هذه الطريقة.
توقف جسد مرام عن الحركة بهيجان ذهاباً واياباً وجذبتها عبارة رزان فأعادتها طالبةٍ التوضيح:
- في هذا الوقت من العام؟!
جلست رزان على سريرها وقالت بوجه عابس ونبرة حزينة:.
- اليوم ذكرى وفاة أبي. لكِ أن تتخيلي صعوبة الأمر عليه. لاسيما بوجودكِ.
فقالت بقهر:
- وما ذنبي أنا بما اقترفوه هم؟
- لا ذنب لكِ. لكنكِ تحملين رأئحتهم. وجوههم. اسمهم. أنتِ تنتمين إليهم حتى لو لم تكوني واحدة منهم يا مرام.
ثم نهضت رزان مرة اخرى بمواجهة مرام وقاات بأسى:.
- في الحقيقة لا أعرف هل أطلب منكِ الذهاب والتحدث أليه؟ أم أن تغيبي عن ناظريه اليوم بأكمله؟ أنا واثقة حتى رامي لا يعرف ما يريد بالضبط ليفرغ غيضه.
ختمت رزان جملتها بهذه العبارة وتركت الغرفة وخرجت جاعلة مرام بنوبة حيرة أشد. فكرت مرات عديدة بالخروج ومواجهته ولكنها تراجعت عن ذلك كلما لامست بشرتها مقبض الباب وسرت في جسدها برودة معدنه وكأنها تزود خلايا عقلها بالانسحاب وعدم خوض معركة ضارية مع ذلك المفترس المغيب عن وعيه في هذا اليوم.
اعتزلت فوق سريرها تتوسده بضعف وتلم جسدها اليها تحتضنه، لحظات ضعف عقيمة خالية من كل الايادي التي تطبطب علينا. خالية من أي أمل يلمع في الافق. خالية من ذلك النور الموجود - وهماً - في نهاية النفق. كان الامر يشبه الغوص في مستنقع رملي كلما حاولت تخليص نفسك وجدت جسدك ينسحب للقاع أكثر ساحباً اياك نحو الهلاك. لا حل لِما هي فيه سوى موت أحد الاطراف. هي أو أخويها!
أجهدها البكاء والتفكير وزامنها صداع قاتل في جميع ارجاء رأسها. التفتت نحو سرير رزان لتجدها تغط بنوم هادئ وعالم أحلام مسالم. نظرت نحو ساعتهما المنضدية لتجدها تشير نحو الثانية والنصف بعد منتصف الليل. لابد أن الجميع يغط بنوم مشابه لرزان!
سحبت نفسها بروية من تحت غطائها وسارت بهدوء نحو الباب لتفتحه بحذر شديد خشية ايقاظ المسكينة من نومها وخرجت نحو المطبخ تبحث لنفسها عن شيء يخفف هذا الصداع القاتل!
اخترقت الصالة باتجاه المطبخ ولكن قدماها تجمدتا فوراً حين وقعت عيناها على باب الشرفة المفتوح بنسبة قليلة جداً تدل على وجود أحد فيها. أيعقل أن الامير الغاضب لم يغادر برجه العاجي منذ أن دخل اليه بعد مشاجرتهما؟
اتجهت نحو الشرفة ونظرت بحذر وهدوء شديدين من تلك الفتحة الصغيرة لتجده هناك يجلس على الكرسي معيداً ظهره للوراء كثيراً ويحدق بالسماء. غاصت بالنظر اليه والتمعن بملامحه الجانبية الى أن أفزعتها عبارته:
- الى متى ستسمرين بمراقبتي هكذا؟
شهقت بدون أرادة وكتمت صوتها فوراً بيدها وهي تلعن نفسها ألف مرة من هذا الموقف الساذج الذي وضعت نفسها به.
فتحت باب الشرفة وقالت بتلكأ:.
- لم أكن اراقب. أردت التأكد ممن في الشرفة فحسب.
استعدل بظهره وهو يزفر بتعب ثم اشار لكرسي بجانبه وقال بنبرة ضعيفة:
- لتعالي لتجلسي يا مرام.
تقدمت خطواتها بتردد الى أن استقرت جالسة على الكرسي وهي تنظر له بتوجس تنتظر منه ان يبعد وجهه الغارق بين كفيه لعلها تستوحي من ملامحه مشاعره. انزل يديه مستنداً على فخذيه وضاماً كفيه ببعضها ثم قال بينما يزفر كل ذلك الهواء المحجوز داخل صدره:.
- أتعلمين ما هو أصعب من الموت يا مرام؟!
-ما هو؟!
- الندم. الملامة. العجز.
قالت تواسيه:
- لم يكن بيدك شيء لتفعله يا رامي.
-أعرف. ولكن كل ليلة أسأل نفسي. ماذا لو لم اتركه في ذلك اليوم؟ فأندم على رحيلي وألوم نفسي. واكره نفسي لأني عاجز ليس بيدي أي شيء لأفعله. لا شيء لأواسي بكاء أمي السري وانا اسمعه كل ليلة. لا شيء لأبعد نظرة اليتم تلك في عيون رزان. مهما فعلت أنا لن استطيع تعويضهما، وأن فعلت. فمن سيعوضني؟!
كادت أن تتحدث ولكنه فضلت الصمت وهي تلاحظ بعض الارتجاف يهز له نبرته يعبر عن غصة تتوسط حنجرته:
- قبل أن يموت كان كل ما يشغلني هو كيف احقق أحلامي. طموحي. كيف سأتعرف على الفتاة التي سأحبها ونتزوج. كيف سأصبح شخص ناجح. أعيش في عالم وردي وترف ومليء بالاحلام الرائعة، ولكن فجأة بين لحظة وأخرى وجدت نفسي كل ما أفكر به.
هو كيف سأوفر مصاريف دراسة رزان؟ هل سيكفي مرتبي لدفع فواتير الكهرباء والماء هذا الشهر؟ الحمام يحتاج الى سباك. على اصلاح سور الشرفة.
ثم نظر اليها ولأول مرة تشاهد هذا الضعف والدموع داخل عينيه وهو يكمل:
- أنا لم أعد أنا يا مرام. أدركت أنه لتحمل مسؤولية كهذه. ولتحمي عائلتك. عليك أن تكون قوي. قاسي. عديم الرحمة اتجاه كل من يحاول أن يؤذيهم.
ثم استأنف:.
-نعم ربما لا ذنب لكِ يا مرام. ولكني اكرهكِ. اكرهكِ في كل لحظة أتخيل إني بهذا الوضع المزري بسبب أبيكِ وأخوتكِ بينما أنتم - وأنتِ - كنتم تنعمون بالحياة الرغيدة والسعيدة طوال هذه السنين بينما أنا أكافح لأنقد أسرتي من النفق الذي أدخلتمونا به.
وهنا تبسمت ساخرة بينما تمسح دموعها وقالت:
-حياة سعيدة؟!
فقال باستهزاء:
- ماذا؟ هل ستكونين الان الفتاة الثرية التعيسة؟!
-رامي لِما تظن أن السعادة تكمن في المال فقط؟!
-ماذا كان ينقص حياتكِ بالضبط؟!
- السعادة.
بقي يحدق بها بجمود مستمعاً لها بينما هي تضم يديها الى صدرها لتكمل غير مبالية بمسح دموعها:
- أنا لم أملك أي شيء مما تتخيله يا رامي. سلبوني ما سلبوه منك بالضبط رغم إني أنتمي اليهم. كنت خاوية وخالية من أي شعور. لم أكن أجد أي شيء يستحق العيش!
وهنا تغيرت ملامحه قليلاً باهتمام لتكمل هي وشبح ابتسامة يغزو وجهها الباكي:.
- هل تعرف الفرق بين من يريد الانتحار فعلاً وبين من يحاول ذلك؟!
- ماذا تعنين؟!
- من يفكر بالانتحار أو يحاول ان يجربه سيبدو خائفاً، متردداً وغير قاصد حقاً للموت بقدر ما يقصد جذب الانتباه، ولكن من يريد الانتحار فعلاً يا رامي ستجده يشعر بسلام داخلي ورضا وجرأة لايذاء نفسه دون أن يخاف.
وهنا جعد ملامحه باستياء وقال:
- حاولتِ الانتحار؟!
- اجل. مرة!
-هل أنتِ مجنونة؟!
- لو لم يكن لديك مسؤولية أمك واختك لجربته ايضاً
- هذا مستحيل.
- ليس بالنسبة لي. كان خياري الوحيد.
- لماذا؟ ما الذي جعلكِ تفعلين شيء غبي وساذج كهذا؟ ارى تصرفات كهذه للمراهقين فقط وليس لشابة بعمركِ وعقلكِ.
تبسمت بينما شاهد وجهها يعتصر اكثر بألم وهي ترد عليه:
- هدمو احلامي. طموحاتي. واخيراً. قتلو الشخص الذي أحب! كما فعلوا معك بالضبط.
وهنا انفرجت كل ملامحه بصدمة غير مستوعباً ما قالته فأكملت هي:.
- كان ذلك قبل تعرفي عليك. كان أبي قد اتفق معي أن ادرس ادارة الاعمال وسيمنحني منصباً مرموقاً في الشركة. كان طموحي أن ادرس لغات او هندسة في الحقيقة ولكني رغم ذلك غيرت اختصاصي حسب اقتراحه. وبعد فترة أخبرني أنه أعدل عن رأيه وانه غير مسموح لي العمل هناك ولا حتى كموظفة عادية. بالطبع عرفت أن هذا كان بضغط من زيد وعلاء وربما حتى امي ولكني لم أدرك السبب إلا بعد أن اتيت الى هنا وعرفت حقيقة شركتهم فأدركت لما رفضوا عملي هناك. كان أبي يظن إني سأشاركهم احلامهم. ولكن أمي ادركت أن طبيعتي تختلف عنهم. لذلك رفض الجميع عملي هناك. حُرمت من دراستي التي اريدها فعلاً. وحُرمت من الطموح الذي زرعه أبي بي. ولم أحصل على ما اريده في النهاية.
فقال وكأنه من بين الحديث كله كان ينتظر شيء واحد فقط:
- وقتلو من؟!
رفعت كتفيها وانزلتهما كعلامة على العجز وقالت:
- لا أملك دليل أثبت به أنهم هم من فعلو ذلك كما لا تملك أنت دليل انهم من قتلو اباك، ولكن كلانا يعلم أنهم هم لا غير.
-أجل. من هو؟!
- الشخص الذي أحببته.
وهنا فتح عينيه بصدمة وانفرجت شفتيه بذهول مستمعاً الى بقية حديثها:.
-كنت في مرحلتي الاولى من الجامعة وتعرفت عليه. كان اسمه سامي. شاب مثالي ورائع ولكن تعارفنا بدأ بمشكلة كارثية.
وضحكت وسط دموعها واكملت:.
- كان ابن مستشار وزير الداخلية. اكثر شخص يملك عداوة مع ابي واخوتي ويريد سجنهم أكثر من اي شخص اخر. كان سامي مثل حالتك يظن إني أعرف كل شيء عن اسرتي فكان يلمح لي بكلام لا افهمه ويتشاجر معي بمشادات كلامية. والجميل أنه حين أدرك إني لا أعرف لم يخبرني عنهم أي شيء. لن اخبرك أنه جمعنا الحب المثالي والاسطوري. لا. كنت صغيرة بالعمر لا افقه أمور كهذه. ولكن جمعتنا المثالية. كان سامي شاب رائع وطيب القلب أكثر مما يمكنني وصفه. تقدم لخطبتي وكنت أظن سأحظى بحياة رائعة. لم أكن ادرك يومها أنها الخطوة الاولى نحو تهلكتي. وجد أبي أن هذا الارتباط للايقاع بنا فقط ولم أفهم كلامه فقد كان من وجهة نظري أنه أن لم يكن لديه شيء يخاف منه فلِما يخشى هذا التقارب بين الاسرتين؟ ولكنه رغم ذلك رفض رفضاً شديداً. حسناً ورثت صفة واحدة منه أنا. العناد!
رفعت يديها نحو دموعها لتقرر مسحها واخيراً وهي تستأنف:
- أخبرتهم إني سأرتبط بسامي بموافقتهم أو بعدمها. أبي كان يدرك جيداً إني أن أصررت على شيء سأفعله. أدرك أن هذا الارتباط واقع لا محالة.
أغمضت عيناها لثواني بتوجع وهي تستذكر ما حصل ثم فتحتهما لتفرغ ما بهما من دمع واكملت:
- ذهبت في اليوم التالي الى الجامعة.
ادارت عينيها المتوجعة نحو رامي الذي ينظر نحوها بشفقة وأكملت:.
- هل تدرك ما شعرت به لحظتها حين دخلت ووجدت صورة كبيرة له عند باب الجامعة مع سطرين لا اكثر من التعزية على روحه الشابة؟!
مسحت انفها المحمر بظهر يدها واكملت بينما عينيها تضيق أكثر بفعل التورم من البكاء:
- الطب الشرعي أظهر أن سبب الوفاة بسبب جرعة زائدة من المخدرات.
ثم نظرت نحو رامي مجدداً ببكاء:
- مخدرات يا رامي وسامي لم يكن يشرب حتى سيجارة بسبب رياضته التي كان مولع بها بشدة.
ادار وجهه الناحية الاخرى يواري عنها لحظة مسحه لدمعته ثم أبقى وجهه ينظر للامام دون أن ينظر نحو ملامحها المتألمة وهي تكمل حديثها:
- أدركت أنهم من فعلوا ذلك ولكني لم أملك أي دليل ضدهم يدينهم. صرخت. بكيت. عزلت نفسي لايام في غرفتي. ولكن لم يفد أياً من هذا بتخفيف وجعي. لم يكن أياً من حديثي سيصل لسامي ولا بكائي. لم أكن سأسمع صوته مرة أخرى أو اراه.
مسحت دموعها للمرة الاخيرة وقررت التوقف بعدها عن البكاء ونظرت نحوه بابتسامة رغم ما بها من ألم:
- في النهاية. أنا وأنت على ذات المركب يا رامي رغم اختلاف الاماكن التي جئنا منها.
سكت للحظات ثم نظر اليها وقال:
-في ذلك اليوم. الذي رأيتكِ به في مكتب أبيكِ. ماذا كنتِ تفعلين هناك؟ هل بسبب وفاة سامي؟!
- لا. هنا مرت سنتين أو أكثر على وفاة سامي. كان ذلك اليوم الذي أدركت فيه أنس لن أعمل معهم في الشركة. بعد كل شيء خسرته سلبو مني أخر حلم.
تبسمت وهي تكمل:
- ورأيتك.
- هل غير هذا شيء؟!
-الكثير.
أخذت نفساً عميقاً ثم طرحت كلماتها مع أنفاسها:
-رغم أنك كنت تبدو بحالة مزرية يا رامي. ولكني لمست أنعكاسي بك. هناك شخص عانى مثلي منهم. حين نظرت بعيناي بشكل مباشر شعر كما لو أنك.
واغتالت جملتها ليستحثها هو على الاكمال بنبرة تحمل بعض الفضول الممتزج باللهفة:
- كما لو أني ماذا؟!
- كما لو أنك تنظر لروحي يا رامي. وليس لعيناي. شعرت إني أعرفك رغم إني لم أقابلك ابداً. هل تعرف هذا الشعور الذي يبدو كما لو.
وتلعثمت كلماتها لا تعرف كيف تصفها فأكمل هو وشيء يلتمع داخل عينيه:
- كما لو أن روحكِ قد قابلته قبل جسدكِ.
غاصت داخل عينيه وهي ترد بخفوت:
-بالضبط.
وهنا توقف الزمن. غاصا لأول مرة داخل عيون بعض دون أن يمنعهما شيء من ذلك. بدا الامر غريباً لكليهما ولكن غريب بلذة. استمتعت بهذا الشعور وهي تتمسك بعينيه وتحب غرقه بعينيها. نعم قد يكون سامي اول شخص ارتبطت به. ولكنه لم يكن يوماً حباً. عرفت معنى أن يحب الانسان حقاً حين عرفت رامي. عرفت أن الحب يُخلق في الطريق الوعر والنهايات المبهمة والمستقبل المستحيل. عرفت أن الحب لا يعني التبادل من الطرفين. ربما هو سيستبيح حرمتك ويصون الاخر. الحب هو الحب. بهذه البساطة والتعقيد!